تفسير ابن عرفة - ج ١

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي

تفسير ابن عرفة - ج ١

المؤلف:

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي


المحقق: جلال الأسيوطي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-5181-9

الصفحات: ٤٦٣

إلى امتثاله ، والآية حجة لمن يجيز التكليف بما لا يطاق ويبقى وقوعه إذ لا ينفي إلا ما هو ممكن الوقوع ، ومن قال بوقوع تكليف ما لا يطاق احتج بقضية أبي لهب فاستكلف أن يؤمن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبجميع [١٧/٨٠] ما جاء به ، ومن جملته هذا ، وأجاب سراج الدين الآمدي : في شرح الحاصل بأنه مكلف بأن يؤمن بالنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، وبما جاء به إيمانا جمليا ، لا تفصيليا ، قال الفخر ، وابن التلمساني : ومن تكليف ما لا يطاق التكليف بما علم عدم وقوعه ، فقال ابن عرفة : هذا وهم وليس من ذلك تكليف ما لا يطاق بوجه ؛ لأنه ممكن في نفس الأمر فهو يطيق فعله كتكليف العصاة بالصلاة في الوقت فينقلونها بعد الوقت قضاء.

قيل لابن عرفة : ما فائدة الخلاف ما لا يطاق بالنسبة إلى القائم قد ذكروا في القائم إذا ضرب برجله إناء فكسره فإنه يضمنه ، وكذلك إذا ضرب أحدا فقتله فهل تضمينه من تكليف ما لا يطاق أم لا؟ والظاهر أنه من خطاب الوضع والإخبار.

قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ).

ذكر ابن عطية : وجه المغايرة بين الفعلين ، وهما متقاربان فتقرير ما قال ابن عطية ، والزمخشري : إن المكلف بفعل الطاعة مستحضر للثواب عليها فيسهل عليها أمرها من غير تكليف طبيعي ، ولا وازع له عن عقابا ، وفاعل المعصية يستحضر العقوبة عليها في الدار الآخرة فشهوته تحمله عليها وتكلفه على فعلها ، وتوجب معاندته للوازع الديني وتقرير كلام الزمخشري كأنه على عكس هذا لكنه في الحقيقة راجع إلى هذا ، وهو أن الشيء مما تشتهيه النفوس وتأمر به فهي تحصيله أعمل وأقوى اجتهادا وجعلت له مكسبه ، ولما لم تكن كذلك في الخبر وصفنا بما لا دلالة فيه على الفعل والتكليف ، وقال ابن الصائغ في باب ما جاء به من المعدول على فعال لما كان الإنسان يثاب على قليل الخبر وكثيره استعمل فيه اللفظ العام للقليل ، والكثير وهو كسب ، ولما كانت الصغائر معفو عنها بفضل الله عزوجل جاء بلفظ الكثير إشعارا بأنها ليس عليها إلا ما فوق الصغائر ، قال هذا بعد أن ذكر إن كسب واكتسب إن اجتمعنا في كلام واحد كانت كسب عامة في الأمرين.

قال القرافي في قواعده أنها تدل على أن المصائب لا يثاب عليها ، لأنها ليس للمكلف فيها اعتداد ، قلت : وفي شرح أبيات الجمل لابن هشام اللخمي ، حكى ابن جني عن الزجاج أن يقال : خبريته في الخبر ، وجاذبيته في الشر فيستعمل فعل الزيادة

٣٤١

في الشر وفي النقص في الخير ، ومنه (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) وقوله : إنا قسمنا خطيئتنا بيننا فحملت منها ، واستلمت فأجرنا.

قال الزمخشري : فإن قلت : النسيان والخطأ متجاوز عنهما فما معنى الدعاء بترك المؤاخذة فيهما ، فأجاب : بأن الدعاء راجع بسببهما ، وهو التفريط والغفلة.

قال ابن عرفة : هذا على مذهبه في منع تكليف ما لا يطاق لأنه دعاء بتحصيل الحاصل ؛ لأنه ممكن باعتبار الأصالة ، فإن قلت : الأصل تقديم الشيء يحق أن يقال : (إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) فلا تؤاخذنا ، قلنا : قدم المدعو الاهتمام به.

قال ابن عرفة : والنسيان والخطأ مرفوع عن ابن آدم فيما بينه وبين الله تعالى ، قيل له : قد قال مالك ـ رحمه‌الله ـ : في العتيبة ، فيمن حلف بالطلاق ليصومن يوم كذا فأفطر ناسيا أنه لا شيء عليه ، فقال ابن رشد ، وابن سحنون ، أي لا حنث عليه ، وقال السيوري : واختاره اللخمي أي لا قضاء عليه ، واحتج بحديث" رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" خطأها ونسيانها ، وأجاب الآخرون بأن الذي حمل لهما الخطأ والنسيان ، لا نفس الخطأ والنسيان ، وذكرها ابن الحاجب في كتاب الأيمان والنذور قال : وفيها ما نصه والنسيان المطلق كالعهد على المعروف ، وخرج الفرق من قوله : إن حلف بالطلاق لأصومن كذا فأفطر ناسيا فلا شيء عليه ، قلت : ووقعت هذه المسألة في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب الإيمان والنذور والإيمان بالطلاق ، وقال ابن رشد : أي لا حنث عليه إذا كان ناسيا بخلاف من أصبح مفطرا ناسيا ليمينه ، مراعاة للخلاف في وجوب القضاء على من أفطر في التطوع متعمدا وفي رمضان ناسيا ، لما جاء في ذلك.

قيل لابن عرفة : قد قالوا إذا قتل رجل خطأ إن عليه صوم شهرين ، فقال : النسيان إنما هو سبب في رفع الإثم ، وليس هو سبب في صومه ، والقتل سبب في الصوم والشرع رتب عليه القتل صوما فيجب عليه امتثاله ؛ لأنه كفارة بل الإثم ساقطا عليه.

قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً).

قال أبو حيان : قرئ بالتخفيف وبالتشديد ، قال أبو حيان : بالتشديد إما [١٧/٨٠ و] للتعدية ، وإما للمبالغة.

