الدرّ المنظوم في ذكر محاسن الأمصار والرسوم

المؤلف:

السيد أمجد حمود بن أحمد بن سيف البوسعيدي


المحقق: محمّد المحروقي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عاصمة الثقافة العربية
الطبعة: ١
الصفحات: ١١٩

بيد اليهود. ومررنا على قرية تسمى بيت لحم فيها موضع مولد سيدنا عيسى عليه‌السلام وحيث ما وضعته أمه بعد الولادة ، وموضع النخلة ، وهو محل نازل في الأرض وهو بيد النصارى جاعلين عليه كنيسة كبيرة ، وبها من البناء والزخارف والتماثيل غاية في الكثرة. وهذه البلد يذكرون أنها كلها نصارى ليس بها مسلمون أبدا. ومروا بنا على النبي متى والنبي يونس عليهما‌السلام. ووصلنا بلد الخليل بعد ساعة إلا ربعا من اليوم الثاني من مسيرنا ، وكان جملة السير خمس ساعات تزيد وتنقص. ورأينا مسجدا كبيرا ما شاء الله ، وفيه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام منهم نبي الله إبراهيم الخليل عليه‌السلام وزوجته سارة ، والنبي إسحاق وزوجته رفقة ، والنبي يعقوب وزوجته لايقة. هؤلاء في محل واحد في مغار من الجبل باطن المسجد وفي أعلى المغار التوابيت من المسجد المذكور فوق كل قبر تابوت ، وفي مغار آخر من الجبل باطنه قبر نبي الله يوسف عليه‌السلام ، وكذلك من خارجه تابوت في أعلاه. والغار الأول الذي فيه الخليل عليه‌السلام بابه مسدود بالرصاص بل له فرجة قدر الكوّة الصغيرة يزوره الناس منها ، والأنوار تتلألأ في ذلك الغار.

وأما الغار الثاني فله طريق من جهة جانب المسجد. وأما نبي الله

٨١

لوط عليه‌السلام فقبره بعيد عن البلد بمقدار ساعة وربع ، ونبي الله العيص عليه‌السلام مسير ساعة ونصف عن البلد ، ونبي الله نوح عليه والسلام مسير ساعتين عن البلد. وغار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مسير أربعين دقيقة عن البلد ، وهو السرداب الشريف المشهور ، وهذا المسجد يذكرون انه أول من بناه النبي سليمان بن داؤد عليهما‌السلام. وما رأيت صنعة أقوى منه بنيانا ، فبناؤه بالحجر المنحوت ، فذرعنا حجرة منه طولها ستة عشر ذراعا بذراعنا وعرضها ذراعان ونصف ، وذلك باق من بناء نبي الله سليمان عليه‌السلام. وفيه بركة كبيرة ، والفلج من أعلاها ، وهي على طريق المسجد في وسط الدرج. وهذه البلد كلها سكانها مسلمون أخيار ما رأيت مثلهم في تلك الأرض ونساؤهم مستورة لا تسمع لهن حسا ولا يرى أحد منهن على الطريق أو الدرايش (١) ، وإذا أخرجت النسوة ففي غاية من الستر والتحفظ ، لا يبين منهن شيء أبدا. والحاصل أن الرجال والنساء في تلك البلد كلهم أخيار وقليل مثلهم. وأما العلاجين فهم مثل البهائم ، وجميع أشغالهم على نسائهم من بيع وشراء وغير ذلك ، تراهم في الأسواق متزاحمين ، الرجال والنساء. وبلادهم نيّره ولم يكن بها

__________________

(١) النوافذ.

٨٢

من المشركين غيرهم سوى نفر قليل من اليهود خاصة ، وهم في أتم الذّل. وهذه البلدان كلها التي بقرب بيت المقدس بناؤها وطرقها وأسواقها وبيوتها على شكل واحد لا فرق بينها غير الكبر والصغر ، وأما القرى الصغار فصفاتها ثانية.

