تراثنا ـ العدد [ 144 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 144 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٣٠٢

العَلاّمَة السيِّد إبراهيم شرف الدِّين(١) ، المتولّد سنة ألف وثلاثين [(١٠٣٠هـ)] ، وأُمّه بنت العَلاّمَة الشيخ سليمان بن الحسين بن محمّد بن أحمد بن سلمان النباطي ، وقامَ مَقام أبيه في المرجعيّة وهو ابن ثلاث وأربعين سنة ، وحجّ سنة ألف وثمان وسبعين [(١٠٧٨هـ)] ، وتوفّي في غرّة صفر سنة ألف وثمانين [(١٠٨٠هـ)] وله خمسون سنة ، وقد رَثَتْهُ الشعراء. ابن السيِّد الإمام العَلاّمَة السيِّد زين العابدين(٢) ، المتولّد سنة ستّ وتسعين وتسعمائة [(٩٩٦هـ)] في غرّة محرّم ، وأُمّه كريمة العَلاّمَة الشيخ نجيب الدِّين علي بن محمّد بن مكّي الجُبعي العاملي ، قرأ على والده(٣) وجماعة ، وقد ترجمه الحُرّ في أمل الآمِل(٤) ، وتوفّي بمكّة سنة ثلاث وسبعين وألف [(١٠٧٣هـ)]. ابن السيِّد الإمام العلاّمة المتبحّر ، أُستاذ علماء عصره السيِّد نور الدِّين علي(٥) أخو (٦) السيِّد محمّد صاحب المدارك بن السيِّد العَلاّمَة

__________________

(١) قرأ على والده العلاّمة وعلى بعض أعمامه ، وعلماء عصره. كان عالماً فاضلا جليلا ، وكان قد ارتحل من جُبَع إلى شُحور ومات بها ودفن فيها.

(٢) كان عالماً فاضلا عابداً ، عظيم الشأن ، جليل القدر ، حسن العشرة ، كريم الأخلاق ، من المعاصرين (كذا في الأمل) واسمه : إبراهيم ولقبه : زين العابدين وهُجر اسمه واشتهر بلقبه ، ومات بمكّة ودفن في مقبرة المعلّى عند قبر أبيه السيد نور الدين (تكملة أمل الآمل ١/١٨٥).

(٣) وترجمة والد السيِّد زين العابدين أعني السيِّد نور الدِّين ومن بعده في كتاب بُغية الراغبين في أحوال آل شرف الدِّين. منه.

(٤) أمل الآمل في تراجم علماء جبل عامل ١ /١٠٠.

(٥) هو الأخ الأبي للسيّد محمّد العاملي صاحب المدارك والأخ الأمّي للشيخ حسن بن الشهيد الثاني صاحب المعالم ، له : شرح الاثنى عشرية الصلاتية للشيخ البهائي ، والفوائد المكّية ، وشرح المختصر النافع.

(٦) والصحيح : أخي.

١٨١

السيِّد علي(١) بن السيِّد العَلاّمَة السيِّد حسين بن محمّد بن الحسين بن علي بن محمّد بن تاج الدِّين المعروف بأبي الحسن بن محمّد بن عبد اللّه بن أحمد بن حمزة بن سعد اللّه بن حمزة بن محمّد بن محمّد بن عبد اللّه بن محمّد بن علي ابن عبد اللّه بن محمّد بن طاهر بن الحسين بن موسى بن إبراهيم ابن الإمام باب الحوائج إلى اللّه أبي الحسن موسى الكاظم ابن الإمام الصادق ابن الإمام الباقر ابن الإمام زين العابدين ابن الإمام أبي عبد اللّه الحسين سيّد الشهداء وسبط خاتم الأنبياء عليه وعليهم السلام ، ابن الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة ابن إلياس بن مضر ابن نزار بن معد بن عدنان ، في سابع ربيع الثاني سنة (١٣٣٨هـ) ، والحمدُ لله ربّ العالمين.

__________________

(١) السيّد علي بن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي ، كان من أعيان العلماء والفضلاء في عصره ، جليل القدر من تلامذة الشهيد الثاني ، وكان زاهداً عابداً فقيهاً ورعاً. (أمل الآمل ١/١١٧).

١٨٢

جذور نشأة نظرية إعجاز القرآن(١)

وبيان وجوهها في القرون الأولى

د. مرتضى كريمي نيا

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد :

إنّ أقدم المصادر الكلامية والحديثية والتفسيرية لعلماء المسلمين في القرون الأولى قلّما بيّنت نظريّة واضحة في مجال وجوه إعجاز القرآن ، في حين شهد مطلع القرن الخامس تبلور هذه النظرية بشكل واف وكامل في مصنّفات محقّقي تلك الحقبة مثل الباقلاّني ، القاضي عبد الجبّار والشريف المرتضى. إنّ غياب مثل هذه الأبحاث من جانب وبزوغ كمٍّ هائل من الأبحاث القرآنية الأخرى في الآثار الإسلامية للقرون الأولى من جانب آخر أثار تساؤلاً في الأوساط العلمية وهو أنّ العلماء الإسلاميّين منذ متى تطرّقوا إلى موضوع إعجاز

__________________

(١) تعريب : هيئة التحرير.

