تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

(الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا) لما انخذل ابن أبي وأصحابه وهم نحو من ثلاثمائة وتخلف عنهم من قتل منهم قالوا لو أطاعونا وقعدوا معنا ما قتلوا.

(صادِقِينَ) في أنهم لو أطاعوكم ما قتلوا ، أو محقين في تثبيطكم عن الجهاد فرارا من القتل.

(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩))

(أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ) أحياء في البرزخ ، وأما في الجنة فإن حالهم معلومة لجميع المؤمنين.

(عِنْدَ رَبِّهِمْ) بحيث لا يملك أحد لهم ضرا ولا نفعا سوى ربهم ، أو يعلم أنهم أحياء دون غيره.

(فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠))

(وَيَسْتَبْشِرُونَ) يقولون إخواننا يقتلون كما قتلنا فيكرمون بما أكرمنا ، أو يؤتى الشهيد بكتاب يذكر فيه من يقدم عليه من إخوانه بشارة فيستبشر كما يستبشر أهل الغائب بقدومه.

(الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣))

(النَّاسُ) الأول : أعرابي جعل له على ذلك جعل ، أو نعيم بن مسعود الأشجعي.

(النَّاسُ) الثاني : أبو سفيان وأصحابه أراد ذلك بعد رجوعه من أحد سنة ثلاث فوقع في قلوبهم الرعب فكفوا ، أو في بدر الصغرى سنة أربع بعد أحد بسنة.

(إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥))

(يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) يخوف المؤمنين من أوليائه الكفار ، أو يخوف أولياءه المنافقين ليقعدوا عن الجهاد.

(وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٧٦))

(الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) المنافقون ، أو قوم من العرب ارتدوا عن الإسلام.

(يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا) أي يحكم ، أو سيريد في الآخرة أن يحرمهم الثواب لكفرهم ، أو يريد إحباط أعمالهم بذنوبهم.

١٢١

(ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٩))

(يَمِيزَ الْخَبِيثَ) المنافق ، أو الكافر ، و (الطَّيِّبِ) المؤمن غير المنافق بتكليف الجهاد ، والكافر بالدلالات التي يستدل بها عليهم.

(وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) قال قوم من المشركين : إن كان محمد صادقا فليخبرنا بمن يؤمن ومن يكفر فنزلت ، السدي : ما أطلع الله تعالى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الغيب ، ولكن اجتباه فجعله رسولا.

(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٨٠))

(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) مانعو الزكاة ، أو أهل الكتاب بخلوا ببيان صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(سَيُطَوَّقُونَ) بطوق من نار ، أو شجاعا أقرع.

(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٨٦))

(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ) بالزكاة والنفقة في الطاعة. (وَأَنْفُسِكُمْ) بالجهاد والقتل.

(أَذىً كَثِيراً) الكفر كقولهم عزير ابن الله ، والمسيح ابن الله ، أو هجو كعب بن الأشرف للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين ، وتحريضه عليهم للمشركين ، أو قول فنحاص اليهودي لما سئل الإمداد قال : احتاج ربكم إلى أن نمده.

(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (١٨٧))

(مِيثاقَ) هو اليمين.

(الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) اليهود ، أو اليهود والنصارى ، أو كل من أوتي علم شيء من الكتب ، أخذ أنبياؤهم ميثاقهم لتبيننه للناس.

(لَتُبَيِّنُنَّهُ) لتبينن الكتاب الذي فيه ذكر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو لتبينن نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨٨))

(يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) اليهود فرحوا باتفاقهم على تكذيب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإخفاء أمره ،

١٢٢

وأحبوا (أَنْ يُحْمَدُوا) بأنهم أهل علم ونسك ، أو المنافقون فرحوا بقعودهم عن الجهاد ، وأحبوا أن يحمدوا بما ليس فيهم من الإيمان به.

(رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (١٩٣))

(مُنادِياً) النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو القرآن ، لأن كل الناس لم يسمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(لِلْإِيمانِ) إلى الإيمان (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) [الأعراف : ٤٣] وقال :

أوحى لها القرار فاستقرت

وشدها بالراسيات الثبت

(رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (١٩٤))

(وَآتِنا ما وَعَدْتَنا) المقصود منه مع العلم بأنه لا يخلف وعده الخضوع بالدعاء والطلب ، أو طلبوا التمسك بالعمل الصالح ، أو طلبوا تعجيل النصر وإنجاز الوعد ، أو معناه اجعلنا ممن وعدته ثوابك.

(فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (١٩٥))

(مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) قالت أم سلمة : يا رسول الله ما بال الرجال يذكرون في الهجرة دون النساء فنزلت.

(بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) الإناث من الذكور والذكور من الإناث.

(لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦))

(لا يَغُرَّنَّكَ) تأديبا له وتحذيرا ، أو هو خطاب لكل من سمعه أي لا يغرنك أيها السامع.

(تَقَلُّبُ) تقلبهم في نعم البلاد ، أو تقلبهم غير مأخوذين.

