تراثنا ـ العدد [ 27 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 27 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٤

١

الفهرس

قراءة في كتاب التوحيد.

............................................... الدكتور الشيخ عبدالهادي الفضلي ٧

*من الأحاديث الموضوعة (٧) :

*أحاديث مقلوبة في مناقب الصحابة.

................................................... السيّد عليّ الحسينيّ الميلانيّ ٣٦

*الإمامة : تعريف بمصادر الامامة في التراث الشيعي (١٠).

.......................................................... عبدالجبّار الرفاعي ١٠٥

٢

*الاسم في اللغة والاصطلاح النحوي.

...................................................... السيّد عليّ حسن مطر ١٢٦

*من التراث الأدبي المنسي في الأحساء.

*السيّد شرف الموسويّ.

................................................ السيّد هاشم محمّد الشخص ١٤٢

*من ذخائر التراث :

*المقنع في الغيبة ، والزيادة المكملة له ـ للسيّد الأجلّ الشريف المرتضى.

............................................ تحقيق : السيّد محمّد عليّ الحكيم ١٥٥

*من أنباء التراث............................................................ ٢٣٩

__________________

*صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة المقنع في الغيبة للسيّد الأجلّ الشريف المرتضى ، المتوفّى سنة ٤٣٦ هـ ، المنشور في هذا العدد مع الزيادة المكملة له ، ص ١٥٥ ـ ٢٣٨.

٣
٤

٥
٦

قراءة في كتاب التوحيد

الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي

الكتاب بعنوان «التوحيد» من تأليف الدكتور صالح الفوزان ، نشر هذا العام ١٤١٢ ه ـ ١٩٩١ م.

عقد الباب الأول منه ل (الانحراف في حياة البشرية) بعرض لمحة تاريخية عن الفكر والالحاد والشرك والنفاق.

والباب الثاني منه في (أقوال وأفعال تنافي التوحيد أو تنقصه).

عرض لها ضمن الفصول التالية :

١ ـ ادعاء علم الغيب قي قراءة الكف والفنجان والتنجيم وغيرها.

٢ ـ السحر والكهانة والعرافة.

٣ ـ تقديم القرابين والنذور والهدايا للمزارات والقبور وتعظيمها.

٤ ـ تعظيم التماثيل والنصب التذكارية.

٥ ـ الاستهزاء بالدين والاستهانة بحرماته.

٦ ـ الحكم بغير ما أنزل الله.

٧ ـ ادعاء حق التشريع والتحليل والتحريم.

٨ ـ الانتماء إلى المذاهب الإلحادية والأحزاب الجاهلية.

٩ ـ النظرة المادية للحياة.

٧

١٠ ـ التمائم والرقى.

١١ ـ الحلف بغير الله والتوسل والاستعانة بالمخلوق دون الله.

وكان الباب الثالث (في بيان ما يجب اعتقاده في الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم وأهل بيته وصحابته).

من خلال الفصول التالية :

١ ـ في وجوب محبة الرسول وتعظيمه والنهي عن الغلو ، والاطراء في مدحه وبيان منزلته.

٢ ـ في وجوب طاعته والاقتداء به.

٣ ـ في مشروعية الصلاة والسلام عليه.

٤ ـ في فضل أهل البيت وما يجب لهم من غير جفاء ولا غلو.

٥ ـ في فضل الصحابة وما يجب اعتقاده فيهم ، ومذهب أهل السنة والجماعة فيما حدث بينهم.

٦ ـ في النهي عن سب الصحابة وأئمة الهدى.

وجاء الباب الرابع ـ وهو الأخير ـ (في البدع) ، ويتضمن الفصول التالية :

١ ـ تعريف البدعة ، أنواعها ، أحكامها.

٢ ـ ظهور البدع في حياة المسلمين ، والأسباب التي أدت إليها.

٣ ـ موقف الأمة الإسلامية من المبتدعة ، ومنهج أهل السنة والجماعة في الرد عليهم.

