تراثنا ـ العددان [ 53 و 54 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 53 و 54 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٦

الدجال ويأجوج ومأجوج وما أشبه ذلك إشارة إلى ظهور الشر ، فهذه أقوال فاسدة ، بل باطلة في الحقيقة ، لا ينبغي أن تذكر ، فأهلها قد حادوا عن الصواب ، وقالوا أمرا منكرا وأمرا خطيرا لا وجه له في الشرع ، ولا وجه له في الأثر ولا في النظر.

قال : والواجب تلقي ما قاله الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقبول ، والإيمان التام به والتسليم ، فمتى صح الخبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يجوز لأحد أن يعارضه برأيه واجتهاده ، بل يجب التسليم كما قال الله عزوجل : (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (١) وقد أخبر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا الأمر عن الدجال ، وعن المهدي ، وعن عيسى بن مريم ، ووجب تلقي ما قاله بالقبول والإيمان بذلك ، والحذر من تحكيم الرأي والتقليد الأعمى الذي يضر صاحبه ولا ينفعه لا في الدنيا ولا في الآخرة (٢).

ولا يسع المقام لاستقصاء كلام الأئمة والعلماء في تواتر أحاديث المهدي المنتظر عليه الصلاة والسلام ، والتحذير من إنكار شأنه ، لكن في ما حكينا لك مقنع وكفاية إن شاء الله تعالى ، والله الهادي إلى سواء السبيل.

* * *

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٦٥.

(٢) مجلة الجامعة الإسلامية ـ المطبوعة ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه‌السلام عند أهل السنة ٢ / ٤٣٥ ـ ، العدد الثالث من السنة الأولى ، ذو القعدة ١٣٨٨ ه.

٨١

الباب الثالث

في ذكر طرف من الوجوه الفارقة بين

المهدي المنتظر وبين المسيح بن مريم

عليهما الصلاة والسلام

إعلم ـ رحمك الله ـ أن هذا الباب هو المقصود بالأصالة ، والداعي إلى جمع هذه الرسالة ، وأن ما تقدم إنما هو كالتمهيد له ، فنقول وبالله نستعين :

قد مر عليك آنفا قول العلامة السفاريني : إن الصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى.

إذا تقرر هذا فاعلم : أن المتأمل في الأحاديث النبوية ، والآثار المروية تظهر له فروق شتى بين خروج المهدي المنتظر آخر الزمان ، وبين المسيح عيسى بن مريم صلى الله على نبينا وآله وعليه وسلم.

١ ـ فمنها : ما ورد في الأحاديث المستفيضة من كون المهدي من هذه الأمة ، وأنه من ولد فاطمة عليها الصلاة والسلام ، وأنه من ذرية الحسين السبط الشهيد عليه‌السلام.

ولا ريب أن ابن مريم عليه‌السلام ليس من هذه الأمة المرحومة ، بل هو من أنبياء بني إسرائيل ، ولا هو من ولد فاطمة صلوات الله وسلامه عليه وعليها ، بل هو ابن مريم العذراء ، ليس له أب فضلا عن كونه من ذرية الحسين عليه الصلاة والسلام ، وهذا مما أطبق عليه بنو آدم أبد الآبدين ، وهو من أعظم

٨٢

الفوارق وأبينها.

قال : الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات : قد تضافرت الأحاديث البالغة حد التواتر في كون المهدي من أهل البيت من أولاد فاطمة. انتهى.

قلت :

ويدل على ذلك : ما أخرجه عبد الرزاق في المصنف عن أبي سعيد الخدري ، قال : ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم ، فيبعث الله رجلا من عترتي من أهل بيتي فيملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ... الحديث (١).

وأخرج ابن ماجة عن أبي سعيد أيضا ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «يكون في أمتي المهدي» (٢).

وأخرج أيضا عن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «المهدي منا أهل البيت ، يصلحه الله في ليلة» (٣).

ورواه أحمد وابن أبي شيبة ونعيم بن حماد في الفتن (٤).

