تراثنا ـ العدد [ 27 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 27 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٤

لا يجب علينا بيان السبب في غيبته على التعيين ، بل يكفي في العلم بحسن الغيبة منه علمنا بعصمته وأنه ممن لا يفعل قبيحا ولا يترك واجبا ، وضربنا لذلك الأمثال في الأصول ، وأن مثل ذلك مستعمل في مواضع كثيرة.

وخطر ببالنا الآن ما لا بد من ذكره ليعرف ، فهو قوي سليم من الشبه (١١٥) والمطاعن.

[استلهام الأولياء من وجود الإمام

ولو في الغيبة]

وجملته : أن أولياء إمام الزمان عليه‌السلام وشيعته ومعتقدي إمامته ينتفعون به في حال غيبته (١١٦) النفع الذي نقول إنه لا بد ـ في التكليف ـ منه ، لأنهم مع علمهم بوجوده بينهم ، وقطعهم على وجوب طاعته عليهم ، ولزومها لهم ، لا بد من أن يهابوه ويخافوه في ارتكاب القبائح ، ويخشوا تأديبه وانتقامه ومؤاخذته وسطوته ، فيكثر منهم فعل الواجب ، ويقل ارتكاب القبيح ، أو يكون ذلك أقرب وأليق ، وهذه هي جهة الحاجة العقلية إلى الإمام.

__________________

(١١٥) في «أ» : الشنعة. وفي «م» : السبة.

(١١٦) في «م» : الغيبة.

٢٢١

[هل الغيبة تمنع الإمام من التأثير والعمل؟]

وكأني بمن سمع هذا من المخالفين ربما عجب وقال : أي سطوة لغائب مستتر خائف مذعور؟!

وأي انتقام يخشى ممن لا يد له باسطة ، ولا أمر نافذ ، ولا سلطان قاهر؟!

وكيف يرهب من لا يعرف ولا يميز ولا يدرى مكانه؟!

والجواب عن هذا : أن التعجب بغير حجة تظهر وبينة تذكر هو الذي يجب العجب منه ، وقد علمنا أن أولياء الإمام وإن لم يعرفوا شخصه ويميزوه بعينه ، فإنهم يحققون وجوده ، ويتيقنون أنه معهم بينهم ، ولا يشكون في ذلك ولا يرتابون به :

لأنهم إن لم يكونوا على هذه الصفة لحقوا بالأعداء ، وخرجوا عن منزلة الأولياء ، وما فيهم إلا من يعتقد أن الإمام بحيث لا تخفى عليه أخباره ، ولا تغيب عنه سرائره ، فضلا عن ظواهره ، وأنه يجوز أن يعرف ما يقع منهم من قبيح وحسن ، فلا يأمنون إن يقدموا على القبائح فيؤدبهم عليها.

ومن الذي يمتنع منهم ـ إن ظهر له الإمام ، وأظهر له معجزة يعلم بها أنه إمام الزمان ، وأراد تقويمه وتأديبه وإقامة حد عليه ـ أن يبذل ذلك من نفسه ويستسلم لما يفعله إمامه به ، وهو يعتقد إمامته وفرض طاعته؟!

٢٢٢

[لا فرق في الاستلهام من وجود الأئمة

بين الغيبة والظهور]

وهل حاله مع شيعته غائبا إلا كحاله ظاهرا فيما ذكرناه خاصة ، وفي وجوب طاعته ، والتحرز من معصيته ، والتزام مراقبته ، وتجنب مخالفته.

وليس الحذر من السطوة والاشفاق من النقمة بموقوفين على معرفة العين ، وتمييز الشخص ، والقطع على مكانه بعينه ، فإن كثيرا من رعية الإمام الظاهر لا يعرفون عينه ولا يميزون شخصه ، وفي كثير من الأحوال لا يعرفون مكان حلوله ، وهم خائفون متى فعلوا قبيحا أن يؤدبهم ويقومهم ، وينتفعون بهذه الرهبة حتى يكفوا عن كثير من القبائح ، أو يكونوا أقرب إلى الانكفاف.

وإذا كان الأمر على ما أوضحناه فقد سقط عنا السؤال المتضمن ل : أن الإمام إذا لم يظهر لأعدائه لخوفه منهم وارتيابه بهم ، فألا ظهر لأوليائه؟!

وإلا : فكيف حرم الأولياء منفعتهم ومصلحتهم بشئ جره الأعداء عليهم؟!