٤ ـ في الكلام على نماذج من البدع المعاصرة ، وهي :

أ ـ الاحتفال بالمولد النبوي.

ب ـ التبرك بالأماكن والآثار والأموات ونحو ذلك.

ج ـ البدع في مجال العبادات والتقرب إلى الله.

ونهج فيه مؤلفه في تناوله الموضوعات المذكورة المنهج السلفي ، فحاكم في ضوئه ، وحكم على هديه.

٨

قرأته ـ فيما أقرأ من كتب تصل إلي أو أصل إليها ـ فقدرت في مؤلفه الكريم غيرته على الإسلام ، وأكبرت محاولاته الخيرة في الدفاع عنه بتعريفه المذاهب القديمة والحديثة التي تخالف الإسلام أو تختلف معه كليا أو جزئيا.

وهذا ما كنا نرغب في أن يكون من جميع الكتاب المسلمين ، لأن الدفاع عن العقيدة واجب ديني وحق قانوني.

إلا أنه لفت نظري فيه شيئان استوقفاني عندهما طويلا ، فأحببت أن أوضحهما أكثر ، لعل فيهما ما لم يطلع عليه سعادة الدكتور الفوزان ، أو كان شئ من محتوياتهما مقفلا أمامه ، لأنه لا يملك الخلفيات الثقافية التي تحمل مفاتيح الأقفال ، وهما :

١ ـ حكمه بالبدعة على مسائل اجتهادية في خصوص ما يخالف رأيه ، بما يلزم منه تكفير المسلمين الذين لا يرون رأيه ، كالاحتفال بالمولد النبوي الشريف.

٢ ـ اعتباره التشيع من المذاهب الطارئة على الإسلام دون أن يستند إلى دليل صحيح صريح ، سوى ما نقله من فتوى بعض المشايخ من أنه نشأ بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان ، والكل يعلم أن الفتوى إذا لا تدعم بدليلها لا تصلح لأن يستدل بها ولأبدأ بالموضوع الثاني لما له من أهمية ، وبخاصة في مجال ما يقال عن نشوء المذاهب الإسلامية.

نشأة التشيع

إن من المسلمات في تاريخ التشريع الإسلامي أن نفرا من الصحابة كانوا يجتهدون إلى جانب محاولة استفادة الحكم من الكتاب والسنة في استخدام رأيهم الخاص بتعرف المصلحة ووضع الحكم وفق متطلباتها ، وهو ما عرف في المصطلح الفقهي ب (اجتهاد الرأي) ، ويقابله ـ كما هو معلوم ـ (اجتهاد النص) ويعني محاولة معرفة الحكم الشرعي من خلال النص الشرعي ، آية أو رواية.

وكان من أبرز أولئكم الصحابة الذين عرفوا باجتهاد الرأي ـ إن لم يكن

٩

أبرزهم على الإطلاق ـ الخليفة عمر بن الخطاب.

وكان أبرز من اعتمد النص وحده ولم يرجع إلى الرأي بحال من الأحوال الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

ولإثبات هذا وتوثيقه أنقل بعض النصوص التاريخية التي تعرب عنه : ـ ـ قال أحمد أمين في كتابه «فجر الإسلام» ط ١١ ـ نشر دار الكتاب العربي ببيروت ، سنة ١٩٧٩ م ، في الصفحة ٢٣٦ :

«وعلى الجملة : فقد كان كثير من الصحابة يرى أن يستعمل الرأي حيث لا نص من كتاب ولا سنة».

ـ وقال في الصفحة ٢٣٧ :

(ولعل عمر بن الخطاب كان أظهر الصحابة في هذا الباب ، وهو استعمال (الرأي) فقد روي عنه الشئ الكثير».

