من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - ج ٢

الدكتور زغلول النجار

من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

الدكتور زغلول النجار


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الشروق الدولية
الطبعة: ٣
الصفحات: ٨٣

الأستاذ أحمد فراج :

سيدى الفاضل :

وقفة أيضا عند (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) [الإسراء : ١٢]

الدكتور زغلول النجار :

هذه الآية فى سورة الإسراء ، وهى حقيقة من الآيات التى بدأت منها الوصول إلى فهم حقيقة كونية ، لم يصل إليها أى من العلماء الغربيين إلى اليوم.

وهو نموذج أعطيه ، كيف يستطيع الإنسان بدءا من القرآن الكريم ، أن يصل إلى معرفة حقيقة كونية لم يعرفها أحد بعد.

قال المفسرون : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) قالوا آيات الليل والنهار نيراهما (المنيرين فيهما) ، بمعنى آية الليل هى القمر ، وآية النهار هى الشمس.

لكن السؤال الذى يطرح نفسه (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) فآية الليل وهى القمر موجود. فما معنى محونا آية الليل؟ قال بعض المفسرين : لعل القمر كان فى القديم نجما ملتهبا مضيئا فى ذاته كالشمس ، فأطفأ الله جذوته ، لكن العلم يقول إن كتلة القمر لا تسمح له بأن يكون نجما ؛ لأن كتلة النجم يجب أن لا تقل عن كتلة الشمس ، ولكن كتلة القمر صغيرة لا تتعدى ربع كتلة الأرض.

ولو كان القمر نجما لأحرق الأرض وبخر الماء وخلخل الهواء وقضى على الحياة بأكملها. لأن مسافة القمر منا مسافة صغيرة جدا لا تكاد تتعدى ٣٨٠ ألف كم وهذه فى فسحة السماء لا تذكر ، وهى مسافة صغيرة جدا.

ومسافة الشمس بالنسبة للأرض حوالى ١٥٠ مليون كم ، ولكن القمر هو تابع

٦١

صغير من توابع الكواكب ليس جسما ملتهبا مضيئا بذاته ، وإنما هو جسم صخرى.

فهو جزء من الأرض انفصل منها ، مثل ما انفصلت الأرض من الشمس.

ولذلك يتباعد عن الأرض بنسبة قليلة بمعدل ٣ سنتيمتر سنويّا وأنه فى وقت من الأوقات ستبتلعه الشمس كما وعدنا ربنا ـ تبارك وتعالى ـ فى قوله : (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) [القيامة : ٩] وهى من علامات تهدّم النظام الكونى وبداية الآخرة.

فالقمر تابع صغير صخرى يشبه الأرض تماما ، ولا يمكن أن يكون نجما.

قال بعض المفسرين : لعله بعض السواد الذى فى القمر ، خلق ـ ربنا تبارك وتعالى ـ القمر معتما وهو لا يضيء إلا بسقوط أشعة الشمس عليه فتنعكس فيضيء. لكن هذا السواد كان موجودا فى القديم وما زال موجودا اليوم.

لم أجد تفسيرا لمعنى (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ). قال بعض الناس : لعله السواد الذى فى الليل ، ولكن الليل دائما أسود وأنا أبحث فى فهم هذه الآية الكريمة وجدت أن هناك ظاهرة معروفة من مطلع القرن العشرين تسمى (ظاهرة الفجر القطبى) معناها أن المناطق القريبة من القطبين ، تضاء فى ظلمة الليل الساعة الثانية عشرة ليلا إضاءة تفوق إضاءة الفجر الصادق. القطبين (دوائر العرض العليا كما يسمونها) فهذه الظاهرة لا ترى إلا فى القطبين والمناطق التى حول القطبين ، ولم يستطع العلماء تفسير هذه الظاهرة إلا بعد رحلات الفضاء.

فقالوا : إن من رحمة الله بنا أنه جعل لنا طبقات حماية متعددة للحياة على الأرض.

من هذه الطبقات حزامان هلاليا الشكل يحيطان بالأرض إحاطة كاملة ، زوج من اليمين وزوج من الشمال ، يسمكان سمكا شديدا عند خط الاستواء ويرقان رقة شديدة عند القطبين.