(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩٩))

(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ) عبد الله بن سلام ومسلمي أهل الكتاب ، أو نزلت في النجاشي لما

١٢٣

صلى عليه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠))

(اصْبِرُوا) على طاعة الله تعالى (وَصابِرُوا) أعداءه (وَرابِطُوا) في سبيله أو (اصْبِرُوا) على دينكم (وَصابِرُوا) الوعد الذي وعدتكم (وَرابِطُوا) عدوكم أو (اصْبِرُوا) على الجهاد (وَصابِرُوا) العدو (وَرابِطُوا) بملازمة الثغر ، من ربط النفس ، ومنه ربط الله على قلبه بالصبر أو (رابِطُوا) بانتظار الصلوات الخمس واحدة بعد واحدة قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ، ويرفع به الدرجات» قالوا : بلى يا رسول الله ، قال «إسباغ الوضوء عند المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط» (١).

سورة النساء (٢)

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (١))

(نَفْسٍ واحِدَةٍ) آدم عليه الصلاة والسّلام.

__________________

(١) أخرجه مسلم (١ / ٢١٩ ، رقم ٢٥١) ، والترمذي (١ / ٧٢ ، رقم ٥١) ، والنسائي (١ / ٩٤ ، رقم ١٣٩) ، ومالك (١ / ١٦١ ، رقم ٣٨٤) ، وعبد الرزاق (١ / ٥٢٠ ، رقم ١٩٩٣) ، وأحمد (٢ / ٢٣٥ ، رقم ٧٢٠٨) ، وابن حبان (٣ / ٣١٣ ، رقم ١٠٣٨) ، وابن خزيمة (١ / ٦ ، رقم ٥).

(٢) سميت سورة النساء لكثرة ما ورد فيها من الأحكام التي تتعلق بهن بدرجة لم توجد في غيرها من السور ولذلك أطلق عليها" سورة النساء الكبرى" مقابلة سورة النساء الصغرى التي عرفت في القرآن بسورة الطلاق.

وهى سورة مكية ، من السور الطول ، وعدد آياتها ١٧٦ آية ، وهي السورة الرابعة من حيث الترتيب في المصحف نزلت بعد سورة الممتحنة ، وقد تحدثت السورة عن أحكام المواريث ، كما ختمت السورة أيضا بأحد أحكام المواريث ، وهي سورة مليئة بالأحكام التشريعية التي تنظم الشئون الداخلية والخارجية للمسلمين وهي تعني بجانب التشريع كما هو الحال في السور المدنية وقد تحدثت السورة الكريمة عن أمور هامة تتعلق بالمرأة والبيت والأسرة والدولة والمجتمع ولكن معظم الأحكام التي وردت فيها كانت تبحث حول موضوع النساء ولهذا سميت سورة النساء.

١٢٤

(زَوْجَها) حواء ، خلقت من ضلعه الأيسر ، ولذا قيل للمرأة : ضلع أعوج ، قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما نزلت : «خلقت المرأة من الرجل فهمها الرجل ، وخلق الرجل من التراب فهمه في التراب» (١).

(تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) كقوله : أسألك بالله وبالرحم ، أو والأرحام صلوها ولا تقطعوها ، أخبر أنه خلقهم من نفس واحدة ليتواصلوا ويعلموا أنهم إخوة.

(رَقِيباً) حفيظا ، أو عليما.

(وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (٢))

(وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) الحرام بالحلال ، أو أن تجعل الزايف بدل الجيد ، والمهزول بدل السمين ، وتقول : درهم بدرهم ، وشاة بشاة ، أو استعجال أكل الحرام قبل مجيء الحلال ، أو كانوا لا يورثون الصغار والنساء ويأخذ الرجل الأكبر فيتبدل نصيبه الطيب من الميراث بأخذه الكل وهو خبيث.

(إِلى أَمْوالِكُمْ) مع أموالكم ، وهو أن يخلطوها بأموالهم فتصير في ذمتهم فيأكلوا ربحها.

(حُوباً) إثما ، تحوب من كذا توقى إثمه.

(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (٣))

(وَإِنْ خِفْتُمْ) أن لا تعدلوا في نكاح اليتامى.

(فَانْكِحُوا) ما حل لكم من غيرهن ، أو كانوا يخافون ألا يعدلوا في أموالهم ، ولا يخافون أن لا يعدلوا في النساء فقيل لهم : كما خفتم أن لا تعدلوا في أموال اليتامى فكذلك خافوا أن لا تعدلوا في النساء ، أو كانوا يتوقون أموال اليتامى ولا يتوقون الزنا فأمروا أن يخافوا الزنا كخوف أموال اليتامى فيتركوا الزنا وينكحوا ما طاب ، أو كانت قريش في الجاهلية تكثر التزوج بلا حصر فإذا كثرت عليهم المؤن وقل ما بأيديهم أكلوا ما عندهم من أموال اليتامى فقيل لهم : إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا إلى الأربع حصرا لعددهن.

(ما طابَ) من طاب ، أو انكحوا نكاحا طيبا. (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا) في الأربع.

__________________

(١) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (٦ / ١٦٥ ، رقم ٧٧٩٨) عن ابن عباس موقوفا.

١٢٥

(تَعُولُوا) تكثر عيالكم ، أو تضلوا ، أو تجوروا والعول : من الخروج عن الحق ، عالت الفريضة لخروجها عن السهام المسماة ، وعابت أهل الكوفة عثمان رضي الله عنه تعالى ، في شيء فكتب إليهم إني لست بميزان قسط لا أعول.

(وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤))

(وَآتُوا النِّساءَ) أيها الأزواج عند الأكثرين ، أو أيها الأولياء ، لأن الولي في الجاهلية كان يتملك صداق المرأة.