١٨٣

القرآن وتبيين وجوهه ، وما هي الظروف التي ساقتهم إلى تناول مثل هذا الموضوع؟ نحاول في هذه المقالة من خلال المرور على جملة من الأبحاث ذات الصلة بهذا الموضوع معرفة محطّتين تاريخيّتين لظهور الأبحاث والنظريّات في مجال وجوه إعجاز القرآن في القرون الأولى :

المحطّة الأولى : هي الأبحاث والمناظرات الكلامية للنصارى والمسلمين في مجال علائم نبوّة الرسول الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله).

والمحطّة الثانية : هي المساعي الأدبية والكلامية لمعتزلة البصرة وبغداد ، حيث نرى في تلك الحقبة متكلّمي المعتزلة قد تطرّقوا إلى هذا الأمر بشكل واسع خصوصاً في القرن الرابع ، حيث بدت ملامحه واضحة في أواخر هذا القرن. وفي بداية القرن الخامس بدا التنظير في باب إعجاز وتبيين وجوه إعجاز القرآن أكثر وضوحاً في المصنّفات الكلامية والتفسيرية لعلماء سائر الفرق الإسلامية المعروفة آنذاك ، وقد تحوّل إلى واحد من الأبحاث الأساسية في علم التفسير وعلوم القرآن.

المقدّمة :

هناك آياتٌ عديدة في القرآن الكريم تدعو مخاطبيها إلى التحدّي ـ فيما إذا كانوا يشكّون في صحّة دعوة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ويعدّون القرآن من كلام البشر أو أنّه كذب ومقتبس ـ على أن يأتوا بسور أو بسورة من مثله كما في (سورة هود الآية ١٣ ، يونس ٣٨ ، والطور ٢٣ ـ ٢٤) ، وفي بعض الآيات تصريح قاطع على أنّ

١٨٤

الإنس والجنّ لا يستطيعون أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً كما في (سورة الإسراء الآية ٨٨) وكما في (سورة البقرة الآية ٢٣) التي تصرّح (وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ الله إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).

وعلى الرغم من وجود التأكيد الصريح للآيات القرآنية الآنفة الذكر في التحدّي والتعبئة إن استطاعوا ـ وذلك لإثبات حقّانية وصحّة دعوة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ـ فإنّ موضوع إعجاز القرآن وتبيين الوجه أو الوجوه المختلفة لإعجازه لم يكن موضع اهتمام المفسّرين والمحدّثين في القرون الأولى ، بالرغم من أنّ موضوع إعجاز القرآن له ارتباط وثيق مع موضوع إعجاز الأنبياء في علم الكلام.

إنّ موضوع البحث في هذه المقالة هو المسار التاريخي لمبدأ نشوء نظرية إعجاز القرآن وتطوّر بيان وجه إعجازه في القرون الأولى. بناءً على هذا فإنّ البحث في هذا المقال له طابعٌ تاريخي ، ومن الطبيعي في الدراسة التاريخية لنظرية الإعجاز أن ننأى بأنفسنا عن الاعتقادات العلمية أو غير العلمية التي نعتقد بها في عصرنا الحاضر ، وأن نسعى جاهدين لاتّخاذ آليّات أكثر دقّة لدراسة الأسناد والمصنّفات المتبقّية من العصور الغابرة دراسة أدبية وتاريخية ، ونحاول أن نكتشف من خلال دراستنا لهذا الموضوع طريقة وكيفية دراسة القدماء له وخاصّة الرعيل الأوّل من علماء الإسلام ، وكيفية تبلور وتطوّر الآراء العلمية في باب إعجاز القرآن ومدى ارتباط ذلك بالظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية والمذهبية والعلمية في تلك الحقبة. وبناءً على ذلك فإنّ هذه المقالة لم تكن في صدد ترجيح

١٨٥

أيّ واحد من الآراء في بيان وجه إعجاز القرآن أو في صدد طرح نظرة جديدة لموضوع إعجاز القرآن الكريم ، ولذلك فإنّ هذه المقالة انتهجت منهجية تاريخية محضة.

ونحن نسعى في هذه المقالة إلى مراجعة الشواهد التاريخية والنصوص المدوّنة لتلك الحقبة وبذلك نكون قد سلكنا مسلكاً جديداً في مسار ظهور وتطوّر النظريّات الأولى في باب إعجاز القرآن ، وإنّ طريقة البحث هذه مبتنية ـ في الأغلب ـ على التحليل الأدبي(Literary analysis) ).

__________________

(١) من بين المقالات والمصنّفات التي لها صلة بموضوع هذه المقالة ـ غير ما ذكر من المصادر فيها ـ هناك عدداً من المقالات والكتب المفيدة في هذا المجال ومن بينها :

Heinz Grotzfeld, "Der Begriff der Unnachahmlichkeit des Korans in seiner Entstehung und Fortbildung," Archiv Fدr Begriffsgeschichte : Bausteine zueinem historischen Wخrtebuch der Philosophie (Bonn) ١٣ (١٩٦٩) pp. ٥٨ ـ ٧٢. Angelika Neuwirth, "Das islamische Dogma der Unnachahmlichkeit des Korans in Literatur wissenschaftlicher Sicht", Der Islam : Zeitschrift fدr Geschichte und Kultur des islamischen Orients ٦٠ (١٩٨٣) pp. ١٦٦ ـ ١٨٣. Matthias Radscheit, " I©gaz al ـ Qur\'an\' im Koran?" The Qur\'an as text, edited by Stefan Wild, Leiden, New York & Kخln : E.J. Brill, ١٩٩٦, pp. ١١٣ ـ ١٢٣. Joseph Sadan, Certain apologias of the Biblical poetics and prosody some Christian and jewish reactions to the inimitability principle of the Quran. Jerusalem : The Hebrew University, ١٩٩٣. Joseph Sadan. "In the eyes of the Christian writer al ـ Harit Ibn Sinan