ورأينا الجبال المنحوتة قريبا من القرية التي بها نبي الله العيص عليه‌السلام وكانت قديما سكنا للأوائل يتعجب الناظر من صنعتها ، والآن جعلوها مقابر يدفنون فيها موتاهم ، هكذا أخبرونا. وتلك الأطراف بساتينهم كلها بستان واحد ، يشبه بعضها بعضا ، والفواكه والمعاش كله رخيص فيها. وشجرهم الذي على الجبال يجعلون لها رفوفا ، كل طبقة أعلى من الطبقة الثانية ، من زيتون وغيره. وفيها من الخيرات شيء كثير من الأشجار والمحاشي وغير ذلك. ومقام النبي زكريا عليه‌السلام بين بلد الخليل والرملة ، وقيل قبره في غار تحت المسجد في ذلك المحل ، والله أعلم.

وأما نبي الله صالح عليه‌السلام فهو في مدينة الرملة في جامع كبير ، وذلك الجامع طبقتان ؛ طبقة من تحت الأرض وطبقة أعلاها ، وفي باطن الطبقة السفلى مدفون بها أربعون نفرا من قوم النبي صالح عليه‌السلام وهم من المؤمنين ، رحمهم‌الله. وهذا الجامع المذكور

٨٣

كله خراب لم يبق غير بعض آثاره وحدوده. وهذه الرملة بلد بين يافا وبيت المقدس مسير ثلاث ساعات من يافا. وكذلك سيدنا الفضل ابن العباس مدفون في الرملة.

ورجعنا من بيت المقدس إلى يافا يوم تسع عشرة من جمادى الآخر ، وكان وصولنا ذلك اليوم والحمد لله على بلوغنا الزيارة للأنبياء عليهم‌السلام والمقامات (١) الشريفة. ومن الخليل إلى يافا مسير خمسة عشر (ساعة) تقريبا ، وسافرنا من يافا في تسع ساعات وتسع دقائق من يوم الثلاثين من جمادى الآخر ، ووصلنا حيفا في ثلاث ساعات وخمس وعشرين دقيقة من الليل.

وسافرنا منها في أربع ساعات وخمس وأربعين دقيقة فوصلنا بلد بيروت في مقدار ساعة إلا ثلثا من يوم الحادي والعشرين من الشهر المذكور ، وذلك في بابور البحر ؛ النيمسا. وبيروت هذه بندر من بنادر الشام ، ولها شيفة (٢) من البحر ومرساها كبير جيد تدخل المواشي (٣) بين جبلين ، وعلى الجبال بناء. وتكون المواشي كأنها في بركة ماء ، لا موجة ولا سوجة. وينزل من المواشي بسهولة بغير تعب. وهي

__________________

(١) في الأصل الحانات ، وربما أراد المحلات.

(٢) أي منظر بديع.

(٣) السفن.

٨٤

بلدة طيبة فيها من المأكل الفاخر من الفواكه وغيرها شيء كثير. وأكثر سكانها نصارى ويهود ، وبقدر الربع المسلمون فيها ، والثلاثة الأرباع كفرة (١). وفيها جملة أسواق وبيوت فاخرة وبساتين وأغلب طرقها مفروشة بالحجر ، الحاصل أنها بلد حسنة وهواها صحيح. وفيها مقام نبي الله يحيى عليه‌السلام ويده الشريفة ، هكذا أخبرونا. والمقام مجعول في مسجد جامع للجمعة منظم.

ثم توجهنا من بيروت إلى دمشق الشام وأخذنا في الطريق ثلاث عشرة ساعة إلا ثلثا في الكروسة ، وهي عربة تجرها ستة رؤوس من الخيل ، وهي تحمل خمسة عشر نفرا أعلاها وأسفلها ، وتبدل الخيل في خمسة عشر موضعا ، وكل موضع تقف فيه بقدر ساعة لحوائجنا من أكل وغيره. والذين يسيرون على البهائم يمكثون في الطريق ثلاثة أيام. وفي الطريق من البساتين والمزارع والأشجار والأنهار شيء كثير ، وأكثر الطريق عمار والقليل فيها خراب. وفيها جملة قهاوي (٢) ومناخات. والتلغراف متصل من بيروت إلى دمشق. فلما وصلنا رأيناها مدينة عظيمة ، وفيها جملة أسواق ومساجد وحمامات ، شيء كثير. وفي أسواقها شيء كثير من بضائع وغيرها

__________________

(١) من الصعوبة قبول هذه الفكرة.