(نِحْلَةً) النحلة : العطية بغير بدل ، الدّين نحلة ، لأنه عطية من الله تعالى ومنه النّحل لإعطائه العسل ، أو لأن الله تعالى نحله عباده ، الصداق أي نحلة من الله تعالى لهن بعد أن كان ملكا لآبائهن ، أو فريضة مسماة ، أو نهى عما كانوا عليه من خطبة الشغار والنكاح بغير صداق ، أو أراد طيب نفوسهم بدفعه إليهم كما يطيبون نفسا بالهبة.

(فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ) أيها الأزواج عند من جعله للأزواج ، أو أيها الأولياء عند من رآه لهم.

(هَنِيئاً) الهني : ما أعقب نفعا وشفاء منه هنأ البعير لشفائه.

(وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٥))

(السُّفَهاءَ) النساء ، أو الصبيان ، أو كل مستحق للحجر ، أو الأولاد المفسدين ، نهى أن يقسم ماله بينهم ثم يصير عيالا عليهم ، والسّفه : خفّة الحلم ، ولذا وصف به الناقص العقل ، والمفسد للمال لنقصان تدبيره ، والفاسق لنقصانه عند أهل الدين.

(أَمْوالَكُمُ) أيها الأولياء ، أو أموال السفهاء. (قِياماً) وقياما قوام معايشكم.

(وَارْزُقُوهُمْ) أنفقوا من أموالكم على سفهائكم أو لينفق الولي مال السفيه عليه.

(قَوْلاً مَعْرُوفاً) وعدا جميلا ، أو دعاء كقوله : بارك الله فيك.

(وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً (٦))

(وَابْتَلُوا الْيَتامى) اختبروهم في عقولهم وتمييزهم وأديانهم.

(النِّكاحَ) الحلم اتفاقا.

١٢٦

(آنَسْتُمْ) علمتم.

(رُشْداً) عقلا ، أو عقلا وصلاحا في الدين ، أو صلاحا في الدين والمال ، أو صلاحا وعلما بما يصلح.

(إِسْرافاً) تجاوز المباح ، فإن كان إفراطا قيل أسرف إسرافا ، وإن كان تقصيرا قيل سرف يسرف.

(وَبِداراً) هو أن يأكله مبادرة أن يكبر فيحول بينه وبين ماله.

(فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) قرضا ثم يرد بدله ، أو سد جوعه وستر عورته ولا بدل عليه ، أو يأكل من ثمره ويشرب من رسل ماشيته ولا يتعرض لما سوى ذلك من أمواله ، أو يأخذ أجره بقدر خدمته ، وقد قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كل من مال يتيمك غير مسرف ولا متأثل مالك بماله» (١).

(حَسِيباً) شهيدا ، أو كافيا من الشهود.

(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧))

(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ) نزلت بسبب أن الجاهلية كانوا يورثون الذكور دون الإناث.

(وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٨))

(وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ) منسوخة بآية المواريث ، أو محمولة على وصية الميت لمن ذكر في الآية وفيمن حضر ، أو محكمة فلو كان الوارث صغيرا فهل يجب على وليّه الإخراج من نصيبه؟ فيه قولان : أحدهما : لا يجب ، ويقول الولي لهم قولا معروفا.

(وَقُولُوا) أمر الآخذ أن يدعو للدافع بالغنى والزرق ، أو أمر الوارث والولي أن يقول للآخذين عند إعطائهم المال قولا معروفا.

(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٩))

(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ) يحضرون الموصي أن يأمروه بالوصية بماله فيمن لا يرثه بل يأمرونه

__________________

(١) أخرجه أبو داود (٣ / ١١٥ ، رقم ٢٨٧٢) ، والنسائي (٦ / ٢٥٦ ، رقم ٣٦٦٨) ، وابن ماجه (٢ / ٩٠٧ ، رقم ٢٧١٨) ، والبيهقى (٦ / ٢٨٤ ، رقم ١٢٤٤٩) ، وأحمد (٢ / ٢١٥ ، رقم ٧٠٢٢) ، وابن الجارود (ص ٢٣٩ ، رقم ٩٥٢).

١٢٧

بإبقاء ماله لورثته كما يؤثرون ذلك لأنفسهم ، أو أمر بذلك الأوصياء أن يحسنوا إلى الموصى عليه كما يؤثرون ذلك في أولادهم ، أو من خاف الأذى على ذريته بعده وأحب أن يكف الله تعالى عنهم الأذى فليتق الله تعالى في قوله وفعله ، أو مر به الذين ينهون الموصي عن الوصية لأقاربه ليبقى ماله لولده ، وهم لو كانوا أقرباء الموصي لآثروا أن يوصي لهم.

(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١٠))

(ناراً) يصيرون به إلى النار ، أو تمتلىء بها بطونهم عقابا يوجب النار ، وعبّر عن الأخذ بالأكل ، لأنه المقصود الأغلب منه ، والصلا : لزوم النار.

(يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١١))

(يُوصِيكُمُ) كانوا لا يورثون الجواري ولا الضعفاء من الغلمان ، ولا يورث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال ، فمات عبد الله أخو حسان الشاعر وترك خمس أخوات فأخذ ورثته ماله فشكت زوجته ذلك إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلت.

(فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) فرض الاثنتين الثلثان كالأختين ، وخالف فيه ابن عباس فجعل لهما النصف.

(وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) نسخت كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين والأقربين فنسخ من ذلك فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، ولكل واحد من الأبوين السدس ، واتفقوا على أن ثلاثة من الإخوة يحجبون الأم إلى السدس ، والباقي للأب ، وقال طاوس (١) يأخذ الإخوة ما حجبوها عنه وهو السدس ، والأخوان يحجبانها إلى السدس خلافا لابن عباس. وقدّم الدّين والوصية على الإرث ، لأن الدّين حق على الميت ، والوصية حق له فقدما ، وقد قضى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتقديم الدّين على الوصية إذ لا ترتيب في أو.

(لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ) أنفع لكم في الدين أو الدنيا.

__________________

(١) هو طاوس بن كيسان اليمانى أبو عبد الرحمن الحميرى مولاهم الفارسى ، يقال اسمه ذكوان ، وطاوس لقب ، قال الحافظ : ثقة فقيه فاضل من الثالثة. انظر : تقريب التهذيب (١ / ٢٨١ ، ترجمة ٣٠٠٩).

١٢٨

(وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢))

(كَلالَةً) الكلالة : من عدا الولد ، أو من عدا الوالد ، أو من عداهما ، والمسمى بالكلالة هو الميت ، أو وارثه ، أو كلاهما ، والكلالة من الإحاطة لإحاطتها بأصل النسب الذي هو الولد والوالد ، ومنه الإكليل لإحاطته بالرأس.

(تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣))

(حُدُودُ اللهِ) شروطه ، أو طاعته ، أو سننه وأمره ، أو فرائضه التي حدها للعباد ، أو تفصيله لفرائضه.

(وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (١٥))

(الْفاحِشَةَ) الزنا. (فَأَمْسِكُوهُنَّ) إمساكهن في البيوت حد منسوخ بآية النور ، أو وعد بالحد لقوله تعالى (أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) وهو الحد ، قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» (١) ، فنسخ جلد الثيب عند الجمهور خلافا لقتادة وداود.

(وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (١٦))

(وَالَّذانِ) في الأبكار ، أو في الثيب والأبكار ، والمراد باللذين الرجل والمرأة ، أو البكران من الرجال والنساء.

__________________

(١) أخرجه مسلم (٣ / ١٣١٦ ، رقم ١٦٩٠) ، وأبو داود (٤ / ١٤٤ ، رقم ٤٤١٥) ، والترمذى (٤ / ٤١ ، رقم ١٤٣٤) وقال : حسن صحيح. وابن ماجه (٢ / ٨٥٢ ، رقم ٢٥٥٠) ، وابن حبان (١٠ / ٢٧١ ، رقم ٤٤٢٥) ، والشافعى (١ / ١٦٤) ، وأحمد (٥ / ٣١٣ ، رقم ٢٢٧١٨) ، وابن الجارود (ص ٢٠٥ ، رقم ٨١٠) ، والنسائي في الكبرى (٦ / ٣٢٠ ، رقم ١١٠٩٣).

١٢٩

(فَآذُوهُما) بالتعيير والتوبيخ ، أو بالتعيير والضرب بالنعال ، وكلاهما منسوخ ، أو الأذى مجمل فسره آية النور في الأبكار ، والسنة في الثيب. ونزلت هذه الآية قبل الأولى فيكون الأذى أولا ثم الحبس ثم الجلد أو الرجم ، أو الأذى للأبكار والحبس للثيب.

(تابا) من الفاحشة. (وَأَصْلَحا) دينهما.

(فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) بالصفح والكف عن الأذى.

(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧))

(بِجَهالَةٍ) كل عاص جاهل ، أو الجهالة : العمد ، أو عمل السوء في الدنيا.

(قَرِيبٍ) في صحته قبل مرضه ، أو قبل موته ، أو قبل معاينة ملك الموت. والدنيا كلها قريب.

(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٨))

(لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) عصاة المسلمين عند الجمهور أو المنافقون ، سوّى بين من لم يتب وبين التائب عند حضور الموت.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (١٩))

(تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) كان أهل المدينة في الجاهلية إذا مات أحدهم عن زوجه كان ابنه وقريبه أولى بها من نفسها ومن غيرها ، إن شاء نكحها بالصداق الأول ، وإن شاء زوجها وملك صداقها ، وإن شاء عضلها عن النكاح حتى تموت فيرثها ، أو تفتدي منه بصداقها ، فمات أبو القيس بن الأسلت عن زوجته كبشة فأراد ابنه أن يتزوجها فأتت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : لا أنا ورثت زوجي ولا أنا تركت فأنكح فنزلت.

(وَلا تَعْضُلُوهُنَّ) نهى ورثة الزوج أن يمنعوهن من التزوج كما ذكرنا ، أو نهى الأزواج أن يعضلوهن بعد الطلاق كما كانت قريش تفعله في الجاهلية ، أو نهى الأزواج عن حبسهن كرها ليفتدين أو يمتن فيرثوهن ، أو نهى الأولياء عن العضل.

(بِفاحِشَةٍ) بزنا ، أو نشوز ، أو أذى وبذاءة. (خَيْراً كَثِيراً) الولد الصالح.

(وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٢٠))

١٣٠

(بُهْتاناً) ظلما بالبهتان ، أو يبهتها أنه جعل ذلك لها ليستوجبه منها.

(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٢١))

(أَفْضى) بالجماع ، أو الخلوة.

