من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - ج ٢

الدكتور زغلول النجار

من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

الدكتور زغلول النجار


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الشروق الدولية
الطبعة: ٣
الصفحات: ٨٣

من ضمن هذه الإشارات الإشارة إلى البحار. (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً) [الفرقان : ٥٣] الإشارة هنا إلى تدفق النهر إلى البحر ، ماء النهر عذب وماء البحر مالح ، والماء هو أعظم مذيب يعرفه الإنسان. هذا الماء الذى يذيب أكثر المواد الصلبة جعل له ربنا صفة خاصة أنه يختلط ولا يمتزج امتزاجا كاملا.

الأستاذ أحمد فراج :

بأى شىء يختلط؟

الدكتور زغلول النجار :

يختلط ببعضه ، لكنه لا يمتزج امتزاجا كاملا ، حينما يندفع النهر إلى البحر ، حينما يندفع نهر النيل عبر الدلتا إلى البحر الأبيض المتوسط ، نجد عند الدلتا ماء له صفات وسطية ، ماء قليل الملوحة.

الأستاذ أحمد فراج :

مثلا عند خروجه من فرع دمياط أورشيد.

الدكتور زغلول النجار :

أمام الفرعين مباشرة نجد أن هذا الماء ليس ماء البحر لكنه ماء يسميه العلماء ماء مويلحا ، ماء قليل الملوحة ، وهذا الماء قليل الملوحة يتحرك مسافة كبيرة فى البحر ، هذا الماء متوسط الملوحة أو قليل الملوحة يعمل كحاجز حقيقى ، يفصل بين الماء العذب من جهة والماء المالح من جهة أخرى.

وكل وسط من هذه الأوساط له صفاته الطبيعية والكيميائية الخاصة ، وله أنماط الحياة التى تحيا فيه ، وله أنواع الروسبيات التى تترسب فيه ، والكائنات لا تتحرك من منطقة إلى أخرى ، ولذلك يقول (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً) ، لا يستطيع الكائن الحى أن ينتقل ، ولو انتقل يموت ، حين ينتقل من ماء عذب إلى ماء مالح يموت ، ولكن بفطرته لا ينتقل من مائه فهو محجور.

٢١

لذلك نجد الماء العذب له كائناته الخاصة به ، والماء المويلح له كائناته الخاصة به ، والماء المالح له كائناته الخاصة به ، وكل وسط من هذه الأوسط له نمط معين من الروسبيات يترسب فيه ، يميزه تماما.

ومن الأمور العجيبة ، يقول العلماء : إنه حتى بعد أن تتيبس هذه الروسبيات وتصبح صخورا ، إذا أخذنا منها عينة ووضعناها فى ماء مقطر وقسنا درجة ملوحتها ، ممكن أن تقول إنها من ماء عذب ، أو ماء مالح ، أو ماء متوسط الملوحة. نعم تحتفظ بهذه الخاصية.

فيمن الله ـ تبارك وتعالى ـ علينا فى آية سورة الفرقان ، أن ماء الأنهار حين يمتزج بالبحار لا يمتزج بها امتزاجا كاملا ؛ لتكون مياه لها طبيعة وسطية بين المائيين ، ومن الغريب أيضا أن الماء العذب حين يندفع نحو البحر يطفو فوق سطح الماء المالح ؛ لأن الماء العذب أقل كثافة من الماء المالح ، ويظل ماء مفصولا.

لذلك جاء اسم البحرين ؛ لأن هناك عيونا من الماء العذب تندفع إلى وسط الخليج العربى ، ويبقى الماء العذب طافيا على الماء المالح لا يمتزج به امتزاجا كاملا ، وهذه من خواص الماء الفريدة ، جعلها الله ـ سبحانه وتعالى ـ للماء ، حتى تتعدد البيئات وتتوافر لمختلف الكائنات.

الأستاذ أحمد فراج :

(مرج) خلط. مرج البحرين ، يعنى لا يوجد بينهما إلا الطبقة المتوسطة الملوحة ، لكن هناك حجر محجور.

الدكتور زغلول النجار :

(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [الرحمن : ١٩ ـ ٢٢] ، اللؤلؤ يحيا فى الماء العذب والماء المالح ، والمرجان لا يحيا إلا فى الماء المالح.

٢٢

وهذه الآية وقف أمامها المفسرون طويلا.