(٢) مقاهي.

٨٥

من المآكل والمشارب والفواكه الفاخرة شيء لا يوصف. وحولها البساتين ، والجبل دائر عليها محدق بها كلجة البحر. ويدور الجبل حول البساتين كالسور. وتسقيها سبعة أنهار كبار وتتفرق على جملة أنهار أصغر. وما رأيت بلدا مثلها ، كثيرة المياه في كل بيت بركة أو بركتان ، حتى في الطهاية (١) الماء يجري يغسل النجاسات إذا كان الإنسان في قضاء حاجة والماء يجري قدامه ، وفي الطريق والأسواق وحيث ما كان يسير يرى الماء ينصب منه ومن الجدار ، ومنه يكون في وسط البرك. وأغلب بيوتها على طبقة واحدة ، النادر الذي هو طبقتان. وليس للبيوت شيفة (٢) من الخارج بل مزينات من الداخل وأغلبها طين ، مثل بيوت الشوانب (٣) وبعضها من الحجر وطرقها أغلبها مفروشة بالحجارة.

وهي بلد قديمة من أقدم البلدان قاطبة. ورأينا المسجد الأموي وهو جامع كبير والسوق دائر به ، وفي صرحه بركة ينصب الماء منها. ومن داخل بنيانه الذي من الصرح إلى المسجد صنابير (٤) ينصب

__________________

(١) كأنه يريد دورات المياه.

(٢) منظر.

(٣) كلمة سواحلية تعني الضواحي. وهو يقارن ببيوت الضواحي في زنجبار.

(٤) استخدم كلمة بلايل وتعني في اللهجة العمانية الصنابير ومفردها بلولة.

٨٦

منها الماء. وكذلك الأبواب التي له على الأسواق ينصب عندها الماء من كل جانب. وفيه خلاوي (١) كثيرة للمجاورين ، وفيه منائر كبار ؛ منها المنارة الشرقية ينزل عليها عيسى عليه الصلاة والسلام آخر الزمان ، هكذا يذكرون ، والله أعلم.

وعدد درج المنارة المذكورة مائتان وعشرون درجة ، والثانية تسمى العروس ، عريضة يصعدونها لقراءة المولد فيها. ويذكرون أن هذا المسجد كان كنيسة ، ولما تولى المسلمون هدموها وبنوا فيها مسجدا ، ولما صارت الخلافة لبني أمية هدموه وعمروه ثانية. وفي وسطه قبة يذكرون انه رأس يحيى نبي الله عليه‌السلام ، وكذلك فيه موضع يذكرون انه مقام النبي هود عليه‌السلام ، وقول قبره في غار تحت المسجد ومعه سبعون نبيا صلوات الله عليهم في ناحية منه.

وفي موضع منه يقولون أنه مقام نبي الله الخضر عليه‌السلام في خارج المسجد في ناحية من الصرح موضع خزانة يزيد بن معاوية ، وحيث ما ترك رأس الحسين بن علي بن أبي طالب قول انه دفن في محله ، وقول بمصر والله أعلم. وفي المحلين له قرار. وخارج البلد على حدود الجبل موضع يسمى الصالحية ، وهي مقبرة

__________________

(١) جمع خلوة ، وهي أماكن العبادة المنعزلة.

٨٧

كبيرة ، ويذكرون فيها جملة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ولم يسموهم (لنا) جميعا ، والمسمى منهم ذو الكفل عليه‌السلام وعليه تابوت وقبة وفي أعلاه مقبرة غار أهل الكهف ربما كانوا ياؤون فيه ، وغار للأولياء الأربعين.

وبين البلدين والصالحية قرار الأكراد الأيوبية ، هؤلاء ينسبون إلى النبي أيوب عليه‌السلام ، وهما قبران مكشوفان من جانب ومحشوان بالقطن ؛ فواحد منهما مملوء والثاني غير مملوء. وإذا أمعنت النظر فيه فتنظر الرجل الميت على حاله ، وهما آيتان من آيات الله تعالى.

