تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

(أَسِفاً) شديد الغضب ، أو الحزين ، أو الجزع ، أو المتندم ، أو المتحسر.

(وَعْداً حَسَناً) النصر والظفر ، أو قوله تعالى.

(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ) الآية أو ثواب الآخرة ، أو التوراة يعملون بما فيها فيستحقون ثوابه.

(مَوْعِدِي) وعدهم أن يقيموا على أمره فاختلفوا ، أو بالميسر على أثره للميقات فتوقفوا.

(قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧))

(بِمَلْكِنا) بطاقتنا ، أو بملك أنفسنا عند البلية التي وقعت بنا ، أو لم يملك المؤمنون منع السفهاء من ذلك ، وعدهم أربعين ليلة فعدوا عشرين يوما وظنوا أنهم أكملوا الميعاد بالليالي وأوهمهم السامري ذلك.

(أَوْزاراً) أثقالا من زينة. (الْقَوْمِ) قوم فرعون لأن موسى أمرهم أن يستعيروا حليهم.

(فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨))

(فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً) لما استبطؤوا موسى قال السامري : إنما احتبس عنكم من أجل ما عندكم من الحلي ، فجمعوه ودفعوه للسامري فصاغ منه عجلا ، وألقى عليه قبضة من أثر فرس جبريل عليه‌السلام ، وهو الحياة فصار له خوار.

(خُوارٌ) لما ألقى قبضة أثر الرسول حي العجل وخار ، أو لم يصر فيه حياة ولكن جعل فيه خروقا إذا دخلتها الريح سمع لها صوت كالخوار.

(فَنَسِيَ) السامري إسلامه وإيمانه ، أو قال السامري قد نسي موسى إلاهه عندكم ، أو نسي السامري أن قومه لا يصدقونه في عبادة عجل لا يضر ولا ينفع ، أو نسي موسى أن قومه عبدوا العجل بعده.

(أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩))

(أَفَلا يَرَوْنَ) أفلا يرى بنو إسرائيل أن العجل لا يرد إليهم جوابا ، قيل : لما مضى من الموعد خمس وثلاثون أمر السامري بجمع الحلي وصاغه عجلا في السادس والثلاثين والسابع والثامن ودعاهم إلى عبادته في التاسع فأجابوه وجاء موسى بعد كمال الأربعين.

(قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢))

(ضَلُّوا) بعبادة العجل.

٤٠١

(أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣))

«تتبعني» في الخروج من بينهم ، أو في منعهم والإنكار عليهم.

(أَمْرِي) قول (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ..) الآية [١٤٢ من الأعراف].

(قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤))

(يَا بْنَ أُمَ) كان أخاه لأبويه ، أو لأبيه دون أمه ، وقاله استرقاقا واستعطافا.

(بِلِحْيَتِي) أخذ شعره بيمينه ولحيته بيساره ، أو بلحيته وأذنه ، فعبّر عن الأذن بالرأس ، فعل ذلك ليسر إليه نزول الألواح عليه في تلك المناجاة إرادة إخفائها على بني إسرائيل قبل التوبة ، أو وقع عنده أن هارون ما يلهم في أمر العجل ، قلت : وهذا فجور من قائله لأن ذلك لا يجوز على الأنبياء ، أو فعل ذلك لتركه الإنكار على بني إسرائيل ومقامه بينهم وهو الأشبه.

(فَرَّقْتَ) بينهم بما وقع من اختلاف معتقدهم ، أو بقتال من عبد العجل منهم ، قيل : عبدوه كلهم إلا اثني عشر ألفا بقوا مع هارون لم يعبدوه.

(وَلَمْ تَرْقُبْ) لم تعمل بوصيتي ، أو لم تنتظر عهدي.

(قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ (٩٥))

(فَما خَطْبُكَ) الخطب ما يحدث من الأمور الجليلة التي يخاطب عليها ، وكان السامري كرمانيا تبع موسى ، أو من عظماء بني إسرائيل اسمه موسى بن ظفر من قبيلة يقال لها سامرة ، أو قرية يقال لها : سامرة.

(قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦))

(بَصُرْتُ) نظرت ، أو فطنت ، بصرت وأبصرت واحد ، أو أبصرت نظرت ، وبصرت فطنت والقبضة بجميع الكف وبغير إعجام بأطراف الأصابع.

(الرَّسُولِ) جبريل عليه‌السلام عرفه لأنه رآه يوم فلق البحر حين قبض القبضة من أثره ، أو عرفه لأنه كان يغذوه صغيرا لما ألقته أمه خوفا أن يقتله فرعون لما كان يقتل بني إسرائيل فعرفه في كبره فأخذ التراب من تحت حافر فرسه.

(فَنَبَذْتُها) ألقاها فيما سكه من الحلي فخار بعد صياغته ، أو ألقاها في جوفه بعد صياغته فظهر خواره ، أو الرسول موسى وأثره شريعته ، قبض قبضة من شريعته نبذها وراء

٤٠٢

ظهره ثم اتخذ العجل إلها ، ونبذها ترك العمل بها.

(سَوَّلَتْ) حدثت ، أو زينت.

(قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٩٧))

(فَاذْهَبْ) وعيد من موسى ، فخاف فهرب يهيم في البرية مع الوحش لا يجد أحدا من الناس يمسه ، فصار كالقائل لا مساس لبعده عن الناس وبعدهم عنه أو حرمه موسى بهذا القول ، فكان بنو إسرائيل لا يخالطونه ولا يؤاكلونه فكان لا يمس ولا يمس.

(إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (٩٨))

(وَسِعَ) أحاط علمه بكل شيء فلم يخرج عن علمه شيء ، أو لم يخل شيء من علمه به.

(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢))

(زُرْقاً) عميا ، أو عطاشا ، ازرقت أعينهم من العطش أو شوه خلقهم بزرقة الأعين وسواد الوجوه ، أو الطمع الكاذب إذا تعقبته الخيبة وهو نوع من العذاب ، أو شخوص البصر من شدة الخوف ، أو الزرق الأعداء يعادي بعضهم بعضا من قولهم : عدو أزرق.

(يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (١٠٣))

(يَتَخافَتُونَ) يتسارون. (إِنْ لَبِثْتُمْ) في الدنيا ، أو القبور. (إِلَّا عَشْراً) على التقريب دون التحديد.

(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (١٠٤))

(أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً) أكثرهم سدادا ، أو أوفرهم عقلا.

(إِنْ لَبِثْتُمْ) في الدنيا ، أو القبور.

(إِلَّا يَوْماً) لأنه كان عنده أقصر زمانا وأقل لبثا.

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥))

(يَنْسِفُها) يجعلها كالرمل تنسفه الرياح ، أو تصير كالهباء.

(فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (١٠٦))

(قاعاً) موضعا مستويا لا نبات فيه ، أو أرضا ملساء ، أو مستنقع الماء قاله الفراء.

(صَفْصَفاً) موضعا لا نبات فيه ولا مستويا كأنه على وصف واحد في استوائه.

٤٠٣

(لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (١٠٧))

(عِوَجاً) واديا. (أَمْتاً) رابية ، أو عوجا : صدعا ، أمتا : أكمة ، أو عوجا : ميلا ، أمتا : أثرا ، أو الأمت الحدب والانثناء ، أو الصعود والارتفاع من الأمت في العصا والحبل وهو أن يغلظ في مكان منه ويدق في مكان.

(يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً (١٠٨))

(وَخَشَعَتِ) خضعت بالسكون.

(هَمْساً) صوتا خفيا ، أو تحريك الشفة واللسان ، أو نقل الأقدام.

(وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (١١١))

(وَعَنَتِ) ذلت ، أو خشعت ، الذليل أن يكون ذليل النفس والخشوع أن يتذلل لذي طاعة أو عملت أو استسلمت ، أو وضع الجبهة والأنف على الأرض في السجود.

(الْقَيُّومِ) القائم على كل نفس بما كسبت ، أو بتدبير الخلق ، أو الدائم الذي لا يزول ولا يبيد.

(حَمَلَ ظُلْماً) شركا.

(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (١١٢))

(فَلا يَخافُ ظُلْماً) بالزيادة في سيئاته. (وَلا هَضْماً) بالنقصان من حسناته.

(وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣))

(لَهُمْ ذِكْراً) جدا ، أو شرفا لإيمانهم به أو ذكرا يعتبرون به.

(فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤))

(وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) لا تسأل إنزاله قبل أن يأتيك وحيه ، أو لا تلقه إلى الناس قبل أن يأتيك بيان تأويله ، أو لا تعجل بتلاوته قبل فراغ جبريل من إبلاغه خوف نسيانه.

(زِدْنِي عِلْماً) علما : قرآنا.

(وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥))

(فَنَسِيَ) ترك أو سها.

٤٠٤

(عَزْماً) صبرا ، أو حفظا ، أو ثباتا قال أبو أمامة لو وزنت أحلام بني آدم لرجح حلمه على حلمهم وقد قال الله تعالى.

(وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) أو عزما في العود إلى الذنب ثانيا.

(فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (١١٧))

(فَتَشْقى) بأن تأكل من كد يدك وما تكسبه بنفسك وتصنعه بيدك أراد فيشقيا لاستوائهما في العلة ، وخصه بالذكر لأنه المخاطب دونها ، أو لأنه الكاد عليها الكاسب لها.

(قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣))

(فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ) ضمن الله تعالى لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.

(وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩))

(وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ) بجعل الجزاء يوم القيامة ، أو بتأخيرهم إلى يوم بدر.

(لِزاماً) عذابا لازما ، أو فصلا.

(وَأَجَلٌ مُسَمًّى) يوم بدر ، أو يوم القيامة. تقديره ولو لا كلمة وأجل لكان لزاما.

(فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (١٣٠))

(ما يَقُولُونَ) من الأذى والافتراء.

(قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) صلاة الفجر.

(وَقَبْلَ غُرُوبِها) صلاة العصر.

(آناءِ اللَّيْلِ) ساعاته واحدها إني صلاة الليل كله ، أو المغرب والعشاء.

