تراثنا ـ العدد [ 27 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 27 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٤

عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس).

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» يعني الشيخين البخاري ومسلما.

٤ ـ حديث الاثني عشر :

ونصه ـ كما في رواية البخاري في الصحيح ٤ / كتاب الأحكام ـ : «عن جابر ابن سمرة أن النبي مذ الله عليه وآله وسلم قال : (يكون بعدي اثنا عشر أميرا) فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنه قال : (كلهم من قريش).

وأشير إلى مضمون هذا الحديث في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي من الكتاب المقدس : الإصحاح الثاني عشر بقوله : «وظهرت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها الكيل من اثني عشر كوكبا ... ولدت ابنا ذكرا عتيدا أن يرعى جميع الأمم بعصى من حديد».

وعلق عليه الأستاذ سعيد أيوب في كتابه (المسيح الدجال : قراءة سياسية في أصول الديانات الكبرى) ط ١ نشر دار الاعتصام بمصر ، ١٤٠٩ ه ـ ٩٨٩ ١ م) علق عليه بالتالي : ـ

في ص ٧٧ : «قالوا في التفسير : (إنها امرأة فاضلة ... وقور ... ويأتي النسل من هذه المرأة) (١).

ومكانة أولاد فاطمة رضي‌الله‌عنها من قلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معروفة (٢) ، وأهل الكتاب عندما وضعوا الصفات التي ترمز إلى الاسم ، كون هذا

__________________

(١) يوم الدين / ستيفنس : ص ٨٧ و ١٠٦ ، تفسير الرؤيا / حنا : ص ٢٧٢ ، جين واكسون ـ آخر ساعة ، العدد الصادر في ٢٦ / ٩ / ١٩٨٤.

(٢) روى ابن عمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إن الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا» رواه البخاري والترمذي (التاج الجامع ٣٥٦ / ١) ، وعن البراء أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٢١

الوضع مشكلة ، هي أن صفحاتهم لم تفسح صدرها للأسماء العربية ، لكنها امتلأت بالأسماء التي كانت تحتويها البيئات التي عاش فيها اليهود ، وشاءت حكمة الله أن تضع أقلامهم صفات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي تعتبر بحق علما عليه».

وفي ص ٩٠ : «ثم يقول الرائي عن القيادات التي ستخرج من هذه العاصة : (يحرسها اثنا عشر ملاكا ، ويقوم سور المدينة على اثني عشر دعامة ، كتبت عليها أسماء رسل الحمل الاثني عشر).

قلت : هذه القيادات جاء ذكرها في حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا يزال هذا الدين ، عزيزا ينصرون على من ناوأهم عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش).

وفي حديث : (اثنا عشر ، عدة نقباء بني إسرائيل) كما قال سفر الرؤيا ، فإنه ربط عدد نقباء المدينة الجديدة بعدد نقباء بني إسرائيل ، ومن هؤلاء سيكون المهدي المنتظر كما ذكر ابن كثير في تفسير سورة النور ، وقال : ومنهم المهدي الذي اسمه يطابق اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال : إن في الحديث دلالة على أنه لا بد من وجود اثني عشر خليفة».

مفاده :

يقول أستاذنا السيد محمد تقي الحكيم : «والذي يستفاد من هذه الروايات :

١ ـ أن عدد الأمراء أو الخلفاء لا يتجاوز الاثني عشر ، وكلهم من قريش.

٢ ـ وأن هؤلاء الأمراء معينون بالنص ، كما هو مقتضى تشبيههم بنقباء بني إسرائيل لقوله تعالى : (ولقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا).

__________________

أبصر حسنا وحسينا فقال : «اللهم إني أحبهما فأحبهما» رواه الترمذي بسند صحيح (التاج ٣٥٨ / ٣).

والجدير بالذكر أن أبناء الحسن والحسين ـ رضي‌الله‌عنهم ـ اشتغلوا بالعلم. وذكرت تفاسير أهل الكتاب أن نسل المرأة الوقور سيواجه المخاطر ، وحدث هذا فلا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

٢٢

٣ ـ أن هذه الروايات افترضت لهم البقاء ما بقي الدين الإسلامي أو حتى تقوم الساعة ، كما هو مقتضى رواية مسلم (إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة) ، وأصرح من ذلك روايته الأخرى في نفس الباب (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان).

وإذا صحت هذه الاستفادة فهي لا تلتئم إلا مع مبنى الإمامية في عدد الأئمة وبقائهم وكونهم من المنصوص عليهم من قبله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي منسجمة جدا مع حديث الثقلين وبقائها حتى يردا عليه الحوض.

