نواسخ القرآن

أبي الفرج عبد الرحمن بن علي [ ابن الجوزي ]

نواسخ القرآن

المؤلف:

أبي الفرج عبد الرحمن بن علي [ ابن الجوزي ]


المحقق: الداني بن منير آل زهوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٧

البرمكي ، قال : ابنا محمّد بن إسماعيل ، قال : بنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : بنا قيس ، عن حصين ، عن مجاهد (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) قال : من أدّى منهم الجزية فلا تقل له إلا حسنا.

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) [العنكبوت : ٥٠] زعم بعضهم أنه منسوخ بآية السيف ، وهذا لو كان في قوله وما أنا إلا نذير احتمل ، فأما هاهنا فلا ، لأن هذه الآية أثبتت أنه نذير ، ويؤيد إحكامها أنها خبر.

الباب الثالث والثلاثون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة الروم

قوله تعالى : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) [الروم : ٦٠] زعم السدي : أنها نسخت بآية السيف ، وهذا إنما يصح له أن لو كان الأمر بالصبر عن قتالهم فأما إذا احتمل أن يكون صبرا على ما أمر به أو عما نهى عنه لم يتصور نسخ.

الباب الرابع والثلاثون

باب ذكر

ادّعي عليه النسخ في سورة لقمان

قوله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) [لقمان : ٢٣].

ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا منسوخ بآية السيف ، وقال بعضهم : نسخ معناها لا لفظها بآية السيف ، وهذا ليس بشيء ؛ لأنها إنما تضمنت التسلية له عن الحزن ، وذلك لا ينافي القتال.

١٨١

الباب الخامس والثلاثون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة السجدة

قوله تعالى : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) [السجدة : ٣٠].

روى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نسختها آية السيف (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥].

[١٩٣] ـ أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال : ابنا عمر بن عبيد الله ، قال : ابنا ابن بشران ، قال : ابنا إسحاق بن أحمد ، قال : ابنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدّثني أبي ، قال : ابنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة قال : كل شيء في القرآن فأعرض عنهم وانتظر منسوخ نسخته براءة والقتال.

الباب السادس والثلاثون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة الأحزاب

ذكر الآية الأولى:

قوله تعالى : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ) [الأحزاب : ٤٨] قال المفسرون : معناه : لا تجازهم عليه وتوكل على الله في كفاية شرهم. قالوا : ونسخت بآية السيف.

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَ) [الأحزاب : ٤٩].

اختلف العلماء لمن هذه المتعة ، فقال الأكثرون : هي لمن لم يسم لها مهرا لقوله تعالى في البقرة : (أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) [البقرة : ٢٣٧].

أحدهما : أنها واجبة للمطلقة التي يسم لها مهرا إذا طلقها قبل الدخول ، وعلى هذا الآية محكمة ، وقال قوم المتعة واجبة لكل مطلقة بهذه الآية ثم نسخت بقوله : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) [البقرة : ٢٣٧].

١٨٢

[١٩٤] ـ أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال : ابنا عمر بن عبيد الله ، قال : ابنا ابن بشران ، قال : ابنا إسحاق بن أحمد ، قال : بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : بنا أبي ، قال : بنا محمّد بن سواء ، قال : بنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن وأبي العالية ، في هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَ) قالا : ليست بمنسوخة لها نصف الصداق ، ولها المتاع.

قال أحمد : وبنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن ابن المسيب ، قال : هي منسوخة نسختها الآية التي في البقرة : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) [البقرة : ٢٣٧] فصار لها نصف الصداق ولا متاع لها. قال سعيد : وكان قتادة يأخذ بهذا.

وقال أحمد : وبنا حسين ، عن شيبان ، عن قتادة : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَ) الآية. قال : قال سعيد بن المسيب ثم نسخ هذا الحرف المتعة : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ).

ذكر الآية الثالثة :

قوله تعالى : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) [الأحزاب : ٥٢].

اختلف المفسرون فيها على قولين :

القول الأول : أنها منسوخة بقوله : (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) [الأحزاب : ٥٠] وهذا مروي عن علي وابن عباس وعائشة وأم سلمة وعلي بن الحسين والضحاك.

[١٩٥] (١) ـ أخبرنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين قال : ابنا

__________________

(١) أخرجه أحمد (٦ / ١٨٠ ، ٢٠١) والنسائي في «المجتبى» (٦ / ٥٦) وفي «الكبرى» (٦ / ٤٣٤ / ١١٤١٥) وابن سعد في «الطبقات» (٨ / ١٤١) والحاكم (٢ / ٤٣٧) وابن حبان (١٤ / ٢٨١ / ٦٣٦٦) والبيهقي (٧ / ٥٤) والطبري في «تفسيره» (٢٢ / ٣٢) والدارمي في «سننه» (٢ / ٢٠٥ / ٢٢٤١).