٦٢

هذان الحزامان سماهما العلماء (حزاما الإشعاع) لأنهما مشحونان بالكهرباء وهما يردان عن الأرض ويلات الجسيمات الكونية المتسارعة. الكون تتحرك فيه لبنات الذرة ، وهى تسمى الجسيمات الأولية ، وهى تتحرك بسرعة فائقة للغاية ، فحينما تصطدم بالغلاف الغازى للأرض عند القطبين وحولهما ، تشعل الغلاف الغازى للأرض ، فيرى هذا الوهج ، ومن رحمة الله أنه لا يرى فى باقى الأجزاء لوجود الحزامين. فلا يرى الضوء إلا حول القطبين. هذان الحزامان يردان الجسيمات الكونية إلى الخارج. ولعل هذا أحد معانى (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) [الطارق : ١١] وعند الدراسة المتأنية وجد أنهما لم يكونا موجودين فى بدء خلق الأرض ، فكانت هذه الظاهرة تعم الأرض بالكامل ، كانت الشمس تضيء فى وضح النهار ، وكان ارتطام الأشعة الكونية بالغلاف الغازى يضيء ظلمة الليل ، يعنى ضوء مستمر.

فمن رحمة الله بنا أنه قبل أن يخلق الإنسان ، لكى يجعل له الليل والنهار لراحته جعل هذين الحزامين لحجب الجسيمات الكونية المتسارعة ، ويبقى بقية من هذا الضوء ليعلم الإنسان قدرة الله ويعلم نعمة الله فى أن خلق لنا الليل والنهار.

الأستاذ أحمد فراج :

هل هى أحزمة مرئية؟

الدكتور زغلول النجار :

لا ... هى جزء من الغلاف الغازى مشحون بالكهرباء ، فهناك طبقة متأينة من الغلاف الغازى سمكه مئات الكيلومترات مشحون بالكهرباء ، ولكن الكهرباء تتركز فى هذين الحزامين ؛ لذلك الآية التى يمن الله بها علينا هى :

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٧٢) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [القصص : ٧٢ ، ٧٣].

خلق الليل والنهار من بدائع صنع الله ، فلو لا تبادل الليل والنهار ما عرفنا سريان

٦٣

الزمن ومعرفة السنين والتاريخ والأيام ، وما استطعنا العمل فى النهار والراحة والسكون فى الليل.

(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) [الإسراء : ١٢].

المحو هنا بمعنى طمس النور. حتى يكون الليل فترة راحة ويكون النهار فترة عمل ونشاط. آية الليل هى الإنارة وليس القمر.

الأستاذ أحمد فراج :

أنا أرجو أن نواصل الحديث فى قضايا أخرى للإعجاز العلمى.

ولكن فى حلقات قادمة. إن شاء الله.

لكى لا أطيل على حضراتكم.

سيداتى وسادتى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

* * *

٦٤

بسم الله الرحمن الرحيم

(٤)

المادة والطاقة ـ الجبال

تقديم الأستاذ أحمد فراج :

سيداتى سادتى : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحديث عن الإعجاز العلمى فى القرآن ، حديث محبب لدى النفس لا نمل منه ، على العكس نشتاق إليه ؛ لأننا نعلم أن القرآن والكون هما مصدران للحقائق الدينية والعلمية ، وكلاهما من عند الله الذى أنزل القرآن والذى خلق الكون ، وكلاهما حق.

القرآن يتحدث عن الكون فيقول (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) [الحجر : ٨٥] ويقول عن القرآن : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً) [الإسراء : ١٠٥].

ولا يمكن أن يتعارض حقان خالقهما واحد ، ويمكن أن يغفل عن هذه النقطة الذين يتشدقون بالعلمية ، أو يتصورون أن القرآن بعيد عن العلم ، وهو صميم العلم وهو مصدر ، وما شاهدناه واستمعنا إليه من أحاديث متتالية فى البرنامج ، تؤكد على أنه كلما تقدم العلم ، يفصح أو يكشف عن حقائق مذهلة ، حينما نجدها فى القرآن نتأكد ونؤمن أن الله خالق الكون ، منزل هذا القرآن على قلب هذا النبى الأمى محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم).

٦٥

فى لقاءات سعدنا بها من قبل مع العلامة الكبير الدكتور زغلول النجار ، نرحب بك دائما ونسعد بك دائما إن شاء الله.

فنحن نستمتع بعطاءاتكم الجميلة الرائعة فى مجال الإعجاز العلمي.

لاحظت أن سيادتك فى أكثر من مناسبة تتكلم عن المادة والطاقة. نحب أن نقف عند الطاقة قليلا.

فالطاقة هى مصدر الحياة ، فأنا أحب أن تكلمنا عن الطاقة فى هذا اللقاء. ونلاحظ أيضا فى استحياء مما تفضلت به ، وأن درجة حرارة الشمس تبلغ على غلافها الخارجى ٦٠٠٠ ، وفى أعماق الأرض نفس الحرارة ٦٠٠٠.

وحضرتك قلت : إن الأرض انفصلت عن الشمس ، وبذلك تكون الاثنتان بنفس درجة الحرارة.

وبعد ذلك سطح الأرض أصبح باردا ، حتى نستطيع أن نقف على الأرض ونعيش فيها ، على كل حال ، الطاقة التى الشمس هى مصدرها ، من أين تجىء إلينا؟ ومن أين تعرف طريقها للإنسان وللحياة؟

الدكتور زغلول النجار :

بارك الله فيك.

