عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ٢

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي

عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ٢

المؤلف:

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي


المحقق: الدكتور بهاء الدين دارتما
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار صادر
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9953-13-157-0

الصفحات: ٣٣٤

يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ) من الرجال والنساء ، وغرضهم منع الأكل من النساء (بِزَعْمِهِمْ) يتعلق بقوله (وَقالُوا) ، وكان مفتيهم بالحل والحرمة (١) بالزعم مالك بن عوف (وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها) وهي الحوامي فلا تركب (وَأَنْعامٌ) تذبح على اسم آلهتهم (لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا) ونسبوا حكم هذه الأقسام الثلثة من الأنعام إلى الله ، وقالوا هذا حكم الله (افْتِراءً) أي اختلاقا (عَلَيْهِ) نصبه مفعول له (سَيَجْزِيهِمْ) تهديد لهم ، أي سيعاقبهم الله (بِما كانُوا يَفْتَرُونَ) [١٣٨] أي يختلقون بأنه حكمه.

(وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩))

(وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ) أي الذي في بطون البحائر والسوائب غير الحوامي ، جملته مخصوصة (لِذُكُورِنا) أي يأكل الرجال من أجنتها إذا ولدت حية ويشربون من ألبانها ، فتأنيث (خالِصَةٌ) باعتبار المعنى ، لأن ما في بطون الأنعام أنعام (وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) أي لا يأكل منه النساء ولا يشربن من لبنه ، وتذكير (مُحَرَّمٌ) باعتبار «ما» (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً) بتأنيث الفعل ورفع ال (مَيْتَةً) ، أي إن تحدث من بطون الأنعام ميتة ، ف «كان» تامة ، وقرئ بتأنيثه ، ونصب «ميتة» ، ف «كان» ناقصة ، أي إن تكن أجنتها ميتة ، وبتذكير الفعل حملا على لفظ (ما) ، ونصب (مَيْتَةً) ، أي وإن يكن ما في بطون الأنعام ميتة ، وبرفع «ميتة» (٢) ف «كان» تامة ، يعني إن وضعت الناقة من الأجنة حيا فمختص بالرجال وإن ولدت ميتا (فَهُمْ) أي الرجال والنساء (فِيهِ) أي في المولود أو الضمير يرجع إلى «ما» (شُرَكاءُ) أي اشترط الرجال والنساء في أكل لحم الفصيل ولبن الناقة (سَيَجْزِيهِمْ) أي سيعاقبهم الله (وَصْفَهُمْ) أي جزاء وصفهم الكذب على الله في التحليل والتحريم (إِنَّهُ حَكِيمٌ) في أمره (عَلِيمٌ) [١٣٩] بخلقه.

(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠))

قوله (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا) بالتشديد والتخفيف (٣) ، نزل في الذين دفنوا بناتهم أحياء مخافة السبي والفقر ، وهم ربيعة ومضر (٤) ، أي أهلكوا (أَوْلادَهُمْ سَفَهاً) أي لخفة عقل ، نصبه مفعول له (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي بغير حجة أو بجهل منهم أن الله هو رازق (٥) أولادهم دونهم ، وعطف (وَحَرَّمُوا) أي جعلوا (ما رَزَقَهُمُ اللهُ) حراما عليهم من البحائر والسوائب وغيرهما على (قَتَلُوا) ، أي وخسر الذين حرموا ما لم يأمرهم الله بتحريمه (افْتِراءً عَلَى اللهِ) أي لكذبهم عليه بأنه أمرنا بذلك (قَدْ ضَلُّوا) عن الهداية ودين الإسلام (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) [١٤٠] من قبل ، فخذلهم الله بكفرهم وافترائهم عليه.

(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (١٤١))

ثم قال لبيان المحلل والمحرم هو الخالق لا غير (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ) أي خلق (جَنَّاتٍ) أي بساتين في الأرض (مَعْرُوشاتٍ) أي منبسطات على وجه الأرض كالقرع والبطيخ (وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) أي قائمات على ساق كالأشجار أو المعروش ما دعم كالكروم ، وغير المعروش ما لم يدعم كالنخل وغيره (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ) أي وخلق

__________________

(١) الحرمة ، ب س : حرمة ، م.

(٢) «وإن يكن ميتة» : قرأ نافع وأبو عمرو وحفص والأخوان وخلف ويعقوب بتذكير «يكن» ونصب «ميتة» ، وقرأ ابن عامر بتأنيث «يكن» ورفع «ميتة» ، ومثله أبو جعفر إلا أنه يشدد الياء حسب مذهبه ، وقرأ المكي بتذكير «يكن» ورفع «ميتة» ، وقرأ شعبة بالتأنيث والنصب. البدور الزاهرة ، ١١١.

(٣) «قتلوا» : قرأ ابن كثير وابن عامر بتشديد التاء ، والباقون بالتخفيف. البدور الزاهرة ، ١١١.

(٤) وهذا مأخوذ عن البغوي ، ٢ / ٤٢٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥١٧ ؛ والكشاف ، ٢ / ٩٠

(٥) الله هو رازق ، س : الله رازق ، ب م.

٤١

كلا منهما (مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) بضم الكاف وسكونها (١) ، حال مقدرة ، لأن وقت الإنشاء لا أكل فيه وهو الثمر (٢) الذي يؤكل ، أي حال كون النخل مختلفا طعمه من الخامض والحلو والمر أو الإختلاف في الطعم واللون والحجم والرائحة (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً) في المنظر (وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) في الطعم ، ثم أحل الأكل من الثمرات أول ما يبدو بقوله (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) قيل : إن قوله (إِذا أَثْمَرَ) كالزائد لما علم (٣) أنه إذا لم يثمر لا يؤكل ، قلنا : إنما (٤) قيده للتأكيد ، يعني أبيح لكم الأكل من ثمره وقت إطلاع الشجر الثمر لئلا يتوهم أنه لا يباح إلا إذا أدرك وأينع (٥)(وَآتُوا) أي أعطوا (حَقَّهُ) أي زكوته المفروضة من العشر ونصف العشر إن جعلت الآية مدنية أو أعطوا (٦) صدقة منه على المساكين إن جعلت مكية (يَوْمَ حَصادِهِ) بفتح الحاء وكسره (٧) ، أي يوم كيله أو يوم صرامه ، وكان ذلك واجبا قبل الزكوة ، فنسخته الزكوة (٨) ، المعنى : أنكم تصدقوا على الفقراء مما أعطيتم (وَلا تُسْرِفُوا) باخراج جميع المال في التصدق كما روي عن ثابت بن قيس أنه صرم خمسمائة نخلة ، ففرق ثمرها كله ولم يدخل شيئا منه في منزله لأهله (٩)(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [١٤١] باخراج الكل وإيجاع الأهل.

(وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٤٢))

(وَمِنَ الْأَنْعامِ) أي وأنشأ من الإبل والبقر والغنم (حَمُولَةً) أي ما يحمل عليه كالإبل والبقر (وَفَرْشاً) وهو ما يفرش للذبح كصغار الإبل والغنم والبقر ، فقال (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) أي من الحرث والأنعام حلالا طيبا (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) بدعوته إياكم إليها في التحريم والتحليل والمعاصي (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [١٤٢] أي ظاهر العداوة ، لأنه يضلكم ولا ينصح لكم.

(ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٤٣))

قوله (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) بدل من (حَمُولَةً) ، أي خلق لكم من الأنعام ثمانية أصناف ، والأزواج جمع زوج ، والمراد الذكر والأنثى إلا أنه يقال للواحد زوج إذا لم ينفك عن صاحبه ، ثم فصل ما أجمل بالثمانية فقال (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) وهو بدل من (ثَمانِيَةَ) والبواقي معطوفة عليه ، والمراد من (الضَّأْنِ) الذكر والأنثى (وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) أي الذكر والأنثى بفتح العين وسكونها لغتان (١٠) ، نزلت الآية في مفتيهم مالك بن عوف وأصحابه حيث حرموا تارة بعض الأنعام بسبب الذكورة وبعضها تارة بسبب الأنوثة (١١) كما سبق في السوائب والبحيرة ، فأمر الله نبيه عليه‌السلام أن ينكر عليهم ويناظرهم بقوله (١٢)(قُلْ آلذَّكَرَيْنِ) من الضأن والمعز (حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) منهما (أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) منهما ، يعني قل لهم أن (١٣) يبينوا (١٤) علة الحرمة من الذكورة والأنوثة ، واشتمال الرحم عليهما فان كان الذكورة لزم أن يكون كل ذكر حراما لوجود العلة وإن كان الأنوثة ، فكذلك

__________________

(١) «أكله» : قرأ نافع وابن كثير باسكان الكاف ، والباقون بضمها. البدور الزاهرة ، ١١١.

(٢) وهو الثمر ، س : وهي الثمر ، ب م ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ٩١.

(٣) إذا أثمر كالزائد لما علم ، ب س : إذا أثمر زائد لأنه قد علم ، م.

(٤) قلنا إنما ، ب س : أجيب بأنه ، م.

(٥) نقله عن الكشاف ، ٢ / ٩١.

(٦) أعطوا ، ب س : ـ م.

(٧) «حصاده» : قرأ البصريان والشامي وعاصم بفتح الحاء ، والباقون بكسرها. البدور الزاهرة ، ١١٢.

(٨) عن الضحاك وعكرمة ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥١٩ ؛ وانظر أيضا النحاس ، ١٣٨ ـ ١٤٢ ؛ والبغوي ، ٢ / ٤٢٨ (عن ابن عباس) ؛ وابن الجوزي ، ٣٤.

(٩) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥١٩.

(١٠) «المعز» : قرأ المكي والشامي والبصريان بفتح العين ، والباقون باسكانها. البدور الزاهرة ، ١١٢.

(١١) اختصره من السمرقندي ، ١ / ٥١٩ ؛ والكشاف ، ٢ / ٩٢.

(١٢) بقوله ، ب م : ـ س.

(١٣) أن ، س : ـ ب م.

(١٤) يبينوا ، ب م : تثبتوا ، س ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥١٩.

٤٢

ينبغي أن يكون كل أنثى حراما لوجود العلة وإن كان احتمال الرحم ، وجبت حرمتهما جميعا (١) لوجود العلة فيهما فمن أين جاء التحريم (نَبِّئُونِي) أي أخبروني عن سبب ما حرمتم من الأنعام (بِعِلْمٍ) أي بتحقيق حجة (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [١٤٣] أن الله حرمها ، وهذه الجملة اعترضت بين المعدودات ، والأصل أن يكون متوالية ليفيد تأكيد الاحتجاج على من حرمها وتشديد التحليل.

(وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٤٤))

ثم قال (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ) أي وخلق من الإبل ذكرا وأنثى (وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) ذكرا وأنثى (قُلْ) إنكارا عليهم (آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ) حرم (الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ) حرم (ما (اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) من الإبل والبقر ، يعني بينوا لي من أين جاء التحريم فيها (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) أي حضورا إن لم تستطيعوا على إثبات الحرمة بالبرهان العقلي (إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا) أي بالتحريم في زعمكم ، وهذا الكلام تجهيل لهم ، فتحير مالك بن عوف من كلام النبي عليه‌السلام ، فقال ما لك : لا تتكلم؟ فقال : بل تكلم أنت فأسمع أنا فنزل (٢)(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بنسبة تحريم ما لم يحرم إليه (لِيُضِلَّ النَّاسَ) عن دين الحق (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي بلا حجة واضحة ، وقيل : المراد منه عمرو بن لحي ، وهو الذي سيب السوائب وبحر البحيرة (٣)(إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) أي لا يرشد إلى الحجة (الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [١٤٤] بكفرهم وكذبهم.

(قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥))

ثم بين لهم ما حرم عليهم من المطعومات بقوله (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ) من القرآن (مُحَرَّماً) أي شيئا حرمه الله بوجه (عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) أي آكل يأكله (إِلَّا أَنْ يَكُونَ) بالتاء والياء ورفع (مَيْتَةً) فاعله ، ف «كان» تامة ، وبنصبها (٤) ف «كان» ناقصة إلا أن يكون المحرم أو المأكول ميتة (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) أي سائلا جاريا في العروق أو منفصلا عن اللحم لا كالكبد والطحال ولا كالدم المختلط باللحم والمخ ، فانهم كانوا يأكلون دماء الذبيحة ، قيل : «لو لا هذه الآية ليتبع المسلمون من العروق ما يتبعه اليهود» (٥) أو يكون المأكول (لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي حرام (أَوْ فِسْقاً) عطف على (لَحْمَ خِنزِيرٍ) ، أي أو يكون المذبوح خارجا عن أمر الله وصفة «فِسْقاً» (أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) أي رفع الصوت بالاسم (٦) لغير الله ، أي لمعبودهم ، يعني يذكر اسمه على المذبوح عند ذبحه وسمي (فِسْقاً) لتوغله في المعصية بذكر اسم غير الله عليه ، احتج بعض بهذه الآية على أن ما سوى هذه الأشياء مباح ، ولكن الأكثر قالوا : قد حرم الله أشياء غير هذه على لسان رسوله عليه‌السلام ، ومن ذلك كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير (٧) ، قال الله (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(٨)(فَمَنِ اضْطُرَّ) أي من احتاج إلى أكل شيء من المحرمات فاكل (غَيْرَ باغٍ) أي غير ظالم لغير المضطر (وَلا عادٍ) أي ولا متجاوز عن مقدار ما يسد له الرمق إلى ما فوقه (فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [١٤٥] أي لا يؤاخذه بذلك أو لكل من

__________________

(١) جميعا ، ب م : ـ س.

(٢) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٥٢٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٤٣٠ ـ ٤٣١.

(٣) نقله المصنف عن الكشاف ، ٢ / ٩٢.

(٤) «إلا أن يكون ميتة» : قرأ نافع والبصريان وعاصم والكسائي وخلف في اختياره : «يكون» بالتذكير ، و «ميتة» بالنصب ، وقرأ ابن عامر وأبو جعفر «يكون» بالتأنيث و «ميتة» بالرفع مع تشديد «ميتة» لأبي جعفر ، وقرأ ابن كثير وحمزة : «يكون» بالتأنيث ، و «ميتة» بالنصب. البدور الزاهرة ، ١١٢.

(٥) عن عكرمة ، انظر البغوي ، ٢ / ٤٣٢.

(٦) بالاسم ، س م : بالفسق ، ب.

(٧) وهذا منقول عن البغوي ، ٢ / ٤٣٢.

(٨) الحشر (٥٩) ، ٧.

٤٣

تاب عن الذنوب وأطاع (١) أمر ربه.

(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦))

(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) أي وعلى اليهود (حَرَّمْنا) سوى المحرمات الأصلية المذكورة في الآية قبلهم أشياء كانت حلالا في الأصل بسبب معصيتهم ، يعني (كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) أي الإبل والبط والنعامة ، قيل : «كان بعض ذوات الظفر حلالا لهم ، فلما ظلموا حرم عليهم ذلك فعم التحريم كل ذي ظفر» (٢) ، والظفر ما يكون في طرف الأيدي والأرجل للإنسان وغيره من الحيوانات ، ثم سمي بعض خفا وبعض مخلبا وبعض حافرا وبعض ظفرا ، والمراد هنا ما ليس بمنشق كالبط وغيره ، وقيل : «كل ذي مخلب من الطيور وكل ذي حافر من الدواب» (٣)(وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) أي شحوم البقر والغنم ، وهي شحوم الكلى وشحوم البطون وهي الرقيقة التي على الكرش (٤)(إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) وهو الشحم المعلق بالظهر والجنبين من داخل ، فانه أحله لهم (٥)(أَوِ الْحَوايا) عطف على (ظُهُورُهُما) أو ما حملت المباعر ، جمع حاوية من الشحوم وهي ما اشتمل على الأمعاء (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) وهو شحم الألية لما فيها من العظم ، وقيل : «هو المخ الذي التزق بالعظم» (٦)(ذلِكَ) أي الجزاء ، يعني تحريم الطيبات عليهم (جَزَيْناهُمْ) أي عاقبناهم (بِبَغْيِهِمْ) أي بسبب ظلمهم وشركهم ، لأنها كانت حلالا لهم في الأصل (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) [١٤٦] فيما أخبرنا به من كونها حلالا ، ثم حرمناها (٧) عليهم بمعصيتهم وإنما قال ذلك لأن اليهود قالوا : إن هذه الأشياء كانت حراما من الأصل ردا عليهم.

(فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١٤٧))

(فَإِنْ كَذَّبُوكَ) فيما جئت به من التحريم والتحليل (فَقُلْ) استعطافا بهم (رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) لا يعجل (٨) عليكم بالعقوبة (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) أي عذابه (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [١٤٧] يعني إذا جاء لا يؤخر عنهم.

(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (١٤٨))

قوله (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) بالله غيره ، نزل إخبارا عما يقولونه استهزاء بعد لزوم الحجة عليهم (٩)(لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) وزيد (لا) للفصل بين ضمير الفاعل في «أشركنا» والعطف عليه بما بعده (وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) من البحائر والسوائب وغير ذلك ، يعنون أن كل ما فعلناه بمشية الله ، قالوا ذلك لتكذيبك لا لتعظيم الله (كَذلِكَ) أي مثل هذا التكذيب الذي كذبوك (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي من الأمم (١٠) أنبياءهم (حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) أي عذابنا فهلكوا (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ) أي حجة واضحة على صحة دعواكم أن الله حرم هذه الأشياء التي تحرمونها (١١)(فَتُخْرِجُوهُ) أي فتظهروه (لَنا) ليثبت ما تدعون من التحريم والشرك ، ثم بين تعالى أنهم قالوا ذلك بلا علم وبيان قوله (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) أي ما يقولون ذلك إلا بالظن من غير يقين (وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) [١٤٨] أي تكذبون في قولكم أن ذلك من الله فلما لم يظهر منهم حجة.

__________________

(١) وأطاع ، ب س : أو أطاع ، م.

(٢) أخذه المفسر عن الكشاف ، ٢ / ٩٢.

(٣) عن القتيبي ، انظر البغوي ، ٢ / ٤٣٣.

(٤) الكرش ، ب س : الكراش ، م.

(٥) لهم ، س م : بهم ، ب.

(٦) عن الضحاك ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٢١.

(٧) حرمناها ، س : حرمنا ، ب م.

(٨) أي لا يعجل ، س : لا يعجل ، ب م.

(٩) لعله اختصره من السمرقندي ، ١ / ٥٢٢.

(١٠) أي من الأمم ، س : من الأمم ، ب م.

(١١) تحرمونها ، ب س : يحرمونها ، م.

٤٤

(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩))

قال تعالى (قُلْ) يا محمد (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) أي التامة الوثيقة وهي آيات القرآن ونبوة محمد عليه‌السلام في تبيين ما أحل لهم وما حرم عليهم (فَلَوْ شاءَ) الله مشية إلجاء (لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) [١٤٩] أي لأرشدكم إلى دينه الحق بلطفه وتوفيقه لو كنتم أهلا له بأدنى توجه إليه.

(قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١٥٠))

(قُلْ) يا محمد (هَلُمَّ) أي أحضروا ، وهو اسم فعل بني لوقوعه موقع الأمر ، يستوي فيه الواحد والجمع والذكر والأنثى عند أهل الحجاز (شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ) لكم مع علمكم أنهم شهداء وإن كانوا شهود باطل (أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا) أي الذي حرمتموه أمره باستحضارهم ليلزمهم الحجة ويلقمهم الحجر لهدم (١) ما يثقون به من شهادتهم بقوله (فَإِنْ شَهِدُوا) كاذبين (فَلا تَشْهَدْ) يا محمد (مَعَهُمْ) أي لا تصدقهم ولا تسلم لهم حتى لا تكون واحدا منهم لأن شهادتهم بأهوائهم ، أمره وأراد غيره ، ثم حذره من اتباع المبطلين بقوله (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي بالقرآن وبمحمد من أهل الكتاب (وَالَّذِينَ) أي لا تتبع أهواء الذين (لا يُؤْمِنُونَ) أي لا يقرون (بِالْآخِرَةِ) أي بالبعث (وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [١٥٠] أي يشركون من مشركي العرب.

(قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١))

(قُلْ تَعالَوْا) أي جيؤا من العلو ، والأصل أن يقول هذا اللفظ من هو بمكان عال لمن هو في مكان أخفض منه ، ثم استعمل للأمر بالمجيء بكل مكان (أَتْلُ) أي اقرأ (ما حَرَّمَ) أي الذي حرمه (رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) أن) مفسرة ، أي أن (لا (تُشْرِكُوا) ف «لا» أصلية للنهي أو مصدرية ، ومحل المصدر نصب ب (حَرَّمَ) ، ف (لا) مزيدة للتأكيد ، أي حرم أن تشركوا (بِهِ شَيْئاً) وكونه نهيا أنسب لعطف قوله (وَبِالْوالِدَيْنِ) فانه (٢) متعلق بالأمر المقدر ، أي واتل ما أمركم الله أن أحسنوا بهما (إِحْساناً) يعني (٣) أمركم ببر الوالدين ونهاكم عن عقوقهما (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) أي من أجل فقر (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) بدلان من (الْفَواحِشَ) ، والمراد زنا السر والعلانية (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ) قتلها (إِلَّا بِالْحَقِّ) كقصاص وقتل ردة ورجم ، فان ذلك كله حق ، يوضحه قوله (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ) أي أمركم الله به في القرآن (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [١٥١] ما حرمه وما أحله في هذه الآيات التي هن أم الكتاب ، يعني محكمات يقتدى بها في التورية والإنجيل والزبور والفرقان لا يرد عليه النسخ.