(وَأَطْرافَ النَّهارِ) صلاة الظهر لأنها آخر النصف الأول وأول النصف الثاني ، أو صلاة التطوع.

(تَرْضى) تعطى و (تَرْضى) بالكرامة ، أو الشفاعة.

(وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٣١))

٤٠٥

(تَمُدَّنَّ) لا تأسفن ، أو لا تنظرن.

(أَزْواجاً) أشكالا من المزاوجة.

(زَهْرَةَ الْحَياةِ) زينتها.

(لِنَفْتِنَهُمْ) لنعذبهم.

(وَرِزْقُ رَبِّكَ) القناعة بما تملكه والزهد فيما لا تملكه ، أو ثواب الآخرة.

(خَيْرٌ وَأَبْقى) مما متّعوا به ، نزلت لما أبى اليهودي أن يسلف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم الطعام إلا برهن فشق ذلك على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (١٣٢))

(أَهْلَكَ) نسباؤك ، أو من أطاعك لتنزلهم منزلة الأهل في الطاعة.

(وَالْعاقِبَةُ) حسن العاقبة لذوي التقوى.

سورة الأنبياء (١)

(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١))

(حِسابُهُمْ) عذاب بدر ، أو حساب القيامة لأن كل آت قريب ، أو لقلة ما بقي من الزمان وكثرة ما مضى.

(ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢))

(مُحْدَثٍ) تنزله سورة بعد سورة وآية بعد آية.

(لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣))

(لاهِيَةً) غافلة باللهو عن الذكر أو مشتغلة بالباطل عن الحق.

(وَأَسَرُّوا) أخفوا ، أو أظهروا.

__________________

(١) سميت سورة الأنبياء لأن الله تعالى ذكر فيها جملة من الأنبياء الكرام في استعراض سريع يطول أحيانا ويقصر أحيانا وذكر جهادهم وصبرهم وتضحيتهم في سبيل الله وتفانيهم في تبليغ الدعوة لإسعاد البشرية ، وهي سورة مكية ، وقد نزلت بعد سورة إبراهيم ، وهذه السورة تعالج موضوع العقيدة الإسلامية في ميادينها الكبيرة : الرسالة ، الوحدانية ، البعث والجزاء وتتحدث عن الساعة وشدائدها والقيامة وأهوالها وعن قصص الأنبياء والمرسلين.

٤٠٦

(بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥))

(أَضْغاثُ) أهاويل أحلام ، أو تخاليط ، أو ما لا تأويل له. (أَحْلامٍ) ما لا تأويل له ولا تفسير ، أو الرؤيا الكاذبة.

(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧))

(أَهْلَ الذِّكْرِ) التوراة والإنجيل ، أو مؤمنو أهل الكتاب ، أو المسلمون.

(وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (٨))

(وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ) ولا يموتون فنجعلك كذلك رد لقولهم (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ ..) الآية [الأنبياء : ٣] أو ما جعلناهم جسدا إلا ليأكلوا للطعام فلذلك خلقناك جسدا مثلهم ، جسدا : هو المجسد الذي فيه روح ويأكل ويشرب ، أو ما لا يأكل ولا يشرب.

(لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠))

(ذِكْرُكُمْ) شرفكم إن عملتم به ، أو حديثكم ، أو ما تحتاجون إليه من أمر دينكم ، أو مكارم أخلاقكم ومحاسن أعمالكم.

(فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢))

(أَحَسُّوا) عاينوا عذابنا. (مِنْها) من القرية ، أو العذاب. (يَرْكُضُونَ) يسرعون.

(لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣))

(وَارْجِعُوا) استهزاء بهم وتوبيخ.

(أُتْرِفْتُمْ) نعمتم.

(تُسْئَلُونَ) شيئا من دنياكم استهزاء بهم ، أو عما عملتم ، أو تفيقون بالمسألة.

(فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥))

(حَصِيداً) قطعا بالاستئصال كحصاد الزرع.

(خامِدِينَ) بالعذاب ، أو بالسيف لما قتلهم بختنصر ، والخمود : الهمود تشبيها لخمود الحياة بخمود النار إذا طفئت كما يقال لمن مات طفىء تشبيها بانطفاء النار.

(لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧))

(لَهْواً) ولدا رد لقولهم في عيسى ، أو المرأة بلغة أهل اليمن رد لقولهم في مريم ، أو

٤٠٧

داعي الهوى ونازع الشهوة.

(مِنْ لَدُنَّا) لاتخذنا نساء وولدا من أهل السماء لا من أهل الأرض.

(إِنْ كُنَّا) نفي ، أو شرط تقديره لاتخذناه عندنا بحيث لا يصل علمه إليكم.

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨))

(بِالْحَقِّ) المتبوع على الباطل المدفوع ، أو بالقرآن ، والباطل إبليس.

(زاهِقٌ) ذاهب ، أو هالك.

(وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩))

(يَسْتَحْسِرُونَ) يملون ، أو يعيون ، أو يستنكفون ، أو ينقطعون والبعير المنقطع بالإعياء حسير.

بها جيف الحسرى

(أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١))

(مِنَ الْأَرْضِ) مما خلق في الأرض.

