نواسخ القرآن

أبي الفرج عبد الرحمن بن علي [ ابن الجوزي ]

نواسخ القرآن

المؤلف:

أبي الفرج عبد الرحمن بن علي [ ابن الجوزي ]


المحقق: الداني بن منير آل زهوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٧

روى أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : هذه الآية منسوخة بآية القتال ، وهذا لا يصح عن ابن عباس ، وقد بينّا أنه لا يتوجه النسخ في مثل هذه الأشياء ، لأن معنى الآية : ما أنا بوكيل في منعكم من اعتقاد الباطل ، وحافظ لكم من الهلاك إذا لم تعملوا أنتم لأنفسكم ما يخلصها.

ذكر الآية السادسة :

قوله تعالى : (وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) [يونس : ١٠٩].

روى أبو صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : هذه منسوخة بآية القتال. وهذا لا يثبت عن ابن عباس ، ثم إن الأمر بالصبر هاهنا مذكور إلى غاية ، وما بعد الغاية يخالف ما قبلها ، وقد شرحنا هذا المعنى في البقرة عند قوله : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) [البقرة : ١٠٩] فلا وجه للنسخ في شيء من هذه الآيات (١).

الباب الثامن عشر

باب ذكر الآيات اللواتي

ادّعي عليهنّ النّسخ في سورة هود

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [هود : ١٢].

قال بعض المفسرين : معنى هذه الآية اقتصر على إنذارهم من غير قتال ، ثم نسخ ذلك بآية السيف.

والتحقيق أن يقال : إنها محكمة ، لأن المحققين قالوا : معناها : إنما عليك أن تنذرهم بالوحي لا أن تأتيهم بمقترحهم من الآيات ، والوكيل : الشهيد (٢).

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) [هود : ١٥].

زعم قوم منهم مقاتل بن سليمان أن هذه الآية اقتضت أن من أراد الدنيا بعمله أعطي فيها ثواب عمله من الرزق والخير ، ثم نسخ ذلك بقوله : (عَجَّلْنا لَهُ فِيها

__________________

(١) المصدر السابق (ص ١١٢).

(٢) «صفوة الراسخ» (ص ١١٢).

١٦١

ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) [الإسراء : ١٨]. وهذا القول ليس بصحيح ، لأن الآيتين خبر ، وهذه الآية نظير قوله في آل عمران : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) [آل عمران : ١٤٦] وقد شرحناها هناك (١).

ذكر الآية الثالثة والرابعة :

قوله تعالى : (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) [هود : ١٢١ ، ١٢٢].

قال بعض المفسرين : هاتان الآيتان اقتضتا تركهم على أعمالهم ، والاقتناع بإنذارهم ، ثم نسختا بآية السيف.

وقال المحققون : هذا تهديد ووعيد ، معناه : اعملوا ما أنتم عاملون فستعلمون عاقبة أمركم ، وانتظروا ما يعدكم الشيطان ، إنا منتظرون ما يعدنا ربنا. وهذا لا ينافي قتالهم ، فلا وجه للنسخ.

الباب التاسع عشر

باب ذكر الآيات اللواتي

ادّعي عليهنّ النّسخ في سورة الرعد

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) [الرعد : ٦].

قد توهم بعض المفسرين أن هذه الآية منسوخة ، لأنه قال : المراد بالظلم هاهنا الشرك ، ثم نسخت بقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) [النساء : ٤٨]. وهذا التوهم فاسد ، لأن الظلم عام ، وتخصيصه بالشرك هاهنا يحتاج إلى دليل ، ثم إن كان المراد به الشرك فلا يخلو الكلام من أمرين : إما أن يراد التجاوز عن تعجيل عقابهم في الدنيا ، أو الغفران لهم إذا رجعوا عنه ، وليس في الآية ما يدل على أنه يغفر للمشركين إذا ماتوا على الشرك.

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) [الرعد : ٤٠].

__________________

(١) المصدر السابق (ص ١١٢ ـ ١١٣).

١٦٢

روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن قوله : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) نسخ بآية السيف وفرض الجهاد ، وكذلك قال قتادة : وعلى ما سبق تحقيقه في مواضع من أنه ليس عليك أن تأتيهم بما يقترحون من الآيات إنما عليك أن تبلغ ، تكون محكمة ولا يكون بينها وبين آية السيف منافاة.

الباب العشرون

باب ذكر الآيات اللواتي

ادّعي عليهن النسخ في سورة الحجر

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الحجر : ٣]

قد زعم كثير من المفسرين : أنها منسوخة بآية السيف والتحقيق أنها وعيد وتهديد ، وذلك لا ينافي قتالهم فلا وجه للنسخ.

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) [الحجر : ٨٥].

[١٧١] ـ أخبرنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين بن قريش قال : ابنا البرمكي قال : ابنا محمّد بن إسماعيل بن العباس ، قال : ابنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : بنا عبد الله بن سعيد ، قال : بنا عقبة ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد وعكرمة (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) قال : هذا قبل القتال.

قال أبو بكر : وبنا موسى بن هارون ، قال : ابنا الحسين ، قال : بنا شيبان ، عن قتادة (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) قال : نسخ هذا بعد ، فقال : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) [البقرة : ١٩١].

