نواسخ القرآن

أبي الفرج عبد الرحمن بن علي [ ابن الجوزي ]

نواسخ القرآن

المؤلف:

أبي الفرج عبد الرحمن بن علي [ ابن الجوزي ]


المحقق: الداني بن منير آل زهوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٧

[٢١٢] (١) ـ أخبرنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين ، قال ابنا البرمكي ، قال : ابنا محمّد بن إسماعيل ، قال : بنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : بنا يعقوب بن سفيان ، قال بنا أبو صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) قال : فأنزل الله تعالى بعد هذا (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ) [الطور : ٢١] فأدخل الله الأبناء بصلاح الآباء الجنة.

قلت : قول من قال : إن هذا نسخ غلط ؛ لأن الآيتين خبر ، والأخبار لا يدخلها النسخ ، ثم إن إلحاق الأبناء بالآباء إدخالهم في حكم الآباء بسبب إيمان الآباء فهم كالبعض تبع الجملة ، ذاك ليس لهم إنما فعله الله سبحانه بفضله وهذه الآية تثبت ما للإنسان إلا ما يتفضل به عليه.

الباب الرابع والخمسون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة القمر

قوله تعالى : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ) [القمر : ٦].

قال الزجاج : الوقف التام ، (فتول عنهم) و (يوم) منصوب بقوله : (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) [القمر : ٧].

وقال مقاتل : المعنى : فتول عنهم إلى يوم يدع الداع ، وليس هذا بشيء ، وقد زعم قوم أن هذا التولي منسوخ بآية السيف ، وقد تكلمنا على نظائره وبينا أنه ليس بمنسوخ.

الباب الخامس والخمسون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة المجادلة

قوله تعالى : (إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٧ / ٤٤) والنحاس (ص ٢٣٠) وإسناده ضعيف.

٢٠١

[٢١٣] (١) ـ أخبرنا عبد الأول بن عيسى ، قال : ابنا ابن المظفر الداوديّ ، قال : ابنا عبد الله بن أحمد بن حموية ، قال : ابنا إبراهيم بن حريم ، قال : بنا عبد بن حميد ، قال حدّثني أبي شيبة ، قال حدّثني يحيى بن آدم قال حدّثني عبيد الله الأشجعي ، عن سفيان بن سعيد ، عن عثمان بن المغيرة الثقفي ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن علي بن علقمة الأنماري ، عن علي بن أبي طالب قال : لما نزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) [المجادلة : ١٢] قال : لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما ترى دينارا» قال : قلت : لا يطيقونه ، قال : «فكم». قلت : شعيرة ، قال : «إنك لزهيد» ، قال : فنزل (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) [المجادلة : ٣١] الآية ، فبي خفّف الله عزوجل عن هذه الأمة.

[٢١٤] (٢) ـ أخبرنا علي بن أبي عمر ، قال : ابنا علي بن أيوب ، قال : ابنا أبو

__________________

(١) إسناده ضعيف ، والحديث صحيح.

أخرجه الترمذي (٣٣٠٠) والنسائي في «خصائص علي» (١٥٢) وابن أبي شيبة (١٢ / ٨١) وأبو يعلى في «مسنده» (١ / ٣٢٢ / ٤٠٠) وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (٩٠) وابن حبان في «صحيحه» (١٥ / ٣٩٠ ـ ٣٩١ / ٦٩٤١ ، ٦٩٤٢) وابن جرير الطبري في «تفسيره» (٢٨ / ٢١) وابن عدي في «الكامل» (٥ / ١٨٤٧ ـ ١٨٤٨) والعقيلي في «الضعفاء» (٣ / ٢٤٣) والحسكاني في «شواهد التنزيل» (٢ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥ / ٩٥٤ ، ٩٥٥) وابن المغازلي في «مناقب علي» (٣٧٢) والنحاس في «ناسخه» (ص ٢٣٣).

من طريق : عثمان بن المغيرة الأشجعي به.

وإسناده ضعيف لأجل علي بن علقمة ؛ قال فيه البخاري : «في حديثه نظر» وقال عنه الحافظ في «التقريب» : «مقبول»! قلت : بل هو مجهول ؛ تفرّد بالرواية عنه سالم بن أبي الجعد ، وقال ابن حبان في «المجروحين» (٢ / ١٠٩) : «منكر الحديث ؛ ينفرد عن علي بما لا يشبه حديثه. ثم قال : والذي عندي ترك حديثه».