وفي دمشق مزارات كثيرة منها سيدنا بلال الحبشي مؤذن سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسيدنا كعب بن أبيّ وطلحة والزبير ومعاوية الكبير ابن أبي سفيان ومعاوية الصغير بن يزيد بن معاوية ، وقبر يزيد بن معاوية يرجمونه بالحجارة ، وموجود على قبره من الحجارة شيء كثير وهو على الطريق ، وولد سيدنا عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، وأبي عبيدة عامر بن الجراح ، ومقام سيدنا زين العابدين في ناحية من المسجد الأموي بقرب موضع رأس الحسين. ومنها قرار الشيخ محي الدين بن العربي والشيخ عبد الغني النابلسي ،

٨٨

والشيخ رسلان الدمشقي ، وجملة مواضع فيها الشهداء ، من صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهم ليسوا في موضع واحد بل في مواضع متفرقة ، رضي‌الله‌عنهم وغفر لنا ولهم ولجميع المسلمين ، آمين.

والحاصل أن دمشق الشام جنة الدنيا ويصدق فيها قول من قال في وصفها شعرا :

عرّج ركابك عن دمشق لأنها

بلد تذل لها الأسود وتخضع

ما بين جانبها وباب بريدها

بدر يغيب وألف بدر يطلع

ومن كثرة الهواء لم ترق لنا في الوقت الذي وصلنا فيه ، كأنها بلد وخيمة كثيرا ، حتى وجدنا من أهل البلد جملة من المرضى. والحر عندهم كشدة البرد عندنا.

ورأينا فيها الكارخانات التي تعمل الطيق الشامي ، وكذلك تصفية الحرير وبرمه وكل ذلك بالآلات. وسوق الصوغ (١) في البلد قرب المسجد الأموي ويقصده خلق كثير. والكروسة المقدم ذكرها مصنوع لها طريق في الجبل معوج ، في الصعود والهبوط ، يتعجب

__________________

(١) سوق الذهب.

٨٩

الأنسان في سلوكه من صنعته. وكل يوم تسير مرتين من دمشق وبيروت ؛ الصبح واحدة والرايح (١) واحدة. المراد أنها لا تنقطع فهذه ذاهبة وهذه آيبة فتلتقيان في وسط الطريق دائما ، وهما صنع الفرنسيس كانية. الحاصل أنها خدمة كبيرة وتحتاج إلى مغرم كثير ، ودائما يتعهدونها بالخدمة كل يوم. وما يمر أحد في هذه الطريق إلا بدراهم. ومن غير الكروسة هناك جوار جملة تحمل أموالا جزيلة ، بل إنها قد تمكث في الطريق ثلاثة أيام.

وما بين بيروت ودمشق يذكرون قبور أنبياء منهم إلياس وشيث عليهما‌السلام وهما في ناحية من الطريق ، هكذا أخبرونا لأننا مررنا بعيدا عنها ، ولم يمكن لنا الوصول إليها لحث (٢) أهل الكروسة لا يمكنهم الانتظار ، ولأجل ذلك صح لنا مانع ، وقرأنا لهم الفاتحة من بعد ، ونرجو من الله القبول.

وأذان أهل المسجد الأموي لم نر مثله. وهو أنهم يجتمعون في المنارة ويبتدئ أحدهم بالأذان ويتبعه الباقون على صوت واحد ، وتستوي لهم ضجة عظيمة فوق المنارة. ويبدءون في التكبير من

__________________

(١) المساء.

(٢) لعجلة.

٩٠

ستة ساعات من الليل أو الفجر تسمع لهم ضجة ، وصلاتهم قبل استيفاء الأذان ، وكل فرقة تصلي بإمامها وحدها كصلاة التراويح بمكة جماعات. الحاصل أن لهم أحوالا مخالفة. وأما التدريس فجملة علماء يدرسون في المسجد ويجتمع خلق كثير في الصلاة وعند الدرس.

ويذكرون بأرض الشام جملة من الفرق المختلفة في المذاهب كلهم يدّعون الإسلام ، منهم الدروز ، والمناولة والنصيرية ، والنور ، وغيرهم. ولهم عقائد زائغة لم نقف على حقيقتها نسأل الله العافية.

