تراثنا ـ العددان [ 83 و 84 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 83 و 84 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٢

والسيّد المرتضى والشيخ الطوسي وابن إدريس ؛ فيشير شيخ الطائفة في عُدّة الأُصول إلى ذلك ويقول : «أمّا القياس والاجتهاد فعندنا أنّهما ليسا بدليلين ، بل محظور في الشريعة استعمالهما» (١) ، بينما يصرّح ابن إدريس بالقول «إنّنا أبطلنا أن يكون القياس في الشريعة ـ الذي هو ما ذهب مخالفونا إليه ـ طريقاً إلى الأحكام الشرعية» (٢). وفي موضع آخر : إنّ «القياس والاستحسان والاجتهاد باطل عندنا» (٣) ، ويُقصد بالاجتهاد في هذين النصّين اجتهاد الرأي.

الثاني : وهو الاتجاه الذي اتّخذ موقف الدفاع أمام المدرسة بزعامة الاسترآبادي (ت ١٠٢٣ هـ) التي زعمت أن الاستنباط يقتصر على البيان الشرعي فقط دون الحاجة إلى الرجوع للدليل العقلي ، إلاّ أنّ المدرسة الإخبارية واجهت حملة عنيفة من قبل المدرسة الأُصولية ، كما بحثنا ذلك سابقاً ..

ويُمثّل ما كتبه السيّد محسن المعروف بـ (المقدّس الكاظمي) (ت ١٢٢٧ هـ) في كتابه وسائل الشيعة إلى مسائل الشريعة نموذجاً من نماذج هذا الاتجاه الأُصولي ، فيقول متحدّثاً عن الحاجة لعلم الأُصول : «... ثمّ لمّا كانت الخطابات الشرعية مشتملة على ما وقع فيه النـزاع ممّا يبتنى عليه معظم الفقه كالأوامر والنواهي والمشتقّات والحروف ، والتقييدات وما صار حقيقة في معان لم تكن معروفة من قبل وما يحتمل أمرين أو أكثر من

__________________

(١) عدة الأُصول ٢ / ٢٥٣.

(٢) السرائر : ٣ ، في مسألة بيان الأدلة الشرعية.

(٣) السرائر : ٣ ، في مسألة بيان الأدلة الشرعية.

٢٤١

الأمور الخمسة المشهورة التي يدخل الخلل باعتوارها ، احتجنا إلى مباحث الأمر والنهي والمشتق والحروف والمفاهيم والحقيقة الشرعية ومسائل الدوران وحيث وقع فيها أيضاً ما يوجب اختلال الفهم من التخصيص والتقييد والتجوّز والإجمال والتشابه والنسخ والوهم وجب بذل الجهد في معالجة ذلك ...» (١) ..

ونراه في نفس المصدر يتحدّث عن الاختلاف بين القرب والبعد الزماني عن النص فيقول : «... فسدت اللغات وتغيّرت الاصطلاحات وذهبت قرائن الأحوال وكثرت الأكاذيب وعظمت التقية واشتدّ التعارض بين الأدلّة حتّى لا تكاد تعثر على حكم يسلم منه ، مع ما اشتملت عليه من دواعي الاختلال ، وليس هناك أحد يُرجع إليه بسؤال ، وكفاك مائزاً بين الفريقين قرائن الأحوال وما يشاهد في المشافهة من الانبساط والانقباض ... وهذا بخلاف من لم يصب إلاّ أخباراً مختلفة وأحاديث متعارضة يحتاج فيها إلى العرض على الكتاب والسنّة المعلومة ... فإنّه لابدّ له من الإعداد والاستعداد والتدرّب في ذلك كي لا يزلّ» (٢).

الثالث : وهو الاتجاه الذي ثبّت المدرسة الأُصولية بشكلها الحالي في مراحل متباينة ، ومن روّاد هذا الاتجاه الملاّ عبد الله التوني (ت ١٠٧١ هـ) في كتابه الوافية في الأُصول ، والسيد حسين الخونساري (ت ١٠٩٨ هـ) في كتابه مشارق الشموس في شرح الدروس ، والعالم الجليل محمّـد باقر

__________________

(١) وسائل الشيعة إلى مسائل الشريعة : ٣.

(٢) وسائل الشيعة إلى مسائل الشريعة : ٤.

٢٤٢

البهبهاني (ت ١٢٠٦ هـ) في كتابه الفوائد الحائرية ، والميرزا أبو القاسم القمّي (ت ١٢٢٧ هـ) في كتابه قوانين الأُصول ، والشيخ مرتضى الأنصاري (ت ١٢٨١ هـ) في كتابه فرائد الأُصول ، والشيخ محمّـد كاظم الخراساني (ت ١٣٢٩ هـ) في كتابه كفاية الأُصول.

وقد أدّت دراسة تلك الاتجاهات مجتمعةً إلى الخروج بصيغة متوافقة للمباحث الأُصولية ؛ فقد عبّرت عن النشاط العلمي غير المنقطع الذي بذله علماؤنا الأعلام على مرّ السنين الطويلة من أجل تنظيم هذا اللون من العلوم الاكتسابية وتسخيرها لخدمة الدين واستنباط الأحكام الشرعية.