ابن عرفة : فظاهره أنه لهما في البدلية ، ومنهم من قال : يصح كونه بهما على المعية ، وقال بعضهم : أما المبالغة هنا مع التشديد فظاهر ، وأما على التخفيف فمستفاد

٣٤٢

ومن لفظ علي لاقتضائها الاستعلاء والاستيلاء ، فإن قلت : ما الفائدة في قوله تعالى : (كَما حَمَلْتَهُ) ولو سقط لاحتمل المعنى ، وإسقاطه كان أتم وأبلغ ، لأن نفي (إِصْراً) مطلقا أبلغ منه مقيدا ، قيل لابن عرفة : عادتهم يخيلون بأن الدعاء حاله الخوف مظنه الإجابة ، فهو فيه أقوى منها حاله عدم الخوف أقرب لمقام التضرع ، والالتجاء ، ابن عطية : ولا خلاف أن المراد ب (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) اليهود.

ابن عرفة : لأن مع تكاليفهم ، والتشديد الواقع في شرعتهم أكثر من النصارى ، وغيرهم قال الضحاك : اليهود والنصارى.

قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ).

إما أنه راجع لأمور الآخرة أو للتكاليف الدنيوية ، فإن كان للآخرة فهو تأسيس ، وإن كان للدنيا فهو تأكيد إن أريد مما لا طاقة لنا به ، الحقيقة وهو ما ليس في قدرة البشر ؛ لأن الدعاء ينفي الأمر يستلزم الدعاء بنفي ما فوقه ، وإن أريد به المجاز كما أشار إليه ابن عطية في أحد التفاسير : من أنه الأمر المستصعب وإن كنت تطيقه فيكون تأسيسا.

قوله تعالى : (وَاعْفُ عَنَّا).

قال ابن عرفة : وجه الترتيب في هذه أن العفو عبارة عن عدم المؤاخذة بالذنب ، وما يلزم من الدعاء برفع الأمر الذي في قدرة البشر مشقة ، أو الخارجة عن قدرة الدعاء بعدم المؤاخذة بالذنب ، ثم عقبه بالمغفرة ؛ لأنه لا يلزم من عدم المؤاخذة بالذنب ستره ؛ لأنه قد لا يؤاخذه به ، ويظهره عليه ثم عقبه بالرحمة ؛ لأن العفو والمغفرة من باب رفع المؤلم ، والرحمة من باب جلب الملائم فدفع المؤلم آكد وأولى من جلب الملائم ونحوه لابن الخطيب ، وقال ابن عطية ، وقال سلام بن سابور : الذي لا طاقة لنا به الغلبة ، وروي أن أبا الدرداء كان يقول في دعائه : وأعوذ من غلبه ليس لها عدة.

ابن عرفة : الغلبة هي ، قوله : (أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا) الزمخشري : أي سيدنا وناصرنا ومتولي أمرنا ومالكنا.

ابن عرفة : السيد والناصر إطلاقه عليهما من قبيل المشترك والمتولي ، والمالك ينبغي أن يحمل على المراد الأخص منهما ليدخل تحت الأعم من باب أحرى ،

٣٤٣

الزمخشري : وعنه عليه الصلاة والسّلام : " من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه (١) ".

ابن عرفة : أولهما : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) ومعنى كفتاه يرفعان قارئهما من رتبة عن حرم قيام الليل ، قلت في إكمال عياض في كتاب الطب : أي كفتاه كل عاهد وشيطان ، فلا يغيره ، وفي سلاح المؤمن معنى كفتاه أجزأتاه ، عن قيام الليل ، وقيل : كفتاه من كل شيطان لم يضر به ليلته ، وقيل : كفتاه مما يكون تلك الليلة من الآفات ، وقيل : حسبه بهما فضلا واحدا ويحتمل الجميع ، والله أعلم.

__________________

(١) أخرجه ابن حبان في صحيحه : ٢٦٤٠ ، وأبو نعيم الأصبهاني في المسند المستخرج على صحيح مسلم : ١٦١٣ ، والترمذي في جامعه : ٢٨٢٦ ، وأبو داود السجستاني في سننه : ١١٩٢ ، والنسائي في السنن الكبرى : ٧٧١٤ ، وابن ماجه في سننه : ١٣٥٩ ، وأحمد بن حنبل في مسنده : ١٦٧٧٠ ، وعبد بن حميد في مسنده : ٢٣٤.

٣٤٤

سورة آل عمران

ابن عطية : حكى الفقهاء أن اسمها في التوراة طيبة.

ابن عرفة : ليس معناه أنها في التوراة بل ورد في التوراة حكم من الأحكام ونص فيها على ثبوته في القرآن في سورة آل عمران.

قوله تعالى : (الم اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ).

قال الجرجاني : أحسن الأقوال أن (الم) إشارة إلى حروف المعجم أي أن هذه الحروف كتابك فلا يحل أن يكون الله مبتدأ وخبره (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) بحيث يكون في الخبر ما يدل على الكتاب المضمر ، واعترضه ابن عطية : بأن التوراة نزلت ردا على النصارى الذين زعموا أن عيسى هو الله ، ونقلوا أقوالا سبعة فما المناسب أن يكون الخبر إلا (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فهو محل الفائدة ، فإذا كان الخبر لم يبق ما يدل على إضمار الكتب.

قال ابن عرفة : والتوحيد به ، منهم من قال : أن مدركه العقل ، وقيل : السمع والعقل ، وعكس سراج الدين الأرموي فقال : مدركه السمع ؛ لأن من أبطل دلالة التمانع ، قال : يقول : إن إلهين يتفقان ، فقال الآخرون : وإن اتفقا فيجوز اختلافهما ، وتردد المقترح في مدركها ، وقال الغزالي : أخص أسماء الله تعالى القيوم ، فإنه القائم بأمور العباد وغيرها يشاركه فيه غيره ، فقال ابن عرفة (١) هذا ما يتم إلا على مذهب الفلاسفة القائلين بقدم العالم والإيمان يقول أخص أوصافه القديم ، وقال ابن الخطيب : الوصف بالحي القيوم يستلزم جميع صفات الله تعالى ، فقال ابن عرفة : إن أراد استلزامها ذلك لذاتها [١٧/٨١] ومجرد لفظها فممنوع ، وإن أراد لصحة الدليل العقل إليهما فمسلم.

قوله تعالى : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ).

