.................................................................................................
______________________________________________________
بما نزل به من المضار وليس في ظاهره شيء مما ظنه السائل لأنه تعالى قال : « وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ » والنصب هو التعب ، وفيه لغتان فتح النون والصاد ، وضم النون وتسكين الصاد ، والتعب هو المضرة التي لا تختص بالعقاب وقد تكون على سبيل الاختبار والامتحان ، فأما العذاب فهو أيضا يجري مجرى المضار التي لا يخص إطلاق ذكرها بجهة دون جهة ، ولهذا يقال للظالم المبتدي بالظلم أنه معذب ومضر ومؤلم ، وربما قيل : معاقب على سبيل المجاز ، وليس لفظة العذاب بجارية مجرى لفظة العقاب لأن لفظة العقاب يقتضي بظاهرها الجزاء لأنه من التعقيب والمعاقبة ، ولفظة العذاب ليست كذلك.
فإما إضافته ذلك إلى الشيطان وإنما ابتلاه الله تعالى به؟ فله وجه صحيح لأنه لم يضف المرض والسقم إلى الشيطان وإنما أضاف إليه ما كان يستضر به من وسوسته ويتعب به من تذكيره له ما كان فيه من النعم والعافية والرخاء ودعائه له إلى التضجر والتبرم بما هو عليه ، ولأنه كان أيضا يوسوس إلى قومه بأن يستقذروه ويتجنبوه لما كان عليه من الأمراض البشعة المنظر ، ويخرجوه من بينهم وكل هذا ضرر من جهة اللعين إبليس ، وقد روي أن زوجته عليهالسلام كانت تخدم الناس في منازلهم وتصير إليه بما يأكله ويشربه ، وكان الشيطان يلقي إليهم أن داءه يعدي ويحسن إليهم تجنب خدمة زوجته من حيث كانت تباشر قروحه وتمس جسده ، وهذه مضار لا شبهة فيها.
فأما قوله تعالى في سورة الأنبياء : « وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ » (١) فلا ظاهر لها أيضا يقتضي ما ذكروه لأن الضر
__________________
(١) الآية : ٨٣ ـ ٨٤.