تراثنا ـ العدد [ 14 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 14 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٨

١٨١

كتاب «الليل والنهار» لابن فارس

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين وصلى الله على نبيه محمد وآله وصحبه أجمعين.

سألني فتى من أهل الجبل ـ جبل الماهين ـ أن أثبت له ورقات في ذكر الليل والنهار ، وما يصلح أن يفضل به أحدهما على الآخر ويسوى ، فارتجلت كتيبي هذا مسعفا له به.

فأول ذلك قول صاحب الليل :

إن الله جل وعز قال : (وجعلنا الليل والنهار آيتين) (١) وقال في مفتتح سورة [الليل] : (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى) (٢) فبدأ بذكر الليل ثم أعقبه بالنهار ، وفي التقديم على أي حال كان ما فيه ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قدموا قريشا ولا تقدموها» (٣). فبين فضيلة التقديم ، وقال جل ثناؤه : (جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا) (٤) ، وقال تبارك اسمه : (وهو الذي جعل الليل والنهار آيتين) (٥) ، وقال جل ثناؤه : (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا) (٦).

وذلك كثير في أي من القرآن كثيرة.

__________________

(١) الإسراء ١٧ : ١٢.

(٢) الليل ٩٢ : ١ و ٢.

(٣) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال ١٢ : ٢٢ ، من ثلاث طرق.

(٤) يونس ١٠ : ٦٧.

(٥) كذا.

(٦) القصص ٢٨ : ٧١.

١٨٢

قال صاحب النهار :

ليس تقديم الشئ بالذكر على غيره موجبا فضيلة ، ولا ناتجا منقبة ، ألا ترى أنه قال جل ثناؤه : (خلق الموت والحياة) (٧) ومعلوم أن الحياة أفضل ، وقال جل وعز : (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (٨) والإنس لا شك أفضل.

مع أن في القرآن تقديم النهار على الليل في قوله جل وعز : (والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها) (٩) فقدم النهار. وقال جل ثناؤه : (مثل الفريقين كالأعمى والأصم وابصر والسميع) (١٠). تأويل ذلك عن أهل اللغة : مثل الفريقين كالأعمى والبصير والأصم والسميع ، فهل يكون المقدم ها هنا أفضل من المؤخر ، ذا لا يكون أبدا.

قال صاحب الليل :

فضيلة الليل تقدمه على النهار وسبقه إليه ، قال الله تعالى : (أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) (١١) فلا مرية في أن المرتتقين مظلمان ، فإذا فتق أحدث معنى آخر ، فالظلمة إذا قبل النور في الإنشاء والخلقة ، وإذا كان كذا فالليل قبل النهار.

قال صاحب النهار منشدا متمثلا :

إذا سلكت حوران من رمل عالج

فقولا لها : ليس الطريق كذلك

__________________

(٧) الملك ٦٧ : ٢.

(٨) الذريات ٥١ : ٥٦.

(٩) الشمس ٩١ : ٣ و ٤.

(١٠) هود ١١ : ٢٤.

(١١) الأنبياء ٢١ : ٣٠.

١٨٣

ولعمري ما الأمر على ما ظننته بل النور قبل الظلمة ، قال الله تعالى ذكره : (الله نور السماوات والأرض) (١٢).

تأويل ذلك أنه جل ثناؤه هو الذي أضاء هما بنور استنارا به ، فأغفلت أنت هذا ، واعتبرت العالم الذي نحن سكنوه ، وقد قال جل وعز : (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا) (١٣).

فبالنيرين أضاء ما كان مرتتقا ، ثم فتق بالضياء قبل الظلام ، والنهار مضئ ، فاعلم ذلك.

قال صاحب الليل :

معلوم أن الزمان حركات الفلك في دورانه ، وهو أعوام وشهور وأسابيع ، ومتى ولد الشهر فإنما يذكر من أول ليلة لأول يوم منه ، فلو كان النهار أفضل كان افتتاح الشهر به لا بل مفتتحه الليلة الأولى منه.

قال صاحب النهار :

هذا عليك لا لك ، وذلك أن خلقا يكثر عددهم يجعلون مفتتح الشهر أول يوم منه ، وإنما العرب عدت الشهر من أول ليلة ، لأن الهلال فيها يهل ، والله عزوجل يقول : (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) (١٤) فجعل جل ثناؤه مواقيت الحج ومواقيت سائر مال بالناس إليه حاجة من اقتضاء الديون وانقضاء عددا المعتدات وغير ذلك من أنواع العبادات في إهلال الهلال.

هذا والشهر عند العرب إنما هو الهلال ، ثم سمى به كل ثلاثين يوما شهرا ، وذا شئ اتفقت فيه العرب والعجم ، لأن «الماه» عند العجم هو القمر ، ثم

__________________

(١٢) النور ٢٤ : ٣٥.

(١٣) يونس ١٠ : ٥.

(١٤) البقرة ٢ : ١٨٩.

١٨٤

سموا ثلاثين يوما «ماه» ، والحجة لما قلناه قول ذي الرمة (١٥).

فأصبح أجلى الطرف ما يستزيده

يرى الشهر قبل الناس وهو بخيل

وقال كثير (١٦) :

تراءوا على ماوية الفجر غدوة

وقد محقق الشهر المبين ما حق

والهلال إذن هو المقدم والهلال نور ، وذلك دليل على أن النور قبل الظلمة.