بعد إمكانية التصوير من الفضاء لمياه البحار عن طريق الأقمار الصناعية بمركبة الفضاء وعن طريق الطائرات ، فوجدوا أن الماء فى البحر الواحد مختلف ، بقعا متجاورة مع بعضها ذات مساحات كبيرة من الماء ، ولكن عند ما أخذوا هذه المياه وقاموا بتحليلها وجدوا أن لها صفات طبيعية مختلفة وكائنات كيميائية مختلفة وأنماط حياة مختلفة وأنواع روسبيات مختلفة ، فهى بقع متجاورة مع بعضها البعض ولكن لا تختلط ولا تمتزج امتزاجا كاملا أبدا. كل بيئة لها أنماط لحياة ، توفر بيئات متعددة للكائنات. كيف يتجاور الماء دون أن يختلط اختلاطا كاملا؟ نجد أن الماء به كم من الأملاح تتأين ، والتأين هو تفكك الجزئيات إلى مكوناتها إلى ذراتها الحاملة للشحنات إما موجبة أو سالبة ، تقف الشحنات هذه على حواف قدر من الماء للتنافر مع شحنات متشابهة من الماء المجاور ، وتجعل من هذا الحاجز الذى لا يرى ، مانعا حقيقيّا يحول دون اختلاط الماء أو امتزاجه امتزاجا كاملا ، وتجعل البيئة مغلقة على ما فيها من أنماط الحياة وما يترسب بها من روسبيات ، بل إن العلماء وجدوا أن مياه البحار تتمايز رأسيّا أيضا ليس أفقيّا فقط.

الأستاذ أحمد فراج :

هذا مثل الآية الثانية (جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً).

الدكتور زغلول النجار :

نعم.

الأستاذ أحمد فراج :

وجعل بين البحرين حاجزا ، يعنى أن الماء المتجاور يختلف كأن هناك حاجزا فعلا.

الدكتور زغلول النجار :

نعم. فإذا أخذنا قليلا من الماء عند خط الاستواء ، وجدنا فيه كل المياه الموائمة للمناطق

٢٣

المناخية المختلفة ، فنجد ماء استوائيا ، تحت منه ماء معتدل ، تحت منه ماء بارد تحت منه ماء منطقة قطبية.

فالماء يتمايز أفقيا ورأسيا حتى تتعدد البيئات وتتنوع فيها الكائنات ، وهى من آيات الخالق التى لم يدركها الخلق إلا منذ سنوات قليلة ، وكان ممن أدرك هذه الحقيقة عالم البحار العالم الفرنسى الذى لاحظ هذه الحقيقة عند باب المندب ، هزته حقيقة من الأعماق عند ما علم أن القرآن يشير إلى هذه الحقيقة.

وهى آية من الآيات ؛ لأن الماء أعظم مذيب على سطح الأرض ، يلتقى مع بعضه ، ولكن لا يختلط اختلاطا كاملا.

الأستاذ أحمد فراج :

أستاذى الجليل زغلول النجار ، ونحن بين يدى هذه الموسوعة الإيمانية العلمية العظيمة التى تحمل اسم د. زغلول النجار ، لا نريد أن ننهى اللقاء حتى لو انتهينا من الحلقة ، وسنظل مدينين لك ، وسنظل جميعا على شوق وعلى وعد منكم بلقاء آخر موصول. إن شاء الله.

فى ختام هذه الدقائق التى مرت بسرعة ، والمليئة بالعلم والإيمان. نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأنه الذى يبقى دائما قائما بالدعوة إلى الله والإعجاز القرآنى العظيم فى كل عصر.

شكرا سيدى.

ونلتقى معكم سيداتى سادتى على خير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الدكتور زغلول النجار :

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا.

* * *

٢٤

بسم الله الرحمن الرحيم

(٢)

تسخير البحر والفلك ـ السماوات والأرض

الماء أصل الحياة لكل الكون ـ وأنزلنا من السماء ماء طهورا

تقديم الأستاذ أحمد فراج :

سيداتى وسادتى : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كنا على وعد بلقاء معا ، وأوفى بوعده الأستاذ الدكتور زغلول النجار ولا أريد أن أطيل فى مقدمات ؛ لأنى أعلم أن كل دقيقة من البرنامج ، يريد الناس أن يسمعوا فيها الدكتور زغلول النجار ، وأنا أتنازل عن تقديم الموضوع ، وأما الدكتور زغلول النجار فلا يحتاج إلى تقديم.

فى الحلقة السابقة تكلمنا عن الطواف الذى يشمل كل ما فى الكون من الذرة إلى المجرة ، تكلمنا عن الظلمات والنور ، تكلمنا عن البحار ، تكلمنا عن الآثار وعن فضل الله ونعمته علينا بتسخير البحار وما فى البحار من نعم ، وتكلمنا عن الحياة وكيف أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قال : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [الأنبياء : ٣٠] وقال (اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الجاثية : ١٢] ، (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) [إبراهيم : ٣٢].

مرة تكلم القرآن عن تسخير البحر ومرة عن تسخير الفلك.

فهل هناك شىء أو إعجاز معين؟

الدكتور زغلول النجار :

حقيقة إن البحر آية من آيات الله فى الخلق ، من الآيات المبهرة.