وأخرج أيضا عن عبد الله بن مسعود ، قال : بينما نحن عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أقبل فتية من بني هاشم ، فلما رآهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «اغرورقت عيناه وتغير لونه ، قال : فقلت : ما نزال نرى في وجهك شيئا

__________________

(١) المصنف ١١ / ٣٧١ ـ ٣٧٢ ح ٢٠٧٧٠.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ / ١٣٦٦ ح ٤٠٨٣.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ / ١٣٦٧ ح ٤٠٨٥.

(٤) الفتن : ٢٥٤ ح ٩٩٦ ، مسند أحمد بن حنبل ١ / ٨٤ ، المصنف لابن أبي شيبة ١٥ / ١٩٧ ح ١٩٤٩٠.

٨٣

نكرهه! فقال : «إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود ، فيسألون الخير فلا يعطونه ، فيقاتلون فينصرون ، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطا كما ملؤوها جورا» (١).

وأخرج أيضا عن سعيد بن المسيب ، قال : كنا عند أم سلمة فتذاكرنا المهدي ، فقالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «المهدي من ولد فاطمة» (٢).

وفي لفظ أبي داود : «المهدي من عترتي من ولد فاطمة» (٣).

وأخرج أبو نعيم وابن ماجة ، عن أنس بن مالك ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «نحن سبعة من ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة ، أنا ، وحمزة ، وعلي ، وجعفر ، والحسن ، والحسين ، والمهدي» (٤).

وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود عن علي عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا» (٥).

وفي حديث عن ابن مسعود : «لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا مني ، أو : من أهل بيتي ..» الحديث (٦).

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ / ١٣٦٦ ح ٤٠٨٢.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ / ١٣٦٨ ح ٤٠٨٦.

(٣) سنن أبي داود ٤ / ١٠٧.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ / ٢٤.

(٥) سنن أبي داود ٤ / ١٠٧ ، المصنف لابن أبي شيبة ٨ / ٦٧٨ ح ١٩٤.

(٦) سنن أبي داود ٤ / ١٠٦.

٨٤

وأخرج أبو داود عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «المهدي مني ، أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، يملك سبع سنين» (١).

أخرج أحمد وأبو داود والترمذي ، عن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» (٢).

قال الترمذي : وفي الباب عن علي ، وأبي سعيد ، وأم سلمة ، وأبي هريرة ، وهذا حديث حسن صحيح.

وأخرج الترمذي عن ابن مسعود أيضا ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : «يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» (٣).

وأخرج أيضا عن أبي سعيد ، قال : خشينا أن يكون بعد نبينا حدث ، فسألنا نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «إن في أمتي المهدي ..» الحديث (٤).

وأخرج البخاري عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟!» (٥).

وأخرج نور الدين الهيثمي في موارد الظمآن عن أبي هريرة أيضا ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لملك فيها رجل

__________________

(١) سنن أبي داود ٤ / ١٠٧.

(٢) مسند أحمد ١ / ٣٧٧ وص ٤٣٠ ، سنن أبي داود ٤ / ١٠٧ ، سنن الترمذي ٤ / ٤٣٨ ح ٢٢٣٠ باب ما جاء في المهدي.

(٣) سنن الترمذي ٤ / ٤٣٨ ح ٢٢٣١ باب ما جاء في المهدي.

(٤) سنن الترمذي ٤ / ٤٣٩ ح ٢٢٣٢.

(٥) صحيح البخاري ٤ / ٣٢٥ ح ٢٤٥.

٨٥

من أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١).

وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود وأبو يعلى والطبراني ، عن أم سلمة ، قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يكون اختلاف عند موت خليفة ، يخرج رجل من قريش من أهل المدينة إلى مكة ، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام ، فيبتعثون إليه جيشا من أهل الشام ، فإذا كانوا بالبيداء خسف بهم ، فإذا بلغ الناس ذلك أتاه أهل الشام وعصائب من أهل العراق فيبايعونه ، وينشأ رجل من قريش أخواله من كلب فيبتعثون إليهم جيشا فيهزمونهم ويظهرون عليهم فيقسم بين الناس فيؤهم ، ويعمل فيهم بسنة نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض ، يمكث سبع سنين» (٢).