وإن هذا شئ ينافي العدل مع استمرار تكليف شيعته ما الإمام لطف فيه؟

لأنا قد بينا أنهم بإمامهم عليه‌السلام مع الغيبة منتفعون ، وأن الغيبة لا تنافي الانتفاع الذي تمس الحاجة إليه في التكليف.

وبينا أنه ليس من شرط الانتفاع الظهور والبروز ، وبرئنا من عهدة

٢٢٣

هذا السؤال القوي الذي يعتقد مخالفونا أنه لا جواب عنه ولا محيص منه.

[الظهور للأولياء ليس واجبا]

ومع هذا ، فما نمنع (١١٧) من ظهوره عليه‌السلام لبعضهم إما لتقويم أو تأديب أو وعظ وتنبيه وتعليم ، غير إن ذلك كله غير واجب ، فيطلب في فوته العلل وتتمحل له الأسباب.

وإنما يصعب الكلام ويشتبه إذا كان ظهوره للولي واجبا من حيث لا ينتفع أو يرتدع إلا مع الظهور.

وإذا كان الأمر على خلاف ذلك سقط وجوب الظهور للولي ، لما دللنا عليه من حصول الانتفاع والارتداع من دونه ، فلم تبق شبهة.

[علم الإمام حال الغيبة بما يجري

وطرق ذلك]

فإن قيل : ومن أين يعلم الإمام في حال الغيبة والاستتار بوقوع القبائح من شيعته حتى يخافوا تأديبه عليها ، وهو في حال الغيبة ممن لا يقر عنده مقر ، ولا يشهد لديه شاهد ، وهل هذا إلا تعليل بالباطل؟!

قلنا : ما المتعلل بالباطل إلا من لا ينصف من نفسه ، ولا يلحظ ما عليه كما يلحظ ما له!

__________________

(١١٧) كان في نسخ الكتاب الثلاث : يمنع. وما أثبتناه هو المناسب للسياق.

٢٢٤

فأما معرفة الإمام بوقوع القبائح من بعض أوليائه فقد يكون من كل الوجوه التي يعلم منها وقوع ذلك منهم ، وهو ظاهر نافذ الأمر باسط اليد.

[مشاهدته للأمور بنفسه عليه‌السلام]

فمنها : أنه قد يجوز أن يشاهد ذلك فيعرفه بنفسه ، وحال الظهور في هذا الوجه كحال الغيبة ، بل حال الغيبة فيه أقوى :

لأن الإمام إذا لم تعرف عينه ويميز شخصه ، كان التحرز ـ من مشاهدته لنا على بعض القبيح ـ أضيق وأبعد ، ومع المعرفة له بعينه يكون التحرز أوسع وأسهل ، ومعلوم لكل عاقل الفرق بين الأمرين :

لأنا إذا لم نعرفه جوزنا في كل من نراه ـ ولا نعرف نسبه ـ أنه هو ، حتى أنا لا نأمن أن يكون بعض جيراننا أو أضيافنا أو الداخلين والخارجين إلينا ، وكل ذلك مرتفع مع المعرفة والتمييز.

وإذا شاهد الإمام منا قبيحا يوجب تأديبا وتقويما ، أدب عليه وقوم ، ولم يحتج إلى إقرار وبينة ، لأنهما يقتضيان غلبة الظن ، والعلم أقوى من الظن.

[قيام البينة عنده عليه‌السلام]

ومن الوجوه أيضا : البينة ، والغيبة ـ أيضا ـ لا تمنع من استماعها والعمل بها :

لأنه يجوز أن يظهر على بعض الفواحش ـ من أحد شيعته ـ العدد

٢٢٥

الذي تقوم به الشهادة عليها ، ويكون هؤلاء العدد ممن يلقى الإمام ويظهر له ـ فقد قلنا : إنا لا نمنع من ذلك ، وإن كنا لا نوجبه ـ فإذا شهدوا عنده بها ، ورأى إقامة حدها : تولاه بنفسه أو بأعوانه ، فلا مانع له من ذلك ، ولا وجه يوجب تعذره.

فإن قيل : ربما لم يكن من شاهد هذه الفاحشة ممن يلقى الإمام ، فلا يقدر على إقامة الشهادة؟

قلنا : نحن في بيان الطرق الممكنة المقدرة في هذا الباب ، لا في وجوب حصولها ، وإذا كان ما ذكرناه ممكنا فقد وجب الخوف والتحرز ، وتم اللطف.