وصحة هذه الاستفادة موقوفة على أن يكون المراد من بقاء الأمر فيهم بقاء الإمامة والخلافة ـ بالاستحقاق ـ لا السلطة الظاهرية.

لأن الخليفة الشرعي خليفة يستمد سلطته من الله ، وهي في حدود السلطة التشريعية لا التكوينية ، لأن هذا النوع من السلطة هو الذي تقتضيه وظيفته كمشرع ، ولا ينافي ذلك ذهاب السلطنة منهم في واقعها الخارجي لتسلط الآخرين عليهم.

على أن الروايات تبقى بلا تفسير لو تخلينا عن حملها على هذا المعنى ، لبداهة أن السلطة الظاهرية قد تولاها من قريش أضعاف أضعاف هذا العدد ، فضلا عن انقراض دولهم وعدم النص على أحد منهم ـ أمويين وعباسيين ـ باتفاق المسلمين.

ومن الجدير بالذكر أن هذه الروايات كانت مأثورة في بعض الصحاح والمسانيد قبل أن يكتمل عدد الأئمة ، فلا يحتمل أن تكون من الموضوعات بعد اكتمال العدد المذكور على أن جمع رواتها من أهل السنة ومن الموثوقين لديهم.

ولعل حيرة كثير من العلماء في توجيه هذه الأحاديث وملاءمتها للواقع التاريخي ، كان منشؤها عدم تمكنهم من تكذيبها ، ومن هنا تضاربت الأقوال في توجيهها وبيان المراد منها.

والسيوطي ، بعد أن أورد ما قاله العلماء في هذه الأحاديث المشكلة خرج برأي غريب نورده هنا تفكهة للقراء ، وهو : (وعلى هذا فقد وجد من الاثني عشر : الخلفاء

٢٣

الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز في بني أمية ، وكذلك الظاهر لما أوتيه من العدل ، وبقي الاثنان المنتظران ، أحدهما المهدي لأنه من أهل بيت محمد) ولم يبين المنتظر الثاني ، ورحم الله من قال في السيوطي : إنه حاطب ليل " (١).

وما يقال عن السيوطي يقال عن ابن روزبهان في رده على العلامة الحلي وهو يحاول توجيه هذه الأحاديث (٢).

والحقيقة أن هذه الأحاديث لا تقبل توجيها إلا على مذهب الإمامية في أئمتهم ، واعتبارها من دلائل النبوة في صدقها عن الأخبار بالمغيبات أولى من محاولة إثارة الشكوك حولها كما صنعه بعض الباحثين متخطيا في ذلك جميع الاعتبارات العلمية ، وبخاصة بعد أن ثبت صدقها بانطباقها على الأئمة الاثني عشر " (٣).

حديث باب حطة :

ونصه كما في رواية الصواعق المحرقة ص ١٥٠ : «إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل ، من دخله غفر له ـ وفي رواية : غفر له الذنوب ـ».

ونخلص من كل ما تقدم إلى التالي :

١ ـ إن هذه الأدلة ، وهي بين متواتر ومستفيض ومصحح قرنته دلائل القطع بصدوره عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعشرات أخرى أمثالها ، صريحة في شرعية مذهب أهل البيت ومشروعية أتباعه.

بل هي صريحة في وجوب اتباعهم ولزوم الالتزام بهديهم.

٢ ـ إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نص على إمامة علي عليه‌السلام في حديث الغدير ، وفي هذه الأحاديث المتقدمة ، وفي عشرات أمثالها.

__________________

(١) الأصول العامة للفقه المقارن : ١٨٠ نقلا عن : أضواء على السنة المحمدية ٢١٢.

(٢) المصدر نفسه عن : دلائل الصدق ٢ / ٣١٠.

(٣) المصدر نفسه ، وانظر : خلاصة علم الكلام : ٣١١ ـ ٣١٣.

٢٤

ثم امتدت الإمامة منه إلى أبنائه الأحد عشر بوصية السابق على اللاحق.

٣ ـ ولأنا رأينا أن مذهب أهل البيت هو التفرع الأصيل لمدرسة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يأتي هذا أيضا في حق مذهب الإمامية ، لأنه التجسيد الحقيقي لمذهب أهل البيت.