الاصطلاحات الجديدة :

ولم يتوقّف المنهج العلمي لأُصول الفقه ـ في ما يتعلّق باستثمار علمي المنطق والفلسفة ـ عند تنظيم البحث العلمي في الاستنباط فحسب ، بل تعدّى إلى استحداث مصطلحات ولغة أصولية جديدة أضافت للّغة العلمية أبعاداً متميّزة ، فإصطلاحات مثل : القطع الطريقي والموضوعي ، والحكم الظاهري والواقعي ، والدليل والأصل والأمارة ، والشبهة التحريمية والشبهة الوجوبية ، والاحتياط والوجوب التخييري ، والحكم التكليفي والحكم الوضعي وغيرها أدّت إلى اجتياز مرحلة الوصف والتشبيه إلى مرحلة الدقّة والعمق والتحليل ، ولم يتخلّ علم الأُصول ـ في جميع مراحله ـ عن الإيمان بـ (نظرية المعرفة) وطريقتها المنطقية في ربط الحقائق بالأحكام ؛ فقد اُعتبر العقل والتحليل الذهني الإسلامي حجّة رئيسية في الإثبات إلى جانب البيان الشرعي ؛ وجُعل الأصل العملي الملجأ الوحيد للفقيه في استنباط الحكم الشرعي بعد غياب الدليل ، إلاّ أنّ أهمّ ما ميّز هذا

٢٤٣

المنهج العلمي عن غيره من المناهج هو تطوّر الفرضيّات الأُصولية إلى نظريّات شرعية عقلائية تتطابق مع (نظرية المعرفة) بمعناها الشامل ، وتنسجم مع النظرة الشرعية في الالتزام والتكليف للفرد والجماعة.

تطوّر الفرضية الأُصولية :

ولنضرب مثالاً على تطوّر الفرضية الأُصولية إلى نظرية ، ففي مبحث (الصحيح والأعمّ) في العبادات فرضيّتان :

الفرضية الأولى : إنّ أسماء العبادات وُضعت للصحيح واُستدلّ على ذلك بالتبادر ، وصحّة السلب ، وما ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» (١) ، و «الصلاة معراج المؤمن وعمود الدين» (٢).

الفرضية الثانية : إنّ أسماء العبادات وضعت للأعمّ (وهو الصحيح والفاسد) ، واُستدلّ على ذلك بالتبادر ، وعدم صحّة السلب ، وصحّة التقسيم إلى الصحيحة والفاسدة ، وقوله عليه‌السلام : «دعي الصلاة أيّام إقرائك» (٣) فأطلق الإمام المعصوم عليه‌السلام على الفاسدة اسم الصلاة ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «بُني الإسلامُ على خمس : الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية ولم ينادِ أحدٌ بشيء كما نودي بالولاية فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه ، فلو أن أحداً صام نهاره وقام ليله ومات بغير ولاية ، لا يقبل له صوم ولا صلاة» (٤) فإنّه عليه‌السلام أطلق أسماء العبادات على الفاسدة بناءً على فساد العبادة

__________________

(١) مستدرك الوسائل ٤ / ١٥٨ ح ٥.

(٢) اعتقادات المجلسي : ٢٩ وثواب الأعمال : ٤٤ ح ٦٠.

(٣) غوالي اللئالي ٢ / ٢٠٧ ح ١٢٤.

(٤) الكافي ٢ / ١٨ ح ٥.

٢٤٤

بلا ولاية.

وأمام هاتين الفرضيّتين يأخذ الفقيه ـ بقوّة الاستدلال الشرعي ـ بأحدهما ، ويبني عليها نظريته ، فلنفترض أنّنا أخذنا بالافتراض الأوّل وهو أنّ أسماء العبادات وُضعت للصحيح ، بتقريب أنّ ماهيّات العبادات لم تكن معلومة للافراد قبل التشريع ، بل اخترعها الشارع ووضع حقيقتها ؛ ولذلك لا بدّ أن يكون استعماله لها في الصحيح دون الفاسد ، لأنّ الاستعمال كان ابتداءً بعنوان التكليف الشرعي.

ومن أجل أن نبني نظريّتنا الأُصولية في (الصحيح) لا بدّ لنا من دحض استدلال القائلين بالأعمّ ؛ فنحن لا نسلّم بأدلّة التبادر وعدم صحّة السلب عقلاً. ومن حقّنا أن نرفض تلك المسلّمات المزعومة ، وأمّا التقسيم إلى الصحيحة والفاسدة فهو إنّما يتمّ بالعناية والمشابهة مجازاً ، وأمّا قوله عليه‌السلام : «دعي الصلاة أيّام إقرائك» فإنّ المعصوم عليه‌السلام استعملها في الصحيحة ، إلاّ أنّها صارت فاسدة بعد ورود هذا النهي ، ولا يمكن أن يُريد الإمام عليه‌السلام منها الصلاة الفاسدة ابتداءً ، وأما رواية (بُني الإسلام على خمس ...) فظاهرها عدم قبول عبادات أولئك الأفراد إذا كانت جامعة لجميع الشرائط ومانعة لشرط الولاية ، ولا ينافي ذلك صحّتها ، فالقبول غير الصحّة ، وحتّى لو زُعم أن الرواية قصدت الصحّة لا القبول ، فإنّنا نقول : إنّ الإمام عليه‌السلام إنّما استعملها إمّا بحسب اعتقادهم صحّتها ، وإمّا مجازاً.