١٨٦

إنّ مناقشة أيّ نظرية علمية يتطلّب دراسة خلفيّتها التاريخية ، وإنّ النظريّات العلمية في مسارها التاريخي إنّما تتبلور وتتطوّر جرّاء تعاطيها مع الجوّ الاجتماعي والثقافي والعلمي السائد هناك مضافاً إلى تأثيرها وتأثّرها بسائر النظريّات الأخرى المماثلة لها من خلال ما تبديه من تفاعل وردّة فعل اتجاهها والتي تأتي تارة لسدّ الثغرات أو لرفع إشكالات تلك النظريّات. وبناءً على ذلك فإنّه من الطبيعي أن لا نتوقّع من العلماء الإسلاميّين والمفسّرين في القرون الأولى ـ في منطقة ما وراء النهر أو حتّى في المدينة والكوفة والبصرة ـ ما حدث من تبلور في عملية التنظير في باب وجوه إعجاز القرآن وبلوغها أوجها في القرن الخامس وما بعده في بغداد. وعلى الرغم من أنّ المصادر الإسلامية والروايات التاريخية قد نقلت لنا العديد من الأخبار في ردّ المعارضين في القرنين الأوّل والثاني الهجريّين مثل مسيلمة وابن المقفّع وفشلهم إلاّ أنّه لم نحصل على أيِّ مَعلَم من معالم تكوّن وتبلور نظرية إعجاز القرآن وبيان وجوه إعجازه في كلا هذين القرنين.

إنّ المؤلّفات الإسلامية التي بدت معالمها العلمية لائحةً في أواسط القرن الثالث الهجري في سائر المجالات العلمية ـ مثل التفسير ، علوم القرآن ، الفقه ، الحديث ، السيرة ، الكلام ، الملل والنحل ، والأدب وأمثالها ، مضافاً إلى الأبحاث

__________________

Poetics and eloquence as a platform of inter ـ cultural contacts and contrasts" Arabica : Journal of Arabic and Islamic Studies ٥٦ (٢٠٠٩) pp. ١ ـ ٢٦. Yudian Wahudi, "The debate about the Sarfa : pro and against"The Islamic Quarterly (London) ٤٦iii (٢٠٠٢) pp. ٢٣٥ ـ ٢٤٦.

١٨٧

الجمّة والأسئلة القرآنية والتفسيرية العديدة ـ لم تبدِ اهتماماً واضحاً ولم تولِ أهمّية علمية لموضوع إعجاز القرآن. وعلى العكس من ذلك فإنّ المؤلّفات الكلامية والقرآنية والتفسيرية قد شهدت في القرن الخامس وما بعده تفصيلاً في مسألة إعجاز القرآن وبيان وجوهه. وبطبيعة الحال فإنّ مسألة إعجاز القرآن وتبيين وجوهه في المجتمع الإسلامي لم تكن بحدّ ذاتها الشغل الشاغل لعلماء المسلمين وذلك لأنّ قسماً كبيراً من المجتمع الإسلامي يعتقدون بقدم القرآن ؛ هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإنّ عامّة المسلمين تربطهم بالقرآن أواصر إيمانية واعتقادية وثيقة فلم تكن مسألة الإعجاز مطروحة للبحث في ذلك الزمان. لذلك لمّا لم يكُ هناك أيّ تحامل أو تعدّي على القرآن وعلى النصّ القرآني أو التعريض بإعجازه ، فإنّ العلماء الإسلاميّين لم يروا من الضروري إبداء أيّ نظريّة في مجال إعجاز القرآن. إلاّ أنّ عدم وجود بحث علمي في إعجاز القرآن أصبح بحدّ ذاته يُثير تساؤلا مهمّاً عند مقارنته مع تطوّر سائر الأبحاث القرآنية المطروحة آنذاك.

مباحث إعجاز القرآن قياساً مع أهمِّ الأبحاث القرآنية والتفسيرية

في القرون الثلاثة الأولى

لقد ذكرنا آنفاً إنّ إعجاز القرآن بالشكل الذي نراه اليوم في التفسير وعلوم القرآن لم يكن محلّ بحث أو اهتمام علماء الإسلام في أواسط أو حتّى أواخر القرن الثالث الهجري. وذلك يعني أنّ علماء الإسلام بما فيهم الفقهاء والمفسّرون

١٨٨

والمحدّثون وحتّى الأدباء الذين لهم ميول للأبحاث القرآنية لم يَروا ضرورة في التنظير في باب وجوه إعجاز القرآن ، ويتجلّى هذا الأمر بوضوح عندما نلاحظ تبلور وتطوّر الأساليب المختلفة في تفسير القرآن ، وازدهار أنواع العلوم القرآنية المختلفة ، وكذلك النظريّات المتنوّعة في سائر الأبحاث القرآنية في خلال القرون الثلاثة الأولى. ولمزيد من التوضيح لابدّ لنا من مقارنة بين موضوع عدم التنظير في باب إعجاز القرآن وبيان وجوه إعجازه في القرون الأولى وبين سائر الأبحاث القرآنية والتفسيرية المهمّة في نفس تلك الحقبة. بعض هذه الأبحاث هي عبارة عن : الروايات المنقولة من سنن اليهود في تفسير القرآن (الإسرائيليّات) ، ذكر أسباب النزول أو حتّى جعلها ، جعل ووضع الكثير من الروايات في فضائل القرآن وفضائل السور ، المباحث المتعلّقة بوجود وعدم وجود المفردات الدخيلة في القرآن ، المجاز في القرآن ، متشابه القرآن ، غريب القرآن ومشكله ، الناسخ والمنسوخ ، كيفية جمع القرآن وتدوينه ، رسم المصحف وكُتُب المصاحف ، قراءات القرآن و ... التي تعدّ جميعها من الأبحاث السائدة لدى المسلمين في أجوائهم العلمية في القرون الثلاثة الأولى ، حيث تتجلّى هذه الأبحاث في نهاية القرن الثالث بوضوح في تفسير الطبري.

