تراثنا ـ العدد [ 27 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 27 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٤

واللقب بأنه ما يقصد به أحدهما ، والكنية بما صدر بأب أو أم أو ابن أو بنت (٧١).

وقد جنح من تأخر عنهما إلى الأخذ بطريقة ابن الناظم ، فهم يعرفون الكنية واللقب أولا ، ثم يعرفون الاسم بما لم يكن كنية ولا لقبا (٧٢).

__________________

(٧١) شرح الرضي على الكافية ٢ / ١٣٩.

(٧٢) شرح قطر الندى ـ لابن هشام ـ : ٩٨ ، ـ أوضح المسالك ـ لابن هشام ـ ١ / ٩٠ ، شرح ابن عقيل على الألفية ١ / ١١٩ ، حاشية الصبان على شرح الأشموني ١ / ١٢٧ ـ ١٢٨.

١٤١

السيد شرف الموسوي

(١٣١٢ ـ ١٤٠٩ ه)

السيد هاشم محمد الشخص

تقديم :

الحلقات السابقة التي كتبت عن (التراث الأدبي المنسي في الأحساء) كانت بقلم العلامة الخطيب الشيخ جعفر الهلالي حفظه الله تعالى ، الذي أحيى بما كتبه شيئا لا بأس به من تراث الأحساء المنسي ، وكان له بذلك فضل على (هجر) يستحق عليه الشكر والتقدير ، كما تشكر أيضا مجلة «تراثنا» الغراء ومؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لما لهما من الفضل الكبير في إحياء التراث وتجديده.

ولأسباب وظروف خاصة انقطع الشيخ الهلالي عن مواصلة موضوعه فرأيت أن أضيف لما كتب بعض الحلقات خدمة لتراث أهل البيت عليهم‌السلام ، وإحياء لبعض أعلامنا المنسيين ، وهذه حلقة جديدة ـ هي الحادية عشرة بالإضافة إلى ما سبقها ـ عن شاعر جديد من شعراء الأحساء ، أقدمها للقراء الكرام أملا أن أوفق لكتابة حلقات أخرى ، ومن الله أرجو القبول وأستمد التوفيق.

نسب الشاعر :

هو السيد شرف بن السيد عبد الله بن السيد محمد بن السيد علي آل عبد النبي الموسوي ، ينتهي نسبه إلى السيد الشريف السيد أحمد بن محمد

١٤٢

المدني ، المنتهي نسبه إلى السيد إبراهيم المجاب بن محمد العابد بن الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام.

ولادته ونشأته :

ولد في قرية (التويثير) بالأحساء سنة ١٣١٢ ه ، وبها نشأ وترعرع في عائلة شريفة محترمة عرفت بالتقوى والصلاح.

ورعه وتقواه :

من سماته البارزة أنه كان شديد الورع والتقوى ، متفانيا في ذات الله ، متواضعا للصغير والكبير ، معرضا عن زينة الدنيا وزخارفها ، وقد عرفه الجميع في محيطه بإخلاصه لربه وعدم اكتراثه بنعيم الدنيا الزائل ، حتى أنه أوقف جل ما يملك في سبيل الله تعالى ، وخرج من الدنيا لا يملك دارا ولا عقارا.

خطابته :

وكان قدس‌سره خطيبا بارعا وواعظا معروفا ، خصوصا أيام شبابه ، حيث صعد المنبر الحسيني في معظم دول الخليج ، وفي البصرة ونواحيها ، وسوق الشيوخ وغيرها ، وقد خطب في الأحساء والبصرة سنين عديدة ، وكان منبره غنيا بالوعظ والتاريخ والأدب والسيرة المباركة لأهل بيت العصمة عليهم الصلاة والسلام.

وفاته :

توفي رحمه‌الله في قرية (القارة) بالأحساء ليلة الأربعاء ٥ / ٤ / ١٤٠٩ ه ، ونقل جثمانه إلى المدينة المنورة حيث دفن في البقيع بجوار أئمة أهل البيت عليهم السلام ، ولم يخلف ذرية حيث كان عقيما.

١٤٣

شعره :

كان شاعرا أديبا مجيد الشعر بنوعيه الفصيح والقريض ، وله ديوان يضم معظم أشعاره ، موجود عند بني أخته في الأحساء ، ويغلب على شعره رثاء أهل البيت ومديحهم صلوات الله وسلامه عليهم.