أبدأ بحمد الله والصلاة والسلام على كافة رسله ، وبخاصة هذا النبى الخاتم (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بأفضل الصلاة وأزكى التسليم ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وأحيى حضرتكم وكافة المشاهدين الكرام بتحية الإسلام : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وأبدأ وأقول : إن العلم قد أثبت أن المادة والطاقة شيء واحد. وقد ثبت ذلك بتفجير القنبلة النووية ، تحولت المادة فيها إلى طاقة ، وأصبح العلماء يقولون إن الطاقة والمادة شكلان لأمر واحد.

٦٦

مصدر الطاقة بالنسبة لنا على الأرض هو الشمس ، والشمس تفقد من كتلتها على هيئة طاقة ما يعادل ٦ / ٤ مليون طن فى كل ثانية. تنتشر فى الكون ، وجزء من هذه الطاقة يصل إلى الأرض ، هذا الجزء يتشتت جزء منه فى طبقات الغلاف الغازى للأرض ، ويصل سطح الأرض منه حوالى ٥١ خ ، هذه الطاقة تمتص الصخور جزءا منها وتشعه عند غروب الشمس لتحافظ على دفء الغلاف الغازى للأرض. ولو لا هذه الخاصية لتجمدنا وتجمدت الحياة من حولنا بمجرد غياب الشمس. جزء من الطاقة تمتصه الصخور والأرض عموما ، أغلب هذه الطاقة تمتصها النباتات ، والنبات أعطاه الله القدرة على أن يقوم بتحويل طاقة الشمس إلى روابط كيميائية.

نعنى أن النبات يأخذ غذاءه من معادن الأرض والماء الأرضى وأشعة الشمس وثانى أكسيد الكربون. ويقوم بعملية تسمى (عملية التمثيل الضوئي). وهو الكلورفيل. وأن الله تعالى جعل فى داخل الخلية النباتية جسيمات صغيرة أعطاها القدرة على أن تحول طاقة الشمس إلى طاقة كيميائية تصنع بها مواد معقدة للغاية (سكريات ، دهنيات ، پروتينات ، نشويات) هذا البناء الكيماوى يختزن طاقة الشمس فى داخل المركبات الكيميائية ، وليس هذا لغير النبات.

عملية التمثيل الضوئى التى تعين النبات على تخزين طاقة الشمس على هيئة روابط كيميائية فى مركبات معقدة ، لا يستطيع القيام بها إلا النبات.

الأستاذ أحمد فراج :

أنا كنت أقرأ الآية : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) [يس : ٨].

تهيأ لى أنها عملية حرق الشجر أو الخشب الذى أصله شجر.

الدكتور زغلول النجار :

سبق أن ذكرنا ، أن من أبلغ دلالات الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم أن بعض

٦٧

الآيات ترد أو تفهم بمعنى معين ، فتظل هذه المعانى تنفرد فى تناسق لا يعرف التضاد ، ومن أبرز هذه الآيات هذه الآية المباركة. (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) [يس : ٨].

فهم العرب هذه الآية وقت نزول القرآن ، بأن الشجر ييبس ويجف ويحرق فيعطى هذه النار. وعن عبد الله بن عباس ـ رضى الله عنه ـ قال ما من شجرة ولا عود إلا وفيه النار.

طبعا هم فهموا أن هذه النار تأتى عن طريق حرق الشجر والخشب ، وإذا أحرق الخشب بمعزل عن الهواء ، تحول إلى الفحم النباتي ، وإذا دفن الخشب فى وسط صخور الأرض وتراب الأرض تحول إلى فحم حجري.

ومن المساحات الهائلة من مناجم الفحم ، وجد أن كلها تكونت من بقايا أخشاب دفنت ، إما فى دلتات الأنهار أو على شواطئ البحار أو فى برك داخلية ، فالفحم الحجرى هو عبارة عن أخشاب نباتية دفنت بمعزل عن الهواء بقدرة الله ـ سبحانه وتعالى ـ غير الفحم النباتى الذى يصنعه الإنسان فى زماننا ، يحرقون الشجر ويصنعوا منه الفحم.

والفحم النباتى إذا زادت عليه الحرارة يتحول إلى الغاز الطبيعي ، ودرجة الحرارة تزداد درجة مئوية كلما هبطنا فى الأرض ٣٠ م تقريبا.

الأستاذ أحمد فراج :

أعتقد أن ذلك لا يعرفه إلا المتخصصون ، أى أن درجة الحرارة تزداد درجة مئوية واحدة كلما هبطنا ٣٠ م تقريبا.