ذكر الآية الثالثة :

قوله تعالى : (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ) [الحجر : ٨٨].

قد زعم قوم أن هذا كان قبل أن يؤمر بقتالهم ثم نسخ بآية السيف ، وهذا ليس بشيء ؛ لأن المعنى : لا تحزن عليهم إن لم يؤمنوا ، وقيل : لا تحزن بما أنعمت عليهم في الدنيا ، ولا وجه لنسخ ، وكذلك قال أبو الوفاء بن عقيل : قد

١٦٣

ذهب بعضهم إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف ؛ وليس بصحيح.

ذكر الآية الرابعة :

قوله تعالى : (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) [الحجر : ٨٩].

زعم بعضهم أن معناها نسخ بآية السيف ، لأن المعنى عنده اقتصر على الإنذار ، وهذا خيال فاسد ، لأنه ليس في الآية ما يتضمن هذا ، ثم هي خبر فلا وجه للنسخ.

ذكر الآية الخامسة :

قوله تعالى : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) [الحجر : ٩٤].

[١٧٢] ـ أخبرنا ابن ناصر ، قال : ابنا ابن أيوب ، قال : ابنا بن شاذان ، قال : ابنا أبو بكر النجاد ، قال : أبو داود السجستاني ، قال : ابنا أحمد بن محمّد ، قال : حدّثت عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) قال : نسختها : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥].

[١٧٣] ـ أخبرنا المبارك بن علي ، قال : بنا أحمد بن الحسين ، قال : ابنا البرمكي ، قال : ابنا محمّد بن إسماعيل ، قال : ابنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : بنا محمّد بن سعد ، قال : حدّثني أبي عن الحسين بن الحسن بن عطية ، عن أبيه ، عن عطية ، عن ابن عباس رضي الله عنهما (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) ، قال : هذا من المنسوخ.

الباب الحادي والعشرون

باب ذكر الآيات اللواتي

ادّعي عليهن النسخ في سورة النحل

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) [النحل : ٦٧].

اختلف المفسرون بالمراد بالسكر على ثلاثة أقوال :

القول الأول : أنه الخمر : قاله ابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس رضي الله عنهم.

١٦٤

[١٧٤] (١) ـ أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال : ابنا أبو الفضل البقال ، قال : ابنا أبو الحسن بن بشران ، قال : ابنا إسحاق الكاذي ، قال : بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس رضي الله عنهما (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً) قال : النبيذ فنسختها : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) [المائدة : ٩٠] الآية.

[١٧٥] (٢) ـ أخبرنا ابن ناصر ، قال : ابنا ابن أيوب ، قال : ابنا ابن شاذان ، قال : ابنا أبو بكر النجاد ، قال : بنا أبو داود السجستاني ، قال : بنا حفص بن عمر ، قال : بنا شعبة عن مغيرة عن إبراهيم ، والشعبي ، وأبي رزين أنهم قالوا : (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً) قالوا هذه منسوخة.

[١٧٦] ـ أخبرنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين بن قريش ، قال : ابنا إبراهيم بن عمر ، قال : ابنا محمّد بن إسماعيل بن العباس ، قال : بنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : بنا عبد الله بن الصباح ، قال : بنا أبو علي الحنفي ، قال : بنا إسرائيل ، عن أبي الهيثم ، عن سعيد بن جبير في قوله : (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً) ، قال : الخمر.

[١٧٧] ـ أخبرنا عبد الوهاب الحافظ ، قال : ابنا أبو طاهر الباقلاوي ، قال : ابنا أبو علي بن شاذان ، قال : ابنا عبد الرحمن بن الحسن قال : بنا إبراهيم بن الحسين قال : بنا آدم ، قال بنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً) قال : السكر : الخمر قبل تحريمها. وهذا قول الحسن وابن أبي ليلى والزجاج ، وابن قتيبة ، ومذهب أهل هذا القول أن هذه الآية نزلت إذ كانت الخمر مباحة ثم نسخت بقوله : (فَاجْتَنِبُوهُ) [المائدة : ٩٠]. ومن صرح بأنها منسوخة سعيد بن جبير ، ومجاهد ، والشعبي ، وقتادة ، والنخعي ، ويمكن أن يقال على هذا القول ليست بمنسوخة ، ويكون المعنى : أنه خلق لكم هذه الثمار لتنتفعوا بها على وجه مباح ، فاتخذتم أنتم منها ما هو محرّم عليكم ، ويؤكّد هذا أنها خبر والأخبار لا تنسخ ، وقد ذكر نحو هذا المعنى الذي ذكرته أبو الوفاء بن عقيل فإنه قال : ليس في الآية ما يقتضي إباحة السّكر ، إنما هي معاتبة وتوبيخ.

والقول الثاني : أن السّكر الخل بلغة الحبشة ، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما.

__________________

(١) أخرجه أبو عبيد في «ناسخه» (٤٥٨).

(٢) أخرجه أبو عبيد (٤٥٦) من طريق : شعبة به.