وهذه نماذج من أشعاره :

قال قدس‌سره في مدح أمير المؤمنين الإمام علي عليه‌السلام :

طاب قلبي بحيدر وولاه

هو نور الهدى وحامي حماه

قيل لي فامتدحه قلت مجيبا

أي مدح يرقى لقدس علاه

هو قبل الأفلاك نور جلي

جل من قد براه قبل سماه

هو من أحمد وأحمد منه

رتبة لا ينالها من سواه

صاغه الله واصطفاه قديما

وارتضاه عبدا له واجتباه

هو مشكاة نور قدس جلال الله

من قبل آدم سواه

أي لب يطيق وصف علي

وعلي جاز الثريا علاه

حير العقل كنهه ولكم قد

ضل قوم طريقهم حين تاهوا

هو سر الإله بل ولسان الله

في حكمه وفصل قضاه

هو كنز العلوم عين المعاني

من ومن ينتهي إلى معناه

كم له من مكارم ليس يحصيها

عدادا إلا الذي أولاه

هو نفس الرسول جاء به القر

آن نصا من الذي أوحاه

هو قد خص بالبتول ولولاه

لما خص بالبتول سواه

هو باب لحطة من أتاه

طالبا للثواب طاب رجاه

هو ميزان قسط يوم يقوم

الناس فيه لربهم بلقاه

١٤٤

هو والحق لا يزال قرين

الحق والحق باقيا في بقاه

أي فضل لا يرتقيه علي

وقديما كتف النبي رقاه

وبيوم الغدير كم قد أبان

المصطفى من مآثر في علاه

رافعا ضبعه وما زال حتى

قلد المسلمين فرض ولاه

أكمل الله دينه بعلي

حين تمت على الورى نعماه

يا أمير الورى وخير أمير

وقرين الهدى وسامي ذراه

أنت بدر الكمال نور جلال

الله في أرضه ونور سماه

أنت فلك النجاة مستخرج

الأموات عين الحياة بحر نداه

أنت وأخاك سيد الرسل طه

ودعاك الدخول تحت كساه

أنت ذاك الكرار في الحرب يا من

كان يوم الحروب قطب رحاه

أنت ذاك الذي بيوم تبوك

سمع المصطفى فلبى نداه

أنت جدلت بالحسام ابن ود

وعلى الأرض قد أسلت دماه

ثم خلفته على الأرض ملقى

وكفيت الإسلام شر أذاه

أنت قطب الحرب الكمي ولولاك

لها القطب ما استدار رحاه

أنت ليل المبيت فيك لقد باهى

بك الله في علو سماه

أنت شيدت ركن دين رسول

الله بالسيف فاستقام بناه

أنت ذاك البطين علما وحكما

جئت بالخارقات يا أواه

أنت ذاك الذي شفاه رسول

الله بالريق فانجلت عيناه

أنت أنت الذي قلعت رتاج

الحصن فانهار رأسه وبناه

أنت ذاك الذي يصوم نهارا

ويصلي ليلا فيعلو بكاه

يا أخا المصطفى برغم عداه

وأبا الأوصياء من أبناه

١٤٥

نلت فخرا وسؤددا وفخارا

يعجز الواصفون عن إملاه

يا وليد البيت الحرام ومن طاب

به البيت حين حل فناه

أنت شمس تكسو العوالم نورا

أنت بدر عم الوجود ضياه

أنت من غسل النبي ووارى

جسمه عاملا بما أوصاه

وله أيضا في رثاء الإمام الحسين عليه‌السلام :

أحامي حمى حوزة الدين قم

فقد يطلب الثار من ينتقم

إلى م وأهلوك قد قتلوا

فهذا ذبيح وهذا بسم

فقم ما انتظارك مستنهضا

فقد وتروكم شرار الأمم

فذا دمكم ضائع بينهم

وفيئكم فيهم مقتسم

أيا صاحب العصر كم ذا القعود

وقد آن للدين أن ينهدم

ولا صبر يا من يدير الوغى

وللخيل قعقعة في اللجم

أثر نقعها وانتدب غالبا

وبالنصر يخفق ذاك العلم

فيا مدرك الثار محيي الهدى

ويا ناصر الدين مجري الحكم

فديتك عرج على كربلا

فقد أثبت الكرب فيها القدم

ألم تدر فيها أصيب الحسين

بسهم أصاب الهدى فانهدم

وضرج بالدم فوق الثرى

فأية عين محب تنم

ومن حوله صحبه كالبدور

مخضبة الكف لكن بدم

بدور ولما عراها الخسوف

وحد السيوف أنارت ظلم

فإن كورت شمسها للكسوف

فقد أشرقت بسناها الأمم

فواحر قلبي لما قد جرى

ويا ندمي لو يفيد الندم

١٤٦

ويا ليتهم حضروا عندما

هجمن العداة لسلب الحرم

لساموا أمية خسف الردى

غداة استمالت لحرق الخيم

فلو شاهدت عينك النار في

الفساطيط ساعرة تظطرم

وشاهدت زينب بعد الحسين

تنادي وتنثر دمعا سجم

وله أيضا هذه المربعة في رثاء الإمام الحسين عليه‌السلام :