وأخرج أحمد والباوردي في المعرفة ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أبشركم بالمهدي ، رجل من قريش [من عترتي] (٣) يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل ، فيملأ الأرض قسطا كما ملئت جورا وظلما ، ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ..» الحديث (٤).

وأخرج الطبراني في الأوسط من طريق عمر بن علي ، عن علي بن

__________________

(١) موارد الظمآن : ٤٦٣ ـ باب ما جاء في المهدي.

(٢) سنن أبي داود ٤ / ١٠٧ ـ ١٠٨ ، مسند أحمد ٦ / ٣١٦ ، المصنف ١١ / ٣٧٦ ح ٢٠٧٦٩ ، مسند أبي يعلى ١٢ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ح ٦٩٤٠ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٢٣ / ٣٩ ح ٩٣١.

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه من العرف الوردي في أخبار المهدي ، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي.

(٤) العرف الوردي في أخبار المهدي ، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي ٢ / ٥٨.

٨٦

أبي طالب عليه‌السلام أنه قال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أمنا المهدي أم من غيرنا يا رسول الله؟ قال : «بل منا ، بنا يختم الله كما بنا فتح ، وبنا يستنقذون من الشرك ..» الحديث (١).

وأخرج نعيم بن حماد وأبو نعيم من طريق مكحول ، عن علي عليه‌السلام ، قال : قلت : يا رسول الله! أمنا آل محمد المهدي أم من غيرنا؟ فقال : «لا ، بل منا ..» الحديث (٢).

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن سيرين ، قال : «المهدي من هذه الأمة ، وهو الذي يؤم عيسى بن مريم عليه‌السلام» (٣).

وأخرج نعيم بن حماد عن قتادة ، قال : قلت لسعيد بن المسيب : المهدي حق هو؟ قال : نعم. قلت : ممن هو؟ قال : من ولد فاطمة (٤).

وأخرج أيضا عن علي عليه‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : «المهدي رجل من عترتي ، يقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحي» (٥).

وبالجملة : فقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه من أهل بيته ، وأنه يملأ الأرض عدلا كما صرح بن الشبلنجي في نور الأبصار (٦).

__________________

(١) المعجم الأوسط ١ / ٩٧ ـ ٩٨ ح ١٥٧.

(٢) كتاب الفتن : ٢٢٩ ، وانظر : العرف الوردي في أخبار المهدي ، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي ٢ / ٦٢.

(٣) المصنف ـ لابن أبي شيبة ـ ٨ / ٦٧٩ ح ١٥٩.

(٤) كتاب الفتن : ٢٢٨.

(٥) كتاب الفتن : ٢٢٩.

(٦) نور الأبصار : ١٨٧ ـ ١٨٨ ، وانظر : موسوعة الإمام المهدي عليه‌السلام عند أهل السنة ٢ / ٤٧.

٨٧

وقال القنوجي في الإذاعة : قال بعض حفاظ الأمة وأعيان الأئمة : إن كون المهدي من ذريته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما تواتر عنه ، فلا يسوغ العدول والالتفات إلى غيره (١).

٢ ـ ومنها : ما ورد في حليتهما ، فإن بينهما في ذلك اختلافا بينا.

أخرج عبد الرزاق في المصنف وأبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «المهدي مني ، أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، يملك سبع سنين» (٢).

وأخرج أبو داود ـ كما في جامع الأصول لابن الجزري ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ليس بيني وبينه ـ يعني عيسى عليه‌السلام ـ نبي ، وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه ، فإنه رجل مربوع ، إلى الحمرة والبياض ، ينزل بين ممصرتين ، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل ..» الحديث (٣).

وأخرج الحموئي في فرائد السمطين بإسناده عن أبي أمامة الباهلي ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : المهدي من ولدي ، ابن أربعين سنة ، كأن وجهه كوكب دري ، في خده خال أسود ، عليه عباءتان قطوانيتان ، كأنه من رجال بني إسرائيل ، يستخرج الكنوز ، ويفتح مدائن الشرك " (٤).