(يُنْشِرُونَ) يخلقون ، أو يحيون الموتى من النشر بعد الطي.

(لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢))

(إِلَّا اللهُ) سوى الله ، أو إلا بمعنى الواو.

(لَفَسَدَتا) هلكتا بالفساد.

(لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣))

(لا يُسْئَلُ) عن قضائه وهو يسأل الخلق عن أعمالهم أو لا يحاسب على أفعاله وهم يحاسبون ، أو لا يسأل عن أفعاله لأنها صواب ولا يريد بها الثواب.

(وَهُمْ يُسْئَلُونَ) لأن في أعمالهم غير الصواب وقد لا يريدون بها الثواب ، وإن كانت صوابا.

(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤))

٤٠٨

(ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) بما يلزمهم من حلال وحرام.

(وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) ممن نجا بالإيمان وهلك بالشرك ، أو ذكر من معي بإخلاص التوحيد في القرآن وذكر من قبلي في التوراة والإنجيل.

(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨))

(ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من أمر الآخرة. (وَما خَلْفَهُمْ) من الدنيا ، أو ما قدموا وأخروا من أعمالهم ، أو ما عملوا وما لم يعملوا.

(وَلا يَشْفَعُونَ) في الدنيا أو الآخرة في القيامة.

(ارْتَضى) عمله ، أو رضي عنه.

(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠))

(رَتْقاً) ملتصقتين ففتق الله تعالى عنهما بالهواء ، أو كانت السموات مرتتقة مطبقة ففتقها سبعا وكذلك الأرض ، أو السماء رتقا لا تمطر ففتقها بالمطر ، والأرض لا تنبت ففتقها بالنبات ، الرتق : السد ، والفتق : الشق.

(كُلَّ شَيْءٍ) خلق كل شيء من الماء ، أو حفظ حياة كل حي بالماء ، أو أراد ماء الصلب.

(وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١))

(رَواسِيَ) لأنها رست في الأرض وثبتت أو لأن الأرض رست بها فالرواسي الثوابت ، أو الثقال.

(تَمِيدَ) تزول ، أو تضطرب. (فِجاجاً) أعلاما يهتدى بها ، أو جمع فج وهو الطريق الواسع بين الجبلين.

(سُبُلاً) للاعتبار ، أو مسالك للسابلة.

(يَهْتَدُونَ) بالاعتبار بها إلى دينهم ، أو ليهتدوا طرق بلادهم.

(وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢))

(مَحْفُوظاً) أن يقع على الأرض ، أو مرفوعا ، أو من الشياطين.

٤٠٩

(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣))

(فَلَكٍ) الفلك السماء ، أو القطب المستدير الدائر بما فيه من القمرين والنجوم ومنه فلكة المغزل لاستدارتها ودورانها. واستدارة الفلك كدور الكرة ، أو كدور الرحى والفلك السماء تدور بالقمرين والنجوم ، أو استدارة في السماء تدور بالنجوم مع ثبوت السماء ، أو استدارة بين السماء والأرض تدور فيها النجوم.

(يَسْبَحُونَ) يجرون ، أو يدورون.

(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥))

(بِالشَّرِّ) الشدة والرخاء ، أو بالفقر والمرض.

(وَالْخَيْرِ) الغنى والصحة أو الشر : غلبة الهوى ، والخير : العصمة من المعاصي ، أو ما تحبون وما تكرهون لنعلم شكركم على ما تحبون وصبركم على ما تكرهون.

(فِتْنَةً) ابتلاء واختبارا.

(خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧))

(الْإِنْسانُ) آدم خلق بعجل يوم الجمعة آخر الأيام الستة قبل غروب الشمس أو لما نفخ الروح في عينيه ولسانه بعد إكمال صورته سأل ربه أن يعجل تمام خلقه وإجراء الروح في جسده قبل الغروب ، أو العجل الطين. قال :

والنبع في الصخرة الصماء منبته

والنخل ينبت بين الماء والعجل

أو الإنسان الناس كلهم فخلق الإنسان عجولا ، أو خلق على حب العجلة ، أو خلقت العجلة فيه ، والعجلة تقديم الشيء قبل وقته ، والسرعة تقديمه في أول أوقاته.

(قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (٤٢))

(يَكْلَؤُكُمْ) يحفظكم استفهام نفي.

(أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (٤٣))

(يُصْحَبُونَ) يجارون ، إن لك من فلان صاحبا أي مجيرا ، أو يحفظون ، أو ينصرون أو لا يصحبون من الله بخير.

٤١٠

(بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (٤٤))

(نَنْقُصُها) بالظهور عليها وفتحها بلدا بعد بلد ، أو بنقصان أهلها وقلة بركتها ، أو بالقتل والسبي أو بموت فقهائها وعلمائها.

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨))

(الْفُرْقانَ) التوراة الفارقة بين الحق والباطل ، أو البرهان الفارق بين حق موسى وباطل فرعون ، أو النصر والنجاة الفارقان بين موسى وفرعون.

(وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١))

(رُشْدَهُ) النبوة ، أو هدايته في الصغر. (مِنْ قَبْلُ) إرساله نبيا ، أو من قبل : موسى وهارون.

