تفسير الثعالبي - ج ٢

عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف أبي زيد الثعالبي المالكي

تفسير الثعالبي - ج ٢

المؤلف:

عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف أبي زيد الثعالبي المالكي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

١
٢

٣
٤

سورة آل عمران

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

هذه السورة مدنيّة ، بإجماع في ما علمت.

(الم (١) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ)(٤)

قوله جلّت قدرته : (الم اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) الأبرع في نظم الآية أنّ يكون : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) كلاما مبتدأ جزما ؛ جملة رادة على نصارى نجران الذين وفدوا على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فحاجّوه في عيسى ابن مريم ، وقالوا : إنّه الله على ما هو معلوم في السّير ، فنزل فيهم صدر هذه السورة إلى نيّف (١) وثمانين آية منها ، إلى أن دعاهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الابتهال.

وقد تقدّم تفسير قوله : (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) في آية الكرسيّ ، والآية هناك إخبار لجميع الناس ، وكرّرت هنا إخبارا بحجج هؤلاء النصارى ، ويردّ عليهم ؛ إذ هذه الصفات لا يمكنهم ادعاؤها لعيسى ـ عليه‌السلام ـ ؛ لأنهم إذ يقولون : إنه صلب ، فذلك موت في معتقدهم ، وإذ من البيّن أنّه ليس بقيّوم.

وقراءة الجمهور «القيّوم» ، وقرىء خارج السّبع : «القيّام» ؛ و «القيّم» (٢) ، وهذا كلّه من : قام بالأمر يقوم به ، إذا اضطلع بحفظه ، وبجميع ما يحتاج إليه في وجوده ، فالله تعالى

__________________

(١) كل ما زاد على العقد ، فهو نيّف ـ قال أبو العباس : الذي حصلناه من أقاويل حذاق البصريين والكوفيين أن النيف من واحدة إلى ثلاث.

ينظر : «لسان العرب» (٤٥٨٠) (نوف)

(٢) قرأ «الحيّ القيّام» كل من عمر ، وعثمان ، وابن مسعود ، والنخعي ، والأعمش ، وأصحاب عبد الله ، وزيد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وأبي رجاء بخلاف ، ورويت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقرأ «الحيّ القيّم» علقمة بن قيس. كما في «مختصر الشواذ» (ص ٢٥) ، و «المحتسب» (١ / ١٥١) ، و «المحرر الوجيز» (١ / ٣٩٧)

٥

القيّام على كلّ شيء ممّا ينبغي له ، أو فيه ، أو عليه.

ت : وقد تقدّم ما نقلناه في هذا الاسم الشريف ؛ أنه اسم الله الأعظم ، قال النوويّ : وروّينا في كتاب التّرمذيّ ؛ عن أنس ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنّه كان إذا كربه أمر ، قال : «يا حيّ يا قيّوم ، برحمتك أستغيث» ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد (١). ا ه.

قال صاحب «سلاح المؤمن» : وعن عليّ ـ رضي الله عنه ـ ، قال : «لمّا كان يوم بدر ، قاتلت شيئا من قتال ، ثمّ جئت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنظر ما صنع فجئت ، فإذا هو ب ساجد يقول : «يا حيّ يا قيّوم ، يا حيّ يا قيّوم» ، ثمّ رجعت إلى القتال / ، ثمّ جئت ، فإذا هو ساجد ؛ لا يزيد على ذلك ، ثمّ ذهبت إلى القتال ، ثمّ جئت ، فإذا هو ساجد يقول ذلك ، ففتح الله عليه» رواه النّسائيّ ، والحاكم في «المستدرك» ، واللفظ للنسائيّ (٢).

وعن أسماء بنت يزيد (٣) ـ رضي الله عنها ـ ؛ أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) ، وفاتحة آل عمران : (الم اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)» رواه أبو داود ، واللفظ له ، والترمذيّ ، وابن ماجة (٤) ، وقال التّرمذيّ : هذا حديث حسن صحيح.

__________________

(١) تقدم تخريجه في سورة البقرة.

(٢) أخرجه النسائي في «الكبرى» (٦ / ١٥٦ ـ ١٥٧) ، كتاب «عمل اليوم والليلة» ، باب الاستنصار عند اللقاء ، حديث (١٠٤٤٧). والحاكم (١ / ٢٢٢) ، من طريق عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب ، عن إسماعيل بن عون بن عبيد الله بن أبي رافع ، عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، عن أبيه محمد بن عمر بن علي عن علي به.

وقال الحاكم : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه.

وتعقبه الذهبي ، فقال : ابن موهب اختلف قولهم فيه ، وإسماعيل فيه جهالة.

(٣) هي : أسماء بنت يزيد بن السكن بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث .. أم سلمة ، الأنصارية ، الأوسية ، الأشهلية. خطيبة النساء.

قال ابن حجر في «الإصابة» : روت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عدة أحاديث ، وعند أبي داود بسند حسن عنها قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لا تقتلوا أولادكم سرا ؛ إنه ليدرك الفارس فيدعثره عن فرسه».

ينظر ترجمتها في : «أسد الغابة» (٧ / ١٨ ، ١٩) ، «الإصابة» (٨ / ١٢) ، «الثقات» (٣ / ٢٣) ، «الاستيعاب» (٤ / ١٧٨٧) ، «تجريد أسماء الصحابة» (٢ / ٢٤٥) ، «أعلام النساء» (١ / ٥٣) ، «حلية الأولياء» (٢ / ٧٦) ، «خلاصة تذهيب تهذيب الكمال» (٣ / ٣٧٥) ، «الكاشف» (٣ / ٦٤) ، «تهذيب الكمال» (٣ / ١٦٧٨) ، «تهذيب التهذيب» (١٢ / ٣٩٩) ، «تقريب التهذيب» (٢ / ٥٨٩) ، «بقي بن مخلد» (٤٢)

(٤) أخرجه أبو داود (١ / ٤٧٠) ، كتاب «الصلاة» ، باب الدعاء ، حديث (١٤٩٦) ، والترمذي (٥ / ٥١٧) ، كتاب «الدعوات» ، حديث (٣٤٧٨) ، وابن ماجة (٢ / ١٢٦٧) ، كتاب «الدعاء» ، باب اسم الله الأعظم ، ـ

٦

وعن أبي أمامة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «اسم الله الأعظم في ثلاث سور : في سورة البقرة ، وآل عمران ، وطه» ، قال القاسم : فالتمستها أنّه الحيّ القيّوم (١). انتهى.