على أن هذا بعينه قائم مع ظهور الإمام وتمكنه :

لأن الفاحشة يجوز ـ أولا ـ أن لا يشاهدها من يشهد بها ، ثم يجوز أن يشاهدها من لا عدالة له فلا يشهد ، وإن شهد لم تقبل شهادته ، وإن شاهدها من العدول من تقبل مثل شهادته يجوز أن لا يختار الشهادة.

وكأننا نقدر على أن نحصي الوجوه التي تسقط معها إقامة الحدود!

ومع ذلك كله فالرهبة قائمة ، والحذر ثابت ، ويكفي التجويز دون القطع.

[الإقرار عند الإمام]

فأما الإقرار : فيمكن أيضا مع الغيبة ، لأن بعض الأولياء ـ الذين ربما ظهر لهم الإمام ـ قد يجوز أن يواقع فاحشة فيتوب منها ، ويؤثر التطهير له

٢٢٦

بالحد الواجب فيها ، فيقر بها عنده.

فقد صارت الوجوه التي تكون مع الظهور ثابتة في حال الغيبة.

[احتمال بعد الإمام وقربه]

فإن قيل : أليس ما أحد (١١٨) من شيعته إلا وهو يجوز أن يكون الإمام بعيد الدار منه ، وأنه يحل إما المشرق أو المغرب ، فهو آمن من مشاهدته له على معصيته ، أو أن يشهد بها عليه شاهد (١١٩) ، وهذا لا يلزم مع ظهور الإمام والعلم ببعد داره ، لأنه لا يبعد من بلد إلا ويستخلف فيه من يقوم مقامه ممن يرهب ويخشى ويتقى انتقامه؟!

قلنا : كما لا أحد من شيعته (إلا وهو يجوز بعد محل الإمام عنه ، فكذلك لا أحد منهم) (١٢٠) إلا وهو يجوز كونه في بلده وقريبا من داره وجواره ، والتجويز كاف في وقوع الحذر وعدم الأمان.

وبعد ، فمع (١٢١) ظهور الإمام وانبساط يده ، ونفوذ أمره في جميع الأمة ، لا أحد من مرتكبي القبائح (١٢٢) إلا وهو يجوز خفاء ذلك على الإمام ولا يتصل به ، ومع هذا فالرهبة قائمة ، واللطف بالإمام ثابت.

فكيف ينسى هذا من يلزمنا بمثله مع الغيبة؟!

__________________

(١١٨) كان في «أ» : أليس لأحد. وفي «ج» : أليس أحد.

(١١٩) في «أ» و «ج» : شاهد عليه.

(١٢٠) ما بين القوسين سقط من «ج».

(١٢١) في «م» : ومع.

(١٢٢) في «ج» : القبيح.

٢٢٧

[إمكان استخلاف الإمام لغيره

في الغيبة والظهور]

فأما ما مضى في السؤال من : أن الإمام إذا كان ظاهرا متميزا وغاب عن بلد ، فلن يغيب عنه إلا بعد أن يستخلف عليه من يرهب كرهبته؟

فقد ثبت أن التجويز ـ في حال الغيبة ـ لأن يكون قريب الدار منا ، مخالطا لنا ، كاف في قيام الهيبة وتمام الرهبة.

لكننا ننزل على هذا الحكم فنقول (١٢٣) : ومن الذي يمنع من قال بغيبة الإمام (من مثل ذلك ، فنقول : إن الإمام) (١٢٤) لا يبعد في أطراف الأرض إلا بعد أن يستخلف من أصحابه وأعوانه ، فلا بد من أن يكون له ، وفي صحبته ، أعوان وأصحاب على كل بلد يبعد عنه من يقوم مقامه في مراعاة ما يجري من شيعته ، فإن جرى ما يوجب تقويما ويقتضي تأديبا تولاه هذا المستخلف كما يتولاه الإمام بنفسه.

فإذا قيل : وكيف يطاع هذا المستخلف؟! ومن أين يعلم الولي الذي يريد تأديبه أنه خليفة الإمام؟!

قلنا : بمعجز يظهره الله تعالى على يده ، فالمعجزات على مذاهبنا تظهر على أيدي الصالحين فضلا عمن يستخلفه الإمام ويقيمه مقامه.

