ويتردد بين المتعاديين ويكلم كل واحد بكلام يوافقه ، وقلما يخلو عنه من يشاهد متعاديين ، وذلك عين النفاق ، وقال بعضهم : اتفقوا على أن ملاقاة الاثنين بوجهين نفاق ، وللنفاق علامات كثيرة ، وهذه من جملتها : فان قلت : فبماذا يصير الرجل ذا لسانين وما حد ذلك؟ فأقول : إذا دخل على متعاديين وجامل كل واحد منهما وكان صادقا فيه لم يكن منافقا ولا ذا اللسانين ، فان الواحد قد يصادق متعاديين ، ولكن صداقة ضعيفة لا تنتهي إلى حد الاخوة ، إذ لو تحققت الصداقة لا قتضت معاداة الاعداء ، نعم لو كلام كل واحد إلى الاخر فهو ذو لسانين ، وذلك شر من النميمة إذ يصير نماما بان ينقل من أحد الجانبين ، فان نقل من الجانبين فهو شر من النميمة ، وإن لم ينقل كلاما ولكن حسن لكل واحد منهما ما هو عليه من المعاداة مع صاحبه فهذا ذو لسانين ، وكذلك إذا وعد كل واحد منهما أنه ينصره وكذلك إذا أثنى على كل واحد منهما في معاداته ، وكذلك إذا أثنى على أحدهما وكان إذا خرج من عنده يذمه فهو ذو لسانين ، بل ينبغي أن يسكت أو يثني على المحق من المتعاديين ، ويثني في حضوره ، وفي غيبته وبين يدي عدوه.
قيل لبعض الصحابة : إنا ندخل على امرائنا فنقول القول ، فاذا خرجنا قلنا غيره ، فقال : كنا نعد ذلك نفاقا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وهذا نفاق مهما كان مستغنيا عن الدخول على الامير وعن الثناء عليه ، فلوا استغنى عن الدخول ولكن إذا دخل يخاف إن لم يثن فهو نفاق لانه الذي أحوج نفسه إليه ، وإن كان يستغني عن الدخول لوقنع بالقليل وترك المال والجاه ، فلو دخل لضرورة الجاه والغنا و أثنى فهو منافق ، وهذا معنى قوله صلىاللهعليهوآله حب المال والجاه ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل ، لانه يحوج إلى الامراء ومراعاتهم ومراءاتهم ، فأما إذا ابتلي به لضرورة وخاف إن لم يثن فهو معذور ، فان اتقاء الشر جائز.
وقال أبوالدرداء : إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتبغضهم ، وقالت عائشة : استأذن رجل على رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : ائذنوا له فبئس رجل العشيرة هو ، فلما دخل