وروى نحوه نعيم بن حماد عن عبد الله بن الحارث (٥).

__________________

(١) الإذاعة لما كان وما يكون : ١٤٧.

(٢) المصنف ـ لابن عبد الرزاق ـ ١١ / ٣٧٢ ح ٢٠٧٧٣ ، سنن أبي داود ٤ / ١٠٧.

(٣) سنن أبي داود ٤ / ١١٥ ح ٤٣٢٤.

(٤) فرائد السمطين ٢ / ٣١٤.

(٥) أنظر : كتاب الفتن : ٢٢٥.

٨٨

وأخرج في فرائد السمطين أيضا عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : «المهدي منا أهل البيت ، رجل من أمتي ، أشم الأنف ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا» (١).

ورواه أبو نعيم (٢).

وأخرج أبو نعيم عن عبد الرحمن بن عوف ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ليبعثن الله من عترتي رجلا أفرق الثنايا ، أعلى الجبهة ، يملأ الأرض عدلا ، يفيض المال فيضا» (٣).

وأخرج الروياني في مسنده وأبو نعيم عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «المهدي رجل من ولدي ، لونه لون عربي ، وجسمه جسم إسرائيلي ، على خده الأيمن خال ، كأنه كوكب دري ..» الحديث (٤).

وأخرج أبو عمرو الداني في سننه عن حذيفة أيضا ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يلتفت المهدي وقد نزل عيسى بن مريم كأنما يقطر من شعره الماء ، فيقول المهدي : تقدم صل بنا ..» الحديث (٥).

وفي اللوائح للسفاريني عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، قال : سئل أمير المؤمنين علي عليه‌السلام عن صفة المهدي ، قال : «هو شاب مربوع ، حسن

__________________

(١) فرائد السمطين ٢ / ٣٣٠.

(٢) كتاب الفتن : ٢٣٢ ، وانظر : العرف الوردي في أخبار المهدي ، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي ٢ / ٥٨.

(٣) أنظر : العرف الوردي في أخبار المهدي المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي ٢ / ٦٣.

(٤) أنظر : العرف الوردي في أخبار المهدي ، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي ٢ / ٦٦ ، موسوعة الإمام المهدي عليه‌السلام عند أهل السنة ١ / ٣٦٨.

(٥) كتاب الفتن : ٣٤٨ وص ٣٥٢ ، العرف الوردي في أخبار المهدي ، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي ٢ / ٨١ ، موسوعة الإمام المهدي عليه‌السلام عند أهل السنة ١ / ٣٨٩.

٨٩

الوجه ، يسيل شعره على منكبه ، يعلو نور وجهه ، سواد شعره ولحيته ورأسه».

قال : وفي رواية أخرى عن علي عليه‌السلام : «أن المهدي كث اللحية ، أكحل العينين ، براق الثنايا ، في وجهه خال ، أقنى ، أجلى ، في كتفه علامة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

قال : وفي بعض الروايات : «المهدي أزج ، أبلج ، أعين» (١).

٣ ـ ومنها : افتراقهما ـ عليهما الصلاة والسلام ـ في الاسم والكنية واللقب.

فالمهدي عليه‌السلام اسمه : (محمد) وكنيته : (أبو القاسم) على المشهور.

وقيل : اسمه أحمد ، وكنيته : أبو عبد الله ، وليس بشئ.

والمسيح بن مريم عليه‌السلام اسمه : (عيسى).

ولقب المهدي : الحجة ، والمنتظر ، والقائم ، والموعود ، وغير ذلك.

ولقب عيسى : المسيح ، وروح الله ، وكلمته.

وأخرج أحمد وأبو داود الترمذي عن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» (٢).

قال الترمذي : حديث حسن صحيح.

__________________

(١) لوائح الأنوار البهية وسواطع الأسرار الإلهية ، المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه‌السلام عند أهل السنة ٢ / ١٢.

