.................................................................................................
______________________________________________________
إلى الجوارح فارتعدت والقلب هو الأمير المتبوع والجوارح كالرعايا والأتباع ، والمقصود من أعمالها حصول ثمرة للقلب فلا تظن أن في وضع الجبهة على الأرض غرضا من حيث أنه جمع بين الجبهة والأرض بل من حيث أنه بحكم العادة يؤكد صفة التواضع في القلب فإن من يجد في نفسه تواضعا فإذا استعان بأعضائه وصورها بصورة التواضع تأكد بذلك تواضعه ، وأما من يسجد غافلا عن التواضع وهو مشغول القلب بأغراض الدنيا فلا يصل من وضع جبهته على الأرض أثر إلى قلبه بل سجوده كعدمه نظرا إلى الغرض المطلوب منه فكانت النية روح العمل وثمرته والمقصد الأصلي من التكليف به فكانت أفضل ، وهذا الوجه قريب مما ذكره الغزالي في إحيائه وهو أن كل طاعة تنتظم بنية وعمل ، وكل منهما من جملة الخيرات إلا أن النية من الطاعتين خير من العمل ، لأن أثر النية في المقصود أكثر من أثر العمل ، لأن صلاح القلب هو المقصود من التكليف ، والأعضاء آلات موصلة إلى المقصود ، والغرض من حركات الجوارح أن يعتاد القلب إرادة الخير ويؤكد الميل إليه ليتفرغ عن شهوات الدنيا ويقبل على الذكر والفكر ، فبالضرورة يكون خيرا بالإضافة إلى الغرض ، قال الله تعالى : « لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ » (١) والتقوى صفة القلب ، وفي الحديث : أن في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد.
العاشر : أن نية المؤمن هي الباعثة له على عمل الخير فهي أصل العمل وعلته والعمل فرعها ، لأنه لا يحصل العمل ولا يوجد إلا بتصور المقصود الحقيقي والتصديق بحصوله وانبعاث النفس إليه حتى يشتد العزم ويوجد الفعل فبهذه الجهة هي أشرف وكذا نية الكافر سبب لعمله الخبيث فهي شر منه.
الحادي عشر : أن النية روح العمل ، والعمل بمثابة البدن لها فخيريته وشريته
__________________
(١) سورة الحجّ : ٣٧.