الدكتور زغلول النجار :

ويتضح ذلك فى الآبار وفى المناجم ، حالات كثيرة أثبتت هذا. فإذا دفن الفحم فى أعلى درجة حرارة يتحول إلى غاز طبيعي ، ويخزن فى مسام الصخور ، ويمكن

٦٨

أن يستخرج كما هو الحال فى دلتا مصر الآن ، فنحن عندنا كمية هائلة من الغاز الطبيعى فى دلتا مصر ، على طول الساحل الشمالي ، وهذا أصله نباتات قديمة دفنت فى باطن الأرض بمعزل عن الهواء وتعرضت لمزيد من الحرارة والضغط ، تحولت إلى غاز طبيعي. الإنسان والحيوان كلاهما إذا أكل النبات تحولت هذه الروابط الكيميائية من سكريات ودهون وپروتينات ونشويات إلى مركبات أكثر تعقيدا فى جسم الإنسان والحيوان وأكثرها الدهون ، حينما تتحول إلى دهون ، كما يمكن أن يبقى جزء منها فى إفرازات الحيوانات ، يمكن أن تصبح وقودا ، ويمكن لو دفنت أن تتحول إلى غاز طبيعي.

الكائنات الحية هذه إذا ماتت ودفنت فى الرسوبيات على قيعان البحار والمحيطات تتحول إلى نفط ، والنفط إذا زادت عليه درجة الحرارة تحول إلى غاز طبيعى.

الأستاذ أحمد فراج :

يعنى هذه دائرة.

الدكتور زغلول النجار :

هذه الدائرة تقول : إن الوسيلة الوحيدة لتحويل طاقة الشمس إلى صور من الطاقة تمكن الإنسان من استخدامها هو النبات (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) الشجر الأخضر إذا جف يتحول إلى خشب ، والنبات الأقل من الشجر يتحول إلى قش وإلى تبن ، وكل هذه مصادر للوقود.

الخشب هذا إذا جف وأحرق بمعزل عن الهواء يتحول إلى فحم نباتي ، وإذا دفن تلقائيّا يتحول إلى فحم حجري ، الفحم الحجرى إذا زاد عليه الضغط والحرارة يتحول إلى غاز طبيعي ، النبات وهو أخضر إذا أكله الحيوان فإن هذا الحيوان يفرز مواد فيها مصدر للطاقة ، وإذا دفن هذا الحيوان بمعزل عن الهواء يتحول إلى بترول وإذا زادت درجة الحرارة يتحول إلى غاز طبيعى.

٦٩

الأستاذ أحمد فراج :

سؤال ساذج. يعنى الثروات البترولية فى العالم أصلها كائنات حية مدفونة عبر آلاف السنين؟!

الدكتور زغلول النجار :

عبر ملايين السنين ، وتتكون بدقة بالغة ، تشهد لله ـ سبحانه وتعالى ـ بفائق القدرة ، فتجمع النفط والغاز هذه عملية مبهرة للغاية.

فالذى أريد أن أقوله فى شرح هذه الآية الكريمة (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ). نرى أن كل مصادر النار ، كل مصادر الطاقة الناتجة عن النار على سطح الأرض هى الشمس.

والذى يستطيع أن يحبس هذه الطاقة ويقدمها للإنسان الشجر الأخضر ، ولم يكن هذا معروفا من قبل نزول القرآن ولمئات السنين.

وهذه ومضة قرآنية مبهرة ، تشهد لهذا الكتاب الخالد أنه كلام الله الخالق تشهد بهذا النبى الخاتم (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) أنه كان موصولا بالوحى معلما من قبل الخالق ـ عزوجل ـ (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ).

الأستاذ أحمد فراج :

هناك أيضا آية أخرى يا دكتور زغلول. (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ) [الواقعة : ٧١].

الدكتور زغلول النجار :

(أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ) حقيقة هذا إبداع ما بعده إبداع. يلخص كل صور الطاقة على الأرض كلها مصدرها الشجر الأخضر ، ويعبر عن ذلك بأن كل هذه النار هى مصدرها هذا الشجر ، والعرب قديما كانت لديهم شجرتان «المرخ والعفار» نبات صحراوى.

٧٠

وكان يعرف أنهم إذا حكوا فرعين من هاتين الشجرتين يطلق شرارة يوقدون منها فكانوا يفسرون هاتين الآيتين (المرخ والعفار) بهذه الصورة. (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ).

الأستاذ أحمد فراج :

نفهم بذلك هاتين الآيتين ، وإذا تقدم العلم تجد للآية معنى متقدما ، إذن نحن نفهم القرآن وما به من إعجاز بمقدار ما أوتى الإنسان من علم من الله ـ سبحانه وتعالى ـ.

