فتح القدير - ج ٢

محمد بن علي بن محمد الشوكاني

فتح القدير - ج ٢

المؤلف:

محمد بن علي بن محمد الشوكاني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار ابن كثير
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٢

بين اللغتين انتهى. وقال في شمس العلوم : الركون السكون يقال ركن إليه ركونا ، قال الله تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) انتهى. وقال في القاموس : ركن إليه كنصر وعلم ومنع ركونا : مال وسكن انتهى ، فهؤلاء الأئمة من رواة اللغة فسروا الركون بمطلق الميل والسكون من غير تقييد بما قيده به صاحب الكشاف حيث قال : فإن الركون هو الميل اليسير ، وهكذا فسره المفسرون بمطلق الميل والسكون من غير تقييد إلا من كان من المتقيدين بما ينقله صاحب الكشاف ؛ ومن المفسرين من ذكر في تفسير الركون قيودا لم يذكرها أئمة اللغة. قال القرطبي في تفسيره : الركون حقيقته الاستناد والاعتماد والسّكون إلى الشيء والرضا به. ومن أئمة التابعين من فسر الركون بما هو أخصّ من معناه اللغوي. فروي عن قتادة وعكرمة في تفسير الآية أن معناها : لا تودوهم ولا تطيعوهم. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في تفسير الآية : الركون هنا الإدهان ، وذلك أن لا ينكر عليهم كفرهم ، وقال أبو العالية : معناه لا ترضوا أعمالهم.

وقد اختلف أيضا الأئمة من المفسرين في هذه الآية هل هي خاصة بالمشركين أو عامة؟ فقيل خاصة ، وإن معنى الآية النهي عن الركون إلى المشركين ، وأنهم المرادون بالذين ظلموا ، وقد روي ذلك عن ابن عباس ؛ وقيل : إنها عامة في الظلمة من غير فرق بين كافر ومسلم ، وهذا هو الظاهر من الآية : ولو فرضنا أن سبب النزول هم المشركون لكان الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. فإن قلت : وقد وردت الأدلة الصحيحة البالغة عدد التواتر الثابتة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثبوتا لا يخفى على من له أدنى تمسك بالسنة المطهرة بوجوب طاعة الأئمة والسلاطين والأمراء حتى ورد في بعض ألفاظ الصحيح : «أطيعوا السّلطان وإن كان عبدا حبشيا رأسه كالزّبيبة». وورد وجوب طاعتهم ما أقاموا الصلاة ، وما لم يظهر منهم الكفر البواح ، وما لم يأمروا بمعصية الله. وظاهر ذلك أنهم وإن بلغوا في الظلم إلى أعلى مراتبه ، وفعلوا أعظم أنواعه مما لم يخرجوا به إلى الكفر البواح ، فإن طاعتهم واجبة حيث لم يكن ما أمروا به من معصية الله ؛ ومن جملة ما يأمرون به تولي الأعمال لهم ، والدّخول في المناصب الدّينية التي ليس الدخول فيها من معصية الله ؛ ومن جملة ما يأمرون به الجهاد ، وأخذ الحقوق الواجبة من الرعايا ، وإقامة الشّريعة بين المتخاصمين منهم ، وإقامة الحدود على من وجبت عليه ؛ وبالجملة فطاعتهم واجبة على كل من صار تحت أمرهم ونهيهم في كل ما يأمرون به مما لم يكن من معصية الله ، ولا بدّ في مثل ذلك من المخالطة لهم والدخول عليهم ، ونحو ذلك مما لا بدّ منه ، ولا محيص عن هذا الذي ذكرناه ، من وجوب طاعتهم بالقيود المذكورة ، لتواتر الأدلة الواردة به ، بل قد ورد به الكتاب العزيز : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (١) بل ورد : أنهم يعطون الذي لهم من الطاعة ، وإن منعوا ما هو عليهم للرعايا ، كما في بعض الأحاديث الصحيحة «أعطوهم الذي لهم ، واسألوا الله الذي لكم» بل ورد الأمر بطاعة السلطان ، وبالغ في ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى قال : «وإن أخذ مالك وضرب ظهرك». فإن اعتبرنا مطلق الميل والسكون فمجرّد هذه الطاعة المأمور بها مع ما تستلزمه من المخالطة ، هي ميل وسكون ؛ وإن اعتبرنا الميل والسكون ظاهرا وباطنا فلا يتناول النهي في هذه الآية من مال إليهم في الظاهر لأمر يقتضي ذلك شرعا كالطاعة ، أو للتقية ومخافة الضرر منهم ، أو لجلب مصلحة عامة أو خاصة ، أو دفع مفسدة عامة أو خاصة ،

__________________

(١). النساء : ٥٩.