ثم رجعنا من دمشق يوم رابع من شهر رجب من السنة المذكورة إلى بيروت ، وركبنا البحر إلى نبط سعيد. وعدد البلدان من بيروت إلى يافا جملة على البحر منها حيفا وصيدا وعكا وصور ، ويذكرون أنه بقرب يافا نبي الله روئيل بن يعقوب مسير ثلاث ساعات عنها. فلما وصلنا نبط سعيد أقمنا فيه أربع عشرة يوما حابسين أنفسنا نرقب مركب الدولة من اسطنبول ولم يصل في هذه الأيام. وكان سبب ذلك رغبتنا الركوب في مراكب المسلمين.

ورأينا فيها كارخانات تعمل الحديد وآلة مراكب الدخان والكراكات التي تحفر البحر ، والمحل الذي يصلحون فيه المراكب ، وفيها

٩١

يصبون الحديد مثل الرصاص ، وعندهم آلات تقطع الحديد وتبرمه وتسحله مثل الشمع ليس مثل الخشب بل الخشب أقوى منه وهو بارد بلا إدخال النار. تكفي حكمتهم. ولا تسمع له حسا وقت القطع. وشيء من الآلات تطرق الحديد وتشرخ الأخشاب وتقطعه للنجار ، وهي تعمل بالنار. وهذه الكرخانات للفرنسيس.

ثم صعدنا المنارة التي فيها الفانوس وهي صب وفي بطنها سلم حديد ، وطولها مائتان وتسعة وثمانون درجة ، وفي الخارج خمس درجات والجملة مائتان وأربع وتسعون درجة. وفي أعلاها الفانوس الدوار طول الليل يدور ويشعل مثل الكوكب له لمعان بخلاف باقي الفوانيس التي تدور مثل الساعات. ويشعلونه من أسفل المنارة بالأدوات وكله بالنار. وفيها سلك من أعلاها إلى أسفلها يكلمون بعضهم بعضا بالسلك.

رجعنا إلى ذكر ملوك الشام. أولهم معاوية بن أبي سفيان ، تولى عشرين سنة ، وتوفي ودفن بدمشق. ثم تولى بعده ولده يزيد بن معاوية ، تولى ثلاث سنين وتوفي ، ودفن بدمشق. ثم تولى من بعده معاوية بن يزيد وتولى أربعين يوما ، وتوفي ودفن بدمشق. ثم مروان بن الحكم ، فعبد الملك بن مروان وتولى نيفا وعشرين سنة ، وتوفي

٩٢

ودفن بدمشق. وخلفه من بعده الوليد بن عبد الملك بن مروان ، ومات ودفن بدمشق. ثم من بعده عمر بن عبد العزيز ، ومات ودفن بدمشق. رجعلنا إلى ذكر البحيرة. (١)

ورأينا بحيرة من المنارة وهي بين نبط سعيد ودمياط. وهذه البحيرة عليها جملة بلدان يسير الإنسان لها أياما ، وبحرها أقل من قامة الإنسان لا تسافر فيه غير السفن الصغار وليس لهن هيارب من أسفلهن ألواح وفيها آية من الصيد والطير ، شيء كثير. ويذكرون أنها مؤجرة في كل سنة بستين ألف جني طبع مصر ، من خمسة ريالات إلى ثلاثة لكل ريال ، مدخولها لإسماعيل باشا والي مصر طرق من البحر الكبير.

ودمياط بلد يسير إليها القاصد من نبط سعيد في البحيرة والمسافة بينهما وضح (٢). ويسير لها كذلك من البحر الكبير ومن مصر في جاري الدخان ، هكذا أخبرونا ، والله أعلم.

ثم سافرنا من نبط سعيد إلى الإسماعيلية في ماشوة الدخان الكبيرة يسمونه مركب البوسطة ، وكان سفرنا في البحر الجديد ، وأخذنا في البحر ست ساعات تزيد وتنقص. ثم مشينا في الأماكن

__________________

(١) وردت هذه الفقرة في المخطوط الثالث ١١٢٤ ه‍ ، ورقة ٥٩ / ب ـ ٦٠ / أ.

(٢) الوضح مدة زمنية مخصوصة ، ويستخدم في اللهجة العمانية لحساب أجر العمال. ينظر حمد بن محمد المرجبي ، مغامر عماني في أدغال أفريقيا ، (وزارة التراث والثقافة : ٢٠٠٦) ، ترجمة د. محمد المحروقي ، ط ٢ ، ص ١٦٢.