لا يوجد أيّ أثر لموضوع إعجاز القرآن وبيان وجوه إعجازه في المصنّفات القرآنية والتفسيرية للقرون الثلاثة الأولى ، مثل : كتاب الأشباه والنظائر (لمقاتل ت١٥٠ هـ) ؛ الوجوه والنظائر في القرآن الكريم (لموسى بن هارون ت١٧٠ هـ) ؛ متشابه القرآن (للكسائي ت١٨٩ هـ) ؛ مجاز القرآن وفضائل القرآن (لأبي عبيدة

١٨٩

ت٢٢٤ هـ) ؛ معاني القرآن (لأبي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش ت ٢١٥ هـ) ؛ غريب القرآن (لأبي عبد الرحمن اليزيدي ت٣٣٧ هـ) مشكل القرآن (لابن قتيبة ت٢٧٦ هـ) ؛ تفسير غريب القرآن (لابن قتيبة ت٢٧٦ هـ) ؛ إعراب القرآن ومعانيه (للزجّاج ت٣١١ هـ) ؛ غريب القرآن المسمّى بنزهة القلوب (لأبي بكر محمّد بن عزيز السجستاني ت٣٣٠ هـ) ؛ تفسير ابن عبّاس (والذي عرف فيما بعد تلكم القرون بعنوان تنوير المقباس من تفسير ابن عبّاس) ؛ تفسير سفيان الثوري (ت١٦١ هـ) ؛ تفسير مجاهد (ت١٠٤ هـ) ؛ تفسير الكلبي (ت١٤٦ هـ) ؛ الجامع : تفسير ابن وهب (ت١٩٧ هـ) ؛ تفسير مقاتل بن سليمان (ت١٥٠ هـ) ؛ معاني القرآن (للفرّاء ت٢٠٧ هـ) ؛ تفسير القرآن (لعبد الرزّاق بن همّام الصنعاني ت٢١١ هـ) ؛ تفسير سهل التستري (ت٢٨٣ هـ) ؛ تفسير الطبري (ت٣١٠ هـ) ؛ الواضح في تفسير القرآن (للدينوري ت٣٠٨ هـ) ؛ تفسير ابن أبي حاتم (ت٣٢٧ هـ) ؛ تأويلات القرآن (للماتريدي ت٣٣٣ هـ) ؛ كتاب التنزيل والتبديل (للسيّاري ت حدود ٢٦٠ هـ) ؛ تفسير العيّاشي ؛ تفسير علي بن إبراهيم القمّي(١).

ولابدّ هنا من الإشارة إلى أمر وهو أنّ مفسّري القرون الأولى في تفسيرهم

__________________

(١) إنّ أقدم المتون الكلامية المتبقّية من القرون الأولى ومن جملتها (الفقه الأكبر) لأبي حنيفة بالرغم من أنّها تتناول أهمّ المسائل الكلامية لكنّها عارية عن الإشارة إلى موضوع (إعجاز القرآن) أو من البحوث القريبة منه ، وكذلك أيضاً (الفقه الأبسط) ـ المبسّط من (الفقه الأكبر) ـ وقد احتوى على جوابات أبي حنيفة على أسئلة تلميذه أبي مطيع البلخي ـ حيث يرجع ونسينك تاريخ تأليفه إلى منتصف القرن الثالث ـ لم يحوِ أيّ إشارة إلى موضوع إعجاز القرآن.

(Van Ess,Vol.١,pp.٢٠٧ ـ ٢١٠ ؛ Wansbrough,p.٨٢)

١٩٠

لآيات التحدّي مثل (البقرة : ٢٣ ؛ يونس : ٣٨ ؛ هود : ١٣ ؛ الإسراء : ٨٨) لم يذكروا سوى المعنى اللغوي للآية وذلك مثل (أبو عبيدة في مجاز القرآن ١/٣٤ ؛ القمّي ١/٣٤ ، ٢/٢٥ ـ ٢٦ ؛ الفرّاء ١/١٩) أو أنّهم كانوا يقتصرون على بعض الشروح المختصرة للآية وذلك مثل (مقاتل ١/٩٣ ، ٢/٢٣٨ ، ٢٧٤ ، ٥٤٩ ؛ الطبري ١/١٢٩ ـ ١٣١ ، ١١/٨٢ ، ١٥/١٠٦ ـ ١٠٧). حيث يتبيّن ممّا ذكره المفسّرون في هذا المجال في تلك الحقبة أنّ مفهوم ونظرية إعجاز القرآن وتبيين وجوهه لم تتبلور كما هي عليه عند متكلّمي ومفسّري القرون اللاحقة بل كانت غائبة عنهم(١).