٦٠١

إذا لم يكن له ميل إليهم في الباطن ولا محبة ولا رضا بأفعالهم. قلت : أما الطاعة على عمومها بجميع أقسامها حيث لم تكن في معصية الله ، فهي على فرض صدق مسمى الركون عليها مخصصة لعموم النهي عنه بأدلتها التي قدّمنا الإشارة إليها ، ولا شك في هذا ولا ريب ، فكل من أمروه ابتداء أن يدخل في شيء من الأعمال التي أمرها إليهم مما لم يكن من معصية الله كالمناصب الدينية ونحوها ، إذا وثق من نفسه بالقيام بما وكل إليه ، فذلك واجب عليه فضلا عن أن يقال : جائز له ، وأما ما ورد من النهي عن الدخول في الإمارة : فذلك مقيد بعدم وقوع الأمر ممن تجب طاعته من الأئمة والسلاطين والأمراء ، جمعا بين الأدلة ، أو مع ضعف المأمور عن القيام بما أمر به ، كما ورد تعليل النهي عن الدخول في الإمارة بذلك في بعض الأحاديث الصحيحة ، وأما مخالطتهم والدخول عليهم لجلب مصلحة عامة أو خاصة ، أو دفع مفسدة عامة أو خاصة مع كراهة ما هم عليه من الظلم وعدم ميل النفس إليهم ومحبتها لهم ، وكراهة المواصلة لهم لو لا جلب تلك المصلحة ، أو دفع تلك المفسدة فعلى فرض صدق مسمى الركون على هذا ، فهو مخصّص بالأدلة على مشروعية جلب المصالح ودفع المفاسد ، والأعمال بالنيات ، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى ، ولا تخفى على الله خافية ؛ وبالجملة فمن ابتلي بمخالطة من فيه ظلم فعليه أن يزن أقواله وأفعاله وما يأتي وما يذر بميزان الشرع ، فإن زاغ عن ذلك «فعلى نفسها براقش تجني» ومن قدر على الفرار منهم قبل أن يؤمر من جهتهم بأمر يجب عليه طاعته فهو الأولى له والأليق به.

يا مالك يوم الدين ، إياك نعبد وإياك نستعين ، اجعلنا من عبادك الصالحين الآمرين بالمعروف ، الناهين عن المنكر ، الذين لا يخافون فيك لومة لائم ، وقوّنا على ذلك ويسّره لنا ، وأعنّا عليه. قال القرطبي في تفسيره : وصحبة الظالم على التقية مستثناة من النهي بحال الاضطرار. انتهى. وقال النيسابوري في تفسيره : قال المحققون : الركون المنهي عنه هو الرضا بما عليه الظلمة ، أو تحسين الطريقة وتزيينها عند غيرهم ، ومشاركتهم في شيء من تلك الأبواب ، فأما مداخلتهم لرفع ضرر واجتلاب منفعة عاجلة ، فغير داخلة في الركون. قال : وأقول هذا من طريق المعاش والرخصة ، ومقتضى التقوى هو الاجتناب عنهم بالكلية (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) (١) انتهى.

قوله : (فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) بسبب الركون إليهم ، وفيه إشارة إلى أن الظّلمة أهل النار ، أو كالنار ، ومصاحبة النار توجب لا محالة مس النار ، وجملة : (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) في محل نصب على الحال من قوله : فتمسكم النار. والمعنى : أنها تمسكم النار حال عدم وجود من ينصركم وينقذكم منها (ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) من جهة الله سبحانه ، إذ قد سبق في علمه أنه يعذبكم بسبب الركون الذي نهيتم عنه فلم تنتهوا عنادا وتمرّدا. قوله : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) لما ذكر الله سبحانه الاستقامة خصّ من أنواعها إقامة الصلاة لكونها رأس الإيمان ، وانتصاب : طرفي النهار ، على الظرفية ، والمراد : صلاة الغداة والعشيّ ، وهما : الفجر والعصر ، وقيل : الظهر موضع العصر ، وقيل : الطرفان الصبح والمغرب ، وقيل : هما الظهر والعصر. ورجّح ابن جرير أنهما الصبح والمغرب ، قال : والدليل عليه إجماع الجميع على أن أحد الطرفين الصبح ، فدلّ على أن الطرف الآخر المغرب (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) أي : في زلف من الليل ، والزلف : الساعات القريبة

__________________

(١). الزمر : ٣٦.

٦٠٢

بعضها من بعض ، ومنه سميت المزدلفة : لأنها منزل بعد عرفة بقرب مكة. وقرأ ابن القعقاع وأبو إسحاق وغيرهما : (زُلَفاً) بضم اللام : جمع زليف ، ويجوز أن يكون واحدة زلفة. وقرأ ابن محيصن : بإسكان اللام. وقرأ مجاهد : زلفى مثل فعلى. وقرأ الباقون : (زُلَفاً) بفتح اللام كغرفة وغرف. قال ابن الأعرابي : الزلف : الساعات ، واحدتها زلفة. وقال قوم : الزلفة أوّل ساعة من الليل بعد مغيب الشمس. قال الأخفش : معنى زلفا من الليل : صلاة الليل. (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) أي : إن الحسنات على العموم ، ومن جملتها بل عمادها الصلاة يذهبن السيئات على العموم ؛ وقيل : المراد بالسيئات : الصغائر ، ومعنى يذهبن السيئات : يكفرونها حتى كأنها لم تكن ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) إلى قوله : (فَاسْتَقِمْ) وما بعده. وقيل : إلى القرآن. (ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) : أي : موعظة للمتّعظين (وَاصْبِرْ) على ما أمرت به من الاستقامة وعدم الطغيان والركون إلى الذين ظلموا ، وقيل : إن المراد الصبر : على ما أمر به دون ما نهى عنه ، لأنه لا مشقة في اجتنابه ، وفيه نظر ، فإن المشقة في اجتناب المنهيّ عنه كائنة ، وعلى فرض كونها دون مشقة امتثال الأمر ، فذلك لا يخرجها عن مطلق المشقة (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أي : يوفيهم أجورهم ، ولا يضيع منها شيئا ، فلا يهمله ، ولا يبخسه بنقص.

وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) قال : ما قدّر لهم من خير أو شرّ. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في الآية قال : من العذاب. وأخرجا عن أبي العالية. قال : من الرزق. وأخرجا أيضا عن قتادة في قوله : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) قال : أمر الله نبيه أن يستقيم على أمره ، ولا يطغى في نعمته. وأخرج أبو الشيخ عن سفيان في الآية قال : استقم على القرآن. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال : لما نزلت هذه الآية (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) قال : شمروا ، شمروا ، فما رؤي ضاحكا. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج (وَمَنْ تابَ مَعَكَ) قال : آمن. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن العلاء بن عبد الله ابن بدر في قوله : (وَلا تَطْغَوْا) قال : لم يرد أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما عنى : الذين يجيئون من بعدهم. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس (وَلا تَطْغَوْا) يقول : لا تظلموا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : الطغيان : خلاف أمره ، وارتكاب معصيته. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) قال : يعني الركون إلى الشرك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه (وَلا تَرْكَنُوا) قال : لا تميلوا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال : (وَلا تَرْكَنُوا) لا تدهنوا. وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة في الآية قال : أن تطيعوهم أو تودّوهم أو تصطنعوهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) قال : صلاة المغرب والغداة (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) قال : صلاة العتمة. وأخرجا عن الحسن قال : الفجر والعصر (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) قال : هما زلفتان : صلاة المغرب وصلاة العشاء. قال : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «هما زلفتا الليل». وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في الطرفين قال : صلاة الفجر ، وصلاتي العشيّ :

٦٠٣

يعني الظهر والعصر (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) قال : المغرب والعشاء. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) قال : ساعة بعد ساعة ، يعني صلاة العشاء الآخرة. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه كان يستحب تأخير العشاء ، ويقرأ : زلفا من الليل. وأخرج ابن جرير ومحمد بن نصر وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) قال : الصلوات الخمس. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة ومحمد ابن نصر وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) قال : الصلوات الخمس ، والباقيات الصالحات : الصلوات الخمس. وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود : أن رجلا أصاب من امرأة قبلة ، فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكر ذلك له كأنه يسأل عن كفارتها ، فأنزلت عليه (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) فقال الرجل : يا رسول الله ألي هذه؟ قال : «هي لمن عمل بها من أمتي». وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود وغيرهم عن أبي أمامة. أن رجلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله أقمّ فيّ حدّ الله مرّة أو مرّتين ، فأعرض عنه ، ثم أقيمت الصلاة ، فلما فرغ قال : أين الرجل؟ قال : أنا ذا ، قال : أتممت الوضوء وصليت معنا آنفا؟ قال : نعم. قال : فإنك من خطيئتك كيوم ولدتك أمك فلا تعد ، وأنزل الله حينئذ على رسوله : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ)». وفي الباب أحاديث كثيرة بألفاظ مختلفة ، ووردت أحاديث أيضا «إن الصّلوات الخمس كفارات لما بينهنّ». وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : (ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) قال : هم الذين يذكرون الله في السرّاء والضرّاء ، والشدّة والرخاء ، والعافية والبلاء. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : لما نزع الذي قبّل المرأة تذكر فذلك قوله (ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ).

(فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (١١٧) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩) وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠) وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٢٣))

هذا عود إلى أحوال الأمم الخالية لبيان أن سبب حلول عذاب الاستئصال بهم : أنه ما كان فيهم من ينهى عن الفساد ويأمر بالرشاد ، فقال : (فَلَوْ لا) أي : فهلّا (كانَ مِنَ الْقُرُونِ) الكائنة (مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ) من الرأي والعقل والدين (يَنْهَوْنَ) قومهم (عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ) ويمنعونهم من ذلك لكونهم ممن جمع الله له بين جودة العقل ، وقوّة الدين ، وفي هذا من التوبيخ للكفار ما لا يخفى ، والبقية في الأصل