(٢) مسند أحمد ١ / ٣٧٧ وص ٤٣٠ ، سنن أبي داود ٤ / ١٠٧ ، سنن الترمذي ٤ / ٤٣٨ ح ٢٢٣٠ ، العرف الوردي في أخبار المهدي ، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي ٢ / ٥٨ ـ ٥٩.

٩٠

وكذلك أخرج الطبراني في المعجم الكبير أحاديث كثيرة في ذلك بألفاظ مختلفة (١).

وأخرج نعيم بن حماد ، عن ابن مسعود أيضا ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : اسم المهدي (محمد) (٢).

وأخرج أبو داود عن علي عليه‌السلام أنه نظر إلى ابنه الحسن فقال : إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسيخرج من صلبه (٣) رجل يسمى باسم نبيكم ، يشبهه في الخلق ، ولا يشبهه في الخلق (٤).

٤ ـ ومنها : أن مع المهدي عليه الصلاة والسلام راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المعلمة ـ كما أخرجه نعيم بن حماد عن عبد الله بن شريك (٥) ـ مكتوب عليها : «البيعة لله» ـ كما أخرجه نعيم عن ابن سيرين (٦) ـ وكذلك أشياء أخر.

فقد أخرج نعيم بن حماد أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : يظهر المهدي بمكة عند العشاء ، ومعه راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقميصه ، وسيفه ،

__________________

(١) المعجم الكبير ١٠ / ١٣٣ ـ ١٣٧ ح ١٠٢١٣ ـ ١٠٢٣٠.

(٢) كتاب الفتن : ٢٢٧ ، وانظر : العرف الوردي في أخبار المهدي ، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي ٢ / ٧٣.

(٣) قد حققنا في رسالة مفردة كون المهدي المنتظر عليه‌السلام من ذرية الحسين السبط الشهيد عليه‌السلام دون الحسن السبط عليه‌السلام ، والمقصود من إيراد هذا الحديث هنا الدلالة على حقية خروج المهدي عليه‌السلام فحسب ، فليعلم ذلك.

(٤) سنن أبي داود ٤ / ١٠٨.

(٥) كتاب الفتن : ٢٢٠ ، وفيه «المغلبة» بدل «المعلمة» ، العرف الوردي في أخبار المهدي ، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي ٢ / ٧٥.

(٦) كتاب الفتن : ٢٢٠ ، العرف الوردي في أخبار المهدي ، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي ٢ / ٧٥.

٩١

وعلامات ، ونور ، وبيان ... إلى آخره (١).

وقد جاء في أحاديث أن صاحب راية المهدي رجل يقال له : «شعيب بن صالح التميمي» (٢).

وظاهر أنه ليس لعيسى عليه‌السلام شئ من ذلك.

٥ ـ ومنها : ما رواه الحفاظ من أن عدد أصحاب المهدي عليه الصلاة والسلام عدة أهل بدر.

أخرج الطبراني في المعجم الأوسط والحاكم عن أم سلمة ، قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يبايع لرجل بين الركن والمقام عدة أهل بدر ..» الحديث (٣).

ومعلوم أن عيسى بن مريم عليهما‌السلام لا ينزل من السماء بهذا العدد ، ولا تجتمع معه تلك العدة ، بل ينزل بعد خروج المهدي عليه الصلاة والسلام متبعا إياه.

٦ ـ ومنها : ما تواتر من خروج الدجال والسفياني قبل ظهور المهدي المنتظر عليه‌السلام (٤) ، وما ورد من خروج القحطاني بعده (٥).

٧ ـ ومنها : مساعدة عيسى على قتل الدجال بباب (لد) كما صرح به

__________________

(١) كتاب الفتن : ٢١٣ ، العرف الوردي في أخبار المهدي ، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي ٢ / ٧١.

(٢) كتاب الفتن : ١٩٠ ، العرف الوردي في أخبار المهدي ، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي ٢ / ٦٩.

(٣) المعجم الأوسط ٩ / ٢٨٨ ح ٩٤٥٩ ، المستدرك على الصحيحين ٤ / ٤٣١.

