تراثنا ـ العدد [ 14 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 14 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٨

لا خير فيكم لا ولا مسهلا

خصكم رب الملا بالبلا

لأنكم قدمتمو الأنزلا

(دونكمو فالتمسوا منهلا

يرويكم أو مطعما يشبع) ٣٩

والناس في حيرتهم سرمدا

ناظرة أبصارهم موردا

فبينما هم وإذا بالندا

(هذا لمن والى بني أحمدا

ولم يكن غيرهم يتبع) (١٨) ٤٠

فالفوز للشارب من حوضه

والويل والذل لمن يمنع (١٩) ٤١

والخلق في الموعد حالاتهم

قوم أذلتهم عقيداتهم (٢٠)

ومعشر زادت كراماتهم

(فالناس يوم الحشر راياتهم

خمس فمنهم هالك أربع) ٤٢

فأمة خابت بمضمونها

وأمة فازت بمأمونها

وأمة ضلت بملعونها

(كراية العجل وفرعونها

وسامري الأمة المفضع) (٢١) ٤٣

ومارق من دينه مخدج (٢٢)

أسود عبد لكع أوكع (٢٣)

وراية قائدها وجهه

كأنه الشمس إذا تطلع (٢٤)

خليفة المختار في أمته

وسيفه المسلول في دولته

__________________

(١٨) ورد هذا البيت في الديوان بكسر الدال في «أحمد» ، ولكن الشاعر خمسه على المنع من الصرف.

(١٩) هذا البيت غير واضح التخميس في النسخة التي كتبنا عنها فتركناه.

(٢٠) عقيداتهم : يريد بها جمع عقيدة ، والمعروف أن عقيدة تجمع على عقائد لا عقيدات ، فلاحظ.

(٢١) في هذا البيت أيضا خلاف عما جاء في الديوان ، فالمثبت هناك هكذا :

قائدها العجل وفرعونها

وسامري الأمة المفضع

(٢٢) المخدج : يقال : أخدجت الدابة إذا جاءت بولد ناقص الخلق وإن كان لوقته ، فهي (مخدج) بكسر الدال ، والولد (مخدج) بفتح الدال. والخداج كل نقصان في شئ.

(٢٣) وهذا البيت لم يخمسه الشاعر أيضا وهو مثبت في الديوان.

(٢٤) وهذا البيت لم يخمسه الشاعر أيضا وهو مثبت في نسخة الديوان المطبوع.

١٦١

وعلمه المكنون في غيبته

(نفس رسول الله زوج ابنته

صديقها فاروقها الأشجع) (٢٥) ٤٤

غدا يلاقي المصطفى حيدر

وراية الحمد له ترفع (٢٦)

سطوته في الحرب مشهورة

وداره بالعلم معمورة

وكفه بالبدل مشكورة

(مولى له الجنة مأمورة

والنار من إجلاله تفزع) ٤٥

إمام صدق وله شيعة

يروا من الحوض ولم يمنعوا (٢٧)

فكل عبد صار من حزبنا

يصبر للبلوى لنيل المنى

هذا هو المعلوم من ديننا

(بذاك جاء الوحي من ربنا

يا شيعة الحق فلا تفزعوا) ٤٦

وهنا يذيل الشاعر قصيدة الحميري ببيتين من الشعر ويخمسهما :

يا سادتي إني بكم واثق

والذكر في مدحكم ناطق

وإنني لشاعر حاذق

(والحميري في قوله صادق

وحبكم في قلبنا منقع) ٤٧

فناظم التخميس قد نالها

كرامة من ربه يا لها

من نعمة يشكر إجزالها

(اغفر إلهي للذي قالها

ومن قراها والذي يسمع) ٤٨

إلى هنا ينتهي هذا التخميس وقد نقلناه من كتاب «نفائس الأثر» للسيد هاشم الشخص ، والكتاب هذا لا يزال قيد التأليف.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

__________________

(٢٥) هذا البيت المخمس غير موجود في نسخة الديوان.

(٢٦) هذا البيت لم يخمسه الشاعر أيضا وهو مثبت في الديوان.