وبعد فإنا رأينا ذوي الإحساس وأكثر الناس ، يجزعان من الليل ، لا بل يلومونه ويذمونه ويكرهونه ويتشكون طوله ، قال امرؤ القيس (١٧) :

__________________

(١٥) غيلان بن عقبة بن نهيس من مسعود العدوي ، من مضر ، أبو الحارث : شاعر ، من فحول الطبقة الثانية في عصره ، ولد في سنة ٧٧ ه ، وكان شديد القصر ، دميما ، يضرب لونه إلى السواد ، أكثر شعره تشبيب وبكاء وأطلال ، يذهب في ذلك مذهب الجاهلين وكان مقيما بالبادية ، يحضر إلى اليمامة والبصرة كثيرا ، قال أبو عمرين بن العلاء : فتح الشعر بامرئ القيس وختم بذي الرمة ، له ديوان شعر مطبوع في مجلد ضخم ، توفي بأصبهان وقيل : بالبادية سنة ١١٧ ه. «وفيات الأعيان ٤ : ١١ / ٥٢٣ ، الأغاني ١٨ : ٣ ، خزانة الأدب ١ : ٥٠ ، الأعلام ٥ : ١٢٤».

(١٦) كثير بن عبد الرحمن الأسود بن عامر الخزاعي ، أبو صخر ، شاعر متيم مشهور ، من أهل المدينة ، يقال له : «ابن أبي جمعة» و «كثير عزة» و «الملحي» نسبة إلى بني مليح وهم قبيلته ، وكان مفرط القصر دميما ، ويذهب المؤرخون إلى أنه كان شيعيا ، وروي أنه دخل على عبد الملك بن مروان فسأله عن شي فأخبره به ، قال : لا أسألك إلا بحق أبي تراب ، فحلف له به فرضي.

قال المرزباني : كان شاعر أهل الحجاز في الإسلام لا يقدمون عليه أحدا.

وأخباره مع عزة بن جميل الضمرية كثيرة ، وكان عفيفا في حيه لها.

توفي بالمدينة سنة ١٠٥ ه ، وقيل ١٠٧ ه.

«الأغاني ٩ : ٣ ، وفيات الأعيان ٤ : ١٠٦ / ٥٤٦ ، سير أعلام النبلاء ٥ : ١٥٢ / ٥٤ ، عيون الأخبار ٢ : ١٤٤ ، العبر في خبر من غير ١ : ١٠١ ، العقد الفريد ٢ : ٢٤٦ ، شذرات الذهب ١ : ١٣١ ، الأعلام ٥ : ٢١٩».

(١٧) امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي ، من بني آكل المرار ، أشهر شعراء العرب على الإطلاق ، يماني الأصل ، مولده بنجد ، أو بمخالف السكاسك باليمن ، اشتهر بلقبه ، واختلف المؤرخون في اسمه ، فقيل : حندج ، وقيل : مليكة ، وقيل : عدي ، وهو من أصحاب المعلقات السبع ، والأبيات المذكورة في المتن قطعة من معلقته التي مطلعها :

قفا بنك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

ويعرف امرؤ القيس بالملك الضليل ، لاضطراب أمر طول حياته ، وذي القروح ، لما أصابه من قروح ظهرت في جسده ، وهو في أنقرة حيث أودت بحياته هناك حوالي سنة ٨٠ قيل الهجرة.

«الأغاني ٩ : ٧٧ ، خزانة الأدب ١ : ١٦٠ ، الأعلام ٢ : ١١».

١٨٥

وليل كموج البحر أرخى سدوله

علي بأنواع الهموم ليبتلي

فقلت له لما تمطى بصلبه

وأردف أعجازا وناء بكلكل

ألا أيها الليل الطويل ألا انجل

بصبح وما الإصباح منك بأمثل

وقال :

على أن للعينين في الصبح راحة

بطرحهما طرفيهما كل مطرح

فانظر الآن في تكرهه الليل وتروحه بالصبح ، فأين المشتكي من المترجي! ولولا اشتهار ما قاله الشعراء كتبناه.

قال صاحب الليل :

إنما هذه الأشعار على اختلاف أحوال القائلين ، فكم متمن ليلا كتمني غيره نهارا ، وكم ذي كربة من غريم يباكره ، أو عدو يماكره ، أو ضد لا بد له من أن يراه مع الذي في رؤية الضد من الكرب والكآبة ، وأهل بغداد يقولون : الكتاف بالقد (١٨) ولا الجلوس مع الضد.

وكم من جيشين يتقابلان ويتقاتلان سحابة يوم حتى إذا جاء الليل ، وأقبلت مقاصير (١٩) الظلام تكافا وتحاجزا ، أما في ذلك راحة للفريقين؟ قل : بلى.

وقال خداش بن زهير (٢٠) :

__________________

(١٨) القد : سيور تقد من جلد فطير غير مدبوغ فتشد بها الأقتاب والمحامل «لسان العرب ـ قدد ـ ٣ : ٣٤٤».

(١٩) قصر الظلام : اختلاطه ، وكذلك المقصرة ، والجمع : المقاصر ، عن أبي عبيد. وقد قصر العشي يقصر قصورا ، إذا أمسيت ، ويقال : أتيته قصرا ، أي عشيا «الصحاح ـ قصر ـ ٧٩٢».

(٢٠) خداش بن زهير العامري ، من بني عامر بن صعصعة ، شاعر جاهلي ، من أشراف بني عامر وشجعانهم ،

١٨٦

يا شدة ما شددنا غير كاذبة

على سخينة (٢١) لولا الليل والحرم (٢٢)

ويروي : جد صادقه.

فاعلم أن الليل حجز بينهم.

وقال بعض أهل هذا العصر فيما يعانيه من غرمائه :

عجبت لناس لا غريم ببابهم

يقولون أصبح ليل والليل أروح

فهل يتمنى الصبح ذو عسرة يرى

غريما يوافي بابه حين يصبح

فالليل متمنى قوم ، والنهار متمنى آخرين.

وأنشدني أحمد بن الحسين (٢٣) ، قال : أنشدني الخبزري (٢٤) :

__________________

كان يلقب «فارس الضحياء» يغلب على شعره الفخر والحماسة. يقال : إن قريشا قتلت أباه في حرب الفجار ، فكان خداش يكثر من هجوها ، وقيل : أدرك حنينا وشهدها مع المشركين ، ونقل عن بعض المؤرخين أنه أسلم بعد ذلك.