وقال الألباني في «ضعيف سنن الترمذي» (٦٥٢) : «ضعيف الإسناد». قلت : لكن يشهد له الحديث الذي بعده ؛ فيرتقي إلى درجة الصحّة ، والله أعلم.

(٢) إسناده ضعيف ، والأثر صحيح.

ليث بن أبي سليم ، ضعيف. لكن تابعه منصور عن مجاهد به ، كما سيأتي ، وهو منقطع بين مجاهد وعلي عليه‌السلام.

وأخرجه أبو عبيد في «ناسخه» (٤٧٣). من طريق : ليث ، عن مجاهد به.

وأخرجه الحاكم (٢ / ٤٨١ ـ ٤٨٢) وابن أبي شيبة (١٢ / ٨١ / ١٢١٧٤) والجصاص في «أحكام القرآن» (٣ / ٥٢٦) والمغازلي في «مناقب علي» (٣٧٣).

من طريق : جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن علي به.

وصحّحه الحاكم على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي.

تنبيه : كنت قد عزوت ـ في تحقيقي على «الخصائص» (ص ١١٣) ـ هذه الطريق إلى ابن الجوزي

٢٠٢

علي بن شاذان ، قال : بنا أحمد بن إسحاق بن سحاب ، قال : بنا محمّد بن أحمد بن أبي العوام ، قال : بنا سعيد بن سليمان قال : بنا أبو شهاب ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : قال علي بن أبي طالب : آية في كتاب الله عزوجل ما عمل بها أحد من الناس غيري آية النجوى ، كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم ، فكلما أردت أن أناجي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تصدّقت بدرهم ، فما عمل بها أحد قبلي ولا بعدي.

[٢١٥] ـ أخبرنا ابن ناصر ، قال ابنا ابن أيوب ، قال : ابنا ابن شاذان ، قال : ابنا أبو بكر النجاد ، قال : ابنا أبو داود السجستاني قال : ابنا أحمد بن محمّد ، قال : حدثني علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : (إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) نسختها الآية التي تليها : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ).

[٢١٦] (١) ـ أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال : ابنا عمر بن عبيد الله ، قال : ابنا ابن بشران ، قال : ابنا إسحاق بن أحمد ، قال : بنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدّثني أبي قال : بنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس رضي الله عنهما (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) [المجادلة : ١٢] نسختها (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) [المجادلة : ١٣].

قال أحمد : وبنا عبد الرزاق ، قال : بنا ابن عينية ، عن سليمان الأحول ، عن مجاهد : (إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ) قال : أمر أن لا يناجي أحد منهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى يتصدق بين يدي ذلك ، وكان أول من تصدق علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، ورضي الله عنه ، فناجاه فلم يناجه أحد غيره ، ثم نزلت الرخصة (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ).

قال عبد الرزاق ، وبنا معمر ، عن قتادة : (إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ) إنها منسوخة ما كانت إلا ساعة من نهار.

[٢١٧] ـ أخبرنا عبد الوهاب الحافظ ، قال : ابنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي ، قالا : ابنا أبو علي بن شاذان ، قال : ابنا أحمد بن كامل ، قال : حدّثني محمّد بن سعد ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثني عمي ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس رضي الله عنهما (صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ) قال : كان المسلمون

__________________

في «نواسخ القرآن» وهذا خطأ ، فطريق ابن الجوزي من رواية ليث ، عن مجاهد ، وليست من رواية منصور عنه ، فليصحّح ، واللهم غفرا.

(١) أخرجه أبو عبيد (٤٧٠) من طريق : حجاج به.

٢٠٣

يقدمون بين يدي النجوى صدقة فلما نزلت الزكاة نسخ هذا.

قلت : كأنه أشار إلى الآية التي بعدها وفيها (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) [الحج : ٧٨] قال المفسرون : نزل قوله : (أَأَشْفَقْتُمْ) أي خفتم بالصدقة الفاقة (وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ) [المجادلة : ١٣] أي تجاوز عنكم وخفف بنسخ إيجاب الصدقة. قال مقاتل بن حيان : إنما كان ذلك عشر ليال. وقد ذكرنا عن قتادة أنه قال : ما كان إلا ساعة من نهار.

