نواسخ القرآن

أبي الفرج عبد الرحمن بن علي [ ابن الجوزي ]

نواسخ القرآن

المؤلف:

أبي الفرج عبد الرحمن بن علي [ ابن الجوزي ]


المحقق: الداني بن منير آل زهوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٧

١
٢

٣
٤

بسم الله الرّحمن الرحيم

وبه أستعين

(مقدمة المحقق)

وبه أستعين إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد ؛

فهذا مصنّف ماتع هام ، في مسألة أصولية عظيمة ؛ مسألة النسخ في القرآن الكريم ، صنفه الإمام الحافظ المفسّر الواعظ جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي ـ رحمه‌الله ـ.

ويعتبر هذا الكتاب من أهم المصنفات التي صنفت في هذا الباب ، حيث اعتمد فيه المصنف على الآثار وأقوال الأئمة العلماء الواردة في هذا الباب ، وأبدى رأيه في ما ادّعي أنه نسخ وهو ليس كذلك ، مما تجده مفصلا في ثنايا هذا الكتاب.

وقد تجلّى عملي في الكتاب ، بأن ضبطت النص عن أصل مطبوع. وصحّحت ما فيه من الأخطاء بالمقارنة مع الأصول والمراجع.

ـ خرجت أحاديثه وآثاره بشيء من الاختصار في أكثر الأحيان.

ـ عزوت النصوص إلى قائليها بذكر المصادر والمراجع.

ـ صنفت فهارس علمية للكتاب.

هذا ؛ وعلى الله قصد السبيل ؛ فإن وفّقت فمنه سبحانه وتعالى التوفيق ، وإن كانت الأخرى فلا حول ولا قوة إلا به.

اللهم صلّ على محمد وعلى آله وصحبه وسلّم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وكتبه :

أبو عبد الله العاملي السّلفي

الداني بن منير آل زهوي

الجية ؛ منطقة جبل لبنان

الموافق للسابع من شهر شوال

عام : إحدى وعشرين وأربعمائة وألف

٥

ـ المصنفات التي ألّفت في هذا الموضوع

قبل أن أذكر ترجمة المصنف ، أود أن أطلع القارئ الكريم على أهم ما صنّف في هذا الموضوع ، مع التنبيه ؛ أن المصنفات في الناسخ والمنسوخ ، منها ما صنّف في نواسخ القرآن فقط ، ومنها ما صنف في نواسخ الحديث ، ومنها بالجمع بين الأمرين.

١ ـ «الناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز وما فيه من الفرائض والسنن» لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي (ت : ٢٢٤). وقد قام على تحقيقه : محمد بن صالح المديفر ، وطبع بمكتبة الرشد بالرياض سنة (١٤١١).

٢ ـ «الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم» لأبي جعفر محمد بن أحمد بن إسماعيل الصفار المرادي النحوي المصري المعروف بأبي جعفر النحاس (ت : ٣٣٨).

وقد طبع بمؤسسة الكتب الثقافية ببيروت ، عن نسخة مصحّحة ومقروءة على العلامة أحمد بن الأمين الشنقيطي.

وطبع بتحقيق : سليمان اللاحم في كلية أصول الدين في الرياض.

٣ ـ «الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ومعرفة أصوله واختلاف الناس فيه» للعلامة أبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي (ت : ٤٣٧). طبع بتحقيق : الدكتور أحمد حسن فرحات ، بدار المنارة بجدة سنة ١٤٠٦.

٤ ـ «الناسخ والمنسوخ في القرآن» لعبد القاهر بن طاهر البغدادي (ت : ٤٢٩) نشر بمكتبة نزار مصطفى الباز بمكة المكرمة سنة (١٤١٨).

٥ ـ «الناسخ والمنسوخ» لقتادة (ت : ١١٧).

٦ ـ «ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه» لابن البارزي (ت : ٧٣٨).

٧ ـ «الناسخ والمنسوخ» للزهري (ت : ١٢٤).

وهي ضمن كتاب «أربعة كتب في الناسخ والمنسوخ» طبعت بمؤسسة الرسالة ، بتحقيق الدكتور حاتم صالح الضامن.

٨ ـ «صفوة الراسخ في علم المنسوخ والناسخ» لشمس الدين محمد بن أحمد الموصلي (ت : ٦٥٦) نشر بدار الجوزي بتحقيق : محمد بن صالح البراك.

وغير ذلك مما صنف في هذا الباب ، أتى عليها محقق كتاب «البرهان» الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي (٢ / ١٥٣ ـ ١٥٨).