«الإصابة في تميز الصحابة ١ : ٤٦١ / ٢٣٢٧ ، الأعلام ٢ : ٣٠٢».

(٢١) السخينة : هي طعام يتخذ من دقيق وسمن ، وقيل : دقيق وتمر ، أغلظ من الحساء وأرق من العصيدة ، وكانت قريش تكثير من أكلها فغيرت بها حتى سموا سخينة.

ومنه قول كعب بن مالك :

زعمت سخينة أن ستغلب ربها

وليغلبن مغالب الغلاب

«لسان العرب ـ سخن ـ ١٣ : ٢٠٦».

(٢٢) قال ابن حجر العسقلاني في ترجمة خداش : شهد حنينا مع المشركين وله في ذلك شعر يقوله فيه :

يا شدة ما شددنا غير كاذبة

على سخينة لولا الليل والحرم

ثم قال : وذكر المرزباني ... أن البيت الذي قاله في قريش كان في حرب الفجار ، وهذا أصوب. «الإصابة ١ : ٤٦٢».

(٢٣) الظاهر هو أبو بكر أحمد بن الحسن الخطيب راوية ثعلب ، وقد تلمذ عليه ابن فارس في زنجان ، أنظر : «معجم الأدباء ٤ : ٨٢ ، إنباه الرواة ١ : ١٣٠».

(٢٤) كذا في الأصل ، والظاهر أنه تصحيف «الخبزرزي» وهو نصر بن أحمد بن نصر بن مأمون البصري ، أبو القاسم الخبزارزي الشاعر المشهور ، ويعرف ب «الخبزرزي» أيضا ، كان أميا لا يتهجى ولا يكتب ، وكان بخبز خبز الأرز بمريد البصرة في دكان ، وينشد أشعاره في الغزل ، والناس يزدحمون عليه ويتعجبون من حاله ، وكان ابن لنكك الشاعر البصري المشهور ينتاب دكانه ليسمع شعره ، واعتنى به وجمع له ديوانا ، وانتقل نصر إلى بغداد فسكنا مدة وقرئ على ديوانه ، واختلف المصادر في تحديد سند وفاته فقيل سنة ٣١٧ ه ، وقيل ٣٢٧ ه ، وقيل : ٣٣٠ ه.

١٨٧

يا ليل دم [لي] لا أريد صباحا

حسبي بوجه معانقي مصباحا

حسبي به قمرا وحسبي ريقه

خمرا وحسبي خده تفاحا

وأنشدني غيره :

أقول وثوب الدجى ملبد

ولليل في كل فج يد

ونحن ضجيعان في مجسد

فلله ما ضمن المسجد

أيا غد إن كنت بي مشمتا

فلا تدن من ليلتي يا غد

ويا ليلة الوصل لا تنفذي

كما ليلة البحر لا تنفد

ولهم في هذا شعر كثير ، وقد تقابلت الألحان فكل يمدح الأوفق له.

بلى ، من فضل الليل على النهار عناية العرب بتسمية كل ثلاث منه في الشهر باسم كالغر (٢٥) والنفل (٢٦) والتسع (٢٧) والعشر (٢٨) والبيض (٢٩) والدرع (٣٠) والظلم (٣١)

__________________

أنظر «يتيمة الدهر ٢ : ٣٦٥ ، تاريخ بغداد ١٣ : ٢٩٦ / ٧٢٧١ ، معجم الأدباء ١٩ : ٢١٨ / ٧٨ ، الأنساب ٥ : ٤٠ ، وفيات الأعيان ٥ : ٣٧٦ / ٧٦٠ ، مرآة الجنان ٢ : ٢٧٥ ، شذرات الذهب ٢ : ٢٧٦ ، الأعلام ٨ : ٢١».

(٢٥) الغرر : ثلاث ليال من أول كل شهر ، وذلك لبياضها وطلوع القمر في أولها «لسان العرب ـ غرر ـ ٥ : ١٥».

(٢٦) يقال لثلاث ليال بعد الغرر : نفل ، لأن الغرر كانت الأصل وصارت زيادة النفل زيادة على الأصل. «لسان العرب ـ نفل ـ ١١ : ٦٧٣».

(٢٧) التسع : ثلاث ليال من الشهر ، وهي بع النفل ، لأن آخر ليلة منها هي التاسعة. «الصحاح ـ تسع ـ ٣ : ١١٩١».

(٢٨) التسع : ثلاث ليال من الشهر ، عشر ، وهي بعد التسع «الصحاح ـ عشر ـ ٢ : ٧٤٧».

(٢٩) البيض : ليالي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ، سميت بذلك لأن القمر يطلع فيها من أولها إلى آخرها. «النهاية ـ بيض ـ ١ : ١٧٣».

(٣٠) الأدرع من الخليل والشاء : ما أسود وأبيض سائره ، والأنثى درعاء. ومنه قيل لثلاث ليال من ليال الشهر اللاتي يلين البيض درع ، مثال صرد ، لاسوداد. أوائلها وابيضاض سائرها ، على غير قياس ، لأن قياسه درع بالتسكين ، لأن واحدتها درعاء. «الصحاح ـ درع ـ ٣ : ١٢٠٧».

(٣١) يقال لثلاث ليال من ليالي الشهر اللائي يلين الدرع ظلم لإظلامها ، على غير قياس ، لأن قياسه

١٨٨

والحنادس (٣٢) والدآدئ (٣٣) والمحاق (٣٤) فلم يعنوا بالأيام عنايتهم بالليالي.