الباب السادس والخمسون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة الحشر

قوله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) اختلف العلماء في المراد بهذا الفيء على قولين :

الأول : أنه الغنيمة التي يأخذها المسلمون من أموال الكفار عنوة ، وكانت في بدء الإسلام للذين سماهم الله هاهنا دون الغالبين الموجفين عليها ، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى في الأنفال : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) الآية. هذا قول قتادة ويزيد بن رومان في آخرين (١).

[٢١٨] ـ أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال : ابنا عمر بن عبيد الله ، قال : ابنا بن بشران ، قال : ابنا إسحاق بن أحمد ، قال : ابنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدّثني أبي ، قال : بنا عبد الصمد ، عن همام ، عن قتادة (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى) [الحشر : ٧] الآية ، قال : كان الفيء بين هؤلاء فنسختها الآية التي في الأنفال : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) [الأنفال : ٤١].

قال أحمد : وبنا معاوية بن عمرو ، قال : ابنا أبو إسحاق ، عن شريك ، عن جابر ، عن مجاهد وعكرمة ، قالا : نسخت سورة الأنفال سورة الحشر.

قال أحمد : وبنا وكيع ، قال : بنا إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد وعكرمة

__________________

(١) انظر «صفوة الراسخ» (ص ١٣٧ ـ ١٣٨) و «الإيضاح» (ص ٤٣٠) و «جمال القراء» (٢ / ٨٦٠ ـ ٨٦٥) و «الجامع لأحكام القرآن» (١٨ / ١٢ ـ ١٣) و «جامع البيان» للطبري (٢٨ / ٤١).

٢٠٤

قالا : كانت الأنفال لله وللرسول ، فنسختها : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ).

والثاني : أن هذا الفيء ما أخذ من أموال المشركين مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، كالصلح والجزية والعشور ومال من مات منهم في دار الإسلام ولا وارث له ، فهذا كان يقسم في زمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمسة أخماس فأربعة لرسول الله يفعل بها ما يشاء والخمس الباقي للمذكورين في هذه الآية.

واختلف العلماء فيما يصنع بسهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد وفاته ، فقال قوم : هو للخليفة بعده ، وقال قوم : يصرف في المصالح ، فعلى هذا تكون هذه الآية مبينة لحكم الفيء ، والتي في الأنفال مبينة لحكم الغنيمة ، فلا يتوجه نسخ.

[٢١٩] ـ أخبرنا ابن ناصر ، قال : ابنا علي بن الحسين بن أيوب قال : ابنا ابن شاذان ، قال : ابنا أبو بكر النجاد ، قال : ابنا أبو داود السجستاني ، قال : ابنا أحمد بن محمّد ، قال : سمعت علي بن الحسين ، يقول : روى لنا الثقة أن عمر بن عبد العزيز ، قال : دخلت آية الفيء في آية الغنائم.

قال أحمد بن شبويه هذا أشبه من قول قتادة ، وسورة الحشر نزلت بعد الأنفال بسنة فمحال أن ينسخ ما قبل ما بعد.

قال أبو داود : وبنا خشيش بن أصرم ، قال : بنا يحيى بن حسان ، قال : بنا محمّد بن راشد ، قال : بنا ليث بن أبي رقية ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى أمراء الأجناد ، أن سبيل الخمس سبيل الفيء.

الباب السابع والخمسون

باب ذكر

ما ادّعي عليهن النسخ من سورة الممتحنة

ذكر الآية الأولى والثانية :

قوله تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ) [الممتحنة : ٨] الآية. وقوله : (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ) [الممتحنة : ٩] الآية. زعم قوم أن هذا عام في جميع الكفار ، وأنه منسوخ بآية السيف.

٢٠٥

[٢٢٠] (١) ـ أخبرنا ابن ناصر ، قال : ابنا ابن أيوب قال : ابنا ابن شاذان قال : ابنا أبو بكر النجاد ، قال : ابنا أبو داود ، قال : بنا محمّد بن عبيد ، قال : بنا محمّد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ) قال نسختها : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).

وقال غيره : معنى الآيتين منسوخ بآية السيف.

