مسألة واحدة ، أو مسائل لا تدفع إلى الخروج عن دائرة المذهب ، فقلت في نفسي : لعلّني بإقناعه إلى عدم مفارقة الجماعة ، أكون قد ربحت أجراً وثواباً كبيرين.
ذهبت إليه على ذلك الأساس ، وشعوراً منّي بواجب الرابطة التي تجمعني به ، فاستقبلني كعادته والابتسامة تعلو محيّاه ، وأدخلني بيته. وما أنْ جلست ، حتّى توجهت إليه بكلامي معاتباً : أيُعقل منك هذا التصرّف يا محمد ، وقد عرفتك ذو عاطفة وغيرة على الدين ؟ ماذا لو صليت وراء أيّ إمام ؟ المهم أن تكون قد أديت ما عليك ، وربحت أجر الجماعة وهي ٢٧ درجة فوق صلاة المنفرد ، ووزر الإمامة يتحمله الإمام ومن عينه ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، ألا ترى واقع المسلمين اليوم وحالهم ؟ ألا يستوجب ذلك أنْ نغضّ الطرف على كثير من المسائل الخلافية ، ونلتفت إلى الوحدة لنجمع بها هذا الشتات ؟
فقال لي : يا أخي ، إنّني بقناعتي هذه لم أكن قاصداً تكريس المزيد من الفرقة ، بل على العكس تماماً ، فأنا من الذين يدعون إلى الوحدة ، وينادون للمّ الشمل ، بتعقل وعلى أساس صحيح وليس عشوائيّاً ، وإنّ أكثر ما يقلقني حال الأمّة الذي شمّت فينا الأعداء.
فقلت له : طالما أنت كذلك فلماذا لا تذهب إلى الصلاة بالمسجد ؟
فقال : إن الله سبحانه وتعالى لمّا شرّع دينه الخاتم ، كما هو شأن بقيّة الأديان التي سبقته ، جعل للأحكام التي أنزلها واجبات وسنن أمر باتّباعها ، وكلّ من يتجاوز تلك الأحكام خاصّة منها الواجبة ، لا تقبل عبادته ويذهب جهده أدراج الرياح ، والصلاة شعيرة من الشعائر المهمة في الدنيا والآخرة ، لها أحكام لإقامتها من طهارات ، وآداب ، وفرائض ، وسنن تخصّ أوقات الصلاة ومكانها والمصلي ، سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً ، ولباسه ، وأنا تصرّفت بناء على تلك الأحكام.