تراثنا ـ العددان [ 73 و 74 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 73 و 74 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٦

مناسب ما هو مذكور من الفعل أو شبهه.

وعرّفه الفاكهي (ت ٩٧٢ هـ) بقوله : «حدّ الاشتغال : أن يتقدّم اسم ويتأخّر عنه فعل متصرّف أو وصف صالح للعمل مشغول عن نصبه لفظاً أو محلاًّ بالنصب لمحلِّ ضميره أو لملابِسه بواسطة أو غيرها» (١).

ومراده بنصب ملابس الضمير بغير واسطة نحو : زيداً ضربت أخاه ، وبنصبه بواسطة نحو : زيداً مررت بغلامِهِ.

ولا بُدّ من الاِشارة في خاتمة البحث إلى أنّ بعض الملاحظات المتقدّمة على التعاريف المذكورة ناشئة من إرادة تضمين التعريف جميع المعلومات التفصيلية الخاصّة بالمعرَّف ، وهو لزوم لما لا يلزم ، إذ يكفي أن يتضمّن التعريف بيان العناصر الأساسية للمعرَّف ، ويترك بيان تفاصيله لشرح التعريف.

والذي أرجّحه أن يقال في تعريفه : الاشتغال : أن يتقدّم اسم على عاملٍ في ضميره أو سببيّه.

ثمّ يقال في شرحه : أنّ العامل قد يكون فعلاً متصرّفاً ، أو اسماً عاملاً عمل الفعل ، وأنّ عدم اشتغال العامل بالضمير أو سببيّه يؤدّي إلى انتصاب الاسم المتقدّم بعاملٍ مضمرٍ ، مفسَّر إمّا بالعامل المذكور ، وإمّا بما يناسبه.

* * *

____________

(١) شرح الحدود النحوية ، جمال الدين الفاكهي ، تحقيق محمّـد الطيّب الاِبراهيم : ١٥١.

٣٠١

سـتّ وأربعون ـ مصطلح المصـدر

* لغةً :

المصـدر في اللغة : موضـع الصـدور ..

قال ابن فارس : «الصاد والدال والراء أصلان صحيحان ، أحدهما يدلّ على خلافِ الوِرْد ، والآخر صـدر الاِنسان وغيره.

فالأوّل قولهم : صَـدَرَ عن الماءِ ، وصـدرَ عن البلادِ ، إذا كان وردَها ثمّ شَخَص عنها (١).

وقال ابن منظور : «أصدرته فَصَـدرَ ، أي : رجعته فرجَعَ ، والموضـع مصـدر» (٢).

وإنّما جعل المصـدر بهذا المعنى عنواناً للمعنى الاصطلاحي النحوي ؛ نظراً لرجوع المشتقّات إليه وصـدورها عنه.

* اصطلاحاً :

استعمل سيبويه (ت ١٨٠ هـ) كلمة «المصـدر» عنواناً للمعنى الاصطلاحي إلى جانب كلمات أُخرى هي : الحَدَث والحَدَثان والفعل ..

ومن شواهد ذلك قوله : «واعلم أنّ الفعل الذي لا يتعدّى الفاعلَ يتعدّى إلى اسم الحدثان الذي أخذ منه ... ألا ترى أنّ قولك : (قد ذهبَ) بمنزلة قولك : قد كان منه ذهابٌ ...

____________

(١) معجم مقاييس اللّغة ، ابن فارس ، تحقيق عبـد السلام هارون ، مادّة «صدر».

(٢) لسان العرب ، ابن منظور ، مادّة «صدر».

٣٠٢

قولك : ذهبَ عبـد الله الذهابَ الشديدَ ، وقعد قعدَة سَوْءٍ ، وقعد قعدتين ، لمّا عمِلَ في الحَدَث ، عمل في المرّة منه والمرّتين» (١).

وقال الزمخشري : «المصـدر سُمّي بذلك لأنّ الفعل يصدر عنه ، ويسمّيه سيبويه : الحَدَث والحدثان ، وربّما سمّاه الفعل» (٢).

وأقدم تعريف اصطلاحي وجدته للمصدر قول المبرّد (ت ٢٨٥ هـ) : «المصدر اسم الفعل» (٣).

