سواء كان الدين قليلا أو كثيرا وقيل المراد الكاتب فانّ البلوغ ليس بشرط في الكاتب وقيل الكتاب أي مختصرا كان أو مطوّلا وكل ذلك تعسّف والأوّل أولى ، وفي ذلك دلالة على استحباب كتابة الدين والاشهاد به.
ثمّ ذكر سبحانه لرجحانه ثلاثة أسباب الأوّل أنّه « أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ » أي أعدل الثاني أنّه « أَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ » أي أعون لها لأنّ المكتوب أبعد زوالا من الحفظ الثالث أنه « أَدْنى أَلّا تَرْتابُوا » أي أقرب في انتفاء الريب أي الشكّ لأنّ عدم الكتابة سبب لريب أحد الغريمين في أنّه صادق أو كاذب.
١٦ ـ « إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً » هذا استثناء من الأمر بالكتابة أي إن كانت المعاملة بينكم في تجارة حاضرة يدا بيد من غير غيبة لأحد العوضين ، فليس عليكم جناح أن لا تكتبوا تلك المعاملة ، فإنّه لا يتوقّع فيها شكّ استقبالي.
١٧ ـ « وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ » أي إذا لم يكن المبايعة بالدّين وإلّا لزم التكرار وإنّما أمر بالإشهاد عند المبايعة إرشادا إلى رعاية مصلحتها لأنّه لولاه لجاز أن يندم أحد المتبايعين على البيع أو يقع نزاع في كميّة أحد العوضين ، أو شرط أو خيار أو غير ذلك فالأمر هنا للإرشاد ، وقال داود : إنّه للوجوب ، وليس بشيء لما قلناه من ترتّب المصلحة الدنيويّة.
١٨ ـ « وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ » فيه قراءتان (١) : إحداهما « لا يضارر » بالإظهار والكسر والبناء للفاعل قرأ به أبو عمرو ، فعلى هذا يكون المعنى لا يجوز
__________________
(١) قال الطبرسي في المجمع : وقرأ أبو جعفر « ولا يضار » بتشديد الراء وتسكينها والباقون « لا يضار » بالنصب والتشديد. ثم قال في وجهه : واما قوله « لا يُضَارَّ » ففيه قولان : أحدهما أن أصله لا يضارر ـ بالكسر ـ فأدغمت الراء في الراء وفتحت لالتقاء الساكنين فيكون معناه : لا يكتب الكاتب الا بالحق ولا يشهد الشاهد الا بالحق ، الثاني : ان أصله لا يضارر بفتح الراء الأولى فأدغمت فيكون المعنى لا يدع الكاتب على وجه يضر به وكذلك الشاهد ، والأول أبين واما قراءة أبي جعفر بتسكين الراء مع التشديد ففيه نظر ووجهه أنه أجرى الوصل مجرى الوقف اه فتدبر.