فإن قيل : إنما يرهب خليفة الإمام مع بعد الإمام إذا عرفناه وميزناه!

__________________

(١٢٣) سقطت الجملة التالية من «م» لغاية كلمة «فنقول» التالية.

(١٢٤) ما بين القوسين سقط من «أ».

٢٢٨

قيل : قد مضى من هذا الزمان (١٢٥) ما فيه كفاية.

وإذا كنا نقطع على وجود الإمام في الزمان ومراعاته لأمورنا ، فحاله عندنا منقسمة إلى أمرين ، لا ثالث لهما :

إما أن يكون معنا في بلد واحد ، فيراعي أمورنا بنفسه ، ولا يحتاج إلى غيره.

أو بعيدا عنا ، فليس يجوز ـ مع حكمته ـ أن يبعد إلا بعد أن يستخلف من يقوم مقامه ، كما يجب أن يفعل لو كان ظاهر العين متميز الشخص.

وهذه غاية لا شبهة بعدها.

[الفرق بين الغيبة والظهور

في الانتفاع بوجود الإمام]

فإن قيل : هذا تصريح منكم بأن ظهور الإمام كاستتاره في الانتفاع به والخوف منه ونيل المصالح من جهته ، وفي ذلك ها تعلمون! (١٢٦).

قلنا : إنا لا نقول : إن ظهوره في المرافق ـ به ـ والمنافع كاستتاره ، وكيف نقول ذلك وفي ظهوره وانبساط يده وقوة سلطانه ، انتفاع الولي والعدو ، والمحب والمبغض؟! وليس ينتفع به في حال الغيبة ـ الانتفاع الذي

__________________

(١٢٥) كلمة «الزمان» ليس في «أ»

(١٢٦) يعني أن هذا يقتضي أن لا يكون هناك فرق بين حالتي الغيبة والظهور ، في أداء الإمام دوره الإلهي ، وهو ظاهر التهافت لوضوح الفرق بين الأمرين ، مع أن هذا يؤدي إلى بطلان جميع ما تحدثتم به عن الغيبة وعللها ومصالحها وغير ذلك.

٢٢٩

أشرنا إليه ـ إلا وليه دون عدوه.

وفي ظهوره وانبساطه ـ أيضا ـ منافع جمة لأوليائه وغيرهم ، لأنه يحمي بيضتهم ، ويسد ثغورهم ، ويؤمن سبلهم ، فيتمكنون من التجارات والمكاسب والمغانم ، ويمنع من ظلم غيرهم لهم ، فتتوفر أموالهم ، وتدر معايشهم ، وتتضاعف مكاسبهم.

غير إن هذه منافع دنياوية لا يجب ـ إذا فاتت بالغيبة ـ أن يسقط التكليف معها ، والمنافع الدينية الواجبة في كل حال بالإمامة قد بينا أنها ثابتة مع الغيبة ، فلا يجب سقوط التكليف لها.

ولو قلنا ـ وإن كان ذلك ليس بواجب ـ : إن انتفاعهم به على سبيل اللطف في فعل الواجب ، والامتناع من القبيح ـ وقد بينا ثبوته في حال الغيبة ـ يكون أقوى في حال الظهور للكل وانبساط اليد في الجميع ، لجاز :

لأن اعتراض ما يفوت قوة اللطف ـ مع ثبوت أصله ـ لا يمنع من الانتفاع به على الوجه الذي هو لطف فيه ، ولا يوجب سقوط التكليف.

[هل يقوم شئ مقام الإمام في أداء دوره]

فإن قيل : ألا جوزتم أن يكون أولياؤه غير منتفعين به في حال الغيبة ، إلا أن الله تعالى يفعل لهم من اللطف في هذه الأحوال ما يقوم في تكليفهم مقام الانتفاع بالإمام؟! كما قاله جماعة من الشيوخ في إقامة الحدود إذا فاتت ، فإن الله تعالى يفعل ما يقوم مقامها في التكليف.

قلنا : قد بينا أن أولياء الإمام ينتفعون به في أحوال الغيبة على وجه

٢٣٠

لا مجال للريب عليه ، وبهذا القدر يسقط السؤال.