٦

ومن المعاصرين من ألّف في هذا ، ولعل أهمها :

١ ـ «النسخ في القرآن الكريم» للدكتور مصطفى زيد ، طبع بمصر سنة ١٩٦٣ م.

٢ ـ «نظرية النسخ في الشرائع السماوية» للدكتور شعبان محمد إسماعيل القاهرة ، سنة ١٩٧٧ م.

٣ ـ «فتح المنان في نسخ القرآن» لعلي حسن العريض. مكتبة الخانجي بمصر ١٩٧٣ م.

٧

ترجمة مختصرة للمصنف

اسمه ونسبه : هو جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق القرشي ، البغدادي.

ـ مولده : ولد ببغداد سنة ٥٠٨ ، وقيل : سنة ٥١٠.

واختلف في سبب تسميته بابن الجوزي :

فقيل : إن جده جعفر نسب إلى فرضة من فرض البصرة ، يقال لها : جوزة.

وقيل : منسوب إلى محلة بالبصرة ، تسمى محلة الجوز.

وقيل : كانت بداره في واسط جوزة ، لم يكن بواسط جوزة سواها.

وقال ابن خلكان : «الجوزي ؛ بفتح الجيم ، وسكون الواو بعدها زاي ، نسبته إلى فرضة الجوز ، وهو موضع مشهور ، ورأيت أن جده كان من مشرعة الجوز ، إحدى محال بغداد بالجانب الغربي».

ـ نشأته وطلبه للعلم : كان والده رحمه‌الله يعمل الصّفر (صناعة النحاس) بنهر القلابين ، وقد توفي وهو صغير لم يتجاوز الثالثة من عمره ، فكفلته أمه وعمته.

فلما ترعرع حملته عمته إلى مجلس أبي الفضل بن ناصر ، فاعتنى به وأسمعه الحديث. وحفظ القرآن الكريم ، وقرأه على جماعة من أئمة القراء.

وسمع الكتب الكبار ؛ كالمسند وجامع الترمذي وصحيح البخاري وصحيح مسلم وتاريخ البغدادي وغيرها.

وقرأ الفقه والخلاف والجدل والأصول على أبي بكر الدينوري والقاضي أبي يعلى وأبي حكيم النهرواني.

وقرأ الأدب على أبي منصور الجواليقي ، وتتبع مشايخ الحديث وحمل عنهم.

٨

ولما توفي شيخه ابن الزاغوني سنة سبع وعشرين وخمسمائة كان قد احتلم ؛ فطلب حلقة شيخه فلم يعطها لصغر سنه ، وأخذها أبو علي الراذاني ، فحضر ابن الجوزي بين يدي الوزير ، وأورد فصلا في المواعظ ، فأذن له في الجلوس في جامع المنصور.

قال ابن الجوزي : «فتكلمت فيه ، فحضر مجلسي أول يوم جماعة من أصحابنا الكبار من الفقهاء ، منهم عبد الواحد بن سيف ، وأبو علي القاضي ، وأبو بكر بن عيسى وابن قثامى ، وغيرهم. ثم تكلمت : في مسجد معروف وفي باب البصرة وبنهر المعسلي ، فاتصلت المجالس ، وقوي الزحام ، وقوي اشتغالي بفنون العلوم».

ومن ذلك الوقت اشتهر أمر أبي الفرج ابن الجوزي ، وأخذ في التصنيف والجمع. وبورك له في عمره وعلمه ، فروى الكثير ، وسمع الناس منه أكثر من ستين سنة ، وحدث بمصنفاته مرارا ، وكانت أكثر علومه يستفيدها من الكتب.

ـ وفاته : توفي ابن الجوزي في الثالث عشر من شهر رمضان سنة سبع وتسعين وخمسمائة (٥٩٧).

مصادر الترجمة : «ذيل تاريخ بغداد» لابن الدبيثي (١٥ / ٢٣٨) و «سير أعلام النبلاء» (٢١ / ٣٦٥) و «العبر» (٤ / ٢٩٧) و «تذكرة الحفاظ» (٤ / ١٣٤٢) و «البداية والنهاية» (٨ / ٥٣١) و «ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب (١ / ٣٩٩) ومقدمة تحقيق «صيد الخاطر» للشيخ عامر علي ياسين ، ففيه بحث نفيس عن عقيدة المصنف فارجع إليه لزاما.