(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢))

(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي) أي إلا بالخصلة (٤) التي (هِيَ أَحْسَنُ) عملا ، وهي حفظه وإصلاحه وتثميره بوجه معروف (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) وهو ما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين سنة أو البلوغ والعقل ، وهو جمع شد كقد وأقد (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ) أي أتموهما عند البيع والشرى (بِالْقِسْطِ) أي بالعدل (لا نُكَلِّفُ) الله (نَفْساً إِلَّا

__________________

(١) لهدم ، م : بهدم ، ب س ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ٩٤.

(٢) فانه ، ب س : ـ م.

(٣) يعني ، ب س : أي ، م.

(٤) أي إلا بالخصلة ، س : أي بالخصلة ، ب س.

٤٥

وُسْعَها) أي طاقتها في العدل ، يعني لو وقع بعد الاجتهاد زيادة قليلة أو نقصان قليل في الكيل والوزن لا يؤاخذ به الإنسان ، ثم قال (وَإِذا قُلْتُمْ) أي إذا تكلمتم في الحكم والشهادة (فَاعْدِلُوا) أي قولوا الحق (وَلَوْ كانَ) المحكوم عليه (ذا قُرْبى) أي صاحب قرابة لكم (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) أي أتموا كل عهد بينه وبينكم أو بين الناس وبينكم ، يعني كل واجب من امتثال أمر ونهي ونذر وحفظ أمانة كسر ومال وعقد موثق (ذلِكُمْ) أي الذي تلوته عليكم (وَصَّاكُمْ بِهِ) أي أمركم الله (١) بأخذه والعمل به في كتابه (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [١٥٢] بالتخفيف والتشديد (٢) ، أي يتعظون فتمثلون بأمره ونهيه.

(وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٥٣))

قوله (وَأَنَّ) بالكسر استئناف ، أي قال تعالى إن (هذا) أي الذي وصاكم به (صِراطِي مُسْتَقِيماً) في الدين لا عوج فيه إلى دخول الجنة التي هي دار السلامة (٣) ، وبفتح «أن» (٤) ، أي ولأن هذا صراطي مستقيما (فَاتَّبِعُوهُ) لاستقامته (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) أي الطرق المختلة في الدين ، وهي طرق الشيطان ، وجواب النهي (فَتَفَرَّقَ) أصله فتتفرق ، أي فتميل (بِكُمْ) ضالين باتباع الأهواء (عَنْ سَبِيلِهِ) أي دين الله المستقيم وهو الإسلام (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ) أي بالمذكور (٥)(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [١٥٣] أي تحذرون الأهواء المختلفة فتستقيمون في دينه.

(ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (١٥٤))

قوله (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى) عطف على (وَصَّاكُمْ بِهِ) بكلمة (ثُمَّ) للتراخي وإن كانت التوصية في القرآن وإيتاء التورية قبل نزوله ، لأن هذه التوصية قديمة يوصي بها كل أمة على لسان نبيهم لما ذكرنا أن آيات التوصية محكمات لم يرد عليها نسخ من جميع الكتب ، فكأنه قال تعالى : ذلكم وصاكم به يا بني آدم قديما وحديثا ، ثم أعظم من ذلك أنا آتينا موسى (الْكِتابَ) أي التورية (تَماماً) مفعول له (٦) ، أي لتمام النعمة (عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) أي على المحسنين من الأنبياء والمؤمنين للعمل بشرائعه في الإسلام أو على الذين أحسنه الله لموسى ، فالضمير في (أَحْسَنَ) ل «الله» ، والمفعول محذوف (وَتَفْصِيلاً) أي وبيانا (لِكُلِّ شَيْءٍ) من الحلال والحرام (وَهُدىً) من الضلالة (وَرَحْمَةً) أي وأمنا من العذاب (لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) [١٥٤] أي يقرون بالبعث.

(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥))

(وَهذا) أي ومن تمام النعمة هذا القرآن (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) أي فيه بركة لمن آمن به ومغفرة للذنوب تلاوة وعملا بما فيه (فَاتَّبِعُوهُ) أي اقتدوا به للعمل بأوامره ونواهيه (وَاتَّقُوا) أي اجتنبوا عن اتباع غيره (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [١٥٥] أي لكي ترحموا ولا تعذبوا.

(أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (١٥٦))

قوله (أَنْ تَقُولُوا) مفعول له لقوله «أنزلنا» قبله ، أي أنزلناه مخافة أن تقولوا يا أهل مكة (إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ) أي اليهود والنصارى (مِنْ قَبْلِنا) ويقولوا (٧) أيضا (وَإِنْ كُنَّا) أي إن الشأن ، أصله إنه كنا (عَنْ دِراسَتِهِمْ) أي عن قراءتهم الكتاب (لَغافِلِينَ) [١٥٦] يعني لا نفهمها ، لأنها ليست بلغاتنا.

__________________

(١) الله ، ب س : ـ م.

(٢) «تذكرون» : قرأ حفص والأخوان وخلف بتخفيف الذال ، والباقون بتشديدها. البدور الزاهرة ، ١١٣.

(٣) السلامة ، ب م : السلام ، س.

(٤) «وأن» : قرأ حمزة والكسائي وخلف بكسر الهمزة ، والباقون بفتح الهمزة. البدور الزاهرة ، ١١٣.

(٥) أي بالمذكور ، ب س : أي الممذكور ، م.

(٦) مفعول له ، ب س : ـ م.

(٧) ويقولوا ، س م : وتقولوا ، ب.

٤٦

(أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (١٥٧))

قوله (أَوْ تَقُولُوا) عطف على (أَنْ تَقُولُوا) ، أي لئلا تقولوا (لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) أي أرشد من اليهود والنصارى ، فأنزلناه عليكم لقطع حججكم ، ثم قال على سبيل التحدي بهم حاذفا للشرط إن كنتم صادقين فيما تدعونه (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ) أي حجة واضحة (مِنْ رَبِّكُمْ) وهي القرآن مع محمد عليه‌السلام (وَهُدىً) من الضلالة (وَرَحْمَةٌ) أي وأمن من العذاب فاتبعوه ، ثم قال توبيخا لهم بالاستفهام (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ) بعد ما عرفها ، أي لا أحد أشد ظلما ممن عرف حقيتها (١)(وَصَدَفَ عَنْها) أي أعرض عن الإيمان بها ، ثم قال تهديدا (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ) أي سنعاقب المعرضين (عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ) أي شدته (بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) [١٥٧] أي يعرضون عن الآيات.

(قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨))

قوله (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) بالياء والتاء (٢) ، تبكيت لهم واستبطاء الإيمان منهم بعد إنزال الكتاب عليهم وإقامة الحجة على صدق محمد عليه‌السلام بالاستفهام بمعنى النفي ، أي ما ينتظرون بترك الدخول في الإسلام إلا أن تجيئهم (٣) الملائكة لقبض أرواحكم (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) أي أمر الله وقضاؤه بالعذاب (٤) من حيث لم يحتسبوا في الدنيا أو في الآخرة (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) وهو الموت أو طلوع الشمس من مغربها (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) كطلوع الشمس من مغربها ، ظرف ، عامله (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها) إذا آمنت (٥) فيه ، وصفة «نَفْساً» (لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) أي قبل ظهور الآيات أو الجملة حال من «ها» في (إِيمانُها) ، وعطف على «آمنت» (أَوْ كَسَبَتْ) أي لم تكن كسبت (فِي إِيمانِها) السابق على ظهور الآيات (خَيْراً) أي توبة أو عملا صالحا ، وفي ظاهر هذا الكلام دلالة على أن الإيمان السابق الخالي عن فعل الخير لا ينفع مطلقا ، ولكنه ينفع في عدم التخليد في العذاب لورود النصوص (٦) في ذلك ، والعقل لا ينافيه ولا ينفع في دفع العذاب جزاء على الإثم والإيمان عند ظهور الآيات لا ينفع مطلقا ، وكذا توبة الفاسق لا تنفع عنده ولا فعل خير (٧) ، قال عليه‌السلام : «ثلث إذا خرجن لم ينفع نفسا ، إيمانها لم تكن آمنت الدخان والدابة وطلوع الشمس من مغربها» (٨) ، قال ابن عباس رضي الله عها : «لا يقبل الله من كافر عملا ولا توبة إذا أسلم حين يراها إلا من كان صغيرا يومئذ ، فانه لو أسلم بعد ذلك قبله منه ، ومن كان مؤمنا مذنبا فتاب من الذنب قبلت منه لمعرفته (٩) السابقة مع الله» (١٠) ، ثم أمر تعالى نبيه بقوله (قُلِ) يا محمد لهم تهديدا (انْتَظِرُوا) بالعذاب (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) [١٥٨] بكم حتى ننظر أينا أسعد حالا وأحمد عاقبة.

(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩))

قوله (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) بالتشديد ، أي آمنوا ببعض الرسل ولم يؤمنوا ببعض ، وقرئ «فارقوا»

__________________

(١) حقيتها ، ب س : حقيقتها ، م ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ٩٦.

(٢) «تأتيهم» : قرأ الأخوان وخلف بياء التذكير ، والباقون بتاء التأنيث. البدور الزاهرة ، ١١٣.

(٣) إلا أن تجيئهم ، س : إلا أن يجيئهم ، ب م.

(٤) بالعذاب ، ب م : من العذاب ، س.

(٥) آمنت ، ب س : آمن ، م.

(٦) النصوص ، ب م : النص ، س.

(٧) ولا فعل خيره ، ب س : ولا فعل خيره غيره ، م.

(٨) رواه مسلم ، الإيمان ، ٢٤٩ ؛ والترمذي ، تفسير القرآن ، ٧ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٤٤٥.

(٩) لمعرفته ، ب م : بمعرفته ، س.

(١٠) انظر السمرقندي ، ١ / ٥٢٦.