(٢٧) هذا البيت لم يخمسه الشاعر أيضا وهو مثبت في نسخة الديوان.

١٦٢

النحت الخفية

في النادرة الشريفية

السيد محمد رضا الحسيني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ، وعلى الأئمة من آله الهداة إلى سبيل الله ، والتحية والرضوان لأتباعهم الصالحين أولياء الله ، واللعن والهوان على أعدائهم أعداء الله.

وبعد :

فقد ورد في المقال المنشور في العدد (١٠) الأول من السنة الثالثة (١٤٠٨) من نشرة «تراثنا» العامرة ، بحث شيق حول نادرة الشريف الرضي رضوان الله عليه ، التي بدرت منه وهو طفل ، فدلت على عبقريته الفذة منذ تلك السن المبكرة.

وأورد الباحث حديث النادرة عن كتاب «وفيات الأعيان» لابن خلكان في ترجمة الشريف الرضي ... قائلا عنها : أصبحت ... من أشهر النوادر العلمية التي تذكر للتدليل على حدة الذكاء وسرعة الخاطر ... في فترة من العمر يكون تملك مثل هذا ... فيها يبعث إعجابا أكثر وأكبر [المقال ص ١٠].

ونحن ننقل النادرة عن «وفيات الأعيان» من النسخة الموجودة عندنا

١٦٣

[وهي طبعة مصر سنة (١٣١٠) بالمطبعة الميمنية وطبع بهامشها كتاب «الشقائق النعمانية»] فقد جاء في (ج ٢ ص ٣) ما نصه :

ذكر أبو الفتح ابن جني .. في بعض مجاميعه : إن الشريف الرضي ... أحضر إلى ابن السيرافي النحوي ، وهو طفل جدا ـ لم يبلغ عمره عشر سنين ـ فلقنه النحو ، وقعد معه يوما في حلقته ، فذاكره بشئ من الإعراب ـ على عادة التعليم ـ فقال له : إذا قلنا : «رأيت عمرو» [كذا في المطبوعة] ، فما علامة النصب في عمرو؟

فقال له الرضي : بغض علي.

فعجب السيرافي ، والحاضرون من حدة خاطره.

انتهى عن الوفيات.

وقد لاحظ الكاتب اختلاف طبعات «وفيات الأعيان» في إيراد جملة السؤال من هذه النادرة ، ونقل عن طبعة بولاق مثل ما نقلنا.

وفي طبعة بيروت الحديثة ـ بتحقيق إحسان عباس ـ وطبعة حجرية بإيران ـ نقل الكاتب أنها أصح الطبعات ـ جاءت هكذا : «إذا قلنا : (رأيت عمر) فما علامة نصب عمر؟».

ثم نقل الكاتب عن مصادر أخرى هذا الاختلاف في نقل جملة السؤال ، وأكثر المصادر أثبتت لفظ «عمر» في الموردين ، وبعضها أثبت لفظ «عمرو».

ولاحظ الكاتب أن محقق «ديوان الشريف الرضي» الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو رجح أن يكون الصحيح في العبارة لفظة «عمرو» ، وأن المراد به «عمرو بن العاص» ليتم جواب الرضي بقوله : «بغض علي» ، لأن ابن العاص هو الذي كان يبغض عليا عليه‌السلام ويحاربه جهارا ، وخطأ ـ بنظره ـ النسخة التي جاء فيها لفظ «عمر» لوجهين :

١ ـ لأن عمر ـ [ولا بد أن يكون المراد به عند الاطلاق هو عمر بن الخطاب] ـ «لم يذكر أحد أن قامت بينه وبين علي [عليه‌السلام] مثل هذه

١٦٤

البغضاء».

٢ ـ وعلله ثانيا بقوله : «ربما كان [أي الإتيان بلفظ» عمر «] وهما سبق إلى الأذهان للنكتة اللغوية في منع صرف الكلمة» [المقال ص ١١].

وقد رد الكاتب على كلامه ـ الذي اختصرناه ـ بوجوه عديدة مفصلا.