٩

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدّمة المؤلف

حدّثنا الشيخ الإمام العالم الأوحد ، شيخ الإسلام ، وحبر الأمة ، قدوة الأئمة ، سيد العلماء ؛ جمال الدين أبو الفرج ، عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن الجوزي قدّس الله روحه ، ونوّر ضريحه.

قال : الحمد لله على التوفيق ، والشّكر لله على التّحقيق ، وأشهد أن لا إله إلا هو شهادة سالك من الدليل أوضح طريق ، ومنزّه له عما لا يجوز ولا يليق. وصلّى الله على أشرف فصيح ، وأطرف منطيق ، محمد أرفق نبي بأمته وألطف شفيق ، وعلى أصحابه ، وأزواجه وأتباعه إلى يوم الجمع والتفريق ، وسلّم تسليما كثيرا.

أما بعد :

فإن نفع العلم بدرايته لا بوراثته ، وبمعرفة أغواره لا بروايته ، وأصل الفساد الداخل على عموم العلماء تقليد سابقيهم ، وتسليم الأمر إلى معظّميهم ، من غير بحث عما صنّفوه ، ولا طلب للدليل عما ألّفوه. وإني رأيت كثيرا من المتقدمين على كتاب الله عزوجل بآرائهم الفاسدة ، وقد دسّوا في تصانيفهم للتفسير أحاديث باطلة ، وتبعهم على ذلك مقلّدوهم ، فشاع ذلك وانتشر ، فرأيت العناية بتهذيب علم الأغاليط من اللازم.

وقد ألّفت كتابا كبيرا سميته : «بالمغني في التفسير» يكفي عن جنسه ، وألّفت كتابا متوسط الحجم مقنعا في ذلك العلم ، سمّيته : «زاد المسير». وجمعت كتابا دونه سمّيته «بتيسير التبيان في علم القرآن» واخترت فيه الأصوب من الأقوال ، ليصلح للحفظ ، واختصرته «بتذكرة الأريب في تفسير الغريب» ، وأرجو أن تغني هذه المجموعات عن كتب التفسير ، مع كونها مهذّبة عن خللها ، سليمة من زللها.

فصل

ثم إني رأيت الذين وقع منهم التفسير صحيحا قد صدر عنهم ما هو أفظع ، فآلمني ؛ وهو الكلام في الناسخ والمنسوخ ، فإنهم أقدموا على هذا العلم فتكلّموا

١٠

فيه وصنّفوه ، وقالوا بنسخ ما ليس بمنسوخ. ومعلوم أن نسخ الشيء ؛ رفع حكمه ، وإطلاق القول برفع حكم آية لم يرفع جرأة عظيمة.

ومن نظر في كتاب «الناسخ والمنسوخ» للسّدّي (١) رأى من التخليط العجائب ، ومن قرأ في كتاب هبة الله المفسر (٢) رأى العظائم.

وقد تداوله الناس لاختصاره ، ولم يفهموا دقائق أسراره ، فرأيت كشف هذه الغمة عن الأمة ، ببيان إيضاح الصحيح ، وهتك ستر القبيح ، متعينا على من أنعم الله عليه بالرسوخ في العلم ، وأطلعه على أسرار النقل ، واستلب زمامه من أيدي التقليد ، فسلّمه إلى يد الدليل ، فلا يهوله قول معظّم ، فكيف بكلام جاهل مبرسم.

فصل

وقد قدّمت أبوابا قبل الشروع في بيان الآيات ، هي كالقواعد والأصول للكتاب ، ثم أتيت بالآيات المدّعى عليها النسخ على ترتيب القرآن ، إلا أني أعرضت عن ذكر آيات ادّعي عليها النسخ من حكاية لا تحصل إلا تضييع الزمان أفحش تضييع ، كقول السدي : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) [النساء : ٢] نسخها (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) [النساء : ٥] وقوله : (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) [النساء : ٣٨] نسخها : (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) [التوبة : ٥٣] وقوله : (إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ) [المائدة : ١٠٦] نسخها : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) [المائدة : ١٠٦] وقوله : (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) [الأنعام : ٦٢] نسخها : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) [محمد : ١١] وقوله : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) [العنكبوت : ٤٥] نسخها : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [البقرة : ١٥٢] في نظائر كثيرة لهذه الآيات.

لا أدري أيّ الأخلاط الغالبة حملته على هذا التخليط. فلما كان مثل هذا

__________________

(١) هو : إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة ، أبو محمد الحجازي ثم الكوفي الأعور السّدّي ، نسبة إلى سدّة مسجد الكوفة.

توفي سنة سبع وعشرين ومائة (١٢٧).

