الدرّ المنظوم في ذكر محاسن الأمصار والرسوم

المؤلف:

السيد أمجد حمود بن أحمد بن سيف البوسعيدي


المحقق: محمّد المحروقي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عاصمة الثقافة العربية
الطبعة: ١
الصفحات: ١١٩

كلمة الرسوم. وغيّبت كلمة بينهما هي كلمة الأمصار. وعليه يكون العنوان على النحو التالي «الدّر المنظوم في ذكر محاسن الأمصار والرسوم» ، كما نفهم ذلك من مخطوط ثالث للكتاب نفسه. وقد عرفنا عن وجود مخطوط رابع لهذا الكتاب بالمكتبة البريطانية ونحن جادون في البحث عنه.

وخاتمة المخطوط كالتالي : [قد تم الكتاب بعون الملك الوهاب يوم ٢٢ من شهر شوال في سنة ١٢٨٩ للسيد الأمجد الكريم الأرشد حمود بن أحمد بن سيف بن محمد البوسعيدي بمكة المكرمة]. وهي إشارة على جانب كبير من الأهمية فقد نسخ هذا المخطوط في العام نفسه الذي أتمّ فيه السيد حمود البوسعيدي رحلته ، وفي المكان ذاته الذي انتهت إليه رحلته وهو مكة المكرمة ، وأمر ثالث وأخير وهو أن هذه النسخة للمؤلف نفسه ، كما يفهم من اللفظ والسياق. ولم يذكر الناسخ اسمه. وبعد الخاتمة وبالخط نفسه قصيدة جيّدة في تقريظ هذا الكتاب أولها :

إذا رمت ضربا فامتطي اليمّ واتقي

جميع الهوى والحوب والفلك ارتقي

وأمّ القرى أمّ القرى لبّ واعتمر

بحجّ وعجّ ثمّ ثجّ المدفّق

٢١

وكن حارما عند الدخول وحازما

وطف بطواف مودع منك مشفق

إلى أن يقول :

وسل سيدا ذاك الهمام ابن أحمد

حمودا عن الأنوار بالغار كم لقي

متى سار للقدس المقدّس تربها

وقد فاز بالفعل الجميل الموفّق

مناقبه بالغرب والشرق أشرقت

سخيّ نقيّ كامل صادق تقي

وقد أوقف القصر المنيف بمكة

رباطا لأهل الحقّ شنآنه شقي

وبخط مخالف وبعد انتهاء المخطوط نجد يوميات في الانتقال من عمان إلى زنجبار ، ولعلها عن الشيخ المغيري ، ولم نستقصها لضيق الوقت وخروجها عن موضوعنا الحالي. ولعلنا نعود إليها لا حقا أو غيرنا من الباحثين المهتمين بأدب الرحلة أو بسيرة الشيخ المغيري.

وبعد هذا التاريخ بخمس عشرة سنة تقريبا تنسخ مخطوطة أخرى للكتاب نفسه ، وهي محفوظة بوزارة التراث والثقافة برقم عام

٢٢

٢٥٨٧ ، وخاص ٤٣ ، وبعنوان موضوع هو [أسفار السيد حمود بن أحمد البوسعيدي]. وبياناته كالتالي كما ورد فهرس المخطوطات بعد العنوان : «نسخ زهران بن سيف الريامي ، ١٣١٥ ه‍. ١٣٨ صفحة ، (١١) سطرا ؛ ٢٤* ١٩ سم. خط نسخي وبعض رؤوس الموضوعات بالأحمر. أوله : أما بعد فيقول الفقير إلى الله تعالى حمود بن أحمد بن سيف البوسعيدي لما كانت السياحة من سنن الأنبياء والسادة الأتقياء. وآخره :

صلاة وتسليم مدى الدهر كلّه

من الله للهادي النبي محمد

المحتوى : يتضمن شرح أسفار السيد حمود بن أحمد البوسعيدي وما لاقاه فيها من الفوائد والفضائل.

المخطوط بحالة جيدة. به تعقيبات. غير مرقّم. الناسخ نسخه للشيخ عبد الله بن ناصر بن سليمان اللمكي. العنوان من صنع المفهرس». (١)

والغريب من أمر المفهرس هذا أنه يجد مخطوطا آخر يشير إليه في الصفحة المقابلة ذاتها من الفهرس ذاته للمؤلف نفسه والموضوع

__________________

(١) فهرس المخطوطات ، (وزارة التراث والثقافة : مسقط ١٩٩٥) ، مج ٢ ، ص ٢٢.