٤٧

بالألف (١) ، أي تركوا دين الإسلام ودخلوا في اليهودية والنصرانية ، نزل في اليهود والنصارى (٢) ، أي إن الذين تركوا دينهم (وَكانُوا) أي صاروا (شِيَعاً) أي فرقا بأديان مختلفة (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) أي من قتالهم ، يعني لم تؤمر بقتالهم ، ونسخ بآية السيف (٣) ، وقيل : نزلت الآية في أهل الهواء والبدع (٤) ، فمعنى الكلام : أنت بريء منهم وهم برآء منك أو ليس بيدك توبتهم ولا عذابهم ، قال رسول الله عليه‌السلام : «تفرقت بنو إسرائيل اثنين وسبعين ملة ، وتفرقت أمتي على ثلث وسبعين ملة ، كلهم في النار إلا واحدة ، وهي ما أنا عليه وأصحابي» (٥) ، وفيه حث للمؤمنين أن لا يتفرقوا في الدين ويجتنبوا عن البدع ما استطاعوا ، ثم قال (إِنَّما أَمْرُهُمْ) أي مفوض حكمهم (إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ) أي يخبرهم (بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) [١٥٩] في الدنيا ، فيجازيهم بما فعلوا فيها.

(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦٠))

(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) أي من عمل بعد الإيمان عملا حسنا (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) باضافة (عَشْرُ) إلى (أَمْثالِها) ، ولم يقل عشرة وإن كان الأمثال مذكرا ، لأن التقدير عشر حسنات أمثالها ، فحذف الموصوف وأقيم الصفة مقامه ، أي يعطي في الآخرة ثواب عشرة للواحدة (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) أي ومن عمل عملا رديا من المعاصي (فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) أي لا يعاقب إلا عقابا يماثلها (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [١٦٠] أي لا ينقصون من ثواب أعمالهم شيئا ولا يزادون على سيئاتهم كقوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها)(٦) ، قال عليه‌السلام : «إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها يكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وكل سيئة يعملها يكتب له بمثلها حتى يلقى الله تعالى» (٧).

(قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٦١))

ثم قال أهل مكة : أنت بشر مثلنا فمن أين لك هذه الفضيلة فنزل (٨)(قُلْ إِنَّنِي هَدانِي) أي أرشدني بلطفه (رَبِّي) أي سيدي ومولاي (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي إلى دين ذي استقامة ، وهو الإسلام ، قوله (دِيناً قِيَماً) نصب بمضمر هو جواب سؤال مقدر ، كأنه قيل كيف هداك ربك إلى صراط مستقيم؟ فقال عرفني دينا محكما ثابتا في غاية الثبوت ، قرئ بفتح القاف وكسر الياء مع التشديد (٩) فيعل ، من قام كسيد من ساد ، صفة (دِيناً) وبالعكس مع التخفيف مصدر بمعنى القيام وصف به الدين مبالغة كرجل عدل (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) بدل من «دِيناً» (حَنِيفاً) نصب على الحال من (إِبْراهِيمَ) ، أي دين إبراهيم حال كونه مخلصا في الإسلام (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [١٦١] أي لم يكن على دينهم.

(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢))

(قُلْ إِنَّ صَلاتِي) المفروضة على وعلى من تابعني (وَنُسُكِي) أي وعبادتي أو حجي أو قرباني المذبوح بمنى (وَمَحْيايَ) أي وحياتي في الدنيا بالعمل الصالح (وَمَماتِي) أي وموتي بعد الحيوة على الإيمان وخلوص العمل (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [١٦٢] أي خالص لله الخالق لكل شيء.

__________________

(١) «فرقوا» : قرأ حمزة والكسائي بألف بعد الفاء وتخفيف الراء ، والباقون بغير ألف وتشديد الراء. البدور الزاهرة ، ١١٣.

(٢) عن مجاهد وقتادة والسدي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٢٧ ؛ والبغوي ، ٢ / ٤٤٥.

(٣) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٥٢٧ ؛ وانظر أيضا ابن الجوزي ، ٣٥.

(٤) نقل المفسر عن البغوي ، ٢ / ٤٤٥.

(٥) أخرجه الترمذي ، الإيمان ، ١٨ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٤٤٦.

(٦) النساء (٤) ، ٤٠.

(٧) رواه أحمد بن حنبل ، ٢ / ٣١٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٢٨.

(٨) نقله عن السمرقندي ، ١ / ٥٢٨.

(٩) «قيما» : قرأ المدنيان والمكي والبصريان بفتح القاف وكسر الياء وتشديدها ، والباقون بكسر القاف وفتح الياء وتخفيفها. البدور الزاهرة ، ١١٣.

٤٨

(لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣))

(لا شَرِيكَ لَهُ) من الأصنام وغيرها (وَبِذلِكَ) أي بهذا الإخلاص (أُمِرْتُ) في الكتاب المنزل علي (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [١٦٣] من أمتي ، لأن إسلام كل نبي سابق على إسلام أمته أو أنا أول المخلصين بالثبات على الإسلام فأنا مقدمهم وإمامهم وإنهم يأتمون بي في ذلك.

(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (١٦٤))

ثم قال أهل مكة للنبي عليه‌السلام ارجع إلى ديننا ونحن كفلاء لك بما يصيبك من الرجوع إلى ديننا وأن نحمل أوزارك فنزل (١)(قُلْ) يا محمد إنكارا عليهم (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي) أي أأطلب سوى الله (رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) من خلقه وما هو سواه مربوب له ، فكيف يصلح أن يكون ربا (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) جواب لقولهم ولنحمل خطاياكم ، أي وبال كسبها عليها لا على غيرها ، وأكد ذلك بقوله (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي لا تحمل نفس حاملة حمل غيرها ، والتاء في (وازِرَةٌ) لتأنيث النفس ، وأصل الوزر الثقل (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) أي مصيركم في الآخرة (فَيُنَبِّئُكُمْ) أي فيخبركم (بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [١٦٤] من الدين فيتبين لكم الحق من الباطل.

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥))

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) أي خلقكم وجعلكم سكان الأرض نيابة على الأمم قبلكم ، لأن النبي عليه‌السلام وأمته خلفوا جميع من مضوا قبلهم بأن سكنوها بعد إهلاكهم الله تعالى (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) أي فضل بعضكم على بعض بالخلق والخلق والدين والعلم والرزق والمال (لِيَبْلُوَكُمْ) أي ليخبركم (فِي ما آتاكُمْ) من الغنا وطلب الشكر ومن الفقر وطلب الصبر ، يعني يبتليكم ليظهر لكم من يطيع ومن يعصي ، ثم هدد عباده العاصي (٢) بالخطاب إلى النبي عليه‌السلام (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ) أي قريبة للعاصي (٣) ، لأن كل ما هو آت فهو قريب (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [١٦٥] لمن آمن وتاب عن الذنوب وعمل عملا صالحا ، وقيل : (سَرِيعُ الْعِقابِ) لمن لم يحفظ عهد الله فيما أعطاه من فضله وترك حقه فيه (٤) ، «غفور رحيم» لمن أطاعه في كل حال من الفارقة والغنا بعد التوبة (٥) ، قال عليه‌السلام : «من قرأ سورة الأنعام صلى عليه واستغفر له أولئك السبعون ألف ملك بعدد كل آية من سورة الأنعام يوما وليلة» (٦).

__________________

(١) أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ١ / ٥٢٩.

(٢) العاصي ، س : ـ ب م.

(٣) أي قريبة للعاصي ، ب م : أي هو قريبة للعاصي ، س.

(٤) نقله المصنف عن السمرقندي ، ١ / ٥٢٩.

(٥) لعل المفسر اختصره من السمرقندي ، ١ / ٥٢٩.

(٦) انظر السمرقندي ، ١ / ٥٢٩ ؛ والكشاف ، ٢ / ٩٧. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.

٤٩

سورة الأعراف

كلها مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(المص (١))

(المص) [١] أي أنا الله اللطيف المجيد الصادق في قوله ، نزل نهيا للنبي عليه‌السلام عن اتباع المشركين في أهوائهم وتحذيرا من مثل حالهم (١) ، وفيه تسلية له عليه‌السلام (٢) ليصبر على أذاهم.

(كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢))

(كِتابٌ) أي هذا الكتاب أو المراد هذه السورة (أُنْزِلَ إِلَيْكَ) محله رفع ، صفة «كِتابٌ» (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) أي ضيق من تكذيبهم به أو شك في أنه من الله أو من تبليغ الكتاب توجه النهي إلى الحرج ظاهرا ، وفي الحقيقة إلى المخاطب بمعنى لا تتحرج (لِتُنْذِرَ بِهِ) أي لتخوف بالكتاب ، متعلق ب (أُنْزِلَ) أو بالنهي ، لأن المؤمن (٣) الموقن جسور بالتوكل على الله للإنذار ، المعنى : أنه أنزل إليك الكتاب (٤) لتنذر به أهل مكة فلا يكن في صدرك حرج (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ)(٥)(وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) [٢] رفع ، عطف على (كِتابٌ) أو نصب فعله محذوف ، عطف على (لِتُنْذِرَ) ، أي لتنذر وتذكر تذكيرا أو جر عطف على محل «تنذر» ، أي أنزل للإنذار والذكرى لمن آمن به ، والتذكير والذكرى واحد.

(اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٣))

(اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) من القرآن ، أي على نبيكم الذي يقرأه عليكم واعملوا به (وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ) أي من دون الله (أَوْلِياءَ) أي أصدقاء وأربابا من الشياطين والأصنام ، يعني لا تعبدوا غير الله (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) [٣] بتخفيف الذال وتشديدها ، وبالياء والتاء معا (٦) ، يعني يتذكرون ، و (ما) زائدة لتأكيد القلة ، أي لا تتعظون شيئا ، ونصب (قَلِيلاً) بما بعده من الفعل.

(وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤))

ثم قال تهديدا لكفار مكة (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) أي وكثير من القرى أردنا إهلاكهم ، ف (كَمْ) مبتدأ ، و (مِنْ قَرْيَةٍ) صفته ، وصفته «أَهْلَكْناها» (فَجاءَها بَأْسُنا) أي عذابنا بعد تكذيب الرسل (بَياتاً) أي ليلا كقوم لوط أهلكوا وقت السحر ، وهو مصدر سمي به الليل ، لأنه يبات فيه كما يسمى البيت بيتا (٧) ، لأنه يبات فيه

__________________

(١) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.

(٢) تسلية له عليه‌السلام ، ب م : تسلية للنبي عليه‌السلام ، س.

(٣) المؤمن ، س : ـ ب م.

(٤) الكتاب ، م : ـ ب س.

(٥) الشورى (٤٢) ، ٤٨.

(٦) «تذكروا» : قرأ الشامي بياء قبل التاء مع تخفيف الذال ، وقرأ الأخوان وخلف وحفص بحذف الياء وتخفيف الذال ، والباقون بحذف الياء وتشديد الذال. البدور الزاهرة ، ١١٤.

(٧) بيت ، ب م : بياتا ، س.