ترجمته في «سير أعلام النبلاء» (٥ / ٢٦٤) و «التاريخ الكبير» (١ / ٣٦٠) و «الجرح والتعديل» (٢ / ١٨٤) و «النجوم الزاهرة» (١ / ٣٠٨).

(٢) هو : هبة الله بن سلامة بن نصر بن علي أبو القاسم البغدادي ، المفسّر ، صاحب كتاب «الناسخ والمنسوخ». كان من حفاظ أئمة التفسير ، وكان ضريرا توفي سنة (٤١٠).

ترجمته في : «تاريخ بغداد» (١٤ / ١٧٠) و «العبر» (٣ / ١٠٦) و «شذرات الذهب» (٥/٦٠).

١١

ظاهر الفساد ، وريت عنه غيرة على الزمان أن يضيع ، وإن كنت قد ذكرت مما يقاربه طرفا ، لأنبه بمذكوره على مغفله.

فصل

ولما رأيت المصنّفين في هذا العلم قد تباينوا ، فمنهم من أطال بما لا حاجة بمثل هذا التصنيف إليه ، ومنهم من قلّد القائلين ولم يحكم على الاختلاف ببيان الصواب ، ومنهم من نقص بحذف ما يحتاج إليه. وأنا أنبئك بهذا الكتاب متوسطا ، وحذفت كثيرا من الأسانيد والطرق خوف الملل ، والله ولي التوفيق.

١٢

الباب الأول

باب بيان جواز النسخ

والفرق بينه وبين البداء

اتفق جمهور علماء الأمم على جواز النسخ عقلا وشرعا ، وانقسم اليهود في ذلك ثلاثة أقسام (١) :

فالقسم الأول : قالوا : لا يجوز عقلا ولا شرعا ، وزعموا أن النسخ هو عين البداء (٢).

والقسم الثاني : قالوا : يجوز عقلا وإنما منع الشرع من ذلك ، وزعموا أن موسى عليه‌السلام ، قال : إن شريعته لا تنسخ من بعده ، وإن ذلك في التوراة. ومن هؤلاء من قال : لا يجوز النسخ إلا في موضع واحد ، وهو أنه يجوز نسخ عبادة أمر الله بها بما هو أثقل على سبيل العقوبة لا غير (٣).

والقسم الثالث : قالوا : يجوز شرعا لا عقلا ، واختلف هؤلاء في عيسى ومحمد صلى الله عليهما ، فمنهم من قال : لم يكونا نبيّين لأنهما لم يأتيا بمعجزة ، وإنما أتيا بما هو من جنس الشعوذة. ومنهم من قال : كانا نبيين صادقين ، غير أنهما لم يبعثا بنسخ شريعة موسى ولا بعثا إلى بني إسرائيل إنما بعثا إلى العرب والأميين (٣).

فصل

وأما الدليل على جواز النسخ عقلا ؛ فهو أن التكليف لا يخلو أن يكون

__________________

(١) وممن أنكره أيضا أبو مسلم محمد بن بحر الأصبهاني المعتزلي ، وانظر «التمهيد في أصول الفقه» للكلوذاني (٢ / ٣٤١) و «رسوخ الأخبار في منسوخ الأخبار» ص ٨٤.

(٢) وهذه الفرقة تسمى ب «الشمعونية» نسبة إلى شمعون بن يعقوب. انظر : «الأحكام» للآمدي (٢ / ٢٤٥) و «رسوخ الأخبار في منسوخ الأخبار» لأبي إسحاق الجعبري (ص ٨٥) و «أصول السرخسي» (٢ / ٥٤) و «نهاية الوصول في دراية الأصول» (٦ / ٢٢٤٤ ، ٢٢٤٥) و «التحقيقات في شرح الورقات» لابن قاوان الشافعي (ص ٣٥٩) و «نهاية السول في شرح منهاج الوصول» للإسنوي (١ / ٥٨٧) و «إرشاد الفحول» للشوكاني (٣ / ٦١٨) وغيرها من كتب الأصول.

(٣) انظر المصادر السابقة.

١٣

موقوفا على مشيئة المكلف أو على مصلحة المكلف ، فإن كان الأول ؛ فلا يمتنع أن يريد تكليف العباد عبادة في مدة معلومة ثم يرفعها ويأمر بغيرها.