قال الشيخ محمد المنتصر الكتاني في كتابه (معجم فقه السلف : عترة وصحابة وتابعين ، نشر المركز العالمي للتعليم الإسلامي بجامعة أم القرى ـ مكة المكرمة) ج ١ ص ٥ :

«والظفر بفقه العترة ظفر بالعلم والهدى والأمان من الضلال ، وبكتاب الله مقترنا بالهداية والأمان حتى دخول الجنة».

وقال السيد محمد بن يوسف الحسني التونسي المالكي ، الشهير بالكافي ، في كتابه (السيف اليماني المسلول ، ص ١٦٩ ، ط. مطبعة الترقي بدمشق) :

«روى أبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي في كتابه المستخرج من التفسير الاثني عشر في إتمام الحديث المتقدم (يعني حديث السفينة) بعده : فقال علي : يا رسول الله من الفرقة الناجية؟ فقال : (المتمسكون بما أنت عليه وأصحابك).

وفي الأحاديث المذكورة آنفا ما يدل على أن المتبعين لأهل البيت ، والمقدمين لهم ، والمقتدين بهم ، هم الفرقة الناجية.

وحث الرسول على الاقتداء بهم ، والتمسك بما هم عليه ، وإيجاب ذلك على جميع الخلق بروايات الكل ، يعلمنا علما ضروريا أن أهل البيت هم الفرقة الناجية.

فكل من اقتدى بهم ، وسلك آثارهم فقد نجا ، ومن تخلف عنهم وزاغ عن طريقهم فقد غوى.

ويدل على ذلك الحديث المشهور المتفق على نقله : (مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق) ، وهو حديث نقله الفريقان ، وصححه

٢٥

القبيلان ، لا يمكن لطاعن أن يطعن عليه وأمثاله» (١).

وأخيرا :

هذه قصة نشوء التشيع في حقيقتها الأصيلة ، وجذروها الأثيلة ، ومعطياتها الخيرة النبيلة.

وهؤلاء أهل البيت في وضوح حقهم على المسلمين.

وها نحن في اتباعنا لهم حيث أخذنا بالدليل الناصع والبرهان القاطع ... فأمرنا ـ بعد هذا ـ إلى الله تعالى فإنه حسبنا ونعم الوكيل ، ولنا مما رواه ثقة الإسلام الشيخ الكليني في كتاب «الكافي» خير هاد في مسيرتنا ودليل : «عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أبيه ، قال : سمعت أبا عبد الله (الصادق عليه‌السلام) يقول : اجعلوا أمركم إلى الله ولا تجعلوه للناس ، فإنه ما كان لله فهو لله ، وما كان للناس فلا يصعد إلى الله ، ولا تخاصموا الناس لدينكم ، فإن المخاصمة ممرضة للقلب ، إن الله تعالى قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) وقال : (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) ، ذروا الناس ، فإن الناس أخذوا عن الناس ، وإنكم أخذتم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

إني سمعت أبي عليه‌السلام يقول : إن الله عزوجل إذا كتب على عبد أن يدخل في هذا الأمر كان أسرع إليه من الطير إلى وكره».

والحمد لله على ولايتنا لمحمد وآل محمد وهدايتنا بهدى محمد وآل محمد

__________________

(١) أنظر : إحقاق الحق ٩ / ٢٩٣ «هامش».

٢٦

التبديع والتكفير

بعد ظهور أصحاب المقالات من الشيعة والخوارج والمعتزلة ، وظهور حلقات الدرس الكلامي لمتكلمة هؤلاء الفرق ، برز في أخريات القرن الثالث لأهل السنة والجماعة متكلمون أصحاب مقالات ، من أشهرهم أبو الحسن الأشعري (ت ٣٢٤ ه) وأبو المنصور الماتريدي (ت ٣٣٣ ه) فكانت لكل منهما فرقته ، واشتهرت فرقتاهما ، فكانتا الفرقتين السنيتين الكبريين عقائديا.

ولم تثلثا إلا في أخريات القرن السابع وأوليات القرن الثامن عندما نادى الشيخ ابن تيمية (ت ٧٢٨ ه) بعقيدته السلفية ، وتألفت من حوله الفرقة السنية السلفية ، ولكنها بسبب ما عرف به أتباعها من تشدد وعنف ، لم تنتشر انتشار الأشعرية والماتريدية.

وخلال المدة ، منذ انبثاق الأفكار الكلامية في القرن الأول الهجري ، وتحولها إلى علم له مناهجه وقواعده ومسائله قي أوائل القرن الثاني حتى القرن الثامن الهجري ، والمسلمون يعنون بالتوحيد الكلامي (نسبة إلى علم الكلام) ... توحيد الله. وبتعبير آخر : توحيد الذات الإلهية.