وقوله : (بِالْحَقِ) : يحتمل معنيين :

أحدهما : أن يكون المعنى : ضمّن الحقائق ؛ في خبره ، وأمره ، ونهيه ، ومواعظه.

والثاني : أن يكون المعنى : أنه نزّل الكتاب باستحقاق أن ينزّل ؛ لما فيه من المصلحة الشاملة ، وليس ذلك على أنه واجب على الله تعالى أن يفعله.

ت : أي : إذ لا يجب على الله سبحانه فعل ؛ قال ع (٢) : فالباء ، في هذا المعنى : على حدّ قوله : (سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ) [المائدة : ١١٦]. وقيل : معنى : (بِالْحَقِ) : أي : ممّا اختلف فيه أهل الكتاب ، واضطرب فيه هؤلاء النصارى الوافدون.

قال ع (٣) : وهذا داخل في المعنى الأول.

وقوله : (مُصَدِّقاً) : حال مؤكّدة ؛ لأنه لا يمكن أن يكون غير مصدّق ، لما بين يديه من كتب الله سبحانه ، و (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) : هي التوراة والإنجيل وسائر كتب الله التي تلقّيت من شرعنا.

وقوله تعالى : (مِنْ قَبْلُ) : يعني : من قبل القرآن.

وقوله : (هُدىً لِلنَّاسِ) : معناه : دعاء ، والنّاس : بنو إسرائيل في هذا الموضع ، وإن

__________________

ـ حديث (٣٨٥٥). كلهم من طريق عيسى بن يونس ، عن عبيد الله بن أبي زياد القداح ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد به.

وقال الترمذي : حسن صحيح.

وشهر بن حوشب صدوق ، كثير الإرسال والأوهام.

ينظر : «التقريب» (١ / ٣٥٥)

(١) أخرجه ابن ماجة (٢ / ١٢٦٧) ، كتاب «الدعاء» ، باب اسم الله الأعظم ، حديث (٣٨٥٦). والطبراني في «الكبير» (٨ / ٢١٤) ، من طريق عيسى بن موسى ، عن غيلان بن أنس ، عن القاسم ، عن أبي أمامة مرفوعا.

قال البوصيري في «الزوائد» (٣ / ٢٠٤) : هذا إسناد فيه مقال ؛ غيلان لم أر من جرحه ، ولا من وثّقه.

(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٣٩٧)

(٣) ينظر : المصدر السابق.

٧

كان المراد أنهما هدى في ذاتهما ، مدعوّ إليه فرعون وغيره ، فالناس عامّ في كل من شاء حينئذ أن يستبصر ، و (الْفُرْقانَ) : القرآن ؛ لأنه فرق بين الحقّ والباطل ، ثم توعّد سبحانه الكفّار عموما بالعذاب الشديد ، والإشارة بهذا الوعيد إلى نصارى نجران ، و (عَزِيزٌ) : معناه : غالب ، والنقمة والانتقام : معاقبة المذنب بمبالغة في ذلك.

(إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٧)

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) : هذه الآية خبر عن علم الله تعالى بالأشياء ، على التفصيل ، وهذه صفة لم تكن لعيسى ، ولا لأحد من المخلوقين ، ثم أخبر سبحانه عن تصويره للبشر في أرحام الأمّهات ، وهذا أمر لا ينكره عاقل ، ولا ينكر أنّ عيسى وسائر البشر لا يقدرون عليه ، ولا ينكر أنّ عيسى من المصوّرين ؛ كغيره من سائر البشر ، فهذه الآية تعظيم لله جلّت قدرته في ضمنها الرّدّ على نصارى نجران ، وفي قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ) : وعيد ، وشرح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كيفيّة التصوير في الحديث الّذي رواه ابن مسعود وغيره ؛ «أنّ النّطفة ، إذا وقعت في الرّحم ، مكثت نطفة أربعين يوما ، ثمّ تكون علقة أربعين يوما ، ثمّ مضغة مثل ذلك ، ثمّ يبعث الله إليها ملكا ، فيقول : يا ربّ ، أذكر / أم أنثى؟ أشقيّ أم سعيد ...» الحديث بطوله على اختلاف ألفاظه (١) ، وفي مسند ابن «سنجر» حديث ؛ «أنّ الله سبحانه يخلق عظام الجنين وغضاريفه من منيّ الرّجل ، ولحمه وشحمه وسائر ذلك من منيّ المرأة» ، وصوّر : بناء مبالغة من صار يصور ، إذا أمال وثنى إلى حال ما ، فلما كان التصوير إمالة إلى حال ، وإثباتا فيها ، جاء بناؤه على المبالغة ، والكتاب في هذه الآية : القرآن ، بإجماع ، والمحكمات : المفصّلات المبيّنات الثابتات الأحكام ، والمتشابهات : هي التي تحتاج إلى نظر وتأويل ، ويظهر فيها ببادي النّظر : إما تعارض مع أخرى ، وإما مع العقل إلى غير ذلك من أنواع التشابه ، فهذا الشّبه الذي من أجله توصف بمتشابهات ، إنما هو بينها وبين المعاني الفاسدة الّتي يظنّها أهل الزيغ ، ومن لم ينعم النظر ، وهذا نحو الحديث الصحيح عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات» (٢) ، أي : يكون الشيء حراما في نفسه ،

__________________

(١) تقدم تخريجه.

(٢) ورد ذلك من حديث النعمان بن بشير ، وعمار بن ياسر ، وابن عباس ، وجابر بن عبد الله. ـ

٨

فيشبه عند من لم ينعم النظر شيئا حلالا ؛ وكذلك الآية : يكون لها في نفسها معنى صحيح ، فيشبه عند من لم ينعم النظر ، أو عند الزائغ معنى آخر فاسدا ، فربّما أراد الاعتراض به على كتاب الله ، هذا عندي معنى الإحكام والتشابه في هذه الآية.