ثم يبطل من وجه آخر ، وهو : أن تدبير الإمام وتصرفه واللطف لرعيته به ، مما لا يقوم ـ عندنا ـ شئ من الأمور مقامه. ولولا أن الأمر على ذلك لما وجبت الإمامة على كل حال ، وفي كل مكلف ، ولكان تجويزنا قيام غيرها مقامها في اللطف يمنع من القطع على وجوبها في كل الأزمان.

وهذا السؤال طعن في وجوب الإمامة ، فكيف نتقبله ونسأل عنه في علة الغيبة؟!

وليس كذلك الحدود ، لأنها إذا كانت لطفا ، ولم يمنع دليل عقلي ولا سمعي من جواز نظير لها وقائم في اللطف مقامها ، جاز أن يقال : إن الله تعالى يفعل عند فوتها ما يقوم مقامها ، وهذا على ما بيناه لا يتأتى في الإمامة.

[كيف يعلم الإمام بوقت ظهوره]

فإن قيل : إذا علقتم ظهور الإمام بزوال خوفه من أعدائه ، وأمنه من جهتهم :

فكيف يعلم ذلك؟

وأي طريق له إليه؟

وما يضمره أعداؤه أو يظهرونه ـ وهم في الشرق والغرب والبر والبحر ـ لا سبيل له إلى معرفته على التحديد والتفصيل!

قلنا : أما الإمامية فعندهم : أن آباء الإمام عليه وعليهم‌السلام

٢٣١

عهدوا إليه وأنذروه وأطلعوه على ما عرفوه من توقيف الرسول (صلى الله عليه وآله) (١٢٧) على زمان الغيبة وكيفيتها ، وطولها وقصرها ، وعلاماتها وأماراتها ، ووقت الظهور ، والدلائل على (تيسيره وتسهيله) (١٢٨).

وعلى هذا لا سؤال علينا ، لأن زمان الظهور إذا كان منصوصا على صفته ، والوقت الذي يجب أن يكون فيه ، فلا حاجة إلى العلم بالسرائر والضمائر.

وغير ممتنع ـ مضافا إلى ما ذكرناه ـ أن يكون هذا الباب موقوفا على غلبة الظن وقوة الأمارات وتظاهر الدلالات.

وإذا كان ظهور الإمام إنما هو بأحد أمور : إما بكثرة أعوانه وأنصاره ، أو قوتهم ونجدتهم ، أو قلة أعدائه ، أو ضعفهم وجورهم ، وهذه أمور عليها أمارات يعرفها من نظر فيها وراعاها ، وقربت مخالطته لها ، فإذا أحس الإمام عليه‌السلام بما ذكرناه ـ إما مجتمعا أو متفرقا ـ وغلب في ظنه السلامة ، وقوي عنده بلوغ الغرض والظفر بالأرب ، تعين عليه فرض الظهور ، كما يتعين على أحدنا فرض الإقدام والإحجام عند الأمارات المؤمنة والمخيفة.

[هل يعتمد الإمام على الظن

في أسباب ظهوره]

فإن قيل : إذا كان من غلب عنده ظن السلامة ، يجوز خلافها ، ولا يأمن أن يحقق ظنه ، فكيف يعمل إمام الزمان ومهدي الأمة على الظن في

__________________

(١٢٧) في «أ» : عليه‌السلام.

(١٢٨) في «ج» : تيسره وتسهله.

٢٣٢

الظهور ورفع التقية وهو مجوز يقتل ويمنع؟!

قلنا : أما غلبة الظن فتقوم مقام العلم في تصرفنا وكثير من أحوالنا الدينية والدنياوية من غير علم بما تؤول إليه العواقب ، غير أن الإمام خطبه يخالف خطب غيره في هذا الباب ، فلا بد فيه من أن يكون قاطعا على النصر والظفر.

[الجواب على مسلك المخالفين]

وإذا سلكنا في هذه المسألة الطريق الثاني من الطريقين اللذين ذكرناهما ، كان لنا أن نقول : إن الله تعالى قد أعلم إمام الزمان ـ من جهة وسائط علمه ، وهم آباؤه وجده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أنه متى غلب في ظنه الظفر وظهرت له أمارات السلامة ، فظهوره واجب ولا خوف عليه من أحد ، فيكون الظن ها هنا طريقا إلى (١٢٩) العلم ، وبابا إلى القطع.