من طريق : ابن جريج ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن عائشة به.

وإسناده صحيح ، صرّح ابن جريج فيه بالتحديث في بعض طرق الحديث ، وصحّح إسناده المحدث الألباني في «صحيح سنن النسائي» (٢ / ٦٧٤ / ٣٠٠٤).

وأخرجه أحمد (٦ / ٤١) والنسائي في «المجتبى» (٦ / ٥٦) والحميدي في «مسنده» (١ / ١١٥ / ٢٣٥) والطبري (٢٢ / ٢٤) والترمذي (٣٢١٦) والبيهقي (٧ / ٥٤) وابن سعد في «الطبقات» (٨ / ١٤٠) والشافعي في «الأم» (٢ / ١٤٠) والنحاس في «ناسخه» (ص ٢٠٧).

من طريق : سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن عائشة به.

وإسناده صحيح ؛ انظر «صحيح سنن النسائي» (٢ / ٦٧٤ / ٣٠٠٣).

وزاد السيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٢١٢) لعبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وأبي داود في «ناسخه» وابن المنذر ، وابن مردويه.

١٨٣

البرمكي ، قال : ابنا محمّد بن إسماعيل قال : ابنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : بنا عمران بن محمّد الأنصاري ، قال : بنا أبو عاصم قال : ابنا ابن جريج ، عن عطاء ، [عن عبيد] بن عمير ، عن عائشة قالت : «ما مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أحل له أن ينكح ما شاء». قال أبو سليمان الدمشقي : يعني نساء جميع القبائل من المهاجرات وغير المهاجرات.

والقول الثاني : أنها محكمة ، ثم فيها قولان :

الأول : إن الله تعالى أثاب نساءه حين اخترنه بأن قصره عليهن فلم يحل له غيرهن ، ولم ينسخ هذا.

[١٩٦] ـ أخبرنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين ، قال : ابنا البرمكي ، قال : بنا إسماعيل بن العباس ، قال : بنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : ذكر محمّد بن مصفى أن يوسف بن السفر حدثهم عن الأوزاعي ، عن عثمان بن عطاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) قال : حبسه الله عليهن كما حبسهن عليه. قال أبو بكر : وبنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : بنا حجاج ، قال : بنا حماد ، عن علي بن زيد ، عن الحسن ؛ (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) قال : قصره الله على نسائه التسع اللاتي مات عنهن. وهذا قول ابن سيرين وأبي أمامة بن سهل وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث والسدي (١).

والثاني : أن المراد بالنساء هاهنا ، الكافرات ولم يجز له أن يتزوج بكافرة قاله مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وجابر بن زيد.

الباب السابع والثلاثون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة سبأ

قوله تعالى : (قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [سبأ : ٢٥].

قال المفسرون : المعنى : لا تؤاخذون بجرمنا ولا نسأل عما تعملون من الكفر والتكذيب. والمعنى : إظهار التبري منهم ، قالوا : وهذا منسوخ بآية السيف ولا أرى لنسخها وجها ، لأن مؤاخذة كل واحد بفعله لا يمنع من قتال الكفار.

__________________

(١) انظر «صفوة الراسخ» (ص ١٢٧) و «مناهل العرفان» (٢ / ٢٦٧) و «الإيضاح» (ص ٣٨٦).

١٨٤

الباب الثامن والثلاثون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة فاطر

قوله تعالى : (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) [فاطر : ٢٣].

قال بعض المفسرين : نسخ معناها بآية السيف وقد تكلمنا على جنسها وبينا أنه لا نسخ.

الباب التاسع والثلاثون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة الصافات

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ) [الصافات : ١٧٤].

للمفسرين في المراد بالحين ثلاثة أقوال :

الأول : أنه زمان الأمر بقتالهم. قاله مجاهد.

والثاني : موتهم : قاله قتادة.

والثالث : القيامة : قاله ابن زيد. وعلى هذا والذي قبله يتطرق نسخها ، وقال مقاتل بن حيان نسختها آية القتال.

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) [الصافات : ١٧٥] أي : انظر إليهم إذا نزل العذاب بهم ببدر فسوف يبصرون ما أنكروا ، وكانوا يستعجلون به تكذيبا وهذا كله دليل على إحكامها ، وزعم قوم : أنها منسوخة بآية السيف ، وليس بصحيح.