وهكذا أصبحت نظرية (الصحيح) عند الفقيه الذي آمـن بها عن طريق الاستدلال ، قانوناً مسلّماً ـ بعد أن كانت فرضاً ـ يستخدمه في أبحاثه الآتية في الرجوع إلى البراءة أو الاحتياط فيما إذا شكّ في جزئية شيء أو شرطيّته بناءً على الصحيح.

٢٤٥

نتائج المنهج العلمي :

وقد أدّى هذا الأسلوب العلمي في النقاش والاستنتاج والاستنباط إلى استخلاص أربع نتائج مهمّة على الصعيد الاجتهادي :

الأولى : تكثيف نشاط الفقهاء في البحث عن الحقائق الشرعية مهما كانت صغيرة ومبهمة ، فأخذ النقاش يطال حتّى المسلّمات العقلية في بعض الأحيان ، وهذا المنحى العلمي حدّده النقاش والإفحام المتزايد بين أصحاب الافتراضات ومناوئيهم ، ولا شكّ أنّ هذا الجوّ العلمي خلق مناخاً عظيماً للإبداع والابتكار الفكري ضمن الحدود الشرعية.

الثانية : التعريف الدقيق المعمّق لكلّ المصطلحات الحُكمية ، بملاحظة خصائصها الشرعية واللغوية والفلسفية ، ولا شكّ أنّ أهمّ أركان العلوم الإنسانية أو التجريبية هو حجم المصطلحات التي تستخدمها تلك العلوم ودقّتها ، فالطبّ له مصطلحاته الخاصّة ، والفلسفة لها مصطلحاتها الخاصّة ، والكيمياء لها مصطلحاتها الخاصّة ، وكذلك علم الأُصول ، فعن طريق إثراء هذا العلم بالمصطلحات الدقيقة أصبحت عملية نموّه النوعي عملية سريعة تزدادُ عمقاً وشمولاً يوماً بعد يوم.

الثالثة : إن عملية الاستقراء المنطقي للمفردات الفقهية تحت رعاية مبادئ ومسلّمات علم الأُصول قد تؤدّي بالمجتهدين لاحقاً إلى استنباط (النظرية الاجتماعية الفقهية) ، وهي النظرية التي لا بدّ أن تُصاغ من أجل بناء النظام الاجتماعي في ضوء الإسلام وتهيئة المجتمع القادر على نصرة الإمام المهدي عليه‌السلام عند ظهوره المرتقب.

٢٤٦

الرابعة : قدرة العالِم الأُصولي الفقيه على منازلة جميع النظريّات والافتراضات الأخرى الخارجة عن دائرة الإسلام والإيمان ، فعن طريق علم الأُصول تسلّح الفقيه بالأُصول والقواعد العقلية والشرعية التي يستطيع بها أن يعرض رأيه بقوّة ويستدلّ له ويدافع عنه بالطرق الشرعية والعقلية والمنطقية.

التحليل الفلسفي للأصل العملي :

والحديث عن المنهج العلمي لابدّ أن يقودنا نحو تحليل (الأصل العملي) تحليلاً فلسفياً ، وهنا يبرز سؤالان مهمّان هما :

الأوّل : ما هي الصيغة العقلية للأصل العملي؟

الثاني : ما هو الفرق بين الأصل العملي وبين بقية القوانين المنطقية الحاكمة على التفكير الإنساني؟

مقدّمة حول القانون :

وقبل الجواب على ذلك نحتاج إلى تقديم مقدّمة ممهِّدة ، وهي : إنّ العلوم بكافّة ألوانها وأطيافها تحتوي بيانات متباينة في التعقيد تسمّى بالقوانين ، ولكن علماء الطبيعة أو الفلسفة في نزاع دائم مع بعضهم البعض حول شرعية تلك القوانين العلمية أو الفلسفية ودستوريّتها ، ومحور النـزاع يدور حول التساؤل التالي : هل هناك براهين كافية لتبرير إنزال البيانات العلمية أو الفلسفية منـزلة القوانين؟ ليس هناك من جواب شاف لهذا السؤال ، إلاّ أنّ المتيقّن أنّ اختلاف الآراء والمباني بين علماء الطبيعة

٢٤٧

والفلسفة هو الذي يؤدّي إلى ذلك النـزاع الناشئ حول شرعية تلك القوانين ودستوريّتها.

ولا يقف النـزاع عند هذا الحدّ ، بل يتطوّر ذلك النـزاع إلى جدل حول طبيعة المصطلح نفسه ، فبعض العلماء لا يوافقون على إطلاق لفظ (القانون) على ذلك البيان العلمي ، بل يفضّلون استبداله بألفاظ أخرى مثل (مبدأ) ، أو (نظرية) ، أو (أصل) ونحوها من الألفاظ العلمية.