١٦٥

[١٧٨] ـ وأخبرنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين بن قريش ، قال : ابنا إبراهيم بن عمر ، قال : ابنا محمّد بن إسماعيل ، قال : بنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : بنا محمّد بن سعد ، قال : حدّثني أبي ، عن الحسين بن الحسن بن عطية ، عن أبيه ، عن عطية ـ قال : قال ابن عمر : إن الحبشة يسمّون الخل السّكر. وقال الضحاك : هو الخل بلسان اليمن.

والثالث : أن السّكر الطعم يقال هذا له سكر أي طعم وأنشدوا :

جعلت عنب الأكرمين سكرا.

قاله : أبو عبيدة ، فعلى هذين القولين الآية محكمة.

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [النحل : ٨٢].

قال كثير من المفسرين : إنها منسوخة بآية السيف ، وقد بينا في نظائرها أنه لا حاجة بنا إلى ادعاء النسخ في مثل هذه.

ذكر الآية الثالثة :

قوله تعالى : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل : ١٢٥].

اختلف المفسرون في هذه الآية على أربعة أقوال :

الأول : أن المعنى جادلهم بالقرآن.

والثاني : بلا إله إلا الله ، والقولان عن ابن عباس رضي الله عنهما.

والثالث : أعرض عن أذاهم إياك.

[١٧٩] ـ أخبرنا عبد الوهاب الأنماطي قال : ابنا أبو طاهر ، قال : ابنا ابن شاذان ، قال : ابنا عبد الرحمن بن الحسن ، قال : ابنا إبراهيم الحسين ، قال : ابنا آدم ، قال : بنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) قال : يقول أعرض عن أذاهم إياك.

والرابع : جادلهم غير فظ ولا غليظ وألن لهم جانبك ، قاله الزجاج.

وقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف وفيه بعد ، لأن المجادلة لا تنافي القتال ، ولم يقل له ، اقتصر على جدالهم ، فيكون المعنى جادلهم فإن أبوا فالسيف فلا يتوجه نسخ (١).

__________________

(١) انظر «صفوة الراسخ» (ص ١١٥ ـ ١١٦) و «الإيضاح» (ص ٣٨٧) و «جمال القراء» (٢ / ٧٤٦) و «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (١٠ / ٢٠٠).

١٦٦

ذكر الآية الرابعة :

قوله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) [النحل : ١٢٦]. للمفسرين في هذه الآية قولان :

الأول: أنها نزلت قبل براءة ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن يقاتل من قاتله ، ولا يبدأ بالقتال ، ثم نسخ ذلك وأمر بالجهاد ؛ قاله ابن عباس والضحاك.

[١٨٠] ـ أخبرنا عبد الوهاب ، قال : ابنا أبو الفضل بن خيرون ، وأبو طاهر الباقلاوي ، قالا : ابنا أبو علي بن شاذان ، قال : ابنا أحمد بن كامل ، قال : حدّثني محمّد بن سعد ، قال : حدّثني عمي ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس رضي الله عنهما (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) فقال : أمر الله تعالى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقاتل من قاتله ، ثم نزلت براءة ، فهذا من المنسوخ ، فعلى هذا القول ، يكون المعنى : ولئن صبرتم عن القتال ، ثم نسخ هذا بقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).

والثاني : أنها محكمة ، وأنها نزلت : فيمن ظلم ظلامة فلا يحل له أن ينال من ظالمه أكثر مما نال الظلم منه. قاله الشعبي ، والنخعي وابن سيرين ، والثوري.

[١٨١] ـ أخبرنا عبد الوهاب ، قال : ابنا أبو طاهر ، قال : ابنا ابن شاذان ، قال : ابنا عبد الرحمن بن الحسن ، قال : ابنا إبراهيم بن الحسين ، قال : بنا آدم قال : بنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) يقول : لا تعتدوا. يعني : محمّدا وأصحابه ، وعلى هذا القول يكون المعنى ولئن صبرتم على المثلة لا عن القتال. وهذا أصح من القول الأول.

ذكر الآية الخامسة :

قوله تعالى : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) [النحل : ١٢٧].

هذه الآية متعلقة بالتي قبلها فحكمها حكمها ، وقد زعم بعض المفسرين أن الصبر هاهنا منسوخ بآية السيف.

١٦٧

الباب الثاني والعشرون

باب ذكر الآيات اللواتي

ادّعي عليهن النسخ في سورة بني إسرائيل (١)

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما) [الإسراء : ٢٤].

قد ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا الدعاء المطلق نسخ منه الدعاء للوالدين المشركين ، وروي نحو هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما والحسن وعكرمة ومقاتل.

[١٨٢] (٢) ـ أخبرنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين بن قريش ، قال : ابنا أبو إسحاق البرمكي ، قال : ابنا محمّد بن إسماعيل بن العباس ، قال : ابنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : بنا محمّد بن قهزاد قال : حدّثني علي بن الحسين بن واقد ، قال : حدّثني أبي ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ) [الإسراء : ٢٣] إلى قوله : (كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) [الإسراء : ٢٣ ، ٢٤] نسختها (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) [التوبة : ١١٣].