(مِيثاقاً) عقد النكاح ، أو إمساك بمعروف ، أو تسريح بإحسان ، أو قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أخذتموهن بأمانة الله تعالى ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله» (١) ، وهي محكمة ، أو منسوخة بآية الخلع ، أو محكمة إلا عند خوف النشوز.

(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢))

(إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) كانوا يخلفون الآباء على النساء فحرمه الإسلام ، وعفا عما كان منهم في الجاهلية إذا اجتنبوه في الإسلام ، أو لا تنكحوا كنكاح آبائكم في الجاهلية على الوجه الفاسد إلا ما سلف في الجاهلية فإنه معفو عنه إذا كان مما يجوز تقريره ، أو لا تنكحوا ما نكح آباؤكم بالنكاح الجائز إلا ما سلف منهم بالسفاح فإنهن حلال لكم لأنهن غير حلائل وإنما كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ، أو إلا ما قد سلف فاتركوه فإنكم مؤاخذون به ، والاستثناء منقطع ، أو بمعنى لكن.

(وَمَقْتاً) المقت شدة البغض لارتكاب قبيح ، وكان يقال للولد من زوجة الأب المقتي.

(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٢٤))

(وَالْمُحْصَناتُ) ذوات الأزواج.

(إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) بالسبي ، لما سبى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل أوطاس ، قالوا : كيف نقع على نساء قد عرفنا أزواجهن فنزلت. أو المحصنات ذوات الأزواج (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) إذا اشترى الأمة بطل نكاحها وحلت للمشتري قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو

__________________

(١) أخرجه عبد بن حميد (ص ٣٤١ ، رقم ١١٣٥) ومسلم (٢ / ٨٨٦ ، رقم ١٢١٨) وأبو داود (٢ / ١٨٢ ، رقم ١٩٠٥) ، وابن ماجه (٢ / ١٠٢٢ ، رقم ٣٠٧٤).

١٣١

المحصنات العفائف ، (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) بعقد نكاح ، أو ملك ، أو نزلت في مهاجرات تزوجهن المسلمون ، ثم قدم أزواجهن مهاجرين فنهي المسلمون عن نكاحهن ، والإحصان : من المنع ، حصن البلد لمنعه من العدو ، ودرع حصينة : منيعة ، وفرس حصان : لامتناع راكبه من الهلاك ، وامرأة حصان : لامتناعها عن الفاحشة.

(كِتابَ اللهِ) الزموا كتاب الله ، أو حرم ذلك كتابا من الله ، أو كتاب الله قيم عليكم فيما تحرمونه وتحلونه.

(ما وَراءَ ذلِكُمْ) ما دون الخمس ، أو ما دون ذوات المحارم ، أو مما وراءه مما ملكت أيمانكم.

(أَنْ تَبْتَغُوا) تلتمسوا بأموالكم بشراء ، أو صداق.

(مُسافِحِينَ) زناة ، السفح : من الصب ، سفح الدمع : صبه ، وسفح الجبل : أسفله لانصباب الماء فيه.

(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ) قلت تكون ما ها هنا بمعنى من فما نكحتم منهن فجامعتموهن ، أو المتعة المؤجلة ، كان أبي وابن عباس يقرآن فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى.

(أُجُورَهُنَّ) الصداق. (فَرِيضَةً) أي معلومة.

(فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ) من تنقيص أو إبراء عند إعسار الزوج ، أو فيما زدتموه في أجل المتعة بعد انقضاء مدتها وفي أجرتها قبل استبرائهن أرحامهن ، أو لا جناح عليكم فيما دفعتموه وتراضيتم به أن يعود إليكم تراضيا.

(كانَ عَلِيماً) ، بالأشياء قبل خلقها.

(حَكِيماً) في تدبيره لها ، قال سيبويه : لما شاهدوا علما وحكمة قيل لهم : إنه كان كذلك لم يزل. أو الخبر عن الماضي يقوم مقام الخبر عن المستقبل قاله الكوفيون.

(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥))

(طَوْلاً) سعة موصلة إلى نكاح الحرة ، أو يكون تحته حرة ، أو أن يهوي أمة فيجوز له تزوجها إن كان ذا يسار وكان تحته حرة قاله جابر وجماعة ، والطّول : من الطّول ، لأن الغنى ينال به معالي الأمور ، ليس فيه طائل أي لا ينال به شيء من الفوائد ، وإيمان الأمة شرط ، أو

١٣٢

ندب.

(غَيْرَ مُسافِحاتٍ) محصنات عفائف ، والمسافحات : المعلنات بالزنا ، ومتخذات الأخدان : أن تتخذ صديقا تزني به دون غيره ، وكانوا يحرمون ما ظهر من الزنا ويحلون ما بطن فنزل (وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) [الأنعام : ١٥١].

(أُحْصِنَّ) أسلمن ، وأحصن تزوجن ، ونصف عذاب الحرة : نصف حدها.

(الْعَنَتَ) الزنا ، أو الإثم ، أو الحد ، أو الضرب الشديد في دين أو دنيا.

(وَأَنْ تَصْبِرُوا) عن نكاح الأمة خير من إرقاق الولد.

(وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (٢٧))

(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ) الزناة ، أو اليهود والنصارى أو كل متبع شهوة غير مباحة.

(يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (٢٨))

(يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) في نكاح الإماء.

(وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) عن الصبر عن الجماع.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩))

(بِالْباطِلِ) القمار والربا والبخس والظلم ، أو العقود الفاسدة ، أو نهوا عن أكل الطعام قرى وأمروا بأكله شراء ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) .. الآية [النور : ٦١].