قال الزمخشري : (نَزَّلَ) يقتضي التفخيم ، (وَأَنْزَلَ) يقتضي الجمعية ، فرده ابن عطية بقوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) [سورة الكهف : ١] ابن عرفة : إنما عادتهم يردون عليه بقوله تعالى : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [سورة الفرقان : ٣٢] ، وأجاب الزمخشري هناك بأن (نَزَّلَ) بمعنى أنزل

__________________

(١) (بياض في المخطوطة).

٣٤٥

وردوا عليه بأن ذلك إنما هو في الفعل المتعدي لواحد إذا ضعف يريد به التضعيف معنى التفريق ، مثل : (غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) [سورة يوسف : ٢٣] لأن غلق يتعدى غير متضاعف ، وإما الغير متعدي فإن التضعيف إنما هو للتعدية كالهمزة كأنه يكسبه معنى آخر.

قال ابن عطية : الباء إما للحال فالحق فيه ثابت أو للسبب ، أي بسبب الحق ، أي باستحقاق إن لم يزل ثم تحرك عن مذهب المعتزلة ، فقال : وذلك تفضلا منه لا على أنه واجب عليه أن يفعل.

قوله تعالى : (مُصَدِّقاً).

قال ابن عطية : حال مؤكدة ؛ لأنه لا يمكن أن يكون غير مصدقا لما بين يديه من الكتب.

قيل لابن عرفة : عادتكم تردون عليه بأن المراد أنه حق في نفسه ثابت ، والحق الثابت في نفسه يمكن أن يصدق غيره ، ويمكن أن لا يصدق ولا يكذب ، فقال : كان يجيب بأن يقول : إن اعتبرنا الحق في نفسه فيجيء ما قلتم ، وإن اعتبرناه من حيث رجوعه إلى الكتب وارتباطه به فلا بد أن يكون مصدقا لما بين يديه ، ومعنى تصديقه لها تصديقه لأصوله لما فيها من الشرائع والأحكام ؛ لأنه مصدق لاستحقاق تلك الأحكام وجريانها بل هو ناسخ لها ، أو المراد بتصديقه لها دلالة على صحة كونها منزله من عند الله.

قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ).

قيل لابن عرفة : ما الفائدة في قوله : (مِنْ قَبْلُ) ولو أسقط لم يحتل المعنى ؛ لأنه معلوم أن إنزالها قبل ، وأنها هدى للناس من قبل؟ فأجاب : بأنكم جعلتم (مِنْ قَبْلُ) متعلق بأنزل أو بالتوراة ، وإنما يجعله متعلقا بهدى ، فتقول : تضمنت الآية أن هداية التوراة والإنجيل كان للناس من قبل وذلك غير معلوم ، إنما كان المعلوم أن إنزالها قبل الثاني ، اقتضت من أول أزمنة القبلية إشارة إلى أن هذا أمر معهود فيما سبق ، وأنه ليس بأول ما نزل بل تقدمت كتب قبله واستدام حكمها إلى أزمنة القبلية ، وقال هنا : (هُدىً لِلنَّاسِ) ، وفي البقرة (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) ، فقيل : للتشريف ، وقيل : إن الهداية يراد بها الإيمان ، قال تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [سورة الإنسان : ٣] ويطلق بمعنى التوفيق والإرشاد إلى طريق الحق.

٣٤٦

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ).

الآيات المعجزات ، أو آيات القرآن ، وهذا عموم خرج على سبب ، وفيه عند الأصوليين خلاف ، لكن قالوا إن السبب يجب دخوله فيه ، والصحيح أنه عام فيه وفي غيره ، وحيث يكون في اللفظ وصف مناسب للسبب فإنه يقصر على ذلك السبب وإلا فهو عام ، والآية ليس فيها وصف مناسب للسبب ، فإنه يقصر على ذلك السبب وإلا فهي عامة فيه وفي غيره ، وقوله (عَذابٌ شَدِيدٌ) باعتبار الكمية والكيفية والدوام الأبدي.

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ).

قيل لابن عرفة : هلا أتى به غير مقيد فهو أبلغ ، فأجاب : بأن الآية تضمنت ثلاثة أمور :

أحدها : الرد على نصارى نجران في قولهم أن عيسى الله.

والثاني : الوعد.

والثالث : الوعيد.

فلذلك قال (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) ، وأجاب الفخر : بغير هذا.

قيل لابن عرفة : والآية دالة على أن لفظ شيء يطلق على المعدوم ، قال : تقرر أن العلم يتعلق بالموجود والمعدوم ، والمستحيل ؛ لأن تعلم أن الجمع بين النقيضين ، ولم يدل على علمه بالكليات والجزئيات ، قال : إن قلنا : إن العلم بالكليات من لوازمه العلم بالجزئيات وإلا فلا وهو مذهب المتأخرين ، فيقول : علمه متعلق بالكليات ، وذهب المقترح إلى أن الخلق يقتضي العلم ، وإن كان قبيحا ، وقال غيره : إنما يستلزم الإتقان لأنفس الخلق.

قوله تعالى : (كَيْفَ يَشاءُ).

دليل على مذهب الطبائعية.

قوله تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ).

كالنتيجة بعد هذه المقدمات.

قوله تعالى : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ).

الزمخشري : أي أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه.

٣٤٧

ابن عرفة : يريد النسخ ، ابن عطية : وقال ابن عباس : المحكم ناسخه وحلاله وحرامه ، وفرائضه ، وما يؤمر به ويعمل به ، والمتشابه منسوخة ، ومقدمة ، ومؤخرة.

ابن عرفة : كقوله تعالى : (فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) [سورة الأعلى : ٥] ؛ [١٧/٨١ و] لأنه مقدم في اللفظ مؤخر في المعنى ، وقد حكى ابن عرفة الخلاف في المتشابه ما هو ، قال : حكى الأصوليون خلافا هل يرد في القرآن ما لا يفهم أم لا؟ وقال بعض شراح الأصول : أما بالنسبة إلى الكلام القديم الأزلي فلا خلاف في امتناع ذلك فيه ، وإنما الخلاف في الألفاظ المعبر بها عنه ، بما قاله ابن عرفة : هذا تقسيم بمعنى مستوفى أم لا؟ قيل له : مستوفى إلا على قول ابن مسعود : أن المحكم الناسخ والمتشابه المنسوخ ، فبقى قسم ثالث وهو ما ليس بناسخ ولا منسوخ ، وذلك أكثر القرآن.