(٤) البدء والتاريخ ـ للبلخي ـ ١ / ١٨٦ ، العرف الوردي في أخبار المهدي المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي ٢ / ٧١ وص ٧٥.

(٥) كتاب الفتن : ٢٤٧ ، البدء والتاريخ ـ للبلخي ـ ١ / ١٨٤.

٩٢

الآبري والشبلنجي في نور الأبصار بتواتره (١).

٨ ـ ومنها : ما روي مستفيضا من موت المهدي عليه‌السلام ببيت المقدس بعد انقضاء مدة ملكه ، وصلاة عيسى بن مريم والمسلمين عليه.

٩ ـ ومنها : ما روي من خروج المهدي عليه‌السلام ومبايعته بين الركن والمقام (٢).

أخرج أبو داود في سننه عن أم سلمة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : «يكون اختلاف عند موت خليفة ، فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة ، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره ، فيبايعونه بين الركن والمقام ، ويبعث إليه بعث من الشام ، فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة ، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام ، وعصائب أهل العراق ، فيبايعونه بين الركن والمقام ..» الحديث (٣).

وأخرج نعيم بن حماد عن أبي هريرة ، قال : يبايع المهدي بين الركن والمقام ، لا يوقظ نائما ولا يهريق دما (٤).

وأما المسيح عيسى بن مريم عليه‌السلام فإنه ينزل من السماء بعد ظهور المهدي ووقوع البيعة له.

وقد دلت السنة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على نزول عيسى بن مريم عليهما‌السلام على المنارة البيضاء شرقي دمشق ، وحكمه بكتاب الله تعالى ، وقتله اليهود

__________________

(١) نور الأبصار : ١٨٩ ، وانظر : كتاب الفتن : ٣٤١ ـ ٣٤٢ ، صحيح مسلم ٨ / ١٩٨.

(٢) أنظر : العرف الوردي في أخبار المهدي ، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي ٢ / ٥٩ وص ٦١.

(٣) سنن أبي داود ٤ / ١٠٧.

(٤) أنظر : العرف الوردي في أخبار المهدي المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي ٢ / ٧٦.

٩٣

والنصارى ، وإهلاك أهل الملل في زمانه ـ كما قال ابن قيم الجوزية في المنار المنيف (١) ـ.

وأخرج الطبراني في الكبير عن أوس بن أوس : ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ـ كما في الجامع الصغير للحافظ السيوطي (٢) ـ.

وأخرج مسلم في صحيحه من حديث النواس بن سمعان ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ينزل ـ يعني المسيح بن مريم عليه‌السلام ـ عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين ..» الحديث (٣).

١٠ ـ ومنها : أن عيسى بن مريم عليه‌السلام يقتدي بالمهدي عليه‌السلام في الصلاة ، فيكون المهدي إماما وعيسى مأموما.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : تواترت الأخبار بأن المهدي من هذه الأمة ، وأن عيسى بن مريم سينزل ويصلي خلفه (٤).

ويدل على ذلك أيضا :

ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟!» (٥).

وأخرج أبو نعيم ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «منا الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه» (٦).

__________________

(١) المنار المنيف : ١٤٨.

(٢) المعجم الكبير ١ / ٢١٧ ح ٥٩٠ ، الجامع الصغير : ٥٩٠ ح ١٠٠٢٣.

(٣) صحيح مسلم ـ كتاب الفتن وأشراط الساعة ـ باب ذكر الدجال ٨ / ١٩٧ ـ ١٩٨.

(٤) فتح الباري ٦ / ٦١١ باب نزول عيسى بن مريم عليهما‌السلام.

(٥) صحيح البخاري ٤ / ٣٢٥ ح ٢٤٥.

(٦) العرف الوردي في أخبار المهدي ، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي ٢ / ٦٤.

٩٤

وفي صحيح ابن حبان من حديث عطية بن عامر نحوه (١).