وقال محقّق كتاب المقتضب في حاشية الصفحة نفسها : يريد من الفعل : الحَدَث ، وقد وقع مثل ذلك في كتاب سيبويه».

وقد أخذ بهذا التعريف الزجّاجي (ت ٣٣٧ هـ) ، فقال : «والمصدر ... يعمل عمل اسم الفاعل ؛ لأنّه اسم الفعل» (٤) ، وقال أيضاً : «والحدث : المصدرُ ، وهو اسم الفعل ، والفعل مشتقّ منه» (٥).

وقال ابن الحاجب في شرحه : «قوله : (اسم الفعل) أي : المصدر دالٌّ على الفعل الحقيقي ، وهو المعاني وما أُجري مُجراها من النسب ، وقوله : (والفعل مشتقّ منه) يعني [أنّ] الفعل الصناعي اللفظي قسيم الاسم والحرف الدالّ على حدثٍ وزمانٍ مشتقّ منه ، أي : من المصدر على ما هو مذهب البصريّين ..

____________

(١) الكتاب ، سيبويه ، تحقيق عبـد السلام هارون ١ / ٣٤ ـ ٣٥.

(٢) المفصّل في علم العربية ، جار الله الزمخشري : ٣١.

(٣) المقتضب ، محمّـد بن يزيد المبرّد ، تحقيق عبـد الخالق عضيمة ٣ / ٦٨.

(٤) الاِيضاح في علل النحو ، أبو القاسم الزجّاجي ، تحقيق مازن المبارك : ١٣٥.

(٥) الجمل ، الزجّاجي ، تحقيق ابن أبي شنب : ١٧.

٣٠٣

فالمصدر : الألفاظ التي هي أسماء الأحداث ، كالقيام والقعود والأكل والخروج» (١).

وشرحه ابن أبي الربيع الاِشبيلي قائلاً : «قوله : (والحَدَث : المصدر) يريد أنّ الحـدث هو الذي صدر منه الفعل ، أي : خرج ، فالأصل القيام ، فلمّا أرادوا الاِخبار بإيقاعه في زمن ماضٍ ، قالوا : قام ، فقام ماضٍ ، والقيام المصـدر ..

وقوله : (وهو اسم الفعل) أي : الاسم المأخوذ منه الفعل ، كما تقول : تراب الآنية ، أي : التراب المعمول منه الآنية ، وذهبُ السوار ، أي : الذهب الذي عمل منه السوار ، فكما أنّ السوار إنّما يدلّ على الذهب بذاته لابشكله ... كذلك الفعل يدلّ على ما أُخذ منه ـ وهو الحَدَث ـ بحروفه ، ويدلّ على المعنى الزائد الذي به استحقّ أن يقال له فعل ، بالشكل والبنية ...

وقوله : (والفعل مشتقّ منه) ، هذا اللفظ أجلى في ما أراد من القولين المتقدّمين ، فهذه ثلاث جمل معناها واحد ، ويسمّى هذا : التتبيع» (٢).

وعرّفه الرمّاني (ت ٣٨٤ هـ) بأنّه : «اسم لحادث يوجد فيه الفعل» (٣).

والظاهر من كلامه : أنّ الفعل الاصطلاحي من الماضي والمضارع والأمر إنّما يتحقّق بالمصـدر الذي هو الحدث ، نحو : ضرب يضرب اضرب ، فهذه الأفعال إنّما توجد بالضرب.

____________

(١) الأمالي النحوية ، ابن الحاجب ، تحقيق هادي حسن حمودي ٤ / ٤٨.

(٢) البسيط في شرح جمل الزجّاجي ، ابن أبي الربيع الاِشبيلي ، تحقيق عيّاد الثبيتي ١ / ١٦٨ ـ ١٦٩.

(٣) الحدود في النحو ، علي بن عيسى الرمّاني ، ضمن كتاب رسائل في النحو واللغة ، تحقيق مصطفى جواد ، ويوسف مسكوني : ٣٩.

٣٠٤

وعرّفه ابن جنّي (ت ٣٩٢ هـ) بأنّه : «اسم دلّ على حدثٍ وزمان مجهول» (١).