ابن عرفة : بل نقول : إنه تقسيم غير مستوفى مطلقا ، والأقسام ثلاثة : منها ما نص في معناه ولا يصح صرفه عنه بوجه ، ومنها الظاهر والمحتمل ، فالمحكم هو النص الذي لا احتمال فيه ، والمتشابه هي الألفاظ المحتملة التي تحتاج في ردها إلى الصواب لدليل عقلي وسمعي ، وبقاء ما هو ظاهر في معناه.

قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ).

دليل على العقل في القلب ، قال الطيبي في كتابه المسمى بالبنيان في علم البيان : إن هذا من باب الجمع والتقسيم فقوله تعالى : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ)(١) ، جمع ، ثم عقبه بقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) ، وبقوله تعالى : (وَالرَّاسِخُونَ) فهذا تقسيم وتفريق كأنه يقول ، وأما الراسخون في العلم.

ابن عرفة : وأهل السنة يتبعون المتشابه له لفظ ظاهر ، فأهل السنة يتبعونه قصد الصرفة إلى معناه من الصواب والمبتدعة يتبعون ظاهر لفظه ، فإن قلت : عمر بن عبد العزيز ، وأنظاره من المتقشفين الصلحاء ، إنما اتبعوه ابتغاء للطاعة والثواب ، فهل يكون هذا كلام الصيرورة ، أي اتبعوه ليهتدوا فضلوا ، قلت : أحكام القرآن على قسمين

__________________

(١) (أثبتها المصنف في نص المخطوط منه آيات محكمات وأخر متشابهات وقد أثبتنا نص الآية كاملا من المصحف).

٣٤٨

تارة يراد بها نفس اللفظ ، وتارة يراد مدلوله فمراد ابتغائه سبب الفتنة ، أو مدلول الفتنة فهو إنما اتبعوه ابتغاء أمر كان سببا للفتنة ؛ لأنهم قصدوا الفتنة.

قوله تعالى : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ).

ابن عرفة : كان بعضهم إنما ذكر الخلاف في الراسخين في العلم هل يعلم تأويله أم لا؟ القول هذا يتبعني على الخلاف هل بين العلم القديم والحادث اشتراك جاء القول بعدم العطف.

قوله تعالى : (آمَنَّا بِهِ).

أي يقولون في أنفسهم ؛ لأن من آمن بقلبه داخل في هذا.

قوله تعالى : (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا).

لفظ الرب هنا مناسب أي ورود المحكم فيه والمتشابه رحمة من الله بنا فنظر في الأدلة ، وننظر بعقولنا فنخرجه من ظاهره الحقيقي إلى مجازة دفعا للحكم الباطل فيحصل له الأجر والمثوبة بذلك عند الله عزوجل.

قوله تعالى : (لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا).

قرئ لا تَزغ بفتح التاء ، وقلوبُنا فاعل ، أبو حيان مثل هو مثل لا أرينك ههنا إنما يقوله المعتزلة القائلون أن العبد يخلق أفعاله ، فيقولون : كيف يطلب ترك ما ليس من فعله فيحتاجون أن يجعلوه ، مثل : لا أرينك هنا لاستحالة نهي الإنسان نفسه أي لا يخلق لها أسباب الزيغ فيتبع قال أبو حيان : وإذ هنا اسم وليست بظرف ؛ لأن الظرف لا يضاف ، فقال ابن عرفة : إن أراد أنها لا تعرب ظرفا فنعم ، وإن أراد أنها ليست بظرف لا في اللفظ ولا في المعنى فغير صحيح بل معناها الظرفية ، فإن قلت : لم أضيف الزيغ إلى القلوب والهداية لجميع الذات؟ فالجواب : أن الزيغ معنوي معلق بالذات ؛ لأنه الأصل فإذا زاغ القلب زاغ الجميع والهداية قصدوا أن يخبروا بحصولها لجميع ذواتهم وحواسهم ، وتقدم في الختمة الأخرى الجواب بوجهين :

الأول : إن الزيغ واقع بهم فأطلقوا أبعاده ونفيه عن العضو الأخص الذي هو سبب في عمومه في سائر البدن ، والهداية في جميع البدن ، فأخبروا بذلك رغبة في دوامها على ما هي عليه.

٣٤٩

الجواب الثاني : إن الزيغ يحصل للقلب بأول وهلة ، والهداية إنما تحصل له غالبا بعد تأمل ، ونظر واستدلال فحصولها يشترك فيه القلب ، والسمع ، والبصر ، وغيرهم.

قيل لابن عرفة : هل ينظر في الشبهة فيضل؟ فقد حصل الزيغ بالتأمل ، فقال : لم ينظر ليضل ، وإنما ينظر فيها ليهتدي فضل.

ابن عرفة : وهذا إن كان من قول الراسخين في العلم فهي هداية خاصة ، وإن كان أمر لجميع الناس أن يقولوه فهي هداية عامة.

قوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ).

ابن عرفة : كانت اللام للتقوية فظاهر ، وإن كانت للتعليل فلا بد من مقدار أي جامع الناس لجزاء [١٧/٨٢] يوم.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ) ابن عطية : هم الدهرية المنكرون للبعث.

ابن عرفة : أو نصارى نجران ، وهو المناسب ؛ لأنه السبب في نزول الآية فالظاهر العموم ، فإن قلت : وكذلك المؤمنون لا تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ، قال تعالى : (وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) [سورة لقمان : ٣٣] ، فالجواب : أن المؤمنين تنفعهم أموالهم بإنفاقه على العيال ، وفي سبيل الله في الجهاد وفي الزكاة ، وصدقه التطوع والولد الصالح يدعوا لأبيه بعد موته فينتفع بدعائه بخلاف الكافر ، فإن قلت : تأكيده شيئا يقتضي العموم في القليل والكثير ، مع أنه ورد في قصة أبي لهب : أنه خفف عنه العذاب ليلة الاثنين ، ويومه لكونه أعتق الخادم التي بشرته بولادة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حينئذ ، وكذلك أبو طالب أخبر النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أهون أهل النار عذابا ، فالجواب : إما بأن قصة أبي لهب كانت رؤيا نومية رآها العباس فلا يحتج بها ، وإما بأن التأكيد بقوله شيئا ، وإن كانت نكرة في سياق النفي فهو عام في الأشخاص والعام في الأشخاص عام في الأزمنة والأحوال ، فتقول : ما اقتضى إلا أن أموالهم وأولادهم لا ينقذونهم منه ، ولا من يعصمه في وقت ما.