يا خليلي قفا نبكي الهدى

نسج الترب عليه بردا

بأبي أفدي حسينا بالظما

حوله نهر من العذب طما

لم يذق منه ولا جرعة ماء

بل أذاقوه العدى حتف الردى

بأبي أفديه مسلوب اللباس

عافرا جثته ظلما تداس

يا بنفسي جسدا من غير رأس

عاريا في الشمس من غير ردا

أين عنه هاشم الغر الكرام

يرفعون الجسم من فوق الرغام

ويرون الرأس كالبدر التمام

فوق رأس الرمح في أيدي العدى

عز والله على أهل الوفا

ذبح آل المرتضى والمصطفى

بعدهم قل فعلى الدنيا العفا

كيف لا تعفو وهم سحب الندى

عز والله على كل غيور

سيما من كان للإسلام سور

وبه قام رحى الحرب تدور

وبنى الدين على رغم العدى

ذاك مولاي علي المرتضى

قاسم الجنة حقا ولظى

ولسان الله في فصل القضا

من تولاه فلا يخشى الردى

هو والله الصراط المستقيم

هو نور دكدك الطور العظيم

راهبا منه لذا خر الكليم

حين لما أن رأى النور بدأ

١٤٧

لك يا كنز التقى الفضل المشاد

ليس يحصي عده كل العباد

غير من كنت له أنت العماد

ذك من في قاب قوسين بدا

يا علي المرتضى مولى الورى

عجبا يبقى حسين بالثرى

عاريا منجدلا منعفرا

وعليه زينب ألوت يدا

قد دهاها من عداها ما دهى

كسروا بالسوط ظلما يدها

فغدت تبكي وتدعو جدها

جدي أدركني وكن لي عمدا

لو تراها باليتامى وعلي

حين ضجوا بنداء مهول

مذ دهاهم فادح الخطب الجلي

نصبوا المأتم حول الشهدا

يا أباة الظيم يا عليا نزار

قوموا الحرب خذوا ثارا بثار

فأمي وسمتكم بالصغار

سلبت حراتكم أيدي العدى

يتراماها عنيد وطريد

حسرا لابن زياد ويزيد

موثقات بقيود من حديد

وعليها الركب ظلما غردا

حملوها فون أقتاب المطا

ولها تستعطف القوم الغطا

معها السجاد من غير وطا

ناحل الجسم عليلا مجهدا

أدخلوها الشام في ذل السبا

آه وا لهفي على آل العبا

أفهل من قائل واعجبا

كيف نال الذل أرباب الندى

عجت الشام على آل الرسول

لا ترى إلا دفوفا وطبول

من كبار وصغار وكهول

ونساء الشام يصفقن يدا

فتصارخن ربيبات الحجال

وإذا بالرأس للنسوة مال

وبدا منه شعاع لا ينال

كسف الشمس وأصمى للهدى

فغدت زينب تبكي وتصيح

وتنادى بأبيها وتبيح

١٤٨

يا أبي هذا أخي أمسى ذبيح

ويتاماه تقاسي الكمدا

يا علي المرتضى مولى الولاة

(شرف) عبدكم يرجو النجاة

أنتم ذخري بحشري والممات

وأبي والأم يا كنز الهدى

يا بني الوحي أيا نور الظلام

فضلكم فاق على كل الأنام

صلوات الله تغشاكم دوام

أبد الآباد تغدو سرمدا

وله أيضا يرمي العلامة الحجة السيد ناصر بن السيد هاشم الأحسائي ، المتوفى سنة ١٣٥٨ ه :

يا ناعيا كنز الرغائب

علم الهدى من آل غالب

عج في البلاد بمقلة

عبرى وقلب منك لأهب

وأصرخ وقد الجيب وأندب

في المشارق والمغارب

وأضرب جبينك باليدين

معفرا خديك ناحب

واستصرخ العلماء كي

يستقبلونك بالنوادب

فهناك قف وانع الفقيد

المستطاب وقل مخاطب

اليوم دين محمد

يبكي وليس من العجائب

علامة العلماء (ناصر)

