تراثنا ـ العددان [ 53 و 54 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 53 و 54 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٦

١

محتويات العدد

*كلمة التحرير :

*الحداثة والتراث

................................................................. هيئة التحرير ٧

*تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات (١١).

................................................. السيّد علي الحسيني الميلاني ١٣

*الروض الفسيح في بيان الفوارق بين المهديّ والمسيح.

............................................... الشيخ محمّد باقر الإلهي القمّي ٥٣

*السُنّة بعد الرسول صلّى الله عليه وآله (١).

..................................................... السيّد علي الشهرستاني ١٠٠

*أحسن الفوائد في أحوال المساعد.

................................................. السيّد محمّد جواد الشبيري ١٨٠

٢

*دور الشيخ الطوسي في علوم الشريعة الإسلامية (٢).

.................................................. السيّد ثامر هاشم العميدي ٢٤١

*فهرس مخطوطات مكتبة أميرالمؤمنين العامّة / النجف الأشرف (١)

........................................ السيّد عبدالعزيز الطباطبائي قدّس سره ٢٨٥

*مصطلحات نحوية (١٠).

...................................................... السيّد علي حسن مطر ٣٤٧

*من ذخائر التراث :

*رسالة في تحقيق حال أبان بن عثمان ـ للسيّد محمّد باقر الشفتي الجيلاني.

...................................... تحقيق : السيّد عبدالكريم محمّد الموسوي ٣٥٥

*من أنباء التراث.

................................................................ هيئة التحرير ٤٤٣

*صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة رسالة في تحقيق حال أبان بن عثمان للسيّد محمّد باقر الشفتي الجيلاني. (١١٧٥ ـ ١٢٦٠ هـ) المنشورة في هذا العدد ، ص ٣٥٥ ـ ٤٤٢.

٣
٤

٥
٦

كلمة العدد :

الحداثة والتراث

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.

في الحديث عن ظاهرة مميزة كالتي نبسط الكلام فيها وفي معطياتها وأبعادها ، لا بد لنا أن نتوفر على فكرة أساسية تحمل تصورا شاملا يقودنا إلى تبني مساحة مستقلة من الرأي عما يطرح بصددها من أفكار ورؤى مغايرة أو متطابقة.

ونحن إذ نشهد منذ عقود من الزمن دخول تأثيرات هذه الظاهرة ومثيلاتها إلى عقر دورنا وثقافتنا وسلوكنا ، لا نملك إلا أن نقف حائرين مستسلمين أمام ما تحمل من أضرار فادحة تطال البناء الأخلاقي والاجتماعي والنفسي وغير ذلك ، لا سيما أن الغرب المتسلط عود غيره من سكان المعمورة على تلقي كل نزعاته ، وإفراغات حقده ، ونزواته ، تلقيا

٧

حسنا .. مرة بالتدريج البطئ ، ومرات أخرى بعمليات اختراق سريعة مفاجئة أشبه ما تكون بالصعقات الكهربائية.

إن مفهوما غربيا وافدا ـ كالحداثة ـ بصيغته المعاصرة لا يجعل تعاملنا معه منطلقا من حسن النية والحيادية!

ونحن وإن كنا نختزن في ذاكرتنا الحضارية العتيدة ركاما هائلا من التجارب والمخزونات ، هي حصيلة هذا السفر الطويل في رحاب المعرفة الإسلامية الفذة ، وتلاقحها مع غيرها ، حتى تشكلت بها كل وجوه التمدن الإسلامي الغابر .. ولم تعد لدينا مشكلة عالقة في مفاهيم التواصل الواثق مع الآخر ـ يومذاك ـ لأن كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.

فمفهوم «التحديث والتجديد» مفهوم إسلامي ضارب في كل جذور المعرفة والثقافة الإسلاميتين ، والتواصل مع القديم والتراث من خلال إبرازه بصورة حسنة جديدة ، ماثل لمن شاء أن يتصفح تاريخنا ..

نحن برغم كل ذلك لا نملك إلا أن نقف حذرين بوجه دخول صرعات الحداثة الغربية البائسة إلى واقعنا وثقافتنا اليومية.