٢٥

إذا قارنا توزيع الماء واليابس على سطح الكرة الأرضية ، نجد أن الماء حوالى ٧١ خ من مساحة الكرة الأرضية ومساحة اليابس ٢٩ خ ، وإذا قارنا نسبة المواد الصلبة والماء فى جسم الإنسان نجد نفس النسبة ، ونفس نسبة توزيع الأملاح إلى الماء فى جسم الإنسان.

البحار هى أمر ينطق لله بطلاقة القدرة ؛ لأن البحار هى وسيلة من وسائل تنقية المياه بطريقة دورية ، فمياه الأمطار تمر على اليابسة ، تذيب ما تذيب من أملاح ، تحمل ما تحمل من قاذورات وتنتهى إلى البحر ، فتقوم أشعة الشمس بتبخير هذا الماء وصعود الأبخرة إلى طبقات الغلاف الغازى الدنيا ، ونجد أن الله ـ تعالى ـ قد هيأ لها انخفاضا فى درجة الحرارة ، يؤدى إلى تكثيف الماء ، الذى يعود بقدر الله إلى الأرض مطرا ، ولو لا هذه الدورة لأسن ماء الأرض منذ اللحظة الأولى لخلقه ، وفسد ، وما استقامت الحياة على الإطلاق على سطح الأرض ، فالدورة هى تنقية للماء ، فالبحر مسخر لخدمة الإنسان ، ولذلك فإن البحر هو نعمة للإنسان ، البحر يعين على تنقية الجو وعلى تحرك الرياح وعلى إنزال الأمطار ، وعلى أمور كثيرة للإنسان ، أمواج البحر تكسر الصخور وتكون روسبيات يتكون من خلالها كم هائل من الثروات المعدنية التى تتجمع على شواطئ البحار ، هذا من قبيل التسخير.

أما عن استخدام البحر كوسيلة من وسائل التنقل (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) [الرحمن : ٣٤](إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ) [الشورى : ٣٣].

الأستاذ أحمد فراج :

ونحن نتكلم عن امتنان الله ـ سبحانه وتعالى ـ على الناس بالبحر ، (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [فاطر : ١٢].

يمن عليهم بالمراكب؟ المناطق التى يكون فيها شتاء وبرد تتجمد المياه فيها ، هذا

٢٦

التجمد نعلم أنه لا يصيب إلا الطبقة السطحية من البحر.

الدكتور زغلول النجار :

وإذا حدث ذلك التجمد ـ من السطح للقاع ـ لقضى على الحياة تماما.

الأستاذ أحمد فراج :

فما رأيك؟

الدكتور زغلول النجار :

الماء هو السائل الوحيد الذى تقل كثافته عند ما يتجمد ، أى مادة بخلاف الماء ، وهى فى الحالة السائلة تكون أقل كثافة عن حالتها فى التجمد ، يعنى لو عندى حديد وصهرته ، فكثافة الحديد السائل أقل من كثافته وهو فى الحالة المتجمدة ، يعنى أى مادة من المواد كثافتها السائلة أقل من كثافتها عند التجمد ، الماء هو المادة الوحيدة التى عند ما تتجمد تقل كثافتها ، وذلك لحكمة ربنا ـ تبارك وتعالى ـ لأن الماء إذا تجمد يطفو على السطح ويبقى الماء دونه دافئا فلا يقضى على الحياة فى أسفل السطح.

فلو أن الماء مثله كمثل السوائل الباقية ، إذا تجمد تزداد كثافته ، فإنه يتجمد من أعلى إلى أسفل ، من السطح إلى القاع مما يقضى على الحياة وعلى الحركة.

الأستاذ أحمد فراج :

يبقى أن الله يستثنى الماء من القوانين ويجعل للماء قانونا خاصا به. ومن منطلق هذا القانون يمن الله علينا أن سخر البحر ، وجعل فيه اللحم الطرى ، والمراكب ، وجعل فيه الزينة.

الدكتور زغلول النجار :

عملية تكوين لحم الأسماك والحيوانات البحرية هى آية من آيات الله ـ سبحانه وتعالى ـ فكيف يتكون هذا اللحم من ماء البحر ، فأى قدرة جعلت من هذه الخلية البسيطة الرقيقة المتناهية الصغر ـ بيضة السمك ـ جعل لها القدرة حين تلقح وتكون

٢٧

سمكة صغيرة ، أن تمتص من مياه البحر ، أى لها القدرة على الامتصاص ، تكون وتبنى ما بها من لحوم لكى تكون لحوما شهية ، تلك التى يمن الله ـ تبارك وتعالى ـ بها علينا.

والعلم يقول إن لحوم الحيوانات البحرية هى أقل ضررا من اللحوم الأخرى.

لكن حين ينظر الإنسان ، أى قدرة أعطيت لهذا الكائن المتناهى فى الصغر ، يستخرج من ماء البحر على ضآلة ما فيه من مكونات ، هذا اللحم الشهى اللذيذ الطيب الذى نأكله.

