الله عزّ وجلّ يوم القيامة يحمل السموات على إصبع والأرضين على إصبع والجبال على إصبع والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع ، يهزهنّ فيقول : أنا الملك. فضحك رسول الله صلىاللهعليهوآله حتّى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر ، ثمّ قرأ ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (١) (٢).
لست ادري الغاية التي دفعت بحبر من أحبار اليهود إلى أنْ يأتي للنبي صلىاللهعليهوآله فهل جاء مستفسراً ، أو جاء مبيّناً ، الرواية لم تحدّد ذلك ممّا يوهن متنها.
أمّا ما جاء فيها فإنّه لم يكف هؤلاء بأنْ صوروا أنّ الله تعالى له يدان ، فأضافوا إليهما الأصابع ، وهل يمكن أن تكون يد بلا أصابع ؟ وهل يمكن أن تكون هناك أصابع بدون لحم وعظام وعروق وعصب ؟ وهل يمكن أن تكون كذلك وليست لها حد ولا جهة ؟
أمّا دعوى ضحك النبي صلىاللهعليهوآله فهي عارية من الصحة لسببين اثنين :
الأوّل : لا يسوغ لعاقل أنْ يضحك على كفر وزندقة مثل التي لاكها الحبر بلسانه وألقاها ، والنبي صلىاللهعليهوآله منزّه عن الوقوع في مثل هذه السقطات ، وتكليفه ببيان وبلاغ العقيدة والدين الحقّ عليه مدار نبوته. الثاني : تصديق النبي صلىاللهعليهوآله لليهودي غير ثابت في الرواية ، بل إنّ الآية التي قرأها النبي صلىاللهعليهوآله تفيدُ تكذيبه ، وهي ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) (٣).
لم يكن من السهل عليّ أنْ أقرّ بانحراف الخطّ الذي كنت فيه ; لأنّ التزييف والتمويه الذي أُلقي إلينا عبر بوابة الوراثة وتبعيّة السلطان ، أحكما غلق منافذ
_________________
(١) الزمر : ٦٧.
(٢) مسند أحمد ١ : ٤٥٧ ، والرواية في صحيح البخاري ٨ : ١٧٤.
(٣) الزمر : ٦٧.