ـ وقال في الصفحة ٢٣٨ :

(بل يظهر لي أن عمر كان يستعمل الرأي في أوسع من المعنى الذي ذكرنا ، ذلك أن ما ذكرنا هو استعمال الرأي حيث لا نص من كتاب ولا سنة ، ولكنا نرى عمر سار أبعد من ذلك ، فكان يجتهد في تعرف المصلحة التي لأجلها كانت الآية أو الحديث ، ثم يسترشد بتلك المصلحة في أحكامه ، وهو أقرب شئ إلى ما يعبر عنه الآن بالاسترشاد بروح القانون لا بحرفيته».

ـ وقال في الصفحة ٢٤٠ :

«وعلى كل حال وجد العمل بالرأي ، ونقل عن كثير من كبار الصحابة قضايا أفتوا فيها برأيهم ، كأبي بكر وعمر وزيد بن ثابت وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل ، وكان حامل لواء هذه المدرسة أو هذا المذهب ـ فيما نرى ـ عمر بن الخطاب».

ـ وقال الشيخ ابن تيمية (مجموع فتاوي شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ، جمع وترتيب : عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي ، ط. إدارة المساحة العسكرية بالقاهرة ، سنة ١٤٠٤ ه) ج ١٩ ص ٢٨٥ :

١٠

«كان الإمام أحمد يقول : إنه ما من مسألة يسأل عنها إلا وقد تكلم الصحابة فيها أو في نظيرها ، والصحابة كانوا يحتجون في عامة مسائلهم بالنصوص ، كما هو مشهور عنهم ، وكانوا يجتهدون برأيهم ، ويتكلمون بالرأي ، ويحتجون بالقياس الصحيح أيضا».

ـ وفي مقدمة (موسوعة فقه أبي بكر الصديق ، للدكتور محمد رواس قلعه جي ، ط ١ ، نشر دار الفكر بدمشق ، ١٤٠٣ ه ـ ١٩٨٣ م) ص ١٠ :

«فقد كان فقهاء الصحابة لا يعدلون عما اتفق عليه أبو بكر وعمر ، فعن عبد الله بن أيي يزيد قال : كان عبد الله بن مسعود إذا سئل عن سئ وكان في القرآن والسنة قال به ، وإلا قال به أبو بكر وعمر ، فإن لم يكن قال برأيه».

ـ وفي مقدمة (موسوعة فقه إبراهيم النخعي ، للدكتور محمد رواس قلعه جي ، ط ١ ، نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب ، سنة ١٣٩٩ ه ـ ١٩٧٩ م) ج ١ ص ١٢٧ :

«إن الأستاذ الأول لمدرسة الرأي هو عمر بن الخطاب ، لأنه واجه من الأمور المحتاجة إلى التشريع ما لم يواجهه خليفة قبله ولا بعده! فهو الذي على يديه فتحت الفتوح ومصرت الأمصار وخضعت الأمم المتمدنة من فارس والروم لحكم الإسلام».

ـ وفي كتاب (الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي) ، لمحمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي ، تعليق عبد العزيز بن عبد الفتاح القاري ، ط ١ ، نشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة ، سنة ١٣٩٦ ه) ج ١ ص ٣٧٠ ـ نقلا عن كتاب الليث بن سعد ، لمالك بن أنس ـ :

«فإن كثيرا من أولئك السابقين الأولين خرجوا إلى الجهاد في سبيل الله ابتغاء مرضاة الله فجندوا الأجناد ، واجتمع إليهم الناس ، فأظهروا بين ظهرانيهم كتاب الله وسنة نبيه ولم يكتموهم شيئا علموه.

وكان في كل جند منهم طائفة يعلمون كتاب الله وسنة نبيه ، ويجتهدون برأيهم فيما لم يفسره لهم القرآن والسنة ، وتقدمهم عليه أبو بكر وعمر وعثمان الذين اختارهم المسلمون لأنفسهم!».