(تَراضٍ) تخاير للعقد ، أو تخاير بعد العقد.

(أَنْفُسَكُمْ) بعضكم بعضا ، جعلوا كنفس واحدة لاتحاد دينهم ، أو نهوا عن قتل أنفسهم في حال الضجر والغضب.

(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (٣٠))

(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أكل المال وقتل النفس ، أو كل ما نهوا عنه عن أول هذه السورة ، أو وراثتهم النساء كرها.

(عُدْواناً وَظُلْماً) جمع بينهما تأكيدا لتقارب معناهما ، أو فعلا واستحلالا.

(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١))

١٣٣

(كَبائِرَ) ما نهيتم عنه من أول هذه السورة إلى رأس الثلاثين منها ، أو هي سبع : الإشراك بالله ، وقتل النفس المحرمة ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والفرار يوم الزحف ، والتعرب بعد الهجرة أو تسع : الشرك ، والقذف ، وقتل المؤمن ، والفرار من الزحف ، والسحر ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، وعقوق الوالدين المسلمين ، وإلحاد بالبيت الحرام. أو السبعة المذكورة مع العقوق والزنا والسرقة وسب أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما أو الإشراك بالله ، والقنوط من رحمته ، واليأس من روحه ، والأمن من مكره ، أو كل ما وعد الله تعالى عليه النار ، أو كل ما لا تصلح معه الأعمال.

(سَيِّئاتِكُمْ) مكفرة إذا تركتم الكبائر فإن لم تتركوها أخذتم بالصغائر والكبائر.

(وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢))

(وَلا تَتَمَنَّوْا) كقوله : ليت لي مال فلان ، نهوا عنه نهي تحريم ، أو كراهية ، وله أن يقول : ليت لي مثله ، والأشهر أنها نزلت في نساء تمنين أن يكن كالرجال في الفضل والمال ، أو قالت أم سلمة (١) : يا رسول الله يغزوا الرجال ولا نغزوا وإنما لنا نصف الميراث فنزلت.

(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا) من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية وكذلك النساء ، الحسنة لهما بعشر أمثالها ، أو للرجال نصيب من الميراث وللنساء نصيب منه ، لأنهم كانوا لا يورثون النساء.

(فَضْلِهِ) نعم الدنيا ، أو العبادة المكسبة لثواب الآخرة.

(وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٣٣))

(مَوالِيَ) عصبة ، أو ورثة وهو أشبه كقوله تعالى : (خِفْتُ الْمَوالِيَ) [مريم : ٥].

«عاقدت» مفاعلة من عقد الحلف حلف الجاهلية توارثوا به في الإسلام ثم نسخ بقوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) [الأنفال : ٧٥] ، أو الأخوة التي آخاها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين المهاجرين والأنصار توارثوا بها ثم نسخت بقوله : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ،) أو نزلت في أهل العقد بالحلف يؤتون نصيبهم من النصر والنصيحة دون الإرث قال

__________________

(١) هي أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة القرشية المخزومية أم المؤمنين اسمها هند ، كانت ممن أسلم قديما هى وزوجها وهاجرا إلى الحبشة فولدت له سلمة ، ثم قدما مكة ، وهاجرا إلى المدينة. انظر : الإصابة في تمييز الصحابة (٨ / ٢٢١ ، ترجمة ١٢٠٦١).

١٣٤

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا حلف في الإسلام وما كان من حلف الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة» (١) أو نزلت في ابن التبني ، أمروا أن يوصوا لهم عند الموت ، أو فيمن أوصي لهم بشيء ثم هلكوا فأمروا أن يدفعوا نصيبهم إلى ورثتهم.

(الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (٣٤))

(قَوَّامُونَ) عليهن بالتأديب ، والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله تعالى ولأزواجهن.

(بِما فَضَّلَ اللهُ) الرجال عليهن في العقل والرأي.

(وَبِما أَنْفَقُوا) من الصداق والقيام بالكفاية ، أو لطعم رجل امرأته فأتت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم تطلب القصاص فأجابها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلت (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) [طه : ١١٤] ونزلت هذه الآية ، قال الزهري (٢) لا قصاص بين الزوجين فيما دون النفس.

(فَالصَّالِحاتُ) في دينهن. (قانِتاتٌ) مطيعات لربهن وأزواجهن. (حافِظاتٌ) لأنفسهن في غيبة أزواجهن ، ولحق الله عليهن.

(بِما حَفِظَ اللهُ) بحفظه إياهن صرن كذلك ، أو بما أوجبه لهن من مهر ونفقة فصرن بذلك محفوظات.

(تَخافُونَ) تعلمون.

أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها

أو تظنون.

أتاني عن نصيب كلام يقوله

وما خفت يا سلام أنك عائبي

__________________

(١) أخرجه مسلم (٤ / ١٩٦١ ، رقم ٢٥٣٠) ، وأبو داود (٣ / ١٢٩ ، رقم ٢٩٢٥) ، والنسائي في الكبرى (٤ / ٩٠ ، رقم ٦٤١٨) ، وابن حبان (١٠ / ٢١٤ ، رقم ٤٣٧١) ، وأحمد (٤ / ٨٣ ، رقم ١٦٨٠٧) ، والحاكم (٢ / ٢٣٩ ، رقم ٢٨٧١) وقال : صحيح على شرط الشيخين. وأبو يعلى (١٣ / ٤٠٣ ، رقم ٧٤٠٦).

