وعلى هذا فلا يمكن لنا ، ولا لأيّ عاقل أن يصدّق بأنّ رسول الله نهاهم عن كتابة الحديث ، بعدما عرفنا بأنّ أكثر الصحابة كانت عندهم كتب للأحاديث ، وخصوصاً الصحيفة التي كانت تلازم الإمام علي وطولها سبعون ذراعاً ، ويُسميّها الجامعة ؛ لأنّها جمعتْ كلّ شيء.
وبما أنّ السلطة الحاكمة والسياسة السائدة اقتضت مصالحها محو السنّة وحرقها وعدم التحدّث بها ، فإنّ الصحابة المؤيّدين لتلك الخلافة امتثلوا الأوامر ونفّذوها ، فلم يبقَ لهم ولا لأتباعهم من التابعين سوى الاجتهاد بالرأي ، أو الاقتداء بسنّة أبي بكر ، وسنّة عمر ، وسنّة عثمان ، وسنّة معاوية ، وسنّة يزيد ، وسنّة مروان بن الحكم ، وعبد الملك بن مروان ، والوليد بن عبد الملك ، وسنّة سليمان بن عبد الملك ، إلى أن جاء عمر بن عبد العزيز فطلب من أبي بكر الحزمي أن يكتب له ما كان من حديث رسول الله أو سنّته أو حديث عمر بن الخطّاب (١).
وهكذا يتبيّن لنا أنّه حتى في الظروف التي سمحتْ بتدوين السنّة ، وبعد
__________________
السنّة النبويّة ، والخسارة العُظمى التي لا تُقدّر والتي تسبّبا فيها للأمّة الإسلامية التي كانت في أشدّ الحاجة للأحاديث النبويّة لفهم القرآن وفهم أحكام الله تعالى ، وإنّها لعمري أحاديث صحيحة لأنّهم كتبوها عنه مباشرة وبدون واسطة ، أمّا الأحاديث التي جُمعَتْ فيما بعد أغلبها أحاديث موضوعة ؛ لأنّ الفتنة وقعت ، وقتل المسلمون بعضهم ، وكتبت بأمر الحكّام الجائرين ( المؤلّف ).
١ ـ مقدّمة الموطأ لمالك ١ : ٢٦ ، تحقيق : محمّد فؤاد عبدالباقي ، سنن الدارمي ١ : ١٢٦ ، وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢٤١ ، وكنز العمال ١ : ٣٣٢ عن حاطب بن خليفة البرجمي قال : ( شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو خليفة ، فقال في خطبته : ألا وإنّ ما سنّ رسول اللّه وصاحباه فهو دين نأخذ به وننتهي إليه ... ).