__________________

ـ فأما حديث النعمان ، فأخرجه البخاري (١ / ١٥٣) في الإيمان : باب فضل من استبرأ لدينه (٥٢) ، و (٤ / ٣٤٠) في البيوع : باب الحلال بيّن ، والحرام بين ، وبينهما مشتبهات (٢٠٥١) ، ومسلم (٣ / ١٢١٩ ـ ١٢٢١) ، في المساقاة : باب أخذ الحلال وترك الشبهات (١٠٧ ، ١٠٨ / ١٥٩٩) ، وأبو داود (١ / ٢٦٣) في البيوع ، باب في اجتناب الشبهات (٣٣٢٩ ، ٣٣٣٠). والنسائي (٧ / ٢٤١) في البيوع : باب اجتناب الشبهات في الكسب. والترمذي (٣ / ٥١١) في البيوع : باب ما جاء في ترك الشبهات (١٢٠٥). وابن ماجة (٢ / ١٣١٨) في الفتن ، باب الوقوف عند الشبهات (٣٩٨٤) ، وأحمد (٤ / ٢٦٩ ، ٢٧٠) ، والدارمي (٢ / ٢٤٥) في البيوع ، باب في الحلال بين ، والحرام بين. والحميدي (٩١٨) ، والطحاوي في «مشكل الآثار» (١ / ٣٢٤) ، والبيهقي (٥ / ٢٦٤) في البيوع : باب طلب الحلال ، واجتناب الشهوات ، وأبو نعيم في «الحلية» (٢ / ٢٦٩ ـ ٢٧٠) ، والسهمي في «تاريخ جرجان» (ص ٣١٧). والبغوي في «شرح السنة» بتحقيقنا (٤ / ٢٠٧) في البيوع : باب الاتقاء عن الشبهات (٢٠٢٤) ، من طرق عن الشعبي قال : سمعت النعمان بن بشير يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «الحلال بين والحرام بين ، وبينهما أمور مشبهات لا يعلمها كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه. ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله. وإذا فسدت فسد الجسد كله. إلا وهي القلب».

وأخرجه أحمد (٤ / ٢٦٧) ، ثنا هاشم بن القاسم ، ثنا شيبان ، عن عاصم ، عن خيثمة. والشعبي عن النعمان مرفوعا بنحوه.

وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

وأما حديث عمار بن ياسر ، فأخرجه أبو يعلى في «مسنده» (١٦٥٣). والطبراني في «الكبير» ، و «الأوسط» ؛ كما في «مجمع الزوائد» (٤ / ٧٦) ، من طريق موسى بن عبيدة ، أخبرني سعد بن إبراهيم عمن أخبره ، عن عمار بن ياسر رفعه : «إن الحلال بيّن ، والحرام بيّن ، وبينهما شبهات. من توقاهن كن وقاء لدينه ، ومن يوقع فيهن يوشك أن يواقع الكبائر ، كالمرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه ، لكل ملك حمى».

وقال الهيثمي (٤ / ٧٦ ، ١٠ / ٢٩٦) : فيه موسى بن عبيدة ، وهو متروك. وقال الحافظ في «المطالب» (١٢٥٤) : إسناده ضعيف.

وأما حديث ابن عباس ، فأخرجه الطبراني في «الكبير» (١٠ / ٤٠٤) برقم (١٠٨٢٤) ، من طريق الوليد بن شجاع ، حدثني أبي ، ثنا سابق الجزري ؛ أن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب أخبره عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن ابن عباس ؛ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الحلال بين ، والحرام بين ، وبين ذلك شبهات. فمن أوقع بهن فهو قمن أن يأثم ، ومن اجتنبهن فهو أوفر لدينه ، كمرتع إلى جنب حمى أوشك أن يقع فيه ، ولكل ملك حمى ، وحمى الله الحرام».

قال الهيثمي في «المجمع» (١٠ / ٢٩٧) فيه سابق الجزري ، ولم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات. وأما حديث جابر ، فأخرجه الخطيب في «التاريخ» (٦ / ٧٠) ، من طريق سعيد بن زكريا المدائني ، حدثنا الزبير بن ـ

٩

قال ع (١) : وأحسن ما قيل في هذه الآية قول محمّد بن جعفر بن الزّبير (٢) ؛ أن المحكمات هي الّتي فيهن حجّة الربّ ، وعصمة العباد ، ودفع الخصوم والباطل ، ليس لها تصريف ولا تحريف عمّا وضعن عليه ، والمتشابهات : لها تصريف وتحريف ، وتأويل ابتلى الله فيهنّ العباد (٣) ، قال ابن الحاجب في «منتهى الوصول» : مسألة في القرآن محكم ومتشابه ، قال تعالى : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) ، فالمحكم : المتّضح المعنى ، قال الرهوني : يعني نصّا كان أو ظاهرا ، والمتشابه : مقابله إمّا للاشتراك ؛ مثل : (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨] ، أو للإجمال ؛ مثل : (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) [البقرة : ٢٣٧] وما ظاهره التّشبيه ؛ مثل : (مِنْ رُوحِي) [ص : ٧٢] ، و (أَيْدِينا) [يس : ٧١] ، و (بِيَدَيَ) [ص : ٧٥] و (بِيَمِينِهِ) [الزمر : ٦٧] ، و (يَسْتَهْزِئُ) [البقرة : ١٥] ، و (مَكَرَ اللهُ) [آل عمران : ٥٤] ونحوه ، والظاهر : الوقف على : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ؛ لأن الخطاب بما لا يفهم بعيد. انتهى.

قال الرهونيّ : وسمّي ما ذكر «متشابها» ؛ لاشتباهه على السامع ، قال الرهونيّ : والحقّ الوقف على : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ). وهو المرويّ عن جماعة ؛ منهم : ابن عبّاس ، وابن عمر ، وابن مسعود ، ومالك ، وغيرهم ، وفي مصحف أبيّ : «وما يعلم تأويله إلّا الله ويقول الراسخون [في العلم] (٤) آمنا به» (٥). ا ه.

وقوله تعالى : (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) ، أي : معظم الكتاب ، وعمدة ما فيه : إذ المحكم في آيات الله كثير قد فصّل ، ولم يفرّط في شيء منه ، قال يحيى بن يعمر (٦) : كما يقال

__________________

ـ سعيد الهاشمي ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر رفعه بنحوه.

ثم قال : أخبرنا أحمد بن أبي جعفر أخبرنا محمد بن عدي البصري ـ في كتابه ـ حدثنا أبو عبيد محمد بن علي الآجري قال : سألت أبا داود عن سعيد بن زكريا المدائني فقال : سألت يحيى عنه فقال : ليس بشيء.

(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٠١)

(٢) محمد بن جعفر بن الزّبير بن العوّام الأسدي ، عن عمه عروة ، وابن عمه عبّاد بن عبد الله ، وعنه عبيد الله بن أبي جعفر ، وابن إسحاق ، وجماعة ، وثقه النسائي.