٦٠٤

لما يستبقيه الرجل مما يخرجه ، وهو لا يستبقي إلا أجوده وأفضله ، فصار لفظ البقية مثلا في الجودة ، والاستثناء في : (إِلَّا قَلِيلاً) منقطع ؛ أي : لكن قليلا (مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ) ينهون عن الفساد في الأرض ، وقيل : هو متصل ، لأن في حرف التحضيض معنى النفي ، فكأنه قال : ما كان في القرون أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم ، ومن في ممن أنجينا ، بيانية لأنه لم ينج إلا الناهون ؛ قيل : هؤلاء القليل هم قوم يونس لقوله فيما مر : (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) وقيل : هم أتباع الأنبياء وأهل الحق من الأمم على العموم (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ) معطوف على مقدّر الكلام ، تقديره : إلا قليلا ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد ؛ والمعنى : أنه اتبع الذين ظلموا ـ بسبب مباشرتهم الفساد وتركهم للنهي عنه ـ ما أترفوا فيه. والمترف : الذي أبطرته النعمة ، يقال صبيّ مترف : منعم البدن ، أي : صاروا تابعين للنعم التي صاروا بها مترفين من خصب العيش ورفاهية الحال وسعة الرزق ، وآثروا ذلك على الاشتغال بأعمال الآخرة واستغرقوا أعمارهم في الشهوات النفسانية ؛ وقيل : المراد بالذين ظلموا تاركو النهي. وردّ بأنه يستلزم خروج مباشري الفساد عن الذين ظلموا وهم أشدّ ظلما ممن لم يباشر ، وكان ذنبه ترك النهي. وقرأ أبو عمرو في رواية عنه (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) على البناء للمفعول ، ومعناه : اتبعوا جزاء ما أترفوا فيه ، وجملة : (وَكانُوا مُجْرِمِينَ) متضمنة لبيان سبب إهلاكهم ، وهي معطوفة على أترفوا ، أي : وكان هؤلاء الذين اتبعوا ما أترفوا فيه مجرمين ، والإجرام : الآثام. والمعنى : أنهم أهل إجرام بسبب اتباعهم الشهوات بها عن الأمور التي يحق الاشتغال بها ، ويجوز أن تكون جملة : (وَكانُوا مُجْرِمِينَ) معطوفة على واتبع الذين ظلموا ؛ أي : اتبعوا شهواتهم وكانوا بذلك الاتباع مجرمين (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) أي : ما صحّ ولا استقام أن يهلك الله سبحانه أهل القرى بظلم يتلبسون به وهو الشرك ، والحال أن أهلها مصلحون فيما بينهم في تعاطي الحقوق لا يظلمون الناس شيئا ، والمعنى : أنه لا يهلكهم بمجرد الشرك وحده حتى ينضمّ إليه الفساد في الأرض ، كما أهلك قوم شعيب بنقص المكيال والميزان وبخس الناس أشياءهم ، وأهلك قوم لوط بسبب ارتكابهم للفاحشة الشنعاء ؛ وقيل : إن قوله : (بِظُلْمٍ) حال من الفاعل. والمعنى : وما كان الله ليهلك القرى ظالما لهم حال كونهم مصلحين غير مفسدين في الأرض. ويكون المراد بالآية تنزيهه سبحانه وتعالى عن صدور ذلك منه بلا سبب يوجبه على تصوير ذلك بصورة ما يستحيل منه ، وإلّا فكل أفعاله كائنة ما كانت لا ظلم فيها ، فإنه سبحانه ليس بظلام للعبيد. قال الزجاج : يجوز أن يكون المعنى : وما كان ربك ليهلك أحدا وهو يظلمه ، وإن كان على نهاية الصلاح لأن تصرفه في ملكه ، دليله قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) (١) وقيل المعنى : وما كان ليهلكهم بذنوبهم وهم مصلحون : أي مخلصون في الإيمان ، فالظلم المعاصي على هذا. (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) أي : أهل دين واحد ، إما أهل ضلالة ، أو أهل هدى ؛ وقيل معناه : جعلهم مجتمعين على الحق غير مختلفين فيه ، أو مجتمعين على دين الإسلام دون سائر الأديان ولكنه لم يشأ ذلك فلم يكن ، ولهذا قال (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) في ذات بينهم على أديان شتى ، أو لا يزالون مختلفين في الحق أو دين الإسلام ، وقيل : مختلفين في الرزق : فهذا غنيّ ، وهذا فقير.

__________________

(١). يونس : ٤٤.