٩٣

التي رسونا بها من أجل الماء وراحة الركاب وقضاء حوائجهم ، ورسونا في مكانين ، والبحر الجديد في بعض الأماكن لا يتسع إلا لمرور مركب واحد لا زيادة. وبعض الأماكن متسع حد النظر ، وهو في وسطه أوسع ، وفي طرفيه أضيق ، وإذا رميت حجرا يصل الجانب الآخر من غير تكلف ، الحاصل أن الاتساع بقدر مرور مركب واحد. وهناك كراكات تحفر في هذا البحر وهم دائما في شغل ، يتوقفون للحفر حيث يشاءون ، ويعزلون الرمل وحده والحجر وحده. وإذا أراد مركب أن يمر في هذا المكان الضيق يعطي خبرا في تلغراف لئلا يقدم عليه مركب آخر من الجهة الأخرى ويصير التصادم.

والسلك مساير البحر الجديد والمكان المتسع أصله نازل ، ولّما قطعوه من الطرفين امتلأ بحرا فصار بحرا واسعا ، وبنى الفلاحون والصيادون على شواطئه جميعها. ومررنا على البحيرة المتقدم ذكرها ورأينا فيها آية من الطير ، شيء لا يحصى ولا يعد ، منه على الماء ومنه في السماء (١) ، لأن البحر الجديد يمر بقربها.

ومن الإسماعيلية ركبنا في بابور الدخان البري إلى السويس ، وفي يومنا وصلنا السويس صلاة العتمة ، لأننا مكثنا بالإسماعيلية من

__________________

(١) في الأصل «ومنه طائر».

٩٤

هذا السبب. والعجب في خدمة الكراكات حكمة بالغة لا توصف ، وهي أشكال كثيرة ليست واحدة تشبه الأخرى ؛ منها التي تحفر البحر من وسطه وتأتيها أخرى تحمل الطين وتلقيه في محل آخر ، ومنها تحفر طرف البحر وترمى الطين بالآلة بعيدا عن البحر والآلة في نفس الكراكة. الحاصل أنها حكمة بالغة ولهن آلات كثيرة ، وعمال كثر لمقابلة الشغل ، وهي في أماكن كثيرة.

ويوم ثاني سافرنا من السويس في مركب إسماعيل باشا ، وهو دخان اسمه الحديدة واسم قبطانه حافظ ، وطاقمه كلهم أخيار كما ينبغي ، فوصلنا بندر جدة يوم حادي والجمعة من شهر شعبان في ثماني ساعات من النهار ثم منها إلى مكة المشرفة. وبلغنا عن السلطان عبد العزيز خان أن في دولته العثمانية عساكر كثيرون ، من ذلك قول أنهم خمسة وعشرون لكا ، وقول ثمانية وعشرون لكا. وقد رأينا خارج مدينة دمشق الشام خيام العساكر وأخبرونا في ذلك المحل عن عدد أقل يبلغون خمسة عشر ألف عسكري. وكل سنة يعملون قرعة في كل بلد من بلدانهم خلاف الحرمين والذي تخرج عليه القرعة يدخلونه في العسكرة إلى ست سنين ، وبعد ذلك يكون رديفا ، وهو أن يرخصوا له يخدم على نفسه في بلده أو غيرها إلى

٩٥

وقت الحاجة المهمة ، ودائما هكذا كل سنة. وبهذا السبب كثرت عساكرهم في سائر ممالكهم. نسأل الله أن ينصر دولة المسلمين.

وبلغنا أنه لما سافر إسماعيل باشا والي مصر إلى اسطنبول لمواجهة السلطان أهداه مليوني جني مصري من خمسة ريال عن عشرة مليون ريال غير الذي أهداه لأرباب الدولة ، ومن السلاح ثمانين نفرا من الشكل الجديد ، وصارت له وجاهة عظيمة ، ورجع إلى مصر. وكان سفره من اسطنبول في الساعة الثامنة من الليل بلا علم من السلطان ، وبعد سفره عزل الصدر الأعظم بسبب ذلك ، كيف تركه يسافر وهو عنده علم بذلك ، وربما كان في نفس السلطان شيء على إسماعيل باشا ، وولوا مكانه مدحت باشا الذي كان واليا في بغداد ثم عزل ثم ولوا مكانه غيره ، والله أعلم.