ملة الإسلام غائب

فلتبك عين الشرع حيث

الدين منهد الجوانب

ولتبك أعيننا دما

صبا كمنهل السحائب

فلقد أصيب الدين فيه

حيث كان له مصاحب

يا نكبة في الدهر عظمى

إنها لمن المصائب

فمن المعزي (هاشما)

بسليله قمر الكواكب

فخر الأماجد من له

ألقت أعنتها النجائب

١٤٩

ومن المرجى بعده

للجود في يوم المساغب

من للمدارس والعلوم

وللمساجد والمحارب

من لليتامى الفاقدات

كفيلها من للغرائب

من للرعية بعد راعيها

وقد بقيت سوائب

حيرانة لم يهنها

طعم المآكل والمشارب

تبكي وطورا تشتكي

ضيق المسالك والمذاهب

وتعج تهتف يا ابن أحمد

كنت محمود الضرائب

يا راحلا عنا إلى

دار السلام بكاك واجب

يا واحدا ترك الخلائق

بين نادبة ونادب

إن يحترق قلب عليك

بنار حزنك ليس كاذب

إن تمسي تحت الترب

مدفونا فقد نلت المطالب

لا زال قبرك روضة

وعليه ماء الغيث ساكب

يا قبر في (هجر) تضمن

جسم من لله راهب

من كان يوصي بالصلاة

وبالزكاة وبالأقارب

سمح سخي لوذعي

يرتجي حسن العواقب

قد فاز بالصبر الجميل

على الشدائد والنوائب

ليس التقى جمع الكمال

وقد رقى للمجد غارب

العالم الحبر الذي

بفراقه جمع المصائب

هت مصيبته القوى

منا وأحزنت الأجانب

وأخوه يبكي والحسين (١)

وآله الغر الأطائب

__________________

(١) الحسين : هو السيد حسين بن محمد العلي آل السيد سلمان ، المتوفى ١٣٦٩ ه ، وهو ابن عمة السيد

١٥٠

يا ميتة في بلدة (الأحساء)

ذكرك غير ذاهب

__________________

ناصر الأحسائي المرثي بهذه القصيدة.

١٥١
١٥٢

من ذخائر التراث

١٥٣
١٥٤

١٥٥
١٥٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة والسلام على خير خلق الله محمد وآله الطيبين الطاهرين ، لا سيما إمام العصر وصاحب الزمان ، الحجة المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

تمهيد

من المعروف أن العلوم الشرعية نشأت من الحاجة التي حدت بالمسلمين إلى إنشائها ، ثم تكاملت وصارت لها أصولها وقواعدها وعلماؤها وكتبها الخاصة بها.

فعلوم اللغة نشأت من الحاجة إلى فهم القرآن الكريم والحديث الشريف ، وهما بلسان عربي مبين ، فتدرجت هذه العلوم في الظهور : اللغة ثم النحو ثم الصرف فالبلاغة ...

وعلوم الفقه وأصوله نشأت من الحاجة إلى معرفة الأحكام الشرعية بعد

١٥٧

غيبة المبين للشرع الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعد أن اختلفت الأقوال في مسائل العبادات والمعاملات.

وهكذا قل في جميع العلوم الشرعية.

ومنها علم يسمى ب (علم الكلام) نشأ بعد تفرق المسلمين في الآراء والأهواء والمسائل الاعتقادية ، كالجبر والتفويض والاختيار والعدل والارجاء ... وغيرها.

وقد عرفوا علم الكلام بأنه (علم يقتدر معه على إثبات الحقائق الدينية بإيراد الحجج عليها ودفع الشبه عنها» (١).

وكانت مسألة الإمامة والخلافة أساس ذلك الخلاف ، فكان محور علم الكلام الأساسي منذ يوم السقيفة إلى يومنا هذا وسيبقى حتى ظهور الإمام المهدي عليه‌السلام ، هو الإمامة وما يرتبط بها ويترتب عليها.

كما اشتمل علم الكلام على بحوث عقائدية أخرى كانت نتيجة لتفرق الناس عن المعين الطيب لعلوم أهل بيت النبوة سلام الله عليهم ، فلو استقام الناس على إمامة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام والأئمة من ولده عليهم‌السلام ، لكفينا مهمة تلك البحوث التي أخذت جهدا جهيدا من العلماء ، ولما بقي منها إلا ما يختص بالأديان والملل غير المسلمة.