٦٠٥

(إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) بالهداية إلى الدين الحق ، فإنهم لم يختلفوا ، أو إلا من رحم ربك من المختلفين في الحق أو دين الإسلام ، بهدايته إلى الصواب الذي هو حكم الله ، وهو الحق الذي لا حق غيره ، أو إلا من رحم ربك بالقناعة. والأولى تفسير : لجعل الناس أمة واحدة ، بالمجتمعة على الحق حتى يكون معنى الاستثناء في (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) واضحا غير محتاج إلى تكلف (وَلِذلِكَ) أي : لما ذكر من الاختلاف (خَلَقَهُمْ) أو لرحمته خلقهم ، وصحّ تذكير الإشارة إلى الرحمة لكون تأنيثها غير حقيقي ، والضمير في خلقهم راجع إلى الناس ، أو إلى : من في : من رحم ربك ؛ وقيل : الإشارة بذلك إلى مجموع الاختلاف والرحمة ، ولا مانع من الإشارة بها إلى شيئين كما في قوله (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) (١) (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) (٢) (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) (٣). قوله : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) معنى تمت ثبتت كما قدّره في أزله ، وإذا تمت امتنعت من التغيير والتبديل وقيل الكلمة : هي قوله (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) أي : ممن يستحقّها من الطائفتين ، والتنوين في (وَكُلًّا) للتعويض عن المضاف إليه ، وهو منصوب بنقص. والمعنى : وكل نبأ من أنباء الرسل مما يحتاج إليه نقصّ عليك : أي نخبرك به. وقال الأخفش (كُلًّا) حال مقدّمة كقولك : كلا ضربت القوم ، والأنباء : الأخبار (ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) أي : ما نجعل به فؤادك مثبتا بزيادة يقينه بما قصصناه عليك ووفور طمأنينته ، لأن تكاثر الأدلة أثبت للقلب وأرسخ في النفس وأقوى للعلم ، وجملة (ما نُثَبِّتُ) بدل من أنباء الرسل ، وهو بيان لكلا ، ويجوز أن يكون (ما نُثَبِّتُ) مفعولا لنقصّ ، ويكون كلا مفعولا مطلقا ، والتقدير : كل أسلوب من أساليب الاقتصاص نقصّ عليك ما نثبت به فؤادك (وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُ) أي : جاءك في هذه السورة ، أو في هذه الأنباء البراهين القاطعة الدالة على صحة المبدأ والمعاد (وَمَوْعِظَةٌ) يتعظ بها الواقف عليها من المؤمنين (وَذِكْرى) يتذكر بها من تفكر فيها منهم ، وخصّ المؤمنين لكونهم المتأهلين للاتعاظ والتذكر ؛ وقيل المعنى : وجاءك في هذه الدنيا الحق ، وهو النبوّة ؛ وعلى التفسير الأوّل يكون تخصيص هذه السورة بمجيء الحق فيها مع كونه قد جاء في غيرها من السور لقصد بيان اشتمالها على ذلك ، لا بيان كونه موجودا فيها دون غيرها (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) بهذا الحق ولا يتعظون ولا يتذكرون (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) على تمكنكم وحالكم وجهتكم ، وقد تقدّم تحقيقه (إِنَّا عامِلُونَ) على مكانتنا وحالنا وجهتنا من الإيمان بالحق والاتعاظ والتذكر ، وفي هذا تشديد للوعيد والتهديد لهم ، وكذلك قوله : (وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) فيه من الوعيد والتهديد ما لا يخفى. والمعنى : انتظروا عاقبة أمرنا فإنا منتظرون عاقبة أمركم وما يحلّ بكم من عذاب الله وعقوبته (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي علم جميع ما هو غائب عن العباد فيهما ؛ وخصّ الغيب من كونه يعلم بما هو مشهود ، كما يعلم بما هو مغيب ، لكونه من العلم الذي لا يشاركه فيه غيره ، وقيل : إن غيب السموات والأرض : نزول العذاب من السماء ، وطلوعه من الأرض ، والأوّل أولى ، وبه قال أبو عليّ الفارسي وغيره ، وأضاف الغيب إلى المفعول توسعا (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) أي : يوم القيامة فيجازي كلا بعمله. وقرأ نافع وحفص (يُرْجَعُ) على البناء للمفعول. وقرأ الباقون على البناء للفاعل (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) فإنه كافيك كل ما تكره ، ومعطيك كل ما تحبّ ،

__________________

(١). البقرة : ٦٨.

(٢). الإسراء : ١١٠.

(٣). يونس : ٥٨.

٦٠٦

والفاء لترتيب الأمر بالعبادة ، والتوكل على كون مرجع الأمور كلها إلى الله سبحانه (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) بل عالم بجميع ذلك ومجاز عليه إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشر. وقرأ أهل المدينة ، والشام وحفص (تَعْمَلُونَ) بالفوقية على الخطاب. وقرأ الباقون بالتحتية.

وقد أخرج ابن أبي حاتم عن مالك في قوله (فَلَوْ) قال : فهلّا. وأخرج ابن مردويه عن أبيّ بن كعب قال : أقرأني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فلو لا كان من القرون من قبلكم أولو بقية وأحلام ينهون عن الفساد في الأرض. وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ) يستقلهم الله من كل قوم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ) قال : في ملكهم وتجبرهم وتركهم الحق. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ من طريق ابن جريج قال : قال ابن عباس : أترفوا فيه أبطروا فيه ، وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي عن جرير قال : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسأل عن تفسير هذه الآية (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وأهلها ينصف بعضهم بعضا». وأخرجه ابن أبي حاتم والخرائطي في مساوئ الأخلاق موقوفا على جرير. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) قال : أهل دين واحد ، أهل ضلالة ، أو أهل هدى. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) قال : أهل الحق وأهل الباطل (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) قال : أهل الحق (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) قال : للرحمة. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عنه (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) قال : إلا أهل رحمته فإنهم لا يختلفون. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : لا يزالون مختلفين في الأهواء. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء بن أبي رباح (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) أي : اليهود والنصارى والمجوس والحنيفية ، وهم الذين رحم ربك الحنيفية. وأخرج هؤلاء عن الحسن في الآية قال : الناس مختلفون على أديان شتى إلا من رحم ربك ، فمن رحم ربك غير مختلف (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) قال : للاختلاف. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) قال : أهل الباطل (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) قال : أهل الحق (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) قال : للرحمة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة نحوه. وأخرجا عن الحسن قال : لا يزالون مختلفين في الرزق. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ولذلك خلقهم قال : خلقهم فريقين فريقا يرحم فلا يختلف ، وفريقا لا يرحم يختلف ، فذلك قوله (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ). وأخرج جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) لتعلم يا محمد ما لقيت الرّسل قبلك من أممهم. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد ابن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال (وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُ) قال : في هذه السورة. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري مثله. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير مثله أيضا. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال : في هذه الدنيا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ

٦٠٧

عن قتادة (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) أي : منازلكم. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج (وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) قال : يقول انتظروا مواعيد الشيطان إياكم على ما يزيّن لكم ، وفي قوله (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) قال : فيقضي بينهم بحكم العدل. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند ، وابن الضريس في فضائل القرآن ، وابن جرير وأبو الشيخ عن كعب قال : فاتحة التوراة فاتحة الأنعام ، وخاتمة التوراة خاتمة هود (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إلى آخر الآية.