قال أبو جعفر ابن جرير الطبري : لا وجه لادّعاء النسخ ، لأن برّ المؤمنين للمحاربين سواء كانوا قرابة أو غير قرابة غير محرم إذا لم يكن في ذلك تقوية لهم على الحرب بكراع أو سلاح أو دلالة لهم على عورة أهل الإسلام. ويدل على ذلك حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها لما قدمت عليها أمها قتيلة بنت عبد العزى المدينة بهدايا فلم تقبل هداياها ولم تدخلها منزلها ، فسألت لها عائشة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت هذه الآية فأمرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تدخلها منزلها وتقبل هديتها وتكرمها وتحسن إليها (٢).

ذكر الآية الثالثة والرابعة :

قوله تعالى : (إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَ) [الممتحنة : ١٠] الآية. وقوله : (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ) [الممتحنة : ١١] الآية. كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد صالح مشركي مكة عام الحديبية على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم ومن أتى أهل مكة من أصحابه فهو لهم وكتبوا بذلك الكتاب ، فجاءت امرأة بعد الفراغ من الكتاب ، وفي تلك المرأة ثلاثة أقوال :

الأول : أم كلثوم بنت عقبة (٣).

والثاني : سبيعة بنت الحارث.

والثالث : أميمة بنت بشر.

__________________

(١) أخرجه النحاس (ص ٢٣٧).

(٢) أخرجه أحمد (٤ / ٤) والحاكم (٢ / ٤٨٥ ـ ٤٨٦) والبزار (٢ / ٣٧٢ / ١٨٧٤ ـ كشف الأستار) وابن سعد في «الطبقات» (٨ / ٢٥٢). من طرق ؛ عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه رضي الله عنه.

وإسناده ضعيف ؛ مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ؛ ليّن الحديث.

لكن له شاهد من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ، قالت : قدمت عليّ أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت : يا رسول الله ؛ إن أمي قدمت عليّ وهي راغبة ؛ أفأصلها؟ قال : «نعم ؛ صليها».

أخرجه البخاري (٢٦٢٠ ، ٣١٨٣ ، ٥٩٧٨) ومسلم (١٠٠٣) وغيرهما.

(٣) أخرجه البخاري (٢٧١١ ، ٢٧١٢).

٢٠٦

فنزلت : (فَامْتَحِنُوهُنَ) وفيما كان يمتحنهن به ثلاثة أقوال :

الأول : الإقرار بالإسلام.

والثاني : الاستحلاف لهن : ما خرجت من بغض زوج ولا رغبة [عن أرض ولا التماس] دنيا وما خرجن إلا حبا لله ولرسوله.

والثالث : الشروط المذكورة في قوله : (إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ) [الممتحنة : ١٢] فإذا أقررن بذلك لم يردهن إليهم.

واختلف العلماء ، هل دخل رد النساء إليهم في عقد الهدنة لفظا أو عموما؟

فقالت طائفة : قد كان شرط ردهن في عقد الهدنة بلفظ صريح فنسخ الله تعالى ردهن من العقد وأبقاه في الرجال.

وقالت طائفة : لم يشرطه صريحا بل كان ظاهر العموم اشتمال العقد عليهن مع الرجال ، فبين الله عزوجل خروجهن عن عمومه ، وفرق بينهن وبين الرجال ، لأمرين :

الأول : أنهن ذوات فروج تحرمن عليهم.

والثاني : أنهن أرق قلوبا وأسرع تقلبا.

فأما المقيمة على شركها فمردودة عليهم ، وقال القاضي أبو يعلى : إنما لم يرد النساء عليهم لأن النسخ جائز بعد التمكن من الفعل ، وإن لم يقع الفعل فأما قوله : وآتوهم ، يعني أزواجهن الكفار ، ما أنفقوا ، يعني : المهر ، وهذا إذا تزوجها مسلم ، فإن لم يتزوجها أحد ، فليس لزوجها الكافر شيء ، والأجور : المهور (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [الممتحنة : ١٠].