والأمر المتفق عليه بالإجماع بين علماء الطبيعة والفلسفة هو أنّ لفظة (القانون) أو ما رادفها من ألفاظ يجب أن تشير ـ بصورة من الصور ـ إلى الحقيقة العلمية ؛ فالرجم بالغيب مثلاً لا يمكن أن يكون قانوناً علمياً ولا نظريةً ولا مبدأً لأنّه لا يشير ـ من قريب أو من بعيد ـ إلى الحقائق الواقعية العلمية.

الأصل العملي والمنطق :

نرجع الآن بعد تلك المقدّمة المختصرة إلى صلب الجواب عن السؤالين اللذين طرحناهما آنفاً ، ونقول : إنّ الصيغة المنطقية للأصل العملي يمكن تحديدها ضمن إطار فكرتين هما : الضرورة الشرعية ، والانتظام الفلسفي.

فالضرورة الشرعية تجعلنا نفهم الأصل العملي من زاوية قوّته المنطقية أو العقلية وارتباطه مباشرة بالتشريع ، فالاستصحاب مثلاً أصلٌ من الأُصول العملية يتعامل مع اليقين والشكّ ومتعلّقيهما ، وملاك قاعدة الاستصحاب هو اتحاد متعلّق اليقين والشكّ ذاتاً ، لكن مع اختلاف زمان

٢٤٨

المتعلّق سواء اختلف زمان حدوث نفس اليقين والشكّ أم اتفق ، وقد اُستدلّ على حجّية الاستصحاب باستقرار سيرة العقلاء على الأخذ بالحالة السابقة ما لم يثبت خلافها ..

واُستدلّ أيضاً بالأخبار الواردة في المقام وهي العمدة ومنها : صحيحة زرارة عن الإمام الصادق عليه‌السلام : «... فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً» (١) ..

والتفسير العقلي لأصل الاستصحاب يمكن أن يوضّح بالطريقة التالية : إنّنا لو أنكرنا حجّية الاستصحاب لكان ذلك ترجيحاً لأحد طرفي القضية الممكنة (النجاسة أو الطهارة مثلاً) من غير مرجّح ، وهذا يناقض الفكرة الشرعية أيضاً ، ومن هنا باتت الضرورة الشرعية تدفعنا للإيمان بأصل الاستصحاب عند فقدان الدليل ؛ ولا شكّ إنّ اعتبار الاستصحاب اعتبار تعبّدي محض لا يترتّب عليه أي أثر في الواقع العملي.

أمّا ما يخصّ الانتظام الفلسفي ، فإنّ الأُصول العملية محدّدة تحديداً نظامياً ترتُّبيّاً بحيث لا يتقدّم أصل على أصل إلاّ لسبب شرعي أو عقلي ، فعلى سبيل المثال تُقدّم أصالة (صحّة فعل المسلم) على أصالة (الاستصحاب) في مباني علم الأُصول ، فلو تيقّنا بنجاسة شيء ثمّ شكّكنا في تطهيره استصحبنا نجاسته ، ولكن لو تصدّى فرد مسلم لتطهيـره فلا خيـار لنا إلاّ أن نحمـل ذلك على الصحـّة فتثبت ـ عندئذ ـ طهارته ، وقد اُستدلّ على ذلك ببعض الأخبار ، منها ما ورد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «ضع أمر أخيك على أحسنه حتّى يأتيك ما يقلبك عنه ولا تظنّن بكلمة خرجت

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ / ٤٢١ ح ٨.

٢٤٩

من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير سبيلاً» ، والمروي عن الإمام الصادق عليه‌السلام : «إنّ المؤمن لا يتّهم أخاه» ، و «كذّب سمعك وبصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسّامة أنّه قال ، وقال : لم اقل ، فصدّقه وكذّبهم» ، ونحوها من الأخبار.

إلاّ أنّ هذه الأخبار أخصّ من الدعوى ، فهي لا تدلّ إلاّ على التزام حمل الإنسان أخيه المؤمن على الخير لا على الشر ، وهي من المؤيّدات فقط ، لكنّها لا تدلّ على لزوم حمل كلّ ما يصدر منه على الصحّة ، ولعلّ أصالة صحّة فعل المسلم تستند على السيرة العقلائية المستمرّة من زمن الشارع حتّى اليوم أكثر من استنادها على تلك الأخبار.

ومهما اختلف الدليل ، فإنّ تقديم أصل على أصل يعكس ـ بصدق ـ الانتظام الفلسفي للأُصول العملية في علم الأُصول ، وقد ذكرنا سابقاً تقدّم الأمارات والطرق (الأدلّة الاجتهادية) على الأُصول العقلية من البراءة والاحتياط والتخيير والاستصحاب (الأدلّة الفقاهتية).

ومن تلك الأمثلة نفهم أنّه عن طريقي (الضرورة الشرعية) ، و (الانتظام الفلسفي) تتبلور لنا صورة الصيغة العقليّة للأصل العملي وموضعها في التفكير الشرعي.

البُعد العقلي في النظرية الأُصولية :

وبطبيعة الحال ، فإنّ تكامل المنهج العلمي للمدرسة الأُصولية يستمدّ قوّته ومتانته من بُعدين عقليّين مهميّن هما : البُعد التحليلي ، والبُعد الإلزامي. وهذان البُعدان هما اللذان يميّزان أصول الفقه عن أصول بقية العلوم.

