من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - ج ٢

الدكتور زغلول النجار

من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

الدكتور زغلول النجار


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الشروق الدولية
الطبعة: ٣
الصفحات: ٨٣

الأستاذ أحمد فراج :

نفترض أننا لم نلوث شيئا ، طبعا الآية تقول : (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ). فهى مسألة مرتبطة بمشيئته ، سنفترض أننا لم نلوث شيئا. يعنى ٢OC إذا زاد عن طريق فوهات البراكين يذوب فى مياه البحار والمحيطات ويترسب على هيئة كربونات الكالسيوم ، إذا أضر الإنسان بالبيئة وزادco ٢ ينزل المطر على هيئة أمطار حمضية. أى تصرف فطرى طبيعى فى الكون يضبط نفسه بنفسه ، وإذا فسد عن طريق الإنسان يظهر ضرره على الإنسان وعلى البيئة.

إذا ما يمن الله به علينا من إنزال المطر ماء طهورا ماء للشرب (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ). هذه هى فى الحالة الطبيعية.

يعنى أربع أخماس الهواء نيتروجين. هل المقصود استحالة أن يتحد مع المياه النازلة؟

الدكتور زغلول النجار :

أى خلل فى النظام الكونى يحدث بطريقة فطرية يضبط نفسه بطريقة فطرية.

أحيانا تزيد نسبة ٢OC فى الجو عن النسبة الفطرية. هذه الزيادة التى جاءت بمشيئة إلهية تنضبط بمشيئة إلهية. لكن الإفساد البشرى يضر ضررا كبيرا يظل فى الإنسان والحيوان والنبات. ويظل فى الجو أيضا.

الأستاذ أحمد فراج :

أيضا لو لا حكمته لاتحد مع أشياء يمكن أن يصبح بها أجاجا.

الدكتور زغلول النجار :

طبعا.

٤١

الأستاذ أحمد فراج :

سبحان الله. نعم الله لا تعد ولا تحصى (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم : ٣٤].

سيدى الجليل ، وأنا أتحدث بين يدى موسوعة علمية كبيرة اسمها الدكتور زغلول النجار أو عنوانها الدكتور زغلول النجار.

أطمع فى المزيد ، لكن لا أريد أن أشق عليك ، نحن طوفنا بدءا من الذرة إلى المجرة ، ثم تحدثنا عن الظلمة والظلمات فى الكون ثم البحار ، وكيف يكون الماء العذب الفرات والماء المالح ، وكيف يجعل ربنا حجرا محجورا بين هذه وتلك.

حتى فى مياه البحار هناك حاجز ، وتكلمنا فى هذا الموضوع فى نعمة الله ـ سبحانه وتعالى ـ على الإنسان فى كل الأمور ، والنعم التى لا تحصى ، ومن بين النعم التى لا تحصى هو الماء (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ). وتفضلت بشرحها وعن الماء الذى نشربه ، وكيف يمن الله علينا بالماء الطهور ، ولو شاء لجعله أجاجا فاسدا لا يشرب. فهذه بعض آيات الله ـ سبحانه وتعالى ـ وبعض نعمه علينا.

فنحن نقول إن هذا الإعجاز الذى ينطوى عليه القرآن هو جانب من الجوانب ، إن ربنا ـ سبحانه وتعالى ـ بهذا الكتاب يخاطب الإنسانية كلها ، العرب وغير العرب ، وغير العرب ونحن معهم نحتاج إلى ومضات تكشف عن طلاقة القدرة فى آيات الله ـ سبحانه وتعالى ـ تلزم كل إنسان صاحب عقل وإرادة حرة أن يدرك أن هذا الكون من خلق الله وهذا الإعجاز جزء من هذا الكتاب ، وهذه حقيقة وهذه حقيقة أخرى ، ولا يمكن أن تتعارض حقيقتان مصدرهما الله ـ جل شأنه سبحانه وتعالى ـ.

الدكتور زغلول النجار :

لى إشارة ، أنا أقول إن الإشارات الكونية فى هذا الكتاب هى من ضرب المثل لا

٤٢

من قبيل الحصر ؛ لأن الكشف العلمى والمعرفة الإنسانية بالكون ومكوناته جعلهما ربنا ـ تبارك وتعالى ـ فى داخل نطاق القدرة الإنسانية ، وكل أمر يستطيع الإنسان أن يصل إليه بعلمه بحسه وعقله ترك لجهاد الإنسان ، ولكن رسالة القرآن الأساسية هى القضايا التى لا يستطيع الإنسان أن يضع لنفسه فيها ضوابط صحيحة ، هى كقضايا العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات.

وأنا دائما أقول إن النماذج التى تجىء فى كتاب الله من سنن الله فى الكون ومن وصف الأشياء فى الكون هى مجرد دلائل تتواءم مع عصرنا ، عصر العلم.

فإذا ثبت صدق القرآن فى هذه القضايا ، لا بدّ وأن يكون القرآن صادقا فى رسالته الأساسية ، وهى الدين بركائزه الأربع الأساسية ، وهى العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات ، وهى قضايا لا يستطيع الإنسان بنفسه أن يضع لنفسه ضوابط فيها.