لأن ذلك هو ما يلزم به منهج البحث العلمي الذي يقتضي الباحث أن يبدأ أولا بتحديد المشكلة التي هي موضوع البحث ، ثم ـ بعد هذا ـ يقوم بالبحث.

والمشكلة التي كانت تواجه الباحثين المسلمين منذ بدئهم بالدرس الكلامي هي المشكلة التي واجهت القرآن الكريم ، وهي مشكلة الشرك ، مشكلة الاعتقاد بتعدد الآلهة.

وقد واجهها القرآن الكريم وجابهها بمعظم ما فيه من آي كريمة سجلت أروع انتصار شهده تاريخ حرب العقائد بهزيمة الشرك والمشركين.

ومن هنا ، أو لهذا ، أنصب بحث علماء الكلام المسلمين على إثبات الوحدانية ،

٢٧

ونفي الشركاء.

فالهدف من البحث الكلامي ـ في ضوء هذا ـ هو إثبات أن الإله الخالق لهذه الأكوان وما فيها والمدبر لها والمتصرف فيها ، والذي يجب أن يخضع له تشريعيا تبعا للخضوع له تكوينيا هو الله الواحد الأحد.

ولكن عندما جاء الشيخ ابن تيمية نوع التوحيد ـ فيما طرحه من طروحات في العقيدة الإسلامية ـ إلى نوعين هما :

١ ـ التوحيد القولي :

وسماه : توحيد الاعتقاد (أي الاعتقاد والإيمان بأن الإله واحد). وتوضح فكرة هذا النوع من التوحيد ـ كما يرى ـ سورة التوحيد (قل هو الله أحد). وسماه أيضا : توحيد الربوبية.

وهذا النوع عنده هو التوحيد الكلامي الذي تحدث عنه المتكلمون في بحوثهم ، لأنه هو الذي ينطبق عليه معنى التوحيد.

٢ ـ التوحيد العملي :

وسماه : توحيد العبادة (أي أن يخضع الإنسان لمعبود واحد ، وهو الله تعالى). وتوضح فكرة هذا النوع من التوحيد ـ كما يرى ـ سورة الكافرون (قل يا أيها الكافرون).

وسماه أيضا : توحيد الألوهية ، لأن الإله معناه ـ لغة : ـ المعبود.

وقسم العبادة إلى قسمين ، هما :

١ ـ العبادة العامة : وهي الالتزام بالدين في جميع تشريعاته من عبادات ـ بمعناها الخاص ـ ومعاملات ... إلى آخره.

٢ ـ العبادة الخاصة : وهي التي قوامها نية التقرب بالعمل إلى الله تعالى.

وهي ما تسمى في علم الفقه بالعبادة.

٢٨

وذكر لتوحيد العبادة ثلاثة مجالات هي :

١ ـ إفراد الله تعالى بالحكم.

٢ ـ إفراد الله تعالى بالولاية.

٣ ـ إفراد الله تعالى بالنسك.

وبهذا ذهب ابن تيمية إلى أن التوحيد القولي الذي بحثه المتكلمون لا يتم به الواجب ولا يكون به المسلم مسلما ، بل لا بد من التوحيد العملي مضافا إلى التوحيد القولي.

قال : «إن التوحيد الذي قرره المتكلمون ليس هو كل التوحيد ، ولا يتم به الواجب ، ولا يكون به المسلم مسلما ، بل لا بد مع التوحيد القولي العلمي ، المعرفي من التوحيد الإرادي القصدي الطلبي العملي ، وهو توحيد العبادة ، فهما متلازمان لا يقبل أحدهما بدون الآخر.

وإذا كان توحيد الخبر والاعتقاد ـ القولي ـ الذي تعبر عنه سورة : (قل هو الله أحد) يتضمن ، توحيد الذات والصفات والأفعال ، وذلك يشمل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. وبالجملة : (تصديق خبر الرسول جملة وعلى الغيب) ، مع وصف الرب سبحانه وتعالى بالكمالات وتنزيهه عن النقائص التي ألحقها به المشركون من الصاحبة والولد واتخاذ الملائكة إناثا ، وما جعلوا بينه وبين الجنة من نسب إلى غير ذلك ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

فلا بد من معرفة أركان النوع الثاني من التوحيد : وهو التوحيد العملي ، توحيد العبادة» (١).

ويلاحظ على هذه الفكرة :

١ ـ أن السلفيين عبروا عن التوحيد القولي بالتوحيد الربوبي ، وقالوا : إنه

__________________

(١) حد الإسلام وحقيقة الإيمان : ١٣٨ نقلا عن الرسالة التدمرية.