٢٥٠

فعلى صعيد البُعد التحليلي ، فإنّ قانون الفكر في علم الأُصول إنّما يؤسّس في ضوء مبادئ ذلك العلم بلحاظ الأخذ بالنقاط الثلاث الآتية :

الأولى : الأخذ بنظر الاعتبار طبيعة الحجج العقلية والشرعية في الأُصول الأربعة (البراءة ، والاحتياط ، والتخيير ، والاستصحاب) ، والأمارات ، وطبيعة القطع والظن والشك ، والأوامر والنواهي كما هي ، أي بطبيعتها الأُصولية الإلزامية لا بجوهرها اللغوي أو المنطقي.

الثانية : إنّ المواضيع الأُصولية لا تتناقض بكينونتها مع بقية العلوم ، فعلم الأُصول لا يعارض المباحث الكلامية أو الأُصول اللغوية ؛ وبنفس المنطوق لا تتعارض المبادئ والنظريات المنطقية والفلسفية مع المباحث الأُصولية.

الثالثة : إنّ النظريات الأُصولية تلحظ قوانين الشرع والعقل وقواعد التفكير الذهني السليم.

فالقطع ـ على سبيل المثال ـ صورة من صور البُعد التحليلي ، فالقاطع ـ الذي انكشف له الواقع ووصل إلى ساحته ـ إذا وافق قطعه وعمل على طبق تكليفه المقطوع فقد أدّى الواجب ، أمّا إذا خالف قطعه ، فإن كان ما قطع به موافقاً للواقع فهو بلا شكّ يستحقّ الذمّ والعقاب ، وإن كان مخالفاً للواقع فقيل : إنّه يستحقّ وقيل : إنّه لا يستحقّ ، ودلالة استحقاقه العقاب تتمّ بتقريب أنّ تَلَبُّس القاطع بالفعل يفرض على المكلّف حكماً عقلياً أمضاه الشارع وهو وجوب طاعة المولى عزّ وجلّ ، فإنّ ما حكم به العقل فقد حكم به الشرع أي أمضاه وأجازه ، وهذا البُعد التحليلي للقطع يعكس متانة المنهج العلمي الذي شرحناه للمدرسة الأُصولية.

وعلى صعيد البُعد الإلزامي ، فإنّ الدليل الشرعي والأمارة والأصل ـ في

٢٥١

الواقع ـ تقوم مقام القانون الأخلاقي والنظرية الإلزامية ، فهي ، مع كونها لا تُكره الفرد على التنفيذ ، إلاّ أنّها تلزمه إلزاماً شرعياً وأخلاقياً بالامتثال ، فالأمر ـ على سبيل المثال ـ صورة من صور البُعد الإلزامي ، وإذا قال الآمر : افعل مثلاً ، فقد أراد إيقاع الفعل وصدوره ، فالوجوب هنا يتبادر بدون قرينة لأنّه أشدّ الأقسام طلباً وحثّاً ، على عكس الاستحباب أو الندب فهو أقلّ المراتب وأخفّها في الحثِّ ، ولذلك فقد يحتاج إلى قرينة حتى ينطبق لفظ الأمر المستحبّ على معناه ، فيكون الإلزام الأخلاقي هنا دائراً بين قطبي الوجوب والاستحباب ، ولا شكّ أنّ هناك دلالة عقلية مفادها أنّ لصيغة الأمر مهمّة فورية عرفية ، بتقريب أنّ المولى إذا قال للعبد : افعل الفعل الفلاني ، فلم يفعل زماناً كان للمولى أن يقول له : لِمَ لمْ تفعل ما أمرتك به؟ وهذا هو مقصودنا بالبُعد الإلزامي الفوري ، فهو إلزام وأمر بصيغة من صيغ الطلب التي يحبّ الخالق عزّ وجلّ من عبده المخلوق تنفيذها في صيغة زمنية محدّدة.

الانجازات المنتظَرة في علم الأُصول :

وبعد ان شخّصنا المنهج العلمي لعلم الأُصول ، نستطيع القول الآن : إنّ الانجازات التي حقّقها فقهاؤنا الأعلام (قدّس الله أسرارهم) على صعيد البناء التحتي والمنهجي لعلم الأُصول تنتظر انجازات أخر على صعيد تطبيق نظريّات (القطع) و (الأمارات) و (الأُصول العملية) على الجزئيات الفقهية ؛ فإنّ حجّية الدليل الشرعي والعقلي ينبغي ان تدفعنا للقول ، تلميحاً أو تصريحاً ، بضرورة بناء النظرية الاجتماعية الفقهية التي نأمل ان تقدّم حلولاً لمشاكل العالَم المعاصر بما فيه من تعقيدات نفسية وفكرية وفنّية ، ونلمس من توجّهات فقهائنا المعاصرين الأعلام بوادر اختمار فكرة صياغة النظرية

٢٥٢

الاجتماعية الفقهية التي نأمل من خلالها أن يقود (الإسلام) البشرية المعاصرة إلى شاطئ الأمان والسلام والعدالة الاجتماعية (١).