إنّ موضوع الناسخ والمنسوخ في القرآن هو من أقدم الأبحاث التي لها صلة بنفس النصّ القرآني والتي تناولها العلماء الإسلاميّون في غضون القرنين الأوّل والثاني. وإنّ أقدم المصنّفات التي ألّفت في باب النسخ والآيات المنسوخة إنّما تعود لأواخر القرن الأوّل ، وهي المصنّفات التي ألّفها أمثال قتادة بن دعامة (ت١١٧ هـ) ، محمّد بن مسلم الزهري (ت١٢٤ هـ) ـ برواية أبي عبد الرحمن محمّد بن الحسين السلمي ـ ، أبو عبيد القاسم بن سلام (ت٢٢٤ هـ) وغيرهم(٢).

__________________

(١) إنّ أكثر من اهتمّ بآيات التحدّي وشرح معجزة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) من بين هؤلاء المفسّرين هو تفسير الطبري (آية ٢٣ من سورة البقرة) حيث يعكس لنا نشاط المذاهب الكلامية في بغداد والبصرة ، ومع كلّ ذلك فإنّ الطبري في تفسيره الآية المعروفة من (سورة الإسراء آية ٨٨) (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الأنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهِيراً) قد اكتفى بذكر سبب نزول الآية فقط. قارن ذلك مع تفسير الجصّاص (أحكام القرآن ٥/٣٥) في القرن الرابع حيث تبدو أطروحته في نظرية الإعجاز واضحة في تفسيره لهذه الآية (انظر : ١٨٤ ـ Martin. pp. ١٨٣).

(٢) انظر : فهرست ابن النديم : ٤٠ للاطّلاع على فهرسة من المصادر القديمة في هذا المجال.

١٩١

ومن خلال مصنّفات أوائل القرن الثاني وما تلاه من القرون يتبيّن أنّ موضوع النسخ قد تناوله علماء الإسلام ـ سواء من الناحية النظرية أو من ناحية تعيين الآيات المنسوخة ـ في تلك الحقبة.

وقد بدأ البحث عن المفردات الدخيلة في القرآن وعن أبحاث مثل غريب القرآن ومشكل القرآن منذ القرون الهجرية الأولى ، وقد بلغت المصنّفات التفسيرية والعلوم القرآنية ذراها في غضون القرنين الثاني والثالث الهجريّين ، فقد ذكرت المصادر القديمة الموافقين والمخالفين لوجود المفردات الدخيلة على القرآن منذ زمن ابن عبّاس ومدرسته التفسيرية في مكّة وحتّى الحقبة الزمنية للشافعي في أواخر القرن الثاني الهجري ، كما أنّ تدوين وتصنيف الكثير من المصنّفات المستقلّة في باب مشكل القرآن أو غريب القرآن أيضاً أصبحت أكثر تداولاً في غضون القرنين الثاني والثالث الهجريّين ، حيث نعثر على بعض تلكم العناوين في فهرست ابن النديم(١) ، حتّى أنّ النجاشي قد نسب مصنّفات مثل غريب القرآن وفضائل القرآن إلى أقدم أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام مثل أبان بن تغلب (ت١٤١ هـ) (٢) ، هذا وإنّ القراءات ونظام نقل مختلف القراءات أيضاً قد دوّنت وتمّ ضبطها ضبطاً دقيقاً في أقدم النصوص الإسلامية ومن جملتها كتب المصاحف ، والآثار الأدبية في باب القرآن (مثل مجاز القرآن ، مشكل القرآن وغريب القرآن) ، ولذلك فقد اهتمّوا بهذا الأمر في غضون القرون الثلاثة الأولى

__________________

(١) فهرست ابن النديم : ٣٧.

(٢) انظر : رجال النجاشي ١ / ١١.

١٩٢

اهتماماً كبيراً حيث نرى ذلك واضحاً في أقدم التفاسير القرآنية مثل تفسير الطبري ومعاني القرآن للفرّاء. وفي نهاية القرن الثالث اختار ابن مجاهد (ت٣٢٤ هـ) القراءات السبعة من بين سائر القراءات المختلفة حيث ألّف كتاب السبعة ، حيث أدّى هذا الأمر في القرون التالية إلى تثبيت القراءات السبعة في قبال القراءات الشاذّة وغير المعترف بها رسميّاً(١).

وإنّ البحث عن وجود المجاز في القرآن أيضاً هو واحد من أهمّ الأبحاث النظرية فيما يتعلّق بالنصّ القرآني حيث يعدّ من أقدم المواضيع المطروحة بين علماء الإسلام في القرون الأولى ، وإنّ جذور هذه البحوث نستطيع العثور عليها في البحوث العلمية الأولى للمعتزلة ، إلاّ أنّ هذا الموضوع جلب اهتمام الكثير من العلماء والمفسّرين الإسلاميّين في نهاية القرن الثالث الهجري ، وقد ذكر ابن النديم في فهرسته (ص٧٣) كتاب الردّ على من نفى المجاز من القرآن للحسن بن جعفر الرحّي ، وهذا العنوان في حدّ ذاته يكشف لنا عن وجود أبحاث كثيرة في زمن تأليف الكتاب تناولت نفي وإثبات موضوع المجاز في القرآن. هذا وإنّ عبد العظيم المطعني في كتاب المجاز في اللغة والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع(٢) قد بيّن جوانب مختلفة لظهور وتطوّر مسألة المجاز في القرآن في أقدم المصادر الأدبية والنحوية والبلاغية والتفسيرية للقرن الثاني وما بعده من القرون(٣).