وإن كان الثاني ؛ فجائز أن تكون المصلحة للعباد في فعل عبادة زمان دون زمان. ويوضح هذا أنه قد جاز في العقل تكليف عبادة متناهية كصوم يوم ، وهذا تكليف انقضى بانقضاء زمان ، ثم قد ثبت أن الله تعالى ينقل من الفقر إلى الغنى ومن الصحة إلى السقم ، ثم قد رتب الحر والبرد والليل والنهار وهو أعلم بالمصالح وله الحكم.

فصل

والدليل على جواز النسخ شرعا ؛ أنه قد ثبت أن من دين آدم عليه‌السلام وطائفة من أولاده ، جواز نكاح الأخوات وذوات المحارم والعمل في يوم السبت ، ثم نسخ ذلك في شريعة موسى. وكذلك الشّحوم ؛ كانت مباحة ثم حرّمت في دين موسى ، فإن ادّعوا أن هذا ليس بنسخ ؛ فقد خالفوا في اللفظ دون المعنى.

فصل

وأما قول من قال : لا يجوز النسخ إلا على وجه العقوبة فليس بشيء ، لأنه إذا أجاز النسخ في الجملة جاز أن يكون للرفق بالمكلف ، كما جاز للتشديد عليه.

فصل

وأما دعوى من ادّعى أن موسى عليه‌السلام أخبر أن شريعته لا تنسخ ؛ فمحال. ويقال : إن ابن الراوندي (١) علّمهم أن يقولوا : إن موسى قال : لا نبيّ بعدي.

ويدل على ما قلنا ؛ أنه لو صحّ قولهم لما ظهرت المعجزات على يد عيسى عليه‌السلام ، لأن الله تعالى لا يصدق بالمعجزة من كذّب موسى ، فإن أنكروا معجزة عيسى لزمهم ذلك في معجزة موسى ، فإن اعترفوا ببعض معجزاته ، لزمهم تكذيب من نقل عن موسى عليه‌السلام ، لأنه قال : لا نبي بعدي. ومما يدلّ على كذبهم فيما ادّعوا ؛ أن اليهود ما كانوا يحتجّون على نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكل شيء.

__________________

(١) هو : أحمد بن يحيى بن إسحاق الريوندي ، الملحد ، صاحب التصانيف في الحطة على الملة ، وله كتب في الإلحاد والزندقة ، كان أبوه يهوديا فأسلم. هلك سنة ثمان وتسعين ومائتين (٢٩٨).

أخباره في : «سير أعلام النبلاء» (١٤ / ٥٩) و «المنتظم» لابن الجوزي (٦ / ٩٩ ـ ١٠٥) و «البداية والنهاية» (١١ / ١١٢) و «النجوم الزاهرة» (٣ / ١٧٥ ـ ١٧٧) و «شذرات الذهب» (٤/٧).

١٤

وكان نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم مصدّقا لموسى عليه‌السلام ، وحكم عليهم بالرّجم عملا بما في شريعة موسى (١) فهلّا احتجّوا عليه بذلك ، ولو احتجّوا لشاع نقل ذلك ، فدل على أنه قول ابتدع بعد نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فصل

وأما قول من قال : إن عيسى ومحمدا عليهما‌السلام كانا نبيين لكنهما لم يبعثا إلى بني إسرائيل ؛ فتغفيل من قائله ، لأنه إذا أقرّ بنبوة نبيّ فقد أقرّ بصدقه ، لأن النبي لا يكذب ، وقد كان عيسى عليه‌السلام يخاطب بني إسرائيل ، ونبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «بعثت إلى النّاس كافة» (٢) ويكاتب ملوك الأعاجم.

فصل

فأما الفرق بين النسخ والبداء ، فذلك من وجهين :

الأول : أن النسخ : تغيير عبادة أمر بها المكلّف ، وقد علم الآمر حين الأمر أن لتكليف المكلف بها غاية ينتهي الإيجاب إليها ثم يرتفع بنسخها.

والبداء : أن ينتقل الأمر عن ما أمر به وأراده دائما بأمر حادث ، لا بعلم سابق.

والثاني : أن سبب النسخ لا يوجب إفساد الموجب لصحّة الخطاب الأول ، والبداء يكون سببه دالا على إفساد الموجب لصحّة الأمر الأول ، مثل : أن يأمره بعمل يقصد به مطلوبا ، فيتبين أن المطلوب لا يحصل بذلك الفعل ، فيبدو له ما يوجب الرجوع عنه ، وكلا الأمرين يدل على قصور في العلم ، والحق عزوجل منزّه عن ذلك (٣).