٢٩

ليس كافيا في تحقيق معنى التوحيد الذي يدعو إليه القرآن الكريم ، لأن مثل هذا التوحيد موجود لدى المشركين ، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى : (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) على معنى أن الشرك هنا هو عبادة غير الله.

يقول : الشيخ ابن تيمية في الفتاوى الكبرى : «والشرك الذي ذكره الله في كتابه إنما هو عبادة غيره من المخلوقات كعبادة الملائكة والكواكب أو الشمس أو القمر أو الأنبياء أو تماثيلهم أو قبورهم أو غيرهم من الآدميين ، ونحو ذلك مما هو كثير في هؤلاء الجهمية ونحوهم ممن يزعم أنه محقق في التوحيد وهو أعظم الناس إشراكا» (١).

وهم بهذا يعطون مصطلح الشرك معنى آخر غير ما يفاد من دلالته اللغوية والاجتماعية والعلمية.

ذلك أن معناه لغة واصطلاحا هو الاعتقاد بتعدد الآلهة ، بمعنى جعل شريك أو أكثر لله فيما يختصن به من خلق ونحوه.

وفي ضوئه :

أن من يعبد شيئا واحدا غير الله كالشمس ـ مثلا ـ وهو لا يؤمن بالله لا يقال له : مشرك ، وإنما يقال له : ملحد.

والقرآن الكريم إنما عبر عمن أشارت إليهم الآية الكريمة بالاشراك ، لأنهم كانوا يؤمنون بالله إلها معبودا ، ولكن أشركوا معه آلهة آخرين يعبدونهم ليقربوهم إلى الله زلفى (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) فأشركوا بسبب إضفاء صفة خاصة به تعالى على غيره وهي الألوهية ، لأن العبودية لا تكون إلا لمن يعتقد بألوهيته ، فهم في الواقع مشركون في الألوهية ، والشرك لا يعبر عنه بالتوحيد للمنافاة بينهما.

فالتعبير عن هذا اللون من الشرك بالتوحيد فيه شئ غير قليل من التساهل في استعمال المصطلحات.

__________________

(١) حد الإسلام وحقيقة الإيمان : ١٢٥.

٣٠

وربما يقال : إنهم إنما عبروا عنه بالتوحيد مجاراة للمتكلمين الذين يعبرون عن التوحيد القولي بالتوحيد ، وهو ليس بتوحيد.

فإننا نقول : إن المتكلمين لا يرون ـ بأي حال من الأحوال ـ أن شرك المشركين توحيد ، ذلك لأن التوحيد عندهم يعني وحدانية الإله ، والشرك يعني تعدد الإله.

٢ ـ وفي ضوء المنهج السلفي في فهم معنى النص الملزم بعدم التأويل والتقدير وعدم الحمل على المجاز ، يمكننا أن نلاحظ عليهم مفارقة تعبيرية أخرى ، هي : تعبيرهم عن توحيد المعبود بتوحيد العبادة.

ذلك أن العبادة في الإسلام غير واحدة ، وإنما متعددة الافراد والجزئيات فمنها الصلاة والصوم والزكاة والحج ... وإلى آخره ، وهذا مما لا خفاء فيه.

والذي نص عليه القرآن الكريم ودعا إلى توحيده ليس العبادة ، بل الإله المعبود ، وفرق بين العبادة والمعبود.

٣ ـ وشئ آخر من المفارقات في الفكرة ، أنهم قالوا : إن الصلاة تجاه القبر ـ بمعنى أن يكون القبر أمام المصلي ، ويتأتى هذا إذا كان القبر في جهة القبلة ووقف المصلي خلفه ـ هي عبادة للقبر أو لصاحب القبر ، كما هو مفاد نص الشيخ ابن تيمية المتقدم.

ووجه المفارقة : أن الكل يدرك أن هناك فرقا بين الصلاة للقبر أو لصاحب القبر وبين الصلاة في مكان خلف القبر.

ولنأخذ مثالا لهذا : مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة المنورة ، وهو ـ كما يعلم الكل ـ محيط بالحجرة الشريفة التي فيها قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم وقبرا صاحبيه أبي بكر وعمر ، فإن من يصلي فيه ـ وهو متجه إلى القبلة ـ في مكان خلف الحجرة الشريفة بحيث يكون قبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو قبر أحد الشيخين أمامه ، هل يجوز أن يقال له : إن صلاته كانت لرسول الله أو لأبي بكر أو لعمر أو لقبورهم ، ولم تكن لله؟!