والحداثة الغربية ـ بالمناسبة ـ لا تملك هوية ، أو طابعا خاصا ، أو اتجاها محددا ، بل هي مجموعة (حداثات) غير متجانسة ترتدي كل يوم لبوسا مرتبكا مهلهلا ، فهي انعكاس لحال الغرب المعاصر التائه المضطرب!

بل إنها ـ وللحقيقة المحضة ـ جملة تراكمات وإسقاطات هائلة متخلفة من العواصف والهزات الكبرى التي زلزلت الغرب في ماضيه وحاضره!

٨

بل هي مجموعة عقده ومشاكله المتأصلة المستعصية!

بل هي داؤه الكبير الذي عجز عن معالجته فهرب عدواه ـ حانقا حاقدا ـ إلى الآخرين!

وتقدم (الحداثة) نفسها على أنها إشكالية تستعصي على الحل! ولكنها تقود إلى الإبداع! من خلال التميز والفرادة ، وتأكيد العابر والمؤقت وانبثاق الأشياء بصورة جديدة عشوائية!! معتمدة على التخطي والتجاوز المنفصل عن حركة التاريخ والمجتمع!!

وهي ليست نهائية أو جازمة ، بل هي طور من العلاقات الغامضة والمتداخلة في لعبة خفية!!

وهي استجابة آنية للقفز على الثوابت!! في مراوغة زئبقية متغيرة الوجوه والدلالات!!

ولقد ظهر جليا من كل ذلك أنها ـ حيث انتشرت في أوروبا قبيل نهاية القرن الميلادي الماضي ـ كانت تتصدر قائمة صرعات الخواء الروحي ، والعنف الموجه للآخر ، وتكريس العزلة والأنانية ، واندثار المثل والقيم ، حتى وصفها كتاب أوروبا : بالشيطانية ، والمثالية الزائفة ، والهلوسة والعبثية.

كما لا تنكر (الحداثة) أنها ولدت في أحضان الشذوذ والانحطاط ، وأن للحركات الهدامة المشبوهة كالماسونية والصهيونية يدا في تبلورها ..!

ولقد اكتسحت صرعات الحداثة الموقوتة مجمل الواقع الثقافي الأوروبي لنصف قرن قبل أن يبدأ انحسارها ، ناشئة مع صعود (هيراكليت)

٩

و (هيغل) و (ماركس) ، رغم أن الأخير لا يمجد النزعة الفردية .. وسقوط أمثال : (كير كيغارد) و (نيتشه) ، رغم أن الثاني ممن تدين له الحداثة بالولاء .. مارة بقوائم طويلة من منظريها وروادها ، أمثال : (مايا كوفسكي) و (ألكسندر بلوك) و (بريخت) و (ألان تودين) و (هنري لوفيفر) و (ميشيل فوكوه) و (إدغار ألن بو) و (أدموند ولسن) و (كولن ولسون) و (جيمس ماكفارلين) ... وغيرهم ، من أقصى اليمين حتى أقصى اليسار ، شيوعيين ، اشتراكيين أوروبيين ، رأسماليين ، فوضويين ، عبثيين ، سرياليين ، رمزيين ، دادائيين ، لا منتمين ، مهرطقين ... وإلى آخر القائمة ..

لا يجمعهم جامع ، ولا ينتهجون نهجا واضحا سوى النزق ، والخروج عن القيم ، والتمرد عليها ، وحب الظهور ، وتقديس الأنا ، والسعي الحثيث إلى الشهرة الزائفة ، وادعاء الريادة ، والضحك من التاريخ ، والسخرية من المقدس ، وتكريس السوادوية ، حتى عدها بعضهم ـ الحداثة ـ : فنا منحطا ، أو : نوعا من الجنون الأبدي المتمرد ، المسقط للقيم في عواصم الغرب الثقافية : لندن وباريس وجنيف وبرلين وموسكو و... ثم نيويورك وسواها في العالم الجديد ..