ويلاحظ : أنّ المصدر ليست فيه دلالة وضعية على الزمان ، وإن كان يدلّ عليه التزاماً ؛ إذ لا بُدّ للحدث أن يقع في زمان ما ، هذا مع أنّ الدلالة على الزمان ليست من ذاتيات المعرَّف (المصدر) لتذكر في تعريفه.

وعرّفه الزمخشري (ت ٥٣٨ هـ) بقوله : «المصدر : هو الاسم الذي يشتقّ منه الفعل» (٢) ..

وقال الأردبيلي في شرحه : «فقوله : (الاسم) شامل لجميع الأسماء ، وقوله : (يشتقّ منه الفعل) يخرج غيره» (٣).

ويؤخذ على هذا التعريف أنّه : لم يبيّن ماهية المصدر الذي يشتقّ منه الفعل.

وعرّفه ابن الحاجب (ت ٦٤٦ هـ) بقوله : «المصدر : اسم الحدث الجاري على الفعل» (٤).

ولا ترد على هذا التعريف المؤاخذة التي سجّلناها على تعريف الزمخشري ، وقد تابعه عليه ابن هشام الأنصاري (ت ٧٦١ هـ) (٥) ، وقال

____________

(١) اللمع في العربية ، ابن جنّي ، تحقيق فائز فارس : ٤٨.

(٢) شرح الانموذج في النحو ، جمال الدين الأردبيلي ، تحقيق حسني عبـد الجليل يوسف : ١٢٤.

(٣) شرح الانموذج في النحو : ١٢٤.

(٤) أ ـ شرح الكافية ، الرضيّ ، تحقيق يوسف حسن عمر ٣ / ٣٩٩.

ب ـ الأمالي النحوية ، ابن الحاجب ، تحقيق هادي حسن حمودي ٣ / ٥١.

(٥) أ ـ شرح شذور الذهب ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبـد الحميد : ٣٨١.

ب ـ شرح قطر الندى وبلّ الصدى ، ابن هشام ، تحقيق محمّـد محيي الدين عبـدالحميد : ٢٩١.

٣٠٥

في شرحه : «واحترزت بقولي : (الجاري على الفعل) من اسم المصدر ؛ فإنّه وإن كان اسـماً دالاًّ على الحـدث ، لكنّه لا يجري على الفعل ، وذلك نحو قولك : (أعطيت عطاءً) ، فإنّ الذي يجري على أعطيت إنّما هو (إعطاء) ؛ لأنّه مستوفٍ لحروفه ، وكذا (اغتلستُ غُسلاً) ، بخلاف اغتسل اغتسالا» (١).

وممّا ذكره الرضيّ في شرح هذا التعريف : «يعني بـ(الحدث) معنىً قائماً بغيره ، سواء صدر عنه كالضرب والمشي ، أو لم يصدر كالطول والقِصَر.

و (الجري) في كلامهم يستعمل في أشياء ..

يقال : (هذا المصدر جارٍ على هذا الفعل) أي : أصل له ومأخذ اشتقّ [الفعل] منه ...

ويقال : (اسم الفاعل جارٍ على المضارع) أي : يوازنه في الحركات والسكنات.

ويقال : (الصفة جارية على شيء) أي : ذلك الشيء صاحبها ...

والأوْلى : صيانة الحدّ عن الألفاظ المبهمة ...

وقوله : (الجاري على الفعل) احتراز من [نحو] العالمية والقادرية» (٢) خط ، أي من المصادر الصناعية ؛ لأنّها ليست مصدراً لاشتقاق الفعل.

وممّا تقدّم يتّضح وجود فرق بين تفسير الرضيّ لقيد (الجري) في التعريف ، وبين تفسير ابن هشام له ، فالرضيّ فسّره بكون المصدر مأخذاً

____________

(١) شرح شذور الذهب ، ابن هشام ، تحقيق محمّـد محيي الدين عبـد الحميد : ٣٨٢.

(٢) شرح الكافية ، الرضيّ ٣ / ٣٩٩ ـ ٤٠٠.

٣٠٦

لاشتقاق الفعل ، محترزاً بذلك عن دخول المصدر الصناعي ، بينما يفسّره ابن هشام بمعنىً آخر غير المعاني الثلاثة التي ذكرها الرضي ، وهو : استيفاء المصدر لحروف فعله ، ويحترز به من دخول اسم المصدر.