٣١

لا أظن ، بل لا أتوهم أن مسلما ما يتهم هذا المصلي بهذه التهمة.

ومثل الصلاة في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصلاة في مساجد أخرى أو مشاهد تماثله في موضع القبر.

فالحكم فيهما واحد سلبا وإيجابا.

٤ ـ وأضرب مثالا آخر : هو الفرق الذي يدركه كل إنسان بين السجود للشئ والسجود على الشئ.

فالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسجد على الخمرة ، وسجوده لله تعالى ومن غير ريب في ذلك ، ومن ارتاب فهو من المبطلين المفترين على الله ورسوله.

وقد أراد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعلمنا بهذا أن نحترم موضع السجود بالمحافظة على طهارته ونظافته باتخاذ الخمرة أو ما يماثلها من طينة جافة طاهرة أو غيرهما مما يجوز السجود عليه.

٥ ـ إن نفي الشيخ ابن تيمية الإسلام عمن يؤمن بالتوحيد القولي الذي قرره المتكلمون ، تكفير لكل الفرق الإسلامية الكلامية من أشاعرة وماتريدية وصوفية ومعتزلة وإمامية وزيدية وإباضية وغيرها.

وهذا ـ ومن غير ريب ـ ليس بمقبول ولا يقره عليه مسلم لديه أدنى معرفة بأن قوام الحكم على الإنسان بأنه مسلم : هو أن يشهد الشهادتين ، غير منكر ـ لا لشبهة ـ ضروريا من ضروريات الدين.

وبهذا وردت السنة الشريفة : ـ

ـ ففي حديث أنس : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثلاث من أصل الإيمان :

الكف عمن قال : لا إله إلا الله ، لا نكفره بذنب ، ولا نخرجه عن الإسلام بعمل.

ـ وفي حديث ابن عمر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كفوا عن أهل

٣٢

لا إله إلا الله ، لا تكفروهم بذنب ، من كفر أهل لا إله إلا الله فهو إلى الكفر أقرب (١).

وذكر ابن المرتضى الاحتجاج لذلك بعدم تكفير أمير المؤمنين عليه‌السلام الخوارج ، قال : «ويعضد ذلك عمل الصحابة ، فعن جابر : أنه قيل له : هل كنتم تدعون أحدا من أهل القبلة مشركا؟ قال : معاذ الله! .. ففزع لذلك.

قيل : هل كنتم تدعون أحدا منهم كافرا؟ قال : لا.

رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير ، ورجاله رجال الصحيح ، والحديث إذا اشتهر العمل به في الصحابة دل على قوته» (٢).

وفي «مجمع الزوائد» لأبي يعلى ـ بعد ذكره حديث جابر ـ ذكر حديث أنس ، قال : حدثنا أبو خيثمة ، ثنا عمر بن يونس ، ثنا عكرمة ، ثنا يزيد الرقاشي ، عن أنس ابن مالك ، قال : قلت يا أبا حمزة ، إن ناسا يشهدون علينا بالكفر والشرك ، قال أنس : أولئك من شر الخلق والخليقة» (٣).

مع أن توحيد الألوهية منطو على توحيد العبادة أو توحيد المعبود ، فالمتكلمون ، لم ينكروا التوحيد العملي ، وكيف ينسب إليهم نكرانه ، وهم يعرفون عين المعرفة أن من ضروريات الدين أن تكون العبادة لله وحده.

ولأنه كذلك لم يحتج المتكلمون إلى النص على فكرة توحيد المعبود بخصوصها ، لأنه ـ كما قلت ـ من بديهيات العقيدة الإسلامية عدم جواز العبادة لغير الله تعالى.

فالبناء على القبور ـ مثلا ـ لا يمكن أن يكون بحال من الأحوال عبادة لصاحب القبر.

ولا أدري كيف يجرؤ أحد أن يقول هذا وهو يشاهد البناء القائم على قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر والضريح المذهب أمام جهة الوجه الشريف للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المعروف بالمواجهة؟!

__________________

(١) إيثار الحق على الخلق : ٤٣٤ ـ ٤٣٥.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) المقصد العلي : ١٤١.

٣٣

والمسلمون جميعا لم ينكروا هذا.

ومثل هذا الإجماع على إقرار البناء على هذه القبور ، دليل متين يملك من القوة ما يثبت بها أن البناء على القبر ليس عبادة لصاحب القبر.

