وحكمة تشريع هذه الشهادة وهذه الأيمان : هي مطابقة الشهادة واليمين للواقع ، لقوله تعالى : (ذلِكَ أَدْنى ...) أي أقرب أن يؤدي الشهداء الشهادة على وجهها الحقيقي بلا تبديل ولا تغيير ، خوفا من عذاب الله ، وهذه حكمة تغليظ الشهادة بكونها بعد العصر ، أو خوفا من ردّ اليمين على الورثة ، وفي ذلك الخزي والفضيحة بين الناس ، فيظهر كذبهم بين الناس ، فيكون الخوف من عذاب الله أو من ردّ اليمين مدعاة الصدق والبعد عن الخيانة.
ثم طوّق الله هذا التشديد على صدق الشهادة بباعث ذاتي دائم وهو تقوى الله : (وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا ..) أي راقبوا الله واحذروا عقابه في أيمانكم أن تحلفوا بها كاذبة وأن تأخذوا مالا عليها وأن تخونوا من ائتمنكم ، واسمعوا سماع تدبر وقبول لهذه الأحكام واعملوا بها ، وإلا كنتم من الفاسقين : المتمردين الخارجين عن دائرة حكم الله وشرعه ، المطرودين من هدايته ، المستحقين لعقابه ، والله لا يوفق من فسق عن أمر ربه فخالفه وأطاع الشيطان.
فقه الحياة أو الأحكام :
أكثر المفسرين ـ كما قال الطبري ـ على أن هذه الآية محكمة غير منسوخة ، ومن ادعى النسخ فعليه البيان ، ثم صوّب الطبري القول بالنسخ ، لأن المعمول به بين أهل الإسلام قديما منذ بعثة النّبي محمد صلىاللهعليهوسلم وما بعد ذلك : أن إثبات الحق يكون إما ببينة المدعي أو بيمين المدعى عليه إذا لم يكن للمدعي بينة تصحح دعواه ، وأن من ادعى سلعة في يده أنها له اشتراها من المدعي : القول قول المدعي بيمينه ، إذا لم يكن لمن هي في يده بيّنة تثبت مدعاه (١).
وقد استنبط العلماء من هذه الآيات الثلاث ما يأتي من الأحكام :
__________________
(١) تفسير الطبري : ٧ / ٨١