١١

ـ ويقول الشهيد الصدر في تصديره لكتاب (تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة منذ نشأة التشيع حتى مطلع القرن الرابع الهجري ، للدكتور عبد الله فياض ، ط. مطبعة أسعد ببغداد ، سنة ١٩٧٠ م) ص ٢١ :

«وقد قدر لهذا الاتجاه (يعني اتجاه الرأي) ممثلون جريئون من كبار الصحابة ، من قبيل عمر بن الخطاب ، الذي ناقش الرسول واجتهد في مواضع عديدة خلافا للنص ، إيمانا منه بجواز ذلك ما دام يرى أنه لم يخطئ المصلحة في اجتهاده!

وبهذا الصدد يمكننا أن نلاحظ موقفه من صلح الحديبية ، واحتجاجه على هذا الصلح ، وموقفه من الأذان وتصرفه فيه بإسقاط (حي على خير العمل).

وموقفه من النبي حين شرع متعة الحج ، إلى غير ذلك من مواقفه الاجتهادية.

وقد انعكس كلا الاتجاهين (اتجاه الرأي واتجاه النص) في مجلس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في آخر يوم من أيام حياته ، فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس : قال : لما حضر رسول الله وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال النبي : هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ، فقال عمر : إن النبي قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت فاختصموا ، منهم من يقول : قربوا يكتب لكم النبي كتابا لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي قال لهم : قوموا (١).

وهذه الواقعة وحدها كافية للتدليل على عمق الاتجاهين ومدى التناقض والصراع بينهما. ويمكن أن نضيف إليها لتصوير عمق الاتجاه الاجتهادي ورسوخه

__________________

(١) وفي نسخة صحيح البخاري طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة ١٣١٤ ه ، وطبعة إدارة الطباعة المنيرية سنة ١٣٤٨ ه. الحديث ٥٥ من كتاب العلم ـ باب كتابة العلم : «حدثنا يحيى بن سليمان ، قال : حدثني ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : لما اشتد بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعه قال : ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. قال عمر : إن النبي غلبه الوجع ، وعندنا كتاب الله حسبنا! فاختلفوا وكثر اللغط ، قال : قوموا عني ، ولا ينبغي عندي التنازع ، فخرج ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين كتابه».

١٢

ما حصل من نزاع وخلاف بين الصحابة حول تأمير أسامة بن زيد على الجيش بالرغم من النص النبوي الصريح على ذلك ، حتى خرج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مريض فخطب الناس ، وقال : أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة؟! ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأمير أبيه من قبله ، وأيم الله إن كان لخليقا بالإمارة وإن ابنه من بعده لخليق بها».

ومما يصلح تعليقا على ما تقدم ما جاء في كتاب (أعلام الموقعين عن رب العالمين ، لابن قيم الجوزية ، تعليق طه عبد الرؤوف سعد ، ط. دار الجيل ببيروت). ج ١ ص ٥١ ، تحت عنوان (النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله) :

«وقال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم) أي لا تقولوا حتى يقول ، ولا تأمروا حتى يأمر ، ولا تفتوا حتى يفتي ، ولا تقطعوا أمرا حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضيه ، روى علي بن أيي طلحة عن ابن عباس (رضي‌الله‌عنه) : (لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة) ، وروى العوفي عنه قال : (نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه).

والقول الجامع في معنى الآية : لا تعجلوا بقول ولا فعل قبل أن يقول رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم أو يفعل».

وأذكر ـ هنا ـ مسألتين لاجتهاد الرأي توضيحا لمفهومه وتمثيلا له ، وها :

١ ـ جاء في (كتاب ـ فقه السنة ، للشيخ سيد سابق ، ط دار الكتاب العربي ـ بيروت) ج ١ ص ٣٨٩ : «وذهبت الأحناف إلى أن سهم المؤلفة قلوبهم قد سقط بإعزاز الله لدينه ، فقد جاء عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وعباس بن مرداس وطلبوا من أبي بكر نصبهم ، فكتب لهم بها ، وجاءوا إلى عمر وأعطوه الخط فأبي ومزقه وقال : هذا شئ كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعطيكموه تأليفا لكم على الإسلام ، والآن قد أعز الله الإسلام وأغنى عنكم فإن ثبتم على الإسلام ، وإلا فبيننا وبينكم السيف (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ، فرجعوا إلى أي بكر فقالوا : الخليفة أنت أم عمر؟! بذلت لنا الخط فمزقه عمر ، فقال : هو إن شاء!