والله هى من أعظم دلائل طلاقة القدرة الإلهية وإبداع الله فى صنعه وإتقانه فى خلقه.

العلماء أدركوا أن بعض الكائنات الدقيقة التى تحيا فى هذه البحار لها القدرة على اختيار معادن خاصة تبنى بها هيكلها وتختارها ، فهو اختيار يعجز الإنسان أحيانا عن تحقيقه ، فهو يبنى صدفة مثلا من معدن معين ، بعضها من شكل بلورى معين.

فمن الذى علمه ذلك؟! وأى قدرة أعطته هذه الفطنة على الاختيار ، وكل هذا كلام يشهد لله ـ سبحانه وتعالى ـ.

الأستاذ أحمد فراج :

هل ينفع كلام الملحدين أن هذا من الطبيعة؟

الدكتور زغلول النجار :

حتى لو سألنا هؤلاء الملحدين ما هى الطبيعة؟ فهل هى المناخ الجميل والنسيم العليل وكل هذه الأشياء ، هل هذه هى الطبيعة؟ هل هى مجموعة القوانين فى الكون؟ ولو كانت القوانين فمن واضعها؟ هل هناك قانون يصنع نفسه بنفسه؟ لا بدّ له من واضع.

ولذلك هم يهربون من الاعتراف بالله وكلما ضاقت عليهم الدائرة وبدءوا

٢٨

يعرفون بأن هناك خالقا عظيما قادرا. داروين يقول : إن الطبيعة تخلق ، ولا حدود لقدرتها على الخلق. يريد أن يهرب من ذكر الله ـ سبحانه وتعالى ـ.

الأستاذ أحمد فراج :

لكن بعض العلماء فى مجالات أخرى ، توصلوا لمثل ما توصلت إليه.

الدكتور زغلول النجار :

نقول أيضا إن العلم فى معطياته الكلية الآن ، يجد كثيرا من المحايدين من العلماء ، بل الذين يعترفون بأن هذا الكون لا يمكن أن يكون قد أوجد نفسه بنفسه لا بد أن يكون له موجد عظيم ، ولا يمكن أن يكون وجد بمحض الصدفة ؛ لأن الصدفة لا تبدع هذا الكون العظيم.

الأستاذ أحمد فراج :

لكن نرجع إلى أن الماء إذا تجمد ، يطفو فوق السطح ، وتبقى الحياة تحته وتعيش هذه الحيوانات واللحم الطرى والحلى ، وتستطيع السفن كما نرى أن تخترق الجليد وتسير.

حضرتك بدأت تتكلم عن موضوع مهم جدا فى [سورة الرحمن : ٢٤].

(وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) وفى آية أخرى (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [الشورى : ٣٣] المراكب الشراعية فى الأنهار والبحار ، إذا توقف الريح تقف تقريبا. أم تمتد الآية لبعض المراكب الأخرى أيضا؟

الدكتور زغلول النجار :

بعض الناس يقولون : إن هذه المراكب التى تسير بالموتورات العملاقة بالفحم أو بالبترول أو غيره ، ما الذى يوقفها إذا توقفت الريح؟

٢٩

ويأتى الجواب الصريح الساطع ، بأن كل جهاز احتراق ، إذا انعدم الريح توقف طبعا ، فالأوكسجين الذى يوجد فى الهواء والرياح ، إذا توقف هذا الأوكسيجين توقفت الحركة.

ليس فقط المراكب الشرعية ، ولكن كافة أنواع المراكب التى تستخدم كافة أنواع الوقود وتتحرك بالمراجل البخارية باستخدام الفحم أو النفط ، حتى الوقود النووي ، إذا انعدم الريح تتوقف الحركة تماما ، لأن وسيلتها فى الاحتراق غاز الأوكسيجين الموجود فى الجو.

الأستاذ أحمد فراج :

(إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) أظن لو غير المسلم سمع ذلك وفهمه لقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم). الذى يلفتنا فى هذا الموضوع أيضا ، ويمكن حضرتك قلتها ضمنا ، (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) ، تصورنا البشرى أن يمن على الناس أن يحملكم ، يعنى وآية لكم أنا حملناكم ، هل الذرية تشير (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ). إلى شىء؟

ولما ذا ذريتهم؟ لم يقل أنا حملناكم أو عائلتكم أو أسركم ، إنما حملنا ذريتهم فى الفلك المشحون؟

الدكتور زغلول النجار :

نعم ، منذ شهور قليلة (٢٦ / ٦ / ٢٠٠٠) أتم الإنسان قراءة الشفرة الوراثية للإنسان ، وهى أمر معقد للغاية ، وأبدع ما فى هذه الشفرة الوراثية أن ما بها من كروموسومات تتكون من الحمض النووى ، والحمض النووى مركب مبهر فى تعقيده ، تبلغ عدد المركبات الكيميائية فى جزئ الحمض النووى ٦ ، ١٨ بليون قاعدة كيميائية ، لو اختل وضع واحدة منها لانهار هذا النظام وتشوه تشوها عظيما ، هذا الحمض النووى أعطاه الله القدرة على الانقسام بطريقة ذاتية ، ويكرر نفسه باستمرار ، ومن آيات الله فى الخلق أن الكائنات التى تتكاثر بالتزاوج ، مثل الإنسان