٦ ـ بعد علمنا أن من البداهة بمكان التفريق بين الاتيان بالفعل تعبدا والإتيان به تعظيما.

وذلك لأن التعبد يحتاج إلى نص خاص فيه ، أو أن يندرج تحت عنوان ورد فيه نص خاص.

وأن ما عدا التعبد من التعظيم وغيره من الأفعال المماثلة له لا يحتاج إلى نص خاص.

وإنما يكتفى في الحكم عليه بالجواز بعدم ورود نهي عنه ، لأنه فعل غير عبادي. فمثلا بناء المحاريب التجويفية والمنائر العالية والقباب في المساجد الإسلامية لم تكن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا على عهد صحابته.

فالمفروض أن لا تضاف مثل هذه الأشياء على هيكل بناء المسجد ، لأن بناء المسجد من العبادة المندوب إليها شرعا ، والعبادة توقيفية.

ومع هذا لم ينكر المسلمون بناءها ، إما لأنها بدعة مستحسنة كما يرى البعض!

أو لأنها تدخل في عنوان المسجد فتكون مشمولة بالدليل النادب لبناء المساجد ، أو لدليل آخر.

وعليه : ليس كل ما لم يكن على عهد الصحابة هو شرك ومناف لتوحيد العبادة.

فكذلك الوقوف عند القبر والدعاء لديه بطلب شئ غير محرم من الله تعالى لا من صاحب القبر ، لا نستطيع اعتداده شركا ، لأن الدعاء مندوب إليه في كل زمان وكل مكان وعلى كل حال.

وفرق بين الدعاء طلبا من صاحب القبر وبين الدعاء طلبا من الله عند القبر.

وهو ما على جوازه فتوى عموم الفقهاء المسلمين.

ومثالا آخر :.

٣٤

الاحتفال بذكريات العلماء والرجال ، كالاحتفال بذكرى ابن سينا ، وذكرى المتنبي ، وذكرى الشيخ محمد بن عبد الوهاب مجدد الدعوة السلفية الذي أقامته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض.

فإنه جائز ، لأنه فعل غير عبادي ، وإنما هو عمل تعظيمي.

وهنا نقول :

مثل الاحتفالات المذكورة الاحتفال بذكرى مولد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم وبعثته وهجرته ووفاته ، فإنها كلها جائزة ، لأن القائمين بها لم يأتوا بها تعبدا للرسول ، لأنهم يعلمون ويعتقدون أن العبادة لا تكون إلا لله وحده ، ولا تعبدا لله عند من لم يقف على دليل استحبابها ، وإنما يأتون بها تعظيما للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم

والتعظيم فعل غير عبادي فلا نحتاج في إثبات جوازه إلى نص خاص ، أو سيرة الصحابة ، وإنما يكتفى بعدم ورود نهي عنه خاص أو عام شامل له.

ومن المؤسف له والمؤلم جدا أن يترك هذا التبديع والتكفير للمسلمين من أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى أثره قائما حتى الآن.

٣٥

من الأحاديث الموضوعة

(٧)

أحاديث مقلوبة

في مناقب الصحابة

السيد علي الحسيني الميلاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

وبعد .. فهذه رسالة موضوعها «الأحاديث المقلوبة في فضائل الصحابة» كتبتها حول هذا الجانب من تراثنا وقد كتب لما أن تنشر في (تراثنا) ... كشفت فيها عن جانب من التلاعب الواقع في الأحاديث المروية عن سيد البرية لأغراض سياسية ...

وقد تعرضنا هنا إلى أربعة من تلك الأحاديث ... وعلى هذه فقس ما سواها .. والله الهادي إلى سواء السبيل.

٣٦

الحديث الأول

حديث المنزلة

لقد اتفق المسلمون على رواية حديث المنزلة في حق أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ... وأخرجه من علماء أهل السنة : البخاري ومسلم وغيرهما من أرباب الصحاح ، وكذا رواه أصحاب المسانيد والمعاجم ... وغيرهم من كبار المحدثين ... القدماء والمتأخرين ... وإليك نص الحديث كما في الصحاح.

حديث المنزلة بشأن أمير المؤمنين :

أخرج البخاري قائلا :.

«حدثنا محمد بن بشار ، ثنا غندر ، ثنا شعبة ، عن سعد ، قال : سمعت إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، قال : قال النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم لعلي : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» (١).

قال : «حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم خرج إلى تبوك فاستخلف عليا فقال : أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال : ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي» (٢).