١٣

قالوا (يعني الأحناف) : إن أبا بكر وافق عمر ، ولم ينكر أحد من الصحابة ، كما أنه لم ينقل عن عثمان وعلي أنهما أعطيا أحدا من هذا الصنف.

ويجاب عن هذا :

بأن هذا اجتهاد من عمر ، وأنه رأى أنه ليس من المصلحة إعطاء هؤلاء بعد أن ثبت الإسلام في أقوامهم ، وأنه لا ضرر يخشى من ارتداهم عن الإسلام ، وكون عثمان ، وعلي لم يعطيا أحدا من هذا الصنف لا يدل على ما ذهبوا إليه من سقوط سهم المؤلفة قلوبهم ، فقد يكون ذلك لعدم وجود الحاجة إلى أحد من الكفار ، وهذا لا ينافي ثبوته لمن أحتاج إليه من الأئمة.

على أن العمدة في الاستدلال هو الكتاب والسنة ، فهما المرجع الذي لا يجوز العدول عنه بحال».

٢ ـ جاء في كتاب (فقه عمر بن الخطاب موازنا بفقه أشهر المجتهدين ، للدكتور رويعي بن راجح الرحيلي ، ط ١ ، نشر دار الغرب الاسلامي ببيروت سنة ١٤٠٣ ه) ج ١ ص ٨٥ وما بعدها.

«روى مسلم وغيره عن أبي نضرة ، قال : كان ابن عباس يأمر بالمتعة ، وكان ابن الزبير ينهى عنها ، قال : فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال : على يدي دار الحديث ، تمتعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما قام عمر قال : إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء ، وإن القرآن قد نزل منازله ، فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله وأبتوا نكاح هذه النساء ، فلن أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة.

وروى عبد الرزاق عن عطاء ، قال : لأول من سمعت منه المتعة صفوان بن يعلى قال : أخبرني أبي يعلى أن معاوية استمتع بامرأة بالطائف فأنكرت ذلك عليه ، فدخلنا على ابن عباس فذكر له بعضنا ، فقال : نعم ، فلم يقر في نفسي حتى قدم جابر بن عبد الله فجئنا في منزله فسأله القوم عن أشياء ، ثم ذكروا له المتعة ، فقال : نعم ، استمتعنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر ، حتى إذا

١٤

كان في أواخر خلافة عمر استمتع عمرو بن حريث بامرأة ـ سماها جابر فنسيتها ـ فحملت المرأة ، فبلغ ذلك عمر ، فدعاها فسألها ، فقالت : نعم ، قال : من أشهد؟ قال عطاء : لا أدري أقالت : أمي أم وليها ، قال : فهلا غيرهما ، قال : خشي أن يكون دغلا الآخر»(١).

وفي ص ٩٥ منه : «واشتهر عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه إباحتها ، وقال : ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولولا نهي عنها ما اضطر إلى الزنى إلا شقي».

وفي (مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية) ج ٢٠ ص ٢١٥ و ٢٥١ :

«وقد كان بعض الناس يناظر ابن عباس في المتعة ، فقال له : قال أبو بكر وعمر ، فقال ابن عباس : يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول : قال رسول الله ، وتقولون : قال أبو بكر وعمر».

«وكذلك ابن عمر لما سألوه عنها فأمر بها ، فعارضوا بقول عمر ، فبين لهم أن عمر لم يرد ما يقولونه فألحوا عليه ، فقال لهم : أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحق أن يتبع أم أمر عمر؟».