٣٠

(الله تعالى جعل فى كل خلية من جسد هذه الكائنات عددا محددا من الصبغيات) جعل الله للإنسان (٤٦ كروموسوما «صبغيّا» فى ٢٣ زوج من الأزواج) كل خلايا جسد الإنسان فيما عدا بعض الخلايا القليلة ـ خلايا الدم الحمراء ـ تحمل كروموسومات ، وكل خلية تحمل هذا العدد المحدد ، وهو عدد محدد النوع لا يختل ولا يتوقف ولا يتعطل ، إلا الخلايا التناسلية ، تحمل نصف العدد ، وحين تتحد البويضة مع الحيوان المنوى يكتمل العدد ؛ لأن كلا منها يحتوى على نصف العدد من الصبغيات ، هذه الطريقة فى التكاثر جعلت الذرية تأتى على قدر من الاختلاف مع الوالدين وقدر من التشابه أيضا ، هذه الطريقة أثبتت للعلماء أن أبا البشر سيدنا آدم ـ عليه‌السلام ـ والسيدة حواء ـ عليها‌السلام ـ ، كانا يحملان فى أصلابهما كل البشرية التى عاشت والتى ماتت والتى تعيش حاليا والتى ستاتى فى المستقبل ، فالذرية تحمل فى الشفرة الوراثية للإنسان ، بكل صفاتها وبكل أبعادها ، فكل الخلق الموجودين حاليا والذين سيأتون فى المستقبل والذين عاشوا على الأرض عبر الزمن وعبر آلاف مؤلفة من السنين ، هم من صلب أبينا آدم على هيئة شفرة وراثية موجودة وصلبة (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) تلك الأعداد القليلة التى حملت على المركب ، كانت فى أصلابها كل الشفرات الوراثية لكل الأبناء والبنات والأنسال التى جاءت من بعد نوح ـ عليه‌السلام ـ والذين كانوا على هذا المركب.

الأستاذ أحمد فراج :

وفى نفس الوقت الآية فيها معنى مستقبلى ، عند ما نزل القرآن أعتقد أنه لم تكن هناك مراكب بحجم المراكب الحالية ، فلما يقول (ذريتهم) فإنه يتكلم عن مستقبل ، (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) توحى بالضخامة ، (كلمة الأعلام) يقال إنها تشير إلى الجبال.

الدكتور زغلول النجار :

هى آية مستقبلية ورؤية مستقبلية ، وهو علم إحاطة من الله ـ سبحانه وتعالى ـ بأنه سيتمكن الناس من بناء هذه المراكب الكبيرة التى ستحمل عددا كبيرا من الناس ومن البضائع.

٣١

الأستاذ أحمد فراج :

وطبعا الإشارة إلى المنشآت والأعلام إشارة إلى ما سيحدث فى المستقبل ، وحضرتك قلت : إن القرآن تكلم عن أن الأرض تدور ، لم يذكر ذلك بصريح العبارة ، يمكن لم يكن يدخل أحد [فى وقت نزول الإسلام] ؛ لأنهم لا يدورون على الأرض فهم ثابتون ، لكن بدأ يلفتهم إلى الحركة فى الكون بالليل (اللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) ، مد الظل. فعند ما توجد حقيقة علمية يقينية مذكورة فى القرآن ، فهذا دليل على أن خالق هذه الحقيقة العلمية هو منزل الكتاب على قلب محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم).

سيدى الكريم تكلمنا كثيرا عن تسخير البحر ، وتكلمنا عن تجمد المياه والاستثناء العجيب للماء ، وتكلمنا عن كيف إذا تجمد السطح ظل الباقى فى حالة السيولة حتى القاع ويبقى الحيوان فيها حى وتستطيع السفن أن تسير فيها.

الدكتور زغلول النجار :

لمحة أخرى إذا سمحت لى. شكل جبل الجليد وهو يطفو فوق سطح البحر وأغلبه غائض فى الماء وأقله طافيا فوق سطح الماء مثله بعينه شكل الجبال على سطح اليابس ، لأن كل جبل على سطح اليابسة له امتداد فى الأرض يفوق ارتفاعه فوق السطح من ١٠ إلى ١٥ مرة.

الأستاذ أحمد فراج :

حضرتك كنت جئت بصورة لذلك ، نستأذن سيادتك أن نضعها مرة ثانية ، حضرتك قلت : إن هذه القمة الصغيرة على سطح اليابس هى قمة جبل أفرست والباقى تحت سطح الأرض بعمق ضخم جدا.