فأما الليالي التي جاءت الشريعة بتفصيلها الجمعة ، وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، وهي التي قال الله جل وعز : (إنا أنزلناه في ليلة القدر) (٣٥) وقال الله تعالى ذكره : (في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فهايفرق كل أمر حكيم) (٣٦) ثم قال : (سلام هي حتى مطلع الفجر) (٣٧).

فقال أهل التفسير : لا يعمل فيها سحر ، ولا يحدث فيها شئ من شر ، بل هي رحمة من أولها إلى آخرها (٣٨).

ومن الليالي ليلة النصف من شعبان ، وجاء في الحديث : إن الباري جل ثناؤه يقول فيها : هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من مسترزق فأرزقه؟ هل من مبتلى فأعافيه؟ حتى يطلع الفجر (٣٩).

__________________

ظلم ، بالتسكين ، لأن واحدتها ظلماء ، «لسان العرب ـ ظلم ـ ٣٧٨».

(٣٢) الحندس : الليل الشديد الظلمة ، والحنادس : ثلاث ليال من الشهر سميت بذلك لظلمتهن. «لسان العرب ـ حندس ـ ٦ : ٥٨».

(٣٣) الدآدئ : ثلاث ليال من آخر الشهر قبل ليالي المحاق ، وقال أبو عمرو : والدأداء من الشهر آخره. «الصحاح ـ دأدأ ـ ١ : ٤٨».

(٣٤) يقال الثلاث ليال من الشهر ثلاث محاق ، وقال الأزهري : اختلف أهل العربية في الليالي المحاق ، فمنهم من جعلها الثلاث التي هي آخر الشهر وفيها السرار ، وإلى هذا ذهب أبو عبيد وابن الأعرابي ، ومنهم من جعلها ليلة خمس وست وسبع وعشرين لأن القمر يطلع ، وهذا قول الأصمعي وابن شميل ، وإليه ذهب أبو الهيثم والمبرد والرياشي ، قال الأزهري : وهو أصح القولين عندي «لسان العرب ـ محقق ـ ١٠ : ٣٣٩».

(٣٥) القدر ٩٧ : ١.

(٣٦) الدخان ٤٤ : ٣ و ٤.

(٣٧) القدر ٩٧ : ٥.

(٣٨) أنظر : «جامع البيان في تفسير القرآن ٣٠ : ١٢٨ ، التبيان ١٠ : ٣٨٦ ، مجمع البيان ٥ : ٥٢١ ، تفسير القرطبي ٢٠ : ١٣٤».

(٣٩) رواه ابن ماجة باختلاف يسير في سننه ١ : ٤٤ باب ١٩١ ح ١٣٨٨ بسنده قال : حدثنا الحسن بن علي الخلال ، ثنا عبد الرزاق ى ، أنبأنا ابن أبي سبرة ، عن إبراهيم بن محمد ، عن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...

١٨٩

فهذا في الليل ولم يجئ في النهار مثله.

وروى عمرو بن عبسة (٤٠) قال : قلت : يا رسول الله ، هل من ساعة هي أقرب إلى الله عزوجل من أخرى؟ قال : نعم ، جوف الليل الأوسط (٤١).

ولم يقل مثل ذلك في النهار.

قال صاحب النهار :

الأسبوع تسمى أيامه الجمعة والسبت إلى الخميس ، وليست الليالي كذلك ، بل الليالي منسوبة إليها ، فيقال : ليلة الأحد ، وليلة كذا ، وليس المضاف كالمضاف إليه.

وبعد فالأيام النبيهة أكثر من الليالي التي عددت ، كيوم الجمعة وهو يوم العروبة (٤٢) ، ويوم المزيد.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم سبها ويوم خميسها (٤٣). ولم يقل ذلك في شئ من الليالي.

__________________

(٤٠) في الأصل : عمرو بن أبي عنسبة ، تصحيف ، صوابه ما أثبتناه ، وهو عمرو بن عبسة بن خالد بن عامر بن غاضرة بن خفاف امرئ القيس بن بهثة بن السلمي ، من أوائل المسلمين بمكة ، ثم رجع إلى بلاده فأقام بها إلى أن هاجر بعد خيبر وقبل الفتح فشهدها ، ويقال : إنه كان أخا أبي ذر لأمه ، وكان يدعي أنه رابع الإسلام ، وسكن الشام في أواخر حياته ، ويقال : إنه مات بحمص ، ويظن أن وفاته كانت في أواخر خلافة عثمان.

«أسد الغابة ٤ : ١٢٠ ، الإصابة ٣ : ٣٠٩٥ ، تهذيب الأسماء واللغات ٢ : ١٣ / ٩١ ، تهذيب التهذيب ٨ : ٦١ / ١٠٧ ، تقريب التهذيب ٧٤ / ٦٢٩».

(٤١) رواه الترمذي في سننه ٥ : ٥٦٩ / ٣٥٧٩ ، باختلاف يسير ، وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ١ : ٣٠٩ ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

(٤٢) قال ابن الأثير : وفي حديث الجمعة «كانت تسمى عروبة» هو اسم قديم لها ، وكأنه ليس بعربي. يقال : يوم عربة ، ويوم العروبة ، ويوم العربية ، والأفصح أن لا يدخلها الألف واللام. «النهاية ـ عرب ـ ٣ : ٢٠٣».

(٤٣) رواه ابن ماجة في سننه ٢ : ٧٥٢ / ٢٢٣٧ باختلاف يسير.

١٩٠

وكيوم عاشوراء وما جاء في فضله (٤٤) ، ثم في الأيام المعلومات والمعدودات وكيوم عرفة ، وكالساعة التي يرجى فيها إجابة الدعاء من يوم الجمعة ، وذلك للنهار دون الليل.

وبعد ، فالليل أكثر آفات ومحاذر ، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «آنيتكم ، وأوكوا (٤٦) أسقيتكم ، وأجيفوا (٤٧) الأبواب ، واكتفوا (٤٨) صبيانكم ، فإن للشيطان انتشارا وخطفة» (٤٩). يعني بالليل.

ونهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن جداد الليل وصرام الليل (٥٠). وذلك لما يخشى على الجاد والصارم من نهس أو نهش (٥١) (٥٢).

وتقول العرب : المكثار حاطب ليل (٥٣). لما يخشى عليه ، كذلك المكثار ربما تكلم بكلمة فيها عطبه ، والنهار على كل حال أسلم وأقل آفات.

قال صاحب الليل :

قد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [عن الصلاة] في أوقات من

__________________

(٤٤) أنظر : المصنف ٤ : ٢٨٥ ـ ٢٩١.

(٤٥) التخمير : التغطية «النهاية ـ خمر ـ ١ : ٧٧».

(٤٦) الوكاء : الخيط الذي تشد به الصرة والكيس وغيرهما ، وأوكوا أسقيتكم : شدوا رؤوسها بالوكاء ، لئلا يدخلها حيوان أو يسقط فيها شئ. أنظر «النهاية ـ جوف ـ كفت ـ ١ : ٣١٧».

(٤٨) اكفتوا صبيانكم : أي ضموهم إليكم. «النهاية ـ كفت ـ ٤ : ١٨٤».

(٤٩) رواه البخاري في صحيحه ٤ : ١٥٧ ، وأحمد في مسنده ٣ : ٨٨٣ ، والترمذي في سننه ٥ : ١٤٣ / ٢٨٥٧ ، باختلاف يسير.

(٥٠) الحداد ـ بالفتح والكسر ـ : حرام النخل ، وهو قطع ثمرتها ، يقال : حد الثمرة يجدها جدا. «النهاية ـ حدد ـ ١ : ٢٤٤».

(٥١) يقال : نهسته الحية أو نهشته : إذا لسعته «الصحاح ـ نهش ـ ٣ : ٩٨٧ ، ١٠٢٣».

(٥٢) إلا أن ابن الأثير علل ذلك بقوله : وإنما نهى عن ذلك لأجل المساكين حتى يحضروا في النهار فيتصدق عليهم منه «النهاية ـ جدد ـ ١ : ٢٤٤».

(٥٣) مثل سائر ، وهو من كلام أكثم ين صيفي ، قال أبو عبيد : وإنما شبههه بحاطب الليل لأنه ربما نهشته

١٩١

النهار ، والصلاة من أشرف العبادات ، ولم ينه عن الصلاة في شئ من ساعات الليل ، فهذي فضيلة لليل وليست النهار.

وبعد ، فإن النعمة على الإخوان المتقاربي المنازل ، متعتهم بمجالسة الليل على امتداده ، وأنه ربما نفد الليل ولم يشعروا بنفاده ، ولم يقضوا وطرهم من سرور الاجتماع فيه.

قالوا : ومن فضائل الليل التهجد التي أقر (٥٤) الله جل وعز نبيه صلى الله عليه وسلم فقال : (ومن الليل فتهجد به) (٥٥).

ثم مدح صالحي عباده فقال : (والمستغفرين بالأسحار) (٥٩). وقال في طبقة أرفع من هؤلاء : (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) (٥٧).

ووصف جل ثناؤه ضروب التهجد فقال : (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه) (٥٨).

وأنشدني أبي (٥٩) رحمه‌الله :

__________________

الحية ولد غته في احتطابه ليلا ، فكذلك المكثار ربما يتكلم بما فيه هلاكه ، يضرب للذي يتكلم بكل ما يهجس في خاطره.

قال الشاعر :

إحفظ لسانك أيها الإنسان

لا يقتلنك ، إنه ثعبان

كم في المقابر من قتيل لسانه

كانت تخاف لقاءه الأقران

«مجمع الأمثال ٢ : ٣٠٤».

(٥٤) كذا في الأصل ، ولعل الصواب : أمر.

(٥٥) الإسراء : ١٧ : ٧٩.

(٥٦) آل عمران : ٣ : ١٧.

(٥٧) الذاريات ٥١ : ١٧.

(٥٨) الزمر ٣٩ : ٩.

(٥٩) فارس بن زكريا ، والد المؤلف ، كان فقيها شافعيا وعالما بفنون العلوم ، روى عنه الأئمة ومات ببغداد سنة ٣٦٩ ه. وقد روى عنه ولده أحمد كتاب «إصلاح المنطق» لابن السكيت ، وروى عنه كثيرا في مختلف كتبه ، وسمع عنه بقزوين.

«مقدمة مجمل اللغة ١ : ١٦ وفي ذيله : طبقات ابن الصلاح : ٧٣ أ ، طبقات الاستوي ٢ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥ ،

١٩٢

إن الشتاء غنيمة

موفورة للعابدينا

قصر النهار لمن يصوم

وطول ليل القائمينا

قال أهل العلم : في الليل تنقطع الأشغال ، وتجمر الأذهان ، ويصح النظر ، وتؤلف الحاكم ، وتدر الخواطر ، ويتسع مجال القلب.

والليل أضوأ في سبل الفكر ، وأخفى لعمل الشر ، وأصح لتلاوة الذكر.

قال الله جل ثناؤه : (إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا) (٦٠).

قالوا : ومدبرو الملك مختارونه على النهار لما في ذلك من صحة التدبير ، وتصحيح المعاني ، وتقويم المباني ، وإظهار الحجج ، وإيضاح النهج ، وجمع المبسوط ، وبسط المجموع.

ثم مؤلفوا الكتب يختارونه على النهار لأن القلب بالنهار طائر ، وفي الليل ساكن ، وبذلك يصيبون نظم الكلام وتقريبه من الأفهام ، وبتدبير الليل يعرف الخاصة للملك الحازم وتنقاد العامة له ، وقديما كان يقال : الليل نهار الأديب.