ينظر : «الخلاصة» (٢ / ٣٨٨)

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ١٧٤) برقم (٦٥٨٤) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (١ / ٦٩) ، وابن عطية في «تفسيره» (١ / ٤٠١)

(٤) سقط في : أ.

(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١ / ١٨٣) برقم (٦٦٢٤) وعبد الرزاق (١ / ١١٦)

(٦) يحيى بن يعمر القيسي ، الجدلي العدواني البصري ، عن أبي ذر وأبي هريرة ، وعلي ، وعمّار ، وعائشة ، ـ

١٠

لمكّة أمّ القرى.

قال ع (١) : وكما يقال : أمّ الرّأس لمجتمع الشؤون ، فجميع المحكم هو أم الكتاب ، ومعنى الآية الإنحاء على أهل الزيغ ، والمذمّة لهم ، والإشارة بذلك أولا إلى نصارى نجران ، وإلى اليهود الذين كانوا معاصرين لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإنهم كانوا يعترضون معاني القرآن ، ثم يعم بعد ذلك كلّ زائغ ، فذكر تعالى ؛ أنه نزّل الكتاب / على نبيّه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ إفضالا منه ، ونعمة ؛ وأنّ محكمه وبيّنه الّذي لا اعتراض فيه هو معظمه ، والغالب فيه ؛ وأنّ متشابهه الذي يحتمل التّأويل ، ويحتاج إلى التفهّم هو أقلّه ، ثم إن أهل الزيغ يتركون المحكم الذي فيه غنيتهم ، ويتبعون المتشابه ؛ ابتغاء الفتنة ، وأن يفسدوا ذات البين ، ويردوا النّاس إلى زيغهم.

م : قال أبو البقاء : (وَأُخَرُ) : معطوف على (آياتٌ) ، و (مُتَشابِهاتٌ) : نعت ل (أُخَرُ).

وقوله تعالى : (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) : يعمّ كل طائفة من كافر وزنديق وجاهل صاحب بدعة ، والزيغ : الميل ، و (ابْتِغاءَ) : نصب على المفعول من أجله ، ومعناه : طلب الفتنة ، قال الربيع : الفتنة هنا الشرك ، وقال مجاهد : الفتنة : الشبهات ، واللّبس على المؤمنين ، ثم قال : وابتغاء تأويله ، والتأويل هو مردّ الكلام ، ومرجعه ، والشيء الذي يقف عليه من المعاني ، وهو من : آل يئول ، إذا رجع ، فالمعنى : وطلب تأويله على منازعهم الفاسدة ، هذا في ما له تأويل حسن ، وإن كان ممّا لا يتأوّل ، بل يوقف فيه ، كالكلام في معنى الرّوح ونحوه ، فنفس طلب تأويله هو اتّباع ما تشابه ، ثم قال تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) ، أي : وما يعلم تأويله على الكمال إلا الله سبحانه.

واختلف في قوله : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ، فرأت فرقة أنّ رفع الراسخين هو بالعطف على اسم الله (عزوجل) ؛ وأنه مع علمهم بالمتشابه يقولون : (آمَنَّا بِهِ) ، وقالت طائفة أخرى : والراسخون : رفع بالابتداء ، وهو مقطوع من الكلام الأول ، وخبره «يقولون» ، والمنفرد بعلم المتشابه هو الله وحده.

__________________

ـ وابن عباس ، وعنه ابن بريدة ، وعكرمة ، وقتادة ، وسليمان التيمي.

قال أبو داود : لم يسمع من عائشة ، وثقه أبو حامد ، توفي قبل التسعين «بخراسان».

ينظر : «الخلاصة» (٣ / ١٦٤ ـ ١٦٥)

(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٠١)

١١

قال ع (١) : وهذه المسألة إذا تأمّلت ، قرب الخلاف فيها من الاتفاق ، وذلك أنّ الله تعالى قسّم آي الكتاب قسمين محكما ومتشابها ، فالمحكم هو المتّضح المعنى لكلّ من يفهم كلام العرب ، لا يحتاج فيه إلى نظر ، ولا يتعلّق به شيء يلبّس ، ويستوي في علمه الراسخ وغيره ، والمتشابه على نوعين ، منه : ما لا يعلم البتّة ؛ كأمر الرّوح ، وآماد المغيّبات التي قد أعلم الله بوقوعها إلى سائر ذلك ، ومنه : ما يحمل على وجوه في اللغة ، ومناح في كلام العرب ، فيتأوّل ، ويعلم تأويله ، ولا يسمّى أحد راسخا إلّا أن يعلم من هذا النوع كثيرا ؛ بحسب ما قدّر له ، فمن قال : إن الراسخين لا يعلمون تأويله ، فمراده النوع الثاني الّذي ذكرناه ، ومن قال : إن الراسخين لا يعلمون تأويله ، فمراده النوع الأول ؛ كأمر الرّوح ، ووقت الساعة ، لكنّ تخصيصه المتشابه بهذا النوع غير صحيح ، بل هو نوعان ؛ كما ذكرنا ، والضمير في (تَأْوِيلِهِ) عائد على جميع متشابه القرآن ، وهما نوعان ؛ كما ذكرنا ، والرّسوخ : الثبوت في الشيء ، وسئل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الرّاسخين في العلم ، فقال : «هو من برّت يمينه ، وصدق لسانه ، واستقام قلبه» (٢) ، قلت : ومن «جامع العتبيّة» ، وسئل مالك عن تفسير الراسخين في العلم ، فقال : العالمون العالمون بما علموا ، المتّبعون له ، قال ابن رشد : قول مالك هذا هو معنى ما روي من أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل : من الراسخ في العلم؟ فقال : «من برّت يمينه ، وصدق لسانه ، / واستقام به قلبه ، وعفّ بطنه ، فذلك الرّاسخ في العلم» ؛ قال ابن رشد : ويشهد لصحّة هذا قول الله (عزوجل) : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨] ؛ لأنه كلام يدلّ على أنّ من لم يخش الله ، فليس بعالم. انتهى.