قوله تعالى : (وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ).

٣٥٠

إن كان لفظ الذين عاما فالمضمر هنا للحصر ، وإن كان خاصا فالمضمر للتأكيد فقط.

قوله تعالى : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ).

ذكر أبو حيان : في الكاف عشرة أوجه ، إما إنما خبر مبتدأ ، أو مفعول بوقود أو نعتا لمصدر من لفظ (وَقُودُ) بل معناه أي عذابا : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) أو منصوب بلن تغني ، أو بفعل معناه أي بطل عملهم : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) ابن عرفة : وعادتهم يمثلون رد التشبيه للذات ، كقولك : اشتريت أمة كأختي ، فالتشبيه للذات إذ لا يصح معه اشتراء أخته ، ويمثلون رده للصفة ، بقوله : اشتريت بعشرين كاشتراء الجارية المسماة خبران بالتشبيه هنا للنبي ، فإن قلت : لم شبههم بآل فرعون دون غيرهم ، قلت فأجاب : بعض الطلبة بأن آل فرعون أهلكوا هلاكا عاما مستأصلا لهم ، ولم يهلك أحد من الأمم بعد نزول التوراة إهلاكا عاما مستأصلا بوجه ، وأما قبلها فهلك قوم نوح بالغرق ، وقوم بالريح ، وقوم لوط بالخسف ، فاستحسنه ابن عرفة وقال : إن هذا السؤال وجوابه سمعته من القاضي أبي العباس ابن حيدرة في قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ).

قوله تعالى : (كَذَّبُوا بِآياتِنا).

المراد بالآيات المعجزات أو الدلائل العقلية ؛ لأن العقل يقتضي أن لهذه المخلوقات خلقا يستحيل عليه التعدد ، قال ابن الخطيب : يحتمل أن يكون مضافا إلى الفاعل ، أو المفعول ، فرده ابن عرفة : بأن فعله غير متعد فلا يصح إضافته إلى المفعول.

قوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ).

قال الزمخشري : هم مشركوا مكة.

ابن عرفة : هذه ..... (١) إخبار لما سيقع وظاهره أنه قبل وقعة بدر.

قيل لابن عرفة : كيف يفهم ، قوله بعدها : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا) فدل على أنه متقدم ، فقال : لعل الآية نزلت قبل هذه ، وهي بعدها في التلاوة ، وقيل : هم اليهود وأن هذا كان بعد وقعة بدر ، وقرئ (سَتُغْلَبُونَ) بتاء الخطاب ، وبالغيبة.

__________________

(١) (طمس في المخطوطة).

٣٥١

قال ابن عرفة : من قرأ بتاء الخطاب فمعناه قل للكفار جميعا ستغلبون.

ابن عرفة : واللام للتعدية ومن قرأها بالياء ، فمعناه قل لهؤلاء اليهود سنغلب نحن قريتنا ، أو قل لهم كلاما هذا معناه.

ابن عرفة : واللام على هذا إما للتعدية أو للتعليل ، أي قل لليهود لأجل الذين كفروا ستغلبون.

ابن عرفة : وقال بعضهم من قرأها بياء الغيبة راعى حال المرسل فهم غائبون عنه في الظاهر ، ومن قرأها بتاء الخطاب راعى حال الرسول فهم بين يديه.

ابن عرفة : أو يقال هل أمر بتغليب المعنى أو اللفظ ، قلت : وقريبا منه الزمخشري : قيل لابن عرفة : لا خلاف في إنا متعبدون بألفاظ القرآن ، ولا يجوز تبديلها بغيرها ، فقال : هذا بالنسبة إلينا ، وأما بالنسبة إلى النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم مع الكفار فلا.

قال ابن عرفة : وعادتهم يوردون فيها سؤالا وهو ما الحكمة [١٧/٨٢ و] في إتيان الفعل مبنيا للمفعول مع أن الأولى هنا ذكر الفاعل لا سيما مع ما ذكر ابن عطية ، وغيره : من أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم لما غلب قريشا ببدر ، قالت : اليهود هذا هو النبي الذي في كتابنا الذي لا يهزم له راية فلما كانت وقعة أحد كفروا جميعهم ، وقالوا ليس بالنبي المنصور ، فكان الأولى أن يذكر فاعل الغلبة ؛ لأنهم نعم يقولون : غلبنا غيرك ، فهو النبي الحقيقي لا أنت.

قال ابن عرفة : وعادة بعضهم يجيب بأن هذا تشبيه على ذم الدعوى ، وتنفير منها على جهة التعليم للقياس ، وإنه لا ينبغي لأحد أن يدعي شيئا ، وتلا قوله تعالى : في سورة النمل ، (قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) [سورة النمل : ٤٠] قال ابن الخطيب : وفي الآية حجة لجواز تكليف ما لا يطاق ؛ لأنهم خوطبوا بأنهم مغلوبون معذبون ومع هذا مكلفون بالإيمان ، فقال ابن عرفة : قد تقدم نظيره في قضية أبي لهب ، وتقدم الجواب عنه.

قيل لابن عرفة : ما ذاك يغني ومأمور بأن يؤمن بالنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، إيمانا جمليا من غير تفصيل فهذا أشد لكونه أمر بأن يقول لهم هذه المقالة ويدعوهم إلى الإيمان إلا أن يجاب بأن المراد ستغلبون إن دمتم على دينكم أن وصف

٣٥٢

الكفر يغني عنه إذا لم يعين فيها شخص منهم بخصوص فهمها أسلم منهم أحد لم يكن من الذين كفروا.

قوله تعالى : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ).

قال ابن عرفة : فيها سؤال ، وهو لم عبر في الأولى بالفعل وفي الجملة الثانية بالاسم ، وهلا قيل فيه : مقاتله في سبيل الله وأخرى كافرة ، أو يقال فيه : تقاتل في سبيل الله وأخرى تكفر؟ والجواب : إما بأن القتال أمر فعلي فهو متحدد فلذلك عبر بالفعل ، والكفر أمر اعتقادي قلبي فهو ثابت فناسب التعبير عنه بالاسم ، وإما بأن الآية حذف التقابل أي فيه مؤمنة تقاتل في سبيل الله ، وأخرى كافرة تقاتل في سبيل الطاغوت.