وكان من حديث ذلك فيما حدثني به أبي أن بعض البرامكة ولى ابنه ولاية ، فبلغه عنه إهماله للرعية ، وإقباله على اللهو ، فكتب إليه :

انصب نهارا في طلاب العلى

واصبر على ترك لقاء الحبيب

حتى إذا الليل دنا مقبلا

واستترت فيه وجوه العيوب

فبادر الليل بما تشتهي

فإنما الليل بأمر الأديب

كم من فتى تحسبه ناسكا

فبات في خفض وعيش خصيب

ولذة الأحمق مكشوفة

يسعى بها كل عدو رقيب

قالوا : ومما وصف به الليل قول القائل :

ولم أر مثل الليل جنة فاتك

إذا هم أمضى أو غنيمة ناسك

__________________

النجوم الزاهرة ٤ / ١٣٥».

(٦٠) المزمل ٧٣ : ٦.

١٩٣

وأنشدني علي بن إبراهيم (٦١) قال : أملى علينا ثعلب (٦٢) أبيات بعض اللصوص ، وفيما يقول :

فلليل إن واراني الليل حكمه

وللشمس إن غابت علي تدور

وقال آخر :

ولم أر مثل الليل أمضى لهمة

ولا مثل حد السيف للمرء ناهيا

ولم أر مثل الليل لم يعطه الرضى

ذر الحاج حتى يصبح الليل ماضيا

وقال الله جل ثناؤه لنبيه موسى عليه‌السلام : (فاسر بأهلك بقطع من الليل) (٦٣). وقال لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) (٦٤).

قالوا : وفي الليل ينجو الهارب ، ويدرك الطالب ، وفيه تظهر شجاعة الشجاع ، وجبن الجبان.

وينشد لبعض الفتاك :

أنا ابن الخيل والليل

فحلال ورحال

__________________

(٦١) علي بن إبراهيم بن سلمة بن بحر القطان القزويني ، أبو الحسن ، أديب فاضل ومحدث حافظ ، عالم بجميع العلوم والتفسير والنحو واللغة والفقه القديم ، لقي وثعلبا وابن أبي الدنيا ، وسمع منه جمع كثير من القدماء ، ولد سنة ٢٥٤ ه ، وتوفي سنة ٣٤٥ ه.

«معجم الأدباء ١٢ : ٢٢٠ ، تذكرة الحفاظ ٣ : ٨٥٦ ، العبر ٢ : ٧٠ ، طبقات المفسرين للداودي ١ : ٣٨٨ / ٣٣٣».

(٦٢) أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار ، الشيباني بالولاء ، أبو العباس ، المعروف بثعلب ، إمام الكوفيين في النحو واللغة ، كان رواية للشعر ، محدثا مشهورا بالحفظ وصدق اللهجة ، ولد سنة ٢٠٠ ه ، له كتب عديدة ، أصيب في أواخر أيامه بصمم فصدمته فرس فسقط في هوة فتوفي على الأثر في بغداد سنة ٢٩١ هجرية.

«تاريخ بغداد ٥ : ٢٠٤ / ٢٦٨١ ، إنباه الرواة ١ : ١٧٣ / ٨٦ ، العبر ١ : ٠٢٤ ، شذرات الذهب ٢ : ٢٠٧ ، وفيات الأعيان ١ : ١٠٢ ، الأعلام! : ٢٦٧».

(٦٣) هود ١١ : ٨١. (٦٤) الإسرار ١٧ : ١.

١٩٤

قال صاحب النهار :

بالليل تدب الهوام ، وتثور السباع ، وتنتشر الخراب ، وتكبس الأحياء ، وتشن الغارات ، ولذلك قيل : الليل أخفى للويل (٦٥).

ولذلك استعاذوا بالله عزوجل من الأيهمين ، وهما السيل والليل ، ويقال : الأعميان.

ومما يذم به الليل تشبيه الله عزوجل وجوه أعدائه به فقال : (كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما) (٦٦).

وكان الحسن (٦٧) يقول : ما خلق الله خلقا أشد سوادا من الليل. وقال الله عزوجل : (ومن شر غاسق إذا وقب) (٦٨) وهو الليل إذا أظلم. قال : فهذا هذا.

ثم من الحجة في فضل النهار على الليل افتخار العرب بالأيام دون الليالي فقالوا في مغاراتهم وحروبهم : يوم خزازى ، ويوم ذي قار ، ويوم حف (٦٩) ، ويوم كذا ويوم كذا ، ولم يذكروا مثل ذلك في الليالي.

قال عمرو بن كلثوم (٧٠) :

__________________

(٦٥) مثل سائر ، بمعنى إفعل ما تريد ليلا فإنه أستر لسترك ، أول من قاله سارية بن عويمر بن عدي العقيلي ، وسرد الميداني قصة المثل كاملة. أنظر : «مجمع الأمثال ٢ : ١٩٣ / ٣٣٤١».

(٦٦) يونس ١٠ / ٢٧.

(٦٧) هو الحسن بن يسار البصري ، تابعي ، كان إمام أهل البصرة ، وأحد العلماء الفقهاء الفصحاء ، ولد بالمدينة سنة ٢١ ه ، وتوفي بالبصرة سنة ١١٠ ه ، أخباره كثيرة ، وله كلمات سائرة.

«الطبقات الكبرى ٧ : ١٥٦ ، حلية الأولياء ٢ : ١٣١ / ١٧٠ ، وفيات الأعيان ٢ : ٦٩ / ١٥٦ ، تهذيب التهذيب ٢ : ٢٣١ / ٤٨٨ ، ميزان الاعتدال ١ : ٥٢٧ / ١٩٦٨ ، العبر ١ : ١٠٣ ، شذرات الذهب ١ : ١٣٦ ، الأعلام ٢ : ٢٢٦».