الدكتور زغلول النجار :

ولذلك كان الإمام على كرم الله وجهه يقول : «هو فهم يؤتاه الرجل فى كتابه» ، ويقول الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) الذى اعتبر أن مجرد تلاوة القرآن الكريم تعبد ، وأن الإنسان يؤجر على كل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها فيقول الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : «اقرءوا القرآن فإن لكم بكل حرف حسنة والحسنة بعشرة أمثالها» ثم يردف بقوله : «لا أقول (الم) حرف لكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف».

قال العلماء : إن القرآن هو الكلام الوحيد الذى يتعبد بتلاوته.

ولكن سيدنا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : يوصينا بتدبر القرآن الكريم فيقول فى حديث صحيح : «من قرأ القرآن ولم يعربه أو كل الله به ملكا يكتب له بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها».

الأستاذ أحمد فراج :

يعربه ، يعنى يفهمه.

الدكتور زغلول النجار :

نعم. لأنه إذا لم يفهم معانى القرآن الكريم يوقعه فى دائرة الشك ويقول

٧١

(صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : «من قرأ القرآن وأعربه أوكل الله به ملكين يكتبان بكل حرف عشرين حسنة والحسنة بعشر أمثالها» (١).

فتدبر القرآن منزلة أعلى من التلاوة ، وإن كانت التلاوة يؤجر عليها الإنسان.

الأستاذ أحمد فراج :

ونحن نتكلم عن المادة والطاقة. ما هى أفضل وسيلة يمكن للإنسان ـ وقد أوتى هذا العلم بفضل الله عليه ـ أن يستثمر هذه الطاقة لخيره ولخير مجتمعه ، ونحن نتكلم عن الحرارة الأرضية ، سيادتك قلت إن الحرارة تختزن وتنعكس ... كيف نستفيد بها؟

الدكتور زغلول النجار :

حينما اشتكى الناس من تلوث البيئة ، كنتيجة لحرق الوقود من خشب وقش وحرق الفحم وحرق النفط والغاز الطبيعى ، وحينما شعر الناس أن هناك إمكانية لنضوب هذه المصادر الطبيعية للطاقة ، بدءوا فى التفكير فى البدائل وهى كثيرة ، منها طاقة الشمس ، طاقة الرياح ، ومنها طاقة المد والجزر ، ومنها طاقة الحرارة الأرضية.

فالحرارة الأرضية ، لاحظ العلماء مثل ما أشرنا منذ قليل ، أن درجة الحرارة تزداد درجة مئوية كل عمق ٣٠ م حتى تصل إلى ٦٠٠٠ درجة مئوية فى لب الأرض وهى نفس درجة حرارة الشمس.

فهذا أيضا شىء مبهر للغاية ، ويدل على أن الأرض كانت فى يوم من الأيام جزءا من الشمس وانفصلت عنها.

طبعا فكر العلماء فى الاستفادة من هذه الحرارة. وجاء تفكير العلماء من بعض الملاحظات. لاحظ العلماء أن المناطق التى تكثر فيها الأمطار ، وهذه الأمطار تصل

__________________

(١) ابن السنى ١ / ٥٦٥ ، والحاوى ١ / ٥٦٤. وقد قال الله ـ تعالى ـ : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) (محمد : ٢٤). وقال ـ تعالى ـ : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (ص : ٢٩).

٧٢

إلى درجات حرارة مرتفعة فى داخل الأرض ، فإن عيون الماء. تفيض بالماء ، فإنها يتدفق منها البخار الحار درجة حرارته ٣٠٠ أو ٤٠٠ م ، وسمك القشرة الأرضية فى القارات من ٣٥ : ٤٥ كم ، فى قيعان البحار ، المحيطات ٥ : ٨ كم.

الأستاذ أحمد فراج :

حضرتك تتكلم عن اختراقها للقشرة أم فى داخل القشرة؟

الدكتور زغلول النجار :

الماء يتسرب ، بعض الصخور سامية يتخللها حتى يصل إلى مناطق حرارتها مرتفعة ، فيسخن هذا الماء حتى يتبخر ، وإذا تبخر يخرج على هيئة نافورات من البخار شديدة الحرارة.

الأستاذ أحمد فراج :

فى أى المناطق يحدث ذلك؟

الدكتور زغلول النجار :

ماليزيا ـ إندونيسيا ـ اليابان. فكر العلماء هل يمكن الاستفادة بهذا البخار. والإجابة نعم. فإذا جمعنا هذا البخار ، وأدرنا به التوربينات ، أمكن أن نولد كهرباء ، ويتكثف هذا الماء على هيئة ماء عذب يستخدم فى البيوت ، فى الصناعة وفى الزراعة ، وفى أمور كثيرة. هذا فى المناطق التى تكثر فيها الأمطار.

ففكرنا هل يمكن تطبيق ذلك فى بعض المناطق الصحراوية ، صحراء مصر وصحراء الجزيرة العربية.