وفند في «الوجه الخامس» التعليل الأول مما ذكره الدكتور بشكل حاسم وصريح وواضح [المقال ص ١٥].

وبالنسبة إلى التعليل الثاني الذي ذكره الدكتور الحلو (فهو مرتكز تعقيبنا هذا) نقول :

إن كاتب المقال ـ وهو يرجح أن تكون العبارة «عمر» بلا واو ـ يبدو موافقا لما احتمله الدكتور ـ وجعله وهما ـ في هذه العبارة من النكتة الإعرابية ، حيث ذكر الكاتب في الوجه الثالث ـ مما علقه ـ : إن التمثيل في هذه النادرة إنما وقع من جهة الإعراب وعلاماته التي تظهر في النطق ، كما هو المدلول الواضح لكلمة «قلنا» ... لا من جهة إملاء الكلمة وكيفية كتابتها.

ولفظة «عمرو» لا تختلف نطقا عن سائر الألفاظ المعربة المنصرفة في أنها تظهر عليها حركات الأعراب رفعا ونصبا وجرا ، فليس في اختيار التمثيل بها [= لفظة عمرو] أية جهة يستدعيها امتحان الطالب واختبار ذكائه وتفهمه للقواعد النحوية ، سوى معرفة أوليات النحو وأبسط مبادئه ، وهي كيفية الرفع والنصب والجر ، والشريف كان قد تجاوز هذه المرحلة ...

والاختبار إنما يكون بعد أن يكون الطالب قد تجاوز مرحلة يصح معها اختباره وامتحانه [المقال ص ١٤].

أما ما ذكره الكاتب من أن السؤال لا بد أن يكون عن إعراب «عمر» لا إعراب «عمرو» ، لما ذكره من وضوح أمر الإعراب في «عمرو» ، فلا يسأل عنه مثل الرضي!

فنرد عليه الكلام : بأن منع «عمر» من الصرف أيضا من أوليات النحو ،

١٦٥

وأبسط مبادئه ، وهي كيفية إعرابه كما ذكر ، «ولفظة (عمر) لا تختلف نطقا عن سائر الألفاظ المعربة غير المنصرفة في إعرابها»! وإذا كان الشريف «قد تجاوز هذه المرحلة» كما يقول الكاتب و «تجاوز مرحلة يصح معها اختباره وامتحانه» بمثل هذه الأعاريب ، فلا بد أن لا يطرح عليه مثل هذا السؤال البسيط عن إعراب ما لا ينصرف ، الذي يعرفه الأصغر منه ، والأقل منه ذكاء.

وأما ما نراه نكتة صالحة لرفع مستوى النادرة إلى ما بلغته من الشهرة ، وإلى حد الإعجاب والإكبار ، وتناسب ذكاء السيد الشريف ونبوغه ، فهو : إن الصواب في العبارة هو :

«إذا قلنا : (رأيت عمر) فما علامة النصب في عمر؟

فقال له الرضي : بغض علي»

فالوجه في توجيه السؤال ، أن لفظ «عمرو» يحتوي على نكتة إعرابية في النطق ، ونكتة إملائية في الكتابة ، وما المانع من جمعهما في السؤال؟! فإن لفظ «عمرو» في حالة النصب ، ينصب بالتنوين ، ويخالف ـ نطقا ـ لفظة «عمر» في ذلك ، حيث لا يلحقه التنوين لعدم انصرافه.

وكثيرا ما يشتبه الأدباء بينهما ، وهو وجه لطيف لتوجيه السؤال إلى المبتدئين في النحو.

وهو [أي لفظ «عمرو»] أيضا يتغير في الكتابة عند النصب ، فإن واوه تحذف ، وتلحقه الألف ، ويخالف في ذلك أيضا لفظة «عمر».

ويشتبه الأدباء أيضا في ذلك ، كما وقع الدكتور الحلو فيه أيضا وهو ما ذكره الكاتب في «الوجه الرابع».

