______________________________________________________
الثاني : أن المراد بالولي هنا الأولى بالتصرف ، والذي يلي تدبير الأمر ، كما يقال : فلان ولي المرأة وولي الطفل ، وولي الدم ، والسلطان ولي أمر الرعية ويقال لمن يقيمه بعده : هو ولي عهد المسلمين ، وقال الكميت يمدح عليا عليهالسلام :
ونعم ولي الأمر بعد وليه |
|
ومنتجع التقوى ونعم المؤدب |
وقال المبرد في كتاب العبارة عن صفات الله : أصل الولي الذي هو أولى أي أحق ، والولي وإن كان يستعمل في معان آخر كالمحب والناصر لكن لا يمكن إرادة غير الأولى بالتصرف والتدبير هيهنا ، لأن لفظة إنما تفيد التخصيص ، ولا يرتاب فيه من تتبع اللغة وكلام الفصحاء أن التخصيص ينافي حمله على المعاني الأخر ، إذ سائر المعاني المحتملة في بادئ الرأي لا يختص شيء منها ببعض المؤمنين دون بعض ، كما قال تعالى : « وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ » وبعض الأصحاب استدل على ذلك بأن الظاهر من الخطاب أن يكون عاما لجميع المكلفين من المؤمنين وغيرهم ، كما في قوله تعالى : « كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ » (١) وغير ذلك ، فإذا دخل الجميع تحته استحال أن يكون المراد باللفظة الموالاة في الدين ، لأن هذه الموالاة يختص بها المؤمنون دون غيرهم ، فلا بد إذا من حملها على ما يصح دخول الجميع فيه ، وهي معنى الإمامة ووجوب الطاعة وفيه كلام.
الثالث : أن الآية نازلة فيه عليهالسلام ، والأخبار في ذلك متواترة من طرق الخاصة والعامة ، وعليه إجماع المفسرين ، وقد رواها الزمخشري والبيضاوي وإمامهم الرازي في تفاسيرهم مع شدة تعصبهم وكثرة اهتمامهم في إخفاء فضائله ، إذ كان هذا في الاشتهار كالشمس في رائعة النهار.
قال محمد بن شهرآشوب في مناقبه : أجمعت الأمة على أن هذه الآية نزلت في علي عليهالسلام لما تصدق بخاتمه وهو راكع ، لا خلاف بين المفسرين في ذلك ، ذكره الثعلبي
__________________
(١) سورة البقرة : ١٨٣.