تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (٨٦))

(أَنْ آمِنُوا) دوموا على الإيمان ، أو افعلوا فعل المؤمن ، أو أمر المنافقين أن يؤمنوا باطنا كما آمنوا ظاهرا.

(الطَّوْلِ) الغنى ، أو القدرة ، قيل نزلت في ابن أبي والجد بن قيس.

(رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٨٧))

(الْخَوالِفِ) النساء ، أو المنافقين ، أو الأدنياء الأخسّاء ، فلان خالفه أهله إذا كان دونهم.

(لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨))

(الْخَيْراتُ) جمع خيرة ، غنائم الدنيا ومنافع الجهاد ، أو ثواب الآخرة ، أو فواضل العطايا ، أو الحور (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ) [الرحمن : ٧٠].

(وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٠))

(الْمُعَذِّرُونَ) مخفف الذين اعتذروا بحق ، وبالتشديد الذين كذبوا في اعتذارهم فالعذر حق ، والتعذير كذب ، قيل هم بنو أسد وغطفان.

(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١))

(الضُّعَفاءِ) الصغار لضعف أبدانهم ، أو المجانين لضعف عقولهم أو العميان ، أو المجانين لضعف تصرفهم (وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً) [هود : ٩١] ضريرا.

(نَصَحُوا) برئوا من النفاق ، أو إذا قاموا بحفظ المخلفين والمنازل ، فيرجع إلى من لا يجد النفقة خاصة ، قيل نزلت في عائذ بن عمرو وعبد الله بن مغفل.

(وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (٩٢))

(لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) زادا لأنهم طلبوه ، أو نعالا لأنهم طلبوها ، وقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في هذه الغزوة : «أكثروا من النعال فإن الرجل لا يزال راكبا ما كان منتعلا» ، نزلت في العرباض بن سارية ، أو عبد الله بن الأزرق ، أو في بني مقرن من مزينة ، أو في سبعة من قبائل شتى ، أو في أبي موسى وأصحابه.

(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ

٢٦١

وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٩٣))

(السَّبِيلُ) الإنكار ، أو المأثم. (الْخَوالِفِ) المتخلفون بالنفاق ، أو الذراري من النساء والأطفال.

(الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٩٧))

(أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) كفرهم أكثر وأشد لجفاء طباعهم وغلظ قلوبهم ، أو الكفر فيهم أكثر لعدم وقوفهم على الكتاب والسنة.

(وَأَجْدَرُ) أقرب مأخوذ من الجدار بين المتجاورين.

(حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ) من فروض العبادات ، أو من الوعيد على مخالفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والتخلف عن الجهاد.

(وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨))

(ما يُنْفِقُ) في الجهاد ، أو الصدقات.

(مَغْرَماً) المغرم : التزام ما لا يلزم (عَذابَها كانَ غَراماً) [الفرقان : ٦٥] لازما.

(الدَّوائِرَ) انقلاب النعمة إلى غيرها من الدور.

(وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩))

(وَصَلَواتِ الرَّسُولِ) استغفاره لهم ، أو دعاؤه.

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠))

(وَالسَّابِقُونَ) أهل بيعة الرضوان ، أو أهل بدر ، أو الذين صلوا إلى القبلتين ، أو الذين سبقوا بالموت والشهادة من المهاجرين والأنصار سبقوا إلى الثواب وحسن الجزاء.

(رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) بالإيمان. (وَرَضُوا عَنْهُ) بالثواب ، أو رضي عنهم بالعبادة ورضوا عنه بالجزاء ، أو رضي عنهم بطاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورضوا عنه بالقبول.

(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (١٠١))

٢٦٢

(حَوْلَكُمْ) حول المدينة ، مزينة وجهينة وأسلم وغفار وأشجع كان فيهم بعد إسلامهم منافقون كما في الأنصار ، وإنما نافقوا لدخول جميعهم تحت القدرة فميزوا بالنفاق وإن عمتهم الطاعة.

(مَرَدُوا) أقاموا وأصروا ، أو مرنوا عليه وعتو فيه (شَيْطاناً مَرِيداً) [النساء : ١١٧] عاتيا ، أو تجردوا فيه وتظاهروا به.

(لا تَعْلَمُهُمْ) حتى نعلمك بهم ، أو لا تعلم عاقبتهم فلا تحكم على أحد بجنة ولا نار.

(مَرَّتَيْنِ) إحداهما بالفضيحة في الدنيا والجزع من المسلمين ، والثانية بعذاب القبر ، أو إحداهما بالأسر والأخرى بالقتل ، أو إحداهما بالزكاة والأخرى أمرهم بالجهاد ، لأنهم يرونه عذابا لنفاقهم ، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه أو إحداهما عذاب الدنيا والأخرى عذاب الآخرة.

(عَذابٍ عَظِيمٍ) بأخذ الزكاة ، أو بإقامة الحدود في الدنيا ، أو بالنار في الآخرة.

(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢))

(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا) نزلت في أبي لبابة في قضيته مع بني قريظة. أو في سبعة أنصار من العشرة المتخلفين في غزوة تبوك ، أبو لبابة بن عبد المنذر ، وأوس بن ثعلبة ، ووديعة بن حرام ، فلما ندموا على تخلفهم وربطوا أنفسهم إلى سواري المسجد ليطلقهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن عفا عنهم ، فلما مر بهم وكانوا على طريقه فسأل عنهم فأخبر بحالهم فقال : لا أعذرهم ولا أطلقهم حتى يكون الله تعالى هو الذي يعذرهم ويطلقهم. فنزلت.

(عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) الصالح : الجهاد ، والسيىء التخلف عنه ، أو السيىء الذنب والصالح التوبة ، أو ذنبا وسوطا لا ذاهبا فروطا ولا ساقطا سقوطا. قاله الحسن رضي الله تعالى عنه.

(خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣))

(خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ) لما تاب الله تعالى على أبي لبابة وأصحابه قالوا : يا رسول الله خذ منا صدقة تطهرنا وتزكينا ، فقال :

«لا أفعل حتى أؤمر» فنزلت ، صدقة بذلوها تطوعا ، أو الزكاة الواجبة. (تُطَهِّرُهُمْ) من ذنوبهم ، وتزكي أعمالهم. «وصل» استغفر ، أو ادع قاله.

(سَكَنٌ) قربة ، أو وقار ، أو أمن ، أو تثبيت ، والدعاء واجب على الآخذ أو مستحب ،

٢٦٣

أو يجب في التطوع ومستحب في الفرض ، أو يستحب للوالي ويجب على الفقير ، أو بالعكس ، أو إن سأل الدافع الدعاء وجب وإن لم يسأل استحب ، قال عبد الله بن أبي أوفى لما أتيت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بصدقات قومي قلت يا رسول الله صل عليّ فقال : «اللهم صل على آل أبي أوفى».

(وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦))

(وَآخَرُونَ) هم الثلاثة الباقون من العشرة المتخلفين في غزوة تبوك لم يربطوا أنفسهم وهم كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع.

(مُرْجَوْنَ) لما يرد من أمر الله فيهم.

(يُعَذِّبُهُمْ) يميتهم على حالهم ، أو يأمر بعذابهم إن لم يعلم صحة توبتهم. (عَلِيمٌ) بما يؤول إليه حالهم. (حَكِيمٌ) في إرجائهم.

(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧))

(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً) هم بنو عمرو بن عوف ، اثنا عشر رجلا من الأنصار بنوا مسجد الضرار.

(وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) لئلا يجتمعوا في مسجد قباء. (وَإِرْصاداً) انتظارا لسوء يتوقع ، أو لحفظ مكروه يفعل.

(لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ) بمخالفتهما ، أو عداوتهما ، وهو أبو عامر الراهب والد حنظلة بن الراهب ، وكان قد حزّب على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبنوه له ليصلي فيه إذا رجع من عند هرقل اعتقادا منهم أنه إذا صلى فيه نصروا ، ابتدءوا بنيانه والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم خارج إلى تبوك فسألوه أن يصلي فيه فقال : «أنا على سفر ولو قدمنا إن شاء الله تعالى أتيانكم وصلينا لكم فيه» ، فلما رجع أتوه وقد فرغوا منه وصلوا فيه الجمعة والسبت والأحد وقالوا : قد فرغنا منه ، فأتاه خبره وأنزل الله تعالى فيه ما أنزل.

(لا تَقُمْ فِيهِ) لا تصل فيه فعند ذلك أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهدمه فحرق ، أو انهار في يوم الاثنين ولم يحرق.

(لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨))

٢٦٤

(أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى) مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة مروي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو مسجد قباء ، وهو أول مسجد بني في الإسلام ، أو كل مسجد بني في المدينة أسس على التقوى.

(يَتَطَهَّرُوا) بالتوبة من الذنوب.

(وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) بالتوبة ، أو أراد الاستنجاء بالماء ، أو المتطهرين من أدبار النساء.

(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠٩))

(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ) مسجد قباء ، أو قوله : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى) مسجد المدينة ، وقوله. (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ) مسجد قباء. (جُرُفٍ) حرف الوادي الذي لا يثبت عليه البناء لرخاوته. (هارٍ) هائر ، وهو الساقط.

(فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ) سقطوا ببنيانهم في جهنم ، أو سقط المسجد بنفسه مع بقعته في جهنم ، قال جابر بن عبد الله : رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار حتى انهار ، وقيل حفرت فيه بقعة فرئي فيها الدخان.

(لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١١٠))

(رِيبَةً) حين بنوه شك ، أو غطاء ، أو بعد هدمه حزازة ، أو ندامة.

(تَقَطَّعَ) يموتوا ، أو يتوبوا ، أو تقطع في القبور.

(إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١))

(اشْتَرى) لما جوزوا بالجنة على ذلك عبّر عنه بلفظ الشراء تجوزا.

(التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢))

(التَّائِبُونَ) من الذنوب. (الْعابِدُونَ) بالطاعة ، أو بالتوحيد ، أو بطول الصلاة. (الْحامِدُونَ) على السراء والضراء ، أو على الإسلام. (السَّائِحُونَ) المجاهدون واستؤذن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في السياحة فقال :

«سياحة أمتي الجهاد» ، أو الصائمون ، قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سياحة أمتي الصوم» ، أو المهاجرون أو طلبة العلم.

٢٦٥

(بِالْمَعْرُوفِ) التوحيد ، أو الإسلام. (الْمُنْكَرِ) الشرك ، أو الذين لم ينهوا عنه حتى انتهوا عنه.

(وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) القائمون بأمره ، أو بفرائض حلاله وحرامه ، أو لشرطه في الجهاد.

(الْمُؤْمِنِينَ) المصدقين بما وعدوا في هذه الآيات ، أو بما ندبوا إليه فيها. لما نزل (إِنَّ اللهَ اشْتَرى) جاء رجل من المهاجرين فقال : يا رسول الله ، وإن زنا وإن سرق وإن شرب الخمر فنزلت (التَّائِبُونَ).

(ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١١٣))

(ما كانَ لِلنَّبِيِّ) لما زار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبر أمه ، وقال : «استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي واستأذنته في الدعاء لها فلم يأذن لي» فنزلت ، أو نزلت في أبي طالب لما قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لأستغفرن لك ما لم أنه عنك» (١) ، أو سمع علي رضي الله تعالى عنه رجلا يستغفر لأبويه فقال : أتستغفر لهما وهما مشركان فقال أو لم يستغفر إبراهيم لأبويه فذكره علي رضي الله تعالى عنه للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلت.

(وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤))

(مَوْعِدَةٍ) وعد إبراهيم عليه الصلاة والسّلام أبوه أنه إن استغفر له آمن ، أو وعد إبراهيم عليه الصلاة والسّلام أباه أن يستغفر له لرجائه إيمانه فلما مات على شركه تبرأ من أفعاله ومن الاستغفار له.

(لَأَوَّاهٌ) دعّاء ، أو رحيم ، أو موقن ، أو مؤمن بلغة الحبشة ، أو مسبّح ، أو مكثر من تلاوة القرآن ، أو متأوه ، أو فقيه ، أو متضرع خاشع مروي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو إذا ذكر ذنوبه استغفر منها. وأصل التأوه التوجع.

(حَلِيمٌ) صبور على الأذى ، أو صفوح عن الذنب.

(وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥))

(وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ) أسلم قوم من الأعراب ورجعوا إلى بلادهم يعملون بما شاهدوه

__________________

(١) أخرجه البخاري (١ / ٤٥٧ ، رقم ١٢٩٤) ومسلم (١ / ٥٤ ، رقم ٢٤).

٢٦٦

من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من صوم أيام البيض والصلاة إلى بيت المقدس ، ثم قدموا إليه فوجدوه يصوم رمضان ويصلي إلى الكعبة ، فقالوا : يا رسول الله دنّا بعدك بالضلالة إنك على أمر وإنا على غيره فنزلت.

(لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٧))

(تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ) توبة لعونه بإنقاذهم من شدة العسرة ، أو تخليصهم من نكاية العدو وغيره ، أي رجعهم إلى ما كانوا فيه من الحالة الأولى.

(الْعُسْرَةِ) في غزوة تبوك كانوا في قلة من الظّهر فيتناوب الرجلان والثلاثة على بعير واحد ، وتعسر الزاد فيشق الرجلان التمرة بينهما ، أو يمص النفر التمرة والواحدة ثم يشربون عليها الماء وذلك في شدة الحر ، واشتد عطشهم حتى نحروا الإبل وعصروا أكراشها فشربوا ماءها.

(يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ) يتلف بالجهد والشدة ، أو يعدل عن المتابعة والنصرة.

(ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) التوبة الأولى في الذهاب والثانية في الرجوع ، أو الأولى في السفر ، والثانية بعد الرجوع إلى المدينة.

(وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨))

(وَعَلَى الثَّلاثَةِ) وتاب على الثلاثة.

(خُلِّفُوا) عن التوبة فأخرت توبتهم حتى تاب الله تعالى على الذين ربطوا أنفسهم مع أبي لبابة ، أو خلفوا عن بعث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ) لامتناع المسلمين من كلامهم.

(وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) بما لقوه من جفوة الناس.

(وَظَنُّوا) أيقنوا أنهم لا يلجؤون في قبول توبتهم والصفح عنهم إلا إلى ربهم ، ثم تاب عليهم بعد خمسين ليلة من مقدم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(لِيَتُوبُوا) ليستقيموا ، لأن توبتهم قد تقدمت ، وامتحنوا بذلك إصلاحا لهم ولغيرهم.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩))

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بموسى ، أو عيسى عليهما الصلاة والسّلام.

(اتَّقُوا اللهَ) تعالى في الإيمان بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٢٦٧

(وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم أجمعين في الجهاد ، أو يا أيها المسلمون اتقوا الله تعالى في الكذب ، أو التقوا الله في طاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أمركم بالجهاد.

(الصَّادِقِينَ) أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما أو الثلاثة الذين خلفوا وصدقوا الرسول في تخلفهم ، أو المهاجرين ، لأنهم لم يتخلفوا عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الجهاد ، أو من صدقت نيته وقوله وعمله وسره وعلانيته.

(وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢))

(وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ) ما كان عليهم أن ينفروا جميعا لأن الجهاد صار فرض كفاية.

نسخت قوله تعالى : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) [التوبة : ٤١] ، أو ما كان لهم إذا بعث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم سرية أن يخرجوا جميعا ويتركوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة واحده بل يقيم بعضهم. لما عيّروا بالتخلف عن غزوة تبوك خرجوا في سرايا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتركوه وحده بالمدينة فنزلت.