__________________

(١) انظر فهرست ابن النديم : ٣٨ ـ ٣٩ للاطّلاع على فهرسة لأقدم الآثار في موضوع القراءات.

(٢) المجاز في اللغة والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع ١ / ٥ ـ ٦٠٢.

(٣) انظر أيضاً : الاتجاه العقلي في التفسير لنصر حامد أبو زيد : ٩١ ـ ١٣٧.

١٩٣

وقد أبدى علماء الإسلام في هذه الحقبة إلى جانب بحث القراءات اهتماماً مستقلاًّ لبعض الأبحاث الحديثية والتفسيرية ، وأحد تلك الأبحاث هو تبيين الوجوه المختلفة لنقل رواية (الأحرف السبعة) وبيان الوجوه المختلفة في فهم تلكم الروايات ، حيث إنّ اهتمام مفسّري ومحدّثي علماء الإسلام في القرون الأولى بهذه المسألة لا يمكن قياسه مع اهتمامهم بموضوع إعجاز القرآن ، وقد ذكرت روايات عديدة في ردّ أو تأييد (الأحرف السبعة) حتّى في أقدم المصادر الحديثية الشيعية(١) حيث يعكس لنا ذلك مدى الجدل الحادّ في هذا الموضوع وفقدان بحث إعجاز القرآن في عصر الأئمّة عليهم‌السلام وفي أجواء المحدّثين الشيعة. ولابدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الطبري في نهاية القرن الثالث الهجري تكلّم بصورة مفصّلة حول هذه المسألة في بداية تفسيره إلاّ أنّه لم يتطرّق إلى إيّ شيء في باب إعجاز القرآن لا في مقدّمة التفسير ولا في سائر فصول هذا التفسير ، ولم يتناول بتاتاً اصطلاحات من قبيل إعجاز القرآن أو معجزة القرآن وأمثالهما ، وقد أشار إشارات قليلة إلى هذا الموضوع في تعليقه على الآية (٢٣) من سورة البقرة وذلك فيما يخصّ مسألة التحدّي في القرآن(٢).

كما أنّ في روايات أئمّة الشيعة أيضاً قلّما نعثر على إشارة إلى موضوع إعجاز القرآن وتبيين وجوهه(٣) ، هذا في حين أنّ مواضيع مثل قراءات القرآن ،

__________________

(١) تفسير العيّاشي ١ / ١٢ ؛ الكافي ٢ / ٦٣٠ ؛ الخصال ٢ / ٣٥٨.

(٢) انظر :

Adang, pp.١٧٠ ـ ١٧٢ ؛ Martin, pp. ١٨٣ ـ ١٨٤ ؛ Abdul Aleem, p.٧٨ ـ ١٨٤.

(٣) انظر : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ / ١٣٠ ؛ الهداية الكبرى : ٧١ حيث إنّ المصدر الأخير اشتمل على سائر معجزات الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله).

١٩٤

طريقة قراءة القرآن ، أسباب النزول ، الأحرف السبعة ، الناسخ والمنسوخ ، نقض الإسرائيليّات أو قبولها ، خلق أو حدوث القرآن كثيرة في الروايات الشيعية القديمة والمدوّنة في الجوامع الحديثية. ففي فهرست الشيخ الطوسي ورجال النجاشي هناك مواضع عديدة وكمّ هائل من المصنّفات القرآنية والتفسيرية مثل تفسير القرآن ، تأويل ما نزل في .. ، تفسير غريب القرآن ، كتاب التنزيل ، كتاب القراءات ، كتاب الناسخ والمنسوخ ، كتاب الوجوه والنظائر ، إعراب القرآن ، مجاز القرآن ، فضل القرآن ، فضائل القرآن ، ثواب القرآن ، متشابه القرآن ، ناسخ القرآن ومنسوخه ، معاني القرآن ، غريب القرآن ، نوادر علم القرآن ، باطن القرآن ، و ... وليس هناك أيّ ذكر لتصانيف أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام وعلماء القرون الأولى في باب إعجاز القرآن سوى كتاب الموضح للشريف المرتضى وكتاب جوابات أبي الحسن سبط المعافى بن زكريّا في إعجاز القرآن للشيخ المفيد حيث لا لبس في كون هذين الكتابين من مدوّنات القرن الخامس الهجري ، والحسن بن موسى النوبختي (ت٣١٠ هـ) في فرق الشيعة أيضاً لم يذكر شيئاً في باب نظم أو إعجاز القرآن ، وكذلك الكليني (ت٣٢٩ هـ) في الأصول من الكافي أيضاً لم يُفرد له بحثاً في هذا المجال ، ولم ينقل أيّ رواية في هذا الباب ، والنجاشي(١) هو الوحيد الذي ذكر كتاباً متأخّراً ونسبه للشلمغاني (ت٣٢٢ هـ) تحت عنوان نظم القرآن وهو كتاب لم

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢ / ٣٧٩.

١٩٥

يعلم أصله ومحتواه(١).