الأستاذ أحمد فراج :

جزاكم الله خيرا.

الدكتور زغلول النجار :

بارك الله فيك.

الأستاذ أحمد فراج :

لن أطيل ، ولكن أقول كلمة شكر ، ويسعدنى ونحن ننهى البرنامج أن نؤكد على لقاءات أخرى موصولة بيننا إن شاء الله.

وفى ختام هذا اللقاء.

نلتقى معكم سيداتى وسادتى على خير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

* * *

٤٣
٤٤

بسم الله الرحمن الرحيم

(٣)

انشقاق القمر ـ والسماء والطارق ـ الليل والنهار

تقديم الأستاذ أحمد فراج :

سيداتى وسادتى :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحديث عن الإعجاز القرآنى حديث محبب إلى كل قلب وإلى كل عقل ، من خلاله ومن خلال الفكر نصل إلى وجدان كل شخص يتأمل فى آيات الله الذى خلق هذا الكون ونزّل هذا القرآن ، وقلنا إنه عند ما نجد فيما وصل إليه الإنسان من تطور علمى مكتشفات وحقائق مذهلة توصل إليها العلم ثم نجدها مسجلة فى القرآن الكريم ، فإن ذلك يؤنس إيمان كل فرد ، لأن خالق هذه الحقيقة هو منزل القرآن ، وأن هذا النبى الأمى الذى نزل عليه الوحى هو موصول بوحى السماء ، وقلنا إن موضع الحجة فى القرآن هو إعجازه للخلق أجمعين ، وهذا الإعجاز قد يكون إعجازا بيانيا ، ولكن لن يكون فى متناول إلا الذين يحسنون العربية ويعرفونها ، أما صور الإعجاز العلمى يمكن أن تصل إلى كل البشر فى كل مكان ، طالما استخدموا نعمة العقل التى منحها الله للإنسان فى إنصاف وتجرد وفى صدق مع النفس ليصلوا إلى حقيقة أن الله سبحانه وتعالى إله واحد وأن دين الإسلام هو خاتم الرسالات وأن سيدنا محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) هو خاتم الأنبياء والمرسلين ، لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى.

٤٥

فى لقاء سابق تناولنا عددا من الموضوعات التى تتصل بالإعجاز العلمى فى القرآن ، وكانت هذه الموضوعات مختلفة ومتعددة ، تكلمنا عن الطواف وكيف أن الطواف الذى تفرد به الإسلام كعبادة من العبادات فى الحج والعمرة ، نجده موجودا فى هذا الكون كله من أصغر ذرة إلى أكبر مجرة ، وشرحنا هذا بالتفصيل ثم تكلمنا عن فضل الله ومنّه علينا من ظلمات ومن نور ، ثم تحدثنا عن الفضاء وتحدثنا عن البحار وعن البحر وتسخير البحر والفلك ، وتحدثنا بعد ذلك عن المياه التى هى أصل الحياة لكل الكون (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء : ٣٠] ثم تحدثنا عن كثير من الموضوعات مثل (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ) [الواقعة : ٦٨] وكيف هذا الماء يمكن أن يتحول (أجاجا) أى مالحا لا يستطيع أحد أن يشربه ، لو لا نعمة الله علينا ورحمة الله بنا.

الحقيقة أنا لا أحب أن أطيل عليكم ، لكن ونحن نسعد مرة أخرى ونشرف مع العالم الجليل ، الشخصية الفريدة التى أسعدت الناس جميعا فى كل مكان. الأستاذ الدكتور زغلول النجار هذه الشخصية الموسوعية التى دخلت كل قلب.

أظن أن من بين الموضوعات أستأذنكم وأستأذنه ، أن يلخص واحدا من هذه الموضوعات حينما تكلم عن الظلمات ، كيف من فوق الأرض إلى ٢٠٠ كم تكون ظلمة حالكة ودامسة ، وكيف أن الإنسان فى عصر الفضاء لما اخترق هذه المسافات اكتشف هذه الظلمة ، وكان من الممكن إذا استعملنا كلمة الظلام مع الليل تليق لأن الليل ظلمة ، لكن حينما يقول (وَأَغْطَشَ لَيْلَها) أى شديدة الحلوكة ، هذا يعتبر إعجازا علميّا عظيما ، وأظن أن الأستاذ الدكتور زغلول النجار ، طوف بنا فى هذه النقطة ، وذكر لنا أن الإنسان فى العصر الحديث عند ما بدأت رحلات الفضاء ، كان هناك من قال : وأنا بحثت فى رحلاتى ولم أجد ربنا. لكن جاء من بعده يقول : إنه أحس أنه أصيب بالعمى أو مسه طائف من السحر.

٤٦

أرجو من سيادتكم أن تعيد هذا الموقف مرة أخرى ونحن مرة ثانية وثالثة وموصولة ، نرحب بكم ونشكركم على تشريفنا.