إن هذه (الحداثة) المجلوبة ، المفروضة بالهيمنة الاستعمارية ـ كناتج أساسي لها ـ وفي ظل نظريات مثل : (العالم الثالث) و (منطقة العواصف الثورية) و (أسواق جنوب الأرض) ، هي نوع من (الاستيراد القسري) فيما يدعي (النظام العالمي الجديد) حرية السوق وتوطيد سلطته!

ولو سلمنا أن (الحداثة) قد أنجزت فعلها في الغرب ، فكيف كانت (الحداثة المجلوبة) لنا ، التي أريد لها أن تندمج وتتسلل إلى غير بيئتها وصيروراتها وحيثياتها؟!

١٠

نترك جواب ذلك لكل من يتصفح التاريخ المعاصر ..

ولقد كانت مثل هذه الحداثة ، وما زالت فلولها الباقية ، تتقاطع مع «الأصالة» ، بل تجهز عليها بعداء مفضوح ، وقد اختلط على الكثيرين من أتباعها الفرق بينها وبين مفهومي «المعاصرة» و «التأصيل» ، إذ يعني الأول : غرس الجديد الصالح ، وإضافته إلى القديم ، والثاني : استيعاب الوافد الجيد ..

وغير خفي أن ذلك يتم عبر مرجعية فكرية ذات قيمومة متكاملة ـ كالإسلام العظيم ـ بمنهجية واثقة ، يصبح التراث من خلالها هو الخصوصية الحضارية الأولى عبر (الإبداع) لا (البدعة) .. مستنيرا بالشعلة الأبدية الوقادة ، المنطلقة من تعاليم الشريعة المقدسة ، بثقليها : القرآن الكريم ، ومذهب أهل بيت العصمة والكمال ، محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآل محمد عليهم‌السلام ، الطيبين الطاهرين ، اللذين ما تركا شاردة وواردة إلا ولهما حكم فيها ، يستوعب كل احتياجات الفرد الإنساني والمجتمع ، في كل زمان ومكان ، إذ إن الرسالة الإسلامية المجيدة تامة شاملة ، تستقصي أخص خصائص الحياة ومتغيراتها ، بما يمكن البناء على أسسها ، لاتخاذ مواقف وآراء متطابقة تمام التطابق مع الشرع المحمدي الحنيف.

وختاما ، نحن لسنا ضد الجديد الجيد الذي لا يتعارض مع ديننا ، وقيمنا ، وتراثنا الخالد ، بل ضد الوافد الموبوء الذي يجهز على أصالتنا ومعنوياتنا ليحولنا من أسياد إلى أتباع ، ومن حماة حملة للحق واثقين برسالتهم وخط الولاء المقدس لأهل البيت عليهم‌السلام إلى أذيال مسلوبي التاريخ والإرادة ، منبهرين بكل زائف قادم من الغرب عبر المارقين من كتاب ومثقفي الانتكاس والارتكاس في حضارة الشيطان المجلب بإعلامه ودعايته

١١

وأدواته الجهنمية الأخرى التي صنعها (الزخرف والزبرج) المادي لا غير ، وضخها في مفاصل الحياة المعاصرة.

فعودة مباركة إلى الثقافة الناصعة في علوم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفقهائهم ورواة أحاديثهم وتراثهم الثر النفيس ..

هيئة التحرير

١٢

تشييد المراجعات

وتفنيد المكابرات

(١١)

السيد علي الحسيني الميلاني

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى : (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) (١).

قال السيد طاب ثراه :

«ألم يجعل لهم الولاية العامة؟! ألم يقصرها بعد الرسول عليهم؟! فاقرأ : (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون)».

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٥٥ و ٥٦.

١٣

وقال في الهامش :

«أجمع المفسرون ـ كما اعترف به القوشجي ، وهو من أئمة الأشاعرة ، في مبحث الإمامة من شرح التجريد ـ على أن هذه الآية إنما نزلت في علي ، حين تصدق راكعا في الصلاة.

وأخرج النسائي في صحيحه نزولها في علي ، عن عبد الله بن سلام.

وأخرج نزولها فيه أيضا صاحب الجمع بين الصحاح الستة ، في تفسير سورة المائدة.

وأخرج الثعلبي في تفسيره الكبير نزولها في أمير المؤمنين ، كما سنوضحه عند إيرادها».