وقد زعم بعضهم : أنه منسوخ بقوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) [المائدة : ٥] وليس هذا بشيء ، لأن المراد بالكوافر الوثنيات ثم لو قلنا إنها عامة كانت إباحة الكتابيات تخصيصا لها لا نسخا كما بينا في قوله : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) [البقرة : ٢٢١] وقوله : (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ) [الممتحنة : ١٠] أي : إن لحقت امرأة منكم بأهل العهد من الكفار مرتدة فاسألوهم ما أنفقتم من المهر إذا لم يدفعوها إليكم (وَلْيَسْئَلُوا) [الممتحنة : ١٠] يعني المشركين الذين لحقت أزواجهم بكم مؤمنات إذا تزوجن منكم ، من تزوجهن ما أنفقوا وهو المهر ، والمعنى : عليكم أن تغرموا لهم الصدقات كما يغرمون لكم (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ) [الممتحنة : ١١] أي : أصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم (فَآتُوا

٢٠٧

الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا) [الممتحنة : ١١] أي : أعطوا الأزواج من رأس الغنيمة ما أنفقوا من المهر.

[٢٢١] ـ أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال : بنا عمر بن عبيد الله ، قال : ابنا ابن شاذان قال : ابنا إسحاق بن أحمد ، قال : بنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدّثني أبي ، قال : بنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، قال : كن إذا فررن من المشركين الذين بينهم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد ، إلى أصحاب نبي الله فتزوجوهن ، بعثوا بصداقهن إلى أزواجهن من المشركين الذين بينهم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد ، فإذا فررن من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى كفار ليس بينهم وبين نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد ، فتزوجوهن فأصاب المسلمون غنيمة أعطى زوجها من جميع الغنيمة ثم اقتسموا بعد ذلك ، ثم نسخ هذا الحكم ، ونبذ إلى كل ذي عهد عهده وأمر بقتال المشركين كافة.

قال أحمد : وبنا أسود بن عامر ، قال : بنا إسرائيل ، عن المغيرة ، عن إبراهيم في قوله : (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) [الممتحنة : ١٠] قال : هؤلاء قوم كان بينهم وبين المسلمين صلح فإذا خرجت امرأة من المسلمين إليهم أعطوا زوجها ما أنفق.

قال القاضي أبو يعلى : وهذه الأحكام من أداء المهر وأخذه من الكفار وتعويض الزوج من الغنيمة أو من صداق ، قد وجب رده على أهل الحرب منسوخة عند جماعة من أهل العلم ، وقد نص أحمد بن حنبل على هذا ، وكذلك قال مقاتل بن سليمان : كل هؤلاء الآيات نسختها آية السيف (١).

الباب الثامن والخمسون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة التغابن

قوله تعالى : (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التغابن : ١٤].

[٢٢٢] ـ أخبرنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين ، قال : ابنا

__________________

(١) انظر «صفوة الراسخ» (ص ١٤٠ ـ ١٤٢) و «الجامع لأحكام القرآن» (١٨ / ٦٣ ـ ٦٩) و «أحكام القرآن» للكيا الهراسي (٤ / ٤٦٢) و «المغني» لابن قدامة (٧ / ٥٣٤ ـ ٥٣٥) و «جمال القراء» (٢ / ٨٦٨ ـ ٨٧١) و «الإيضاح» (ص ٤٣١ ـ ٤٣٥).

٢٠٨

البرمكي ، قال : ابنا محمّد بن إسماعيل ، قال : ابنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : بنا يعقوب بن سفيان ، قال : بنا عبد الله بن صالح ، قال : حدّثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا) ونحو هذا من القرآن مما أمر الله به المؤمنين بالعفو عن المشركين فإنه نسخ ذلك قوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥].

قلت : قد روينا عن جماعة من المفسرين منهم ابن عباس رضي الله عنهما أن سبب نزول هذه الآية أن الرجل كان إذا أراد أن يهاجر من مكة إلى المدينة منعته زوجته وولده ، وعلى هذا يمكن أن يكونوا قد آمنوا معه ولكنهم يمنعونه حبا لإقامته فلا يتوجه نسخ.

الباب التاسع والخمسون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة ن

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) [ن : ٤٤].

زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف ، وإذا قلنا إنه وعيد وتهديد فلا نسخ.

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) [ن : ٤٨].

قال بعضهم معنى الصبر منسوخ بآية السيف وقد تكلمنا على نظائر هذا فيما سبق.

الباب الستون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة سأل سائل

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) [المعارج : ٥].

قال المفسرون : صبرا لا جزع فيه ، وزعم قوم منهم ابن زيد أن هذا كان قبل

٢٠٩

الأمر بالقتال ثم نسخ بآية السيف وقد تكلمنا على نظائر هذا.

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) [المعارج : ٤٢].

زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف ، وإذا قلنا : إنه وعيد بلقاء القيامة فلا وجه للنسخ.

الباب الحادي والستون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة المزمل

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) [المزمل : ٢ ، ٣].

قال المفسرون ، المعنى : انقص من النصف قليلا أو زد على النصف ، فجعل له سعة في مدة قيامه إذا لم تكن محدودة ، فكان يقوم ومعه طائفة من المؤمنين فشق ذلك عليه وعليهم ، وكان يقوم الليل كله مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب ، فنسخ الله ذلك عنه وعنهم بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) [المزمل : ٢٠] هذا مذهب جماعة من المفسرين.

وقالوا : ليس في القرآن سورة نسخ آخرها أولها سوى هذه السورة. وذهب قوم إلى أنه نسخ قيام الليل في حقه بقوله : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) [الإسراء : ٧٩] ونسخ في حق المؤمنين بالصلوات الخمس وقيل : نسخ عن الأمة وبقي فرضه عليه أبدا ، وقيل إنما كان مفروضا عليه دونهم.

[٢٢٣] (١) ـ أخبرنا ابن ناصر ، قال : ابنا علي بن أيوب ، قال : ابنا ابن شاذان ، قال : ابنا أبو بكر النجاد ، قال : ابنا أبو داود ، قال بنا أحمد بن محمّد ، قال : بنا علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) نسختها (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) [المزمل : ٢٠].

[٢٢٤] ـ أخبرنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين بن قريش ،

__________________

(١) أخرجه أبو داود في «سننه» (١٣٠٤). وحسّنه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (١١٥٦).

٢١٠

قال : ابنا أبو إسحاق البرمكي ، قال : ابنا محمّد بن إسماعيل بن العباسي ، قال : ابنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : بنا زيد بن أخرم ، قال : بنا بشر بن عمر ، قال : بنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أبي المتوكل ، عن جابر بن عبد الله ، قال : كتب علينا قيام الليل فقمنا حتى انتفخت أقدامنا ، وكنا في مغزى لنا فأنزل الله الرخصة (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) [المزمل : ٢٠] آخر السورة.

قال أبو بكر : وبنا عبد الله بن محمّد بن خلاد ، قال : بنا يزيد ، قال : بنا مبارك ، عن الحسن ، قال : لما نزلت : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) [المزمل : ١ ـ ٤] كان قيام الليل فريضة ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سنة. قال الحسن : أما والله ما كلهم قام بها فخفف الله فأنزل آخر السورة (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) إلى آخر الآية.

[٢٢٥] (١) ـ أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال : ابنا عمر بن عبيد الله قال ابنا بن بشران ، قال : ابنا إسحاق بن أحمد ، قال : ابنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدّثني أبي ، قال : بنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن سعد بن هشام ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : «كان الله افترض قيام الليل في أول سورة المزمل ، فقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم ، وأمسك خاتمتها في السماء اثني عشر شهرا ، ثم أنزل الله آية فيها يسر وتخفيف ، فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة». قال قتادة : نسختها (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) الآية.

قال أحمد : وبنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ) قال : فلما قدم المدينة نسختها هذه الآية (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) الآية (٢).

قال أحمد : وبنا عبد الصمد ، عن همام ، عن قتادة ، قال : فرض قيام الليل في أول سورة المزمل ، فقام أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى انتفخت أقدامهم ، وأمسك الله خاتمتها في السماء حولا ثم أنزل الله التخفيف في آخرها ، فقال : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) فنسخ ما كان قبلها.

__________________

(١) أخرجه مسلم (٧٤٦) وأحمد (٦ / ٥٤) وأبو داود (١٣٤٢ ، ١٣٤٩ ، ١٣٥٢) والترمذي (٤٤٥) والنسائي في «المجتبى» (٣ / ٦٠ ـ ٦١ ، ١٩٩ ـ ٢٠١ ، ٢٢٠ ، ٢٢١ ، ٢٤٠ ، ٢٤١ ، ٢٤٢) وفي «الكبرى» (١ / ٤٤٣ / ١٤١١ ، ١٤١٤) و (٦ / ٥٠٠ / ١١٦٢٧) وابن ماجة (١١٩١ ، ١٣٤٨) وغيرهم.

(٢) أخرجه أبو عبيد (٤٦٧).