(عالِمِينَ) بأهليته للرشد ، أو للنبوة.

(فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨))

(جُذاذاً) حطاما ، جذاذا : قطعا مقطوعة ، قال الضحاك : هو أن يأخذ من كل عضوين عضوا ويدع عضوا. من الجذ وهو القطع.

(قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٦١))

(أَعْيُنِ النَّاسِ) بمرأى منهم.

(يَشْهَدُونَ) عقابه ، أو يشهدون عليه بما فعل كرهوا عقابه بغير بينة ، أو بما يقول من حجة وما يقال له من جواب.

(قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣))

(فَسْئَلُوهُمْ) جعل سؤالهم مشروطا بنطقهم ، أو أخرجه مخرج الخبر يريد من اعتقدها آلهة لزمه السؤال فلعلها تجيبه إن كانت ناطقة.

(يَنْطِقُونَ) أي يخبرون.

(فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤))

(إِلى أَنْفُسِهِمْ) رجع بعضهم إلى بعض ، أو رجع كل واحد إلى نفسه مفكرا فيما قاله إبراهيم.

(أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) بسؤاله لأنها لو كانت آلهة لم يصل إليها ، حادوا عما أرادوه من

٤١١

الجواب وأنطقهم الله بالحق.

(ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥))

(نُكِسُوا) رجعوا إلى الشرك بعد اعترافهم بالحق ، أو رجعوا احتجاجهم على إبراهيم بقولهم.

(لَقَدْ عَلِمْتَ) الآية أو خفضوا رؤوسهم.

(قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٦٨))

(قالُوا حَرِّقُوهُ) أشار عليهم بذلك رجل من أكراد فارس ، أو هيزون فخسفت به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ، ولما أوثق ليلقى فيها قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين ، لك الحمد ولك الملك ولا شريك لك ، فلما ألقي فيها قال :

«حسبي الله ونعم الوكيل» فلم يحرق منه إلا وثاقه ، وكان ابن ست وعشرين سنة ولم يبق يومئذ في الأرض دابة إلا كانت تطفىء النار عنه إلا الوزغ كان ينفخها فأمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتله ، قال الكلبي : بنوا له أتونا ألقوه فيه وأوقدوا عليه النار سبعة أيام ثم أطبقوه عليه وفتحوه من الغد فإذا هو عرق أبيض لم يحترق ، وبردت نار الأرض فما أنضجت يومئذ كراعا.

(وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (٧١))

(وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً) كان ابن أخي إبراهيم فآمن به فنجا معه.

(إِلَى الْأَرْضِ) مكة ، أو أرض القدس ، أو الشام.

(بارَكْنا) ببعث أكثر الأنبياء منها أو بكثرة خصبها ونمو نباتها ، أو بعذوبة مائها وتفرقه في الأرض منها فتهبط المياه العذبة من السماء إلى صخرة بيت المقدس ثم تتفرق في الأرض.

(وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ (٧٢))

(نافِلَةً) غنيمة ، أو النافلة ابن الابن ، أو زيادة العطاء فالنافلة يعقوب لأنه دعا بالولد فزاده الله تعالى ولد الولد ، أو النافلة إسحاق ويعقوب لأنهما زيادة على ما تقدم من الإنعام عليه.

(وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (٧٤))

(وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً) نبوة أو قضاء بين الناس.

(وَعِلْماً) فقها.

٤١٢

(الْخَبائِثَ) اللواط ، أو الضراط والقرية : سدوم.

(وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦))

(نادى) دعانا على قومه من قبل إبراهيم. (الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) الغرق بالطوفان.

(وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (٧٩))

(الْحَرْثِ) زرع ، أو كرم نبتت عناقيده.

(نَفَشَتْ) النفش رعي الليل والهمل رعي النهار ، قال بعض المتكلمين كان حكمهما صوابا متفقا إذ لا يجوز الخطأ على الأنبياء فقوله :

(فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) لأنه أوتي الحكم في صغره وأوتيه داود في كبره ، وهذا شاذ ، أو أخطأ داود وأصاب سليمان على قول الجمهور فحكم داود لصاحب الحرث الغنم ، وحكم سليمان بأن تدفع الغنم إلى صاحب الحرث لينتفع بدرها ونسلها ويدفع الحرث إلى صاحب الغنم ليعمره فإذا عاد في القابل ردت الغنم إلى صاحبها والحرث إلى مالكه فرجع داود إلى حكمه ، ويجوز أن يكون ذلك اجتهادا من سليمان ويكون داود فتيا عبّر عنها بالحكم لئلا تكون نقضا للاجتهاد بالاجتهاد ، ويجوز أن يكون حكم سليمان عن وحي فيجب على داود نقض الحكم عملا بالنص ، قلت : ويمكن أن يجوز في شرعهم نقض الاجتهاد بالاجتهاد والخطأ جائز على جميع الأنبياء ، أو يستثنى منهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ لا نبي بعده يستدرك غلطه ، وهذا مبني على جواز اجتهاد الأنبياء ، وشرعنا موافق لشرعهما في ضمان ما أتلفته البهائم ليلا وإن اختلف الشرعان في صفة الضمان وكيفيته.

(وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ) ذللنا ، أو ألهمنا. (يُسَبِّحْنَ) يسرن من السبح ، أو يصلين ، أو يسبحن تسبيحا كان مسموعا كان يفهمه.

(وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (٨٠))

(لَبُوسٍ) الدروع ، أو جمع السلاح لبوس عند العرب.

(بَأْسِكُمْ) سلاحكم ، أو حرب أعدائكم.

(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ

٤١٣

عالِمِينَ (٨١))

(عاصِفَةً) العصوف شدة حركتها ، والتّبن عصف لأنها تعصفه بشدة تطييرها له.

(الْأَرْضِ) الشام بورك فيها بمن بعث فيها من الأنبياء ، أو بأن مياه أنهار الأرض تجري منها ، أو بما أودعها من الخيرات فما نقص من الأرض زيد في الشام وما نقص من الشام زيد في فلسطين.

(وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣))

(وَأَيُّوبَ) كان ذا مال وولده فهلك ماله ، ومات أولاده ، ثم بلي في بدنه فقرح وسعى فيه الدود واشتد بلاؤه فطرح على مزبلة بني إسرائيل ولم يبق أحد يدنو منه إلا امرأته.

(الضُّرُّ) المرض ، أو البلاء الذي بجسده حتى كانت الدود تسقط منه فيردها ويقول كلي مما رزقك الله ، أو الشيطان لقوله (مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ) [ص : ٤١] ، أو وثب ليصلي فلم يقدر فقال : (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) إخبارا عن حاله لا شكوى لبلائه ، أو انقطع عنه الوحي أربعين يوما فخاف هجران ربه فقال : (مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ) تقديره أيمسني الضر وأنت أرحم الراحمين ، أو أنت أرحم بي أن يمسني الضر ، أو قاله استقالة من ذنبه ورغبا إلى ربه ، أو شكا ضره استعطافا لرحمته وكشف بلائه.

(فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤))

(أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ) رد إليه أهله الذين أهلكهم بأعيانهم وأعطاه مثلهم معهم قاله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ، أو كان له سبع بنين وسبع بنات فماتوا في بلائه ، فلما كشف بلاؤه رد عليه بنوه وبناته ، وولد له بعد ذلك مثلهم ، قال الحسن رضي الله تعالى عنه ماتوا قبل آجالهم فأحياهم الله تعالى فوفاهم آجالهم وأبقاه حتى أعطاه من نسلهم مثلهم.

(وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥))

(وَذَا الْكِفْلِ) عبد صالح كفل لليسع بصوم النهار وقيام الليل وأن لا يغضب ويقضي بالحق فوفى بذلك ، أو كان نبيا كفل بأمر فوفى به ، سمي ذا الكفل لوفائه بما كفل به ، أو لغير سبب ، أو لأن ثوابه ضعف ثواب غيره من أهل زمانه.

(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧))

٤١٤

(النُّونِ) الحوت.

(مُغاضِباً) مراغما للملك حزقيا ولم يكن به بأس ، أو لقومه ، أو لربه من غير مراغمة لأنها كفر ، بل مغاضبته خروجه بغير إذنه. وذهب لأن خلقه كان ضيقا فلما أثقلته أعباء النبوة ضاق بهم فلم يصبر ، أو كان من عادة قومه قتل الكاذب فلما أخبرهم بنزول العذاب ثم رفعه الله تعالى عنهم قال : لا أرجع إليهم كاذبا وخاف القتل فخرج هاربا.

(فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ) نضيق.

(عَلَيْهِ) طرقه (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ) [الطلاق : ٧] ضيق ، أو ظن أن لن نحكم عليه بما حكمنا ، أو ظن أن لن نقدّر عليه من العقوبة ما قدرنا من القدر وهو الحكم دون القدرة ، ولذلك قرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نُقدِر عليه ، أو تقديره أفظن أن لن نقدر عليه ، ولا يجوز أن يحمل على ظن العجز لأنه كفر.

(الظُّلُماتِ) ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الحوت ، أو الحوت في بطن الحوت.

(مِنَ الظَّالِمِينَ) لنفسي بخروجي بغير إذنك ولم يكن ذلك عقوبة له لأن الأنبياء لا يعاقبون بل كان تأديبا وقد يؤدب من لا يستحق العقاب كالصبيان.

(فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨))

(فَاسْتَجَبْنا) إجابة الدعاء ثواب من الله تعالى للداعي ولا تجوز أن تكون غير ثواب ، أو هي استصلاح قد يكون ثوابا وقد يكون غير ثواب أوحى الله تعالى إلى الحوت لا تكسري له عظما ولا تخدشي له جلدا فلما صار في بطنها قال : يا رب اتخذت لي مسجدا في موضع ما اتخذه أحد ، ولبث في بطنه أربعين يوما ، أو ثلاثة أيام ، أو من ارتفاع النهار إلى آخره ، أو أربع ساعات ، ثم فتح الحوت فاه فرأى يونس ضوء الشمس ، فقال : (سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فلفظه الحوت.

(وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (٨٩))

(فَرْداً) خليا من عصمتك ، أو عادلا عن طاعتك ، أو وحيدا بغير ولد عند الجمهور.

(فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (٩٠))

(وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ) كانت عاقرا فصارت ولودا فولدت له وهو ابن اثنتين وسبعين سنة وهي قريبة من سنه ، أو كان في لسانها طول فحسّنا خلقها.

٤١٥

(يُسارِعُونَ) يبادرون بالأعمال الصالحة.

(رَغَباً) في ثوابنا. (وَرَهَباً) من عقابنا أو رغبا في الطاعات ورهبا من المعاصي ، أو رهبا بظهور الأكف ورغبا ببطونها ، أو طمعا وخوفا.

(خاشِعِينَ) متواضعين ، أو راغبين راهبين ، أو وضع اليمنى على اليسرى والنظر إلى موضع السجود في الصلاة.

(وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (٩١))

(أَحْصَنَتْ فَرْجَها) بالعفاف من الفاحشة ، أو جيب درعها منعت منه جبريل عليه‌السلام قبل أن تعلم أنه رسول الله.

(مِنْ رُوحِنا) أجرينا فيها روح المسيح عليه الصلاة والسّلام كما يجري الهواء بالنفخ ، أو أمر جبريل عليه‌السلام فمد جيب درعها بإصبعه ثم نفخ فيه فحبلت من وقتها وولدته يوم عاشوراء.

(آيَةً) خلقه من غير ذكر ، وكلامه ببراءتها.

(إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢))

(أُمَّتُكُمْ) دينكم دين واحد.

(وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (٩٣))

(وَتَقَطَّعُوا) اختلفوا في الدين ، أو تفرقوا فيه.

(وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥))

(وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ) وجدناها هالكة بالذنوب.

(أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) إلى التوبة ، أو أهلكناها بالعذاب (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) إلى الدنيا ، وحرم وجب على قرية.

(أَهْلَكْناها) أنهم لم يكونوا ليؤمنوا.

(حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦))

(فُتِحَتْ) فتح لها السد ، ويأجوج ومأجوج : أخوان لأب من ولد يافث بن نوح ، من أجة النار ، أو من الماء الأجاج.

(حَدَبٍ) الفجاج والطرق أو الجوانب ، أو التلاع والآكام من حدبة الظهر.

٤١٦

(يَنْسِلُونَ) يخرجون.

من ثيابك تنسلي

أو يسرعون وهم يأجوج ومأجوج أو الناس يحشرون إلى الموقف.

(إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (٩٨))

(حَصَبُ جَهَنَّمَ) وقودها ، أو حطبها ، أو يرمون فيها كما ترمى الحصباء فكأنها تحصب بهم ، «وحضب جهنم» بالإعجام يقال : حضبت النار إذا خبت وألقيت فيها ما يشعلها من الحطب.

(إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١))

(الْحُسْنى) طاعة الله تعالى أو السعادة منه ، أو الجنة ، يريد به عيسى والعزير والملائكة الذين عبدوا وهم كارهون ، أو عثمان وطلحة والزبير ، أو عامة في كل من سبقت له الحسنى ، لما نزلت (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ..) الآية قال المشركون : إن المسيح والعزير والملائكة قد عبدوا فنزلت (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ ..) الآية.

(لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣))

(الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) النفخة الأخيرة أو ذبح الموت ، أو حين تطبق جهنم على أهلها.

(يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (١٠٤))

(السِّجِلِّ) الصحيفة تطوى على ما فيها من الكتابة ، أو ملك يكتب أعمال العباد ، أو اسم رجل كان يكتب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥))

(الزَّبُورِ) الكتب المنزلة على الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم وسلامه والذكر : الكتاب الذي في السماء ، أو الزبور الكتب المنزلة بعد التوراة ، والذكر التوراة ، أو زبور داود عليه الصلاة والسّلام ، والذكر : التوراة.

(الْأَرْضَ) أرض الجنة. (يَرِثُها) أهل الطاعة ، أو أرض الشام يرثها بنو إسرائيل ، أو

٤١٧

أرض الدنيا يرثها أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالفتوح.

(إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (١٠٦))

(إِنَّ فِي هذا) القرآن أو السورة.

(لَبَلاغاً) إليهم يكفهم عن المعصية ويبعثهم على الطاعة أو يبلغهم إلى رضوان الله تعالى وثوابه.

(عابِدِينَ) مطيعين ، أو عاملين.

(وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧))

(رَحْمَةً) هداية. (لِلْعالَمِينَ) المؤمنين ، أو رفعا لعذاب الاستئصال عن كافة الخلق.

(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (١٠٩))

(تَوَلَّوْا) أعرضوا عنك ، أو عن القرآن.

(آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ) أمر سوي ، أو مهل ، أو عدل ، أو بيان علانية غير سر ، أو على سواء في الإعلام فلا يظهر لبعضهم ما كتمه عن بعض ، أو لتستووا في الإيمان به ، أو من كفر به فهم سواء في قتالهم وجهادهم.

(وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (١١١))

(لَعَلَّهُ) رفع الاستئصال ، أو تأخير العذاب.