الدكتور زغلول النجار :

بار الله فيك.

أبدأ بحمد الله والصلاة والسلام على خاتم رسله ، وأبدأ بتحية الإسلام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد. فمن حقائق الكون المبهرة التى ذكرها القرآن الكريم قبل ١٤٠٠ سنة ولم يصل الإنسان إلى إدراك شىء منها ، إلا بعد زيارة الفضاء ، هى حقيقة أن الكون الذى نحيا فيه هو مظلم إظلاما كاملا.

فالأصل فى السماء أنها حالكة السواد وأن الشمس فى وضح النهار ، ترى فى هذه السماء قرصا أزرق فى صفحة سوداء ، ليس هذا فقط بل إن المحيط أيضا لا يصله من الضوء إلا مسافة قليلة لا تكاد تتعدى كيلومتر ، ومتوسط أعماق المحيطات حوالى ٤ كم. وبعض هذه المحيطات يتجاوز عمقها ١١ كيلومتر ، وهذا كله بعد كيلو واحد يعيش فى ظلام دامس.

والقرآن يقول فى مقام التشبيه ، تشبيه الذين يقفون موقف العناد من قضية الإيمان ورفض الهداية الربانية ، يشبههم بالذى يصعد إلى السماء وشاهد بديع صنع الله وبالرغم من هذا يرفض أن يرى هذه الصنعة ويغمض عينيه وكأنه مسه طائف من السحر. فيقول ربنا ـ تبارك وتعالى ـ : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) [الحجر : ١٤ ـ ١٥]. ولم يستطع المفسرون فى القرون الأولى وحتى عهد قريب أن يدركوا مغزى هذه الآية العلمى رغم فهمهم لدلالتها المعنوية فقالوا : الله سبحانه وتعالى يشبه من يرفض الهداية الربانية بالذى يرفض رؤية قدرة الله وبديع صنعه فى الكون.

٤٧

ولكن حين بدأ رواد الفضاء فى الصعود وجدوا أن طبقة الضياء ، طبقة النور المحيطة بالأرض ، طبقة رقيقة للغاية لا تكاد تتعدى ٢٠٠ كم.

الأستاذ أحمد فراج :

٢٠٠ كم طبقة رقيقة بالنسبة إلى ١٥٠ مليون كم.

الدكتور زغلول النجار :

نعم. المسافة بيننا وبين الشمس ١٥٠ مليون كم ، وبالنسبة إلى ٣٦ ألف مليون سنة ضوئية قطر الجزء المدرك لنا من الكون ، فلا تكاد تذكر ، حقيقة إنها طبقة رقيقة للغاية.

فيقول ربنا تبارك وتعالى (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ). والباب لا يفتح إلا فى بناء ، وهذا يؤكد على أن السماء بناء ، وأن المادة والطاقة تنتشران فى كل أرجاء الكون بلا انقطاع ، (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ). إشارة إلى اتساع الكون وأبعاد الكون ، (فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ). والقرآن يصف دوما حركة السماء بالعروج ؛ لأنه لا يمكن أن أى جسم أو صورة من صور الطاقة تتحرك فى الفضاء إلا فى منحنيات ولا يمكن لها أن تتحرك فى خط مستقيم ، فالقرآن باستمرار يصف الحركة فى السماء بالعروج (فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ). ومن أوائل رواد الفضاء الذين اجتازوا هذه المنطقة ، رائد أمريكى قال كلاما كأنه نص الآية الكريمة.

. or some thing magic has come over me ، I have almost lost my eye sight

أنا فقدت بصرى تقريبا ، أو كأن شيئا من السحر اعترانى ، وكأنه نص الآية القرآنية لذلك يمن الله علينا بتبادل الليل والنهار ، ويمن علينا فى آيات كثيرة بهذا النور المبهر الذى نراه فى هذه الطبقة الدنيا حتى يستطيع الإنسان العيش فى هذه الحياة.

٤٨

الأستاذ أحمد فراج :

قال كأنه فقد بصره أو اعتراه شىء من السحر (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ). سبحان الله هذا إعجاز ما بعده إعجاز.

الدكتور زغلول النجار :

ولذلك يمن علينا ربنا ـ تبارك وتعالى ـ بخلق الليل والنهار إذ يقول : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [القصص : ٧١].

الأستاذ أحمد فراج :

أنا أردت أن أسمع هذا الكلام ، كلام الرائد مرة أخرى ، فهو لا علاقة له بالإسلام ، يقرأ معنى الآية باللغة الإنجليزية ، وهذا إعجاز ما بعده إعجاز.