الأستاذ أحمد فراج :

يعنى تطبيق ذلك بتحويل الحرارة الأرضية إلى بخار ساخن يمكن أن يستخدم فى أغراض كثيرة.

٧٣

الدكتور زغلول النجار :

نعم. فلاحظنا أولا أنه برسم خرائط للحرارة تحت القشرة الأرضية ، أن أعلى حرارة فى العالم على الإطلاق تحت الحجاز ، والحرارة تزداد لو رقت القشرة ، ولكن وجدنا سمك القشرة فى الجزيرة العربية عاديا ، وهذا من نعم الله ـ سبحانه وتعالى ـ التشابه الشديد بين طبيعة صحراء الحجاز الغربية أو السلسلة الغربية وبين صحراء مصر ؛ لأن البحر الأحمر عبارة عن صدع فصل الجزيرة العربية عن قارة إفريقيا وكانتا قطعة واحدة ، وباب المندب يتسع بمعدل ١ سم : ٣ سم كل سنة. ولاحظنا أن هذه الحرارة كرامة لهذه المنطقة ، لأن الحرارة العالية تمتص الهزات الزلزالية الناتجة عن انفتاح البحر الأحمر فلا تدمر هذه المبانى والمنشآت على هذه الأرض المباركة.

ففكرنا فى الاستفادة من هذه الطاقة ، بمعنى إذا حفرنا بئرين متجاورتين وأوصلناهما بحفر بينى ، وأدخلنا ماء البحر فى إحدى البئرين سيخرج من البئر الأخرى على هيئة بخار شديد الحرارة ، يمكن أن نستفيد منه فى تشغيل التوربينات وتوليد كهرباء بتكلفة رخيصة للغاية ، ثم يتكثف هذا الماء على هيئة ماء عذب ، يمكن أن يستخدم فى الصناعة والزراعة وفى مستلزمات البيوت وإلى آخره ...

وخاصة أن مناطقنا تفتقر كثيرا إلى الماء ، والأزمة القادمة فى العالم ستكون أزمة مياه ، وخاصة فى العالم العربي ، أزمة مياه حقيقية. وأنا فكرت ...

الأستاذ أحمد فراج :

سيادتك الذى فكرت فى هذه الفكرة؟

الدكتور زغلول النجار :

نعم. فكرت فى أن التشابه الكبير بين غرب الجزيرة العربية وشرق مصر على ساحل البحر الأحمر ، إذا نفذنا هذه الفكرة ـ بمعنى الاستفادة من الحرارة الأرضية فى توليد الكهرباء ـ فى مصر كما نحاول تطبيقها الآن فى السعودية ، وقد أقمنا ندوة

٧٤

ناجحة فى المدينة المنورة من أجل الاستفادة بهذه الحرارة الأرضية ، فكرت أن يهتم المسئولون فى مصر بهذا المصدر ، لأنه مصدر من مصادر الطاقة نقى ، غير ملوث ، رخيص ، متجدد ، لا خطر منه على الإطلاق ، فى الوقت الذى يفكر فيه بعض العلماء فى الاستفادة من الطاقة النووية ، والطاقة النووية على ميزاتها لها مخاطر كثيرة وتكلفة عالية. فمخاطرها أكثر من التكلفة ، تشر نوبل فى روسيا ، ثرى مايلز آيلاند فى أمريكا ، أكثر من نموذج فى بريطانيا ، كل ذلك منشآت نووية ، حدثت بها تسربات للإشعاع وأضرت بالآلاف من الناس ، وخطر الإشعاع خطر لا يمكن علاجه ويسبب كثيرا من الأمراض. نسأل الله أن يعافينا منها.

الأستاذ أحمد فراج :

حضرتك يا دكتور زغلول تتكلم عن مشروع ليس خياليّا ، وإنما هو مشروع غير عادى ، وهو حفر آبار على الساحل.

أرجو أن تعطينى فكرة عن ذلك ، ما كمية البخار المتصاعد؟ وهذا البخار كم توربينا يستطيع تشغيله؟ حتى نجسدها للمسئولين ؛ لأن هذا موضوع يطرحه البرنامج ، ويمكن أن تستفيد منه مصر وغيرها من الدول العربية والإسلامية.

الدكتور زغلول النجار :

نحن زرنا إندونيسيا فى الشهور الماضية ، وزرنا بعض حقول الحرارة الأرضية.

ووجدنا أن إندونيسيا تخطط فى مدى خمس سنوات أن تتحول كل مصادر الطاقة فيها إلى الحرارة الأرضية.