(فِتْنَةٌ) هلاك ، أو ابتلاء ، أو اختبار.

(إِلى حِينٍ) القيامة ، أو الموت ، أو أن يأتي قضاء الله تعالى فيهم.

(قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١١٢))

(احْكُمْ بِالْحَقِّ) عجل الحكم بالحق ، أو افصل بيننا وبين المشركين بما يظهر به الحق للجميع.

(تَصِفُونَ) تكذبون ، أو تكتمون ، كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا شهد قتالا قرأ هذه الآية.

٤١٨

سورة الحج (١)

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١))

(زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ) زلزلة من أشراط الساعة تكون في الدنيا أو نفخة البعث أو عند القضاء بين الخلق.

(يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ (٢))

(تَذْهَلُ) تسلو كل والدة عن ولدها ، أو تشتغل ، أو تلهى أو تنساه.

(سُكارى) من الخوف. (وَما هُمْ بِسُكارى) من الشرب.

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (٣))

(يُجادِلُ) يرد النص بالقياس أو يخاصم في الدين بالهوى ، نزلت في النضر بن الحارث.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥))

__________________

(١) سميت سورة الحج تخليدا لدعوة الخليل إبراهيم عليه‌السلام حين انتهى من بناء البيت العتيق ونادى الناس لحج بيت الله الحرام فتواضعت الجبال حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض فأسمع نداءه من في الأصلاب والأرحام أجابوا النداء لبيك اللهم لبيك ، وهي سورة مدنية ما عدا الآيات (٥٢ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٥) فقد نزلت بين مكة والمدينة ، وقد نزلت بعد سورة النور ، وقد تناولت السورة جوانب التشريع شأنها شأن سائر السور المدنية التي تعني بأمور التشريع ومع أن السورة مدنية إلا أنه يغلب عليها جو السور المكية فموضوع الإيمان والتوحيد والإنذار والتخويف وموضوع البعث والجزاء ومشاهد القيامة وأهوالها هو البارز في السورة الكريمة حتى ليكاد يخيل للقارئ أنها من السور المكية هذا إلى جانب الموضوعات التشريعية من الإذن بالقتال وأحكام الحج والهدى والأمر بالجهاد في سبيل الله وغير ذلك من المواضيع التي هي من خصائص السور المدنية حتى لقد عدّها بعض العلماء من السور المشتركة بين المدني والمكي.

عن عقبة بن عامر قال قلت يا رسول الله أفضّلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟ قال : نعم. فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما.

وعن عمر أنه كان يسجد سجدتين في الحج قال إن هذه السورة فضّلت على سائر السور بسجدتين.

٤١٩

(مِنْ تُرابٍ) يريد آدم. (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) يريد ذريته فتصير النطفة علقة ثم تصير العلقة مضغة بقدر ما يمضغ من اللحم.

(مُخَلَّقَةٍ) صارت خلقا. (وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) دفعتها الأرحام فلم تصر خلقا ، أو تامة الخلق وغير تامة أو مصورة وغير مصورة ، أو لتمام شهوره وغير تمام.

(لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) في القرآن بدو خلقكم وتنقل أحوالكم.

(يُتَوَفَّى) قبل الأشد ، أو قبل أرذل العمر.

(أَرْذَلِ الْعُمُرِ) الهرم ، أو حالة ضعف كحال خروجه من بطن أمه ، أو ذهاب العقل.

(لِكَيْلا يَعْلَمَ) شيئا وينسى ما كان يعلمه ، أو لا يعقل بعد عقله الأول شيئا.

(هامِدَةً) غبراء متهشمة ، أو يابسة لا تنبت شيئا ، أو دراسة والهمود : الدروس.

(اهْتَزَّتْ) استبشرت ، أو اهتز نباتها لشدة حركته. (وَرَبَتْ) أضعف نباتها ، أو انتفخت لظهور نباتها على التقديم والتأخير ربت واهتزت.

(زَوْجٍ) نوع ، أو لون أصفر وأحمر وأخضر وغير ذلك. (بَهِيجٍ) حسن الصورة.

(ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩))

(ثانِيَ عِطْفِهِ) لاوى عنقه إعراضا عن الله ورسوله ، أو عادلا جانبه كبرا عن الإجابة ، والعطف الجانب ، ومنه نظر في أعطافه ، نزلت في النضر بن الحارث.

(لِيُضِلَّ) بتكذيبه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم واعتراضه على القرآن أو كان إذا رأى راغبا في الإسلام أحضره طعامه وشرابه وغناء قينة له» وقال هذا خير لك مما يدعوك إليه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١١))

(حَرْفٍ) ميل ، أو متحرفا بين الإيمان والكفر ، أو على ضعف في العبادة كقائم على حرف ، نزلت في المنافق يعبد الله تعالى بلسانه ويعصيه بقبله ، أو في ناس من القبائل وفيمن حول المدينة كانوا يقولون نأتي محمد فإن صادفنا عنده خيرا اتبعناه وإلا لحقنا بأهالينا.

(الْخُسْرانُ) لذهاب الدنيا والآخرة.

(يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣))

٤٢٠