٢١١

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) [المزمل : ١٠].

قال المفسرون : واصبر على ما يقولون من تكذيبهم إياك وأذاهم لك (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) لا جزع فيه وهذه منسوخة عندهم بآية السيف ، وهو مذهب قتادة وعلى ما بينا من تفسيرها يمكن أن تكون محكمة.

ذكر الآية الثالثة :

قوله تعالى : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) [المزمل : ١١].

زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف ، وليس بصحيح ، لأن قوله (ذَرْنِي) وعيد ، وأمره بإمهالهم ليس على الإطلاق ، بل أمره بإمهالهم إلى حين يؤمر بقتالهم فذهب زمان الإمهال ، فأين وجه النسخ؟

ذكر الآية الرابعة :

قوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) [المزمل : ١٩].

زعم بعض من لا فهم له أنها نسخت بقوله : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠] وليس هذا بكلام من يدري ما يقول ، لأن الآية الأولى أثبتت للإنسان مشيئته ، والآية الثانية أثبتت أنه لا يشاء حتى يشاء الله ، فكيف يتصور النسخ؟

الباب الثاني والستون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة المدثر

قوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) [المدثر : ١١].

هذه نزلت في الوليد بن المغيرة (١) والمعنى : خلّ بيني وبينه فإني أتولى هلاكه.

وقد زعم بعضهم أنها نسخت بآية السيف وهذا باطل من وجهين.

الأول : أنه إذا ثبت أنه وعيد فلا وجه للنسخ ، وقد تكلمنا على نظائرها فيما سبق.

__________________

(١) انظر «المستدرك» (٢ / ٥٠٦).

٢١٢

والثاني : أن هذه السورة مكية وآية السيف مدنية ، والوليد هلك بمكة قبل نزول آية السيف.

الباب الثالث والستون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة (هل أتى)

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) [الإنسان : ٨].

زعم بعضهم أن هذه تضمنت المدح على إطعام الأسير المشرك ، قال : وهذا منسوخ بآية السيف.

[٢٢٦] ـ أخبرنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين قال : ابنا البرمكي ، قال : ابنا محمّد بن إسماعيل ، قال : ابنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : ابنا يعقوب بن سفيان ، قال : بنا يحيى بن بكير ، قال : حدّثني ابن لهيعة ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير : (وَأَسِيراً) قال : يعني من المشركين ، نسخ السيف الأسير من المشركين.

قلت : إنما أشار إلى أن الأسير يقتل ولا يفادى ، فأما إطعامه ففيه ثواب بالإجماع لقوله عليه الصلاة والسلام : «في كل كبد حرى أجر» (١). والآية محمولة على التطوع بالإطعام فأما الفرض فلا يجوز صرفه إلى الكفار.

__________________

(١) أخرجه أحمد (٤ / ١٧٥) وابن ماجة (٣٦٨٦) والبيهقي (٤ / ١٨٦) والحاكم (٣ / ٦١٩) والطبراني في «الكبير» (٧ / رقم : ٦٦٠٠) والحميدي (٢ / ٤٠١ / ٩٠٢).

من طريق : الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك بن جعشم ، عن أبيه ، عن عمه سراقة بن مالك قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الضالة من الإبل تغشى حياضي قد لطتها من الإبل ، هل لي من أجر في شأن ما أسقيها؟ قال : «نعم ؛ في كل ذات كبد حراء أجر».

وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (٢ / ٢٩٩ / ٥٤٢) من طريق : ابن شهاب ، عن محمود بن الربيع ؛ عن سراقة به.

وأخرجه أحمد (٤ / ١٧٥) وعبد الرزاق في «مصنفه» (١٩٦٩٢) والبيهقي (٤ / ١٨٦) والطبراني في «الكبير» (٧ / رقم : ٦٥٨٧). من طريق : معمر ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن سراقة.

وأخرجه القضاعي في «مسند الشهاب» (١١٢) من طريق : سفيان ، عن الزهري ، عن ابن سراقة أو غيره ، عن سراقة.

والحديث صحيح ؛ انظر «الصحيحة» (٢١٥٢).

٢١٣

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) [الإنسان : ٢٤].

زعم بعضهم أنها منسوخة بآية السيف ، وقد تكلمنا على نظائرها ، وبينا عدم النسخ.