وأخرج مسلم وأبو نعيم أيضا ـ واللفظ له ـ عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي : تعال صل بنا ، فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمراء ، تكرمة الله لهذه الأمة» (٢).

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن سيرين ، قال : المهدي ينزل عليه ابن مريم ، ويصلي خلفه عيسى (٣).

وأخرج نعيم بن حماد ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : المهدي ينزل عليه ابن مريم ويصلي خلفه عيسى (٤).

تلك عشرة كاملة من وجوه الفرق بين المهدي المنتظر والمسيح بن مريم عليهما الصلاة والسلام ، وقد تستنبط وجوه أخرى بالتأمل في ما ورد من الأحاديث في هذا الباب ، لا تكاد تخفى على أولي الألباب.

وفي ما أثبتناه هنا غنية وحجة لمن آتاه الله الحكمة والهداية ، وجنبه سبل الضلالة والغواية ، إنه خير هاد ومعين.

__________________

(١) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٨ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤ رقم ٦٧٦٤.

(٢) صحيح مسلم ١ / ٩٥ ، جامع الأصول ١٠ / ٣٢٩ ـ ٣٣٠ ح ٧٨٣٢.

(٣) المصنف ـ لابن أبي شيبة ـ ٨ / ٦٧٩ ، وفيه : «المهدي من هذه الأمة وهو الذي يؤم الناس».

(٤) العرف الوردي في أخبار المهدي ، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي ٢ / ٧٨.

٩٥

«تنبيه»

قال ابن حجر المكي في الصواعق المحرقة ـ بعد حكاية كلام الشيخ أبي الحسين الآجري في صلاة المهدي بعيسى بن مريم ، المذكور آنفا ـ : وما ذكره من أن المهدي يصلي بعيسى هو الذي دلت عليه الأحاديث.

قال : وأما ما صححه السعد التفتازاني من أن عيسى هو الإمام بالمهدي لأنه أفضل فإمامته أولى ، فلا شاهد له في ما علله به ، لأن القصد بإمامة المهدي لعيسى إنما هو إظهار أنه نزل تابعا لنبينا ، حاكما بشريعته ، غير مستقل بشئ من شريعة نفسه (١).

قال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ـ بعدما نقل كلام السدي في اجتماع المهدي وابن مريم وإمامة المهدي بعيسى ـ : فلو صلى المهدي خلف عيسى لم يجز لوجهين :

أحدهما : لأنه يخرج عن الإمامة بصلاته مأموما فيصير تبعا.

الثاني : لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا نبي بعدي» ، وقد نسخ جميع الشرائع ، فلو صلى عيسى بالمهدي لتدنس وجه «لا نبي بعدي» بغبار الشبهة (٢).

وقد حكاه الشهاب القسطلاني في إرشاد الساري عن أبي الفرج ابن الجوزي (٣).

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٢٥٤ ـ ٢٥٥.

(٢) تذكرة الخواص : ٣٢٥.

(٣) إرشاد الساري ١٤ / ٤٩١.

٩٦

قلت :

حديث الشيخين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟!» (١).

وحديث مسلم عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ، ظاهرين إلى يوم القيامة ، قال : فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم : تعال صل لنا ، فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمراء ، تكرمة الله هذه الأمة» (٢).

صريحان في تفنيد دعوى التفتازاني ومن قلده في ذلك ، والله المستعان.

وقد أفاد الإمام الحافظ الكنجي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان كلاما في هذا المقام ينقطع دونه دابر المفسدين ، ويذعن بمتانته كل ذي لب وحجى ـ وقد تقدم شطر منه ـ فحقيق ببغاة الحق أن يقفوا عليه ، ويتدبروا فيه بإمعان ، والله الموفق والمستعان.

* * *

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ / ٣٢٥ ح ٢٤٥ ، صحيح مسلم ٨ / ٩٤.

(٢) صحيح مسلم ٨ / ٩٥.