سيدى الكريم ، لو تفضلتم فبدأنا نتحدث عن موضوع آخر من الموضوعات التى يظهر لنا فيها الإعجاز. (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ). هل عرف العلم أنه حدث انشقاق فى القمر؟

الدكتور زغلول النجار :

هذه الآية لها معى قصة ، منذ أكثر من سنة تقريبا ، كنت ألقى محاضرة فى كلية الطب فى جامعة كارليل فى غرب بريطانيا ، وكان الحضور خليطا من المسلمين وغير المسلمين ، فدار حوار حيوى للغاية عن جوانب الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم ، وفى أثناء هذا الحوار ، وقف شاب من المسلمين وسألنى : هل ترى فى الآية الكريمة (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) لمحة من لمحات الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم؟

قلت له : لا. لأن الإعجاز يفسره العلم ، أما المعجزات لا يستطيع العلم أن

٤٩

يفسرها ، المعجزة خارقة للسنن ، فلا تستطيع السنة أن تفسرها ، فهذه معجزة حدثت لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) لتشهد له بالنبوة وتشهد له بالرسالة ؛ لأن المعجزات الحسية شهادة على من رآها ، ولو لا ورود هذه المعجزة فى كتاب الله وفى سنة رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ما كان علينا مسلمى هذا العصر أن نؤمن بها ، ولكن نؤمن بها لورودها فى كتاب الله وورودها فى كتب السنة ، وفى كتب السنة يروى أن الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) قبل هجرته من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بخمس سنوات ، جاءه نفر من كفار قريش ، وقالوا له : يا محمد إن كنت حقا نبيا وإن كنت حقا رسولا ، فأتنا بمعجزة تشهد لك بالنبوة وتشهد لك بالرسالة. فقال : فما ذا تريدون؟ فقالوا له : شق لنا القمر. هذا من قبيل التعجيز ومن قبيل استحالة إمكانية حدوث ذلك. فوقف المصطفى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يدعو ربه بألا يخزيه فى ذلك الموقف ، فألهمه الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يشير بإصبعه الشريف إلى القمر ، فانشق القمر إلى شقين تباعدا عن بعضهما البعض لعدة ساعات متصلة ثم التحما ، فقال الكفار : سحرنا محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم)! ولكن بعض العقلاء قالوا ، إن السحر لا يمكن أن يصيب كل الناس ، السحر قد يمكن يؤثر ويصيب الذين حضروا ، فانتظروا الركبان القادمين من السفر.

الأستاذ أحمد فراج :

يعنى قصدهم على سبيل (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) الذين حضروا خيل إليهم ذلك.

الدكتور زغلول النجار :

نعم. خيل إليهم ذلك ، فقالوا : انتظروا الركبان. فتسارع الكفار إلى مخارج مكة ينتظرون القادمين من السفر ، فأول ركب قادم سألوه : هل رأيتم شيئا غريبا حدث فى هذا القمر؟ فقالوا نعم : فى الليلة الفلانية وجدنا القمر انشق إلى فلقتين تباعدتا عن بعضهما البعض ثم التحمتا.

فآمن من آمن وكفر من كفر ، ولذلك فإن القرآن يقول : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ

٥٠

وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣) وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ) [القمر : ١ ـ ٥].

وهذه الرواية رواها كبار الصحابة ، عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر رضوان الله عليهم جميعا ، وحتى مؤرخو الهند يؤرخون فى تاريخهم القديم بحادثة انشقاق القمر ، وقلت لهذا الأخ الكريم : نؤمن بهذه المعجزة ، وأن الله قادر على كل شىء ، ونؤمن بهذه المعجزة لورودها فى كتاب الله وفى سنة نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) مع إيماننا بأن المعجزات الحسية شهادة على من شاهدها.

وبعد أن أتممت حديثى ، وقف شاب بريطانى مسلم عرف نفسه ، قال : أنا (داود موسى فيكتور رئيس بالحزب الإسلامى البريطانى) وقال : سيدى هل تسمح لى بإضافة؟ قلت له : تفضل ، قال : وأنا أبحث عن الأديان ، أهدانى شاب مسلم ترجمة لمعانى القرآن الكريم ، وأخذتها إلى البيت وشكرته عليها ، وحين فتحت هذه الترجمة ، وكانت أول سورة أطلع عليها هى سورة القمر.

فقرأت آية (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ). فقلت هل يعقل هذا الكلام؟ هل يمكن أن ينشق القمر ثم يعود ويلتحم؟ وأى قدرة تصنع ذلك؟ فصدتنى هذه الآية عن مواصلة القراءة وتركت المصحف ، وانشغلت بأمورى ، ولكن الله ـ تعالى ـ يعلم مدى إخلاصى فى البحث عن الحقيقة ، فأجلسنى ربى أمام التلفاز البريطانى ، وكان هناك حوار يدور بين معلق بريطانى وثلاثة من علماء الفضاء الأمريكان ، فكان المذيع البريطانى يعاتب هؤلاء على الإنفاق الشديد على رحلات الفضاء ، فى الوقت الذى فيه تمتلئ الأرض بمشكلات الجوع والفقر والمرض والتخلف ، وكان يقول : هذا المال لو أنفق على عمران الأرض لكان أجدى وأنفع.