(٢) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب أبو بكر القرشى الزهرى ، قال الحافظ : الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه وهو من رؤوس الطبقة الرابعة. انظر : تقريب التهذيب (١ / ٥٠٦ ، ترجمة ٦٢٩٦).

١٣٥

يريد الاستدلال على النشوز بما تبديه من سوء فعلها ، والنشوز من الارتفاع لترفعها عن طاعة زوجها.

(فَعِظُوهُنَّ) بالأمر بالتقوى ، والتخويف من الضرب الذي أذن الله تعالى فيه.

(وَاهْجُرُوهُنَّ) بترك الجماع ، أو لا يكلمها ويوليها ظهره في المضجع ، أو يهجر مضاجعتها ، أو يقول لها في المضجع هجرا وهو الإغلاظ في القول ، أو يربطها بالهجار وهو حبل يربط به البعير قاله الطبري ، أصل الهجر : الترك عن قلى ، وقبيح الكلام هجر ، لأنه مهجور ، فإذا خاف نشوزها وعظها وهجرها فإن أقامت عليه ضربها ، أو إذا خافه وعظها فإن أظهرته هجرتها فإن أقامت عليه ضربها ضربا يزجرها عن النشوز غير مبرح ولا منهك.

(سَبِيلاً) أذى ، أو يقول لها : لست محبة لي وأنت تبغضيني فيضربها على ذلك مع طاعتها له.

(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥))

(شِقاقَ بَيْنِهِما) بنشوزها وترك حقه ، وبعدوله عن إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، والشقاق : مصدر شاق فلان فلانا إذا أتى كل واحد منهما ما يشق على الآخر ، أو لأنه صار في شق بالعداوة والمباعدة.

(فَابْعَثُوا حَكَماً) خطاب للسلطان إذا ترافعا إليه ، أو خطاب للزوجين ، أو لأحدهما.

(إِنْ يُرِيدا) الحكمان ، فإن رأى الحكمان الفرقة بغير إذن الزوجين فهل لهما ذلك؟ فيه قولان.

(وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (٣٦))

(وَبِذِي الْقُرْبى) المناسب.

(وَالْيَتامى) جمع يتيم وهو الذي مات أبوه ولم يبلغ الحلم ، والمسكين : الذي ركبه ذل الفاقة حتى سكن لذلك.

(وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى) المناسب ، أو القريب في الدين أراد به المسلم.

(وَالْجارِ الْجُنُبِ) الأجنبي لا نسب بينك وبينه ، أو البعيد في دينه ، والجنب في كلامهم : البعيد ، ومنه الجنب لبعده عن الصلاة.

(وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) رفيق السفر ، أو زوجة الرجل تكون إلى جنبه ، أو الذي يلزمك

١٣٦

ويصحبك رجاء نفعك.

(وَابْنِ السَّبِيلِ) المسافر المجتاز ، أو الذي يريد السفر ولا يجد نفقة ، أو الضيف ، والسبيل : الطريق فقيل لصاحب الطريق : ابن السبيل كما قيل لطير الماء : ابن ماء.

(مُخْتالاً) من الخيلاء خال يخول خالا وخولا.

(فَخُوراً) يفتخر على العباد بما أنعم الله به عليه من رزق وغيره.

(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (٣٧))

(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) بالإنفاق في الطاعة.

(وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ) بمثل ذلك ، أو نزلت في اليهود بخلوا بما في التوراة من صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكتموها ، وأمروا الناس بذلك ، والبخل : أن يبخل بما في يده ، والشح : أن يشح بما في يد غيره ويحب أن يكون له.

(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨))

(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ) اليهود ، أو المنافقون.

(قَرِيناً) والمراد به الشيطان بقرن به في النار ، أو يصاحبه في فعله ، والقرين : الصاحب المؤالف من الاقتران ، القرن : المثل لاقترانه في الصفة ، والقرن : أهل العصر ، لاقترانهم في الزمان ، وقرن البهيم لاقترانه بمثله.

(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠))

(مِثْقالَ) الشيء : مقداره في الثقل ، والذرة : دودة حمراء قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ويقال : إن هذه الدودة لا وزن لها.

(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١))

(بِشَهِيدٍ) يشهد أنه بلغها ما تقوم به الحجة عليها ، أو يشهد بعملها.

(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً (٤٢))

(تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) يجعلون مثلها ، كقوله تعالى (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) [النبأ : ٤٠] أو تمنوا أن يدخلوا فيها حتى تعلوهم.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا

١٣٧

جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (٤٣))

(سُكارى) من النوم ، أو من الخمر. ثمل جماعة عند عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه فقدموا من صلى بهم المغرب فقرأ قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون ، وأنتم عابدون ما أعبد ، وأنا عابد ما عبدتم ، لكم دينكم ولي دين. فنزلت ، والسّكر يسد مجرى الماء فأخذ منه السكر لسده طرق المعرفة ، وخطابه للسكران نهي عن التعرض للسّكر ، لأن السكران لا يفهم ، أو قد يقع السكر بحيث لا يخرج عن الفهم.

(عابِرِي سَبِيلٍ) أراد المسافر الجنب لا يصلي حتى يتيمم ، أو أراد مواضع الصلاة لا يقربها إلا مارا.