وهذا كما يقوله أصحاب القياس إذا قال لهم نافوه في الشريعة ومبطلوه : كيف يجوز أن يقدم ـ من يظن أن الفرع مشبه للأصل في الإباحة ، ومشارك له في علتها ـ على الفعل ، وهو يجوز أن يكون الأمر بخلاف ظنه؟ لأن الظن لا قطع معه ، والتجويز ـ بخلاف ما تناوله ـ ثابت ، أوليس هذا موجبا أن يكون المكلف مقدما على ما لا يأمن كونه قبيحا؟! والإقدام على ما لا يؤمن قبحه كالإقدام على ما يعلم قبحه.

لأنهم يقولون : تعبد الحكيم سبحانه بالقياس يمنع من هذا

__________________

(١٢٩) في «م» : من.

٢٣٣

التجويز ، لأن الله تعالى إذا تعبد بالقياس فكأنه عزوجل قال : «من غلب على ظنه بأمارات ، فظهر له في فرع أنه يشبه أصلا محللا فيعمل على ظنه ، فذلك فرضه والمشروع له» فقد أمن بهذا الدليل ومن هذه الجهة الإقدام على القبيح ، وصار ظنه ـ أن الفرج يشبه الأصل في الحكم المخصوص ـ طريقا إلى العلم بحاله وصفته في حقه وفيما يرجع إليه ، وإن جاز أن يكون حكم غيره في هذه الحادثة بخلاف حكمه إذا خالفه في غلبة الظن.

ومن هذه حجته وعليها عمدته ، كيف يشتبه عليه ما ذكرناه في غلبة الظن للإمام بالسلامة والظفر؟!

والأولى بالمنصف أن ينظر لخصمه كما ينظر لنفسه ويقنع به من نفسه.

[كيف يساوى بين حكم الظهور والغيبة

مع أن مبنى الأول الضرورة ،

ومبنى الثاني النظر]

فإن قيل : كيف يكون الإمام لطفا لأوليائه في أحوال غيبته (١٣٠) ، وزاجرا لهم عن فعل القبيح ، وباعثا على فعل الواجب على الحد الذي يكون عليه مع ظهوره؟ وهو :

إذا كان ظاهرا متصرفا : علم ضرورة ، وخيفت سطوته وعقابه مشاهدة.

__________________

(١٣٠) في «م» : الغيبة.

٢٣٤

وإذا كان غائبا مستترا : علم ذلك بالدلائل المتطرق عليها ضروب الشبهات.

وهل الجمع بين الأمرين إلا دفعا للعيان؟!

قلنا : هذا سؤال لم يصدر عن تأمل :

لأن الإمام ، وإن كان مع ظهوره نعلم وجوده ضرورة ، ونرى تصرفه مشاهدة ، فالعلم بأنه الإمام المفترض (١٣١) الطاعة المستحق للتدبير والتصرف ، لا يعلم إلا بالاستدلال الذي يجوز اعتراض الشبهة فيه / (١٣٢).

والحال ـ في العلم بأنه / (١٣٣) الإمام المفروض الطاعة ، وأن الطريق إليه الدليل في الغيبة والظهور ـ واحد (ة) (١٣٤).

فقد صارت المشاهدة والضرورة لا تغني في هذا الباب شيئا ، لأنهما مما لا يتعلقان إلا بوجود عين الإمام ، دون صحة إمامته ووجوب طاعته.

واللطف إنما هو ـ على هذا ـ يتعلق بما هو غير مشاهد.

وحال الظهور ـ في كون الإمام عليه‌السلام لطفا لمن يعتقد إمامته وفرض طاعته ـ (كحال الغيبة) (١٣٥).

__________________

(١٣١) في «م» : المفروض.

(١٣٢) إلى هنا تنتهي نسخة «ج».

(١٣٣) إلى هنا تنتهي نسخة «أ». وجاء هنا ما نصه :

والله أعلم ببقية النسخة إلى هنا ، وفرغ تعليقها نهار الاثنين الثامن من شهر شعبان المبارك ، من شهور سنة سبعين وألف ، الفقير الحقير ، المقر بالذنب والتقصير ، إبراهيم بن محمد الحرفوشي العاملي ، عامله الله بلطفه ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

(١٣٤) أثبتناه لضرورة السياق ، لأنها خبر «والحال».

(١٣٥) أثبتناه لضرورة السياق.

٢٣٥

وسقطت الشبهة.

والحمد لله وحده ،

وصلى الله على محمد وآله وسلم (١٣٦).