ذكر الآية الثالثة والرابعة :

وهما تكرار الأولتين : (وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) [الصافات : ١٧٨ ، ١٧٩] قال المفسرون : هذا تكرار لما تقدم توكيد لوعده بالعذاب ، وقال ابن عقيل : الآيتان المتقدمتان عائدتان إلى أذيتهم له ، وصدهم له عن العمرة ، والحين الأول ؛ حين الفتح ، فالمعنى أبصرهم إذا جاء نصر الله ، ووقفوا بين يديك بالذل

١٨٥

وطلب العفو ، فسوف يبصرون عزّك وذلهم على ضدّ ما كان يوم القضاء.

والموضع الثاني : (وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ) وهو يوم القيامة والله أعلم ، وأبصر ما يكون من عذاب الله لهم.

قلت : وعلى ما ذكرنا لا وجه للنسخ ، وقد ادّعى بعضهم نسخ الآيتين خصوصا إذا قلنا أنها تكرار للأولتين.

الباب الأربعون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة ص

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) [ص : ٧٠].

ومعنى الكلام : إني ما علمت قصة آدم : (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) [ص : ٧١] إلا بوحي. وعلى هذا الآية محكمة ، وقد زعم بعض من قل فهمه أنها منسوخة بآية السيف. وقد رددنا مثل هذه الدعوى في نظائرها المتقدمة.

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) [ص : ٧١].

زعم بعض من لا فهم له أنها منسوخة بآية السيف ، وليس بصحيح ، لأنه وعيد بعقاب إما أن يراد بوقته الموت أو القتل أو القيامة ، وليس فيه ما يمنع قتال الكفار.

الباب الحادي والأربعون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة الزمر

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [الزمر : ٣].

قال المفسرون : هذا حكم الآخرة ، وهذا أمر محكم ، وقد ادّعى بعضهم

١٨٦

نسخها بآية السيف ، وعلى هذا يكون الحكم حكم الدنيا بأن أمر بقتالهم.

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الزمر : ١٣]. قد ادّعى قوم نسخها بقوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢] وقد منعنا ذلك في ذكر نظيرتها في الأنعام.

ذكر الآية الثالثة :

قوله تعالى : (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) [الزمر : ١٥].

ليس هذا بأمر وإنما هو تهديد ، وهو محكم فهو كقوله : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) وقد زعم بعض من لا فهم له أنه منسوخ بآية السيف وإنما قال هذا ، لأنه ظن أنه أمر ، وهذا ظن فاسد وخيال رديء.

ذكر الآية الرابعة والخامسة :

قوله تعالى : (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) [الزمر : ٣٩ ، ٤٠] زعم بعض المفسرين أنهما نسختا بآية السيف ، وإذا كان معناهما التهديد والوعيد ، فلا وجه للنسخ.

ذكر الآية السادسة :

قوله تعالى : (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) [الزمر : ٤١] قد زعم قوم : أنها منسوخة بآية السيف ، وقد سبق كلامنا في هذا الجنس أنه ليس بمنسوخ.

ذكر الآية السابعة :

قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [الزمر : ٤٦].

زعم بعض ناقلي التفسير أن معناه نسخ بآية السيف ، وليس هذا بصحيح ؛ لأن حكم الله بين عباده في الدنيا بإظهار حجج المحقين وإبطال شبه الملحدين ، وفي الآخرة بإدخال هؤلاء الجنة وهؤلاء النار ، وهذا لا ينافي قتالهم.

١٨٧

الباب الثاني والأربعون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة المؤمن [غافر]

قوله تعالى : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) [غافر : ٧٧].

هذه الآية في هذه السورة في موضعين وقد ذكروا أنها منسوخة بآية السيف وعلى ما قررنا في نظائرها لا نسخ.

الباب الثالث والأربعون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة حم السجدة [فصلت]

قوله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [فصلت : ٣٤]. وقد زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف.

[١٩٧] ـ أخبرنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين ، قال : ابنا أبو إسحاق البرمكي ، قال : ابنا محمد بن إسماعيل ، قال : ابنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : ابنا الحسن بن علي بن مهران ، قال : بنا عامر بن الفرات ، عن أسباط ، عن السدي ، (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) قال : هذا قبل القتال.

وقال أكثر المفسرين : هو كدفع الغضب بالصبر ، والإساءة بالعفو ، وهذا يدل على أنه ليس المراد بذلك معاملة الكفار فلا يتوجه النسخ.