قلت : وقد جاء في فضل العلم آثار كثيرة ، فمن أحسنها : ما رواه أبو عمر بن عبد البرّ بسنده ، عن معاذ بن جبل ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تعلّموا العلم ؛ فإنّ تعليمه لله خشية ، وطلبه عبادة ، ومذاكرته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ، وبذله لأهله قربة ؛ لأنّه معالم الحلال والحرام ، ومنار سبل أهل الجنّة ، وهو الأنيس في الوحشة ، والصّاحب في الغربة ، والمحدّث في الخلوة ، والدّليل على السّرّاء والضّرّاء ، والسّلاح على الأعداء ، والزّين عند الأخلّاء ، ويرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة وأئمّة تقتصّ آثارهم ، ويقتدى بفعالهم ، وينتهى إلى رأيهم ، وترغب الملائكة في خلّتهم ،

__________________

(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٠٣)

(٢) أخرجه الطبراني في «الكبير» (٨ / ١٧٧ ـ ١٧٨) رقم (٧٦٥٨) ، من طريق عبد الله بن يزيد بن آدم ، حدثني أبو الدرداء ، وأبو أمامة ، وواثلة بن الأسقع ، وأنس بن مالك به.

وذكره الهيثمي في «المجمع» (٦ / ٣٢٧) ، وقال : وفيه عبد الله بن يزيد ، وهو ضعيف.

١٢

وبأجنحتها تمسحهم ، ويستغفر لهم كلّ رطب ويابس ، وحيتان البحر وهوامّه ، وسباع البرّ وأنعامه ؛ لأنّ العلم حياة القلوب من الجهل ، ومصابيح الأبصار من الظّلم ، يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار ، والدّرجات العلى في الدّنيا والآخرة ، الفكر فيه يعدل الصّيام ، ومدارسته تعدل القيام ، به توصل الأرحام ، وبه يعرف الحلال من الحرام ، هو إمام العمل ، والعمل تابعه ، يلهمه السّعداء ، ويحرمه الأشقياء» (١) ، قال أبو عمر : هكذا حدّثنيه عبيد بن محمّد مرفوعا بالإسناد الّذي رويناه به عنه ، وهو حديث حسن جدّا ، ولكن ليس له إسناد قويّ ، ورويناه من طرق شتّى موقوفا على معاذ. انتهى من كتاب «فضل العلم» (٢) ، قال الشيخ العارف أبو القاسم عبد الرحمن بن يوسف اللجائي (رحمه‌الله) ، ومن علامة نور العلم ، إذا حلّ بالقلب : المعرفة والمراقبة والحياء والتوبة والورع والزّهد والتوكّل والصّبر والرضى والأنس والمجاهدة والصّمت والخوف والرجاء والقناعة وذكر الموت. ا ه.

وقوله تعالى : (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) : فيه ضمير عائد على كتاب الله محكمه ومتشابهه ، والتقدير : كلّه من عند ربّنا.

ثم قال تعالى : (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) ، أي : ما يقول هذا ، ويؤمن ويقف حيث وقّف ، ويدع اتّباع المتشابه إلّا ذو لبّ ، وهو العقل و «أولو» : جمع : «ذو».

(رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ)(١١)

وقوله تعالى : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا ...) الآية : لمّا ذكر الله سبحانه أهل الزيغ ، وذكر نقيضهم ، وظهر ما بين الحالتين ، عقّب ذلك ؛ بأن علّم عباده الدعاء إليه في ألّا يكونوا من الطائفة الذميمة الّتي ذكرت ، وهم أهل الزيغ ، ويحتمل أن يكون هذا من تمام قول الراسخين ، و (تُزِغْ) : معناه : تمل قلوبنا عن الهدى والحقّ ، و (مِنْ لَدُنْكَ) : معناه : من عندك تفضّلا ، لا عن سبب منّا ، ولا عمل ، وفي هذا استسلام وتطارح ، والمراد : هب لنا نعيما صادرا عن الرحمة.

وقوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) : إقرار بالبعث ليوم القيامة ،

__________________

(١) أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» رقم (٢٦٨)

(٢) ينظر : المصدر السابق.

١٣

والرّيب : الشكّ ، والمعنى أنه في نفسه حقّ لا ريب فيه.

وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) ، يحتمل : أن يكون إخبارا منه سبحانه لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمته ، ويحتمل : أن يكون حكاية من قول / الداعين ، ففي ذلك إقرار بصفة ذات الله تعالى ، والميعاد : من الوعد.

وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً ...) الآية : الإشارة بالآية إلى معاصري النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكانوا يفخرون بأموالهم وأبنائهم ، وهي بعد متناولة كلّ كافر ، والوقود ؛ بفتح الواو : كلّ ما يحترق في النار من حطب ونحوه ، والدّأب ، والدّأب ؛ بسكون الهمزة وفتحها : مصدر : دأب يدأب ، إذا لازم فعل شيء ، ودام عليه مجتهدا فيه ، ويقال للعادة دأب ، والمعنى في الآية : تشبيه هؤلاء في لزومهم الكفر ودوامهم عليه بأولئك المتقدّمين ، وآخر الآية يقتضي الوعيد بأن يصيب هؤلاء ما أصاب أولئك ، والكاف في قوله : (كَدَأْبِ) في موضع رفع ، والتقدير : دأبهم كدأب ، والضمير في (قَبْلِهِمْ) عائد على (آلِ فِرْعَوْنَ) ، ويحتمل : على معاصري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الكفار.

وقوله : (كَذَّبُوا بِآياتِنا) : يحتمل : أن يريد المتلوّة ، ويحتمل أن يريد العلامات المنصوبة.

(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٢) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ)(١٣)

وقوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ ...) الآية : اختلف في تعيين هؤلاء الذين أمر صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالقول لهم :

فقيل : هم جميع معاصريه أمر أن يقول لهم هذا الذي فيه إعلام بغيب ، فوقع بحمد الله كذلك ، فغلبوا ، وصار من مات منهم على الكفر إلى جهنم.

وتظاهرت روايات عن ابن عبّاس وغيره ؛ بأنّ المراد يهود المدينة ، لما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من غزوة بدر ، جمعهم ، وقال : «يا معشر يهود أسلموا من قبل أن يصيبكم ما أصاب قريشا» ، فقالوا : يا محمّد ، لا تغرّنّك نفسك أن قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال ، إنّك لو قاتلتنا ، لعرفت أنّا نحن النّاس ، فأنزل الله فيهم هذه الآية» (١)

__________________

(١) أخرجه أبو داود (٢ / ١٧٠) : كتاب «الخراج والفيء والإمارة» ، (٣٠٠١) ، والطبري في «تفسيره» (٣ / ١٩٢) ـ

١٤

والحشر : الجمع والإحضار.