٥٠

(أَوْ هُمْ قائِلُونَ) [٤] أي هم في حال القيلولة ، وهي النوم نصف النهار كقوم شعيب ، والجملة الاسمية في محل النصب على الحال ، معطوفة (١) ب «أ» على (بَياتاً) ، وحذفت الواو الرابطة استثقالا للجمع بين حرفي عطف ، لأن أصل واو الحال العطف ثم استعيرت للوصل ، تقديره : جاءها بأسنا بائتين وقائلين ، يعني ليلا ونهارا ، و (أَوْ) فيه لتفصيل العذاب ، فبعض نزل ليلا وبعض نزل نهارا ، وإنما خص البيات والقيلولة بالذكر لأنهما وقت غفلة ، وحلول العذاب فيهما أصعب.

(فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٥))

ثم أخبر عن حال من جاءهم العذاب بقوله (فَما كانَ دَعْواهُمْ) أي لم يكن قولهم وتضرعهم (إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا) أي عذابنا (إِلَّا أَنْ قالُوا) خبر (كانَ) ، أي قالوا نادمين (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) [٥] أنفسنا بترك التوحيد وبفعلنا المعاصي ، فاعترفوا حيث لا ينفعهم الاعتراف ، إذ لم تبق لهم حيلة سواه ، قال عليه‌السلام : «ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم فاعترفوا يا أهل مكة بهم فانكم إذا جاءكم العذاب لا ينفعكم التضرع» (٢).

(فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦))

قوله (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ) إخبار عن كيفية حال الأمم والأنبياء يوم القيامة ، أي لنسألن توبيخا الأمم عما بلغهم الأنبياء ، يعني هل بلغتم به (وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) [٦] أي الأنبياء عما بلغوا وما أجيبوا تقريرا لذلك.

(فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (٧))

(فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ) أي لنخبرنهم يومئذ بما عملوا في الدنيا (بِعِلْمٍ) أي عالمين بجميع ما صدر منهم حقيقة من التبليغ والرد (وَما كُنَّا غائِبِينَ) [٧] أي غافلين عن ذلك لنخبر عما لم يكن المعنى أنا ما كنا نسألهم لنعلم ما لم نعلم بل سألناهم ليكون حجة عليهم باعترافهم.

(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨))

(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) أي وزن الأعمال الذي هو الحق كائن يوم القيامة لا محالة بالعدل ، ف (الْوَزْنُ) مبتدأ و (الْحَقُّ) صفته و (يَوْمَئِذٍ) خبره ، والعامل في الظرف محذوف ، وهو الخبر حقيقة ، وهو ضعيف لاستلزامه الفصل بين الموصوف والصفة بالخبر ، والأولى أن يكون الظرف خبرا و (الْحَقُّ) بدلا من الضمير في الظرف ، قال عليه‌السلام : «توزن الحسنات والسيئات في ميزان له لسان كفتان» (٣) ، قيل : تجعل الأعمال مصورة فتوضع في الميزان (٤) ، وقيل : تعوضع فيه صحف الأعمال (٥) ، وقيل : يوضع الأشخاص فيه إظهارا للعدل (٦) ، وقيل : لا ميزان في الحقيقة ولكن ذكره هنا على وجه المثل والكناية عن العدل وهو قول أهل الاعتزال ، فالمراد منه السؤال والقضاء بالقسط (٧) ، والحق أن الميزان حق يوضحه (فَمَنْ ثَقُلَتْ) أي رجحت (مَوازِينُهُ) جمع ميزان ، لأن لكل عبد ميزانا أو هو جمع موزون ، أي حسناته (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [٨] أي الناجون من النار الفائزون بالجنة.

(وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (٩))

(وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) أي رجحت سيئاته على حسناته (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) أي غبنوا حظ نفوسهم (بِما كانُوا بِآياتِنا) أي بالقرآن ومحمد عليه‌السلام (يَظْلِمُونَ) [٩] أي يجحدون بأنها ليست من الله ،

__________________

(١) معطوفة ، ب م : المعطوفة ، س.

(٢) ذكره ابن كثير في تفسيره ، ٣ / ٣٨٣ ؛ وأخرج نحوه أبو داود ، الملاحم ، ١٧ ؛ وأحمد بن حنبل ، ٤ / ٢٦٠.

(٣) ذكره المفسر هنا حديثا ، ولكن هذا القول نسب إلى ابن عباس في السمرقندي ، ١ / ٥٣١.

(٤) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٥٣١ ؛ والبغوي ، ٢ / ٤٥٣.

(٥) نقله المصنف عن السمرقندي ، ١ / ٥٣١ ؛ أو البغوي ، ٢ / ٤٥٣.

(٦) وهذا مأخوذ عن البغوي ، ٢ / ٤٥٣.

(٧) نقله المفسر عن السمرقندي ، ١ / ٥٣١ ؛ أو البغوي ، ٢ / ٤٥٢ ، ٤٥٣.

٥١

قيل : «حق لميزان يوضع فيه الحق أن يكون ثقيلا ، وحق لميزان يوضع فيه الباطل أن يكون خفيفا» (١).

(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠))

قوله (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ) تذكير لهم النعم ليشكروا ربها ولا يكفروا به ، أي أقدرناكم فيها بالتصرف وملكناكم (٢)(وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) أي ما تعيشون به من الرزق أو ما يتوصل به كالزروع والضروع ، والياء بعد الألف لا تهمز فيها ، لأنها أصلية من المعيشة ، أصلها معيشة ، مفعلة من العيش ، فأعلت تبعا لإعلال فعلها ، وهو يعيش ، ثم وبخهم بقوله (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) [١٠] أي لا تشركون رب هذه النعم (٣).

(وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١))

(وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) أي خلقنا آدم من تراب وإياكم من نطفته نسلا بعد نسل ، ثم صورنا آدم في الأرض وصورناكم في أرحام الأمهات أو يوم الميثاق من ظهره أو خلقنا أباكم آدم طينا غير مصور ، صورناه بعد ذلك ، وجمع تعظيما له (٤) ، ويوضح هذا التأويل قوله (ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) سجدة التحية ولله سجدة العبادة ، ف (ثُمَّ) على هذا للتراخي في الزمان وعلى المعنى الأول بمعنى (٥) الواو (فَسَجَدُوا) لآدم (إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) [١١] أي لم يسجد مع الملائكة لآدم كبرا وحسدا.

(قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣))

(قالَ) الله توبيخا بالاستفهام لإبليس وإظهارا لما أضمره في نفسه من الكبر والحسد (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) أي أي شيء منعك من السجود يا إبليس ، ف «لا» زائدة لتوكيد معنى الفعل الذي تدخل عليه ، والغرض هنا إظهار وجوب السجود بصورة النفي (إِذْ أَمَرْتُكَ) أي وقت أمري لك بالسجود لآدم ، وفيه دليل على أن الأمر للوجوب وللفور (قالَ) إبليس منبها على فضله من أول الأمر ، وقد كان جوابه أن يقول منعني كذا (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) أي أفضل منه مرتبة ، ثم بين وجه الفضل على زعمه فقال (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [١٢] فأخطأ اللعين لمخالفة الأمر والاعتقاد بأن السجود لآدم حسب والاشتغال بالقياس في موضع النص ، ولم يعلم بأن القياس في موضع النص باطل ، ولأنه فضل النار على الطين ولم يعلم بأن الفضل لما فضله الله ، قيل : إن الخطأ إذا احتج له صار عمد (٦) والذي يدل على فساد قياسه أنه لم يجب بل طرد بالإهانة بأن (قالَ) تعالى له (فَاهْبِطْ) أي انزل (مِنْها) أي من الجنة لكونها للمطيعين (فَما يَكُونُ) أي ما ينبغي أو ما يصح (لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) أي تتعظم في الجنة على بني آدم (فَاخْرُجْ) أي أبعد منها (إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) [١٣] أي الذليلين لتكبرك وإبائك من السجود ، يقال صغر فلان صغرا إذا ذل.

(قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤))

(قالَ) إبليس طالبا لاستيفاء حظه من الدنيا آيسا من نعيم الآخرة (أَنْظِرْنِي) أي أمهلني لا تمتني (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [١٤] أي إلى أن يخرج الناس من قبورهم وهو النفخة الأخيرة ، قال ابن عباس رضي الله : «أراد اللعين أن لا يذوق الموت» (٧) ، إذ لا موت بعدها فأبى الله تعالى ذلك عليه.

__________________

(١) عن الحسن ، انظر الكشاف ، ٢ / ٩٩ ـ ١٠٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٤٥٣.

(٢) وملكناكم ، ب : مكناكم ، س م ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٣٢ ؛ والبغوي ، ٢ / ٤٥٣ ؛ والكشاف ، ٢ / ١٠٠.

(٣) النعم ، ب م : النعمة ، س.

(٤) وجمع تعظيما له ، ب : وجمع تعظيما ، س ، ـ م.

(٥) بمعنى ، ب س : ثم المعنى ، م.

(٦) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.

(٧) انظر السمرقندي ، ١ / ٥٣٣.

٥٢

(قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥))

(قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) [١٥] أي إلى النفخة الأولى فتموت مع من يموت وإنما أنظره مجيبا إلى استنظاره مع علمه أنه يغوي عباده ابتلاء وفتنة للعباد وليظهر به المطيع والعاصي وليعظم الأجر والوزر ، وقيل : الخطاب قد يكون شرفا للمخاطب إذا كان في محل التضرع والابتهال ، وقد يكون مقتا إذا كان على سبيل الخصام والجدال ومنه مخاطبة اللعين (١).

(قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦))

(قالَ) اللعين لإرادة الانتقام من ذرية آدم الذي صار سببا لهلاكه (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) أي أضللتني وخيبتني منك ، والباء لسببية تتعلق بفعل القسم لا بجوابه لمنع اللام عن ذلك ، يعني بسبب إغوائك أقسم بالله (٢)(لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) أي والله لأجلسن لإغواء الناس (صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) [١٦] أي على دين الإسلام فأصدهم عنه.

(ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧))

(ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ) بوسوستي (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) أي من جهة الآخرة فأشككهم فيها (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) أي من جهة الدنيا فأدعوهم إليها بالتزيين في أعينهم وقلوبهم (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) أي عن طرق الإسلام والخيرات فأوقع الشبهات فيها (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) أي عن طرق السيئات والشهوات فأرغبهم فيها ، واستعمال «من» في الأولين و «عن» في الثانيين سماعي لا قياسي ، روي : أن الشيطان لا يأتي العبد من فوقه لئلا يحول بينه وبين رحمة الله النازلة من جهته (٣) ، المعنى : أني لأغوينهم من جميع الجهات (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) [١٧] أي أكثر ذرية آدم مؤمنين أو شاكرين لنعمك كقوله (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ)(٤).

(قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨))

(قالَ) الله تعالى (اخْرُجْ مِنْها) أي من الجنة (مَذْؤُماً) بالهمزة من ذأمته إذا ذممته (مَدْحُوراً) أي مطرودا من الجنة أو من الرحمة أو عن كل خير ، من الدحر وهو الإبعاد (لَمَنْ تَبِعَكَ) اللام في موطئة للقسم ، و «من» شرط ، أي والله لمن أطاعك فيما دعوته إليه (مِنْهُمْ) أي من بني آدم (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ) يعني من الجن والإنس ، واللام فيه زائدة في جواب القسم للتأكيد ، أي لأملأن به وبك النار (أَجْمَعِينَ) [١٨] ممن أطاعوك من الفريقين ، وجواب القسم ساد مسد جواب الشرط.

(وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩))

ثم أخبر تعالى عن قوله لآدم في الجنة (وَيا آدَمُ) أي وقلنا يا آدم (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) أي اثبت أنت ولتثبت حواء جنة الخلد (فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما) أي أحببتما بالتوسعة عليكما (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) أي لا تأكلا منها (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) [١٩] أي الضارين أنفسكما.

(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠))

(فَوَسْوَسَ) أي ألقى الوسوسة (لَهُمَا) أي إليهما (الشَّيْطانُ) وهي تكرير الكلام في خفية لعمل الشر ، يعني

__________________

(١) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.

(٢) بسبب إغوائك أقسم بالله ، ب س : بسبب إغوائك إياي أقسم بالله ، م.

(٣) أخذه عن البغوي ، ٢ / ٤٥٧.

(٤) سبأ (٣٤) ، ١٣.

٥٣

زين لآدم وحواء أكلها (لِيُبْدِيَ) أي ليظهر (لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) أي ما ستر من عوراتهما ، فان عورتهما لم تكن لترى لهما من قبل هذا ، فلما أذنبا رئيت لهما ليخزيهما (١) ولذلك سميت سؤءة ، وفيه دلالة على أن كشف العورة قبيح في كل زمان ، ولما رأى اللعين نفسه طريدا من الرحمة ورأى آدم الذي حسده ساكنا في الجنة لم يصبر ، فاحتال لإخراجه مع زوجه حواء فأتاهما (وَقالَ) لهما (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ) أي عن أكل ثمرها (إِلَّا أَنْ تَكُونا) أي إلا مخافة كونكما (مَلَكَيْنِ) أي كالملكين العالمين بالخير والشر في الجنة (أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) [٢٠] أي أو مخافة كونكما من الباقين في الجنة لا تموتان أبدا.

(وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١))

(وَقاسَمَهُما) أي حلف لهما يمينا موثقة كذبا ، وهي مفاعلة من واحد أو كان منه القسم ومنهما التصديق فكأنها من اثنين (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) [٢١] بقسمي إن من أكل منها لم يمت ، فأول من حلف كاذبا هو إبليس عليه اللعنة.

(فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢))

(فَدَلَّاهُما) أي أسقطهما عن منزلتهما (بِغُرُورٍ) أي بخداع منه ، والغرور في الأصل إظهار النصح مع إبطان الغش (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ) أي وجد طعمها آدم وحواء بعد الأخذ منها ليتعرفاها (بَدَتْ) أي ظهرت (لَهُما سَوْآتُهُما) أي ظهرت لكل واحد منهما عوراتهما وكانا لا يريان ذلك من أنفسهما ولا أحدهما من صاحبه ، قالت عائشة : «ما رأيت منه ولا رأى مني» (٢) ، أي العورة من النبي عليه‌السلام ، قيل : أخذهما العقوبة قبل ابتلاع اللقمة من الحلق وكان لباسهما نورا أو كلباس بني إسرائيل في التيه (٣) ، وهو مثل الظفر فاستحييا فانطلق آدم هاربا فتعلقت به شجرة من شجر الجنة ، فناداه ربه أتفر مني يا آدم؟ قال : رب إني أستحيي (وَطَفِقا) أي أخذا (يَخْصِفانِ) أي يلصقان (عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) أي من ورق تينها ، قيل : «وصلا ورقة بورقة حتى صار كالثوب فاستترا به» (٤)(وَناداهُما رَبُّهُما) أي قال لهما عتابا وتوبيخا (أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) أي عن أكل ثمرتها (وَأَقُلْ) أي ألم أقل (لَكُما) نصحا (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) [٢٢] أي بين العداوة ، فيه دلالة على أن الله قد عرفهما قبل ذلك عداوة إبليس لهما وحذرهما من شره.

(قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣))

(قالا) أي أدم وحواء معتذرين عن خطيئتهما (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) بترك امتثال أمرك فاغفر لنا ذنوبنا (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا) ذنوبنا (وَتَرْحَمْنا) بقبول عذرنا وتوبتنا (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) [٢٣] أي المغبونين بالعقوبة مكان المرحمة وقد تقدم أن الله قبل توبتهما حيث قال فتاب عليه فهدى (٥) ، قيل : فيه دليل على أن المذنب إذا أصر على ذنبه يعذبه الله ، وإذا تاب يتجاوز عنه ولما لم يتب إبليس بل سأل النظرة جعل الله مثواه قعر جهنم (٦).

(قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٢٤))

ثم (قالَ) تعالى (اهْبِطُوا) أي أنزلوا من الجنة يا آدم وحواء وأبليس (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) الجملة حال من فاعل (اهْبِطُوا) ، أي متعادين ، لأن إبليس يعاديهما وهما يعاديانه (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) أي منزل قرار (وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) [٢٤] أي ومعاش إلى وقت الموت.

(قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٥) يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ

__________________

(١) ليخزيهما ، س : ليحزنهما ، ب ، لنحزنهما ، م.

(٢) انظر الكشاف ، ٢ / ١٠٣.

(٣) اختصره المفسر من البغوي ، ٢ / ٤٦٠.

(٤) عن الزجاج ، انظر البغوي ، ٢ / ٤٦٠.

(٥) فهدى ، س : ـ ب م.

(٦) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ١ / ٥٣٥.

٥٤

وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦))

(قالَ) الله تعالى (فِيها) أي الأرض (تَحْيَوْنَ) أي تعيشون (وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ) [٢٥] للبعث يوم القيامة ، قرئ معلوما ومجهولا (١) ، ولما كان ستر العورة نعمة عظيمة لآدم وبنيه حيث يفتضحون بعدمها وهي لا تحصل إلا باللباس الحاصل من النبات الحاصل بالماء المنزل من السماء ، قال مخاطبا لهم بالإشارة إلى الامتناع به عليهم (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ) أي خلقنا لكم (لِباساً) بانزال الماء الذي ينبت به النبات الذي تأخذون منه ذلك بحيث (يُوارِي) أي يستر (سَوْآتِكُمْ) أي عوراتكم (وَرِيشاً) مفردا ، وجمعه رياش ، أي وأنزلنا عليكم لباس الزينة كالريش للطائر ، فانه لباسه وزينته ، يعني أنزلنا عليكم لباسين ، لباسا لستر عوراتكم ولباسا لزينتكم ، لأن الزينة غرض صحيح كقوله «لتركبوها وزينة» (٢)(وَلِباسُ التَّقْوى) أي لباس الورع والخشية بالرفع مبتدأ ، خبره (ذلِكَ خَيْرٌ) أي هو أفضل من هذا اللباس ، لأنه يستر منكم عيوب الدنيا والآخرة ، وضع اسم الإشارة موضع الضمير ، وبالنصب (٣) عطف على «لباسا» ، وقيل : «لباس التقوى ما يتقى به في الحروب كالدرع والجوشن والمغفر وغيرها» (٤)(ذلِكَ) أي إنزال اللباس (مِنْ آياتِ اللهِ) الدالة على فضله ورحمته على عباده (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [٢٦] أي يتعظون فيعرفون عظيم نعمته فيه ، قيل : هذه الآية وردت على سبيل الاستطراد عقيب ذكر كشف سوآت آدم وحواء وخصف الورق عليهما إظهارا للمنة فيما خلق من اللباس لستر عورات الناس الموجبة للفضاحة والمهانة وإشعارا بأن التستر باب عظيم من أبواب التقوى (٥).

(يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧))

ثم قال تحذيرا لهم من طاعة الشيطان الذي أضل أباهم آدم فأخرجه من الجنة (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ) أي لا يضلنكم عن طعاتي باتباعه فيمنعكم من دخول الجنة (الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) حين تركا طاعتي بفتنته ، وفيه نهي للشيطان لفظا وللناس معنى قوله (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما) في محل النصب على الحال من ضمير (أَخْرَجَ) الفاعل (٦) ، أي أخرجهما من الجنة نازعا ثيابهما أسنده إلى السبب وهذه الحال محكية لكون نزع اللباس سابقا على الإخراج (لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما) فان أطعتم الشيطان بفتنته ينزع عنكم ثياب دينكم وتقويكم ، فيبدئ عوراتكم ، أي عيوبكم في الدين كما فعل بأبويكم فأظهر عوراتهما في البدن (٧) ، ثم بالغ في التحذير فقال (إِنَّهُ يَراكُمْ) أي إن الشيطان يبصركم (هُوَ وَقَبِيلُهُ) عطف على الضمير في (يَراكُمْ) وهو تأكيده ، أي وجنوده (مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) أي لا تبصرونهم ، لأن أجسامهم لطيفة تخرقها (٨) الأبصار فلا ترونهم (٩) ، يعني كونوا (١٠) بالحذر منه ومنهم ، قال عليه‌السلام : «إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم» (١١) ، أي كمجرى الدم في العروق (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ) أي أصدقاء قرناء باتباعهم (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) [٢٧] أي لا يصدقون برسلي وما أنزل إليهم من الأمر والنهي كأهل مكة.

__________________

(١) «تخرجون» : قرأ ابن ذكوان والأخوان ويعقوب وخلف بفتح التاء وضم الراء ، والباقون بضم التاء وفتح الراء. البدور الزاهرة ، ١١٥.

(٢) النحل (١٦) ، ٨.

(٣) «ولباس التقوى» : قرأ المدنيان والشامي والكسائي بفتح السين ، والباقون بضمها. البدور الزاهرة ، ١١٥.

(٤) عن زيد بن علي ، انظر البغوي ، ٢ / ٤٦٣ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ١٠٤.

(٥) أخذه عن الكشاف ، ٢ / ١٠٤.

(٦) أخرج الفاعل ، ب م : فاعل أخرج ، س.

(٧) في البدن ، ب س : ـ م.

(٨) تخرقها ، ب م : يخرقها ، س.

(٩) فلا ترونهم ، م : فلا تريهم ، ب س ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٣٦.

(١٠) كونوا ، ب س : كوني ، م ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٣٦.