فلفظ «عمرو» في حالة النصب محل لمثل هذه الاشتباهات من الكبار ، فيكون توجيه السؤال عنه إلى مثل الشريف وهو في عمر الصغار ولم يبلغ العاشرة ، متجها بوضوح.

١٦٦

فيلاحظ بوضوح ارتباط إملاء الكلمة بحالة إعرابها في «عمرو» ارتباطا وثيقا ، ومثل هذا الارتباط والتشابك هو الذي يجعل طرح السؤال عنه موجها ، وخاصة للمبتدئين.

فلا وجه لما ذكره الكاتب من أن التمثيل في هذه النادرة إنما وقع من جهة الإعراب وعلاماته التي تظهر في النطق ... لا من جهة إملاء الكلمة وكيفية كتابتها .. فلاحظ.

ويلاحظ أن كلمة «عمر» الأولى في السؤال جاءت ـ حسبما نراه ـ بلا واو ، وبلا ألف النصب.

أما حذف الواو : فلأن المفروض أن كلمة «عمرو» تحذف واوها في حالة النصب ، وهي في جملة السؤال منصوبة ب «رأيت».

وأما حذف ألف النصب : فلأن المفروض في السؤال أن لا ينطق السائل بالإعراب الذي يسأل عنه ، وإلا كان الجواب واضحا ، وانتفت فائدة السؤال ، فالمفروض أن يقف السائل على آخر الكلمة بالسكون ، ويأتي بالكلمة مهملة عن الإعراب.

فكلمة «عمرو» إذا وقعت مفعولا به تصير «عمرا» وإذا وقفنا عليها وأهملناها من الإعراب تكون بصورة «عمر» ، وقد أطبقت المصادر على حذف الألف سوى اثنين ، كما ذكر الكاتب فلا بد من الالتزام بالتحريف فيها كما ذكرنا.

ويظهر أن الناقلين للنادرة لم يميزوا بين «عمر» الواردة في السؤال ، وبين «عمر» ، فتصوروا أن الكلمة إذا كانت الأولى فلا بد من وجود الواو ، أو وجود ألف النصب ، ومع عدمها فهي الكلمة الثانية قطعا.

غفلة عن أن كلمة «عمرو» في حالة النصب تتخلى عن الواو ، وبما أنها وقعت في جملة السؤال تخلت عن الألف أيضا ، فصارت «عمر» ، وليست «عمر».

١٦٧

والمصادر التي أثبتت صورة «عمر» ـ وهي الأكثر ـ أصابت الحق ، إلا أنها لم تعين كون الكلمة «عمر» أو «عمر» ، لخلوها عن الضبط بالحركات ، خاصة المطبوعات المهملة.

وعلى ما ذكرنا فإن الكلمة هي «عمر» حذف واوها للنصب ، وحذف ألفها للسؤال ، وأما «عمرو» الثانية في السؤال ، فهي مع الواو لعدم كونها منصوبة بل مجرورة ب «في».

وبهذا نعرف نكت كل من توجيه السؤال ، وربط جواب الشريف به ، وتندره فيه ، وذلك :

أما السؤال :

فهو ليس عن إعراب «عمرو» ولا إعراب «عمر» حتى يقال ـ في كل منهما ـ إن أمر إعرابه واضح ، فلا يوجه إلى مثل الشريف في نبوغه! لكن السائل لما وجه السؤال إلى الشريف بذلك الشكل ، أي بقوله : «رأيت عمر» ـ بلا ألف ولا واو ـ ، أراد أن يختبر ذكاء الشريف ، فيجده : هل يميز بين نصب «عمرو» فيقوله بالتنوين ، وبين نصب «عمر» فيقوله بالفتح ، فإن مثل ذلك من مواضع الاشتباه كما أوضحنا.