الباب الثاني

باب إثبات أن في القرآن منسوخا

انعقد إجماع العلماء على هذا ، إلا أنه قد شذّ من لا يلتفت إليه ؛ فحكى أبو

__________________

(١) انظر «صحيح مسلم» رقم (١٦٩٩).

(٢) جزء من حديث أخرجه البخاري (٣٣٥ ، ٤٣٨ ، ٣١٢٢) ومسلم (٥٢١) وغيرهما من حديث جابر بن عبد الله.

(٣) وانظر «الناسخ والمنسوخ» لأبي جعفر ابن النحاس (ص ١١ ، ١٢) و «الواضح في أصول الفقه» لابن عقيل (١ / ٢٣٧).

١٥

جعفر النحّاس (١) أن قوما قالوا : ليس في القرآن ناسخ ولا منسوخ وهؤلاء قوم لا يقرّون ، لأنهم خالفوا نص الكتاب وإجماع الأمة ، قال الله عزوجل : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) [البقرة : ١٠٦].

[١] ـ وأخبرنا المبارك بن علي ، قال : أخبرنا أحمد بن قريش ، قال : أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن إسماعيل بن العباس الورّاق ، قال : بنا عبد الله بن داود ، وقال : حدّثنا محمد بن عامر بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن نهشل بن سعيد ، عن الضحاك ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) [الرعد : ٣٩] قال : في الناسخ والمنسوخ.

قال ابن أبي داود : وحدّثنا يعقوب بن سفيان ، قال : حدّثنا أبو صالح ، قال : حدّثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) ويقول : يبدل الله ما يشاء من القرآن ، فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدله ، وما يبدل وما يثبت وكل ذلك في كتاب (٢).

قال ابن أبي داود : وحدّثنا يونس بن حبيب ، قال : حدّثنا أبو داود ، وقال : حدّثنا همام ، عن قتادة ، عن عكرمة ، في قوله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) قال : ينسخ الآية بالآية فترفع ، وعنده أم الكتاب ، أصل الكتاب.

قال : وحدّثنا علي بن حرب ، ومصعب بن محمد ويعقوب بن سفيان ، قالوا : حدّثنا عبيد الله بن موسى ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب في قوله عزوجل : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) قال : نزلت في الناسخ والمنسوخ.

قال : وحدّثنا محمد بن الحسن قال : حدّثنا كثير بن يحيى ، قال : حدّثنا أبي ، قال : بنا يونس بن عبيد ، وهشام بن حسان جميعا ، عن محمد بن سيرين (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ) يرفعه ، ويثبت ما يشاء ، فيدعه مقرا له.

__________________

(١) هو : أحمد بن محمد بن إسماعيل ، أبو جعفر بن النحّاس المصري النحوي. من كبار العلماء بالنحو ، والقرآن. توفي سنة (ثمان وثلاثين وثلاثمائة ٣٣٨). له من التصانيف : «إعراب القرآن» و «الناسخ والمنسوخ» وغيرهما.

ترجمته في : «سير أعلام النبلاء» (١٥ / ٤٠١) و «البداية والنهاية» (١١ / ٢٢٢) و «النجوم الزاهرة» (٣ / ٣٣٠).

[١] إسناده ساقط.

فيه نهشل بن سعيد ؛ وهو متروك ، وكذّبه إسحاق بن راهويه ، وانظر «تهذيب الكمال» (٣٠ / ٣٢ ـ ٣٣).

(٢) انظر «جامع البيان» للطبري (١٣ / ١٢).

١٦

قال : وحدّثنا موسى بن هارون ، قال : حدّثنا الحسين قال : ثنا شيبان ، عن قتادة (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) [آل عمران : ٧] قال : المحكمات الناسخ الذي يعمل به.

قال : وحدّثنا محمد بن معمر : قال : ثنا روح ، قال : حدّثنا الحسن بن علي بن عفان ، عن عامر بن الفرات ، عن أسباط ، عن السدي (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) ما يشاء من المنسوخ ويثبت من الناسخ.

قال : وحدّثنا ... (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) قال : .... لم تنسخ. ورواه سفيان عن سلمة ، عن الضحاك ، قال : المحكمات ؛ الناسخ.

[٢] ـ أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال : أخبرنا إسحاق بن أحمد الكاذي قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل رضي الله عنه قال : حدّثني أبي قال : حدّثنا وكيع ، عن سلمة بن نبيط ، عن الصحابة قال : المتشابه ما قد نسخ ، والمحكمات ما لم ينسخ.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أبي أعلمنا بالمنسوخ (١).