وأمّا ابن مالك (ت ٦٧٢ هـ) فقد عرّف المصدر بأنّه : «الاسم الموضوع بأصالة الدالّ على المعنى الصادر من المحدِّث به ، أو القائم به ، أو الواقع عليه» (١) ..

وقال في شرحه : «تقييد وضع المصدر بالأصالة مخرج لاسم المصدر ، وهو ما وافق في المعنى مصدر غير الثلاثي كغُسلٍ وقُبْلةٍ وعَوْنٍ ؛ فإنّها أسماء مصادر ؛ لأنّها وافقت في الوزن الشكر والقدرة والصَّوْن ، لكنّ هذه مصادر ؛ لأنّ أفعالها ثلاثية ، والغُسل والقبلة والعون أسماء مصادر ؛ لأنّ أفعالها : اغتسل وقبّل وأعان ، ومصادرها : اغتسال وتقبيل وإعانة ، فوضع هذه مقـدّم بالرتبة على وضـعِ تلك ، فلهذا نسب وضع المصدر إلى الأصالة.

والدالّ على معنىً صادرٍ من المحدِّث به كـ : نطق ، والدالّ على معنىً قائمٍ به كـ : علم ، والدالّ على معنىً واقع عليه كـ : بخت وزكام ، ممّا لا يكون فعله مستنداً إلى فاعل ، بل واقعاً على مفعول» (٢).

وعرّفه الرضيّ (ت ٦٨٦ هـ) بأنّه : «اسم الحدث الذي يشتقّ منه الفعل» (٣) ..

فاستعمل عبارة : (يشتقّ منه الفعل) عوضاً عن : (يجري على

____________

(١) شرح عمدة الحافظ وعدّة اللافظ ، ابن مالك ، تحقيق عدنان الدوري : ٦٨٩.

(٢) شرح عمدة الحافظ وعدّة اللافظ : ٦٨٩ ـ ٦٩٠.

(٣) شرح الكافية ، الرضي ٣ / ٣٩٩.

٣٠٧

الفعل) ؛ صيانة للحدِّ من الألفاظ المبهمة ، نظراً إلى ما ذكره من أن الجري يستعمل في كلامهم في ثلاثة معان ، أحدها : اشتقاق الفعل من المصدر.

وعرّفه الفاكهي (ت ٩٧٣ هـ) بأنّه : «اسم دالّ بالأصالة على معنىً قائمٍ بفاعل ، أو صادرٍ عنه ، إمّا حقيقة أو مجازاً ، أو واقع على مفعول» (١).

وهو تعريف ابن مالك المتقدّم نفسه ، إلاّ أنّه أضاف إليه تقسيم المعنى الصادر من الفاعل إلى حقيقة ومجاز.

والذي أستحسنه : أن يقتصر في تعريف المصدر على أنّه : «اسم الحدث» ؛ لأنّ ما عدا ذلك كاشتقاق الفعل منه ، ونحو علاقته بالفاعل من القيام به أو الصدور عنه ، وغير ذلك ، ليس من ذاتيات المعرّف التي لا بُدّ من ذكرها في متن التعريف ، فينبغي إرجاء ذكرها إلى بيان التفاصيل المتعلّقة به.

* * *

٣٠٨

من ذخائر التّراث

٣٠٩
٣١٠

٣١١
٣١٢

مقـدّمة التحـقيق :

بسـم الله الرحمن الرحـيم

الحمد لله الّذي هدانا بلطفه للاِيمان ، وأوضح لنا سبل البرهان ، وعرّفنا دينه القويم وكتابه ، وما أنزله على نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، والحمد لله الّذي جعلنا من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنين ، وعترته الأنوار الباهرة الطاهرين ، صلوات الله عليهم أجمعين ، ورزقنا البراءة من أعدائهم بالحجج الدامغة إلى قيام يوم الدين.

أمّا بـعد ..