وأما النكتة الخفية في جواب الشريف ، بقوله : «بغض علي» ، فهي أن الشريف أشار بذلك إلى الجواب الإعرابي ، والإملائي ، والعقائدي ، مع استعماله أسلوبا بلاغيا رائعا ، وذلك :

أن كلمة «عمر» الواردة في السؤال بلا واو ، ولا ألف ـ كما شرحنا وجهه ـ تشبه رسما وإملاءا كلمة «عمر» لحذف واوها نصبا فكلمة «عمرو» في حالة النصب وعدم تحريكها تكون «عمر» فأجاب الشريف بلازم ما تؤول إليه كلمة «عمرو» في حالة النصب وهو «بغض علي» لأن الشريف أول كلمة «النصب» الواردة في السؤال من ظاهرها في إرادة الحالة الإعرابية ، إلى معناها العقائدي الذي هو العداء للإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام.

١٦٨

وهذا التأويل مبتن على أساس ما يسمى في علم البلاغة ب «القول بالموجب» (١) وهو أن يحمل المجيب ، اللفظ الوارد في السؤال ، على معنى لم يقصده السائل.

فالسائل أراد من النصب ، الإعراب.

والشريف أجابه على أنه أراد النصب العقائدي.

ولا ريب أن جواب الشريف هذا ، واستعماله هذا الأسلوب البلاغي البديع ، يحتاج إلى مزيد الدقة ، وجدة الذكاء ، وسرعة انتقال الخاطر ، والتوجه إلى المعاني المختلفة وإصابة المنحر في المسألة العقائدية ، بما كان صدوره من السيد الشريف في ذلك العمر موجبا للإعجاب الأكبر.

وهو الذي أثار حفيظة كثير من المتأدبين ، فحرفوا النادرة إلى ما يهوون!

إن الإباء المعهود في الشريف الرضي ، ذي النسب العلي ، والأنف الحمي ، دفعه إلى اعتبار الامتحان في الحلقة امتهانا ، وإثارة للطائفية المقموتة ، فكأنه فهم ـ وهو الملاحظ ـ أنهم أرادوا أن يجبروه على أن يتصور صورة كلمة «عمر» التي سيؤول إليها لفظ «عمرو» في حالة النصب ، فأبي أن ينصاع لهم ، وإنما ذكر لازمها وهو «بغض علي» ، فجابههم بهذا الجواب اللاذع.

وفي إجابة واحدة جمع الشريف الرضي بين شتات كل هذه المطالب وهذا منه ـ وهو طفل لم يبلغ العاشرة ، في حلقة علماء الفن ـ يدل ـ بلا ريب ـ على ذكاء مفرط ونبوغ مبكر.

وقد جمعنا بإبرازنا لهذه النكت الطريقة بين ما يناسب شخصية الشريف المرموقة ، وبين شهرة النادرة الواسعة ، ورفعنا الخلل الواقع في النسخ المختلفة من المصادر الناقلة لها.

__________________

(١) كذا يسميه قدماء البلاغيين ، وسماه في كتاب «الأسلوب الصحيح في البلاغة» ـ ص ٧٨ ـ ب «التعريف».

١٦٩

وأثبتنا ما كان الكاتب الفاضل بصدده من إبداء الحق إلى جانب عقيدة الشريف الرضي عليه رضوان الله الملك العلي.

والحمد لله أولا وآخرا.

* * *

١٧٠

من ذخائر التراث

١٧١
١٧٢

كتاب الليل والنهار

لابن فارس

حامد الخفاف

تقديم

بسم الله الرحمن الرحيم

المفاخرات : لون جميل من ألوان الأدب العربي ، له ضوابطه المعينة كأسلوب خصوصياته التي ميزته عن الأساليب المعروفة في النثر الأدبي ، يتخذ شكل مناظرة تتم بين طرفين مجازيين أو أكثر يقوم بتحريرها المؤلف ، وتكون المفاخرة ـ عادة ـ مليئة بجد القول وهزله ، ورقيق اللفظ وجزله ، وغرر البيان ودرره ، وملح الأدب ونوادره ، ومرصعة باللطائف الأدبية والأحاجي النحوية ، والأبيات الشعرية ، والفتاوى اللغوية.