قال أبو بكر : وبنا محمّد بن سعد قال : حدّثني أبي ، عن الحسين بن الحسن بن عطية ، عن عطية ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ) إلى قوله : (صَغِيراً) فنسخها (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ).

قال : أبو بكر : وبنا أحمد بن يحيى بن مالك ، قال : بنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة نحوه.

[١٨٣] ـ أخبرنا ابن ناصر ، قال : ابنا ابن أيوب ، قال : ابنا ابن شاذان ، قال : ابنا أبو بكر النجاد ، قال : ابنا أبو داود السجستاني ، قال : ابنا أحمد بن محمّد ، قال : بنا عبد الله بن عثمان ، عن عيسى بن عبيد الله ، عن عبيد الله مولى عمر ،

__________________

(١) أي : سورة الإسراء.

(٢) أخرجه أبو عبيد (٥١٨) من طريق : حجاج ، عن ابن جريج وعثمان بن عطاء ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس به.

١٦٨

عن الضحاك (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما) نسخ منها بالآية التي في براءة ، (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) [التوبة : ١١٣].

قلت : وهذا ليس بنسخ عند الفقهاء ، إنما هو عام دخله التخصيص وإلى نحو ما قلته ذهب ابن جرير الطبري (١).

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) [الإسراء : ٥٤].

للمفسرين في معنى الوكيل ثلاثة أقوال :

الأول : كفيلا تؤخذ بهم قاله ابن عباس رضي الله عنهما.

والثاني : حافظا وربا ، قاله الفراء.

والثالث : كفيلا بهدايتهم وقادرا على إصلاح قلوبهم ، ذكره ابن الأنباري. وعلى هذه الآية محكمة ، وقد زعم بعضهم : أنها منسوخة بآية السيف ، وليس بصحيح ، وقد تكلمنا على نظائرها فيما سبق.

ذكر الآية الثالثة :

قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء : ٣٤].

قد زعم من قل فهمه ، من نقلة التفسير أن هذه الآية لما نزلت امتنع الناس من مخالطة اليتامى فنزلت : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) [البقرة : ٢٢٠]. وهذا يدل على جهل قائله بالتفسير ومعاني القرآن ؛ أيراه يجوز قرب مال اليتيم بغير التي هي أحسن حتى يتصور نسخ؟! وإنما المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من المفسرين أنهم كانوا يخلطون طعامهم بطعام اليتامى ، فلما نزلت هذه الآية عزلوا طعامهم عن طعامهم ، وكان يفضل الشيء فيفسد ، فنزل قوله : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) [البقرة : ٢٢٠] فأما أن يدّعى نسخ فكلا (٢) ...

ذكر الآية الرابعة :

قوله تعالى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) [الإسراء : ١١٠].

روى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : نسخت هذه الآية بقوله : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) [الأعراف : ٢٠٥].

__________________

(١) انظر تفسير المصنف «زاد المسير» (٥ / ٢٦) و «الجامع لأحكام القرآن» (١٠ / ٢٤٤) و «الإيضاح» لمكي (ص ٣٣٧).

(٢) انظر «الإيضاح» (ص ٣٣٩) و «صفوة الراسخ» (ص ١١٨).

١٦٩

وقال ابن السائب : نسخت بقوله : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) [الحجر : ٩٤]. وهذا القول ليس بصحيح وليس بين الآيات تناف ولا وجه للنسخ.

وبيان هذا ؛ أن المفسرين اختلفوا في المراد بقوله : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) فقال قوم : هي الصلاة الشرعية لا تجهر بقراءتك فيها ولا تخافت بها. وقال آخرون : الصلاة الدعاء ، فأمر التوسط في رفع الصوت ، وذلك لا ينافي التضرع.

فأما سورة الكهف : فليس فيها منسوخ إلا أن السدي يزعم : أن قوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩] ، قال : وهذا تخيير نسخ بقوله : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠] وهذا تخليط في الكلام ، وإنما هو وعيد وتهديد ، وليس بأمر ، كذلك قال الزجاج وغيره ولا وجه للنسخ.

الباب الثالث والعشرون

باب ذكر الآيات اللواتي

ادّعي عليهنّ النسخ في سورة مريم

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ) [مريم : ٣٩].

زعم بعض المغفلين من ناقلي التفسير ، أن الإنذار منسوخ بآية السيف وهذا تلاعب من هؤلاء بالقرآن ، ومن أين يقع التنافي بين إنذارهم القيامة ، وبين قتالهم في الدنيا؟

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم : ٥٩].

زعم بعض الجهلة أنه منسوخ بالاستثناء بعده ، وقد بينا أن الاستثناء ليس بنسخ.

ذكر الآية الثالثة :

قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) [مريم : ٧١].

زعم ذلك الجاهل أنها نسخت بقوله : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) [مريم : ٧٢] وهذا من أفحش الإقدام على الكلام في كتاب الله سبحانه بالجهل. وهل بين الآيتين

١٧٠

تناف؟ فإن الأولى تثبت أن الكل يردونها ، والثانية تثبت أنه ينجو منهم من اتّقى ، ثم هما خبران والأخبار لا تنسخ.