[١٩٨] ـ أخبرنا المحمدان ، ابن ناصر وابن عبد الباقي ، قالا : ابنا أحمد بن أحمد ، قال : ابنا أحمد بن عبد الله الأصفهاني ، قال : بنا سليمان أبي أحمد ، قال : بنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : ابنا عبد الرزاق عن معمر ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) قال : هو السلام يسلم عليه. ورواه منصور ، عن مجاهد قال : المصافحة.

١٨٨

الباب الرابع والأربعون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة حم عسق [الشورى]

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) [الشورى : ٥] زعم قوم منهم ابن منبه والسدي ، ومقاتل بن سليمان ، أنها منسوخة بقوله : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) [غافر : ٦] وهذا قبيح ، لأن الآيتين خبر ، والخبر لا ينسخ ، ثم ليس بين الآيتين تضاد ، لأن استغفارهم للمؤمنين استغفار خاص لا مدخل فيه إلا من اتبع الطريق المستقيم فلأولئك طلبوا الغفران والإعادة من النيران وإدخال الجنان (١).

واستغفارهم لمن في الأرض لا يخلو من أمرين : إما أن يريدوا به الحلم عنهم والرزق لهم ، والتوفيق ليسلموا وإما أن يريدوا به من في الأرض من المؤمنين ، فيكون اللفظ عاما والمعنى خاصا ، وقد دل على تخصيص عمومه قوله : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) والدليل الموجب يصرفه عن العموم إلى الخصوص ؛ أن الكافر لا يستحق أن يغفر له فعلى هذا البيان لا وجه للنسخ ، وكذلك قال قتادة : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) قال : للمؤمنين منهم.

وقال أبو الحسين بن المنادي : في الكلام مضمر ، تقديره : لمن في الأرض من المؤمنين.

وقال أبو جعفر النحاس : يجوز أن يكون وهب بن منبه أراد أن هذه الآية على نسخ تلك الآية ، لأنه لا فرق بينهما.

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) [الشورى : ٦].

قد زعم كثير من المفسرين : أنها منسوخة بآية السيف ، وقد بينا مذهبنا في نظائرها وأن المراد : أنا لم نوكّلك بهم فتؤخذ بأعمالهم ، فلا يتوجه نسخ.

ذكر الآية الثالثة :

قوله تعالى : (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) [الشورى : ١٠].

__________________

(١) انظر «صفوة الراسخ» (ص ١٣٠) و «الإيضاح» (ص ٨٩) و «الجامع لأحكام القرآن» (١٦ / ٤ ـ ٥).

١٨٩

للمفسرين في هذه الآية قولان :

القول الأول : أنها اقتضت الاقتصار على الإنذار ، وذلك قبل الأمر بالقتال ثم نزلت آية السيف فنسختها ، قاله الأكثرون وروى الضحاك عن ابن عباس ، قال : (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) مخاطبة لليهود أي لنا ديننا ولكم دينكم ، قال : ثم نسخت بقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) الآية. وهكذا قال مجاهد.

[١٩٩] ـ وأخبرنا المبارك بن علي قال : ابنا أحمد بن الحسين ، قال : ابنا البرمكي ، قال : ابنا محمد بن إسماعيل بن العباس ، قال : ابنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : بنا الحسين بن علي ، قال : بنا عامر بن الفرات ، عن أسباط ، عن السدي (لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) قال : هذه قبل السيف ، وقبل أن يؤمر بالجزية.

والقول الثاني : أن معناها : أن الكلام بعد ظهور الحجج والبراهين قد سقط بيننا فلم يبق إلا السيف ، فعلى هذا هي محكمة ؛ قاله جماعة من المفسرين ، وهو الصحيح.

ذكر الآية الرابعة :

قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) هذا محكم. وقوله : (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) [الشورى : ٢٠] للمفسرين فيه قولان :

الأول : أنه منسوخ ، بقوله : (عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) [الإسراء : ١٨] رواه الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وبه قال مقاتل :

والثاني : أنه محكم م ؛ لأنه خبر ، قاله قتادة.

ووجهه ما بيناه في نظيرها في آل عمران عند قوله : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) [آل عمران : ١٤٥].

ذكر الآية الخامسة :

قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٢٣].

للمفسرين فيها قولان :

الأول : أن هذا الاستثناء من الجنس ، فعلى هذا يكون سائلا أجرا ، وقد أشار ابن عباس في رواية الضحاك إلى هذا المعنى ثم قال : نسخت هذه الآية بقوله : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) [سبأ : ٤٧] وإلى هذا ذهب مقاتل.