منها على سبيل المثال : مفاخرة السيف والرمح لعلاء الدين علي بن محمد السعدي (٧١٧ ه) ، ومفاخرة السيف والقلم لأبي حفص أحمد بن محمد بن أحمد الكاتب الأندلسي (كان حيا بعد سنة ٤٤٠ ه) ، ومفاخرة البكرية والعمرية لأبي يحيى الجرجاني (من أجل أصحاب الحديث) ، والمفاخرة بين الراحة والتعب ، والمفاخرة بين العلم والمال ، والمفاخرة بين الفقر والغنى ، وكلها للسيد محسن الأمين العاملي.

١٧٣

وكتاب ابن فارس هو مفاخرة بين الليل والنهار ، ألفه ـ كما يقول ـ لفتى من أهل الجبل سأله أن يثبت له «وريقات في ذكر الليل والنهار وما يصلح أن يفضل به أحدهما على الآخر ويسوى» فارتجل كتابه المذكور مسعفا له به.

فيبدأ أول ما يبدأ بذكر قول صاحب الليل الذي سرد مجموعة من الآيات الكريمة التي قدمت الليل على النهار ، فأجابه صاحب النهار بأن لا فضيلة للتقديم مستدلا بالقرآن الكريم أيضا ، وأرى أن تقديم المؤلف للقرآن الكريم لم يأت عن غير قصد ، وإنما كانت لفتة جميلة حفظ بها قداسة الذكر الحكيم ، ثم انتقل الطرفان في المناظرة إلى الأدب العربي شعرا ونشرا ، يتخلل ذلك أحاديث نبوية شريفة ، وأمثال سائرة ، وطرف تاريخية.

والكتاب على صغره أثر نفيس لواحد من كبار أعلام الأدب العربي في القرن الرابع الهجري ، وهو بعد لوحة أدبية زاهية الألوان ، أضف إلى ذلك أن قيمته التاريخية لا تقل عن قيمته الأدبية ، بما يسلط من أضواء جديدة على شخصية ابن فارس.

* * *

١٧٤

ترجمة المؤلف

الإمام العلامة ، اللغوي المحدث ، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب القزويني،المعروف بالرازي ، نزيل همدان ، صاحب كتاب «المجمل».

نشأته :

ولد المترجم له على الأرجح في العقد الأول من القرن الرابع الهجري ، وكان مسقط رأسه في قرية (كرسف وجياناباذ) ، التي ذكرها ابن فارس لمن سأله عن وطنه ، وتمثل قائلا :

بلاد بها شدت علي تمائمي

وأول أرض مس جلدي ترابها

ويظهر أنها كانت بالقرب من مدينة قزوين ، ولذا نسب إليها.

وإذا أردنا أن نتطرق إلى نشأة ابن فارس فيمكن القطع أنها لم تكن بعيدة عن الأجواء العلمية ، فقد كان والده فارس بن زكريا من رجال العلم والمعرفة وكان فقيها ولغويا ، فأخذ عنه ما تيسر من العلوم والمعارف ، إلا أن طموح

__________________

* توجد ترجمته في : يتيمة الدهر ٣ : ٣٩٧ ، فهرست الشيخ الطوسي : ٣٦ / ٩٩ ، معالم العلماء : ٢١ / ٩٩ ، معجم الأدباء : ٤ / ٨٠ ، التدوين في أخبار قزوين : ٢ / ٢١٥ ، الكامل في التاريخ ٨ : ٧١١ ، إنباه الرواة ١ : ١٢٧ ، وفيات الأعيان ١ : ١١٨ / ٤٩ ، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد : ٦٥ / ٤٣ ، رجال ابن داود : ٤٢ / ١١٠ ، البداية والنهاية ١١ : ٣٣٥ ، مرآة الجنان ٢ : ٤٤٢ ، بغية الوعاة ١ : ٣٥٢ / ٦٨٠ ، طبقات المفسرين ١ : ٦ / ٥٤ ، شذرات الذهب ٣ : ١٣٢ ، أعيان الشيعة ٣ : ٦٠ ، روضات الجنات ١ : ٢٣٢ / ٦٧ ، وعن سير أعلام النبلاء ١٧ : ١٠٣ / ٦٥ ، دمية القصر ٣ / ١٤٧٩ ، ترتيب المدارك ٤ / ٦١٠ ، نزهة الألباء : ٣٢٠ ، وفيات سنة ٣٦٩ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٤٢ ، تأريخ الإسلام ٤ / ٩٧ ، تلخيص ابن مكتوم ـ ورقة : ١٥ و ١٦ ، عيون التواريخ ١٢ / ١٤٢ ، الوافي بالوفيات : ٧ / ١٧٨ ، الديباج المذهب : ١ / ١٦٣ ، الفلاكة والمفلوكون : ١٠٨ ـ ١١٠ ، طبقات ابن قاضي شهبة ١ / ٢٣٠ ، النجوم الزاهرة : ٤ / ٢١٢ ، مفتاح السعادة ١ / ٩٦ ، سلم الوصول : ١١٢.