فالشريعة الاِسلامية هي خاتمة لكلّ الشرائع السابقة ومهيمنة عليها ، وهي الرسالة الجامـعة لكلّ الرسالات السابقة ؛ فقد أعادت البشرية إلى الهدى بعد الضلال ، وإلى النور بعد الظلام ، ووضّحت لهم المنهج التكاملي الصحيح وطريق السعادة الكبرى ، واجتثّت رواسب الشرك والوثنية من عقول الجاهلية التي كانت تلهث وراء عبادة الأصنام والأوثان من دون أي تدبّر وتفكّر في أنّها جمادات لا تغن ولا تسمن.

٣١٣

فوقف صاحب هذه الرسالة الخاتمة أمام هؤلاء ليواجههم بأساليب جديدة للمعالجة ووسائل ناجحة ومتميّزة ، وإعدادهم لمقارعة تلك المفاهيم والتوجّهات الجاهلية ، فنجح في ذلك كلّه وأرسى دعائم الرسالة وقيمها السامية ، فارتقى بهم إلى مدارج الكمال وحوّلهم إلى خير أُمّة أُخرجت للناس فجعلهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ..

وقبل أن يلتحق الرسول صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى وضّح للأُمّة المنهج الذي تنتهجه بعده ، والخليفة المؤهّل الذي سيكون بعده صلى الله عليه وآله قائداً مقتدراً لهذه الأُمّة ليوصلها إلى شاطىَ النجاة ، ولم يتركها هملاً بدون هادٍ ومرشـد ؛ إذ كان متيقّناً من وجود مَن سيخالفه ، من خلال ظهور بوادر هذا الخلاف في حياته صلى الله عليه وآله ..

فهذا خالد بن الوليد أرسله داعياً لبني جذيمة ولم يرسله مقاتلاً ولكنّ خالد وضع السيف فيهم ليأخذ بثأر عمّه بن المغيرة عندما قتلوه في الجاهليّة ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً عليه السلام ليعطي الدية لهم.

وهذا عمر بن الخطّاب يعترض على النبيّ صلى الله عليه وآله في صلح الحديبية ، كما خالف هو مع أبي بكر رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يطيعاه عندما أمرهما بقتل الرجل المارق الذي كان يصلّي ، كما أنّهما هربا أكثر من مرّة من الزحف ، وخير مصداق لذلك هو تخلّفهما عن جيش أُسامة ، بل طعنوا حتّى في إمرته.

وأبرز خلاف ظهر بشكل علني بين المسلمين هو قبيل رحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ، وهو الذي بدأه عمر بن الخطّاب حينما طلب النبيّ صلى الله عليه وآله من الحاضرين أن يأتوه بدواة وكتف ليكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده أبداً ، فقال عمر : إنّ الرجل ليهجر حسبنا كتاب الله.

٣١٤

وافترق المسلمون فرقتين ، إحداهما امتثلت قول عمر ، والأُخرى قالت بوجوب تنفيذ طلبه صلى الله عليه آله ، فكثر اللغط والاختلاف حتّى قال صلى الله عليه وآله : «قوموا عنّي ، لا ينبغي التنازع عندي».

فخـرج ابن عبّـاس يقـول : إنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين كتابه (١).

وغير ذلك من المخالفات منهما ومن بعض الصحابة.

لكن مع كلّ هذا نجد أنّه صلى الله عليه وآله كان واقفاً على خطورة الموقف ، وعظم مقام القيادة ؛ إذ كان يعرِّف للأُمّة إمامها وقائدها والقائم بأعباء الخلافة والاِمامة من بعده حيناً بعد آخر ، وبأساليب متعدّدة مختلفة ..

فتارة يشبّهه بهارون عليه السلام (٢).

وأُخرى يجعله وأولاده : أحد الثقلين والعِدْل للقرآن (٣).

وثالثة بأنّهم كسفينة نوح (٤).

إلى غير ذلك من النصوص الجليّة والواضحة التي تؤكّد وتشير إلى حقيقة أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم يترك خلافة وإمامة الأُمّة سـدىً ، ولم يفوّضها إلى شورى الأُمّة ومفاوضاتها أو منافساتها ، أو إلى بيعة شخص معيّن ، بل عالجها في حياته بأنجح الطرق وأفضلها ، وبأحسن الأساليب ..