والثاني : أنه استثناء من غير الأول ، لأن الأنبياء لا يسألون على تبليغهم أجرا ، وإنما المعنى : لكني أذكركم المودة في القربى ، وقد روى هذا المعنى جماعة عن ابن عباس ، منهم طاوس والعوفي.

١٩٠

[٢٠٠] (١) ـ أخبرنا ابن الحصين ، قال : ابنا المذهب ، قال : ابنا أحمد بن جعفر ، قال : بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي ، قال : بنا يحيى ، عن شعبة ، قال : حدثني عبد الملك بن ميسرة ، عن طاوس ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لم يكن بطن في قريش إلا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيهم قرابة ، فنزلت : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) إلا أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم.

هذا هو الصحيح ، ولا يتوجه على هذا نسخ أصلا.

ذكر الآية السادسة :

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) [الشورى : ٣٩].

اختلفوا في هذه الآية ، فذهب بعض القائلين بأنها في المشركين إلى أنها منسوخة بآية السيف ، وهو مذهب جماعة منهم ابن زيد ، وكأنهم يشيرون إلى أنها أثبتت الانتصار بعد بغي المشركين فلما جاز لنا أن نبدأهم القتال دل على نسخها.

وللقائلين بأنها في المسلمين قولان :

الأول : أنها منسوخة بقوله : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ) [الشورى : ٤٣] فكأنها نبهت على مدح المنتصر ، ثم أعلمنا أن الصبر والغفران أمدح ، فبان وجه النسخ.

والثاني : أنها محكمة لأن الصبر والغفران فضيلة ، والانتصار مباح فعلى هذا تكون محكمة وهو الصحيح (٢).

ذكر الآية السابعة :

قوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠].

زعم بعض من لا فهم له ، أن هذا الكلام منسوخ بقوله : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [الشورى : ٤٠] وليس هذا بقول من يفهم الناسخ والمنسوخ ، لأن معنى الآية : أن من جازى مسيئا فليجازه بمثل إساءته ، ومن عفا فهو أفضل.

ذكر الآية الثامنة :

قوله تعالى : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) [الشورى : ٤١].

زعم بعض من لا يفهم ، أنها نسخت بقوله : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى : ٤٣].

__________________

(١) أخرجه البخاري (٣٤٩٧ ، ٤٨١٨) وأحمد (١ / ٢٢٩ ، ٢٨٦) والترمذي (٣٢٥١) وابن جرير (٢٥ / ١٥) وغيرهم. من طريق : شعبة به.

(٢) «صفوة الراسخ» (ص ١٣٠ ـ ١٣١).

١٩١

وليس هذا بكلام من يفهم الناسخ والمنسوخ ، لأن الآية الأولى تثبت جواز الانتصار ، وهذه تثبت أن الصبر أفضل.

ذكر الآية التاسعة :

قوله تعالى : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) [الشورى : ٤٨].

زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف.

وقد بينا مذهبنا في نظائرنا وأنها ليست بمنسوخة.

الباب الخامس والأربعون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة الزخرف

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) [الزخرف : ٨٣].

زعم بعضهم أنها منسوخة بآية السيف ، وقد عرف مذهبنا في نظائرها وأنها واردة للوعيد والتهديد ، فلا نسخ إذن.

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الزخرف : ٨٩] يروي الضحاك عن ابن عباس ، قال : نسخ هذا بآية السيف.

[٢٠١] ـ وأخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال : ابنا عمر بن عبيد الله ، قال : ابنا ابن بشران ، قال : ابنا إسحاق بن أحمد ، قال : ابنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني أبي ، وابنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين ، قال : ابنا البرمكي ، قال : ابنا محمد بن إسماعيل ، قال : بنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : بنا أحمد بن يحيى بن مالك ، قال : بنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، قال : قال قتادة : في قوله : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) قال قتادة : نسختها براءة (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥].

هذا مذهب قتادة ومقاتل بن سليمان.

١٩٢

الباب السادس والأربعون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة الدخان

قوله تعالى : (فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) [الدخان : ٥٩].

قد ذهب جماعة من المفسرين إلى أنها منسوخة بآية السيف ، ولا نرى ذلك صحيحا لأنه لا تنافي بين الآيتين ، وارتقاب عذابهم إمّا عند القتل أو عند الموت أو في الآخرة وليس في هذا منسوخ.

الباب السابع والأربعون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة الجاثية

قوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) [الجاثية : ١٤].

جمهور المفسرين على أنها منسوخة ، لأنها تضمنت الأمر بالإعراض عن المشركين ، واختلفوا في ناسخها على أربعة أقوال :

القول الأول : آية السيف.