ومن الوثائق التاريخية التي تشير إلى هذين الاتجاهين (الرأي والنص) ما قاله ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة ، ط ، مصر الأولى) ج ١٠ ص ٥٧٢ وهو يقارن بين سياستي علي وعمر ، وسياستي علي ومعاوية ونصه :

«إعلم أن السائس لا يتمكن من السياسة البالغة إلا إذا كان يعمل برأيه وبما يرى فيه صلاح ملكه وتمهيد أمره وتوطيد قاعدته ، سواء وافق الشريعة أو لم يوافقها ، ومتى لم يعمل في السياسة والتدبير بموجب ما قلناه ، وإلا فبعيد أن ينتظم أمره أو يستوثق حاله.

__________________

(١) الدغل : الاغتيال ، والآخر : الأبعد.

١٥

وأمير المؤمنين كان مقيدا بقيود الشريعة ، مدفوعا إلى أتباعها ، ورفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب والكيد والتدبير إذا لم يكن للشرع موافقا ، فلم تكن قاعدته في خلافته قاعدة غيره ممن لم يلتزم بذلك ، ولسنا بهذا القول زارين على عمر بن الخطاب ولا ناسبين إليه ما هو منزه عنه ، ولكنه كان مجتهدا يعمل بالقياس والاستحسان ، والمصالح المرسلة ، ويرى تخصيص عمومات النص بالآراء ، وبالاستنباط من أصول تقتضي خلاف ما يقتضيه عموم النصوص ، ويكيد خصمه ، ويأمر أمراءه بالكيد والحيلة ، ويؤدب بالدرة والسوط من يغلب على ظنه أنه يستوجب ذلك ، ويصفح عن آخرين قد اجترموا ما يستحقون به التأديب ، كل ذلك بقوة اجتهاده وما يؤديه إليه نظره.

ولم يكن أمير المؤمنين عليه‌السلام يرى ذلك ، وكان يقف مع النصوص والظواهر ، ولا يتعداها إلى الاجتهاد والأقيسة ، ويطبق أمور الدنيا على الدين ، ويسوق الكل مساقا واحدا ، ولا يضع ولا يرفع إلا بالكتاب والنص.

فاختلفت طريقتاهما في الخلافة والسياسة».

وفي ص ٥٧٨ من المصدر نفسه ، نقل ابن أبي الحديد عن الجاحظ فقال :

«قال أبو عثمان : وربما رأيت بعض من يظن بنفسه العقل والتحصيل والفهم والتمييز وهو من العامة ويظن أنه من الخاصة ، يزعم أن معاوية كان أبعد غورا وأصح فكرا وأجود روية وأبعد غاية وأدق مسلكا ، وليس الأمر كذلك ، وسأومئ إليك بجملة تعرف بها موضع غلطه ، والمكان الذي دخل عليه الخطأ من قبله :

كان عين عليه‌السلام لا يستعمل في حربه إلا ما وافق الكتاب والسنة ، وكان معاوية يستعمل خلاف الكتاب والسنة كما يستعمل الكتاب والسنة»!

وبعد هذا نستطيع أن نطلق على أصحاب اتجاه النص (مدرسة أهل البيت) ورأينا أن رأسها كان عليا عليه‌السلام.

وأن نطلق على أصحاب اتجاه الرأي (مدرسة الصحابة) ورأينا أن رأسها كان عمر.

١٦

ويرجع هذا الاختلاف بين هاتين المدرستين الاسلاميتين الفكريتين في المنهج العلمي الذي التزمته كل واحدة منهما ، إلى وفرة النصوص الشرعية بالكمية الكافية لتزويد أتباع المدرسة بما يحتاجون إليه في مجال معرفة الأحكام عند مدرسة أهل البيت ، وعدم توفرها بالكمية الكافية لذلك في مدرسة الصحابة ، وذلك أن الإمام عليا كان يدون ويكتب أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولا بأول ، في كتاب عرف عند الأئمة من أبنائه باسم (كتاب علي).