وجلس الثلاثة يدافعون عن وجهة نظرهم ، والعلماء الأمريكان يقولون : إن هذه التقنية تطبق فى نواح كثيرة من الحياة ، يمكن أن تطبق ، فى الطب وتطبق فى الصناعة وتطبق فى الزراعة ، فهذا المال ليس مالا مهدرا ، ولكن أعاننا فى تطوير تقنيات متقدمة للغاية ، فى هذا الحوار جاء ذكر رحلة أول رجل للقمر ، وعلى أنها كانت

٥١

أكثر الرحلات كلفة ، فكلفت أكثر من ١٠٠ ألف مليون دولار ، فصرخ فيهم المذيع وقال : أى سفه ذلك!؟ ١٠٠ ألف مليون دولار لكى تضعوا العلم الأمريكى على سطح القمر ، فقالوا : لا لم يكن الهدف مجرد وضع العلم ، كنا ندرس التركيب الداخلى لسطح القمر ، لقد وجدنا حقيقة لو أنفقنا أضعاف هذا المال لإقناع الناس بها ما صدقنا بها أحد.

فقال : ما هذه الحقيقة؟ فقالوا : هذا القمر انشق فى يوم من الأيام ثم التحم. فقال : كيف علمتم هذا؟ فقالوا : وجدنا حزاما من الصخور المتحولة ، يقطع القمر من سطحه إلى جوفه ، فاستشرنا علماء الأرض ، علماء الجيولوجيا ، فقالوا : لا يمكن أن يكون هذا قد حدث إلا إذا انشق القمر والتحم ، فقفزت من على الكرسى. وقلت : معجزة تحدث لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) قبل ١٤٠٠ سنة ، يسخر الله الأمريكيين لينفقوا أكثر من ١٠٠ ألف مليون دولار ليثبتوا للمسلمين ذلك ، إذن هذا الدين الإسلامى على حق ، فرجعت إلى سورة القمر ، وكانت مدخلى إلى قبول الإسلام دينا.

الأستاذ أحمد فراج :

سيادة الأستاذ الدكتور زغلول النجار ، وما دمنا فى السماء هل تسمح لى أن أسأل فى موضوع شغلنى وشغلنى أكثر عند ما كلمتنى عنه وهو (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق : ١ ـ ٤].

فى الحقيقة كل قسم لا بد أن نقف عنده ؛ لأنه يبين أن كل آية إعجاز ، ويتضح لنا إن كان هذا الإعجاز بيانيا أو تشريعيا أو لغويا أو علميا ، حضرتك قلت شيئا غريبا جدا لى ، وأحب أن احتفل به معك.

(الطارق) سجلت طرقات فعلا فى الكون. فاحك لنا القصة من الألف إلى الياء.

٥٢

الدكتور زغلول النجار :

(وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) قسم من الله ـ سبحانه وتعالى ـ والله غنى عن القسم ، سبق أن أشرنا إلى أن الآية إذا جاءت بصيغة القسم ، فهذا يدل على أهمية الأمر المقسم به وأنه أمر عظيم ، فالقسم بالسماء وارد ؛ لأن السماء من أعظم صور خلق الله للكون.

فالمسافة بين الشمس والأرض «١٥٠ مليون كم» ، والمسافة بين الشمس وأبعد الكواكب خروجا عنها «٦ آلاف مليون كم» داخل المجموعة الشمسية ، والمجموعة الشمسية عدد من الكواكب والكويكبات والأقمار والمذنبات والشهب والنيازك تدور حول الشمس ، تخيل العلماء فى بادئ الأمر أن هذا هو كل السماء أو كل الكون ، ولكن بعد تطور علم الفلك ، أدرك العلماء أن المجموعة ما هى إلا ذرة صغيرة فى تجمع أكبر يعرف باسم المجرة ، والمجرة هى التى تتبعها مجموعتنا الشمسية عبارة عن قرص مفلطح تعجز المسافات الأرضية عن التعبير عن أبعاده ، فاتفق العلماء على اختيار السنة الضوئية كوحدة قياس لسطح الكون ، والسنة الضوئية هى المسافة التى يقطعها الضوء بسرعته المعروفة (٣٠٠ ألف كم / الثانية) فى سنة من سنواتنا ، وهو رقم مذهل.

إذا ضربنا ٣٠٠ ألف X ٦٠ دقيقة* ٦٠ ثانية يصبح فى الساعة ، فى ٢٤ ساعة يصبح فى اليوم* ٢٥ ، ٣٦٥ ليصبح فى السنة.

ويبلغ ٥ ، ٩ مليون مليون كم.

أقرب نجم إلينا خارج المجموعة الشمسية يبعد عنا ٣ ، ٤ من السنين الضوئية المجرة التى تبعها يبلغ قطرها ١٠٠ ألف سنة ضوئية ويبلغ سمكها ١٠ آلاف من السنين الضوئية.