(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء : ٣٠] فى رأى حضرتك! ما الذى تراه فى هذه الآية من إعجاز؟

٣٢

الدكتور زغلول النجار :

هذه الومضات القرآنية المبهرة حقيقة ، يعجز الإنسان أن يعبر عن كافة دلالاتها ، هذه الآية قد يكتب الإنسان فيها مجلدات ، يثبت العلم الآن أن كافة أجساد الكائنات الحية ماء ، الإنسان مثلا ٧١ خ من جسمه ماء ، ولذلك أحد العلماء المتفلسفين قليلا ، قال لما ذا يستعلى الإنسان ، كل الذى فى جسده قربتين من الماء وكمية من الجير لا تكفى لطلاء حائط واحد وكمية من الفوسفور لا تكفى لعمل رأس عود كبريت وكمية من الحديد لا تصنع غير مسمار واحد ، على هذا ما هو الإنسان؟

الأستاذ أحمد فراج :

هذا فيلسوف ساخر ، ولكن فيه معانى جميلة ، وفى هذا الكلام يقول الشاعر :

لا تحسب أنك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

الدكتور زغلول النجار :

طبعا. الإنسان مخلوق مكرم لا شك فى ذلك ، القرآن قال ذلك ، والمجافين لله ـ سبحانه وتعالى ـ يقفون موقف الإنكار ، لما ذا يتكبر الإنسان وهو ليس فيه شىء يحتاج إلى هذا الكبر.

(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء : ٣٠].

من دلالات هذه الآية الكريمة المبهرة ، أن المكون الأكبر فى كافة أجساد الكائنات الحية التى نعرفها على سطح الأرض هو الماء. ليس هذا فقط ، أنا أعرف أن عالما إسلاميّا كتب كتابا من فترة ، ولقى فى بريطانيا رواجا كبيرا (صيحة جسدك من أجل الماء) هو أخ إيرانى من أصل إيرانى ولكنه بريطانى الجنسية : كثير من الأمراض والأعراض التى تبدو على الإنسان سببها الجفاف ، وإذا بدأت بعض الأنسجة

٣٣

بالشعور بالجفاف تظهر أعراض مرضية قد يخطئ الطبيب فى تشخيصها ، وعلاجها حقيقة هو فى شرب الماء. قد يقول الطبيب : علاجها بأخذ المواد الكيميائية ، والمواد الكيميائية لها أضرارها وآثارها الجانبية العديدة ، ولا تعالج هذه الحالة على الإطلاق ، يقول إن الإنسان الواحد لا بدّ وأن يشرب لترين من الماء فى اليوم على الأقل.

الأستاذ أحمد فراج :

يقول السليم والمريض يشرب لترين على الأقل.

الدكتور زغلول النجار :

نعم. كافة وظائف الجسم الحى تتوقف فى غيبة الماء ولا تنشط إلا بوجود الماء. فليس الماء هو مكون الجسد فقط ، بل إن النشاط الحيوى لهذه الأجساد سواء كانت نباتات أو حيوانات يتوقف على الماء ، لا يمكن أن تقوم بنشاطها الحيوى فى غيبة الماء ، فالماء ضرورة من ضروريات قيام الجسم الحى بوظائفه الحيوية ، فالماء هو أول مكان خلقت فيه الحياة ، ثابت علميا أن الخلق في البحار والمحيطات والأنهار سبقا لخلق على اليابسة بملايين السنين ، وأن الحياة ازدهرت فى البحار وكانت اليابسة خالية تماما من أنماط الحياة. هذه الآية القرآنية المبهرة التى تقول (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ). تعنى أن أجساد الكائنات الحية خلقت من ماء وأن الوظائف الحيوية لا تتم فى غيبة الماء ، وأن الحياة خلقت أصلا فى الماء ، ثم بعد ذلك فى اليابس. فهى آية دقيقة مبهرة محكمة تتحدث عن حقيقة كونية لم يعرفها العلماء إلا منذ سنوات قليلة.

الأستاذ أحمد فراج :

آية أخرى : إن الله خلق الأرض فى يومين وقدر فيها أقواتها. أظن أنها لا بدّ أن تكون مرتبطة بالماء.

٣٤

(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ). يمكن حضرتك قلت إن (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها) [النازعات : ٣٠ ـ ٣١] حضرتك أشرت إليها.

الدكتور زغلول النجار :

نعلم أن الأرض هى أغنى كوكب بالماء ، العلماء يسمونه «الكوكب الأزرق أو الكوكب المائى» لما به من كثرة الماء ، واحتار العلماء منذ قديم الأزل من أين جاء هذا الماء؟ وعرف مؤخرا أن هذا الماء استخرج من جوف الأرض. والقرآن يسبق ذلك بألف وأربعمائة سنة ، تقول الآية : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها).

الأستاذ أحمد فراج :

أرجو من حضرتك أن تكرر الجملة هذه. مرة ثانية.