وكانت غيبة الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر عليه‌السلام ، من أهم المحاور التي دارت عليها البحوث الكلامية منذ بداية عصر الغيبة الكبرى سنة ٣٢٩ ه وحتى يومنا هذا ، فكانت تأخذ أبعادا مختلفة حسب ما تقتضيه الحاجة والظروف المحيطة خلال الفترات الزمنية المختلفة.

__________________

(١) مفتاح السعادة ومصباح السيادة ٢ / ١٣٢.

١٥٨

يظهر ذلك بوضوح من خلال كتاب «الغيبة» للشيخ النعماني ، المتوفى حدود سنة ٣٤٢ ه ، وكتاب «إكمال الدين وإتمام النعمة» للشيخ الصدوق ، المتوفى سنة ٣٨١ ه ، وإن كانا ـ أساسا ـ من المحدثين.

ثم كان لبروز متكلمي الإمامية كمعلم الأمة الشيخ المفيد (٣٣٦ ـ ٤١٣ ه) والشريف المرتضى (٣٥٥ ـ ٤٣٦ ه) وشيخ الطائفة الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه) أثرا متميزا في بلورة علم الكلام بشكل جديد.

ونحن نقف اليوم أمام طود شامخ من أعلام الإمامية ، ألا وهو : علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي ، الشريف المرتضى ، قدس‌سره.

نقف أمامه بكل تجلة وإكبار لما بذله في الذب عن العقيدة بكتبه الكلامية العديدة كالشافي ، والذخيرة ، وتنزيه الأنبياء والأئمة ، وجمل العلم والعمل ، والمقنع في الغيبة ، وغيرها كثير ...

ويكفيه فخرا أن يكون تلميذا للشيخ المفيد ، ويكفيه عزا أن يكون شيخ الطائفة الطوسي وسلار الديلمي وأبو الصلاح الحلبي والكراجكي وغيرهم من الجهابذة من المتخرجين على يديه.

وهو ـ قدس‌سره ـ أشهر من أن يعرف ، إذ لا تكاد تجد مصدرا من مصادر التاريخ والتراجم خاليا من ترجمته ، وقد كفانا أصحابها ذلك ، فتفصيلها مرهون بمظانها.

المقنع في الغيبة :

هو من خيرة وأنفس ما كتب في هذا الموضوع بالرغم من صغر حجمه ، إذ

١٥٩

لم يسبقه أحد إلى الكتابة بهذا النسق والأسلوب (٢) ، صنفه على طريقة (فإن قيل ... قلنا) فجاء قوي الحجة ، متين السبك ، دحض فيه شبهات المخالفين ، وأثبت غيبة الإمام المهدي عليه‌السلام وعللها وأسبابها والحكمة الإلهية التي اقتضتها.

ثم أتبع ـ رضوان الله عليه ـ الكتاب بكتاب مكمل لمطالبه ، بحث فيه عن علاقة الإمام الغائب المنتظر عليه‌السلام بأوليائه أثناء الغيبة ، وكيفية تعامل شيعته معه أثناءها ، مجيبا على كل التساؤلات خلال تلك البحوث.

ذكره النجاشي ـ المتوفى سنة ٤٥٠ ه ـ في رجاله (٣) ، وذكره له أيضا تلميذه شيخ الطائفة الطوسي في فهرسته (٤) ، وتابعه على ذلك ياقوت الحموي عند إيراده ترجمته (٥) ، ومن ثم ذكره له كل من أورد قائمة مؤلفاته المفصلة في ترجمته.

أهمية الكتاب :

تظهر أهمية الكتاب ومنزلته الرفيعة إذا علمنا أن شيخ الطائفة الطوسي ـ قدس‌سره ـ قد أورد مقاطع كبيرة ومهمة منه ـ تارة بالنص وأخرى بإيجاز واختصار ـ وضمنها كتابه «الغيبة» في «فصل في الكلام في الغيبة» تراها مبثوثة فيه ، منسوبة إليه من دون التصريح باسم «المقنع».

__________________

(٢) قال الشريف المرتضى عن كتابه هذا في أول كتاب الزيادة المكملة الملحق به : «ثم استأنفنا في (المقنع) طريقة غريبة لم نسبق إليها» أنظر ص ٢٢٠ من هذه الطبعة.

وقال أمين الإسلام الطبرسي : «قد ذكر الأجل المرتضى ـ قدس الله روحه ـ في ذلك طريقة لم يسبقه إليها أحد من أصحابنا» أنظر : إعلام الورى : ٤٦٦.

(٣) رجال النجاشي : ٢٧١.

(٤) الفهرست : ٩٩.

(٥) معجم الأدباء ١٣ / ١٤٨.

١٦٠