وما نريد تأكيده وإعادته مرّة أخرى هو أنّ التطوّر الذي حصل في البُنية الشرعية والفلسفية لعلم الأُصول خلال الأعوام الألف الماضية من عمر التشيّع لأهل البيت عليهم‌السلام ، فتح آفاقاً واسعة لاستثمار ذلك المخزون العلمي الخام ، فكان العمل من أجل بلورة النظرية الفقهية أهمّ ثمار المرحلة التي أفرزها التكامل الموضوعي لأُصول الفقه ، وبعد أكثر من قرن على وفاة الشيخ الأنصاري رضي‌الله‌عنه ، فإنّ المنهج العلمي الشامخ الذي وضعه كان لا يزال قمّة في الفهم العقلي والشرعي لوظيفة القواعد المشتركة في عملية الاستنباط.

وهذا الفهم المتطوّر دفع نخبة من فقهاء الحوزة العلمية الإمامية المتأخّرين إلى تحسّس ضرورة تطبيق تلك القواعد الأُصولية على المشاكل الاجتماعية التي يعيشها المسلم المعاصر ، وبتعبير آخر ، استثمار عملية الاجتهاد الشرعي من أجل بناء الحياة الاجتماعية للمسلمين ..

ذلك أنّ الاستمرار في بناء وترميم الهيكل الأُصولي المتكامل مدّة غير محدودة من الزمن ، ودون الالتفات إلى طبيعة التغير الاجتماعي الذي تعيشه المجتمعات المعاصرة قد يضرُّ بعملية الوظيفة الشرعية للمكلّف التي اهتمّ بها علم الأُصول من البداية ..

ولذلك ، فإنّ المرحلة الزمنية التي نعيشها تقتضي بذل جهود استثنائية من أجل الاهتمام بالفقه الاجتماعي في ممارسة عملية الاجتهاد ، واستثمار

__________________

(١) ناقشنا ارتباط علم الأُصول بالنظرية الاجتماعية الفقهية في كتاب مباني النظرية الاجتماعية في الإسلام : ١٧٩ ـ ١٨٩.

٢٥٣

القواعد المشتركة في استنباط الأحكام الشرعية التي تهمّ المكلّف ، بصفته الفردية والجماعية ، في مواطن الابتلاءات المتغيرة مع تغيـّر الزمن.

والحمد لله رب العالمين.

٢٥٤

المصادر

١ ـ القرآن الكريم.

٢ ـ أجود التقريرات ـ السيّد أبو القاسم الخوئي (ت ١٤١٢ هـ). طبعة صيدا ـ لبنان.

٣ ـ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار ـ محمّـد باقر المجلسي (ت ١١١٠ هـ). بيروت : مؤسّسة الوفاء ، ١٩٨٣ م.

٤ ـ تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد ـ الشيخ أبو جعفر محمّـد بن الحسن الطوسي (ت ٤٦٠ هـ). طهران : دار الكتب الإسلامية ، ١٣٩٠ هـ. الطبعة الثالثة.

٥ ـ ثواب الأعمال ـ الشيخ محمّـد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (المعروف بالشيخ الصدوق) (ت ٣٨١ هـ). أردبيل : مكتبة الصدوق ، بدون تاريخ.

٦ ـ الخلاصة ـ الحسن بن يوسف المعروف بالعلاّمة الحلّي (ت ٧٢ هـ). النجف الأشرف ١٣٨١ هـ. الطبعة الثانية.

٧ ـ دروس في علم الأُصول ـ السيّد الشهيد محمّـد باقر الصدر (ت ١٤٠٠ هـ). بيروت : دار التعارف ، ١٤٠٠ هـ ...

٨ ـ الذريعة إلى أصول الشريعة ـ السيّد المرتضى (ت ٤٣٦ هـ). طبعة حجرية.

٩ ـ رجال الكشي (اختيار معرفة الرجال). أبو جعفر محمّـد بن الحسن الطوسي (ت ٤٦٠ هـ). تحقيق : حسن المصطفوي. إيران : جامعة مشهد ١٣٤٨ هـ. ش.

١٠ ـ رسائل الشريف المرتضى ـ السيد المرتضى (ت ٤٣٦ هـ). قم : الرضي ، ١٤٠٤ هـ.

١١ ـ السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي ـ ابن إدريس الحلّي (ت ٥٩٨ هـ). قم المشرّفة : جماعة المدرّسين ، ١٤١٠ هـ.

٢٥٥

١٢ ـ الصحاح. تاج اللغة وصحاح العربية ـ إسماعيل بن حمّاد الجوهري (ت ٤٠٠ هـ). بيروت : دار العلم للملايين ، ١٩٧٩ م.

١٣ ـ عدّة الأُصول ـ الشيخ أبو جعفر الطوسي (ت ٤٦٠ هـ). طبعة حجرية. بومبي : مطبعة دت برساد ، ١٣١٢ ـ ١٣١٨ هـ.

١٤ ـ غُنية النـزوع إلى علمي الأُصول والفروع ، ويطلق عليه أيضاً : (الغُنية أصولها وفروعها) ـ ابن زهرة حمزة بن علي الحسيني الحلبي (ت ٥٨٥ هـ). مطبوع بالطبعة الحجرية ضمن كتاب (الجوامع الفقهية) ، قم المشرفة : آية الله المرعشي ١٤٠٤ هـ.