العوامل التي أدّت إلى نشوء بحث إعجاز القرآن

في المصنّفات الإسلامية القديمة

إنّ مناقشة إعجاز القرآن في المصنّفات الإسلامية وبحثه هو موضوع يختلف عن سائر الأبحاث التفسيرية والعلوم القرآنية ، خلافاً لأبحاث النسخ ، القراءات ، التفسير ، الأحرف السبعة ، فضائل القرآن ، المكّي والمدني ... فإنّ بحث الإعجاز القرآني إنّما هو أمر خارج عن النصّ القرآني وأنّه كان دخيلا على ثقافة المجتمع الإسلامي ؛ وبعبارة أخرى فإنّ بحوث إعجاز القرآن ليست هي تفسيراً ولا تدخل في صميم المواضيع القرآنية ، وإنّما هي كانت نتيجة للمجادلات الكلامية في أوساط المتكلّمين الإسلاميّين مع بعضهم البعض أو مع سائر الأديان كاليهود والمسيح(٢) ؛ وهنا نشير إلى عاملين بارزين ساهما في نشوء بحث إعجاز القرآن. علماً بأنّه لا يمكننا إنكار الكثير من العناصر الأخرى التي ربّما تكون مؤثّرة إلى جانب هذه العوامل الرئيسية في تطوّر فكرة الإعجاز وتبلورها.

__________________

(١) إنّ ما قام به السيّد حسين المدرّسي الطباطبائي من البحث والاستقراء في التراث الحديثي للشيعة لم يثمر عن أيّ نتيجة ولا رواية في تبيين مفهوم الإعجاز أو في وجه إعجاز القرآن ؛ فإنّ الفهرسة الموضوعية والأعلام في نهاية الكتاب عاريتان عن أيّ إشارة لمواضيع مثل : الصرفة ، الإعجاز ، المعجزة ، ونظم القرآن. أنظر :.(Modarressi. pp.٤٣٤ ـ ٤٤٤)

(٢) Martin. p.١٧٦

١٩٦

العامل الأوّل

الجدل الكلامي اليهودي ـ المسيحي ـ الإسلامي

إنّ أوّل المناظرات الكلامية لليهود والمسيحيّين والمسلمين حدثت في القرن الأوّل الهجري ، وتطوّر هذا الأمر تدريجيّاً وصار أكثر تكاملاً في القرنين الثاني والثالث الهجريّين ، ومن ثمّ أخذ أبعاداً جديدة في القرون اللاحقة حتّى تبلورت فيه مسائل جديدة ، حيث نرى في تلك القرون جدلاً بين المسلمين وأهل الكتاب في باب حقّانية الدين الإسلامي وأصالة دعوة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله). فمن الأمور الأساسية التي كانت تناقش في هذه المناظرات هي حقّانية رسالة الرسول الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) في قبال دين المسيحية وإبطال معتقد التثليث. فإنّ الشواهد من النصوص والروايات الإسلامية في مصنّفات المسلمين والرجوع إلى بعض فصول العهد القديم والعهد الجديد في مناظراتهم إنّما كانت بصدد إثبات نبوّة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أو إثبات أفضليّته وأفضلية دين الإسلام على النبي عيسى عليه‌السلام والمسيحية. وفي المقابل فإنّ النصوص المسيحية أيضاً كانت تردّ وتنكر هذا الأمر من خلال الرجوع إلى شواهد من نصّ القرآن أو من كتبهم السماوية في دعم مزاعمهم وادّعاءاتهم ، ومثال ذلك ما قام به تيموثاوس الأوّل (Timothy١) في كتابه إلى المؤمنين في البصرة حيث استشهد بالآية (١٧١) من سورة النساء دليلاً على حقّانية التثليث(١).

إنّ كتب علماء الإسلام الأوائل التي صنّفت للدفاع عن الإسلام ونبوّة

__________________

(١) Thomas, ١/٥٢٧, cf. Ibid, p. ٥٢٣.

١٩٧

الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ؛ هي واحدة من أهمّ المواضع التي ظهرت فيها بوادر نظرية إعجاز القرآن ، وقد جاءت تلكم المصنّفات في مواجهة الجدل الكلامي لليهود والمسيحيّين ، وإنّ عناوين هذه الآثار كثيرة ومتنوّعة وعديدة ولم يصل إلينا العديد منها سوى عناوينها ، ولا يمكن تخمين عدد هذه المصنّفات بشكل دقيق ، وقد كانت بعض هذه المناظرات تدور حول تفسير آيات من القرآن الكريم جاء فيها تأييد أو نقد لمعتقدات اليهود والمسيحيّين ، وفي البعض الآخر منها نرى فيها علماء اليهود والمسيحيّين والمسلمين قد ناقشوا أبحاثاً مختلفة سعى كلٌّ منهم فيها إلى بيان أفضلية دينه ونبيّه على خصمه أو سعَوا أن يردّوا على القرآن في تأليفاتهم(١).

وقد تطرّقت كاميلا أدنغ (Camilla Adang) إلى موضوع الإسلام واليهودية في كتابها تحت عنوان (مدوّنات المسلمين في باب اليهودية والعهد القديم : من ابن ربن إلى ابن حزم) (٢) وقد سجّل كلٌّ من سمير خليل سمير ، مارك سوانسون وديفيد توماس في كتب متعدّدة لهم المناظرات والمناقشات التي كانت دائرة بين المسلمين والمسيحيّين آنذاك ، حتّى أنّنا نرى في أقدم النماذج من هذه المدوّنات أنّ موضوع مجيء الرسول (صلى الله عليه وآله) بمعجزة لإثبات نبوّته كان موضع جدل بين

__________________

(١) مثل كتاب تفنيد القرآن لأبي نوح الأنباري وهو من النسطوريّين المعاصرين لتيموثاوس الأوّل في القرن الثاني الهجري ؛ انظر : Griffith, ١٩٩٩,٢, p. ٢٠٥.