[٢٠٢] (١) ـ أخبرنا عبد الوهاب الحافظ ، قال : ابنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي ، قالا : ابنا ابن شاذان ، قال : بنا أحمد بن كامل ، قال : بنا محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) قال : كان نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعرض عن المشركين إذا آذوه ، وكانوا يستهزءون به ويكذّبونه ، فأمره الله أن يقاتل المشركين كافة ، فكان هذا من المنسوخ.

وروى الضحاك عن ابن عباس قال : نسخت بآية السيف.

[٢٠٣] (٢) ـ أخبرنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين ، قال : ابنا البرمكي ، قال : ابنا محمد بن إسماعيل ، قال : ابنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : بنا

__________________

(١) أخرجه ابن جرير الطبري في «تفسيره» (٢٥ / ٨٦).

(٢) أخرجه أبو عبيد في «ناسخه» (٣٥٥) والبيهقي (٩ / ١١).

١٩٣

يعقوب بن سفيان ، قال : بنا أبو صالح ، قال : حدّثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) ونحو هذا من القرآن مما أمر الله فيه بالعفو عن المشركين فإنه نسخ ذلك بقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥] وقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ٢٩].

[٢٠٤] (١) ـ أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال : ابنا عمر بن عبيد الله ، قال : ابنا ابن بشران ، قال : ابنا إسحاق بن أحمد ، قال : بنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني أبي ، قال : بنا عبد الرزاق ، قال : بنا معمر ، عن قتادة : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ).

قال : نسختها (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).

والقول الثاني : أن ناسخها قوله في الأنفال : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ) [الأنفال : ٥٧] وقوله في براءة : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) [التوبة : ٣٦] رواه سعيد عن قتادة.

[٢٠٥] ـ أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال : ابنا عمر بن عبيد الله ، قال : ابنا ابن بشران ، قال : ابنا إسحاق بن أحمد ، قال : بنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني أبي قال : بنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة قال : نسختها (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) [الأنفال : ٥٧].

والثالث : قوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ٢٩].

[٢٠٦] ـ أخبرنا ابن ناصر ، قال : ابنا ابن أيوب ، قال : ابنا ابن شاذان ، قال : ابنا أبو بكر النجاد قال : ابنا أبو داود ، قال : بنا أحمد بن محمد ، قال : بنا ابن رجاء ، عن همام ، عن قتادة : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) ثم نسخ فقال : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ).

والرابع : قوله : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) [الحج : ٣٩] قاله أبو صالح.

ويمكن أن يقال : إنها محكمة ، لأنها نزلت على سبب وهو أنهم نزلوا في غزاة بني المصطلق على بئر فأرسل عبد الله بن أبي غلامه ليستقي الماء ، فأبطأ عليه فلما أتى ، قال ما حبسك؟ قال : غلام عمر ما ترك أحدا يستقي حتى ملأ قرب النبي

__________________

(١) أخرجه النحاس في «ناسخه» (ص ٢١٩).

١٩٤

وقرب أبي بكر وملأ لمولاه فقال عبد الله : ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل : «سمّن كلبك يأكلك» فبلغ قوله عمر فاشتمل بسيفه يريد التوجه إليه فنزلت هذه الآية ، رواه عطاء عن ابن عباس.

الباب الثامن والأربعون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة الأحقاف

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) [الأحقاف : ٩].

اختلف المفسرون في هذا على قولين :

القول الأول : أنه راجع إلى الدنيا ، ثم لهؤلاء فيه قولان :

الأول : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء ، فقصّها على أصحابه ثم مكثوا برهة لا يرون ذلك ، فقالوا : يا رسول الله ؛ متى نهاجر؟ فسكت ، فنزلت هذه الآية ، ومعناها : لا أدري أخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أم لا. رواه أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما.

قال عطية : ما أدري هل يتركني بمكة أو يخرجني منها.

والثاني : ما أدري هل أخرج كما أخرج الأنبياء قبلي وأقتل كما قتلوا؟ أو لا أدري ما يفعل بكم ، أتعذّبون أم تؤجرون ، أتصدّقون أم تكذّبون؟ قاله الحسن.

والقول الثاني : أنه راجع إلى الآخرة.

[٢٠٧] ـ أخبرنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين ، قال : ابنا البرمكي ، قال : ابنا محمد بن إسماعيل ، ابنا أبو بكر أبي داود ، قال : بنا يعقوب بن سفيان ، قال : بنا أبو صالح ، قال : حدّثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) فأنزل الله بعدها : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢] وقال : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ) [الفتح : ٥] فأعلمه ما يفعل به وبالمؤمنين.