____________

(١) الطبقات ـ لابن سعد ـ ٢ / ٢٤٤ ، صحيح البخاري ١ / ٣٩ كتاب العلم ـ باب ٣٩ ، صحيح مسلم ٣ / ١٢٥٩ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٢٢.

(٢) المعجـم الكبير ـ للطبراني ـ ٤ / ١٨٤ ح ٤٠٨٧ ، حلية الأولياء ٧ / ١٩٦ ، المناقب ـ للمغازلي ـ : ٢٧ ـ ٣٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٠٠ ح ٨٤٤٨.

(٣) مسند أحمد ٣ / ١٤ ، المسترشد : ٥٥٩ ، المستدرك على الصحيحين ـ للحاكم ـ ٣ / ١٠٩ ، المناقب ـ للمغازلي ـ : ٢٣٤.

(٤) العمدة ـ لابن البطريق ـ : ٣٥٨ ح ٦٩٣ ـ ٦٩٧ ، تاريخ بغداد ١٢ / ٩١ ، المستدرك على الصحيحين ـ للحاكم ـ ٣ / ١٥٠ ، الصواعق المحرقة : ٢٣٤.

٣١٥

فأوصى بها صلى الله عليه وآله بأمر الله عزّ وجلّ إلى الأئمّة الأطهار : من ولده ، الّذين هم حجج الله في أرضه وحكمهم كحكمه تعالى ، فوجبت طاعتهم بنصّ الكتاب العزيز : (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم) (١) ، وأوجب العمل بأوامرهم.

ولقد استفاضت الأدلّة لاِثبات أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم يترك الأُمّة بدون هادٍ ومرشد من أوّل دعوته ، ابتداءً بحديث الدار أو إنذار العشيرة (٢) ، وختاماً بآية الاِبلاغ وإكمال الدين (٣) ، أو بحديث الدواة والكتف وكتابة الكتاب لهم (٤).

وهذه الرسالة التي بين يدي القارىَ العزيز هي للسـيّد صلاح بن إبراهيم بن تاج الدين أحمد بن يحيى الحسني الزيدي ، يورد فيها بعض هذه الأدلّة المثبتة لاِمامة وخلافة عليٍّ صلى الله عليه وآله بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بلا فصل ، ومن بعده الأئمّة الأطهار :.

المؤلّف في سـطور :

هو السـيّد صلاح بن إبراهيم بن تاج الدين أحمد بن محمّد بن أحمد ابن يحيى بن يحيى الحسني الزيدي ، من علماء الزيديّة ..

____________

(١) سورة النساء ٤ : ٥٩.

(٢) الأمالي ـ للشيخ الصدوق ـ : ٣٤١ ح ٤٠٨ ، مسند أحمد ١ / ١١١ ، تفسير الطبري ١٩ / ٧٤ ، شواهد التنزيل ١ / ٤٢٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٨ ح ٨٣٨١ ، كفاية الطالب : ٢٠٤.

(٣) سورة المائدة ٥ : ٣ و ٦٧؛ وراجع تفسير هاتين الآيتين ، وكذلك الكتب التي تروي واقعة الغدير في يوم حجّة الوداع.

(٤) صحيح البخاري ١ / ٣٩ باب كتابة الصلح ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٢٢ ، تذكرة الخواصّ : ٦٥ ، الطبقات ـ لابن سعد ـ ٢ / ٢٤٤.

٣١٦

ذكر محمّـد بن زبارة الحسني اليمني في كتابه المسمّى : ملحق البدر الطالع من بعد القرن السابع قائلاً : إنّ صلاح بن إبراهيم بن تاج الدين بن يحيى الحسني روى عن : الاِمام المتوكّل على الله المطهّر بن يحيى ، والقاضي ابن يحيى صاحب شعلل ، والأمير الهادي بن تاج الدين ، والسـيّد علي بن المرتضى ... وغيرهم.

وكان علاّمة كبيراً ، ونحريراً خطيراً ، وله رسائل ومسائل ، وهو متمّم شفاء الأمير الحسين بن محمّـد ، وسكن الشرف الأعلى ، وقد أثنى عليه الاِمام المهدي محمّـد بن المهدي في رسالة له سنة ٧٠٢ ، ومات صاحب الترجمة في أوّل القرن الثامن رحمه الله تعالى (١).