__________________

(١٣٦) جاء هنا في نهاية نسخة «م» ما نصه : كتب العبد محمد بن إبراهيم الأوالي. وفرغت من مقابلته وتتميم كتابته على نسخة مخطوطة في القرن العاشر ، بخط محمد بن إبراهيم بن عيسى البحراني الأوالي ، ضمن مجموعة قيمة في مكتبة السيد المرعشي العامة العامرة ، في مدينة قم ، في يوم الأربعاء سابع محرم الحرام من سنة ١٤١٠ ، وأنا المرتهن بذنبه ، الفقير إلى عفو ربه ، عبد العزيز الطباطبائي.

٢٣٦

مصادر المقدمة والتحقيق

١ ـ إعلام الورى بأعلام الهدى ، لأمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (ت ٥٤٨ ه) دار الكتب الإسلامية ـ طهران ، بالتصوير على طبعة النجف الأشرف.

ومخطوطة منه ، من القرن السابع الهجري ، من محفوظات مكتبة مؤسسة آل البيت ـ عليهم‌السلام ـ لإحياء التراث / قم.

٢ ـ تنزيه الأنبياء والأئمة ، للشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي (٣٥٥ ـ ٤٣٦ ه) منشورات الشريف الرضي ـ قم (مصور).

٣ ـ الذخيرة في علم الكلام ، للشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي (٣٥٥ ـ ٤٣٦ ه) تحقيق السيد أحمد الحسيني ، جماعة المدرسين ـ قم / ١٤١١ ه.

٤ ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، للشيخ آقا بزرك الطهراني (ت ١٣٨٩ ه) الطبعة الثانية ، دار الأضواء ـ بيروت / ١٤٠٣ ه.

٥ ـ رجال النجاشي ، للشيخ أبي العباس أحمد بن علي النجاشي (٣٧٢ ـ ٤٥٠ ه) تحقيق السيد موسى الشبيري الزنجاني ، جماعة المدرسين ـ قم / ١٤٠٧ ه.

٦ ـ رسالة في غيبة الحجة (رسائل الشريف المرتضى ـ المجموعة الثانية) للشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي (٣٥٥ ـ ٤٣٦ ه) إعداد السيد مهدي الرجائي ، دار القرآن الكريم ـ قم / ١٤٠٥ ه.

٧ ـ الشافي في الإمامة ، للشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي (٣٥٥ ـ ٤٣٦ ه) تحقيق السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب ، مؤسسة الصادق ـ طهران / ١٤١٠ ه ، بالتصوير على طبعة بيروت.

٨ ـ الصحاح ، لإسماعيل بن حماد الجوهري ، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار ، الطبعة الثالثة ، دار العلم للملايين ـ بيروت / ١٤٠٤ ه.

٩ ـ الغيبة ، لشيخ الطائفة الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه) تحقيق الشيخ عباد الله الطهراني. والشيخ علي أحمد ناصح ، مؤسسة المعارف الإسلامية ـ قم / ١٤١١ س.

١٠ ـ الفرق بين الفرق ، لعبد القاهر بن طاهر الأسفرائيني (ت ٤٢٩ ه) تحقيق محمد

٢٣٧

محي الدين عبد الحميد ، دار المعرفة ـ بيروت.

١١ ـ فرق الشيعة ، لأبي محمد الحسن النوبختي (ق ٣ ه) تصحيح السيد محمد صادق بحر العلوم ، المكتبة المرتضوية ـ النجف الأشرف / ١٣٥٥ ه.

١٢ ـ الفهرست ، لشيخ الطائفة الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه) منشورات الشريف الرضي ـ قم ، بالتصوير على طبعة المكتبة المرتضوية في النجف الأشرف بالعراق.

١٣ ـ لسان العرب ، لابن منظور المصري ، أدب الحوزة ـ قم / ١٤٠٥ ه (مصور).

١٤ ـ معجم الأدباء ، لياقوت الحموي ، الطبعة الثالثة ، دار الفكر ـ بيروت / ١٤٠٠ هجرية.

١٥ ـ معجم البلدان ، لياقوت الحموي ، دار صادر ـ بيروت / ١٣٩٩ ه.

١٦ ـ مفتاح السعادة ومصباح السيادة ، لأحمد بن مصطفى طاش كبرى زاه ، الأولى ، دار الكتب العلمية ـ بيروت / ١٤٠٥ ه.