(فَلَوْ لا نَفَرَ) مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم طائفة لتتفقه في الجهاد معه ، أو هاجرت إليه في إقامته لتتفقه ، أو لتتفقه الطائفة المقيمة مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم معناه فهلا إذا نفروا أن تقيم مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم طائفة لأجل التفقه في الدين في أحكامه ، ومعالمه ويتحملوا ذلك لينذروا به قومهم إذا رجعوا إليهم ، أو ليتفقهوا فيما يشاهدونه من المعجزات والنصر المصدق للوعد السابق ليقوي إيمانهم ويخبروا به قومهم.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣))

(الَّذِينَ يَلُونَكُمْ) العرب ، أو الروم ، أو الديلم ، أو عام في قتال الأقرب فالأقرب.

(وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤))

(أَيُّكُمْ زادَتْهُ) قاله المنافقون بعضهم لبعض على وجه الإنكار ، أو قالوه لضعفاء المسلمين استهزاء.

(فَزادَتْهُمْ إِيماناً) بها لأنهم لم يؤمنوا بها قبل نزولها أو زادتهم خشية.

(وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (١٢٥))

(رِجْساً) إثما ، أو شكا ، أو كفرا.

٢٦٨

(أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦))

(يُفْتَنُونَ) يبتلون ، أو يضلون ، أو يختبرون بالجوع والقحط ، أو بالجهاد والغزو في سبيل الله ، أو ما يلقونه من الكذب على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو ما هتكه الله تعالى من أسرارهم.

(لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨))

(مِنْ أَنْفُسِكُمْ) لم يبق من العرب بطن إلا ولده ، أو من المؤمنين لم يصبه شرك ، أو من نكاح لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية ، أو ممن تعرفونه بينكم.

(عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) شديد عليه ما شق عليكم ، أو شديد عليه ما ضللتم ، أو عزيز عليه عنت مؤمنكم.

(حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) أن تؤمنوا.

(رَؤُفٌ رَحِيمٌ) بما يأمرهم به من الهدى ويؤثره من صلاحهم ، نزلت هذه الآية والتي بعدها بمكة ، أو هما آخر ما نزل.

(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩))

(فَإِنْ تَوَلَّوْا) عنك ، أو عن طاعة الله تعالى.

سورة يونس (١)

(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (١))

(الر) أنا الله أرى أو حروف من الرحمن ، وقيل (الر) و «لَحْمَ» و (ن) اسم الرحمن

__________________

(١) سورة يونس سميت بذلك لذكر قصة نبي الله يونس فيها ، وما تضمنته من العظة والعبرة برفع العذاب عن قومه حين آمنوا بعد أن كاد يحل بهم البلاء والعذاب وهذا من الخصائص التي خصّ الله بها قوم يونس لصدق توبتهم وإيمانهم.

وهى سورة مكية ما عدا الآيات (٤٠ ، ٩٤ ، ٩٥ ، ٩٦) فمدنية ، وهي من سور المئين ، وقد نزلت بعد سورة الإسراء ، وتبدأ السورة بحروف مقطعة الر ، تنتهي السورة بضرورة اتّباع حكم الله والصبر عليه والصبر على ما يلقاه من أذى ، وقد تحدثت السورة عن قصص الأنبياء ومنهم سيدنا يونس الذي عرف بذي النون.

سورة يونس من السور المكية التي تعني بأصول العقيدة الإسلامية : الإيمان بالله تعالى والإيمان بالكتب والرسل والبعث والجزاء وهي تتميز بطابع التوجيه إلى الإيمان بالرسالات السماوية وبوجه أخص إلى القرآن العظيم خاتمة الكتب المنزلة والمعجزة الخالدة على مدى العصور والدهور.

٢٦٩

مقطع ، أو اسم للقرآن ، أو فواتح افتتح الله تعالى بها القرآن.

(تِلْكَ) هذه آيات الكتاب :

تلك خيلي منه وتلك ركابي

هن صفر أولادها كالزبيب

أي هذه خيلي.

(الْكِتابِ) التوراة والإنجيل ، أو الزبور ، أو القرآن. (الْحَكِيمِ) المحكم ، أو لأنه كالناطق بالحكمة.

(أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (٢))

(أَكانَ لِلنَّاسِ) لما بعث محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت العرب : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا فنزلت.

(قَدَمَ صِدْقٍ) ثوابا حسنا بما قدموه من العمل الصالح ، أو سابق صدق سبقت لهم السعادة في الذكر الأول ، أو شفيع صدق هو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو سلف صدق تقدموهم بالإيمان ، أو لهم السابقة بإخلاص الطاعة.

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣))

(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) يقضيه وحده ، أو يأمر به ويمضيه.

(ما مِنْ شَفِيعٍ) يشفع إلا أن يأذن له ، أو لا يتكلم عنده إلا بإذن ، أو ثان له من الشفع ، لأنه خلق السموات والأرض وهو فرد لا حي معه ، ثم خلق الملائكة والبشر.

(مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) أمره كن فكان.

(إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٤))

(يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) ينشئه ثم يفنيه أو يحييه ثم يميته ثم يبدؤه ثم يحييه.

(إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧))

(يَرْجُونَ لِقاءَنا) يخافون عقابنا ، أو يطمعون في ثوابنا.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ

٢٧٠

الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩))

(يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) يجعل لهم نورا يمشون به ، أو يهديهم بعملهم إلى الجنة ، قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يتلقى المؤمن عمله في أحسن صورة فيؤنسه ويهديه ، ويتلقى الكافر عمله في أقبح صورة فيوحشه ويضله» أو يهديهم إلى طريق الجنة ، أو مدحهم بالهداية.

(مِنْ تَحْتِهِمُ) تحت منازلهم ، أو بين أيديهم وهم يرونها من عل ، قال مسروق : أنهارها تجري في غير أخدود.

(دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠))

(دَعْواهُمْ) إذا عدوا شيئا يشتهونه قالوا :

(سُبْحانَكَ اللهُمَّ) فيأتيهم ذلك وإذا سألوا الله شيئا قالوا : «سبحانك اللهمّ».

(وَتَحِيَّتُهُمْ) ملكهم سالم ، التحية : الملك. أو يحيي بعضهم بعضا بالسلام أي سلمت مما بلي به أهل النار.

(وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ) كما أن أول دعائهم.

(سُبْحانَكَ اللهُمَّ) كان آخره بالحمد له. أو إذا أجاب سؤالهم فيما ادعوه وأتاهم ما اشتهوه شكروا بالحمد له.

(وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١))

(وَلَوْ يُعَجِّلُ) للكافر عذاب كفره كما عجل له المال والولد لقضي أجله ليعجل له عذاب الآخرة. أو لو استجيب للرجل إذا غضب فدعا على نفسه أو ماله ، أو ولده فقال : لا بارك الله فيه ، أو أهلكه.

(لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) لهلكوا. (الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) خاص بمشركي مكة ، أو عام. (طُغْيانِهِمْ) شركهم ، أو ضلالتهم ، أو ظلمهم.

(يَعْمَهُونَ) يترددون ، أو يتمادون ، أو يلعبون.

(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢))

(مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ) لجنبه يتعلق بدعانا ، أو بمس.

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ

٢٧١

عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥))

(الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا) كفار مكة.

(بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) إذا أتى بغيره جاز أن يبقى معه وإذا بدله فلا يبقى المبدل معه ، طلبوا تحويل الوعد وعيدا والوعيد وعدا والحلال حراما والحرام حلالا ، أو طلبوا إسقاط عيب آلهتهم وتسفيه أحلامهم ، أو إسقاط ما فيه من ذكر البعث والنشور.

(ما يُوحى إِلَيَّ) من وعد ووعيد وأمر ، ونهي وتحليل وتحريم. (إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) بتبديله وتغييره.

(قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦))

(أَدْراكُمْ) أعلمكم ، أو أنذركم.

(عُمُراً) أراد ما تقدم من عمره ، أو أربعين سنة ، لأنه بعث عن الأربعين ، وهو المطلق من عمر الإنسان.

(أَتُنَبِّئُونَ اللهَ) أتخبرونه بعبادة من لا يعلم ما في السموات ولا ما في الأرض ، أو ليس يعلم الله له شريكا.

(وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩))

(وَما كانَ النَّاسُ) آدم عليه الصلاة والسّلام ، أو أهل السفينة ، أو من كان على عهد إبراهيم عليه الصلاة والسّلام أو بنو آدم.

(أُمَّةً واحِدَةً) على الإسلام حتى اختلفوا ، أو على الكفر ، أو على دين واحد فاختلفوا في الدين فمؤمن وكافر ، أو اختلف بنو آدم لما قتل قابيل أخاه.

(سَبَقَتْ) بتأجيل العذاب إلى الآخرة ، لعجل العذاب في الدنيا ، أو بأن لا يعاجل العصاة.

(لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) وباضطرارهم إلى معرفة المحق من المبطل.

(وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١))

(رَحْمَةً) رخاء بعد شدة ، أو عافية بعض سقم ، أو خصابة بعد جدب ، أو إسلاما بعد كفر ، وهو المنافق ، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه.

(مَكْرٌ) كفر وجحود ، أو استهزاء وتكذيب ، لما أجيب دعاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسبع كسبع

٢٧٢

يوسف عليه الصلاة والسّلام أتاه أبو سفيان وسأله أن يدعو لهم بالخصب وقال : إن أجابك وأخصبنا صدقناك ، فدعا بذلك فأخصبوا فنقضوا ما قالوه وأقاموا على كفرهم فنزلت هذه الآية.

(إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤))

(حَصِيداً) ذاهبا ، أو يابسا. (تَغْنَ) تعمر أو تعيش ، أو تقم غني بالمكان : أقام به ، أو تنعم.

(وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥))

(دارِ السَّلامِ) السلامة ، أو اسم الله تعالى والجنة داره.

(وَيَهْدِي) بالتوفيق والإعانة ، أو بإظهار الأدلة.

(صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) القرآن ، أو الإسلام ، أو الحق ، أو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصاحباه رضي الله تعالى عنهما من بعده.

(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٦))

(أَحْسَنُوا) عبادة ربهم.

(الْحُسْنى) الجنة ، والزيادة : النظر إلى الله تعالى ، أو الحسنى واحدة الحسنات والزيادة مضاعفتها إلى عشرة ، أو الحسنى حسنة بحسنة ، والزيادة : مغفرة ورضوان ، أو الحسنى : جزاء الآخرة ، والزيادة : ما أعطوا في الدنيا ، أو الحسنى : الثواب والزيادة : الدوام.