ذكر الآية الرابعة :

قوله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) [مريم : ٧٥].

وزعم ذلك الجاهل أنها منسوخة بآية السيف ، وهذا باطل. قال الزجاج : هذه الآية لفظها لفظ أمر ، ومعناها الخبر ، والمعنى : إن الله تعالى جعل جزاء ضلالته أن يتركه فيها ، وعلى هذا لا وجه للنسخ.

ذكر الآية الخامسة :

قوله تعالى : (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) [مريم : ٨٤].

زعم بعض المفسرين وأنها منسوخة بآية السيف. وهذا ليس بصحيح ، لأنه إن كان المعنى لا تعجل بطلب عذابهم الذي يكون في الآخرة ، فإن المعنى أن أعمارهم سريعة الفناء ، فلا وجه للنسخ. وإن كان المعنى ؛ لا تعجل بطلب قتالهم ، فإن هذه السورة نزلت بمكة ولم يؤمر حينئذ بالقتال ، فنهيه عن الاستعجال بطلب القتال واقع في موضعه ، ثم أمره بقتالهم بعد الهجرة لا ينافي النهي عن طلب القتال بمكة ، فكيف يتوجه النسخ؟

فسبحان من قدّر وجود قوم جهال يتلاعبون بالكلام في القرآن ، يدّعون نسخ ما ليس بمنسوخ ، وكل ذلك من سوء الفهم ، نعوذ بالله منه.

الباب الرابع والعشرون

باب ذكر الآيات اللواتي

ادّعي عليهن النسخ في سورة طه

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) [طه : ١٣٠].

قال جماعة من المفسرين ، معناها : فاصبر على ما تسمع من أذاهم ، ثم نسخت بآية السيف (١).

__________________

(١) انظر «صفوة الراسخ» (ص ١١٩) و «جمال القراء» (٢ / ٧٦٠) و «زاد المسير» للمصنف (٥ / ٣٣٣) و «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (١١ / ٢٦٠).

١٧١

ذكر الآية الثانية :

(قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا) [طه : ١٣٥].

قالوا : هي منسوخة بآية السيف. وقد ذكروا في سورة الأنبياء ما لا يحسن ذكره مما ادعوا فيه النسخ فأضربنا عنه.

الباب الخامس والعشرون

باب ذكر الآيات اللواتي

ادّعي عليهن النسخ في سورة الحج

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) [الحج : ٦٨].

اختلفوا في هذه الآية على قولين :

الأول : أنها نزلت قبل الأمر بالقتال ثم نسخت بآية السيف.

والثاني : أنها نزلت في حق المنافقين ؛ كانت تظهر منهم فلتات ثم يجادلون عليها ، فأمر أن يكل أمورهم إلى الله تعالى ، فالآية على هذا محكمة (١).

ذكر الآية الثانية :

قوله تعالى : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) [الحج : ٧٨] فيها قولان :

القول الأول : أنها منسوخة ، لأن فعل ما فيه وفاء لحق الله لا يتصور من أحد ، واختلف هؤلاء في ناسخها على قولين :

الأول : أنه قوله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦].

والثاني : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن : ١٦].

والقول الثاني : أنها محكمة ، لأن حق الجهاد الجد في المجاهدة وبذل الإمكان مع صحة القصد فعلى هذا هي محكمة ، ويوضحه أن الله تعالى لم يأمر بما لا يتصور ، فبان أن قوله : (مَا اسْتَطَعْتُمْ) تفسير لحق الجهاد فلا يصح نسخ ، كما بينا في قوله تعالى في آل عمران : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) [آل عمران : ١٠٢].

__________________

(١) انظر «صفوة الراسخ» (ص ١١٩) و «جمال القراء» (٢ / ٧٦٣).

١٧٢

الباب السادس والعشرون

باب ذكر الآيات اللواتي

ادّعي عليهن النسخ في سورة المؤمنون

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ) [المؤمنون : ٥٤] أي : في عمايتهم وحيرتهم إلى أن يأتيهم ما وعدوا به من العذاب.

واختلفوا : هل هذه منسوخة أم لا ، على قولين :

الأول : أنها منسوخة بآية السيف لأنها اقتضت ترك الكفار على ما هم عليه.

والثاني: أن معناها الوعيد والتهديد ، فهي محكمة.

ذكر الآية الثانية:

قوله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) [المؤمنون : ٩٦].

للمفسرين في معناها هذه أربعة أقوال :

الأول : ادفع إساءة المسيء بالصفح ، قاله الحسن.

والثاني : ادفع الفحش بالإسلام ، قاله عطاء والضحاك.

والثالث : ادفع الشرك بالتوحيد ، قاله ابن السائب.

والرابع : ادفع المنكر بالموعظة ، حكاه الماوردي.

وقد ذكر بعض المفسرين أن هذه الآية منسوخة ، وقال بعض المحققين من العلماء : لا حاجة بنا إلى القول بالنسخ ؛ لأن المداراة محمودة ما لم تضر بالدين ، ولم تؤد إلى إبطال حق وإثبات باطل (١).

الباب السابع والعشرون

باب ذكر الآيات اللواتي

ادّعي عليهن النسخ في سورة النور

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) [النور : ٣].