الدكتور زغلول النجار :

العلماء قالوا إنه حينما حللنا الأبخرة والغازات المتصاعدة من فوهات البراكين ، وجدنا أن غالبيتها بخار الماء ، وأن الماء أكثر من ٧٠ خ. وأن بخار الماء هذا إذا حسبت كميته بمعدل الفوران فى السنة مضروب فى عمر الأرض فى كمية ما يخرج من كل بركان نجده رقما قريبا جدا من معدل الماء وهو ٧١ خ. نسبة الماء لمساحة الأرض ٧١ خ ونسبة الماء فى جسم الإنسان ٧١ خ ونسبة الماء فى الغازات المنطلقة من فوهات البراكين ٧١ خ.

الأستاذ أحمد فراج :

سبحان الله! حكمة وإرادة. أظن أن بعد ذلك لا أشير إلى الآية التى تقول (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) [النور : ٤٥]. لأنها واضحة. حينما يأتى القرآن يشبه فى (سورة البقرة) معانى ملفتة للنظر عن الذين قست قلوبهم ، (ثُمَ

٣٥

قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة : ٧٤].

الدكتور زغلول النجار :

هو مثل ما أشرنا فى الآيات السابقة أن الآيات التى تأتى فى صياغ التشبيه. تأتى فى صياغة علمية محكمة.

الأستاذ أحمد فراج :

(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).

هنا الماء داخل فى منظومتين أو تشبيهين.

الدكتور زغلول النجار :

طبعا الانفجار يحدث نتيجة الفورانات البركانية أو الثورات البركانية ، حين تنفجر الأرض ويخرج بخار الماء.

والتشقق يحدث نتيجة تصدع الأرض ، يعنى يحدث صدع ، والصدع هو عبارة عن نقل طبقة حاملة لبخار الماء بالقرب من السطح لطبقة غير حاملة للماء وهكذا تتكون العيون ، وبذلك هناك ماء ينتج نتيجة انفجار الأرض وماء نتيجة تصدع الأرض.

الأستاذ أحمد فراج :

القرآن فى سورة الواقعة أيضا يتكلم عن المياه (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْلا

٣٦

تَشْكُرُونَ) [الواقعة : ٦٨ ، ٦٩ ، ٧٠]. أنا أقف أمام هذه الآية فى حيرة ، يعنى الآية تقول : (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ) وكان من الممكن أن يكون الماء مالحا (أجاجا) يعنى شديد الملوحة.

الدكتور زغلول النجار :

أولا. العلم الآن فى قمة من قممه. لكن لا يستطيع أن يقول كيف ينزل ماء المطر؟ وضعت نظريات كثيرة لكن لا يستطيع أحد أن يجزم كيف ينزل ماء المطر. هناك من يقول إلى يومنا هذا لا نستطيع أن نحسم حقيقة كيفية نزول المطر.

وحاول العلماء أن ينزلوا أمطار صناعية. يعنى يقولون لو وجدنا غمامة تحمل بخار الماء ولقحناها ببعض المواد الكيميائية مثل أملاح الفضة تعين على إسقاط المطر ، وأذكر أن دولة عربية أتوا بخبراء أمريكان فى تلقيح هذه السحب ، فأمطرت على بعد آلاف الكيلومترات من هذه السحب ، وذلك يدل على أن تلك المحاولات قد باءت بالفشل. وهذا يدل على أن الله هو صانع المطر ومنزله ، فالرزق منه هو.

كان الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) عائدا من رحلة من مكة إلى المدينة فقام لصلاة الفجر ومن معه من الصحابة. فقال : «أصبح اليوم مؤمن وكافر» فانزعج الصحابة.

فقالوا جميعا : صحابتك يا رسول الله. فنظروا حولهم فظنوا أن الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يتحدث عن شىء حولهم. فقالوا : من منا مؤمن وكافر يا رسول الله؟

قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : «من قال أمطرنا بنوء كذا فهو كافر ، ومن قال أمطرنا بنعمة الله وفضله فهو من المؤمنين ، فالمطر نعمة من الله لا يمطره إلا الله (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) [الحجر : ٢١]. حتى إنزال المطر ، الآية تتحدى هنا (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ) [الواقعة : ٦٩].

الأستاذ أحمد فراج :

المزن ما هى؟

٣٧

الدكتور زغلول النجار :

المزن هى الغمامة الكثيفة المحملة ببخار الماء.

الأستاذ أحمد فراج :

وقد تكون عقيمة.

الدكتور زغلول النجار :

طبعا لا تنزل الماء. (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ).

الأستاذ أحمد فراج :

الله يمن علينا بالمطر بالمياه العذبة الحلوة. والناس يعلمون أن الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) كان يستقبل المطر في كفيه. فكان يقول : «هذه حديثة العهد بربها». فكيف يقول نشاء (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ).