بحمد الله تعالى تمّ طبع الجزء الثاني ، ويليه الجزء الثالث

وأوّله : تفسير سورة يوسف عليه‌السلام

* * *

٦٠٨

فهرس الموضوعات

الآيات

الصفحة

الآيات

الصفحة

سورة المائدة (٥)

تفسير الآيات (١٠٠ ـ ١٠٤)

٩٢

تفسير الآيتين (١ ـ ٢)

٦

تفسير الآية (١٠٥)

٩٦

تفسير الآية (٣)

١١

تفسير الآيات (١٠٦ ـ ١٠٨)

٩٧

تفسير الآيتين (٤ ـ ٥)

١٥

تفسير الآيات (١٠٩ ـ ١١١)

١٠٣

تفسير الآية (٦)

٢٠

تفسير الآيات (١١٢ ـ ١١٥)

١٠٥

تفسير الآيات (٧ ـ ١١)

٢٣

تفسير الآيات (١١٦ ـ ١٢٠)

١٠٧

تفسير الآيات (١٢ ـ ١٤)

٢٥

سورة الأنعام (٦)

تفسير الآيتين (١٥ ـ ١٦)

٢٨

تفسير الآيات (١ ـ ٣)

١١٢

تفسير الآيتين (١٧ ـ ١٨)

٢٩

تفسير الآيات (٤ ـ ١١)

١١٤

تفسير الآية (١٩)

٣٠

تفسير الآيات (١٢ ـ ٢١)

١١٨

تفسير الآيات (٢٠ ـ ٢٦)

٣١

تفسير الآيات (٢٢ ـ ٣٠)

١٢٢

تفسير الآيات (٢٧ ـ ٣١)

٣٥

تفسير الآيات (٣١ ـ ٣٦)

١٢٦

تفسير الآيات (٣٢ ـ ٣٤)

٣٨

تفسير الآيات (٣٧ ـ ٣٩)

١٢٩

تفسير الآيات (٣٥ ـ ٣٨)

٤٤

تفسير الآيات (٤٠ ـ ٤٥)

١٣١

تفسير الآيات (٣٨ ـ ٤٠)

٤٦

تفسير الآيات (٤٦ ـ ٤٩)

١٣٤

تفسير الآيات (٤١ ـ ٤٤)

٤٧

تفسير الآيات (٥٠ ـ ٥٥)

١٣٥

تفسير الآيات (٤٥ ـ ٥٠)

٥٣

تفسير الآيات (٥٦ ـ ٥٩)

١٣٩

تفسير الآيات (٥١ ـ ٥٦)

٥٧

تفسير الآيات (٦٠ ـ ٦٢)

١٤١

تفسير الآيات (٥٧ ـ ٦٣)

٦١

تفسير الآيات (٦٣ ـ ٦٥)

١٤٣

تفسير الآيات (٦٤ ـ ٦٦)

٦٥

تفسير الآيات (٦٦ ـ ٧٣)

١٤٥

تفسير الآية (٦٧)

٦٨

تفسير الآيات (٧٤ ـ ٨٣)

١٥١

تفسير الآيات (٦٨ ـ ٧٥)

٧٠

تفسير الآيات (٨٤ ـ ٩٤)

١٥٨

تفسير الآيات (٧٦ ـ ٨١)

٧٤

تفسير الآيات (٩١ ـ ٩٤)

١٥٨

تفسير الآيات (٨٢ ـ ٨٦)

٧٧

تفسير الآيات (٩٥ ـ ٩٩)

١٦٢

تفسير الآيتين (٨٧ ـ ٨٨)

٨٠

تفسير الآيات (١٠٠ ـ ١٠٣)

١٦٧

تفسير الآية (٨٩)

٨١

تفسير الآيات (١٠٤ ـ ١٠٨)

١٧٠

تفسير الآيات (٩٠ ـ ٩٣)

٨٤

تفسير الآيات (١٠٩ ـ ١١٣)

١٧٢

تفسير الآيات (٩٤ ـ ٩٩)

٨٨

تفسير الآيات (١١٤ ـ ١١٧

١٧٦

٦٠٩

الآيات

الصفحة

الآيات

الصفحة

تفسير الآيات (١١٨ ـ ١٢٠)

١٧٨

تفسير الآيات (٨٠ ـ ٨٤)

٢٥٣

تفسير الآية (١٢١)

١٧٩

تفسير الآيات (٨٠ ـ ٩٣)

٢٥٦

تفسير الآيات (١٢٢ ـ ١٢٤)

١٨١

تفسير الآيات (٩٤ ـ ١٠٠)

٢٥٨

تفسير الآيات (١٢٥ ـ ١٢٨)

١٨٢

تفسير الآيتين (١٠١ ـ ١٠٢)

٢٦١

تفسير الآيات (١٢٩ ـ ١٣٢)