__________________

(١) انظر «صفوة الراسخ» (ص ١٢٠) و «جمال القراء» (٢ / ٧٦٥).

١٧٣

قال عكرمة : هذه الآية في بغايا كنّ بمكة أصحاب رايات ، وكان لا يدخل عليهن إلا زان من أهل القبلة أو مشرك ، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن فنزلت هذه الآية.

قال ابن جرير : فعلى هذا يكون المعنى : الزاني من المسلمين لا يتزوج امرأة من أولئك البغايا إلا زانية أو مشركة ، لأنهن كذلك ، والزانية من أولئك البغايا لا ينكحها إلا زان أو مشرك.

[١٨٤] (١) ـ أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال : بنا عمر بن عبيد الله البقال ، قال : بنا ابن بشران ، قال : ابنا إسحاق بن أحمد ، قال : بنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدّثني أبي ، قال : بنا هشيم ؛ وابنا ابن ناصر ، قال : ابنا ابن أيوب ، قال : ابنا ابن شاذان ، قال بنا أبو بكر النجاد ، قال : بنا أبو داود السجستاني ، قال : بنا وهب بن بقية ، عن هيثم ، قال : ابنا يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب في قوله : (وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) قال : نسختها الآية التي بعدها (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) [النور : ٣٢].

قال الشافعي : القول كما قال ابن المسيب إن شاء الله.

ذكر الآية الثانية:

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) [النور : ٤].

زعم من لا فهم له ، من ناقلي التفسير ، أنها نسخت بالاستثناء بعدها ، وهو قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) [النور : ٥] وقد بينا في مواضع أن الاستثناء لا يكون ناسخا.

ذكر الآية الثالثة :

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ) الآية [النور : ٢٧].

ذهب بعض المفسرين إلى أنه نسخ من حكم هذا النهي العام حكم البيوت التي ليس لها أهل يستأذنون ، بقوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ) [النور : ٢٩].

[١٨٥] ـ أخبرنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين بن قريش ،

__________________

(١) أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (٨ / ٢٥٢٤ / ١٤١٣٤) وأبو عبيد في «ناسخه» (١٧١) والشافعي في «الأم» (٥ / ١٢ ، ١٤٨) والبيهقي في «السنن» (٧ / ١٥٤) وابن أبي شيبة في «مصنفه» (٤ / ٢٧١) والنحاس في «ناسخه» (ص ١٩١) وغيرهم.

١٧٤

قال : ابنا إبراهيم بن عمر البرمكي ، قال : ابنا محمّد بن إسماعيل قال : ابنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : ابنا محمّد بن قهزاد ، قال : بنا علي بن الحسين بن واقد قال : حدّثني أبي ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) [النور : ٢٧] الآية. ثم نسخ واستثنى من ذلك : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) [النور : ٢٩].

وهذا مروي عن الحسن ، وعكرمة ، والضحاك ، وليس هذا نسخ إنما هو تخصيص.

والثاني : أن الآيتين محكمتان فالاستيذان شرط في الأولى إذا كان للدار أهل ، والثانية وردت في بيوت لا ساكن لها والإذن لا يتصور من غير آذن ، فإذا بطل الاستئذان لم يكن البيوت الخالية داخلة في الأولى ، وهذا أصح.

ذكر الآية الرابعة :

قوله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) [النور : ٣١].

قال ابن مسعود رضي الله عنه : هو الرداء.

وقد زعم قوم : أن هذا نسخ ، بقوله : (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَ) [النور : ٦٠].

[١٨٦] ـ أخبرنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين ، قال : ابنا البرمكي ، قال : ابنا محمّد بن إسماعيل ، قال : بنا أبو بكر بن أبو داود ، قال : بنا محمّد بن قهزاد قال : بنا علي بن الحسين بن واقد ، قال : حدّثني أبي ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَ) إلى قوله : (لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَ) [النور : ٣١] نسخ ذلك واستثنى من قوله : (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً).

وكذلك قال الضحاك. وهذا ليس بصحيح ؛ لأن الآية الأولى فيمن يخاف الافتتان بها ، وهذه الآية في العجائز ؛ فلا نسخ.

ذكر الآية الخامسة :

قوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) [النور : ٥٤].

زعم بعضهم : أنها منسوخة بآية السيف وليس هذا صحيحا ، فإن الأمر بقتالهم لا ينافي أن يكون عليه ما حمل ، وعليهم ما حملوا ، ومتى لم يقع التنافي بين الناسخ والمنسوخ لم يكن نسخ.

١٧٥

ذكر الآية السادسة :

قوله تعالى : (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) [النور : ٥٨].

اختلفوا في هذه الآية ، فذهب الأكثرون إلى أنها محكمة.

[١٨٧] (١) ـ أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال : ابنا عمر بن عبيد الله ، قال : ابنا ابن بشران ، قال : ابنا إسحاق بن أحمد ، قال : ابنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدّثني أبي ، قال : بنا عفان ، قال : بنا أبو عوانة ، قال : بنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : هذه الآية مما تهاون الناس به (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) وما نُسِخَت قط.