فقيل :

قول المؤلف : «أجمع المفسرون ... على أن هذه الآية إنما نزلت في علي ...» ، من جنس قول سلفه ابن المطهر الحلي في منهاج الكرامة ، والرد عليه هو ما رد به شيخ الإسلام ابن تيمية على ابن المطهر في منهاج السنة النبوية ٤ / ٣ ـ ٩ ، فقد قال ـ رحمه‌الله ـ من جملة رده :

قوله : أجمعوا أنها نزلت في علي.

من أعظم الدعاوي الكاذبة ، بل أجمع أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في علي بخصوصه ، وأن عليا لم يتصدق بخاتمه في الصلاة ، وأجمع أهل العلم بالحديث على أن القصة المروية في ذلك من الكذب الموضوع.

وأما ما ينقله من تفسير الثعلبي ، فقد أجمع أهل العلم بالحديث أن الثعلبي روى طائفة من الأحاديث الموضوعات ، كالحديث الذي يرويه في

١٤

أول كل سورة عن أبي أمامة في فضل تلك السورة وكأمثال ذلك ، ولهذا يقولون : هو كحاطب ليل ، وهكذا الواحدي تلميذه ، وأمثالهما من المفسرين ينقلون الصحيح والضعيف ، ولهذا لما كان البغوي عالما بالحديث ، أعلم به من الثعلبي والواحدي ، وكان تفسيره مختصر تفسير الثعلبي ، لم يذكر في تفسيره شيئا من الأحاديث الموضوعة التي يرويها الثعلبي ، ولا ذكر تفاسير أهل البدع التي ذكرها الثعلبي ، مع أن الثعلبي فيه خير ودين ، لكنه لا خبرة له بالصحيح والسقيم من الأحاديث ، ولا يميز بين السنة والبدعة من الأقوال.

وأما أهل العلم الكبار ، أهل التفسير ، مثل تفسير محمد بن جرير الطبري ، وبقي بن مخلد ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم ، وأمثالهم ، فلم يذكروا بها مثل هذه الموضوعات ، دع من هو أعلم منهم ، مثل تفسير أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، ولا تذكر مثل هذه عن ابن حميد ، ولا عبد الرزاق ـ مع أن عبد الرزاق كان يميل إلى التشيع ، ويروي كثيرا من فضائل علي ، وإن كانت ضعيفة ، لكنه أجل قدرا من أن يروي مثل هذا الكذب الظاهر ـ.

وقد أجمع أهل العلم بالحديث على أن لا يجوز الاستدلال بمجرد خبر يرويه الواحد من جنس الثعلبي ، والنقاش ، والواحدي ، وأمثال هؤلاء المفسرين ، لكثرة ما يرويه من الحديث ، ويكون ضعيفا ، بل موضوعا.

وإنما المقصود هنا بيان افتراء هذا المصنف وكثرة جهله حيث قال : قد أجمعوا أنها نزلت في علي ، فيا ليت شعري من نقل هذا الإجماع من أهل العلم العالمين بالإجماع في مثل هذه الأمور؟! فإن نقل الإجماع في مثل هذا لا يقبل من غير أهل العلم بالمنقولات وما فيها من إجماع

١٥

واختلاف ، فالمتكلم والمفسر والمؤرخ ونحوهم ، لو ادعى أحدهم نقلا مجردا بلا إسناد ثابت ، لم يعتمد عليه ، فكيف إذا ادعى إجماعا؟! (١).

هذا ، وقد ذكر الواحدي هذا الحديث من رواية محمد بن مروان السدي ، عن محمد بن السائب عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، عن عبد الله بن سلام.

أما أبو صالح باذام أو باذان :

فقد قال ابن معين : ليس به بأس ، وإذا روى عنه الكلبي فليس بشئ.

وقال النسائي : ليس بثقة.

وقال ابن عدي : عامة ما يرويه تفسير ، وما أقل ما له من المسند ، وفي ذلك التفسير ما لم يتابعه عليه أهل التفسير ، ولم أعلم أحدا من المتقدمين رضيه.

وقال ابن حبان : يحدث عن ابن عباس ولم يسمع منه.