وقد حصد العلماء فى هذه المجرة إلى الآن أكثر من ٤٠٠ ألف مليون نجم كشمسنا ، كل نجم له توابعه كما أن لشمسنا توابعها. فتخيل العلماء أن المجرة هى

٥٣

كل الكون ، فإذا بعلم الفلك يثبت أنه فى السماء يوجد من أمثال هذه المجرة على الأقل ٢٠٠ ألف مليون مجرة فى الكون ، بعضها أكبر من مجرتنا وبعضها أصغر ينتظمها عقد عظيم كل ما فيه يدور ويتحرك فى مسافات محددة ثابتة وفى أفلاك محددة ثابتة ، فالنجوم لا يصطدم أحدها بالآخر لتكون جزءا من السماء الدنيا وهى جزء من الدنيا ، فالقرآن يقول : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) فالنجوم وهى مصابيح ، وهى وسيلتنا للتعرف على أبعاد السماء الدنيا ، وأما غير السماء الدنيا ، من سماوات لا يعلمها إلا الله. هذا الركن من السماء الدنيا دائم الاتساع ، بحيث إن الإنسان لا يستطيع أن يلحق بأطرافه ، وأنه كلما طور الإنسان من أجهزته وجد هذا الكون يتسع ، فلا يستطيع الإنسان أن يدرك أسرار الجزء المدرك من الكون ، الذى يشاهد لنا.

الأستاذ أحمد فراج :

أنا أستمع ، ولكنى عاجز عن أن أتخيل كل هذا. يعنى نحن يكفى أن نقول أرقاما فلكية.

الدكتور زغلول النجار :

هذا الكلام تقوله إحدى أستاذات الفلك ، وهى أستاذة أمريكية حيث تقول : إن هذا المجال إذا دخله الإنسان بعقله ، إما أن يسجد لخالق هذا الكون ، أو يفقد هذا العقل.

أينشتين كتب كتابا فى آخر أيامه يقول فيه : (إن أعظم خاطرة يمكن أن تجول فى ذهن الإنسان ، هى ما يتراءى له حين يقف يتأمل فى هذا الكون ، أن يستطيع أن يرى جمالا ما بعده جمال وكمالا ما بعده كمال ودقة ما بعدها دقة. ويقول : إن هذا الموقف عندى هو موقف التعبد عند الخلائق) حينما نشر هذا الكلام ، عقد له مؤتمر صحفى.

٥٤

الأستاذ أحمد فراج :

(إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) فالعالم ـ طبيبا أو مهندسا أو فلكيا أو فى أى تخصص ـ عند ما يعبر عن كلمة مثل هذه الكلمات (سبحان الله والله اكبر) فرصيدها فى نفسه أضعاف أضعاف الإنسان البسيط.

الدكتور زغلول النجار :

فقال له صحفى يهودى : إنى أعجب من الشخص الذى حبس الطاقة فى معادلة أن يخشى الله. فقال له : اخرس يا فلمنج ، إنى لست ملحدا إنى أؤمن بالله. فهذا إيمان فطرى بمجرد النظر فى الكون ، ولذلك يقول ربنا تبارك وتعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

فالقسم بالسماء قسم عظيم ويستحق فعلا أن يقسم بها ، ومن الأمر المبهر هو (الطارق) ما هو (الطارق) والقسم والخطاب هنا يأتى للرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، والجواب هنا (النجم الثاقب) ، فقال المفسرون : هو كل نجم ، واعتبروا أن النجم الذى يخترق أو يثقب ظلمة الليل هو هذا النجم الثاقب ، ولكن هذه الآيات الثلاث تؤكد على أن (الطارق) هو نجم خاص بعينه ، ليس لكل نجم ، وإلا ما قال القرآن : (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ) (٣). منذ سنوات قليلة اكتشف العلماء أن النجوم تقوم بدورة حياة تبدأ من الدخان ، هذا الدخان يبدأ فى التكثف على ذاته فيبدأ من داخله عملية الاندماج النووى ، بمعنى اتحاد ذرات الهيدروجين مع بعضها لتعطى عناصر ثقيلة بالتدريج ، فيتحول النجم (الدخان) بالتدريج إلى عناصر ، والدخان عبارة عن أيدروجين وفيه بعض الجسيمات الصلبة يبدأ الأيدروجين يتحد ليكون العناصر الأكثر وزنا ، يمر فى مرحلة حتى يصل إلى مرحلة ينكدر تماما (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) [التكوير : ٢] والنجم المنكدر تخبو جذوته ، ويبدأ يقل ضوؤه ويبدأ بتكدس المادة بداخله.

وجد العلماء أن مرحلة من هذه المراحل تسمى (النجوم النيترونية) وهى نجوم

٥٥

لاحقة للنجم المنكدر ، ونجم نيترونى أى تتكدس المادة فيه ، ولا يوجد موجب وسالب ، تكون كلها جسيمات متعادلة نيترونات ، فتبدأ هذه النيترونات فى إعطاء نبضات صارخة تشق صمت الكون وتصل إلى الأرض ، حين استمع إليها العلماء ، سموها نبضات وشبهوها بنبضات القلب. سميت هذه النجوم بالپلسات ـ pulses (النوابض) هذه هى حالة خاصة فى النجوم ، تتكدس فيها المادة تكدسا شديدا قبل أن يطمس النجم بالكامل ، فيقول القرآن : (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) [المرسلات : ٨] قبلها (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) [التكوير : ٢]. (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) [التكوير : ١] هذه الشمس لها ألسنة طويلة من اللهب تعد بمئات الآلاف من الكيلومترات.