١٨٥

تفسير الآيات (١٠٣ ـ ١٢٢)

٢٦٢

تفسير الآيات (١٣٣ ـ ١٣٧)

١٨٦

تفسير الآيات (١٢٣ ـ ١٢٩)

٢٦٧

تفسير الآيات (١٣٨ ـ ١٤٠)

١٨٩

تفسير الآيات (١٣٠ ـ ١٣٦)

٢٦٩

تفسير الآيات (١٤١ ـ ١٤٢)

١٩٢

تفسير الآيات (١٣٧ ـ ١٤١)

٢٧٣

تفسير الآيات (١٤٢ ـ ١٤٤)

١٩٤

تفسير الآيات (١٤٢ ـ ١٤٧)

٢٧٦

تفسير الآية (١٤٥)

١٩٥

تفسير الآيات (١٤٨ ـ ١٥١)

٢٨١

تفسير الآيتين (١٤٦ ـ ١٤٧)

١٩٧

تفسير الآيات (١٥٢ ـ ١٥٤)

٢٨٤

تفسير الآيات (١٤٨ ـ ١٥٠)

١٩٩

تفسير الآيات (١٥٥ ـ ١٥٧)

٢٨٦

تفسير الآيات (١٥١ ـ ١٥٣)

٢٠٠

تفسير الآيات (١٥٨ ـ ١٦٦)

٢٩٠

تفسير الآيات (١٥٤ ـ ١٥٧)

٢٠٤

تفسير الآيات (١٦٧ ـ ١٧٠)

٢٩٥

تفسير الآية (١٥٨)

٢٠٦

تفسير الآية (١٧١)

٢٩٨

تفسير الآيات (١٥٩ ـ ١٦٠)

٢٠٨

تفسير الآيات (١٧٢ ـ ١٧٤)

٢٩٩

تفسير الآيات (١٦١ ـ ١٦٣)

٢١٠

تفسير الآيات (١٧٥ ـ ١٧٨)

٣٠١

تفسير الآيات (١٦٤ ـ ١٦٥)

٢١١

تفسير الآية (١٧٩)

٣٠٤

سورة الأعراف (٧)

تفسير الآية (١٨٠)

٣٠٥

تفسير الآيات (١ ـ ٧)

٢١٣

تفسير الآيات (١٨١ ـ ١٨٦)

٣٠٨

تفسير الآيات (٨ ـ ١٨)

٢١٦

تفسير الآيات (١٨٧ ـ ١٩٢)

٣١٠

تفسير الآيات (١٩ ـ ٢٥)

٢٢١

تفسير الآيات (١٩٣ ـ ١٩٨)

٣١٥

تفسير الآيتين (٢٦ ـ ٢٧)

٢٢٤

تفسير الآيات (١٩٩ ـ ٢٠٦)

٣١٧

تفسير الآيات (٢٨ ـ ٣٠)

٢٢٦

سورة الأنفال (٨)

تفسير الآيات (٣١ ـ ٣٣)

٢٢٨

تفسير الآية (١)

٣٢٣

تفسير الآيات (٣٤ ـ ٣٩)

٢٣٠

تفسير الآيات (٢ ـ ٤)

٣٢٦

تفسير الآيات (٤٠ ـ ٤٣)

٢٣٣

تفسير الآيات (٥ ـ ٨)

٣٢٧

تفسير الآيات (٤٤ ـ ٤٩)

٢٣٦

تفسير الآيتين (٩ ـ ١٠)

٣٣٠

تفسير الآيات (٥٠ ـ ٥٤)

٢٣٩

تفسير الآيات (١١ ـ ١٤)

٣٣٢

تفسير الآيات (٥٥ ـ ٥٨)

٢٤٣

تفسير الآيات (١٥ ـ ١٨)

٣٣٥

تفسير الآيات (٥٩ ـ ٦٤)

٢٤٦

تفسير الآية (١٩)

٣٣٩

تفسير الآيات (٦٥ ـ ٧٢)

٢٤٨

تفسير الآيات (٢٠ ـ ٢٣)

٣٤٠

تفسير الآيات (٧٣ ـ ٧٩)

٢٥٠

٦١٠

الآيات

الصفحة

الآيات

الصفحة

تفسير الآيتين (٢٤ ـ ٢٥)

٣٤١

تفسير الآيات (٦٧ ـ ٧٠)

٤٣٢

تفسير الآيات (٢٦ ـ ٢٨)

٣٤٤

تفسير الآيتين (٧١ ـ ٧٢)

٤٣٤

تفسير الآية (٢٩)

٣٤٥

تفسير الآيتين (٧٣ ـ ٧٤)

٤٣٦

تفسير الآيات (٣٠ ـ ٣٣)

٣٤٦

تفسير الآيات (٧٥ ـ ٧٩)

٤٣٨

تفسير الآيات (٣٤ ـ ٣٧)

٣٤٨

تفسير الآيات (٨٠ ـ ٨٣)

٤٤١

تفسير الآيات (٣٨ ـ ٤٠)

٣٥٢

تفسير الآيات (٨٤ ـ ٨٧)

٤٤٣

تفسير الآيات (٤١ ـ ٤٢)

٣٥٣

تفسير الآيات (٨٨ ـ ٩٠)