وقوله تعالى : (وَبِئْسَ الْمِهادُ) : يعني : جهنّم ؛ هذا ظاهر الآية ، وقال مجاهد : المعنى : بئس ما مهدوا لأنفسهم (١).

قال ع (٢) : فكان المعنى : وبئس فعلهم الذي أدّاهم إلى جهنّم.

وقوله تعالى : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ...) الآية تحتمل أن يخاطب بها المؤمنون ؛ تثبيتا لنفوسهم ، وتشجيعا لها ، وأن يخاطب بها جميع الكفّار ، وأن يخاطب بها يهود المدينة ، وبكلّ احتمال منها قد قال قوم ، وقرىء شاذّا : «ترونهم» ؛ بضم التاء (٣) ؛ فكأن معناها أنّ اعتقاد التضعيف في جمع الكفّار ؛ إنما كان تخمينا وظنّا لا يقينا ، وذلك أنّ «أرى» ؛ بضم الهمزة : تقولها فيما بقي عندك فيه نظر ، وأرى ؛ بفتح الهمزة : تقولها في ما قد صحّ نظرك فيه ، ونحا هذا المنحى أبو الفتح (٤) ، وهو صحيح ، والمراد بالفئتين : جماعة المؤمنين ، وجماعة الكفّار ببدر.

قال ع (٥) : ولا خلاف أن الإشارة بهاتين الفئتين هي إلى يوم بدر ؛ و (يُؤَيِّدُ) : معناه يقوّي ؛ من «الأيد» ، وهو القوّة.

(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ

__________________

ـ رقم (٦٦٦٣) ، والبيهقي في «دلائل النبوة» (٣ / ١٧٣ ـ ١٧٤). كلهم من طريق محمد بن أبي محمد مولى زيد ، عن سعيد بن جبير ، أو عكرمة عن ابن عباس به.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٦) ، وزاد نسبته إلى ابن إسحاق ، وفاته أن يعزوه إلى أبي داود.

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ١٩٢) برقم (٦٦٦٨) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (١ / ٣٧٤) ، وابن عطية في «تفسيره» (١ / ٤٠٦)

(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٠٦)

(٣) وقرأ بها أبان عن عاصم ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، كما في «المحرر الوجيز» (١ / ٤٠٦) ، و «البحر المحيط» (٢ / ٤١١). وقد نسبها ابن جني في «المحتسب» (١ / ١٥٤) إلى ابن عباس ، وطلحة بن مصرف ، وقال : قراءة حسنة.

(٤) أبو الفتح عثمان بن يزيد بن جني ، من حذاق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف ـ تلمذ على أبي علي الفارسي ، من تصانيفه «الخصائص» ، «سر صناعة الإعراب» ، «المحتسب» ، «اللمع» مات سنة ٣٩٢ ه‍.

ينظر : «بغية الوعاة» (٢ / ١٣٢)

(٥) ينظر «المحرر الوجيز» (١ / ٤٠٧)

١٥

الْمَآبِ (١٤) قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ)(١٧)

وقوله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ ...) الآية : هذه الآية ابتداء وعظ لجميع الناس ، وفي ضمن ذلك توبيخ ، والشهوات ذميمة ، واتباعها مرد ، وطاعتها مهلكة ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «حفّت النّار بالشّهوات ، وحفّت الجنّة بالمكاره» (١) ، فحسبك أنّ النّار حفّت بها ، فمن واقعها ، خلص إلى النّار ، قلت : وقد جاءت أحاديث / كثيرة في التزهيد في الدنيا ، ذكرنا من صحيحها وحسنها في هذا المختصر جملة صالحة لا توجد في غيره من التّفاسير ، فعليك بتحصيله ، فتطّلع فيه على جواهر نفيسة ، لا توجد مجموعة في غيره ؛ كما هي بحمد الله حاصلة فيه ، وكيف لا يكون هذا المختصر فائقا في الحسن ، وأحاديثه بحمد الله مختارة ، أكثرها من أصول الإسلام الستّة : البخاريّ ، ومسلم ، وأبي داود ، والتّرمذيّ ، والنّسائيّ ، وابن ماجة ، فهذه أصول الإسلام ، ثم من غيرها ؛ كصحيح ابن حبّان ، وصحيح الحاكم ، أعني : «المستدرك على الصّحيحين» ، وأبي عوانة ، وابن خزيمة ، والدّارميّ ، والموطّإ ، وغيرها من المسانيد المشهورة بين أئمّة الحديث ؛ حسبما هو معلوم في علم الحديث ، وقصدي من هذا نصح من اطلع على هذا الكتاب أن يعلم قدر ما أنعم الله به عليه ، فإن التحدّث بالنعم شكر ، ولنرجع إلى ما قصدناه من نقل الأحاديث :

__________________

(١) أخرجه مسلم (٤ / ٢١٧٤) ، كتاب «الجنة» ، باب صفة نعيمها ، حديث (١ / ٢٨٢١) ، والترمذي (٤ / ٦٩٣) ، كتاب «صفة الجنة» ، باب ما جاء : حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات ، حديث (٢٥٥٩) ، وأحمد (٣ / ١٥٣ ، ٢٥٤ ، ٢٨٤) ، وأبو يعلى (٦ / ٣٣) رقم (٣٢٧٥) ، وابن حبان (٧١٦ ، ٧١٨) ، والبيهقي في «الشعب» (٧ / ١٤٧) رقم (٩٧٩٥). والخطيب في «تاريخ بغداد» (٨ / ١٨٤) ، والبغوي في «شرح السنة» (٧ / ٣٣١ ـ بتحقيقنا) ، من حديث أنس بن مالك به مرفوعا.

وقال الترمذي : حسن صحيح غريب.

وله شاهد من حديث أبي هريرة : أخرجه البخاري (١١ / ٣٢٧) كتاب «الرقاق» ، باب حجبت النار بالشهوات ، حديث (٦٤٨٧) ، ومسلم (٤ / ٢١٧٤) ، كتاب «الجنة» ، حديث (١ / ٢٨٢٣) ، وأحمد (٢ / ٢٦٠) ، وابن حبان (٧١٩). كلهم من طريق أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة به. وعند البخاري : «حجبت» بدلا من «حفت».

وأخرجه القضاعي في «مسند الشهاب» (٥٦٧) ، من طريق مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة به.