وأما محمد بن السائب الكلبي ، فنكتفي هنا بما قاله عنه أبو حاتم الرازي حيث قال : الناس مجمعون على ترك حديثه ، هو ذاهب الحديث ، لا يشتغل به.

وقال النسائي : ليس بثقة ، ولا يكتب حديثه.

وقال ابن حبان : وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه ، روى عن أبي صالح التفسير ، وأبو صالح لم يسمع من ابن عباس ، لا يحل الاحتجاج به.

__________________

(١) منهاج السنة

٤ / ٣ ـ ٩.

١٦

وقال الساجي : متروك الحديث ، وكان ضعيفا جدا ، لفرطه في التشيع ، وقد اتفق ثقات أهل النقل على ذمه وترك الرواية عنه في الأحكام والفروع.

قلت : ومن أراد الاستزادة من الكلام على محمد بن السائب فليراجع تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ، فقد جمع فأوعى.

وأما محمد بن مروان السدي ، قال عبد السلام بن حازم عن جرير بن عبد الحميد : كذاب.

وقال ابن معين : ليس بثقة.

وقال ابن نمير : ليس بشئ.

وقال صالح بن محمد : كان ضعيفا ، وكان يضع.

وقال أبو حاتم : ذاهب الحديث ، متروك الحديث ، لا يكتب حديثه البتة».

أقول :

إعلم أن السيد ـ رحمه‌الله ـ سيتعرض للاستدلال بهذه الآية المباركة في المراجعة رقم ٤٠ فما بعد ، وهو ما أشار إليه بقوله : «كما سنوضحه عند إيرادها».

وقد ذكر هناك أسماء عدة من الأئمة الرواة لحديث نزول الآية في الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وبين وجه الاستدلال بها على إمامته وولايته العامة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصورة مفصلة ...

أما هنا ، فاكتفى بما يلي :

١٧

أولا : إجماع المفسرين.

وذكر اعتراف القوشجي بقيام الإجماع على نزول الآية في قضية تصدق الإمام في الصلاة ، في كتابه المعروف شرح التجريد.

والقوشجي هو : علاء الدين علي بن محمد الحنفي السمرقندي ، المتوفى سنة ٨٧٩.

قال قاضي القضاة الشوكاني بترجمته :

«علي بن محمد القوشجي. بفتح القاف وسكون الواو وفتح الشين المعجمة بعدها جيم وياء النسبة ، ومعنى هذا اللفظ بالعربية : حافظ البازي ، وكان أبوه من خدام ملك ما وراء النهر يحفظ البازي.

قرأ على علماء سمرقند ثم رحل إلى الروم ، وقرأ على القاضي زاده الرومي ثم رحل إلى بلاد كرمان فقرأ على علمائها وسود هنالك شرحه للتجريد ... ولما قدم قسطنطينية أول قدمة تلقاه علماؤها ... وله تصانيف منها شرح التجريد الذي تقدمت الإشارة إليه وهو شرح عظيم سائر في الأقطار كثير الفوائد ... وهو من مشاهير العلماء» (١).

وذكر شرحه على التجريد في كشف الظنون ، حيث قال تحت عنوان تجريد الكلام :

«وهو كتاب مشهور اعتنى عليه الفحول ، وتكلموا فيه بالرد والقبول ، له شروح كثيرة وحواش عليها» إلى أن قال : «ثم شرح المولى المحقق علاء الدين علي بن محمد الشهير بقوشجي ـ المتوفى سنة ٨٧٩ ـ شرحا

__________________

(١) البدر الطالع ١ / ٤٩٥ ـ ٤٩٦.

١٨

لطيفا ممزوجا ... وقد اشتهر هذا الشرح بالشرح الجديد " ، ثم ذكر كلامه في ديباجته ، ثم قال : «وإنما أوردته ليعلم قدر المتن والماتن ، وفضل الشرح والشارح» ، ثم ذكر الحواشي على هذا الشرح الجديد ، بما يطول ذكره ، فراجع (١).