(يَرْهَقُ) يعلو ، أو يلحق ، غلام مراهق : لحق بالرجال.

(قَتَرٌ) سواد الوجه ، أو الجزاء ، أو الدخان ، قتار اللحم والعود دخانهما ، أو الغبار في محشرهم إلى الله.

(ذِلَّةٌ) هوان أو خيبة.

(هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠))

«تتلو» تقرأ كتاب الحسنات والسيئات ، أو تتبع ما قدمته في الدنيا ، أو تعاين جزاءه.

(تَبْلُوا) تسلم لك نفس ، أو تختبر. (مَوْلاهُمُ) مالكهم. (الْحَقِّ) لأن الحق منه

٢٧٣

كالعدل لأنه العدل منه.

(وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦))

(إِلَّا ظَنًّا) تقليدا للرؤساء.

(وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٧))

(تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من التوراة والإنجيل والزبور أو البعث والجزاء والنشور.

(بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩))

(بِعِلْمِهِ) بعلم التكذيب لشكهم فيه ، أو بعلم ما فيه من الوعد والوعيد.

(تَأْوِيلُهُ) ما فيه من البرهان ، أو ما يؤول إليه من عقابهم.

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥))

(لَمْ يَلْبَثُوا) في الدنيا ، أو القبور.

(يَتَعارَفُونَ) أنهم كانوا على الباطل ، أو يعرف بعضهم بعضا إذا خرجوا من القبور ثم تنقطع المعرفة.

(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧))

(فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ) يوم القيامة ليشهد عليهم قضي بينهم ، أو إذا جاء في الدنيا ودعا عليهم قضي بينهم في الدنيا بالانتقام منهم ، أو إذا جاء في الآخرة قضي بينهم وبينه لتكذيبهم في الدنيا.

(وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣))

(أَحَقٌّ هُوَ) البعث ، أو عذاب الآخرة. (بِمُعْجِزِينَ) بممتنعين ، أو بمسابقين.

(وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٥٤))

(وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ) أظهروها ، أو أخفوها من رؤسائهم ، أو أخفاها الرؤساء منهم ، أو بدت بالندامة أسرة وجوههم ، وهي تكاسير الجبهة قاله المبرد.

(وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) وبين الرؤساء ، أو قضي عليهم بالعذاب.

٢٧٤

(قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨))

(بِفَضْلِ اللهِ) الإسلام. ورحمته : القرآن ، أو عكسه.

(فَلْيَفْرَحُوا) بهما ، أو فلتفرح قريش أن كان محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم منهم.

(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢))

(أَوْلِياءَ اللهِ) أهل ولايته المستحقون لكرامته ، أو الذين آمنوا وكانوا يتقون ، أو الراضون بالقضاء والصابرون على البلاء والشاكرون على النعماء ، أو من توالت أفعالهم على متابعة الحق ، أو المتحابون في الله تعالى.

(لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤))

(الْبُشْرى) في الدنيا عند الموت بتعريف مكانه وفي الآخرة الجنة ، أو في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها ، أو ترى له وفي الآخرة الجنة.

(لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) لا خلف لوعده ، أو لا نسخ لخبره.

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (٧١))

(فَأَجْمِعُوا) أعزموا ، أو أعدوا أمركم مع شركائكم على التناصر ، أو ادعوا شركاءكم لتنصركم.

(غُمَّةً) مغطى مستورا ، غم الهلال استتر ، أو ضيق الأمر الموجب للغم.

(لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ) آلهتكم ، أو ما عزمتم عليه.

(اقْضُوا) ما أنتم قاضون ، أو انهضوا ، أو أفضوا إليّ ما في أنفسكم.

(فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣))

(وَمَنْ مَعَهُ) ثمانون رجلا أحدهم جرهم وكان عربي اللسان ، وحمل من كل زوجين اثنين ، وأول ما حمل الذرة وآخره الحمار فدخل إبليس متعلقا بذنبه.

(خَلائِفَ) لمن غرق. (وَأَغْرَقْنَا) قيل : عاشوا في الطوفان أربعين يوما ، قال ابن إسحاق : بقي الماء بعد الغرق مائة وخمسين يوما ، وكان بين إرسال الطوفان إلى غيض الماء ستة أشهر وعشرة أيام ، وقال : استوت على الجودي لسبع عشرة ليلة من الشهر السابع.

(قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما

٢٧٥

نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (٧٨))

(لِتَلْفِتَنا) لتلوينا ، لفت عنقه لواها ، أو لتصدنا ، أو لتصرفنا ، لفته لفتا : صرفه.

(الْكِبْرِياءُ) الملك ، أو العظمة ، أو العلو ، أو الطاعة.

(فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣))

(ذُرِّيَّةٌ) قليل ، أو الغلمان لأن فرعون كان يذبحهم فأسرعوا إلى الإيمان أو أولاد الزّمنى ، أو قوم أمهاتهم من بني إسرائيل وآباءهم من القبط.

(يَفْتِنَهُمْ) يقتلهم ، أو يكرههم على استدامة ما هم عليه.