(مَرْضى) بما ينطلق عليه اسم مرض وإن لم يضر معه استعمال الماء ، أو بشرط أن يضر به استعمال الماء ، أو ما خيف فيه من استعمال الماء التلف.

(سَفَرٍ) ما وقع عليه الاسم ، أو يوم وليلة ، أو ثلاثة أيام.

(الْغائِطِ) الموضع المطمئن كني به عن الفضلة ، لأنهم كانوا يأتونه لأجلها. الملامسة : الجماع ، أو باليد والإفضاء بالجسد ، ولامستم أبلغ من لمستم ، أو لامستم يوجب الوضوء على اللامس والملموس ولمستم يوجبه على اللامس وحده.

(فَتَيَمَّمُوا) تعمدوا وتحروا ، أو اقصدوا ، وقرأ ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فأتوا صعيدا.

(صَعِيداً) أرض ملساء لا نبات بها ولا غرس ، أو أرض مستوية ، أو التراب ، أو وجه الأرض ذات التراب والغبار.

(طَيِّباً) حلالا ، أو طاهرا ، أو تراب الحرث ، أو مكان جرد غير بطح.

(وَأَيْدِيكُمْ) إلى الزندين ، أو المرفقين ، أو الإبطين : ويجوز التيمم للجنابة عند الجمهور ومنعه عمر وابن مسعود والنخعي. وسبب نزولها قوم من الصحابة أصابتهم جراح ، أو نزلت في إعواز الماء في السفر.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤))

(يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) كأنهم بكتمان صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم اشتروا الضلالة بالهدى ، أو أعطوا أحبارهم أموالهم على ما صنعوا من التكذيب بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو كانوا يأخذون الرشا.

١٣٨

(مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (٤٦))

(غَيْرَ مُسْمَعٍ) غير مقبول منك ، أو اسمع لا سمعت.

(وَراعِنا) كانت سبّا في لغتهم ، أو أجروها مجرى الهزء. أو مجرى الكبر.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٤٧))

(أُوتُوا الْكِتابَ) اليهود والنصارى.

(نَطْمِسَ وُجُوهاً) نمحو آثارها فتصير كالأقفاء ونجعل أعينها في أقفائها فتمشي القهقرى ، أو نطمسها عن الهدى فنردها في الضلالة فلا تفلح أبدا.

(نَلْعَنَهُمْ) نمسخهم قردة.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩))

(يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) اليهود قالوا : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨] ، أو قدموا أطفالهم لإمامتهم زعما أنه لا ذنوب لهم ، أو قالوا : آباؤنا يستغفرون لنا ويزكوننا ، أو زكى بعضهم بعضا ، لينالوا شيئا من الدنيا.

(فَتِيلاً) ما انفتل بين الأصابع من الوسخ ، أو الفتيل الذي في شق النواة ، والنقير ما في ظهرها ، والقطمير قشرها.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (٥١))

(بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) صنمان كان المشركون يعبدونهما ، أو الجبت : الأصنام والطاغوت تراجمة الأصنام ، أو الجبت : السحر ، والطاغوت : الشيطان ، أو الجبت : الساحر ، والطاغوت : الكاهن ، أو الجبت : حيي بن أخطب والطاغوت : كعب بن الأشرف.

(أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (٥٣))

(نَقِيراً) الذي في ظهر النواة ، أو الخيط الذي يكون في وسط النواة ، أو نقرك الشيء بطرف إبهامك.

(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ

١٣٩

وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٥٤))

(يَحْسُدُونَ النَّاسَ) اليهود حسدت العرب ، أو محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبر عنه بالناس ، أو محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

(فَضْلِهِ) النبوة كيف جعلت في العرب ، أو ما أبيح للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من النكاح بغير حصر ولا عد قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

(مُلْكاً عَظِيماً) ملك سليمان عليه الصلاة والسّلام ، أو النبوة ، أو ما أيدوا به من الملائكة. أما ما أبيح لداود وسليمان عليهما الصلاة والسّلام من النكاح ، فنكح سليمان مائة ، وداود تسعا وتسعين.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (٥٦))

(كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) ، لأن المقصود إيلام الأرواح بواسطة الجلود واللحم ، فتحرق الجلود لإيلام الأرواح واللحم والجلد لا يألمان فإذا احترق الجلد فسواء أعيد بعينه أو أعيد غيره ، أو تعاد تلك الجلود الأول جديدة غير محترقة ، أو الجلود المعادة هي سرابيل القطران سميت جلودا لكونها لباسا لهم ، لأنها لو فنيت ثم أعيدت لكان ذلك تخفيفا للعذاب فيما بين فنائها وإعادتها ، وقد قال تعالى : (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) [البقرة : ١٦٢ ، وآل عمران : ٨٨].

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (٥٨))

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ) في ولاة أمور المسلمين ، أو السلطان أن يعظ النساء أو للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يرد مفاتيح الكعبة إلى عثمان بن طلحة ، أو لكل مؤتمن على شيء.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٥٩))

(أَطِيعُوا اللهَ) في أمره ونهيه. (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) في حياته ، أو باتباع سنته.

(وَأُولِي الْأَمْرِ) نزلت في الأمراء بسبب عبد الله بن حذافة بعثه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سرية أو في عمار بن ياسر بعثه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سرية ، أو نزلت في العلماء والفقهاء ، أو في الصحابة ، أو في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وإنما طاعة الولاة في المعروف.

(إِلَى اللهِ) كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

١٤٠