قوله تعالى : (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ).

فيها أوجه :

أحدها : يروا المشركين مثلي المشركين رأى العين ، وقد يشكل لمخالفته سورة الأنفال ، لأن فيها : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً) [سورة الأنفال : ٤٥] وأجاب الزمخشري : بأن المشركين يرون المسلمين قبل القتال قليلين تحضرونهم وتهجمون على قتالهم ثم يرونهم حين القتال كثيرين ينالهم الخوف والرعب الموجب لقتلهم وانهزامهم.

ابن عرفة : ويجيء هنا عكسه ، وهو أن المسلمين يرون المشركين قبل القتال مثلهم ابتلاء من الله لهم ، فإذا شرعوا في القتال يرونهم قليلين يذهب روعهم وخوفهم.

ابن عرفة : وهذه الرؤية تغلظ البصر فيرى القليل كثيرا ، والكثير قليلا ، وإما بأن الله يخلق هناك ما مثل المشركين أو يشد بعض المشركين أعين المؤمنين.

ابن عرفة : فعلى هذا أنه يكون من غلط البصر يكون المصدر ، من قوله تعالى : (رَأْيَ الْعَيْنِ) ترشيح للمجاز ، كقول الشاعر :

بكى الحر من روح وأنكر جلده

وعجت عجيجا من جذام المطارف

٣٥٣

وعلى أنها رؤيا حقيقة للناس بخلقهم الله تعالى هنالك يكون ... (١) حقيقة ، قال : وهذه الرواية إن كانت عليه فيكون رأي العين تأكيدا ، مثل : ضربت ضربا.

الثاني : أن المراد يرون المشركين ، مثل : المؤمنين على ما قدر عليهم من وقوف الواحد من للاثنين ، في قوله تعالى : (وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ) قال الزمخشري : ولذلك وصف ضعفهم بالقلة ؛ لأنه قليل بالإضافة إلى عشرة الأضعاف ، فكان الكافرون ثلاثة أمثالهم.

ابن عرفة : وصفه بالقلة في قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ).

قوله تعالى : (وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ).

قرئ بتسهيل الهمزة ، قال أبو حيان : يجوز تسهيلها ، قال بعضهم : لأن تسهيلها قريب من السكون فيلتقي ساكنا ، فرده ابن عرفة لقوله تعالى : (أَأَنْذَرْتَهُمْ) مع أنه يلتقي في أنذرتهم ثلاثة سواكن.

قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ).

ابن عرفة : مناسبتها لما قبلها إن الآية المتقدمة اقتضت الحصر على الجهاد ، ومدح المتصف به ومن خالف نفسه وشهوته الهيمنية.

قال ابن عطية : قيل المزين هو الله تعالى ، وقيل الشيطان.

ابن عرفة : فعلى الأول هو تزيين خلق وابتداع ، وعلى الثاني تزيين. [١٨/٨٨] بوجه فهو كقول الشاهد للقاضي أودي شهادتي ولا نقول أديته.

قوله تعالى : (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ).

أبو حيان والفخر : من لابتداء الغاية.

ابن عرفة : الصواب أنها للسبب ولا إضمار في الآية ، أو للتبعيض على أمر مضاف أي بكلمات ، أي من كلماته.

قوله تعالى : (اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ).

__________________

(١) بياض في المخطوطة.

٣٥٤

دليل على أن الاسم غير المسمى ، الزمخشري : وعبر عنها بأنها اسمه مع أن الاسم منها عيسى ، وأما المسيح فلقب له ، فإنما كان ذلك لاشتراكها في التمييز.

ابن عرفة : فهو من استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه ، أو من استعماله في القدر المشترك ، وهو مطلق التمييز.

قوله تعالى : (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ).

أبو حيان : التضعيف للتعدية وليس للمبالغة.

ابن عرفة : وذكر غيره أن التضعيف يكون للأمرين في حالة واحدة وأن ذلك غير ممتنع ، فأفاد المبالغة من التضعيف ، ومن التعريف مع حرف الجر مثل (لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) [سورة العنكبوت : ٩].

قوله تعالى : (قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ).

الزمخشري : الخطاب لله تعالى ، ومن بديع التفاسير أنه لجبريل.

ابن عرفة : والصواب أنه لجبريل على حذف مضاف ، أي يا رسول العرب الله.

ابن عرفة : وفي الآية سؤالان :

الأول : كيف استبعدت ولادتها فعللت ذلك بمسبب البشر لها ، وهي لا تدري ما يكون من أمرها ، وعادتهم يجيبون بوجهين ، أنها منذورة محررة للسجد ، والمنذور المحرر للسجد لا يتزوج ولا يولد له.

الثاني : أنها بشرت بالمسيح عيسى ابن مريم منسوب إلى أمه دون النسبة إلى الأب ، فلذلك استبعدت الولادة ، وعللته بعدم مس البشر إياها.

السؤال الثاني : هلا قالت : (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) فتعلق النفي بالمستقبل ، فإنها بشرت بولد يزداد لها في المستقبل فكيف تعلل استبعادها ذلك بنفي المس عنها فيما مضي؟ قال : وجوابه عندي بأنه ، كقوله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) [سورة الدخان : ٥٦] فالنفي ، وذلك في الموتة الأولى تنبيها على عمومه ؛ لأنها انتفاء ذواقها لهم في الجنة أي لا يذوقون غيرها فيها كما لا يذوقونها هي فيها ، وكذلك هنا أي كما علمتم عدم مس البشر لي فيما مضى فكذلك في المستقبل.

ابن عرفة : وفي سورة مريم : (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) وهو دليل على أنها أرادت بالمس الوطء الحلال.

٣٥٥

قوله تعالى : (كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ).

وفي قصة زكريا : (كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ؟) فأجاب ابن عطية : بأن أمر زكريا حاصل في الإمكان الذي يعتد وإن قل ، وقصة مريم لا تتقارب البتة ، لأن زيادة الولد بين الرجل وامرأة معهود ، وإن كانا شيخين ، بخلاف زيادته بغير رجل ليس من جنس مقدور البشر بوجه ، فعبر عنها بالخلق الذي هو خاص بالله ، إذ لا يقال : فلان يخلق كذا بوجه.