وممن ذهب إلى نحو هذا أنس وعكرمة وقتادة ، وقد زعم قوم أن هذا من

١٩٥

الناسخ والمنسوخ ؛ فروى الضحاك عن ابن عباس ، قال : نسختها (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) الآية [الفتح : ١].

[٢٠٨] ـ وأخبرنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين ، قال : ابنا البرمكي ، قال : ابنا محمد بن إسماعيل ، قال : بنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : بنا محمد بن قهزاد قال : حدّثني علي بن الحسين بن واقد ، قال : حدّثني أبي ، وابنا محمد بن أبي منصور ، قال : ابنا علي بن أيوب ، قال : ابنا أبو علي بن شاذان ، قال : ابنا أبو بكر النجاد ، قال : بنا أحمد بن محمد ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) نسختها الآية التي في الفتح ، فخرج إلى الناس فبشّرهم بالذي غفر له ، وما تقدم من ذنبه وما تأخر ، قال رجل من المؤمنين : هنيئا لك يا نبي الله ؛ قد علمنا الآن ما يفعل بك فما ذا يفعل بنا؟ فأنزل الله في سورة الأحزاب (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) [الأحزاب : ٤٧] وقال : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [الفتح : ٥].

قلت : والقول بنسخها لا يصح لأنه إذا خفي عليه علم شيء ثم أعلم به لم يدخل ذلك في ناسخ ولا منسوخ. وقال النحاس : محال أن يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للمشركين ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة ، ولم يزل يخبر أن من مات على الكفر يخلد في النار ، ومن مات على الإيمان فهو في الجنة ، فقد درى ما يفعل به وبهم في الآخرة. والصحيح في معنى الآية قول الحسن : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا (١).

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٣٥].

زعم بعضهم أنها نسخت بآية السيف ، ولا يصح له هذا إلا أن يكون المعنى فاصبر عن قتالهم وسياق الآيات يدل على غير ذلك ، قال بعض المفسرين : كأنه ضجر من قومه ، فأحب أن ينزل العذاب بمن أبى منهم فأمر بالصبر.

__________________

(١) انظر «الناسخ والمنسوخ» للنحاس (ص ٢١٩ ـ ٢٢٠) و «صفوة الراسخ» (ص ١٣٣) و «جمال القراء» (٢ / ٨٣١ ـ ٨٣٣) و «الإيضاح» لمكي (ص ٤١١ ـ ٤١٢).

١٩٦

الباب التاسع والأربعون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) [محمّد : ٤] فيها قولان :

الأول : أنها محكمة ، وأن حكم المنّ والفداء باق لم ينسخ ، وهذا مذهب ابن عمر والحسن وابن سيرين ومجاهد ، وأحمد والشافعي.

والثاني : أن المنّ والفداء نسخ بقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥]. وهذا مذهب ابن جريج والسدي ، وأبي حنيفة (١).

[٢٠٩] ـ أخبرنا عبد الوهاب ، قال : ابنا أبو الفضل بن خيرون ، وأبو طاهر الباقلاوي ، قالا : ابنا ابن شاذان ، قال : ابنا أحمد بن كامل ، قال : حدثني محمّد بن سعد ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثني عمي ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) قال : الفداء منسوخ نسختها (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).

[٢١٠] ـ أخبرنا ابن ناصر ، قال : ابنا ابن أيوب ، قال : ابنا ابن شاذان ، قال : ابنا أبو بكر النجاد ، قال : ابنا أبو داود السجستاني ، قال : بنا ابن السرح قال : حدثني خالد بن بزار ، قال : حدثني إبراهيم بن طهمان ، عن حجاج بن الحجاج الباهلي ، عن قتادة : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) قال : كان أرخص لهم أن يمنوا على من شاءوا ويأخذوا الفداء إذا أثخنوهم ، ثم نسخ ، فقال : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).

[٢١١] ـ أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال : ابنا عمر بن عبيد الله ، قال : ابنا ابن بشران ، قال : ابنا إسحاق بن أحمد ، قال : بنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني أبي ، قال : بنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) قال : نسخ ذلك في براءة (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).

__________________

(١) انظر «أحكام القرآن» لابن العربي (٤ / ١٣١ ـ ١٣٢) و «أحكام القرآن» للكيا الهراسي (٤ / ٣٩٩ ـ ٤٠١) و «المغني» لابن قدامة (١٠ / ٤٠٠ ـ ٤٠١) و «الجامع لأحكام القرآن» (١٦ / ٢٢٨) و «الإيضاح» لمكي (ص ٤١٤) و «صفوة الراسخ» (ص ١٣٤ ـ ١٣٥) و «جمال القراء» (٢ / ٨٣٦ ـ ٨٣٨) و «زاد المسير» (٧ / ٣٩٧).