ذكر الآية الثالثة :

قوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) [الإنسان : ٢٩].

قال بعضهم ، نسخت بقوله : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠] وقال : وكذلك قوله في :

عبس

قال تعالى : (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) [عبس : ١٢] قال : وكذلك في سورة :

التكوير

قال تعالى : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) [التكوير : ٢٨] وقد رددنا هذا في سورة المزمل.

الباب الرابع والستون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة الطارق

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) [الطارق : ١٧].

زعم بعضهم أنه منسوخ بآية السيف ، وإذا قلنا أنه وعيد فلا نسخ.

الباب الخامس والستون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة الغاشية

قوله تعالى : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) [الغاشية : ٢٢].

[٢٢٧] ـ أخبرنا محمّد بن ناصر ، قال : ابنا علي بن أيوب ، قال : ابنا ابن

٢١٤

شاذان ، قال : ابنا أبو بكر النجاد ، قال : بنا أبو داود ، قال : بنا أحمد بن محمّد ، قال : حدّثت عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) قال : نسخ ذلك فقال : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).

قلت : وقد قال بعض المفسرين في معناها : لست عليهم بمسلط فتكرههم على الإيمان ، فعلى هذا لا نسخ.

الباب السادس والستون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة التين

قوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) [التين : ٨].

زعم بعضهم : أنه نسخ معناها بآية السيف لأنه ظن أن معناها : دعهم وخل عنهم ، وليس الأمر كما ظن ، فلا وجه للنسخ.

الباب السابع والستون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة الكافرين

قوله تعالى : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون : ٦].

قال كثير من المفسرين : هو منسوخ بآية السيف ، وإنما يصح هذا إذا كان المعنى ، قد أقررتم على دينكم وإذا لم يكن هذا مفهوم الآية بعد النسخ.

آخر الكتاب ، والحمد لله وحده ، وصلّى الله على سيدنا محمّد النبي وآله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا (١).

__________________

(١) وكان الفراغ من تحقيقه والتعليق عليه ليلة السابع من شهر شوال ، عام إحدى وعشرين وأربعمائة وألف.

٢١٥
٢١٦

الفهارس العامة

١ ـ فهرس الآیات القرآنیة

٢ ـ فهرس الاحادیث والآثار

٣ ـ فهرس الاعلام

٤ ـ فهرس المصادر والمراجع

٥ ـ فهرس المحتویات

٢١٧
٢١٨

١

فهرس الآیات القرآنیة

الایة

رقمها

الصفحة

سورة البقرة

(وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)

٣

٣٦

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا)

٦٢

٣٧

(بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ)

٨١

٣٧

(وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)

٨٣

٣٨

(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها)

١٠٦

١٦ و ٢٢

(فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ)

١٠٩

٣٩

(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ)

١١٥

٤٠ و ٤٤

(سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ)

١٤٢

٤٤

(وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ)

١٤٣

٤٥

(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)

١٤٤

٤٥

(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)

١٥٢

١١

(إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ)

١٥٨

٤٧

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ)

١٥٩

٤٩

(إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ)

١٧٣

٤٩

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى)

١٧٨

٥٠

(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ)

١٨٠

٢٢ و ٥١ و ٥٢

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ)

١٨٣

٥٨

٢١٩

الآیة

رقمها

الصفحة

(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ)

١٨٤

٦٠ و ٦١

(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)

١٨٥

٦١

(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ)

١٨٧

٥٨ و ٥٩

(فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ)

١٨٧

٢١

(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ)

١٩٠

٦٥

(وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)

١٩١

٢٢ و ٦٧

(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ)

١٩٨

٧١

(وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)

١٩٦

٧١

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ)

٢١٦

٧٣

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ)

٢١٧

٦٧ و ٧٣

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ)

٢١٩

٧٦

(وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ)

٢٢١

٧٧

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ)

٢٢٢

٧٩

(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)

٢٢٨

٧٩

(الطَّلاقُ مَرَّتانِ)

٢٢٩

٢١

(وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ)

٢٢٣

٨١

(لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ)

٢٥٦

٨٣

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)

٢٨٢

٨٦

(وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ)

٢٨٤

٨٩

(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)

٢٨٦

٧٣ و ٨٩

سورة آل عمران

(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ)

٢٠

٩٥

(إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً)

٢٨

٩٥

(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)

٨٥

٣٧

٢٢٠