(٦٨) الفلق ١١٣ / ٣.

(٦٩) كذا.

(٧٠) عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب ، من بني تغلب ، أبو الأسود ، شاعر جاهلي من الطبقة الأولى ، ولد

١٩٥

وأيام لنا غر طوال

عصينا الملك فيها أن ندينا

ولم يقل في الليالي ذلك ، بل يذكرون الليل عند خلوهم إلى الشهوات ولذات النفوس بالأشعار اللينة.

ومن استثقالهم الليل وبغضهم له قوله :

أليلتنا بذي حسم أنيري

إذا أنت انقضيت فلا تحوري

قال صاحب الليل :

قد تقدم في الليل ، وأن ذوي الرأي يبيتون فيه ما يرومونه.

وبعد فإن أحمد بن علي النقاد (٧١) ، حدثني عن أبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي (٧٢) قال : كان شعراء الجاهلية وغير شعرائهم إذا جاءهم الأمر بغتة نسبوا ذلك إلى الليل ، فكان من حديث الصحيفة التي كتبتها قريش على

__________________

في شمالي جزيرة العرب في بلاد ربيعة ، كان من الفتاك الشجعان وهو الذي قتل الملك عمرو بن هند ، وهو من أصحاب المعلقات ، والبيت المذكور أعلاه من معلقته التي مطلعها : ساد قومه وهو فتى ، وعمر طويلا ، مات في الجزيرة الفراتية.

«الأغاني ١١ : ٥٢ ، خزانة الأدب ١ : ٥١٩ ، الأعلام ٥ : ٨٤».

(٧١) من مشايخ ابن فارس ، روى عنه في كتابه «الصاحبي» قال : «وسمعت أبا بكر بن علي بن إسماعيل الناقد» وكذلك في «مجمل اللغة» مادة (بكر) ، قال : وأخبرني أحمد بن علي ، قال : حدثنا أبو إسحاق الحربي ، قال : حدثنا ابن عائشة ، عن أبيه ، عن جده ، قال : كانت ضربات علي بن أبي طالب عليه‌السلام أبكارا ، كان إذا اعتلى قد ، وإذا اعترض قط».

أنظر : «مجمل اللغة ١ : ٧١ ، ١٣٣».

(٧٢) إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشرين عبد الله بن ديسم ، أبو إسحاق الحربي : عالم فاضل لغوي محدث ، كان إماما في العلم ورأسا في الزهد ، عارفا بالفقه بصيرا بالأحكام حافظا للحديث قيما بالأدب جماعا للغة ، صنف كتبا كثيرة منها «غريب الحديث» ولد سنة ١٩٨ وتوفي في بغداد سنة ٢٨٥ ه.

«تاريخ بغداد ٦ : ٢٧ ، الأنساب ٤ : ٠٠١ ، معجم الأدباء ١ : ١١٢ ، معجم البلدان ٢ : ٢٣٧ ، فوات الوفيات ١ : ١٤ / ٢ ، تذكرة الحفاظ ٢ : ٥٨٤ ، بغية الوعاة ١ : ٤٠٨ / ٨١٥ ، شذرات الذهب ٢ ٦ ١٩٠ ، مرآة الجنان ٢ : ٢٠٩ ، الكنى والألقاب ٢ : ١٥٧».

١٩٦

بني هاشم في هجرانهم إياهم وتباعدهم عنهم ، كل ذلك خلافا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فمضى ناس من ساداتهم إلى ناس آخرين وأظهروا ندمات على ما كان منهم في شأن الصحيفة ، وكان منهم أبو البختري العاص بن هشام والمطعم بن عدي وزهير بن أبي أمية وزمعة بن الأسود وغيرهم ، فنقضوا الصحيفة وقالوا : نحن براء مما في هذه الصحيفة. فبلغ ذلك أبو الجهل فقال : هذا أمر خفي بليل. وأما ما قال الشعراء في مثل فقول الأعشى (٧٣) :

رحلت سمية غدوة أجمالها

غصبى عليك فما تقول بدالها

هذا النهار بدا لها من همها

ما بلها بالليل زال زوالها

يقول : إن ارتحالها كان من همهما بالليل ثم ارتحلت نهارا.

وقال الشماخ (٧٤) :

سترجع ندمى خسة الحظ عندنا (٧٥)

كما قطعت منا بليل وصالها

وقال رجل من كلب :

ظعنوا بليل واستقرت غيرهم

والليل كان إلى النهار رسولا

ما للنهار إلي ذنب فاعلموا

والليل هيج لي البكاء طويلا

__________________

(٧٣) ميمون بن قيس بن جندل ، من بني قيس بن ثعلبة والوائلي ، أبو بصير المعروف بأعشى قيس ، ويقال له أعشى بكر بن وائل ، والأعشى الكبير ، من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية ، وأحد أصحاب المعلقات ، عاش عمرا طويلا ، وأدرك الإسلام ولم يسلم ، ولقب بالأعشى لضعف بصره ، وعمي في أواخر حياته ، مولده ووفاته في قربة «منفدحة» باليمامة قرب مدينة الرياض ، وفيها داره وبها قبره.

«الأغاني ٩ : ١٠٨ ، خزانة الأب ١ : ٨٤ ، الأعلام ٧ : ٣٤١!.

(٧٤) الشماخ بن ضرار بن حرملة بن سنان المازني الذبياني الغطفاني ، شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ، وهو من طبقة لبيد والنابغة ، وكان أرجز الناس على البديهة ، توفي في غزوة موقان ، وأخباره كثيرة. قال البغدادي وآخرون : اسمه معقل بن ضرار ، والشماخ لقبه.

«الإصابة ٢ : ١٥٤ / ٣٩١٨ ، الأغاني ٩ : ١٥٨ ، خزانة الأدب ١ : ٥٢٦ ، الأعلام ٣ : ١٧٥».