وأخرج مسلم ، قال : «حدثنا يحيى بن يحيى التميمي وأبو جعفر محمد بن الصباح وعبيد الله القواريري وسريح بن يونس ، كلهم عن يوسف بن الماجشون

__________________

(١) مناقب علي بن أبي طالب من كتاب المناقب.

(٢) باب غزوة تبوك من كتاب المغازي.

٣٧

ـ واللفظ لابن الصباح ـ قال : نا يوسف أبو سلمة الماجشون ، قال : ثنا محمد بن المنكدر ، عن سعيد بن المسيب ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم لعلي : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

قال سعيد : فأحببت أن أشافه بها سعدا ، فلقيت سعدا فحدثته بما حدثني به عامر ، فقال : أنا سمعته. قلت : أنت سمعته؟! قال : فوضع إصبعيه على أذنيه فقال : نعم وإلا فاستكتا.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : نا غندر عن شعبة.

ح وحدثنا محمد بن مثنى وابن بشار ، قالا : نا محمد بن جعفر ، قال : نا شعبة ، عن الحكم ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : خلف رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك ، فقال : يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي.

حدثناه عبيد الله بن معاذ ، قال : نا أبي ، قال : نا شعبة ، في هذا الإسناد.

حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد ـ وتقاربا في اللفظ ـ قالا : نا حاتم ـ وهو ابن إسماعيل ـ عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب؟! فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فلن أسبه ، لئن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم : سمعت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول له ـ وخلفه في بعض مغازيه ، فقال له علي : يا رسول الله! خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبوة بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. قال : فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي عليا ، فأتي به أرمد ، فبصق في عينيه ودفع

٣٨

الراية إليه ، ففتح الله عليه.

ولما نزلت هذه الآية : (ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلى الله عليه «وآله» وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا غندر ، عن شعبة.

ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا : ثنا محمد بن جعفر. ثنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، قال : سمعت إبراهيم بن سعد ، عن سعد ، عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أنه قال لعلي : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى " (٣).

المحاولات السقيمة في رد حديث المنزلة :

ثم إن القوم لما رأوا صحة هذا الحديث سندا ، بل تواتره من طرقهم المعتبرة عندهم التجأوا إلى التشكيك في دلالته على أفضلية أمير المؤمنين وخلافته عن رسول رب العالمين ... فراجع كتب الحديث والكلام.

فجاء آخرون وانتبهوا إلى سقوط تلك التشكيكات فاضطروا إلى القدح في سنده ، وإن كان متفقا عليه بين أرباب الصحاح وغيرهم من أئمة الحديث ... كما لا يخفى على من راجع كتاب «الصواعق المحرقة».

وهناك من رأى أن لا جدوى في الطعن بالسند والدلالة ، فعمد إلى لفظ الحديث وحرفه بما لا يتفوه به مسلم ... فقال بأن لفظه : علي مني بمنزلة هارون من موسى ...!!! كما لا يخفى على من راجع كتب الرجال بترجمة «حريز بن عثمان».

قلب حديث المنزلة :

وقلب آخرون الحديث إلى الشيخين :

قال الخطيب : «أخبرنا الطاهري ، أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن بن علي

__________________

(٣) باب فضائل علي بن أبي طالب من كتاب المناقب.

٣٩

ابن زكريا الشاعر ، حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، حدثنا بشر بن دحية ، حدثنا قزعة بن سويد ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس :

أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قال : أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى» (٤).

وقال المتقي :

«أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.

خط ، وابن الجوزي في الواهيات ، عن ابن عباس» (٥).

وكذا قال المناوي (٦).

نظرات في سنده :

أقول :

وهذا السند في غاية السقوط ، ففيه :

١ ـ ابن أبي مليكة ،

وقد عرفته في بحثنا حول حديث «خطبة علي ابنة أبي جهل» الموضوع الباطل (٧).

٢ ـ قزعة بن سويد ،

روى ابن أبي حاتم عن أحمد : «مضطرب الحديث» وعن ابن معين «ضعيف» وعن أبيه أبي حاتم الرازي : «لا يحتج به» (٨).

وذكر ابن حجر عن البخاري : «ليس بذاك القوي» وعن أبي داود والعنبري

__________________

(٤) تاريخ بغداد ١١ / ٣٨٤.

(٥) كنز العمال ١١ / ٥٦٧.

(٦) كنوز الحقائق ـ حرف الألف.

(٧) نشر في العدد ٢٣ من تراثنا.

(٨) الجرح والتعديل ٧ / ١٣٩.

٤٠