(٢) Camilla Adang, Muslim writers on Judaism and the Hebrew Bible : from Ibn Rabban to Ibn Hazm. Leiden : Brill. ١٩٩٦.

١٩٨

المسلمين والمسيحيّين(١) ، ومثال ذلك : إنّ تيموثاوس الأوّل (Timothy١) في حواره مع الخليفة العبّاسي المهدي بالله (مدّة خلافته : ١٥٨ ـ ١٦٩ هـ) قال : «إنّ كلمات الله في التوراة وكتب الأنبياء والإنجيل ومدوّنات الرسُل كانت تعضدها المعجزات ولكن ليس هناك أيّ معجزة أو دليل مؤيّد لكتابكم المقدّس»(٢).

ولذلك يجب علينا أن ننظر إلى الوجه الآخر لهذا الموضوع والذي جاء في مصنّفات علماء الإسلام تحت عنوان (دلائل النبوّة وتثبيت دلائل النبوّة أو إثبات دلائل النبوّة) ، علماً بأنّ أدبيّات دلائل النبوّة تفتقر إلى تحقيق واسع لا يسعه هذا المجال. فمنذ القرون الإسلامية الأولى بادر بعض العلماء إلى تصنيف كتب تحت عناوين (دلائل النبوّة ، إعلام النبوّة ، أمارات النبوّة ، إثبات النبوّة ، إثبات نبوّة النبي ، تثبيت نبوّة النبي ، وتثبيت دلائل النبوّة) ، وإنّ أهمّ ما كان يرمي إليه علماء الإسلام آنذاك هو الجواب على الهجمات العلمية والثقافية للأديان الأخرى وخاصّة المسيحية(٣) ، فإنّ هذه الأدبيّات التخاصمية والجدل القائم آنذاك كان أكثر شيوعاً

__________________

(١) إنّ مؤلّفات ديفيد توماس في هذا المجال في غاية الكثرة ، وإنّ كتابه الآنف الذكر قد احتوى على معلومات انفرد بها من بين سائر مؤلّفاته ، بحيث اشتمل على جميع المصنّفات والحوارات الإسلامية المسيحية منذ مجيء الإسلام وحتّى نهاية القرون الوسطى ، وقد طُبع منه إلى الآن إثنا عشر مجلّداً لأوّل مرّة من قبل دار بريل للنشر ، وقد دوّنت فيه مثل هذه الحوارات إلى آخر سنة (١٨٠٠) ميلادية.

Christian ـ Muslim Relations. A Bibliographical History, Volume ١ (٦٠٠ ـ ٩٠٠) edited by David Thomas & Barbara Roggema, Leiden : Brill. ١٢ vols, ٢٠٠٩ ـ ٢٠١٩.

Griffith, ١٩٩٩,١, p.٣٩٢ (٢)

(٣) للحصول على فهرسة لأهمّ المطالب والمصادر انظر : Adang, p.١٤١ff.

١٩٩

في بعض البلدان الإسلامية وخاصّة العراق وبلاد الشام ومصر ، وقد تحوّلت وتطوّرت في غضون القرن الثاني حتّى القرن السادس مضطردة باضطراد وتحوّل الأوضاع الثقافية والاجتماعية والتغييرات الطارئة آنذاك.

وقد جمع محمّد يسري سلامة في مقدّمة تحقيقه على كتاب ثبوت النبوّات لابن تيمية(١) فهرسةً حوت على أكثر من خمسين عنواناً من كتب علماء الإسلام في هذا المجال(٢) ، فإنّ ظهور بعض الكتب في خصوص الإعجاز تحت عنوان (معجزات النبي ، ونظم القرآن) في القرن الثالث وظهور كتب (إعجاز القرآن) في القرن الرابع وما بعده هي امتداد لذلك النتاج العلمي. ونرى في مصنّفات (دلائل النبوّة) أمرين مرتبطين بإعجاز القرآن ورسالة النبي (صلى الله عليه وآله) : الأوّل : مصنّفات في الردّ على بعض مدّعي النبوّة مثل مسيلمة وكذلك على مدّعي تقليد القرآن مثل ابن المقفّع. والأمر الثاني : تأليف الردود على منكري نبوّة وفضيلة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) سواء بين المسيحيّين أو بين المسلمين مثل أبي زكريّا الرازي عندما ردّ عليه أبو حاتم الرازي في كتابه أعلام النبوّة(٣).

__________________

(١) ثبوت النبوّات : ٧٢ ـ ٨١.

(٢) للحصول على توضيح لبعض المحتويات انظر : منوچهر پزشك ، مقالة (أعلام النبوّة) في دائرة المعارف الإسلامية الكبرى ؛ أيضاً : Thomas, ٢/٢٢ff.

(٣) أعلام النبوّة ، تصنيف أبي حاتم أحمد بن حمدان الرازي (ت ٣٢٢ هـ) ، وهو من قبيل بقيّة المصنّفات التي صنّفت في إثبات النبوّة وفي ردّ آراء محمّد أبي زكريّا الرازي (٢٥١ ـ ٣١٣ هـ) ، وقد تطرّق في كتابه ـ الذي جاء تحت عنوان (في شأن القرآن : ١٧٣ ـ ٢٠٥) ـ إلى الردّ على أبي زكريّا في باب عدم إعجاز القرآن.

٢٠٠