وهناك ميزة فى إندونيسيا أن أغلبها جزر بركانية ، وهى فى المنطقة الاستوائية والمطر فيها غزير ، فهم لا يحتاجون إلى ماء بحر مع قرب ماء البحر إليهم. فيستفيدون من المياه تحت السطحية ، ورأينا بعض الآبار عندهم يندفع فيها البخار إلى مئات الأمتار ، يخرج البخار فى درجة حرارة ٣٠٠ م إلى ٤٠٠ م والضغط ٤٠ مرة ضعف الضغط الجوى ، فيمرر هذا البخار فى عدد من المواسير الملتوية حتى

٧٥

يقللوا من حرارته ومن ضغطه ، ثم يدخل على التوربينات فيولد الكهرباء ويكثف الماء ويستخدم كماء عذب.

الأستاذ أحمد فراج :

يعنى الناتج من بئر ما كم يكون؟

الدكتور زغلول النجار :

كينيا وهى على ساحل البحر الأحمر ، وهى دولة فى منطقة مشابهة لنا تماما ومشابهة للسعودية تماما ، لديهم حقل" ٢ كم* ٢ كم" حفر فيه عدد من الآبار حوالي ٢٥ بئرا ، يولدون منها كهرباء تكفى لإنارة وخدمة مدينة كاملة يزيد تعدادها على ٣ ملايين نسمة.

الأستاذ أحمد فراج :

من حقل مساحته «٢ كم* ٢ كم» فيها ٢٥ بئرا توصل بهذه الطريقة ؛ ليطلع بخار الماء ، ليدير توربينات تولد طاقة كهربية ويتكثف الماء العذب.

الدكتور زغلول النجار :

طبعا لا توجد تكلفة عالية ، تكلفة المشروع هذا بكل منشآته بين النفط والفحم فهو أرخص كثيرا من النفط وأغلى قليلا من الفحم وميزته أنه غير ملوث ومتجدد وليس له أخطار.

الأستاذ أحمد فراج :

أنا سعيد جدا بالكلام الذى قلته.

وهذا البرنامج يشاهده كل الناس بما فيهم المسئولون ، واعتقد أنها فكرة محددة تتقدم بها سيادتك وتطرحها من خلال هذا البرنامج ، وأرجو أن تجد أصداءها ، أعتقد أنها يمكن أن تصبح أمنية عظيمة. حضرتك حددت المنطقة على ساحل البحر الأحمر.

٧٦

الدكتور زغلول النجار :

وقد يكون أيضا فى مناطق أخري ، قريبة من البحر ، حتى لا نستخدم ماء عذبا.

الأستاذ أحمد فراج :

هل يمكن أن يخرج من البحر ماء عذب يستخدم فى الزراعة أيضا؟

الدكتور زغلول النجار :

طبعا فرح السعوديون ، للحصول على الماء العذب أكثر من الكهرباء ؛ لأنه يولد كمية هائلة من الماء العذب بتكلفة زهيدة ، فاهتمامهم بالماء العذب يفوق بكثير اهتمامهم بالكهرباء.

الأستاذ أحمد فراج :

أنا سرحت معك فى المشروع ؛ لأنه مغر جدا ويمكن أن يكون بداية فى الإعجاز العلمى فيما تناولناه من حديث عن طاقة الشمس التى تعطى للشمس الحرارة الأرضية. وكيف أن وسيلتها هو الآية التى ذكرناها (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) و (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ، أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ).

سيدى الكريم. سوف نرجع مرة أخرى لموضوع آخر من موضوعات الإعجاز العلمى فى القرآن ، حضرتك حينما كلمتنا فى حلقات سابقة عن الجبال ، قلت لنا إن الجبال قمتها لا تتعدى ٣ مليمتر إلى نصف سنتيمتر فى الصورة ، وقلت إنها فى الحقيقة يمكن أن تكون قمة جبل الهمالايا أو أفرست أو الألب. وباقى الجبل مسافة طويلة جدا فى باطن الأرض.

وشرحت لنا هذا الموضوع ، الجبال كأوتاد.

الدكتور زغلول النجار :

ليس أنا الذى شرحت ، وإنما هو رب العالمين.

٧٧

يعنى أن كل مرتفع على سطح الأرض ، له امتداد داخل القشرة الأرضية يتراوح من ١٠ : ١٥ ضعف بروز الارتفاع فوق سطح الأرض ، ولا أجد كلمة تعبر عن هذا الشكل للارتفاع الخارجى والامتداد الداخلى والوظيفة أفضل من كلمة «أوتاد» ولذلك يقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (٦) وَالْجِبالَ أَوْتاداً) [النبأ : ٦ ـ ٧]

وكافة قواميس اللغة ودوائر المعارف إلى ١٩٩٢ م ، تصف الجبال بأنها نتوءات فوق سطح الأرض ، واختلفوا فى ارتفاعها.