٧ ١ ـ الملل والنحل ، للشهرستاني (٤٧٩ ـ ٥٤٨ ه) تخريج محمد بن فتح الله بدران ، منشورات الشريف الرضي ـ قم ، بالتصوير على الطبعة الثانية.

وطبعة أخرى ، بتحقيق محمد سيد كيلاني ، دار المعرفة ـ بيروت.

١٨ ـ الواقفية .. دراسة تحليلية ، للشيخ رياض محمد حبيب الناصري ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه‌السلام ـ مشهد / ١٤٠٩ و ١٤١١ ه.

٢٣٨

من أنباء التراث

كيف ترى النور لأول مرة

* مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، ج ١ ـ ٣.

تأليف : الحافظ أي جعفر محمد بن سليمان الكوفي ، قاضي صعدة باليمن ، من أعلام القرن الثالث الهجري.

من أحسن كتب المناقب وأجمعها ، يحوي أكثر من ألف حديث ، جمعها المؤلف عن شيوخه بأسانيد معروفة ، فأكثر مواضيعه مما اشترك في روايته الخاصة والعامة ، وأكثر رواة هذه المراضيع من رواة صحاح العامة.

تحقيق : الشيخ محمد باقر المحمودي.

نشر : مجمع إحياء الثقافة الإسلامية ـ قم / ١٤١٢ ه.

* المهذب البارع في شرح المختصر النافع ، ج ٤.

تأليف : الشيخ جمال الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن فهد الحلي (٧٥٧ ـ ٨٤١ هجرية).

هو شرح لكتاب «المختصر النافع» في فقه الإمامية ، للمحقق الحلي ، أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الهذلي (٦٠٢ ـ ٦٧٦ هجرية).

أورد في كل مسألة أقوال علماء الإمامية وأدلة كل قول ، وبين الخلاف في كل مسألة خلافية ، وغيرها مما يتعلق بتلك البحوث.

اشتمل هذا الجزء على كتب : اللعان ، العتق ، التدبير ، الإقرار ، الأيمان ، النذور

٢٣٩

والعهود ، الصيد والذبائح ، الأطعمة والأشربة ، الغصب ، الشفعة ، إحياء الموات ، اللقطة ، المواريث ، القضاء ، والشهادات.

تحقيق : الشيخ مجتبى العراقي.

نشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية ـ قم / ١٤١٢ ه.

* معراج أهل الكمال إلى معرفة الرجال.

تأليف : المحقق البحراني ، الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي (١٠٧٥ ـ ١١٢١ ه).

هو الشرح الوحيد لكتاب «الفهرست» لشيخ الطائفة الطوسي ـ المتوفى سنة ٤٦٠ ه ـ أحد الأصول الرجالية الخمسة للطائفة ، حاول فيه المؤلف ـ رحمه‌الله ـ أن يكون دراسة مستوعبة للفهرست ، فنبه على أماكن التصحيف وغيره بدقة شديدة ، وأضاف إليه تعليقات وملاحظات مهمة.

تم تحقيقه بالاعتماد على أربع نسخ مخطوطة ذكرت في مقدمة التحقيق.

تحقيق : السيد مهدي الرجائي.

وقد صدر في قم مؤخرا منضما إليه كتاب المؤلف الآتي «بلغة المحدثين».

* بلغة المحدثين.

تأليف : المحقق البحراني ، الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي (١٠٧٥ ـ ١١٢١ ه).

كتاب في أحوال الرجال ، اقتصر فيه على ما اتضح له من أحوالهم ، فذكر الثقات والممدوحين والموثقين دون الضعفاء والمشكوك في حالهم أو من لم تثبت وثاقته أو ممدوحيته.

تم تحقيقه على نسخة مخطوطة ذكرت في مقدمة التحقيق.

تحقيق : عبد الزهراء العويناتي البلادي.

وقد صدر في قم مؤخرا منضما إلى كتاب المؤلف آنف الذكر.

* تفسير آية المودة.

تأليف : الشيخ أبي العباس أحمد بن محمد بن شهاب الدين الخفاجي الحنفي المصري (٩٧٩ ـ ١٠٦٩ ه).

كتاب في بيان ما لأهل البيت عليهم السلام من فرض المحبة ، وذكر مناقب أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، إضافة إلى تفسير آية (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) الشورى ٤٢ : ٢٣ ، واختصاصها بأهل بيت

٢٤٠