١٩٧

قال : أحمد ، وبنا عبد الصمد ، عن همام ، عن قتادة ، قال : رخص له أن يمن على من يشاء منهم بأخذ الفداء ثم نسخ ذلك بعد في براءة ، فقال : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).

قال أحمد : وبنا حجاج ، قال : بنا سفيان ، قال : سمعت السدي ، قال : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) قال : نسختها (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (١).

قال أحمد وبنا معاوية بن عمرو ، قال : ابنا أبو إسحاق ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد أنه قال : هي منسوخة لا يفادون ، ولا يرسلون.

قال أحمد : وبنا حجاج قال : بنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد قال : يقتل أسرى الشرك ، ولا يفادون حتى يثخن فيهم القتل.

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) [محمّد : ٣٦].

زعم بعضهم أنها منسوخة بآية الزكاة ، وهذا باطل ، لأن المعنى : لا يسألكم جميع أموالكم. قال السدي : إن يسألكم جميع ما في أيديكم تبخلوا.

وزعم بعض المغفلين من نقلة التفسير أنها منسوخة بقوله : (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا) [محمّد : ٣٧] وهذا ليس معه حديث.

الباب الخمسون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة ق

قوله تعالى : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) [ق : ٤٥].

قال ابن عباس رضي الله عنهما : لم تبعث لتجبرهم على الإسلام وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم ، قالوا : ونسخ هذا بآية السيف.

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٦ / ٢٦) وأبو عبيد (٣٩٣).

١٩٨

الباب الحادي والخمسون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ من سورة الذاريات

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [الذاريات : ١٩] الحق هاهنا النصيب وفيه قولان :

الأول : أنه ما يصلون به رحما ، أو يقرون به ضيفا ، أو يحملون به كلا ، أو يغنون به محروما ، وليس بالزكاة. قاله ابن عباس رضي الله عنهما.

والثاني : أنه الزكاة ، قاله ، قتادة وابن سيرين.

وقد زعم قوم : أن هذه الآية اقتضت وجوب إعطاء السائل والمحروم ، فذلك منسوخ بالزكاة ، والظاهر أنها حث على التطوع ولا يتوجه نسخ.

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) [الذاريات : ٥٤].

زعم قوم : أنها منسوخة ، ثم اختلفوا في ناسخها : فقال بعضهم : آية السيف ، وقال بعضهم : إن ناسخها (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ).

وهذا قد يخيل أن معنى قوله : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أعرض عن كلامهم ، فلا تكلمهم ، وفي هذا بعد. فلو قال : هذا إن المعنى أعرض عن قتالهم صلح نسخها بآية السيف ، ويحتمل أن يكون معنى الآية أعرض عن مجادلتهم فقد أوضحت لهم الحجج ، وهذا لا ينافي قتالهم.

الباب الثاني والخمسون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة الطور

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) [الطور : ٣١].

١٩٩

قال المفسرون : معناها : انتظروا فيّ ريب المنون فإني منتظر عذابكم ، فعذّبوا يوم بدر بالسيف.

وزعم بعضهم أنها منسوخة بآية السيف ، وليس بصحيح ؛ إذ لا تضاد بين الآيتين.

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) [الطور : ٤٥] في هذا اليوم ثلاثة أقوال :

الأول : أنه يوم موتهم.

والثاني : يوم النفخة الأولى.

والثالث : يوم القيامة.

وقد زعم بعضهم : أن هذه الآية منسوخة بآية السيف ، وإذا كان معنى ذرهم الوعيد لم يقع نسخ.

ذكر الآية الثالثة :

قوله تعالى : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) [الطور : ٤٨].

زعم بعض المفسرين : أن معنى الصبر منسوخ بآية السيف وليس بصحيح ، لأنه يجوز أن يصبر لحكم ربه ويقاتلهم ، ولا تضاد بين الآيتين.

الباب الثالث والخمسون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة النجم

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ) [النجم : ٢٩].

المراد بالذكر هاهنا القرآن ، وقد زعموا أن هذه الآية منسوخة بآية السيف.

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٩].

روي عن ابن عباس أنه قال : هذه الآية منسوخة بقوله : (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ) [الطور : ٢١] قال : فأدخل الابن الجنة بصلاح الآباء.

٢٠٠