٩٧

الخاتمة

إعلم ـ رحمك الله ـ أن القول بوجود المهدي عليه الصلاة والسلام ، وخروجه هو الحق الذي أخبر به نبي الإسلام ، وأجمع عليه الأئمة الأعلام ، على مر العصور والأيام ، فمخالفة هذا الأمر الثابت المقطوع الذي كاد يلحق بالضروريات ، بل هو منها ـ كما مر عن شيخ الإسلام البهائي رحمه‌الله ـ جرأة عظيمة ، ومهلكة سحيقة ، يخشى على مقتحمها الكفر والارتداد عن ملة الإسلام ، والعياذ بالله تعالى.

فليحذر الذين يشككون في أمر المهدي أن تصيبهم بذلك فتنة توجب خسرانهم وهلاكهم في الدارين ، نسأل الله السلامة من الخذلان ، والاستقامة على الهدى ، والثبات على الحق ، آمين.

قال شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي المكي في القول المختصر ـ كما في البرهان (١) ـ : الذي يتعين اعتقاده ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة من وجود المهدي المنتظر الذي يخرج الدجال وعيسى في زمانه ويصلي خلفه ، وأنه المراد حيث أطلق المهدي.

وقال الشيخ العلامة محمد بن أحمد السفاريني في اللوائح : الصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى ، وأنه يخرج قبل نزول عيسى عليه‌السلام ، وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي ، وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم.

__________________

(١) البرهان في علامات مهدي آخر الزمان : ١٦٨ ـ ١٦٩.

٩٨

قال : فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة ، وكذا عند أهل الشيعة أيضا (١).

وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني : إن عقيدة خروج المهدي ثابتة متواترة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجب الإيمان بها ، لأنها من أمور الغيب ، والإيمان بها من صفات المتقين ، كما قال تعالى : (ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب) (٢) وإن إنكارها لا يصدر إلا من جاهل أو مكابر (٣).

وقد صحح القول بخروج المهدي المنتظر عليه‌السلام في آخر الزمان جماعة من أعلام الحفاظ وأئمة الحديث كالعقيلي والخطابي وابن حبان البستي والقاضي عياض والقرطبي وابن تيمية وابن كثير وابن حجر العسقلاني وغيرهم ، فلا يتجرأ ـ بعد ذلك كله ـ على رد الأحاديث وإنكار شأن المهدي عليه الصلاة والسلام إلا جاهل بليد أو مكابر عنيد ، والله المستعان ، وعليه التكلان.

والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

* * *

__________________

(١) أنظر : لوائح الأنوار البهية وسواطع الأسرار الإلهية ، المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه‌السلام عند أهل السنة ٢ / ٢٠ ـ ٢١.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١ ـ ٣.

(٣) مجلة التمدن الإسلامي ـ السنة ٢٢ ـ المجلد ٢٧ و ٢٨ ـ ص ٦٤٦ ، المطبوعة ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه‌السلام عند أهل السنة ٢ / ٣٩١.

٩٩

السنة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (*)

(١)

السيد علي الشهرستاني

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد :

إن السنة النبوية المباركة هي المصدر الثاني في التشريع الإسلامي بعد الكتاب العزيز ، وبما أن عماد السنة النبوية هو الحديث النبوي الشريف ، فلا بد من تناوله بشئ من الإيضاح والتفصيل.

فعلم الحديث من العلوم الأساسية والمهمة في فهم الشريعة الإسلامية واستنباط أحكامها.

وقد يتصور بعضهم خطأ حينما يسمع بمصطلح «علم الحديث» أو «حديث رسول الله» أنه يدور حول بيان الفرائض والسنن التي أتى بها

__________________

(*) المقال الذي بين يديك وما يلحقه ، هو خلاصة لمحاضرات كان الكاتب قد ألقاها على طلاب الدورة التربوية الأولى لمحققي البحوث القرآنية التابعة لمنظمة الإعلام الإسلامي / مشهد المقدسة حول تاريخ الحديث والملابسات التي واكبت السنة النبوية بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع بيانه لمؤثرات الهوى ، والموروث الجاهلي عليه ، مجريا على محاضراته تلك ، بعض الإضافات والتتميم.

١٠٠