الدكتور زغلول النجار :

الماء بعد ما أخرج من باطن الأرض عن طريق فوهات البراكين ، بدأ ينزل مطر فملأ قيعان البحار والمحيطات ، وبدأت دورة المياه ، فأشعة الشمس تبخر المياه على سطح البحار والمحيطات ، ويتصاعد هذا البخار. يجد البخار أن الله ـ تعالى ـ جعل له طبقة باردة فى الجزء السفلى من نطاق المناخ الذى نعيش فيه ، فيتكثف هذا الماء على هيئة سحب وتتفاعل مع بعضها البعض الشحنات الكهربية بعضها موجبة وبعضها سالبة كما تقول بعض النظريات ، فينزل على هيئة أمطار. فهذه هى دورة المياه ولو لا هذه الدورة لفسد ماء الأرض ... منذ اللحظة الأولى من الحياة ومن نزول المياه. فهى معجزة وتتم بإحكام شديد ، البخر من أسطح البحار والمحيطات يزيد على ما يسقط عليها من مطر ، والبخر من أسطح اليابسة أقل مما يسقط عليها من مطر ، والذى يزيد عن حاجة اليابسة يفيض فى البخار من جديد ، وهو يساوى الفرق تماما بين البخر على البحر وما ينزل من مطر ، والبخر على اليابسة وما ينزل من مطر. حتى تظل هذه الدورة دليلا على طلاقة القدرة وعلى بديع الصنعة.

٣٨

عملية البخر هذه هى حينما ينزل الماء على اليابسة يذيب ما بها من أملاح ، وهذه الأملاح تنزل إلى البحار.

الأستاذ أحمد فراج :

لكن هذا الماء ينزل عذبا.

الدكتور زغلول النجار :

والآية تقول. (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) [الفرقان : ٤٨] ليس عذبا فقط ، وإنما هو ماء طهور. البحار كان ماؤها عذبا ، وازدادت ملوحتها بهذه الدورة ، فيذيب أملاح اليابسة ؛ لتذهب إلى البحار والمحيطات. وتكرر هذه الدورة باستمرار ، زاد ملوحتها.

الأستاذ أحمد فراج :

عملية غسيل.

الدكتور زغلول النجار :

نعم. فهى عملية غسيل مستمرة. فالذى جعل للماء صفات خاصة ، جعل الماء غير قادر على أن يحمل معه شيئا من الأملاح فى عملية البخر.

الأستاذ أحمد فراج :

نقطة جميلة. يعنى البخار يصعد نقيا من الأملاح.

الدكتور زغلول :

نعم. الأملاح فى القاع. فهذه صفة خاصة للماء. الماء كان يمكن أن يحمل معه هذه الأملاح التى جاء بها من اليابسة (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ).

يعنى مالحا.

الأستاذ أحمد فراج :

يتبخر ويترك الملح أسفل ، ثم ينزل ماء عذبا.

٣٩

ما هى الأمطار الحمضية؟

الدكتور زغلول النجار :

الماء العذب حين يتحرك فى إطار الغلاف الغازى ، إذا كانت هناك ملوثات من زيادة ملحوظة من أول وثانى أكسيد الكربون وأكسيد النيتروجين أو المواد الملوثة فعند ما ينزل ماء المطر يذيبها مرة أخرى ، على هيئة ما يسمى بالأمطار الحمضية ؛ لأن أغلب هذه الأكاسيد حينما تذوب فى الماء تحول إلى أحماض ، تؤثر فى الأرض فى صخورها والكائنات الحية فى المبانى ، وفى الحقيقة يكون لها تأثيرات سلبية كثيرة. لذلك يمن علينا ربنا بالعملية الطبيعية الربانية الفطرية ، وهى البخر الناتج عن البحار والمحيطات واليابسة ، وعن طريق نتح النباتات وتنفس الكائنات ، فيصعد هذا البخار ويتكثف وينزل ماء طهورا.

فيلوثه الإفساد الذى يتركه الإنسان فى صفحة الغلاف الغازى للأرض.

الأستاذ أحمد فراج :

ملوثات. أى هناك فعل فاعل ، ولو لم يكن هناك فعل فاعل ، لنزل المطر طبيعيّا ماء طهورا. هل (الملح) الأجاج هى فقط مرتبطة بفعل الإنسان؟ يفسد فى البيئة ويلوثها؟ الشق الخاص بنا.

الدكتور زغلول النجار :

طبعا كل أمر فى الكون إذا ترك يتحرك بسنن الله ، فإنه يأتى منضبطا انضباطا يبهر الإنسان ، الذى يجعل هذه السنن أحيانا يعتريها شىء من الإضرار أو تصيب الإنسان بضرر ، هو الإفساد الذى يدخله الإنسان عليها (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم : ٤١] والأمور المبهرة للإنسان ، إذا زادت نسبةco ٢ (ثانى أكسيد الكربون) بطريقة طبيعية تمتصها مياه البحار.

٤٠