حينما تخبو جذوة الشمس تفقد جزءا من هذه الأذرع وتتكور تكورا كاملا.

(وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) حين تتحول المادة داخل النجم إلى مواد شبه صلبة يفقد النجم جذوته وضوءه فينكدر ، ثم إذا كانت كتلته أكبر من ٤ أضعاف كتلة الشمس ، تتكدس المادة أكثر فيختفى بذلك الضوء بالكامل ولا يرى النجم ، فهذا الذى سماه العلماء بالثقب الأسود ، وسماه القرآن النجم الخانس الطامس ، وأقسم به ربنا تبارك وتعالى (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ) [التكوير : ١٥].

الأستاذ أحمد فراج :

النجم هو حالة غازية يتحول إلى مادة صلبة بالتدريج حتى يصل إلى الحالة النيترونية.

الدكتور زغلول النجار :

متى يصل إلى حالة نيترونية؟ النجم هذا إذا تحول لبه إلى حديد بالكامل ينفجر ، إذا كبر حجمه تتكدس المادة الأولية على ذاتها وتتحول فى النجم إلى مادة متعادلة الشحنة ، نيوترون. هذا النجم النيترونى يطلق نبضات كنبضات القلب ، حينما سمعت هذه النبضات بواسطة التلسكوب الرادياوى ، (ويستطيع العلماء أن يدركوا

٥٦

تلك الأجسام عن طريق الأصوات المنطقة منها) ، فهذه النبضات تشبه تماما الطرق على الباب.

ولذلك سماها القرآن (بالطارق) وهذا أمر مبهر للغاية : (سماع أصوات للنجم مسجلة على DC وهى وثيقة علمية معترف بها) سماع صوتين (صوت يشبه نبضات القلب) و (صوت يشبه الطرق بسرعة على الباب) ، فالطرق على الباب حينما يكون قريبا منا ، وكلما يبتعد يقل فيشبه نبضات القلب.

طرق يتسارع ، كالطرق على الباب. سجل فى ناسا (وكالة الفضاء الأمريكية).

الأستاذ أحمد فراج :

هذا إعجاز سبحان الله!

وما دمنا فى السماء ، نريد أن نتكلم عن حفظ هذه السماء (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ) [الأنبياء : ٣٢].

ما المقصود ب (سقفا محفوظا) هنا؟

الدكتور زغلول النجار :

التعبير اللغوى يقول : كل ما علاك فأظلك فهو سماء ، فسقف هذه القاعة سماء لنا. القرآن يقول : (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) فهو تعبير على أن السماء بناء ، فهى ليست فضاء كما كان يعتقد البعض ، فالغلاف الغازى للأرض يتخلخل بالتدريج ويقل ضغطه حتى لا يكاد يدرك على مسافة ١٠٠٠ كم من سطح البحر.

ويتخيل الناس أن بعد ذلك خلاء ، فضاء ، ولكن العلم يثبت أنه لا يوجد فى الكون شىء اسمه خلاء ، فالمادة تنشر انتشارا كاملا وكأن السماء بناء محكم ، قال : (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) هو سقف محفوظ من عند الله ـ تعالى ـ وسقف حافظ للأرض أيضا ، فهذا السقف المحفوظ تمسكه قوى ـ لا يعلمها إلا الله ـ من أن ينهار أو ينتابه شىء من الخلل ، (سَقْفاً مَحْفُوظاً). لشدة تماسك أجزاء السماء

٥٧

وترابطها مع بعضها البعض ، برغم أن الكون يتسع.

بمعنى أن المجرات تتباعد عن بعضها البعض بسرعات تكاد تقترب من سرعة الضوء ٣٠٠ ألف مليون كم / الثانية ، وتتخلق المادة من حيث لا يعلم الناس لتملأ الفراغات الناتجة بين هذه المجرات المتباعدة ، لكى لا يكون فى السماء فراغ .. (سَقْفاً مَحْفُوظاً) بمعنى أنها مترابطة متماسكة لا خلل فيها ولا فروق ، وهى أيضا تحفظ ما تحتها ، أى الحياة على الأرض ، وقد يكون على أجرام سماوية أخرى ، وندرك وسائل الحفظ هذه ، أشياء متنوعة كثيرة فى غلافنا الغازى ، جعلها ربنا ـ تبارك وتعالى ـ حماية للحياة على الأرض.

الأستاذ أحمد فراج :

أنا أظل فى نطاق السماء أو فى نطاق الارتفاع.

فنحن نقرأ فى القرآن : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ١٢٥].