١٧٥

ابن فارس لم يكن يقف عند حد ، وهمته العالية أكبر من أن تقنع بالقليل وترضى باليسير فرحل إلى أصبهان وزنجان وميانج طلبا للعلم ، فتتلمذ على كبار علمائها أمثال أبي القاسم سليمان الطبراني ، وأبي بكر أحمد بن الحسن الخطيب راوية ثعلب ، وأحمد بن طاهرين بن النجم ، ولم يكتف بذلك حتى رحل إلى بغداد للاستفادة من عالما الكبير في ذلك الوقت محمد بن عبد الله الدوري.

من هنا كان ابن فارس جم المعارف ، غزير العلم ، صقلت الأسفار الطويلة شخصيته العلمية حتى غدا إماما في اللغة ، مبرزا في علوم القرآن والحديث ، فذاع صيته في كل مكان ، عالما تشد إليه الرحال ، طلبا لمعارفه ، وتعطشا للاستزادة منه.

مكانته العلمية :

ليس من السهل في هذه العجالة أن نتحدث عن مكانة ابن فارس العلمية ، تلك الشخصية البارزة التي قدمت للتراث الإسلامي نتاجا متميزا في المكتبة العربية ، فمن خلال مصنفاته وآثاره ترى اللغوي الأديب الذي تطرب النفوس لكلامه ، وترقص القلوب لبيانه ، فهو كما قيل : «إذا ذكرت اللغة فهو صاحب مجملها ، لا بل صاحبها المجمل [لها]» (١).

وترى المفسر والمحدث الذي تبحر في علوم القرآن والحديث ، فأجاد وأفاد.

وتشاهد المتكلم الفقيه الذي " إذا وجد فقيها أو متكلما أو نحويا كان يأمر أصحابه بسؤالهم إياه ، ويناظره في مسائل من جنس العلم الذي يتعاطاه ، فإن وجده بارعا جدلا جره في المجادلة إلى اللغة ، فيغلبه بها " (٢) فهو بذلك كان " من أعيان العلم وأفراد الدهر ، وهو بالجبل كابن بالعراق ، يجمع إتقان العلماء

__________________

(١) إنباه الرواة ١ : ١٢٨ عن أبي الحسن الباخرزي.

(٢) إنباه الرواة ١ : ١٢٩.

١٧٦

وظرف الكتاب والشعراء» (٣) وكان «في وقته محتجا به في جميع الجهات غير منازع ، منجبا في التعليم» (٤).

وهكذا أثنى عليه العلماء ، وأطروه بعبارات الثناء والتبجيل ، تمجيدا لمقامه السامي ، وتقديرا لجهوده العظيمة في شتى فنون المعرفة.

وفاته :

اختلفت المصادر في تحديد سنة وفاته اختلافا كبيرا ، إلا أن الراجح منها أنه توفي في سنة ٣٩٥ ه بالري ، ودفن مقابل مشهد القاضي عبد العزيز الجرجاني.