قوله تعالى : (إِذا قَضى أَمْراً).

ابن عرفة : أي قدره ، والظاهر أن المعنى إذا أراد في الأزل أمرا أبرزه بقوله : (كُنْ) قيل لابن عطية : هل يوجد أن الأمر تابع للإرادة؟ فقال : هذا إلا بقوله (يَمْسَسْنِي).

ابن عرفة : والآية على صحة خطاب المعدوم والمعتزلة ينكرونها وينكرون الكلام القديم ، ويردونه هنا إلى سرعة التكوين ونحن نثبته.

ابن عرفة : فإن قلت : لم قال زكريا : (رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) ولم تقل مريم كذلك مع أن العكس كان يكون أولى ؛ لأن وجود الولادة من مريم أغرب وأعجب من وجودها من زكريا؟ قال والجواب : إن زكريا دعا بذلك ، وتكرر طلبه فطلب الآية ليشكر الله على إسعافه له بالمطلوب ، ومريم لم يقع منها طلب لذلك بل بشرت بذلك عفوا.

قوله تعالى : (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ).

أي يصيره عالما بذلك.

ابن عرفة : فإن قلت : هلا قيل : ويعلمه الكتاب ؛ لأن هذا من باب الإعلام لا من باب التعليم ، والإعلام عام يقول : أعلم زيد عمرو أمقيما أي صيره عالما بذلك ، والتعليم خاص ، قال تعالى : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) فلأي شيء أطلق على الأنبياء ، وجعل خاصا بهم دون العلم؟ قال : والجواب بوجهين :

أحدهما : أن ذلك تشريف له واعتناء به ؛ لأن لإقبال التعليم الشخص اعتناء به.

والثاني : أن هذا من باب العلم التكميلي ؛ لأن العلوم الضرورية لا يحتاج فيها الإنسان إلى تعليم ، فلو قيل : ويعلمه دخل فيه الضروري فيكون تحصيل الحاصل.

٣٥٦

ابن عرفة : وكان الشيوخ مختلفون في ... (١) هل يشتركان في شيء أم لا؟ فمنهم من كان يمنع اشتراكهما مطلقا إذ لو اشتركا في أمر لجاز ارتفاعه ، وإذا جاز ارتفاعه جاز ارتفاعهما فيلزم عليه ارتفاع النقيضين ، وهذا باطل وكان ابن الحباب يجيز اشتراكهما بقولهم في حد [١٨/٨٨ و] التناقص ، أنه اختلاف قضيتين بالسلب والإيجاب فهما مشتركتان في مطلق الاختلاف.

ابن عرفة : من راعي الأمور الوجودية منع اشتراكهما ، ومن راعى الأمور الاعتبارية جواز اشتراكهما ، وكان بعضهم يستدل بهذه الآية مع قوله تعالى : في سورة الأعراف : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) [سورة الأعراف : ١٥٧] على جواز اشتراك النقيضين في أمر ما ، قال : لأن الإخبار عن عيسى عليه الصلاة والسّلام بآية علم الكتاب ، والحكمة ، والتوراة إخبارا بوصف كمال ، يدل على أن معرفة الكتابة في الشخص من صفات الكمال ، ووصف النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم بكونه أميا لا يقرأ ولا يكتب كمال في حقه ، والكتابة نقيض لا كتابة فقد اشترك النقيضان في أن كلاهما وصف كمال.

قال ابن عرفة : والجواب أن يقول الممتنع اشتراك النقيضين في الوصف العقلي ، وهذا وصف جعلي شرعي ، فإنه يلزم من اشتراكهما الوصف العقلي.

قيل لابن عرفة : النقيضان مشتركان في أن كلاهما معنى ، أو كلاهما ذات فقال : تلك أمور اعتبارية لا وجودية.

قوله تعالى : (وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ).

قال تعالى : (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ).

والنصارى من ذرية إسماعيل ، سموا نصارى ؛ لكونهم نصروا عيسى عليه‌السلام ، يدخل فيهم بنوا إسرائيل ، وإسرائيل هو يعقوب عليه الصلاة والسّلام.

قوله تعالى : (قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ).

قال ابن عرفة : أعلن أن دعوى المدعي لا بد من اقترانها بالدليل الدال على صحتها ، هكذا اقتضى الشرع والعقل ، أما الشرع فلقوله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم ، " لو أعطي الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم" ، وأما العقل فلأن

__________________

(١) كلمة غير واضحة بالمخطوطة.

٣٥٧

قبول دعوى المدعي على خصمه من غير دليل ترجيح من غير مرجح ، وهو باطل وإعمال الدعوتين جمع بين النقيضين وإبطالهما يرد إلى الإهمال والتعطيل ، فلذلك ترد دعواه الرسالة بالآية فظاهر كلام ابن التلمساني شارح المعالم الدينية : إن الأمر الخارق للعادة ما يسمى آية إلا إذا كان معه التحدي كذا نقل عنه بعض الطلبة.

وقال ابن عرفة : بل الآية أعم كان معها التحدي حسا أو حكما فهي معجزة.

قوله تعالى : (أَنِّي أَخْلُقُ).

أي أقدر.

قال الشاعر :

ولانت تعزي ما خلقت

وبعض القوم بخلق ثم لا يعزي

ابن عرفة : معناه تقدر مثلا أنك تقدر عشرة ، وتصدق ذلك بالفعل وبعض القوم يقدر شيئا ثم لا يستطيع أن يفعله.

قوله تعالى : (فَأَنْفُخُ فِيهِ).

قال الفخر : احتج بها من يقول : إن الروح جسم لطيف ؛ لأن النفخ إنما هو بالجسم.

ورده ابن عرفة بأن عيسى لا ينفخ الروح.

قوله تعالى : (بِإِذْنِ اللهِ).

أي بقدره ، وقال ابن عطية : يعلمه أي يعلمه أفعل ذلك ، وتمكينه إياي.

ابن عرفة : لو لا قوله : وتمكينه لكان كلاما خلقا لإبقاء مذهب المعتزلة ، والمراد بالتمكين إقداره إياه على فعله ؛ لأن التمكين هو القدرة على الفعل ، ولذلك قال تأمل قوله تعالى : (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ) مع قوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم" البكر تستأمر وأذنها صماتها" فناقض بين الآية والحديث ؛ لأن معنى الآية فهزموهم بقدرة الله ، ومعنى الحديث الإخبار بعجز البكر عن التصرف في أمرها ، وعلى العقد على نفسها ؛ لأن الإذن فيهما مختلف.