ومن أراد التوجه إلى مصر يأخذ معه البتنوا (١) لأجل كراء البوابير وخرجه. وفي القدس الشريف يأخذ معه ريالات مجيدية بيضاء ، والزلط سائر بجده ومكة لخرجه. والذهب كله يخسر. وريال الفرنسة والمجيدي بينهما فرق عشرين ديواني لا زيادة ، ليعلم الواقف على ذلك.

__________________

(١) هكذا في الأصل ، ولعله يقصد نوعا مخصوصا من النقود.

٩٦

الباب الرابع

فيما يتعلق بنول البوابير وشروطها وكراء

الدواب لتحصل به الفائدة للمتأمل

٩٧
٩٨

نول بابور البحر من جدة إلى السويس أول لمبر (١) عشرون ريالا للنفر (٢) وثاني لمبر خمسة عشر ريال وثالث لمبر عشرة ريالات ، وأكلهم على أنفسهم. ومدة السير من جدة إلى السويس أربعة أيام ، ومن السويس إلى مصر في بابور أول لمبر جني ونصف ، وثاني لمبر جني واحد ، وثالث لمبر نصف جني. والمسافة من السويس إلى مصر ست ساعات وعشرون دقيقة. ومن مصر إلى مغاغة في بابور البر أول لمبر جني إلا ربعا ، وثالث لمبر نصف جني ، والمسافة خمس ساعات وخمس دقائق ، الذي هو مشي البابور غير مدة الإقامات.

وركبنا الخيل من مغاغة إلى بهنسا من غير كراء ومن مصر إلى الإسكندرية في بابور البر ، أول لمبر جني ونصف ، وثاني لمبر جني إلا ربعا والثالث نصف جني ، ومسافتها ثمان ساعات إلا خمس دقائق. ومن إسكندرية إلى يافا في بابور البحر ، أول لمبر ستة جني ، وثاني لمبر جني واحد ، والمسافة ليلتان. ومن أراد التدقيق فليطالع الكتاب في محله.

__________________

(١) ربما كانت من الكلمة الإنجليزيةnumber بمعنى رقم ، وهنا يريد بها المستوى.

(٢) النفر الفرد عنده وفي الدارجة العمانية. وفي الفصحى هم الجماعة ، يقول الشاعر :

أبا خراشة إما أنت ذا نفر

فإن قومي لم تأكلهم الضبع

٩٩

ومن يافا إلى بيت المقدس برا على الدواب بكراء كل دابة ريالان إلا ربعا ، والمسافة اثنتا عشرة ساعة وربع. ومن بيت المقدس إلى الخليل ثم إلى يافا كراء كل دابة ثلاثة ريالات مع بعض المزارات ، ومن يافا إلى بيروت في بابور البحر أول لمبر أربعة جني ، وثاني لمبر جنيان ، وثالث لمبر نصف جني. والمسافة من يافا إلى بيروت ساعة ونصف ، ومن بيروت إلى دمشق الشام برا في الكروسة وهي العربية (١) نول كل نفر جني ، والمسافة ثلاث عشرة ساعة إلا ثلثا.

ومن بيروت إلى نبط سعيد في بابور البحر ، أول لمبر ثمانية جني ، ثاني لمبر أربعة جني إلا ربعا ، ثالث لمبر جني واحد. ومن نبط سعيد إلى الإسماعيلية ساعة في البحر الجديد في بابور البوسطة ، أول لمبر جني ، وثاني لمبر نصف جني. ومن الإسماعيلية إلى السويس في بابور البر ، أول لمبر جني إلا ربعا ، والثالث جني إلا ربعا ، والجني المذكور عن أربعة ريالات وربع.

وشروط بوابير البحر المذكور الأول أن يكون الركاب قد دفعوا للضابطية ولدار الصحة ولدار الجمرك الرسومات المحدودة بقوانين ونظم البلد المسافر منها والمتوجه إليها. فقوله الضابطية

__________________

(١) لعلها السيارة.

١٠٠