بعضهم قال : إنها يكون ارتفاعها أكثر من ٣١٠ م ، وبعضهم قال لا بدّ أن تكون ضعف هذا الرقم ، ثم اتفقوا على أن هذا وصف نسبى ، فإذا كنا فى منطقة سهلة التضاريس ٣١٠ تكفى أن توصف بأنها جبل.

وإذا كنا فى منطقة معقدة التضاريس ٣١٠ لا تصلح أن تكون جبلا ، فقالوا لا بدّ أن يكون أكثر من ٦٢٠ م ، ودون الجبل التل ودون التل الهضبة ودون الهضبة السهل.

الأستاذ أحمد فراج :

فما هى أعلى قمة جبل؟

الدكتور زغلول النجار :

أعلى قمة هى قمة جبل إفرست حوالى ٩ كم فوق سطح البحر تقريبا ، ٨٨٤٨ م فوق سطح البحر ، ولها امتداد داخل القشرة يزيد على ١٣٥ كم ـ ولا نجد كلمة أبلغ ولا أبدع فى وصفها من كلمة أوتاد.

الأستاذ أحمد فراج :

سيدى الكريم حينما نتكلم عن الجبال بهذه الطريقة يأتى إلى فكرى الآية الكريمة التى تتحدث عن نسف الجبال.

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً) [طه : ١٠٥]

٧٨

ما الذى ينسف الجبل ، هل يكون من فوق الجبل أم من أسفل؟

الدكتور زغلول النجار :

ينسف كله. ينسف الجبل كله. لأن الجبل حقيقة يتكون من مادة مغايرة للصخور المحيطة. الجبل يرتفع بنظرية الطفو ، تماما كما يطفو الجبل الجليدى فى الماء فى البحار والمحيطات ، فالجبل يطفو بوتده فى مادة عالية الكثافة ، المادة الحمراء هذه هى نطاق الضعف الأرضى الذى تنصهر فيه الصخور أو تكون شبه منصهرة ، لزجة ، أو ذات كثافة عالية اللزوجة ، فالجبل يطفو فيها بحكم أن كثافته تكون أقل كثافة من هذه المادة ، وتحكم الجبال قوانين الطفو ، فإذا أكلت عوامل التعرية من رأسه أو قمته ، يرتفع الجبل إلى أعلى ويظل يرتفع باستمرار حتى ينسحب هذا الوتد من الطبقة شبه المنصهرة هذه فيموت الجبل. وتبقى عوامل التعرية تأكله.

الأستاذ أحمد فراج :

يعنى كيف يموت الجبل؟

الدكتور زغلول النجار :

يقف عن الحركة تماما ؛ لأن كل الجبال تتحرك.

الأستاذ أحمد فراج :

يعنى الوتد هذا من تحت يتحرك ؛ لأن المنطقة هذه شبه منصهرة أو منصهرة.

الدكتور زغلول النجار :

نعم تماما مثل الجبل الجليدي ، فى الماء ، فلو أن أشعة الشمس صهرت جزءا من قمته يرتفع بنظرية الاتزان والطفو.

فالجبل متحرك ، نحن نراه كأنه ثابت وفى الحقيقة هو متحرك.

٧٩

الأستاذ أحمد فراج :

يعنى هذه هى الآية الثانية (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) [النمل : ٨٨]. إذا هو يفسر الآية.

الدكتور زغلول النجار :

لا. هذا يشير إلى دوران الأرض حول محور الشمس.

لأن الجبال جزء من الأرض ، فإذا مرت الجبال مر السحاب ، فكأن الأرض تدور والسحب تدور بسرعة الأرض تقريبا ، إلا إذا حركتها الرياح.

هذا الغلاف الغازى مرتبط بالأرض بالجاذبية الأرضية ، فإذا دار يدور مع الأرض. والسحب جزء من هذا.

فالآيات كلها تشير إلى دوران الأرض ، جاءت كلها فى صياغة ضمنية لا تفجع العرب فى وقت نزول القرآن.

فكل الآيات التى تشير إلى حركة الأرض إلى حركة الشمس إلى حركة أجرام السماء تأتى فى صياغة رقيقة لطيفة ، لا تفزع العقل البدوى فى وقت نزول القرآن الكريم.

الأستاذ أحمد فراج :

الحقيقة. أنه لا يفزع ، ولكن لا يؤمن [العقل البدوى منذ أربعة عشر قرنا] يعنى إذا قلت له الأرض تدور ، سيسأل كيف ذلك وأنا واقف عليها. فكون القرآن يلفت نظر الناس لمستوى ما عندهم من علم مثل (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) [المدثر : ٣٣] كل ذلك يحدث نتيجة حركة.

الدكتور زغلول النجار :

تبادل الليل والنهار ، ومد الظل وقبضه ، كل ذلك لا يحدث إلا بدوران الأرض.

٨٠