ابن عرفة : وإنما قال : (أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ) ولم يقل فيه : (بِإِذْنِ اللهِ ؛) لأن ذلك لا يمكن البشر فعله عادة فالفخارون والشماعون يصنعون مثل ذلك ، وكذلك : (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ) ولم يقل فيه (بِإِذْنِ اللهِ) لأنه ممكن من غير

٣٥٨

عادة ، بخلاف نفخ الروح وإحياء الموتى ، فلذلك أسنده إلى قدرة الله تعالى ، وإن كان الجميع بقدرته جل وعز ، ولما كان في سورة العقود في معرض تعداد النعم ، والامتنان من الله تعالى على عيسى ناسب تقييد الجمع فيها ، بقوله : (بِإِذْنِي) زاد الزبير أن في آية المائدة إشارة إلى توبيخ النصارى في زعمهم (إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) [سورة المائدة : ٧٣] ، وأن عيسى ابن الله إلى غير ذلك ، كما يقال : أخذنا لغير عالم أحسن إليك ألم أعطك كذا فعل ذلك غيري ، فإذا اعترف به العبد انقطعت حجة من ظن خلافه ، فأعلم الله أن تلك الأمور بإذنه وكرر ذلك تأكيد الدفع توهم حول ، أو قوة لغير الله ، قال : وآية آل عمران إنما هي بشارة لمريم ، وإعلام بما منح ابنها عيسى فقط ، فلذلك كرر لفظه : (بِإِذْنِي) المائدة أربع مرات ، وهنا مرتين.

قوله تعالى : (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ).

احتج بها ابن رشد على إبطال الحكم بعلم المنجمين لأنه قال في كتابه الجامع الرابع من بيانه : إن المنجم [١٨/٨٩] ... (١) الكل على أنه مصدق لها بالقول ، وهو مشكل ؛ لأن غيره من بني إسرائيل مصدقا لها موقنا بها.

ابن عرفة : والصواب عندي أنه مصدق لها بالفعل ، ونظيره أن يخبرك إنسان بأن الأمير يدخل هذا راكبا على فرسه معمما بعمامته ملتحفا بردائه به ، فيدخل هذا على تلك الصفة بالأمير مصدق لذلك الإنسان بالفعل ، وكذلك بالتوراة تضمنت أنه يأتي بعدها رسول من عند الله اسمه عيسى تكون معجزاته إحياء الموتى ، وإبراء الأكمة ، والأبرص ، والإخبار بالمغيبات ، والحوادث ، فيجيئه على هذه الصفة المقتضية لتصديقه لما في التوراة معجزة ، وآية من جملة الآيات.

ابن عرفة : والصدق والتصديق بينهما عموم وخصوص من وجوه دون وجوه فقد يكون الكلام في نفس الأمر صدقا ولا مصدق له وقد يصدق به وهو كذب ، فإن التصديق هنا بالفعل بحرف الجر ، في قوله : (مِنَ التَّوْراةِ) للتبعيض ، وإن كان من القول هو لبيان الجنس لأنه صدق جميع التوراة.

ابن عرفة : والتصديق لما تضمنه التوراة من الإخبار.

وقوله : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ).

__________________

(١) طمس في المخطوطة.

٣٥٩

راجع لما فيها من الطلب والتكاليف بالأوامر والنواهي ، لأن التصديق والتكذيب إنما هو من خواص الخبر ، فقد قيل لابن عطية : أو يكون مصدقا لجميعها ، أو يكون قوله : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ) دليل على أن ذلك بالفعل لئلا يكون ذلك نسخا وهو بيان انتهاء أحد الحكم واليهود ينكرونه لئلا يلزم عليه البداء وهو باطل.

أو هو قوله : (وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ) دليل على التصديق بالفعل ؛ لأن المجيء فعلي قالوا : وبعض هنا عند أبي عبيدة بمعنى كل وهو مردود من وجوه :

أحدها : تفريق المبالغة بين القضية الكلية بأن سورها كل ، والجزئية سورها بعض ، أو ليس بعض الإنسان إنسانا أحل لهم ما حرم عليهم ، ابن عطية : قال ابن جريج : قال : حل لهم لحوم الإبل والشحوم زاد الربيع وأشياء من السمك وما لا مخلب له من الطير وكانت في التوراة محرمة ، ابن عطية : أي مما لا مخلب له من الطير.

قوله تعالى : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ).

قال الزمخشري : رد على قوله : (بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) جاز ويجوز أن يكون ، ومصدقا أيضا مردودا عليه ، ورده أبو حيان بأن (بِآيَةٍ) في موضع الحال ، (وَلِأُحِلَ) تعليل ولا يصح التعليل على الحال ، كان العطف بالحرف المشترك في الحكم موجب التشريك في جنس المعطوف عليه ، بأن عطف على مصدر متوهم ، أو مفعول به ، أو ظرف ، أو حال ، أو تعليل ، أو غير ذلك مشاركة بنفي ذلك المعطوف ، وابن عرفة : لما ذكر ابن بشير الخلاف هل هو حدث ، أو سبب الحدث؟ قال : احتج من قال أنه حدث بأن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم عد موجبات الوضوء ذكر فيها النوم ، وعطفه على البول ، والغائط ، واختلف الأصوليون في العطف هل يفيد التشريك في المعنى كما يفيده في الإعراب أو لا.

ابن عرفة : فمنهم من أنكر الخلاف ؛ لأن العطف بالواو ، وأجيب : بأن هذا الخلاف فيما إذا قيدا أحد المعطوفين بوصف ، أو حكم من الأحكام هل يقتضي العطف تقييد الآخر به أم لا؟ ابن عرفة : أنه يلزم إذا قلت : قام زيد العدل وعمرو أن يكون عمرو متصفا بالعدالة وهو مراد أبو حيان : وهو ضعيف.

قوله تعالى : (مِنْ رَبِّكُمْ).

أضاف الرب إليهم ؛ لأنه في مقام تكرير النعمة عليهم ليستألفهم للإيمان.

٣٦٠