الباب الثالث

باب

بيان حقيقة النسخ

النسخ في اللغة على معنيين :

الأول : الرفع والإزالة ، يقال : نسخت الشمس الظل إذا رفعت ظل الغداة بطلوعها وخلفه ضوؤها. ومنه قوله تعالى : (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) [الحج : ٥٢].

والثاني : تصوير مثل المكتوب في محل آخر ، يقولون نسخت الكتاب ، ومنه قوله تعالى : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجاثية : ٢٩].

وإذا أطلق النسخ في الشريعة أريد به المعنى الأول ، لأنه رفع الحكم الذي ثبت تكليفه للعباد إما بإسقاطه إلى غير بدل أو إلى بدل.

__________________

(١) أخرجه البخاري (٤٤٨١ ، ٥٠٠٥) وأحمد (٥ / ١١٣) بلفظ : «عليّ أقضانا ، وأبيّ أقرؤنا ، وإنا لندع كثيرا من لحن أبي ، وأبي يقول : سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلا أدعه لشيء ، والله تبارك وتعالى يقول : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها).

١٧

وقال شيخنا علي بن عبيد الله (١) : الخطاب في التكليف على ضربين : أمر ونهي ، فالأمر استدعاء الفعل ، والنهي استدعاء الترك. واستدعاء الفعل يقع على ثلاثة أضرب :

الضرب الأول : ما يكون على سبيل الإلزام والانحتام ، إما بكونه فرضا أو واجبا. ونسخ ذلك يقع على ثلاثة أوجه :

الأول : أن يخرج من الوجوب إلى المنع ، مثل ما كان التوجه إلى بيت المقدس واجبا ثم نسخ بالمنع منه (٢).

والثاني : أن ينسخ من الوجوب إلى الاستحباب ، مثل نسخ وجوب الوضوء لكل صلاة إلى أن جعل مستحبا.

والثالث : أن ينسخ من الوجوب إلى الإباحة ، مثل نسخ وجوب الوضوء مما غيرت النار إلى الجواز ، فصار الوضوء منه جائزا.

والضرب الثاني : استدعاء على سبيل الاستحباب ، فهذا ينتقل إلى ثلاثة أوجه أيضا :

الأول : أن ينتقل من الاستحباب إلى الوجوب ، وذلك مثل الصوم في رمضان كان مستحبا فإن تركه وافتدى جاز ، ثم نسخ ذلك بانحتامه في حق الصحيح المقيم.

والثاني : أن ينسخ من الاستحباب إلى التحريم ، مثل : نسخ اللطف بالمشركين وقول الحسنى لهم (٣) ، فإنه نسخ بالأمر بقتالهم (٤).

__________________

(١) هو : علي بن عبيد الله بن نصر بن عبيد الله بن سهل بن الزّاغوني البغدادي أبو الحسن. شيخ الحنابلة ، صاحب التصانيف.

حدّث عنه السّلفي وابن ناصر الدين وابن عساكر وابن الجوزي ، وغيرهم. كان من بحور العلم وأهل التقوى والزهد. وفاته سنة سبع وعشرين وخمسمائة (٥٢٧).

ترجمته في : «سير أعلام النبلاء» (١٩ / ٦٠٥) ، «وشذرات الذهب» (٦ / ١٣٣).

(٢) انظر «الواضح في أصول الفقه» لابن عقيل (١ / ٢٥١).

(٣) وذلك في قوله تعالى : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ..) [العنكبوت : ٤٦].

(٤) وذلك في قوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) [التوبة : ٥].

وقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) [التوبة : ٢٩].

١٨

والثالث : أن ينسخ من الاستحباب إلى الاباحة ، مثل : نسخ استحباب الوصية للوالدين (١) بالإباحة (٢).

والضرب الثالث : المباح ؛ وقد اختلف العلماء هل هو مأمور به؟ والصحيح أنه مأذون فيه غير مأمور به (٣) ، ويجوز أن يدخله النسخ عن وجه واحد وهو النسخ إلى التحريم ، مثاله : أن الخمر مباحة ثم حرمت.

وأما نسخ الإباحة إلى الكراهة ؛ فلا يوجد ، لأنه لا تناقض. فأما انتقال المباح إلى كونه واجبا فليس بنسخ ، لأن إيجاب المباح إبقاء تكليف لا نسخ.

وأما القسم الثاني من الخطاب : وهو النهي فهو يقع على ضربين :

الأول : على سبيل التحريم ؛ فهذا قد ينسخ بالإباحة ، مثل تحريم الأكل على الصائم في الليل بعد النوم والجماع.