(٧٥) في الأغاني ٩ : ١٦٤ : «سترجع غصبى رثة الحال عندنا» ، وفي الخزانة : «سترجع نزرة الحظ عندنا».

١٩٧

فلأهجرن الدهر ليلي كله

ولأجعلن لي النهار خليلا

وقال عنترة (٧٦) :

إن كنت أزمعت الفراق فإنما

زمت ركابكم بليل مظلم

يريد أنكم دبرتم ذلك ليلا.

فأما العرب فإنهم سووا بين الليل والنهار في التسمية فسموها وقالوا : الجديدان والأجدان (٧٧) ، قال : أنشدني أبو بكر بن دريد في القصيدة التي يقول ، فيها :

إن الجديدين إذا ما استوليا

على جديد أدنياه للبلى

ولبعض أهل العصر :

قالوا هويت فقلت قولة صادق

أودى بغض شبابي البرمان

ذهب الفتاء وبان مني أكثري

لما تعاور جسمي الفتيان

ما إن تمليت الشباب وطيبه

حتى أشاب ذوائبي الملوان

قال الشيخ أبو الحسين أحمد بن فارس : هذا ما سنح وبرح في الوقت ، وكنت أمليت كتابا سميته كتاب «السنة» وفيه من علم الشريعة ، وبابات من اللغة ، فلذلك لم أعدها ها هنا ، والله الموفق بمنه وكرمه آمين.

__________________

(٧٦) عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد العبسي ، أشهر فرسان العرب في الجاهلية ، ومن شعراء الطبقة الأولى ، ومن أصحاب المعلقات ، من أهل نجد ، أمه حبشية اسمها زبية ، سرى إليه السواد منها ، عاش طويلا وقتله الأسد الرهيص أو جبارين عمرو الطائي.

«الأغاني ٨ : ٢٣٧ ، خزانة الأدب ١ : ٢٦ ، الأعلام ٥ : ٩٢».

(٧٧) قال ابن منظور في اللسان ٣ : ١١١ : «الأجدان والجديدان : الليل والنهار ، وذلك لأنهما لا يبليان أبدا».

(٧٨) الظاهر هو أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الدينوري ، مولى جعفر بن أبي طالب الهاشمي ، راوي سنن النسائي ، توفي سنة ٣٦٤ ه ، وقد روى عنه ابن فارس في مقاييس اللغة وسماه أبا بكر السني.

«تارخ بغداد ٨ : ٤١٠ ، تذكرة الحفاظ : ٩٣٩ ، مقدمة مجمل اللغة : ١٦».

١٩٨

وكان الفراغ من نسخ هذه الكتاب في الليلة التي يسفر صباحها عن يوم الأحد المبارك ثاني شهر ذي الحجة الحرام سنة ستة وتسعين وتسعمائة على يد الفقير علي بن الطرخي المالكي عفا الله عنه.

* * *

ووقع الفراغ من نسخه يوم الثلاثاء خامس صفر سنة ١٤٠٨ وقد نسخته في جلستين في مكتبة ملك العامة في طهران على نسخة فيها بآخر المجموعة رقم ٨٥٢ ، وأنا العبد عبد العزيز الطباطبائي غفر الله له ولو الدية.

* * *

١٩٩

وصية نافعة

للشهيد الثاني

رضا المختاري

بسم الله الرحمن الرحيم

مؤلف هذه الوصية القيمة هو الفقيه الأصولي ، الأديب الزاهد المتقي الشيخ زين الدين العاملي ، الشهير في الآفاق بالشهيد الثاني (٩١١ ـ ٩٦٥ ه) وهو غني عن التعريف والوصف والتبجيل ، رضي‌الله‌عنه وأرضاه (١).

وكاتب هذه الوصية هو العالم الجليل النبيل السيد بهاء الدين علي بن يونس الحسيني التفرشي ، أحد تلامذة الشيخ البهائي ـ المتوفى سنة ١٠٣٠ ه ـ والمجاز

__________________

(١) للاطلاع على ترجمته أنظر : الدر المنثور ـ بغية المريد في الكشف عن أحوال الشهيد ـ أمل الآمل ١ / ٨٥ ، رياض العلماء ٢ / ٣٦٥ ، لؤلؤة البحرين : ٨٢ ، نقد الرجال : ١٤٥ ، منتهى المقال : ١٤١ ، بهجة الآمال ٤ / ٢٥٤ ، روضات الجنات ٣ / ٣٥٢ ، تنقيح المقال ١ / ٧٤٢ ت ٤٥١٧ ، سفينة البحار ١ / ٧٢٣ ، الكنى والألقاب ٢ / ٣٤٤ ، هدية الأحباب : ١٦٧ ، الفوائد الرضوية : ١٨٦ ، أعيان الشيعة ٧ / ١٤٣ ، تكملة أمل الآمل : ٢١٢ ، مستدرك الوسائل ٣ / ٥٢٤ و ٤٢٨ ، شهداء الفضيلة : ١٣٢ ، قصص العلماء : ٢٤٨ ، ريحانة الأدب ٣ / ٢٨٠ ، الذريعة : في مختلف أجزائها ، جامع الرواة ١ / ٣٤٦ ، مقدمة «الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية» ١ / ١٤٩ ، طرائق الحقائق ١ / ٢٨٨ ، تحفة العالم في شرح خطبة المعالم ١ / ١٣٩ ، مصفى المقال : ١٨٣ ، إحياء الداثر من القرن العاشر (من طبقات أعلام الشيعة) : ٩٠ ، كشف الحجب والأستار عن أسماء الكتب والأسفار : في مختلف صفحاته ، الأعلام ٣ / ٦٤ ، معجم رجال الحديث ٧ / ٣٧٢ ، معجم المؤلفين ٤ / ١٩٣ ، ٧ / ١٢.

٢٠٠