١٦

روى الترمذيّ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أردتّ اللّحوق بي ، فليكفيك من الدّنيا ، كزاد الرّاكب ، وإيّاك ومجالسة الأغنياء ، ولا تستخلفي ثوبا حتّى ترقعيه» (١) حديث غريب ، وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ البذاذة من الإيمان» ، خرّجه أبو داود (٢) وقد نقله البغويّ في «مصابيحه» ، والبذاذة : هي رث الهيئة. ا ه و (الْقَناطِيرِ) : جمع قنطار ، وهو العقدة الكثيرة من المال ؛ واختلف النّاس في تحرير

__________________

(١) أخرجه الترمذي (٤ / ٢٤٥) ، كتاب «اللباس» ، باب ما جاء في ترقيع الثوب ، حديث (١٧٨٠). والحاكم (٤ / ٣١٢) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٥ / ١٥٧ ـ ١٥٨) رقم (٦١٨١) ، وابن السني في «القناعة» رقم (٥٤). كلهم من طريق سعيد بن محمد الوراق ، عن صالح بن حسان ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة به.

قال الترمذي : هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من حديث صالح بن حسان ، وسمعت محمدا يقول : صالح بن حسان منكر الحديث.

وقال البيهقي : تفرد به صالح بن حسان ، وليس بالقوي ، ورواه الحسن بن حماد ، عن إبراهيم بن عيينة ، عن صالح بن حسان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، ورواه أبو يحيى الحماني ، عن صالح عن عروة ، وقيل : عنه ، عن صالح ، عن هشام بن عروة.

أما الحاكم فقال : صحيح الإسناد.

وقد تعقبه الذهبي فقال : الوراق عدم.

وفي كلامهما نظر ، أما تصحيحه فليس بصحيح كما مر ، وكما سيأتي. أما تعليله بالوراق فقد توبع كما سيأتي ؛ لتنحصر العلة في صالح بن حسان.

فأخرجه الترمذي (٤ / ٢٤٥) ، كتاب «اللباس» ، باب ما جاء في ترقيع الثوب حديث (١٧٨٠) ، وابن السني في «القناعة» برقم (٥٥) ، وابن عدي في «الكامل» (٤ / ١٣٧٠). وابن الجوزي في «الموضوعات» (٣ / ١٣٩ ـ ١٤٠) ، من طريق أبي يحيى الحماني ، عن صالح بن حسان ، عن عروة ، عن عائشة به.

وقال ابن عدي : وقد رواه بعضهم عن أبي يحيى الحماني ، عن صالح بن حسان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة. ومن قال : عن صالح عن عروة. أصح.

وقال ابن الجوزي : هذا حديث لا يصح ، قال يحيى بن معين : صالح بن حسان ليس حديثه بشيء ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات والحديث أخرجه أبو نعيم في «أخبار أصبهان» (١ / ٨٩) ، من طريق حفص بن غياث ، عن صالح ، عن عروة ، عن عائشة.

وأخرجه ابن السني في «القناعة» رقم (٥٦) ، من طريق إبراهيم بن عيينة ، عن صالح بن حسان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة به.

والحديث ذكره الهندي في «الكنز» (٣ / ٧٣٠ ـ ٧٣١) رقم (٨٥٩٨). وزاد نسبته إلى ابن الأعرابي في «الزهد» ، والحديث ضعفه المنذري في «الترغيب» (٤ / ٦٤)

(٢) أخرجه أبو داود (٢ / ٤٧٤ ـ ٤٧٥) ، كتاب «الترجل» ، حديث (٤١٦١) ، من طريق عبد الله بن أبي أمامة ، عن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أبي أمامة به.

وقال أبو داود : هو أبو أمامة بن ثعلبة الأنصاري.

١٧

حدّه ، وأصحّ الأقوال فيه : ما رواه أبيّ بن كعب عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ أنّه قال : «القنطار ألف ومائتا أوقية» (١) ، لكنّ القنطار على هذا يختلف باختلاف البلاد في قدر الأوقية.

وقوله : (الْمُقَنْطَرَةِ) ، قال الطبريّ (٢) : معناه : المضعّفة ، وقال الربيع : المال الكثير بعضه على بعض (٣).

ص : (الْمُقَنْطَرَةِ) : مفعللة ، أو مفنعلة ؛ من القنطار ، ومعناه : المجتمعة.

م : أبو البقاء : و (مِنَ الذَّهَبِ) : في موضع الحال من (الْمُقَنْطَرَةِ) ا ه.

وقوله : (الْمُسَوَّمَةِ) : قال مجاهد : معناه المطهّمة الحسان (٤) ، وقال ابن عبّاس وغيره : معناه : الراعية (٥) ، وقيل : المعدّة ، (وَالْأَنْعامِ) : الأصناف الأربعة : الإبل ، والبقر ، والضّأن ، والمعز.

ص : والأنعام : واحدها نعم ، والنّعم : الإبل فقط ، وإذا جمع ، انطلق على الإبل والبقر والغنم. ا ه.

(وَالْحَرْثِ) : هنا اسم لكلّ ما يحرث من حبّ وغيره ، والمتاع : ما يستمتع به ، وينتفع مدّة ما منحصرة ، و (الْمَآبِ) : المرجع ، فمعنى الآية : تقليل أمر الدّنيا وتحقيرها ، والترغيب في حسن المرجع إلى الله تعالى.

وقوله تعالى : (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ ...) الآية : في هذه الآية تسلية عن الدنيا ، وتقوية لنفوس تاركيها ؛ ذكر تعالى حال الدّنيا ، وكيف استقرّ تزيين شهواتها ، ثم جاء بالإنباء بخير من ذلك هازّا للنفوس ، وجامعا لها ؛ لتسمع هذا النبأ المستغرب النافع لمن عقل ، وأنبّىء : معناه : أخبر.

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ١٩٩) برقم (٦٦٩٨)

(٢) ينظر : «تفسير الطبري» (٣ / ٢٠١)

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٢٠١) برقم (٦٧٢٢) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (١ / ٤٠٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٩) ، وعزاه لابن جرير.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٢٠٣) برقم (٦٧٣٦) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (١ / ٣٧٧) بنحوه ، وابن عطية في «تفسيره» (١ / ٤٠٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٩) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد.

(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٢٠٢) برقم (٦٧٣١) ، وذكره ابن عطية (١ / ٤٠٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٩) ، وعزاه لابن أبي حاتم.