كيف يعرف الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ما لم يكن من الوحى ، إن الإنسان عند ما يرتفع يضيق صدره ، ما هو الجانب العلمى والإعجاز فى ذلك؟

الدكتور زغلول النجار :

الآية أيضا تأتى فى مقام التشبيه (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ). أخيرا برز فرع من أفرع الطب يسمى (طب الفضاء) ، فيقول العلماء إذا ارتفع الإنسان فوق ٢٥ ألف قدم ، بدون حماية من قلة الضغط وندرة الأوكسيجين فسيموت فى الحال. لما ذا؟؟ ، تتوقف أجهزته ، مثل الجهاز العصبى ، الجهاز الدورى ، الجهاز التنفسى ، ... فيختنق الإنسان وينتهى ، فالغازات فى خلايا جسده فى أجزاء جسده ، فى السوائل فى جسده ، تبدأ تفور

٥٨

وتغلى نتيجة قلة الضغط ، فتنفجر هذه الأوعية كلها ، فيتعرض الإنسان إلى حشرجة فى الصدر تشبه حشرجة الموت. هذا فى البداية ، والقرآن يفسر هذا تفسيرا رائعا فى سورة الأنعام ـ فالرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) لم يكن فى زمانه أحد يدرك هذه الحقيقة ولم يكن يضطره أن يخوض فى هذه الحقيقة ، ولو لا أن الله تعالى يعلم بعلمه المحيط أن الإنسان سيصل إلى هذه الحقيقة فى يوم من الأيام ، فأورد هذه الحقيقة فى كتاب الله ، وهذا صدق على أن هذا كلام الله وكتاب الله ، وأن الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) كان موصولا بالوحى ومعلما من قبل الخالق عزوجل.

الأستاذ أحمد فراج :

حضرتك قلت ٢٥ ألف قدم ، يمكن للناس أن يقولوا : إنهم عرفوا ذلك عند ما صعدوا إلى الجبال.

الدكتور زغلول النجار :

لا. فأعلى قمة فى الجبال العربية لا تتعدى ثلاثة آلاف متر. حوالى ٩ آلاف أو ١٠ آلاف قدم ، فما من وسيلة لإدراك ذلك من مرتفعات الجزيرة العربية.

الأستاذ أحمد فراج :

فلا بد أن تكون وحيا وإعجازا.

فى القرآن إشارات تحتاج لتفسير لها ، فهناك آيات تتكلم عن الشرق أو المشرق ، فالعلماء يتكلمون عن الشرق والغرب والجهات الأصلية ، لكن نجد القرآن يتحدث عن المشرق والمغرب مرة ، وفى أخرى يتكلم عن المشرقين والمغربين (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) [الرحمن : ١٧] وبعد ذلك (بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) [المعارج : ٤٠] نريد أن نعرف حكاية ذلك. هل هناك مشرق ومشرقان وبعد ذلك مشارق؟

٥٩

الدكتور زغلول النجار :

بارك الله فيك ؛ لكون الأرض شبه كروية ، نجد عند خط الاستواء أن أكثر اتساع فى هذه الكرة عند خط الاستواء. حينما تشرق الشمس ، تشرق فوق نقطة محددة ، أى بداية إشراقها تكون عند أقصى نقطة على سطح الكرة الأرضية أكثرها انبعاجا ، فالكرة منبعجة عند خط الاستواء ومفلطحة قليلا عند القطبين.

فحينما تشرق الشمس تصل إلى أكثر جزء فى الأرض انبعاجا ، فهذا هو المشرق الحقيقى. فلو تخيلنا أن خط الاستواء فى وسط الكرة الأرضية وأن الأرض تدور من الغرب إلى الشرق ، الشمس تشرق من هنا ، فتلمس أكثر نقطة انبعاجا من هذه الناحية. فهذا هو مشرق ، وإذا جاءت إلى النقطة الثانية فهو المشرق الآخر فى النقطة المقابلة لها ، ولذلك يكون هناك مشرق رئيسى وهو البداية والثانى مشرق آخر وهو النهاية أو مشرق ومغرب. ولذلك يكون هناك مشرقان ومغربان على خط الاستواء تماما. خط الطول «منحنى» ، فالشمس تبدأ تشرق فى نقاط مختلفة على طول الخط المنحنى طول هذا الخط المنحنى ، الشمس عند ما تشرق عليه لا تشرق عليه دفعة واحدة ، ولكن تشرق على نقاط مختلفة على طول خط الطول وفى نفس الوقت على خط العرض ، يعنى حين تدور الأرض فى هذا الاتجاه نجد نقاط شروق متعددة على خط العرض فهناك مشارق كثيرة ومغارب كثيرة للشروق ونهايتان للغروب ولذلك فإن (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) [الشعراء : ٤٠] صحيحة ، (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) [الرحمن : ١٧] صحيحة ، (بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) [المعارج : ٤٠] صحيحة.

الأستاذ أحمد فراج :

هل استطاع العقل العربى فى ذلك الإجمال أن يستوعب هذه الصورة. وهل كان تفسيره أنها تطلع كل يوم من مكان مختلف.

الدكتور زغلول النجار :

نعم. لعل هذا هو الذى فهموه. أنها تطلع كل يوم من مكان مختلف.

٦٠