وهذه عبارة القوشجي في نزول الآية المباركة :

وبيان دلالتها على الإمامة لأمير المؤمنين :

«بيان ذلك : أنها نزلت باتفاق المفسرين في حق علي بن أبي طالب حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته ...» ثم إنه ـ وإن حاول المناقشة في الاستدلال ـ لم ينكر اتفاق المفسرين على نزولها في الإمام عليه‌السلام ، فراجع (٢).

أقول :

وممن اعترف من أئمة أهل السنة الأعلام بإجماع المفسرين واتفاقهم على نزول الآية المباركة في أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام :

١ ـ القاضي عضد الدين الإيجي (٣) ، المتوفى سنة ٧٥٦ ، في كتابه

__________________

(١) كشف الظنون ١ / ٣٤٨ ـ ٣٥٠.

(٢) شرح تجريد العقائد : ٣٦٨.

(٣) وصفوه بتراجمه بأوصاف ضخمة : «قاضي قضاة الشرق» و «شيخ العلماء» و «شيخ الشافعية» قالوا : «كان إماما في المعقولات ، محققا ، مدققا ، قائما بالأصول والمعاني والعربية ، مشاركا في الفقه وغيره من الفنون» .. «أنجب تلاميذ اشتهروا في الآفاق».

الدرر الكامنة ٢ / ٣٢٣ ، البدر الطالع ١ / ٣٢٦ ، شذرات الذهب ٦ / ١٧٤ ، طبقات الشافعية ـ للأسنوي ـ ٢ / ١٧٩ ، بغية الوعاة : ٢٩٦.

١٩

المواقف في علم الكلام (١) ، فقد قال في معرض الاستدلال بالآية :

«وأجمع أئمة التفسير أن المراد علي» (٢).

٢ ـ الشريف الجرجاني (٣) ، المتوفى سنة ٨١٦ ، فقد قال بشرح المواقف (٤) :

«وقد أجمع أئمة التفسير على أن المراد ب : (الذين يقيمون الصلاة) إلى قوله تعالى : (وهم راكعون) علي ، فإنه كان في الصلاة راكعا ، فسأله سائل فأعطاه خاتمه ، فنزلت الآية» (٥).

٣ ـ سعد الدين التفتازاني (٦) المتوفى سنة ٧٩٣ ، فقد قال في شرح

__________________

(١) قال في كشف الظنون ٢ / ١٨٩١ : «المواقف في علم الكلام ، وهو كتاب جليل القدر ، رفيع الشأن ، اعتنى به الفضلاء ، فشرحه السيد الشريف ، وشرحه شمس الدين محمد ابن يوسف الكرماني ...» ثم ذكر الشروح والحواشي عليها .. قال : «وهي كثيرة جدا».

وقال الشوكاني بترجمة الإيجي : «له : المواقف في علم الكلام ومقدماته ، وهو كتاب يقصر عنه الوصف ، لا يستغني عنه من رام تحقيق الفن».

ولاحظ أيضا كلمات الشريف الجرجاني في وصف المواقف في مقدمة شرحه.

(٢) المواقف في علم الكلام : ٤٠٥.

(٣) وصفوه ب : «عالم بلاد الشرق» .. «كان علامة دهره» .. «صار إماما في جميع العلوم العقلية وغيرها ، متفردا بها ، مصنفا في جميع أنواعها ، متبحرا في دقيقها وجليلها ، وطار صيته في الآفاق ، وانتفع الناس بمصنفاته في جميع البلاد ، وهي مشهورة في كل فن ، يحتج بها أكابر العلماء وينقلون منها ، ويوردون ويصدرون عنها» فذكروا فيها شرح المواقف.

أنظر : الضوء اللامع ٥ / ٣٢٨ ، البدر الطالع ١ / ٤٨٨ ، الفوائد البهية : ١٢٥ ، بغية الوعاة : ٣٥١ ، مفتاح السعادة ١ / ١٦٧ ، وغيرها.

(٤) أنظر : كشف الظنون ٢ / ١٨٩١.

(٥) شرح المواقف في علم الكلام ٨ / ٣٦٠.

(٦) قال الحافظ ابن حجر : «الإمام العلامة ، عالم بالنحو والتصريف والمعاني والبيان

٢٠