١٥ ـ الغوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية ـ ابن أبي جمهور محمّـد بن علي الإحسائي (ت ٩٠١ هـ). قم المشرّفة : سيد الشهداء ، ١٩٨٣ م.

١٦ ـ فرائد الأُصول (الرسائل) ـ الشيخ مرتضى الأنصاري (ت ١٢٨١ هـ). طبعة حجرية. قم المشرفة : مطبعة وجداني ، بدون تاريخ.

١٧ ـ فرائد الأُصول المحشّى بحاشية رحمة الله ـ الشيخ الأنصاري (ت ١٢٨١ هـ). طبعة حجرية.

١٨ ـ فرحة الغري ـ أبو القاسم علي بن موسى الحلّي المعروف بابن طاووس (ت ٦٦٤ هـ). طبعة حجرية.

١٩ ـ الفصول الغروية في الأُصول الفقهية ـ محمّـد حسين الاصفهاني الغروي (ت ١٢٥٠ هـ). طهران : طبعة حجرية ١٢٨٦ هـ.

٢٠ ـ فوائد الأُصول ـ الشيخ محمّـد علي الكاظمي (ت ١٣٦٥ هـ) تقريراً للمحقّق محمّـد حسين النائيني (ت ١٣٥٥ هـ). قم المشرفة : جماعة المدرّسين ، ١٤٠٤ هـ.

٢١ ـ الفوائد الحائرية ـ محمّـد أكمل المشتهر بالوحيد البهبهاني (ت ١٢٠٦ هـ). قم المشرّفة : مجمع الفكر الإسلامي ، ١٩٩٥ م.

٢٢ ـ الفوائد الحائرية مع تعاليق الفريد الكلبايكاني ـ الوحيد البهبهاني (ت ١٢٠٦ هـ). قم المشرّفة : مكتبة الصدر ، بدون تاريخ.

٢٣ ـ الفوائد الحائرية الجديدة ـ الوحيد البهبهاني (ت ١٢٠٦ هـ). قم

٢٥٦

المشرّفة : مجمع الفكر الإسلامي ، ١٤١٥ هـ.

٢٤ ـ الفوائد المدنية ـ محمّـد أمين الاسترآبادي (ت ١٠٣٣ هـ). طبعة حجرية ، بدون تاريخ.

٢٥ ـ القواعد والفوائد في الفقة والأُصول والعربية ـ الشهيد الأوّل محمّـد ابن مكي (ت ٧٨٦ هـ). طبعة حجرية.

٢٦ ـ الكافي في الفروع والأُصول ـ الشيخ أبو جعفر محمّـد بن يعقوب الكليني (ت ٣٢٩ هـ). طهران : مكتبة الصدوق ، ١٣٨٠ هـ.

٢٧ ـ كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ـ مصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة ، طهران : المكتبة الإسلامية ، ١٩٤٧ ، الطبعة الثالثة عن طبعة برلين المانيا.

٢٨ ـ كفاية الأُصول ـ المحقّق محمّـد كاظم الخراساني (ت ١٣٢٩ هـ). قم المشرّفة : جامعة المدرّسين ، ١٤١٥ هـ.

٢٩ ـ كمال الدين وتمام النعمة ـ الشيخ محمّـد بن علي الصدوق (ت ٣٨١ هـ). تحقيق : علي أكبر غفّاري. قم المشرّفة : النشر الإسلامي ، ١٤٠٥ هـ.

٣٠ ـ كنـز الفوائد ـ الكراجكي (ت ٤٤٩ هـ). (رسالة في أصول الفقه عن كتاب الشيخ المفيد). قم المشرّفة : مكتبة آية الله المرعشي النجفي ، بدون تاريخ. طبعة حجرية.

٣١ ـ ماضي النجف وحاضرها ـ جعفر الشيخ باقر آل محبوبة ، بيروت : دار الأضواء ، ١٩٨٦ م. الطبعة الثانية.

٣٢ ـ المبسوط في فقه الإمامية ـ الشيخ أبو جعفر محمّـد بن الحسن الطوسي (ت ٤٦٠ هـ). طهران : المرتضوية ، بدون تاريخ.

٣٣ ـ مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل ـ الميزا حسين النوري (ت ١٣٢٠ هـ). تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام ١٤٠٨ هـ. قم المشرّفة.

٣٤ ـ مصباح الأُصول ـ السيّد أبو القاسم الخوئي (ت ١٤١٣ هـ). النجف الأشرف : مطبعة النجف ، ١٣٨٦ هـ.

٣٥ ـ مصباح الفقيه ـ رضا الهمداني (ت ١٣٢٢ هـ). طبعة حجرية ، قم :

٢٥٧

بدون مكان ولا تاريخ الطبع.

٣٦ ـ معارج الأُصول ـ المحقّق الحلّي (ت ٦٧٦ هـ). قم : آل البيت عليهم‌السلام ، بدون تاريخ.