(لَعالٍ) متجبر ، أو طاغ باغ.

(فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥))

(فِتْنَةً) لا تسلطهم علينا فيفتنونا ، أو يفتتنوا بنا لظنهم بتسليطهم أنهم على حق.

(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٨٧))

(تَبَوَّءا) تخيرا واتخذا.

(بِمِصْرَ) المعروفة ، أو الإسكندرية ، قاله مجاهد. (بُيُوتاً) قصورا ، أو مساجد.

(بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) مساجد يصلون فيها ، لأنهم كانوا يخافون فرعون إذا صلوا في الكنائس ، أو اجعلوا مساجدكم قبل الكعبة ، أو يقابل بعضها بعضا ، أو اجعلوا بيوتكم التي بالشام قبلة لكم في الصلاة فهي قبلة اليهود إلى اليوم.

(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة.

(وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٨٨))

(اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) اهلكها ، فصارت زروعهم وأموالهم حجارة منقوشة.

(وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) بالعمى عن الرشد ، أو بالقسوة ، أو بالموت ، أو بالضلالة ليهلكوا كفارا فيعذبوا في الآخرة.

(الْعَذابَ الْأَلِيمَ) الغرق.

(قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨٩))

٢٧٦

(دَعْوَتُكُما) أمن هارون على دعاء موسى عليهما الصلاة والسّلام فسماه داعيا ، ومعنى آمين : اللهم استجب ، أو اسم من أسماء الله تعالى بإضمار حرف النداء تقديره يا آمين استجب ، وقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «آمين خاتم رب العالمين على عبادة المؤمنين» (١) أي يمنع من وصول الأذى والضرر إليهم كما يمنع الختم من الوصول إلى المختوم ، أو معناه بعد الدعاء اللهم استجب وبعد الفاتحة كذلك أمنة تكون ، وتأخر فرعون بعد الإجابة أربعين عاما.

(فَاسْتَقِيما) فامضيا لأمري فخرجا في قومهما ، أو فاستقيما في الدعاء على فرعون وقومه ، قيل ليس لنبي أن يدعو إلا بإذن لأن دعاءه يوجب النقمة وقد يكون فيهم من يتوب.

(فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (٩٢))

(نُنَجِّيكَ) نلقيك على نجوة وهي المكان المرتفع.

(بِبَدَنِكَ) بجسدك لا روح فيه ، أو بدرعك وكانت من حديد يعرف بها ، وكان من تخلف من قومه ينكر غرقه ، فرمي به على الساحل فرآه بنو إسرائيل ، وكان قصيرا أحمر كأنه ثور.

(خَلْفَكَ) بعدك عبرة وموعظة.

(وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٩٣))

(مُبَوَّأَ صِدْقٍ) لأنه كالصدق في الفضل ، أو تصدق به عليهم ، الشام وبيت المقدس ، أو الشام ومصر.

(فَمَا اخْتَلَفُوا) بنو إسرائيل في نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) القرآن ، أو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيكون العلم بمعنى المعلوم لأنهم عرفوه من كتبهم.

(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤))

(فِي شَكٍّ) من إرسالك ، أو من أنك مكتوب في التوراة والإنجيل.

(الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ) أهل الصدق والتقوى منهم ، أو من آمن كعبد الله بن سلام ، خوطب به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمراد أمته ، أو على عادتهم في التنبيه على أسباب الطاعة كقول الوالد لولده :

__________________

(١) أخرجه الطبراني في الدعاء (١ / ٨٩ ، رقم ٢١٩).

٢٧٧

إن كنت ولدي فبرني ، والسيد لعبده : إن كنت عبدي فأطعني ، ولا يشك في ولده أو عبده ، وقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا أشك ولا أسأل».

(فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (٩٨))

(فَلَوْ لا كانَتْ) أي لم تؤمن قرية بعد أن حقت عليهم كلمة ربك.

(قَوْمَ يُونُسَ) أهل نينوى من بلاد الموصل وعدهم يونس عليه الصلاة والسّلام بالعذاب بعد ثلاث ، فقالوا : انظروا فإن خرج يونس فوعيده حق فلما خرج فزعوا إلى شيخ منهم ، فقال : توبوا وقولوا يا حي حين لا حي ، ويا حي محيي الموتى ، ويا حي لا إله إلا أنت ، فلبسوا المسوح ، وفرقوا بين كل والدة وولدها وخرجوا عن القرية تائبين داعين فكشف عنهم ، وكان ذلك يوم عاشوراء.

(كَشَفْنا) حصوله بقبوله التوبة بعد رؤية العذاب فكشف عنهم بعد أن تدلى عليهم ولم يكن بينه وبينهم إلا ميل ، أو رأوا دلائل العذاب ولم يروه ، ولو رأوه لما قبلت توبتهم كفرعون.

(حِينٍ) أجلهم ، أو مصيرهم إلى الجنة أو النار.

(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (١٠٠))

(بِإِذْنِ اللهِ) بأمره ، أو معونته ، أو إعلامه إياها سبيل الهدى والضلال.

(الرِّجْسَ) السخط ، أو الإثم ، أو العذاب ، أو ما لا خير فيه ، أو الشيطان.

(وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥))

(أَقِمْ وَجْهَكَ) استقم بإقبال وجهك على ما أمرت به ، أو أراد بالوجه النفس.