بينما منع الخليفة عمر من تدوين الحديث وكتابته ، واستمر هذا المنع حتى أيام الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز حيث أمر بتدوين الحديث.

وامتد وضع المدرستين المذكورتين على هذا حتى عهد معاوية بن أبي سفيان حيث تحولتا إلى طائفتين : طائفة السنة وطائفة الشيعة.

إذ لم يؤثر تأريخيا مدة حكم الخلفاء الراشدين أن أطلق اسم السنة على الفرقة المعروفة بهذا الاسم ، كما أنه لم يرو أن استعمل اسم الشيعة كعلم واسم رسمي لاتباع أهل البيت.

وممن ألمح إلى هذا الشيخ الأنطاكي في كتابه «لماذا اخترت مذهب الشيعة ـ مذهب أهل البيت ، ط. ٣) ص ١٣٥ ـ ١٣٦ ، قال : «وقد سمى معاوية نفسه ومن إليه ب (أهل السنة والجماعة) ...».

ويرى النوبختي في كتابه «فرق الشيعة» أن تحول المدرستين إلى طائفتين كان في عهد علي ومعاوية وإطلاق الاسمين كان في عهد بني العباس ، يقول : «بعد مقتل عثمان وقيام معاوية وأتباعه في وجه علي بن أبي طالب وإظهاره الطلب بدم عثمان واستمالته عددا عظيما من المسلمين إلى ذلك ، صار أتباعه يعرفون ب (العثمانية) وهم من يوالون عثمان ويبرأون من علي!

أما من يوالونهما فلا يطلق عليهم اسم العثمانية.

وصار أتباع علي يعرفون ب (العلوية) مع بقاء إطلاق اسم الشيعة عليهم.

واستمر ذلك مدة ملك بني أمية.

١٧

وفي دولة بني العباس نسخ اسم العلوية والعثمانية وصار في المسلمين اسم (الشيعة) و (أهل السنة) إلى يومنا هذا» (١).

من هذا نتبين أن التشيع في نشوئه كان مع التسنن جنبا إلى جنب.

ومنه نفهم أيضا أن كلا منهما بدأ وجوده في عصر الرسالة وبشكل منهج علمي ثم تحول إلى مدرسة فكرية ، ومن بعد ذلك ، وفي عهد بني أمية تحولا إلى طائفتين.

وهذا يعني أن التشيع ليس طارئا على الإسلام ، وهي المفارقة التاريخية التي وقع فيها الكثيرون ممن أرخ لنشوء المذاهب الإسلامية غير السنية.

وقد تبنى أهل البيت مدرسة أبيهم الإمام علي عليه‌السلام منهجا ومادة ، وهي في واقعها ـ كما رأينا ـ امتداد طبيعي للمدرسة الإسلامية الأولى مضمونا وشكلا ، كما أنهم لم يكونوا مجتهدين ، وإنما كانوا رواة لحديث رسولي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو ما أعرب عنه العلماء الشيعة ومن قبلهم الأئمة.

يقول شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي في كتابه (تلخيص الشافي ، ط. النجف) ج ١ ص ٢٥٣ : «الإمام لا يكون عالما بشئ من الأحكام إلا من جهة الرسول وأخذ ذلك من جهته».

وفي كتاب (بحار الأنوار) للمحدث المجلسي ج ٢ ص ١٤٨ من الطبعة الحروفية : «عن جابر ، قال : قلت لأبي جعفر (الباقر عليه‌السلام) : إذا حدثتني بحديث ما سنده لي؟ فقال : حدثني أبي عن جده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم عن جبريل عن الله عزوجل ، وكل ما أحدثك بهذا الإسناد».