كتاب الليل والنهار :

عندما طلب مني إخواني الأعزاء في هيئة تحرير نشرة «تراثنا» الموقرة تحقيق بعض الرسائل والكتب الصغيرة ، ذات الأهمية التراثية ، لم تكن بحوزتي عناوين محددة لمخطوطات يمكن التحرك عليها ، فاستعنت بسماحة العلامة المحقق السيد عبد العزيز الطباطبائي ، الذي شملني برعايته الأبوية ، كما هو شأنه دائما ، وعرض علي ما يزيد على العشرين كتابا ورسالة (مصورات ، ومستنسخات) كي أنتفي فأشار علي بحسن الاختيار ودقة الانتفاء.

تصفحته وقرأته فإذا أنا بلوحة أدبية رائعة ، تنشرح لها النفوس ، وتطرب لها الأفئدة ، جمعت قداسة الآية الكريمة والحديث الشريف ، وظرافة الشعر العربي ، وعبرة المثل السائر ، وجمال لغة القرآن.

__________________

(٣) نفس المصدر ١ : ١٢٧.

(٤) نفس المصدر ١ : ١٢٩.

١٧٧

كتاب الليل والنهار : ذكره أغلب من ترجم لابن فارس ضمن مصنفاته ، ولم يعثر الباحثون على أية نسخة منه ، سوى ما نقله زهير عبد المحسن سلطان ـ في مقدمته لكتاب «مجمل اللغة» ـ عن بروكلمان في «تأريخ الأدب العربي» أنه ذكر وجود نسخة مخطوطة من الكتاب في ليبزج ٧٨٠ رقم ٤ ، بعنوان «قصص النهار وسمر الليل» أم لا؟ وإذا كان كذلك فما هو السبب في تغيير اسم الكتاب المثبت في أغلب المصادر القديمة؟!.

النسخة المعتمدة :

هي النسخة الموجودة بحوزة السيد الطباطبائي ، حيث قام باستنساخها على النسخة المحفوظة في مكتبة ملك في طهران ، الكتاب الرابع من المجموعة المرقمة (٨٥٢) ، وتقع في ١٢٦ ورقة ، يحتل كتابنا الأوراق من ١٢١ إلى ١٣٢٦ ، فرغ من كتابته بخط النسخ علي بن علي بن إبراهيم الطوخي المالكي في يوم الأحد المصادف ١٢ ذي الحجة سنة ٩٩٦ ه.

والكتب الأخرى في المجموعة حسب الترتيب الآتي :

١ ـ المكافاة على الحسن والقبح : تأليف أبي جعفر أحمد بن يوسف ابن إبراهيم بن دايه المصري الكاتب (٣٤٠ ه) ، من الورقة ٢ إلى الورقة ٤٧.

٢ ـ بلوغ الآداب في لطائف العتاب : تأليف محمد بن أحمد المقري ، من الورقة ٤٩ إلى الورقة ١١٤.

٣ ـ حكمة الإسراء ومفاخرة الأرض والسماء : لم يذكر مؤلفه ، من الورقة ١١٥ إلى الورقة ١١٨.

* * *

__________________

(٥) مجمل اللغة ١ : ٢٧.

١٧٨

منهج التحقيق :

اعتمدت في تحقيقي للكتاب على النسخة الوحيدة التي وقعت في يدي والتي مر وصفها ، فحاولت ما استطعت تقويم نص الكتاب وضبط عباراته وفق ما توفر لدي من مصادر ، فقمت بتخريج الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ، وعلقت على الأمثال السائرة بما يناسب المقام ، وشرحت الألفاظ الصعبة والغلقة ، بما ييسر فهم العبارة ، مستندا في ذلك إلى كتب اللغة والأدب ، وذكرت لجملة من الأعلام ترجمة مختصرة ، انتزعتها من كتب التراجم والرجال ، ذيلت كل ذلك في هامش الكتاب.

وختاما أرجو أن أكون قد وفقت لإخراج هذا الكتاب بصورة مناسبة ، وأكون بذلك قد قدمت للقارئ الكريم أثرا نفيسا من ذخائر تراثنا الغني بكل ما هو طيبت وجميل ، بما ينال رضاه ، ولله الحمد أولا وآخرا.

حامد الخفاف

٣ صفر ١٤٠٩ ه

١٧٩

١٨٠