ثُمّ هل لي أنْ أسألك ، بماذا كان يتعبد أصحاب القرون الثلاثة الأولى ؟ ولم تظهر المذاهب الأربعة إلّا من بعدهم ؟ وهي القرون التي عاش فيها الأئمة الهداة من أهل البيت عليهمالسلام.
قلت له : حكى بعض الجهلة عندنا ، أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله صلّى حنفيّاً ومالكيّاً وشافعيّاً وحنبليّاً ، هذا ما وصل إليه التردي في هوّة الجهل السحيقة. أمّا عن الشيعة فمن الذي سماهم هكذا إذاً ؟
قال : رسول الله صلىاللهعليهوآله هو الذي سمّاهم شيعة ; لأنّ معناه لا يتعدى الاتباع والاقتداء والموالاة ، محاكياً القرآن في تسمية إبراهيم عليهالسلام من شيعة نوح عليهالسلام ، قال تعالى في سورة الصافات : ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) (١). فقال مخاطبا عليا عليهالسلام عند نزول آية ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (٢) : « هو أنت وشيعتك ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ، ويأتى عدوّك غضابي مقمحين » (٣).
ثمّ أخيراً ، يُعدُّ إسلام أهل البيت عليهمالسلام الخطّ الوحيد المتصل بعصر النبوّة ، فعليّ إمامنا الأوّل عاش مع النبي صلىاللهعليهوآله ، بينما غيره من الفرق والمذاهب قد عاش أفضلها حالا في الثلث الأوّل من القرن الثاني وهو أبو حنيفة.
شكرت صاحبي على ما أبداه من رحابة صدر ، وعلى ما قدّمه لي من معلومات ، نوّرت لي درب الهداية إلى خط أهل البيت عليهمالسلام ، وانصرفت عاقداً العزم على مزيد الالتزام بذلك الصديق ، حتّى آخذ عنه بقيّة معالم ديني ، وأركان عقيدتي ، ولم يفرّق بيننا غير مغادرتي مدينة قابس التونسية إلى مدينة توزر بالجنوب الغربي التونسي.
_________________
(١) الصافات : ٨٣.
(٢) البيّنة : ٧.
(٣) شواهد التنزيل ٢ : ٤٦١ ، ونظم درر السمطين للحافظ الزرندي : ٩٢.