٤٤٥

تفسير الآيتين (٤٣ ـ ٤٤)

٣٥٨

تفسير الآيات (٩١ ـ ٩٣)

٤٤٦

تفسير الآيات (٤٥ ـ ٤٩)

٣٥٩

تفسير الآيات (٩٤ ـ ٩٩)

٤٤٩

تفسير الآيات (٥٠ ـ ٥٤)

٣٦٢

تفسير الآيات (١٠٠ ـ ١٠٦)

٤٥٢

تفسير الآيات (٥٥ ـ ٦٠)

٣٦٤

تفسير الآيات (١٠٧ ـ ١١٠)

٤٥٨

تفسير الآيات (٦١ ـ ٦٣)

٣٦٧

تفسير الآيتين (١١١ ـ ١١٢)

٤٦٣

تفسير الآيات (٦٤ ـ ٦٦)

٣٦٩

تفسير الآيتين (١١٣ ـ ١١٤)

٤٦٦

تفسير الآيات (٦٧ ـ ٦٩)

٣٧١

تفسير الآيات (١١٥ ـ ١١٩)

٤٦٩

تفسير الآيتين (٧٠ ـ ٧١)

٣٧٤

تفسير الآيتين (١٢٠ ـ ١٢١)

٤٧٢

تفسير الآيات (٧٢ ـ ٧٥)

٣٧٥

تفسير الآتين (١٢٢ ـ ١٢٣)

٤٧٣

سورة براءة (٩)

تفسير الآيات (١٢٤ ـ ١٢٩)

٤٧٥

تفسير الآيات (١ ـ ٣)

٣٧٩

سورة يونس (١٠)

تفسير الآيات (٤ ـ ٦)

٣٨٣

تفسير الآيات (١ ـ ٤)

٤٧٩

تفسير الآيات (٧ ـ ١١)

٣٨٧

تفسير الآيتين (٥ ـ ٦)

٤٨٣

تفسير الآيات (١٢ ـ ١٦)

٣٨٩

تفسير الآيات (٧ ـ ١٠)

٤٨٥

تفسير الآيات (١٧ ـ ٢٢)

٣٩٢

تفسير الآيات (١١ ـ ١٦)

٤٨٧

تفسير الآيتين (٢٣ ـ ٢٤)

٣٩٥

تفسير الآيات (١٧ ـ ١٩)

٤٩١

تفسير الآيات (٢٥ ـ ٢٧)

٣٩٦

تفسير الآيات (٢٠ ـ ٢٣)

٤٩٣

تفسير الآيتين (٢٨ ـ ٢٩)

٣٩٨

تفسير الآيات (٢٤ ـ ٣٠)

٤٩٧

تفسير الآيات (٣٠ ـ ٣٣)

٤٠٢

تفسير الآيات (٣١ ـ ٤١)

٥٠٣

تفسير الآيتين (٣٤ ـ ٣٥)

٤٠٦

تفسير الآيات (٤٢ ـ ٤٩)

٥٠٩

تفسير الآيتين (٣٦ ـ ٣٧)

٤٠٩

تفسير الآيات (٥٠ ـ ٥٨)

٥١٢

تفسير الآيات (٢٨ ـ ٤٢)

٤١٢

تفسير الآيات (٥٩ ـ ٦٤)

٥١٧

تفسير الآيات (٤٣ ـ ٤٩)

٤١٦

تفسير الآيات (٦٥ ـ ٧٠)

٥٢٢

تفسير الآيات (٥٠ ـ ٥٧)

٤٢٠

تفسير الآيات (٧١ ـ ٧٤)

٥٢٤

تفسير الآيات (٥٨ ـ ٦٠)

٤٢٣

تفسير الآيات (٧٥ ـ ٨٧)

٥٢٧

تفسير الآيات (٦١ ـ ٦٦)

٤٢٨

تفسير الآيات (٨٨ ـ ٩٢)

٥٣٢

٦١١

الآيات

الصفحة

الآيات

الصفحة

تفسير الآيات (٩٣ ـ ١٠٠)

٥٣٧

تفسير الآيات (٤٥ ـ ٤٩)

٥٧٠

تفسير الآيات (١٠١ ـ ١٠٩)

٥٤٥

تفسير الآيات (٥٠ ـ ٦٠)

٥٧٢

سورة هود (١١)

تفسير الآيات (٦١ ـ ٦٨)

٥٧٥

تفسير الآيات (١ ـ ٥)

٥٤٥

تفسير الآيات (٦٩ ـ ٧٦)

٥٧٧

تفسير الآيات (٦ ـ ٨)

٥٤٧

تفسير الآيات (٧٧ ـ ٨٣)

٥٨٢

تفسير الآيات (٩ ـ ١٧)

٥٥٠

تفسير الآيات (٨٤ ـ ٩٥)

٥٨٧

تفسير الآيات (١٨ ـ ٢٤)

٥٥٦

تفسير الآيات (٩٦ ـ ١٠٨)

٥٩٢

تفسير الآيات (٢٥ ـ ٣٤)

٥٥٩

تفسير الآيات (١٠٩ ـ ١١٥)

٥٩٨

تفسير الآيات (٣٥ ـ ٤٤)

٥٦٣

تفسير الآيات (١١٦ ـ ١٢٣)

٦٠٤

٦١٢