قال أحمد : وبنا وكيع ، عن سفيان ، عن موسى بن أبي عايشة ، عن الشعبي : (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) قال : ليست منسوخة (٢).

وهذا قول القاسم بن محمّد ، وجابر بن زيد.

[١٨٨] ـ فقد أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال : ابنا عمر ، قال : ابنا ابن بشران ، قال : ابنا إسحاق بن أحمد ، قال : بنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدّثني أبي ، قال : بنا هاشم ، قال : بنا شعبة ، عن داود أبي هند ، عن ابن المسيب ، قال : هذه الآية منسوخة.

وقد روي عنه أنه قال : هي منسوخة بقوله : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) [النور : ٥٩] وهذا ليس بشيء ، لأن معنى الآية : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ) أي : من الأحرار الحلم فليستأذنوا ، أي : في جميع الأوقات في الدخول عليكم (كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني كما استأذن الأحرار الكبار الذين بلغوا قبلهم ، فالبالغ يستأذن في كل وقت ، والطفل والمملوك يستأذن في العورات الثلاث (٣).

ذكر الآية السابعة :

قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) [النور : ٦١].

__________________

(١) أخرج نحوه ابن أبي حاتم (٨ / ٢٦٣٢ / ١٤٧٨٩) من طريق : عبد الله بن لهيعة ، حدثني عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير به. وإسناده ضعيف.

(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٨ / ٢٦٣٣ / ١٤٧٩٠) وأبو عبيد في «ناسخه» (٤٠٤) والنحاس في «ناسخه» (ص ١٩٦). من طريق : سفيان به.

(٣) انظر «صفوة الراسخ» (ص ١٢٢ ـ ١٢٣) و «الإيضاح» (ص ٣٦٦ ـ ٣٦٨) و «الجامع لأحكام القرآن» (١٢ / ٣٠٣) و «جمال القراء» (٢ / ٧٧٢ ـ ٧٧٣).

١٧٦

هذه الآية كلها محكمة ، والحرج المرفوع عن أهل الضر مختلف فيه ، فمن المفسرين من يقول ، المعنى : ليس عليكم في مؤاكلتكم حرج ، لأن القوم تحرجوا وقالوا : الأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب ، والمريض لا يستوفي الطعام ، فكيف نؤاكلهم؟ وبعضهم يقول : بل كانوا يضعون مفاتحهم إذا غزوا عند أهل الضر ويأمرونهم أن يأكلوا ، فيتورع أولئك عن الأكل ، فنزلت هذه الآية.

وأما البيوت المذكورة فيباح للإنسان الأكل منها لجريان العادة ببذل أهلها الطعام لأهلها ، وكل ذلك محكم ، وقد زعم بعضهم أنها منسوخة بقوله : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) [البقرة : ١٨٨] وليس هذا بقول فقيه.

الباب الثامن والعشرون

باب ذكر الآيات اللواتي

ادّعي عليهن النسخ في سورة الفرقان

ذكر الآيات الأولى :

قوله تعالى : (أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) [الفرقان : ٤٣].

زعم الكلبي أنها منسوخة بآية السيف ، وليس بصحيح ، لأن المعنى : أفأنت تكون حفيظا عليه تحفظه من اتباع هواه؟ فليس للنسخ وجه (١).

ذكر الآية الثانية:

قوله تعالى : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) [الفرقان : ٦٣].

قال الحسن في تفسيرها : لا يجهلون على أحد وإن جهل عليهم حلموا ، وهذه الآية محكمة عند الجمهور ، وقد زعم قوم : أن المراد بها أنهم يقولون للكفار ، ليس بيننا وبينكم غير السلام ، وليس المراد السلام الذي هو التحية ، وإنما المراد بالسلام التسليم ، أي : تسلما منكم ومتاركة لكم ، كما يقول : براءة منك ؛ أي : لا التبس بشيء من أمرك. ثم نسخت بآية السيف ، وهذا باطل ، لأن اسم الجاهل يعم المشرك وغيره ، فإذا خاطبهم مشرك ، قالوا : السداد والصواب في الرد عليه ، وحسن المحاورة في الخطاب لا ينافي القتال ، فلا وجه للنسخ.

__________________

(١) انظر «صفوة الراسخ» (ص ١٢٣).

١٧٧

ذكر الآية الثالثة :

قوله تعالى : (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) إلى قوله : (إِلَّا مَنْ تابَ) [الفرقان : ٦٨ ـ ٧٠] للعلماء فيها قولان :

القول الأول : أنها منسوخة ، ولهؤلاء في ناسخها ثلاثة أقوال :

الأول : أنه قوله : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) [النساء : ٩٣] ، قاله ابن عباس رضي الله عنهما. والأكثرون على خلافه في أن القتل لا يوجب الخلود.

وقال أبو جعفر النحاس ، من قال : إن قوله : (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ) الآيات نسخها قوله : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) فمعناه نزل بنسختها والآيتان واحد ، لأن هذا لا يقع فيه ناسخ ولا منسوخ ، لأنه خبر.