أقـول :

لا بأس بالوقوف هُنيهة للتنبيه على مسألة مهمّة جدّاً ، وهي : توضيح الفرق بين الزيدية والشهيد زيد بن علي عليه السلام.

الشيعة الاثنا عشرية ترى وتعتقد في زيد غير ما تعتقد به الزيدية ، فالزيـدية تعتقد : إنّ كلّ مَن قام بالسـيف من ذرّية عليّ عليه السلام فهو إمام مفترض الطاعة ، وعلى هذا سيكون زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب : هو الاِمام من بعد أبيه ؛ لأنّه نهض بالسيف وقاتل واستُشهد عليه السلام.

أمّا نحن فنعتقد أنّ زيداً نهض بالسيف ليؤدّي واجبه الشرعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والطلب بدم جدّه الاِمام الحسين عليه السلام ، فقتل شهيداً مظلوماً ، ولم يدّعي الاِمامة لنفسه بل كان أعرف الناس بمقام

____________

(١) البدر الطالع ـ للشوكاني ـ (ملحق البدر الطالع ٢) : ١٠٣ ح ١٧٨.

٣١٧

أخيه الاِمام الباقر وعمّه الاِمام الصادق عليه السلام.

وقد ذكر الشيخ المفـيد ذلك في كتابه الاِرشاد قائلاً : وكان زيد بن علي بن الحسين عين إخوته بعد أبي جعفر عليه السلام وأفضلهم ، وكان عابداً ورعاً فقيهاً سخيّاً شجاعاً ، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المـنكر ، ويطالب بثارات الحسـين عليه السلام ، واعتقد فيه كثير من الشيعة الاِمامـة ، وكان سـبب اعتقادهـم ذلك فـيه خروجـه بالسـيف يدعو إلى الرضا مـن آل محمّـد فظنّـوه يريـد بذلك نفسه ، ولم يكن يُريدُها به لمعرفـته عليه السلام باستحـقاق أخيه للاِمامـة من قبله ، ووصـيّته عند وفاته إلى أبي عبـد الله عليه السلام (١).

النسـخة المخطوطة المعتمدة في التحقيق :

في بداية عملي اعتمدت النسخة التي استنسخها السـيّد حسين الحسيني الشيرازي ، في الثالث عشر من شهر شوّال المكرّم لسنة ألف وأربعمائة وخمس هجرية ، المحفوظة في مكتبة مركز إحياء التراث الاِسلامي في مدينة قم المقدّسة ، برقم ٤٧٦.

ثمّ لاحظت فيها ـ أثناء العمل ـ بعض الأخطاء ، ووجدت بياضات بدل بعض الكلمات التي لم تستنسـخ ، فرجعت إلى النسخة المخطوطة نفسها ، المحفوظة في مكتبة السـيّد شهاب الدين المرعشي النجفي العامّة في مدينة قم ، برقم ٨٤٠ ..

وهي مصوّرة لنسخة محفوظة في مكتبة الجامع الكبير في صنعاء باليمن ، برقم ٢ / ٧٢٢ فهرست مخطوطات الجامع الكبير.

____________

(١) الاِرشاد ـ للشيخ المفيد ـ ٢ / ١٧١ وص ١٧٢.

٣١٨

تقع في ٢٤ صفحة ، تبدأ من صفحة ١٧٦ ـ ١٩٩ ، وكلّ صفحة تحتوي على ١٩ سطراً.

وفي هذه النسخة المصوّرة واجهت بعض الصعوبات أيضاً ؛ لوجود كثرة السواد وعدم التنقيط في الأغلب ، ولكن بعد التوكّل على الله تعالى والرجوع إلى المصادر التي في متناول أيدينا تغلّبت على كثير منها.

منهجية التحقيـق :

١ ـ تقطيع النصّ وتقويمه.

٢ ـ تخريج الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة.

٣ ـ توضيح وشرح بعض النصوص.

٤ ـ توضيح بعض المفردات اللغوية.

٥ ـ ما أضفناه للضرورة جعلناه بين معقوفين.

السـيّد شـهيد الخطيب

٢٠ محرّم الحرام سنة ١٤٢٤ هـ

 

٣١٩

٣٢٠