وبالفعل كان الإمام جعفر الصادق عليه السلام إذا طرحت عليه مسألة ذكر آراء مختلف العلماء فيها كما ينقل ذلك باكبار الإمام أبو حنيفة يقول : ما رأيت أفقه من جعفر بن محمّد لمّا أقدمه المنصور بعث إليّ فقال : يا أبا حنيفة إنّ الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمّد فهيئ له من المسائل الشداد ، فهيّأت له أربعين مسألة ، فجعلت ألقي عليه فيجيبني ، فيقول : أنتم تقولون كذلك وأهل المدينة يقولون كذا ونحن نقول كذا فربّما تابعهم وربّما خالفنا جميعاً حتّى أتيت على الأربعين مسألة ، ثمّ قال أبو حنيفة : ألسنا روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس (١).
إنّ الإمام جعفر الصادق هو أحد أئمة أهل البيت عليهم السلام ولا شكّ أنّه يعتقد الصواب في رأيه والحق في فتواه ولكنّ ذلك لا يمنعه من نقل آراء الآخرين وفتاواهم ليعطي للأمّة درساً في التسامح وفي احترام الرأي الآخر مهما اختلفت معه.
وهناك حديث آخر عن الإمام الصادق نفسه يرويه عن جدّه علي بن أبي طالب عليه السلام ، يفيد مضمونه أنّ أبواب الجنّة مشرعة لجميع المسلمين مهما اختلف مذاهبهم يقول عليه السلام : إنّ للجنّة ثمانية أبواب باب يدخل منه النبيّون والصدّيقون ، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون ، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبونا ... ، وباب يدخل منه سائر المسلمين ممّن شهد أنْ لا إلَه إلّا الله ولم يكن في قلبه مقدار ذرة من بغضنا أهل البيت (٢).
هكذا كان يفكّر الخطّ الواعي في الأُمّة ويتعامل مع الاختلافات المذهبية
__________________
١ ـ الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ١ : ٥٣ نقلاً عن جامع أسانيد أبي حنيفة ١ : ٢٢٢.
٢ ـ الخصال : ٤٠٨.