والثاني : قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) [النساء : ٤٨] الآية وهذا لا يصح ، لأن الشرك لا يغفر إذا مات المشرك عليه.

والثالث : أنه نسخت بالاستثناء في قوله : (إِلَّا مَنْ تابَ) وهذا باطل ، لأن الاستثناء ليس بنسخ.

والقول الثاني : أنها محكمة ، والخلود إنما كان لانضمام الشرك إلى القتل والزنا.

الباب التاسع والعشرون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة الشعراء

قوله تعالى : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) [الشعراء : ٢٢٤].

[١٨٩] ـ أخبرنا ابن ناصر ، قال : ابنا ابن أيوب ، قال : ابنا ابن شاذان ، قال : ابنا أبو بكر النجاد ، قال : ابنا أبو داود السجستاني ، قال : بنا أحمد بن محمّد ، قال : بنا علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) فنسخ من ذلك واستثنى ، فقال : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً) [الشعراء : ٢٢٧].

قلت : وقد بينا أن الاستثناء ليس بنسخ ، ولا يعول على هذا ، وإنما هذه الألفاظ من تغيير الرواة وإلا.

١٧٨

[١٩٠] (١) ـ فقد أخبرنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين ، قال : ابنا البرمكي ، قال : ابنا محمّد بن إسماعيل ، قال : ابنا أبو بكر بن داود ، قال : بنا يعقوب بن سفيان ، قال : بنا أبو صالح ، قال : حدّثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) ثم استثنى المؤمنين فقال : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ).

فهذا هو اللفظ الصحيح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما وإن هذا هو استثناء لا نسخ وإنما الرواة تنقل ، بما تظنه المعنى فيخطئون.

الباب الثلاثون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة النمل

قوله تعالى : (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) [النمل : ٩٢].

روي علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذا منسوخ بآية السيف ، وكذلك قال قتادة ، وقد تكلمنا على جنس هذا وبينا أن الصحيح أنه ليس بمنسوخ.

الباب الحادي والثلاثون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة القصص

قوله تعالى : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) [القصص : ٥٥].

اختلف المفسرون في المراد باللغو هاهنا ، فقال : مجاهد : هو الأذى والسب ، وقال الضحاك : الشرك ، فعلى هذا يمكن ادعاء النسخ. وقوله : (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) قال المفسرون : لنا حلمنا ولكم سفهكم ، وقال بعضهم : لنا ديننا ولكم دينكم.

__________________

(١) أخرجه النحاس في «ناسخه» (ص ٢٠١).

١٧٩

وقوله : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) قال الزجاج : لم يريدوا التحية ، وإنما أرادوا بيننا وبينكم المتاركة وهذا قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال وقوله : (لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) أي : لا نطلب مجاورتهم قال الأكثرون : فنسخت هذه الآية بآية السيف (١).

الباب الثاني والثلاثون

باب ذكر

ما ادّعي عليه النسخ في سورة العنكبوت

ذكر الآية الأولى :

قوله تعالى : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [العنكبوت : ٤٦] اختلفوا فيها على قولين :

القول الأول : أنها نسخت بقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) إلى قوله : (وَهُمْ صاغِرُونَ) [التوبة : ٢٩] قاله قتادة وابن السائب.

[١٩١] (٢) ـ أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال : ابنا عمر بن عبيد الله ، قال : ابنا ابن بشران ، قال : ابنا إسحاق بن أحمد ، قال : بنا عبد الله بن أحمد ، قال : بنا أبي ، وابنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين ، قال : ابنا البرمكي ، قال : ابنا محمّد بن إسماعيل : قال : بنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : بنا أحمد بن يحيى بن مالك ، قال : بنا عبد الوهاب عن سعيد ، وابنا ابن ناصر ، قال : ابنا ابن أيوب ، قال : ابنا ابن شاذان ، قال : ابنا أبو بكر النجاد ، قال : ابنا أبو داود السجستاني ، قال : بنا أحمد بن محمّد ، قال : بنا أبو رجاء ، عن همام كلاهما عن قتادة ، (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ) ثم نسخ بقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ٢٩] فلا مجادلة أشد من السيف.

والقول الثاني : أنها ثابتة الحكم ، وهو مذهب جماعة منهم ابن زيد (٣).

[١٩٢] (٤) ـ أخبرنا المبارك بن علي ، قال : ابنا أحمد بن الحسين ، قال : ابنا

__________________

(١) انظر «صفوة الراسخ» (ص ١٢٥) و «الإيضاح» (ص ٣٧٥) و «جمال القراء» (٢ / ٧٨٣).

(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٩ / ٣٠٦٨ / ١٧٣٥٥) من طريق : عبد الرزاق ، ثنا معمر ، عن قتادة به.

والنحاس (ص ٢٠٤) من طريق أخرى عن قتادة.

(٣) انظر «تفسير ابن أبي حاتم» (٩ / ٣٠٦٨ / ١٧٣٥٦).

(٤) أخرج نحوه ابن أبي حاتم (٩ / ٣٠٦٩ / ١٧٣٥٧ ، ١٧٣٦٠ ، ١٧٣٦١) من طرق ؛ عن مجاهد به.

١٨٠