ـ وعن جابر أيضا عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام أيضا ، قال : يا جابر ، إنا لو كنا نحدثكم برأينا وهوانا لكنا من الهالكين ، ولكنا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم.

__________________

(١) أنظر : الحقائق الخفية عن الشيعة الفاطمية والاثني عشرية ، إعداد وتقديم محمد حسن الأعظمي ، نشر الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر بالقاهرة ، سنة ١٩٧٠ م ، ص ١٩٩.

١٨

ـ وفي رواية أخرى : ولكنا نفتيهم بآثار من رسول الله وأصول علم عندنا ، نتوارثها كابرا عن كابر.

ـ وفي رواية الفضل عن الإمام الباقر عليه‌السلام أيضا ، قال : لو أنا حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا ، ولكنا حدثنا ببينة من ربنا بينها لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم فبينها لنا.

ـ وفي رواية عن الإمام الصادق عليه‌السلام : مهما أجبتك فيه بشئ فهو عن رسول الله ، لسنا نقول برأينا من شئ.

إلى كثير من أمثال هذه الروايات.

وهذا هو الذي ألزمنا باتباع أهل البيت وأخذ الأحكام الشرعية عنهم ، مضافا إليه :

١ ـ حديث الثقلين :

ونصه كما في رواية الترمذي في صحيحه : «عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله ، حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» (١).

ومفاده :

١ ـ اقتران العترة الطاهرة بالقرآن الكريم ، بمعنى فهمهم له وعلمهم به.

٢ ـ إن التمسك بالكتاب والعترة معا يعصم من الضلالة ، بمعنى أن الالتزام بهدي القرآن ، وبهدي السنة المأخوذة عن طريق أهل البيت تعطي الإنسان المناعة من أن يقع في الضلالة.

٣ ـ حرمة التقدم عليهم ، وحرمة الابتعاد عنهم ، لأن ذلك يوقع في التهلكة

__________________

(١) أنظر أيضا : صحيح سنن الترمذي ، ط ١٠ نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج ـ الرياض سنة ١٤٠٨ هجرية ـ ١٩٨٨ م ، ج ٣ ص ٢٢٧ رقم الحديث ٢٩٨٠ معقبا ب (صحيح).

١٩

والهلاك.

٤ ـ عدم افتراق العترة عن الكتاب ، بمعنى ارتباطهم به علما وعملا ، واستمرار سنتهم ـ لأنها سنة النبي ـ عديلة القرآن إلى يوم القيامة.

يقول ابن حجر : «الحاصل أن الحث وقع على التمسك بالكتاب وبالسنة وبالعلماء بهما من أهل البيت.

ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأمور الثلاثة إلى قيام الساعة " (٢).

٥ ـ أعلمية أهل البيت عليهم‌السلام.

وليس هناك ما هو أحوط للدين وأعذر في الموقف يوم الحساب من اتباع الأعلم.

هذا هو حديث الثقلين في مفاده ودلالته ، فمن أخذ به أخذ بالحيطة لدينه ، وأعذر لله في مسؤوليته ، وأبرأ أمام الحق ذمته ، (ذلك هدى الله يهدي به من يشاء) (والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم).

٢ ـ حديث السفينة :

ونصه ـ كما في رواية الحاكم في المستدرك ٣ / ١٥٠ ط. دار الفكر ببيروت ١٣٩٨ ه ـ ١٩٧٨ م ـ : «بإسناده عن خش الكناني ، قال : سمعت أبا ذر رضي‌الله‌عنه يقول ـ وهو آخذ بباب الكعبة ـ : من عرفني فأنا من عرفني ، ومن أنكرني فأنا أبو ذر سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق».

٣ ـ حديث الأمان :

ونصه ـ كما في رواية الحاكم في المستدرك ٣ / ١٤٩ ـ : «عن ابن عباس رضي الله

__________________

(٢) أنظر : دلائل الصدق ٢ / ٣٠٦.

٢٠