٣٧ ـ معالم الدين وملاذ المجتهدين ـ الشيخ الحسن بن زين الدين (ابن الشهيد الثاني) (ت ١٠١١ هـ). طبعة حجرية.

٣٨ ـ مفاتيح الأُصول ـ السيد محمّـد المجاهد الطباطبائي (ت ١٢٤٢ هـ). طبعة حجرية.

٣٩ ـ مقالات الأُصول ـ آقا ضياء العراقي (ت ١٣٦١ هـ). النجف الأشرف : العلمية ، ١٣٥٨ هـ.

٤٠ ـ نزهة الغري ـ الشيخ محمّـد الغروي الحائري. مخطوطة خاصّة.

٤١ ـ نضد القواعد الفقهية على مذهب الإمامية ـ جمال الدين المقداد بن عبد الله السيوري الحلّي (ت ٨٢٦ هـ). قم المشرّفة : آية الله المرعشي ، ١٤٠٣ هـ.

٤٢ ـ نهاية الدراية في شرح الكفاية ـ المحقّق محمّـد حسين الأصفهاني (ت ١٣٦١ هـ). قم : الطباطبائي ، بدون تاريخ.

٤٣ ـ الوافية في الأُصول ـ الفاضل عبد الله التوني (ت ١٠٧١ هـ). قم المشرّفة : مجمع الفكر الإسلامي ، ١٤١٢ هـ.

٤٤ ـ وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ـ الشيخ محمّـد بن الحسن الحرّ العاملي (ت ١١٠٤ هـ). بيروت : دار إحياء التراث العربي ، بدون تاريخ.

٤٥ ـ وسائل الشيعة إلى مسائل الشريعة ـ المقدّس الكاظمي (ت ١٢٢٧ هـ). طبعة قم ١٤٠٦ هـ.

٢٥٨

الـقـوافي الـلاّمـعـة

فـي

الزيـارة الجـامـعة

السـيّد محمّـد علي الحكيم

بسـم الله الرحمن الرحـيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين وخاتم الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين المصطفى المبعوث سيِّدنا ومولانا أبي القاسم محمّـد وَعلى آله المنتجبين الأبرار الأخيار الأطهار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

أمّا بعد ..

فكم آية نمرُّ بها في كتاب الله العزيز وهي تؤكِّد لنا على كرامة أهل بيت الرسالة (١) بل على فضيلتهم وأفضليّتهم (٢) ، وتدلّنا على نزاهة أهل بيت

__________________

(١) سورة «هل أتى» نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين. انظر : فضائل الخمسة ١ / ٣٠١ ـ ٣٠٥.

(٢) «آية المباهلة» هي الآية ٦١ من سورة آل عمران ، وقد نزلت في حقّ عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام عندما باهل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بهم نصارى أهل نجران. انظر : فضائل الخمسة ١ / ٢٩٠ ـ ٢٩٦.

٢٥٩

النبوّة (١) ، وتعرّفنا على قرب منزلتهم عند الله تبارك وتعالى ، حتّى أخذت هذه الآيات تصرّح في حبِّهم جهاراً ، وتجعل هذا الحبّ والولاءَ فرضاً لازماً على الأُمّةِ بأسرها ، وذلك في قوله تبارك وتعالى مخاطباً نبيّه المبعوث بالحقِّ محمّـد بن عبـد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (قُل لاَ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (٢).

وكم من موقف كريم لهم عليهم الصلاة والسلام نزل به الوحي حاملاً رسالة ربِّه فيهم لتكون آيةً تتلى آناء الليل وأطراف النهار ، فيتقرّب المؤمنون بتلاوتها إلى الله زلفى ، إذ جعلهم الوسيلة إليه من بين خلقه وحججاً على عبادِهِ.

وكم مرة وقف نبيّ الرحمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يشيِّدُ بذكرهم ويدلُّ الأُمّة عليهم ، فيجعلهم والقرآن سواءً ، وأنّهما حبلان ممدودان من السماء إلى الأرض ، وأنّ نجاة هذه الأُمّة بالتمسّك بهما ، وأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) سائلهم يوم القيامة عنهما كيف خلّفوه فيهما من بعـده (٣)؟

وكم أشار القرآن الكريم في طيِّ آياته البيِّنة على أنّ الله تبارك وتعالى جعل شرف رسالة السماء في بيوت الأنبياء وأبناء الأنبياء وسلالتهم الطيِّبة الطاهرة في حملها بعد النبي وتبليغها ، وتبيين معارفها وأحكامها ، ونشر قيمها ومناهجها الإلهيّة الحقّةِ بين الناس (٤).

__________________

(١) «آية التطهير» سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣. وقد نزلت في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام. انظر : فضائل الخمسة ١ / ٢٧٠.

(٢) سورة الشورى ٤٢ : ٢٣. وإن آية المودّة نزلت في قربى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام انظر : فضائل الخمسة ١ / ٣٠٦ ـ ٣١١.

(٣) انظر : فضائل الخمسة ٢ / ٥٢ ـ ٦٣.

(٤) انظر سور : البقرة ٢ : ١٢٤ و ١٣٢ ، مريم ١٩ : ٥ و ٦ ، والأنعام ٦ : ٨٣ ـ ٩٠.

٢٦٠