والثاني : على سبيل الكراهة ، لم يذكر له مثال.

فصل

فأما الأخبار فهي على ضربين :

الأول : ما كان لفظه لفظ الخبر ، ومعناه معنى الأمر كقوله تعالى : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة : ٧٩] فهذا لاحق بخطاب التكليف في جواز النسخ عليه.

والثاني : الخبر الخالص ، فلا يجوز عليه ، لأنه يؤدي إلى الكذب وذلك محال. وقد حكي جواز ذلك عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم والسّدّي ، وليس بشيء يعوّل عليه. وقال أبو جعفر النحاس : وهذا القول عظيم جدا يؤول إلى الكفر لأن قائلا لو قال : قام فلان ثم قال : لم يقم ، فقال : نسخته لكان كاذبا.

وقال ابن عقيل (٤) : الأخبار لا يدخلها النسخ ، لأن نسخ الأخبار كذب ،

__________________

(١) في سورة البقرة ، الآية رقم (١٨٠).

(٢) في آيتي النساء : ١١ ، ١٢.

(٣) وهو قول الجمهور ؛ انظر «إحكام الأحكام» للآمدي (١ / ١٧٧) و «المستصفى» للغزالي (١ / ٧٥) و «التحصيل من المحصول» للأرموي (١ / ٣١٤ ـ ٣١٥) و «المحصول» للرازي (٢ / ٢١٠) و «نهاية الوصول في دراية الأصول» للأرموي الهندي (٢ / ٦٢٩) و «التحقيقات في شرح الورقات» (ص ١٠٨).

(٤) هو : أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن أحمد الطفري البغدادي الحنبلي. مولده ببغداد سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة (٤٣١).

من العلماء الكبار المحققين ، برع في علم الأصول وشتى أنواع الفنون ، وزاحم أهل عصره ، وكان له مكانة عالية بين العلماء.

١٩

وحوشي القرآن من ذلك (١).

فصل

وقد زعم قوم : أن المستثنى ناسخ لما استثني منه ، وليس هذا بكلام من يعرف ما يقول ، لأن الاستثناء إخراج بعض ما شمله اللفظ ، وليس ذلك بنسخ ، وكذلك التخصيص (٢) ، وقد يجوّزه بعض السلف ؛ فيقول : هذه الآية نسخت هذه الآية ؛ أي : نزلت بنسختها.

الباب الرابع

باب

شروط النسخ

الشروط المعتبرة في ثبوت النسخ خمسة :

الشرط الأول : أن يكون الحكم في الناسخ والمنسوخ متناقضا ، بحيث لا يمكن العمل بهما جميعا ، فإن كان ممكنا لم يكن أحدهما ناسخا للآخر ، وذلك قد يكون على وجهين :

الوجه الأول : أن يكون أحد الحكمين متناولا لما تناوله الثاني بدليل العموم ، والآخر متناولا لما تناوله الأول بدليل الخصوص ، فالدليل الخاص لا يوجب نسخ دليل العموم ، بل يبين أنه إنما تناوله التخصيص لم يدخل تحت دليل العموم.

والوجه الثاني : أن يكون كل واحد من الحكمين ثابتا في حال غير الحالة التي ثبت فيها الحكم الآخر ، مثل تحريم المطلقة ثلاثا ، فإنها محرمة على مطلقها في حال ، وهي ما دامت خالية عن زوج وإصابة ، فإذا أصابها زوج ثان ارتفعت الحالة الأولى ، وانقضت بارتفاعها مدة التحريم ، فشرعت في حالة أخرى حصل فيها حكم الإباحة

__________________

له كثير من التصانيف ، أهمها كتاب «الفنون» وهو في ثلاثمائة مجلد ، ولا يزال مخطوطا ، طبع منه جزء صغير.

وفاته سنة ثلاث عشرة وخمسمائة (٥١٣).

ترجمته في : «طبقات الحنابلة» (١ / ١٤٢) و «سير أعلام النبلاء» (١٩ / ٤٤٣) و «البداية والنهاية» (١٢ / ١٨٤) و «شذرات الذهب» (٦ / ٥٨) و «ذيل طبقات الحنابلة» (١ / ١٦٣).

(١) نحوه في «الواضح في أصول الفقه» (٤ / ٢٤٤).

(٢) انظر في الفرق بين التخصيص والنسخ «الواضح في أصول الفقه» (١ / ٢٣٨) و (٤ / ٢٤٠ ـ ٢٤٢).

٢٠