١٨

وقوله تعالى : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ) ، الرّضوان : مصدر من «رضي» ، وفي الحديث الصحيح ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنّ أهل الجنّة ، إذا استقرّوا فيها ، وحصل لكلّ واحد منهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، قال الله لهم : أتريدون أن أعطيكم ما هو أفضل من هذا؟ قالوا : يا ربّنا ، وأيّ شيء أفضل من هذا؟ فيقول الله سبحانه : أحلّ عليكم رضواني ، فلا أسخط عليكم أبدا» (١) ، هذا سياق الحديث ، وقد يجيء مختلف الألفاظ ، والمعنى قريب بعضه من بعض ، قال الفخر (٢) : وذلك أن معرفة أهل الجنّة ، مع هذا النعيم المقيم بأنّه تعالى راض عنهم ، مثن عليهم ـ أزيد عليهم في إيجاب السّرور. ا ه.

وباقي الآية بيّن ، وقد تقدّم في سورة البقرة بيانه.

وقوله تعالى : (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا ...) الآية : «الّذين» : بدل من «الّذين اتّقوا» ، وفسر سبحانه في هذه الآية أحوال المتقين الموعودين بالجنّات ، والصّبر ؛ في هذه الآية : معناه : على الطّاعات ، وعن المعاصي والشهوات ، والصّدق : معناه : في الأقوال والأفعال ، والقنوت : الطاعة والدعاء أيضا ، وبكلّ ذلك يتصف المتّقي ، والإنفاق : معناه : في سبيل الله ومظانّ الأجر ، والاستغفار : طلب المغفرة من الله سبحانه ، وخصّ تعالى السّحر ؛ لما فيه من الفضل ؛ حسبما ورد فيه من صحيح الأحاديث ؛ كحديث النّزول : «هل من داع ، فأستجيب له ، هل من مستغفر ، فأغفر له» (٣) ، إلى غير ذلك ممّا ورد في فضله.

قلت : تنبيه : قال القرطبيّ في «تذكرته» ، وقد جاء حديث النزول مفسّرا مبيّنا في ما خرّجه النسائيّ عن أبي هريرة ، وأبي سعيد ، قالا : قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الله (عزوجل) يمهل حتّى يمضي شطر اللّيل الأوّل ، ثمّ يأمر مناديا يقول : هل من داع يستجاب له ، هل من مستغفر يغفر له ، هل من سائل يعطى» ، صحّحه أبو محمّد عبد الحقّ (٤). ا ه.

__________________

(١) تقدم تخريجه.

(٢) ينظر : «مفاتيح الغيب» (٧ / ١٧٤)

(٣) أخرجه البخاري (٣ / ٢٩) ، كتاب «التهجد» ، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل ، حديث (١١٤٥) ومسلم (١ / ٥٢٢) كتاب «صلاة المسافرين» ، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل حديث (١٦٨ ، ١٦٩ / ٧٥٨) وأبو داود (١ / ٤٢٠) ، كتاب «الصلاة» ، باب أي الليل أفضل؟ ، حديث (١٣١٥) والترمذي (٥ / ٥٢٦) ، كتاب «الدعوات» ، باب (٧٩) حديث (٣٤٩٨) وأحمد (٢ / ٤٨٧) والبيهقي (٣ / ٢) من حديث أبي هريرة.

(٤) ينظر الحديث السابق.

١٩

وخرّج أبو بكر بن الخطيب بسنده ، عن عبد الرحمن بن عوف (١) ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قال : «إنّ نزول الله تعالى إلى الشّيء إقباله عليه من غير نزول» (٢). ا ه.

والسّحر : آخر الليل ، قال نافع : «كان ابن عمر يحيي الليل صلاة ، ثم يقول : يا نافع ، أسحرنا ، فأقول : لا ، فيعاود الصّلاة ، ثم يسأل ، فإذا قلت : نعم ، قعد يستغفر».

قال ع (٣) : وحقيقة السّحر في هذه الأحكام الشرعيّة من الاستغفار المحمود ، وسحور الصّائم ، ومن يمين لو وقعت ، إنما هي من ثلث اللّيل الآخر إلى الفجر.

(شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ)(٢٠)

__________________

(١) هو : عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة .. أبو محمد. القرشي. الزهري. من مشاهير الصحابة ، وأحد العشرة المبشرين بالجنة ، وأحد الستة أهل الشورى الذين أوصى إليهم عمر بعده ، وأحد الثمانية الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق ، وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وصلّى خلفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومناقبه كثيرة لا يتسع المقام لذكرها.

توفي سنة (٣١) ب «المدينة».

تنظر ترجمته في : «أسد الغابة» (٣ / ٤٨٠) ، «الإصابة» (٤ / ١٧٦) ، «الاستيعاب» (٢ / ٨٤٤) ، «الاستبصار» (١١٤ ، ١٢٦) ، «تجريد أسماء الصحابة» (١ / ٣٥٣) ، «عنوان النجابة» (١٣١) ، «الرياض المستطابة» (١٧٦) ، «الأعلام» (٣ / ٣٢١) ، «التاريخ الكبير» (٥ / ٢٣٩) ، «التاريخ الصغير» (١ / ٥٠) ، «العبر» (١ / ٣٣) ، «الكاشف» (٢ / ١٧٩) ، «بقي بن مخلد» (٥٣) ، «تاريخ الإسلام» (٣ / ٢٢١) ، «الرياض النضرة» (٢ / ٣٧٦) ، «البداية والنهاية» (٧ / ١٦٣) ، «سير أعلام النبلاء» (١ / ٦٨) ، «شذرات الذهب» (١ / ٢٥ ، ٣٨ ، ٦٢) ، «التحفة اللطيفة» (٢ / ٥٢٤) ، «تهذيب الكمال» (٢ / ٨٠٩) ، «تقريب التهذيب» (١ / ٤٩٤) ، «العقد الثمين» (٥ / ٣٩٦)

(٢) أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (٢ / ٢٤٦). وقال الذهبي في «الميزان» (٥٠٨٣) : إسناد مظلم ، ومتن مختلق ، وقال ابن عراق في «تنزيه الشريعة» (١ / ١٣٨) : وفيه عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البقال ، وبحر بن كنيز السقا ، وعبد الكريم بن روح. قال الذهبي في «تلخيص الموضوعات» : هم ظلمات متروكون.

(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤١٢)

٢٠