(١١) رواه البخاري ، بدء الخلق ، ١١ ، والأحكام ، ٢١ ؛ وأنظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٣٦.

٥٥

(وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٢٨))

قوله (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) إخبار عن حال المشركين التابعين لآبائهم الجهلة دون محمد وكتابه ، أي إذا فعل أهل مكة ومن حواليها فعلة فاحشة هي (١) طوافهم عراة بالبيت وطواف رجالهم بالنهار ونسائهم بالليل ، وقيل : هي الشرك ، وكل معصية (٢) ، ثم قيل لهم ملامة لم فعلتم تلك الفاحشة (قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا) تقليدا لهم ثم قالوا افتراء على الله (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) أي بالفاحشة ، وكذبوا في قولهم ، فقال تعالى لنبيه عليه‌السلام (قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) أي بالمعاصي لاستحالة الأمر بها في حقه لكونه حكيما بالذات (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) [٢٨] أي أتكذبون (٣) عليه بما لا تعلمون حقيقته.

(قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩))

ثم أمر نبيه أن يبين لهم ما أمره بهم بقوله (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) أي بالعدل وهو التوحيد (وَ) قل لهم (أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) أي حولوا وجوهكم إلى الكعبة عند كل صلوة (وَادْعُوهُ) أي اعبدوه (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي العبادة ، لأنكم تموتون وتبعثون وتحاسبون (كَما بَدَأَكُمْ) أي مثل ما أنشأكم حفاة عراة غرلا (تَعُودُونَ) [٢٩] إلى الحيوة بعد الموت ، وهو احتجاج عليهم حيث أنكروا العود إلى الحيوة يوم القيامة.

(فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠))

ثم بين أن الهادي والمضل هو الله تعالى بقوله (فَرِيقاً هَدى) الله بلطفه وهم المؤمنون ، لأنه علم منهم الطاعة فأكرمهم بالمغفرة والتوحيد (وَفَرِيقاً حَقَّ) أي وجب بخذلانه (عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) وهم الكافرون ، لأنه علم منهم العصيان فأهانهم بالشرك والجهالة ، المعنى : أنه هدى فريقا من عباده وخذل فريقا منهم ، لأن من حق عليه الضلالة مخذول (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي من غير الله وأوليائه تعليل لوجوب الضلالة عليهم (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) [٣٠] أي يظنون أنهم على الاهتداء ، قيل : «فيه دليل على أن من لا يعلم أنه كافر في حال كفره فهو كافر ، لا يعذره جهله» (٤).

(يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١))

قوله (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) نزل حين كانوا يطوفون بالبيت غرلا ليلا ، ويقولون : لا نطوف في ثياب عصينا فيها ويحرمون اللحم والودك واللبن في حجهم (٥) ، فقال تعالى البسوا زينتكم ، أي ما يستر (٦) عوراتكم عند صلوة كل مسجد من البيت ، وإنما أدخل فيه (كُلِّ)(٧) ، لأن كل موضع من البيت مسجد (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) أي وكلوا اللحم والدسم واشربوا اللبن (وَلا تُسْرِفُوا) في شيء ما أو في التحريم ، وقيل : «الإسراف أن يأكل الرجل ما لا يحل أكله أو يأكل مما يحل له فوق الاعتدال ومقدار الحاجة» (٨)(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [٣١] بتحريم ما أحل الله وتحليل ما حرمه ، قيل : الطب كله في قوله (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا)(٩).

(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا

__________________

(١) هي ، ب س : هو ، م.

(٢) اختصره من البغوي ، ٢ / ٤٦٤.

(٣) أي أتكذبون ، ب : أي تكذبون ، س م.

(٤) عن الزجاج ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٣٧.

(٥) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ١٨٩ ـ ١٩٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٣٨ ؛ والكشاف ، ٢ / ١٠٥.

(٦) يستر ، ب س : يسترون ، م.

(٧) من البيت وإنما أدخل فيه «كل ، ب س : ـ م.

(٨) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٥٣٨.

(٩) نقله المفسر عن السمرقندي ، ١ / ٥٣٨.

٥٦

خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢))

قوله (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ) نزل حين عيرهم المشركون طوافهم بالبيت بلبس الثياب بعد نزول قوله (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)(١) ، فأمر الله نبيه عليه‌السلام بأن يقول للمشركين بالاستفهام الإنكاري على محرم الحلال من حرم زينة الله (٢) ، أي ليس الثياب الذي يستر به العورة ويتجمل به حلالا (الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) أي خلقها لهم (وَالطَّيِّباتِ) أي الحلالات (مِنَ الرِّزْقِ) أي من المآكل والمشارب كاللحم والدسم واللبن وغيرها (قُلْ هِيَ) أي الزينة والطيبات ثابتة (لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بالاستحقاق ، لأنها خلقت لهم وإن كان الكفار مشتركين فيها معهم في الدنيا ، وهو من قبيل الاكتفاء ، قوله (خالِصَةً) بالرفع خبر بعد خبر ، أي هي مخصوصة للمؤمنين (يَوْمَ الْقِيامَةِ) ظرف ل (خالِصَةً) ، وهذا يدل على الاشتراك في الدنيا ، وبالنصب (٣) على الحال من الضمير في (لِلَّذِينَ آمَنُوا) الراجع إلى الزينة ، المعنى : أن المؤمن والكافر يشتركان في الزينة والطيبات في الدنيا ، ويختص بهما المؤمن يوم القيامة (كَذلِكَ) أي مثل هذا التبيين (نُفَصِّلُ) أي نبين (الْآياتِ) من الأمر والنهي وما يكون في الدنيا والآخرة (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [٣٢] أي يعرفون الله ويفهمون ما أمرهم.

(قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣))

ثم قال آمرا لنبيه عليه‌السلام مخبرا بما حرم عليهم (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ) أي الأشياء التي قبح فحشها ، وأبدل منها (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) وهو الزنا سرا وعلانية ، وقيل : الطواف عريانا ليلا ونهارا (٤) ، وعطف على «ما ظَهَرَ» (وَالْإِثْمَ) أي الذنب كله ، والمراد منه كل ما لا حد فيه ، وقيل : «الإثم الخمر» (٥) كقول الشاعر «شربت الإثم حتى ضل عقلي (٦)(وَالْبَغْيَ) أي الظلم أو الكبر (بِغَيْرِ الْحَقِّ) أي بغير بيان من الله (وَ) حرم (أَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) أي كتابا فيه حجة لكم (وَ) حرم (أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) [٣٣] أي الافتراء عليه أو التحليل والتحريم اللذين لا يعلمون أنهما منه.

(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤))

ثم قال تخويفا لهم (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) أي لكل أهل دين وقت معلوم للعذاب (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) أي قرب مجيء وقت عذابهم (لا يَسْتَأْخِرُونَ) أي لا يمهلون (ساعَةً) بعد الأجل (وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [٣٤] أي لا يتقدمون ساعة قبل الأجل ، وقيل : فيه مبالغة لنفي التأخير بتسوية طرفي الزمان اللذين أحدهما ممكن والآخر محال (٧) ، وإنما قيد بالساعة ، لأن الساعة أقل الأزمنة المستعملة في الإمهال.

(يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥))

ثم قال مبشرا ومنذرا لهم (يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ) «إِمَّا» مركبة من «إن» الشرطية و «ما» الزائدة للتأكيد ، ولذلك يلزم فعلها النون المشددة أو المخففة لزيادة التأكيد ، أي إن يجئكم (رُسُلٌ مِنْكُمْ) أي من جنسكم (يَقُصُّونَ) أي يقرؤن عارضين (عَلَيْكُمْ آياتِي) أي القرآن لبيان أحكامي ، وجواب الشرط جملة (فَمَنِ اتَّقى) الشرك وتاب عن المعصية (وَأَصْلَحَ) أي زكى (٨) العمل أو أطاع الرسول مني (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) فيما يستقبلهم

__________________

(١) أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ١ / ٥٣٨.

(٢) زينة الله ، ب م : ـ س.

(٣) «خالصة» : قرأ نافع برفع التاء ، والباقون بنصبها. البدور الزاهرة ، ١١٦.

(٤) لعل المصنف اختصره من البغوي ، ٢ / ٤٦٧.

(٥) عن الحسن ، انظر البغوي ، ٢ / ٤٦٨ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ١٠٥.

(٦) نقله عن البغوي ، ٢ / ٤٦٨ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٣٨.

(٧) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.

(٨) زكى ، ب م : أزكى ، س.

٥٧

من العذاب (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [٣٥] على ما خلفوا في الدنيا (١) من المعاصي.

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٦))

ثم ذكر المكذبين فقال (٢)(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي بأحكامنا (وَاسْتَكْبَرُوا) أي تعظموا (عَنْها) أي عن الإيمان بها (أُولئِكَ) أي المذكورون (أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [٣٦] أي دائمون في العذاب بالنار.

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (٣٧))

ثم قال تهديدا بالاستفهام الإنكاري للمفترين عليه (فَمَنْ أَظْلَمُ) أي أي شخص أشد ظلما ، يعني لا أحد أظلم (مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بشركه (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) أي القرآن (أُولئِكَ) أي المفترون (يَنالُهُمْ) أي يصل إليهم (نَصِيبُهُمْ) أي حظهم (مِنَ الْكِتابِ) أي مما كتب لهم من الرزق أو من العذاب في الدنيا (حَتَّى) هي غاية لما يصل إلى الكفار ، أي يصل إليهم رزقهم أو عذابهم هنا حتى (إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا) أي ملك الموت وأعوانه (يَتَوَفَّوْنَهُمْ) أي حال كونهم يميتونهم بقبض أرواحهم (قالُوا) أي يقول رسلنا الملائكة (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ) أي أين الذي كنتم تعبدونه ، يعني آلهتهم التي عبدوها في الدنيا (مِنْ دُونِ اللهِ) فيدفعوا عنكم الموت (قالُوا) أي الكفار (ضَلُّوا عَنَّا) أي آلهتنا غابوا الآن ، فلم نرهم (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) أي أقروا عليهم عند الموت (أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) [٣٧] في الدنيا اعترفوا حين لا ينفع بهم الاعتراف.

(قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (٣٨))

ثم أخبر تعالى عما يقول يوم القيامة (٣) لهؤلاء الكفار بقوله (قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ) أي مضت (مِنْ قَبْلِكُمْ) أي يقول لهم الخزنة بأمره تعالى ادخلوا النار في زمرة أمم سبقوكم بالكفر والزمان (مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ) في النار (أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) أي أمة دخلت قبلها في النار لضلالها بها ، لأنها وضعت مذهب الضلالة في الدنيا قبلها كقابيل وولده أو كفرعون وهامان (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا) أي تلاحقوا (فِيها) أي في الدنيا (جَمِيعاً) أي مجتمعة القادة (٤) والأتباع (قالَتْ أُخْراهُمْ) أي أواخر الأمم وهم الأتباع (لِأُولاهُمْ) أي لأجل أوائلهم وهم المتبوعون شكاية عنهم لله تعالى (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا) من الهدى (فَآتِهِمْ) أي أعطهم (عَذاباً ضِعْفاً) أي مضعفا بالازدياد (مِنَ النَّارِ قالَ) الله تعالى (لِكُلٍّ ضِعْفٌ) أي لكل واحد من القادة والأتباع زيادة من العذاب ، لأنهم كانوا ضالين ومضلين (وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) [٣٨] بالتاء والياء (٥) ، أي لا يعلم كل فريق منهم ما للفريق الآخر من العذاب.

(وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩))

(وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ) دخولا أو القادة للأتباع ضللتم كما ضللت (فَما كانَ) أي ليس (٦)(لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) في شيء من الكفر والمعصية ، يعني نحن وأنتم متساوون في الضلالة ، فثم (٧) يقول تعالى لهم (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) [٣٩] من الكفر وترك الإيمان في الدنيا.

__________________

(١) في الدنيا ، ب م : ـ س.

(٢) ثم ذكر المكذبين فقال ، م : ـ ب س.

(٣) يوم القيامة ، م : ـ ب س.

(٤) القادة ، ب س : للقادة ، م.

(٥) «لا تعلمون» : قرأ شعبة بياء الغيب ، والباقون بتاء الخطاب. البدور الزاهرة ، ١١٦.

(٦) أي ليس ، ب س : ـ م.

(٧) فثم ، ب م : ثم ، س.

٥٨

(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠))

(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي بالقرآن ومحمد عليه‌السلام (وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها) أي تعظموا عن الميل إليها بالإيمان (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ) بالتاء المضمومة مخففا ومثقلا ، وبالياء المضمومة مخففا (١) ، أي لا يصعد بأرواحهم عند الموت إلى السماء ، بل يهبط بها إلى سجين إهانة لهم أو لإيجاب أدعيتهم إذا دعوه أو ليس لهم عمل صالح يفتح (٢) أبواب السماء لأجله كما يفتح للمؤمنين (وَلا يَدْخُلُونَ) أي لا يدخل المكذبون (الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ) أي يدخل البعير (فِي سَمِّ الْخِياطِ) أي في ثقب الإبرة ، يعني لا يدخل الكافر الجنة أبدا كما لا يدخل زوج الناقة في ثقب الإبرة أبدا (وَكَذلِكَ) أي مثل ذلك الجزاء وهو حرمان الجنة (نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) [٤٠] أي المشركين بالله.

(لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١))

(لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ) أي فراش من النار (وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) أي لحف تغشاهم منها (وَكَذلِكَ) أي مثل ذلك الجزاء من النار (نَجْزِي الظَّالِمِينَ) [٤١] أنفسهم بترك الإيمان واختيار الشرك.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢))

ثم أخبر عن حال المؤمنين بعد الكافرين بقوله (وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا بآياتنا ، مبتدأ (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) مع الإيمان (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي إلا بقدر طاقتها من العمل الصالح ، وهي جملة معترضة بين المبتدأ والخبر للترغيب في اكتساب النعيم الأبدي بامكان الوسع من الطاقة لا الضيق ، وهو (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [٤٢] أي لا يخرجون عنها أبدا.

(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣))

(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ) أي في قلوبهم (مِنْ غِلٍّ) أي حقدا (٣) كان بينهم في الدنيا فسلمت قلوبهم وطهرت ، فلم يكن بينهم إلا التواد والتعاطف في الجنة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) أي من تحت غرفهم والأشجار بارادتهم (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا) أي أكرمنا (لِهذا) أي لهذا (٤) النعيم بتوفيقه لدين الإسلام إيانا (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ) أي لهذا (٥) بواو وبغير واو (٦)(لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) أي لو لا هداية الله ما كنا لنهتدي له ، فجواب «لو» محذوف ، والجملة موضحة للجملة قبلها ، قيل : لما انتهوا إلى باب الجنة فاذاهم بشجرة تخرج من ساقها عينان ، فيشربون من إحديهما ويغتسلون من الأخرى ، فيطيب الله أجسادهم من كل درن ، وجرت عليهم النضرة وعاينوا الجنة وزينتها ، فقالوا سرورا وتلذذا بذكر ما فيها لا تعبدا وتقربا (٧)(لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ) فآمنا بهم وعملنا بما قالوا لنا ، فثم أكرموا من رب العزة فتلقاهم خزنة الجنة فينادونهم قبل أن يدخلوها ، وهو معنى قوله (وَنُودُوا) أي قال لهم خزنة الجنة بأعلى صوت (أَنْ) أي بأنه ، ف (أَنْ) مخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف وهو ضمير الشأن ، وخبرها (تِلْكُمُ الْجَنَّةُ) التي وعدتم بها (أُورِثْتُمُوها) حال من (الْجَنَّةُ) ، والعامل ما

__________________

(١) «لا تفتح» : قرأ أبو عمرو بالتاء الفوقية مع التخفيف والأخوان وخلف بالياء التحتية مع التخفيف ، والباقون بالتاء الفوقية مع التشديد. البدور الزاهرة ، ١١٦ ـ ١١٧.

(٢) يفتح ، ب : بفتح ، س م.

(٣) حقدا ، ب س : حقد ، م.

(٤) لهذا ، س م : بهذا ، ب.

(٥) لهذا ، ب م : ـ س.

(٦) «وما كنا» : قرأ ابن عامر بحذف الواو قبل «ما» ، والباقون باثباتها. البدور الزاهرة ، ١١٧.

(٧) اختصره من السمرقندي ، ١ / ٥٤١ ؛ والبغوي ، ٢ / ٤٧٣ (عن السدي) ؛ والكشاف ، ٢ / ١٠٨.

٥٩

في (تِلْكُمُ)(١) من الإشارة ، أي أعطيتموها (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [٤٣] أي بسبب عملكم في الدنيا.

(وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤))

قوله (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) إخبار بما قال أهل الجنة عند دخولهم الجنة لأهل النار اعترافا بنعم الله وتغيظا عليهم (أَنْ) أي أنه (قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا) من الثواب (حَقًّا) أي صدقا (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ) من العذاب (حَقًّا) أي صدقا ، فحذف المفعول من «وعد» الثاني لدلالة مفعول الأول عليه وهو «نا» ، ووعد يستعمل في الخير والشر (قالُوا نَعَمْ) فاعترفوا على أنفسهم حين لا ينفعهم الاعتراف ، قرئ بكسر العين وفتحها (٢) من نعم حيث وقع في القرآن ، وهو لتصديق ما سبق من الموجب ، وهو وجدتم ولم يقل بلى ، لأنه جواب استفهام دخل على النفي (فَأَذَّنَ) أي نادى لإعلام الفريقين (مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [٤٤] بتشديد «أن» ونصب «لعنة» بها وبتخفيفها من الثقيلة ورفع «لعنة» (٣) ، أي إنه عذاب الله على الكافرين.

(الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (٤٥))

(الَّذِينَ يَصُدُّونَ) أي يصرفون الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي عن ملة الإسلام (وَيَبْغُونَها) أي يطلبون سبيل الله وهو ملة الإسلام (عِوَجاً) أي زيغا عن الهدى (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ) أي بالبعث (كافِرُونَ) [٤٥] أي جاحدون.

(وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦))

(وَبَيْنَهُما) أي بين الفريقين من أهل الجنة والنار (حِجابٌ) للامتياز بينهما بعد الاجتماع ، وهو السور المضروب بينهم فوق الصراط ، وهو نوع من العذاب للكفار ، وقيل : «هو السور المسمى بالأعراف بمعنى العوالي لارتفاعه المضروب بين الجنة والنار» (٤) ، وقيل : «من المعرفة ، لأن من كان عليه يعرف أهل الجنة والنار» (٥)(وَعَلَى الْأَعْرافِ) أي وعلى أعراف الحجاب وهي أعاليه ، جمع عرف ، استعير من عرف الديك والفرس (رِجالٌ) من المسلمين ، وهم الذين يحبسون فيه لقصور أعمالهم إلى أن يأذن الله لهم في دخول الجنة ، قيل : «هم الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم لا فضلة ترجح إحديهما إما إلى الجنة أو إلى النار» (٦) أو «قوم قتلوا في سبيل الله مع عصيان آبائهم» (٧) أو «خرجوا إلى الغزو بلا إذن آبائهم فقتلوا» (٨) أو «هم أولاد الزنا من الصالحين» (٩) أو «الشهداء العدول في الآخرة الذين ينظرون ما يقضي بين الناس» (١٠) أو «هم أهل الفضل من المؤمنين» (١١) ، أعني الذين لا عمل لهم ووقفوا حتى يدخلوا الجنة بفضله تعالى (يَعْرِفُونَ كُلًّا) من السعداء والأشقياء (بِسِيماهُمْ) أي بعلاماتهم من بياض الوجوه لأهل الإيمان وسوادها لأهل الكفر (وَ) إذا نظروا إلى أهل الجنة (نادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) حين مروا بهم ببياض الوجوه ليدخلوا الجنة (لَمْ يَدْخُلُوها) أي لم يدخل أهل الجنة الجنة حتى يسلم عليهم أهل الأعراف (وَهُمْ يَطْمَعُونَ) [٤٦] أي يطعم أهل الجنة

__________________

(١) تلكم ، ب : تلك ، س م.

(٢) «نعم» : قرأ الكسائي بكسر العين ، والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ١١٧.

(٣) «أن لعنة» : قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم ويعقوب باسكان النون ورفع «لعنة» ، والباقون بفتحها مع التشديد ونصب «لعنة». والباقون بفتحها مع التشديد ونصب «لعنة». البدور الزاهرة ، ١١٧.

(٤) قال القتبي نحوه ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٤٢ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ١٠٨.

(٥) ذكر السدي نحوه ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٤٢ ؛ البغوي ، ٢ / ٤٧٥.

(٦) عن ابن عباس وحذيفة بن اليمان ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٤٣ ؛ والبغوي ، ٢ / ٤٧٦.

(٧) عن مقاتل ، انظر البغوي ، ٢ / ٤٧٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٤٢ ـ ٥٤٣.

(٨) عن شرحبيل بن سعد ، انظر البغوي ، ٢ / ٤٧٦.

(٩) قال ابن عباس نحوه ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٤٣.

(١٠) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.

(١١) عن الحسن ، انظر البغوي ، ٢ / ٤٧٧.

٦٠