يعاشروه ؛ كي يعرفوا مزاياه وخصائصه الّتي حباه الله بها (١) ، وإنّما كانت تصلهم أخباره عن طريق المسافرين أو الرواة ، وهي ـ أي الأخبار ـ متفاوتة بين الصدق والكذب ، كأيّ خبر يُنقل ، حسب وثاقة الرواة وعدمها ، وحسب نقل المحبّين له والمبغضين ، وهم موجودون في زمانه ، كما أنّهم موجودون في كلّ زمان.
بل إنّ نسبة المبغضين له في العرب آنذاك أكبر من نسبة المحبّين له ؛ لموقع سيفه في القبائل العربية الّتي حاربت الإسلام في بدء الدعوة ، فما من قبيلة من قبائل العرب إلاّ كان قد وترها بواحد من أفرادها ، أو بعدّة أفراد (٢).
كما أنّ خروج عائشة ( أُمّ المؤمنين ) مع طلحة والزبير لحربه عليهالسلام كان له الأثر الكبير في اشتداد الفتنة علىٰ الناس ، واشتباه معالم الحقّ عليهم ، فلم يعرفوا أي المعسكرين علىٰ حقّ ، هل هو معكسر أمير المؤمنين وابن عمّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أم معسكر أُمّ المؤمنين وحواريّي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كما يسمّونهم ؟
الأمر الّذي دعا الإمام عليهالسلام أن يكلّم الناس بهذه الطريقة التشكيكية ،
__________________
(١) انظر : كتابه الآخر الّذي كتبه عليهالسلام إلىٰ أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلىٰ البصرة ، والّذي جاء فيه : « فإنّي أُخبركم عن أمر عثمان ؛ حتّىٰ يكون سمعه كعيانه ... الخ » ؛ نهج البلاغة ـ تعليق الشيخ محمد عبده ـ ج ٣ ص ٢ ..
وهو يدلّ علىٰ أنّ غاية ما عند أهل الكوفة من أخباره عليهالسلام وأخبار الحوادث الّتي جرت حينذاك إنّما مصدرها السمع فقط ، وهو مختلف صدقاً وكذباً ، كما سنشير إليه.
(٢) انظر : قول عمر بن الخطّاب لابن عبّاس عند محاججة الأخير له بأحقيّة عليّ عليهالسلام بالخلافة ؛ قال عمر : لا وربّ هذه البنية ـ يعني الكعبة ـ لا تجتمع عليه قريش أبداً ، ولو وليها لانقضت عليه العرب من أقطارها ; شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٢ / ٢١.