(حَنِيفاً) حاجا ، أو متبعا أو مستقيما ، أو مخلصا ، أو مؤمنا بالرسل ، أو سابقا إلى الطاعة ، من حنف الرّجلين وهو أن تسبق إحداهما الأخرى.

(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨))

(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) القرآن ، أو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٢٧٨

سورة هود (١)

(الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١))

(كِتابٌ) القرآن.

(أُحْكِمَتْ آياتُهُ) بالأمر والنهي.

(ثُمَّ فُصِّلَتْ) بالثواب والعقاب ، أو أحكمتم من الباطل ثم فصّلت بالحلال والحرام والطاعة والمعصية ، أو آيات هذه السورة كلها محكمة.

(فُصِّلَتْ) فسّرت ، أو أحكمت آياته للمعتبرين وفصّلت للمتقين ، أو أحكمت آياته في القلوب وفصّلت أحكامه على الأبدان.

(حَكِيمٍ) في أفعاله.

(خَبِيرٍ) بمصالح عباده ، أو حكيم فيما أنزل خبير بمن يتقبل.

(أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢))

(أَلَّا تَعْبُدُوا) يعني أن كتبت في الكتاب أن لا تعبدوا إلا الله ، أو أمر رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقول ذلك.

(نَذِيرٌ) من النار. (وَبَشِيرٌ) بالجنة.

(وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣))

(وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) مما سلف ثم توبوا إليه في المستأنف متى وقعت منكم ذنوب ، أو قدّم الاستغفار ، لأنه المقصود وأخّر التوبة لأنها سبب إليه.

__________________

(١) سورة هود سميت بذلك تخليدا لجهود نبي الله هود في الدعوة إلى الله فقد أرسله الله تعالى إلى قوم عاد العتاة المتجبرين الذين اغتروا بقوة أجسامهم وقالوا من أشد منا قوة فأهلكهم الله بالريح الصرصر العاتية.

وهى سورة مكية ما عدا الآيات (١٢ ، ١٧ ، ١١٤) فمدنية ، نزلت بعد سورة يونس ، بدأت بحروف مقطعة الر وختمت السورة ببيان الحكمة لقصص الأنبياء.

وسورة هود مكية وهي تعنى بأصول العقيدة الإسلامية التوحيد والرسالة والبعث والجزاء وقد عرضت لقصص الانبياء بالتفصيل تسلية للنبي على ما يلقاه من أذى المشركين لا سيما بعد تلك الفترة العصيبة التي مرّت عليه بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجه خديجة فكانت الآيات تتنزل عليه وهي تقص عليه ما حدث لإخوانه الرسل من أنواع الابتلاء ليتأسى بهم في الصبر والثبات.

عن أبي بكر الصديق قال : قلت يا رسول الله لقد أسرع إليك الشيب قال : شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت.

٢٧٩

(مَتاعاً حَسَناً) في الدنيا بطيب النفس وسعة الرزق ، أو بالرضا بالميسور والصبر على المقدور ، أو بترك الخلق والإقبال على الحق قاله سهل رضي الله تعالى عنه.

(أَجَلٍ مُسَمًّى) الموت ، أو القيامة ، أو وقت لا يعلمه إلا الله تعالى.

(وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) يهديه إلى العمل الصالح ، أو يجزيه به في الآخرة.

(كَبِيرٍ) يوم القيامة لكبر الأمور فيه.

(أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٥))

(يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) على الكفر.

(لِيَسْتَخْفُوا) من الله تعالى أو على عداوة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليخفوها عنه ، أو على ما أضمروه ليخفوه على الناس ، أو كان المنافقون إذا مروا بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم غطوا رؤوسهم وحنوا صدورهم لئلا يراهم أو قال رجل إذا أغلقت بابي وأرخيت ستري وتغشيت ثوبي وثنيت صدري فمن يعلم بي فأخبر الله تعالى بذلك.

(يَسْتَغْشُونَ) يلبسون ويتغطون ، قال :

أرعى النجوم ما كلفت رعيتها

وتارة أتغشى فضل أطماري

كنى باستغشاء الثياب عن الليل ، لأنه يسترهم بظلمته كما يستترون بالثياب وكانوا يخفون أسرارهم ليلا ، أو كانوا يغطون وجوههم وآذانهم بثيابهم بغضا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى لا يروه ولا يسمعوا كلامه ، أو أراد المنافقين لأنهم لسترهم ما في قلوبهم كالمستغشي ثيابه ، أو كان قوم من المسلمين يتنكسون بستر أبدانهم فلا يكشفونها تحت السماء فبيّن الله تعالى أن النسك بالاعتقاد والعمل.

(ما يُسِرُّونَ) في قلوبهم.

(وَما يُعْلِنُونَ) بأفواههم ، أو ما يسرون الإيمان وما يعلنون العبادات ، أو ما يسرون عمل الليل ، وما يعلنون عمل النهار

(بِذاتِ الصُّدُورِ) بأسرارها ، نزلت في الأخنس بن شريق.

(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦))

(مُسْتَقَرَّها) حيث تأوي. (وَمُسْتَوْدَعَها) حيث تموت أو مستقرها الرحم ومستودعها الصلب ، أو مستقرها في الدنيا ومستودعها في الآخرة.

(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ

٢٨٠