٢٣

نفسه واللفظ نفسه ، ثم لا يستفيد من العنوان الأصلي البارز في المخطوط المتأخر لتحديد عنوان المخطوط الذي ضاعت صفحته الأولى ، ثم يجتهد في وضع عنوان من عنده حيث لا موضع للاجتهاد. ومع أن ذلك سهو لا شك فيه لكن لا ينبغي السكوت عليه فحال المخطوط العماني من الضياع بحيث لا يحتمل خللا كهذا. بل يحتاج الأمر إلى قدر كبير من المسئولية والتأني والكفاية العلمية في التعامل معه وتقديمه للباحثين بشكل دقيق.

وقد اطلعت على المخطوط الأصلي بنفسي لمراجعة بعض المواضع فيه. وهو نفسه مخطوط الدر المنظوم دون أدنى شك. ويثبت هذا المخطوط قصيدتين أخريين في تقريظ الكتاب ، الأولى ركيكة النظم ، ومطلعها :

أجواهر سطعت برحلة ماجد

يرقا إلى العليا والمحاسن

والثانية أقوم منها نظما ، ومطلعها :

فمن كان مسعاه كمسعى بن أحمد

فذاك إلي طرق الهداية يهتدي

والمخطوط الثالث في الترتيب الزمني موجود أيضا بوزارة التراث والثقافة وهو نفسه الذي أشرنا إليه آنفا. عنوانه : [الدر المنظوم في

٢٤

ذكر محاسن الأمصار والرسوم] ، ورقمه ٢٣٩٣ ، وبياناته بعد العنوان كما ورد في فهرس المخطوطات الجزء الثالث : ممباسا. نسخ راشد بن سليمان بن سليم بن سالم الحسيني ١١٢٤ ه‍. ١٠٢ صفحة (١٥) سطرا ؛ ٢٣* ١٨ سم. خط نسخي ، مداد أسود وبعض السطور بالأحمر.

وتاريخ النسخ غير دقيق إذ يجعل النسخ وكأنه قد وقع قبل الرحلة نفسها التي تمت بعد ذلك بين عامي ١٢٨٨ و ١٢٨٩ من الهجرة النبوية. والأمر يحتاج إلى مزيد من التدقيق ، بالاستفادة من الإشارة المهمة التي يسوقها الناسخ من أنه كتب الكتاب في ممباسا إذ هو في ضيافة الوالي سالم بن خلفان بن عامر البو سعيدي.

أوله : أما بعد فيقول الفقير إلى الله تعالى حمود بن أحمد بن سيف لما كانت السياحة من سنن الأنبياء والسادة الأتقياء.

آخره : السيد محمد الظلمات بمعرفة باناجي في دمشق الشام. الشيخ محمد بن راشد الجلاد والشيخ سعيد الغبرة المدرس في الجامع الأموي. (١)

وقد اطلعت عليه كما أسلفت فوجدته ضعيف الخط مستقيم العبارة وبه زيادات لم أجدها في غيره. أوراقه مفكّكة وقد ورد فصل يتصل

__________________

(١) المصدر نفسه ص ٢٣.

٢٥

بنول البوابير وشروطها وكراء الدواب ، وفصل يتصل بأسماء الذين خدموا السيد حمود في رحلته ، في غير موضعه. حيث جاءت بعد الخاتمة ، وذلك لخطأ من قبل مجلّد المخطوط. وترد القصيدة القافية التي أشرنا إلى جملة من أبياتها آنفا هنا أيضا. وبعد ذلك نجد أبياتا شعرية متفرقة وأوفاقا في المحبة فالخاتمة المشار إليها.

ولم نتمكن من الحصول على نسخة كاملة من المخطوط الأول وإنما حصلنا على بعض صفحات لأول المخطوط وآخره ، بعد الإطلاع السريع عليه. وقد توفّرت بأيدينا حال المراجعة مصورتان عن المخطوطين الثاني والثالث فاعتمدناهما ، وكانت لدينا فرصة العودة للأصل متى ما أردنا ذلك. ولعل أحدا من الباحثين يجمع شتات تلك المخطوطات المتعددة فيحقق هذا العمل المهم في مجاله ، ويبرزه في حلة علمية دقيقة محققا ودارسا لمادته. والله الموفق ، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

د. محمد المحروقي

العذيبة ، في ١٣ / ٨ / ٢٠٠٦ م

٢٦

٢٧
٢٨

٢٩
٣٠

٣١
٣٢

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الكتاب

هذه سيرة سيدنا وذخرنا وملاذنا السيد الورع النزيه الكامل الفاضل السيد حمود بن أحمد البوسعيدي ، رحمه‌الله تعالى وغفر له ، فإنه قد توجّه للسياحة لإحياء دينه وعبرة في أخذ طريقه لما لاقاه من الفوائد والفضائل في سياحته حتى قيل إنّه بلغ السقف المرفوع. رفع الله درجته وأعلى مرتقاه في الدارين جميعا ، إن شاء الله. نفع الله به عباده المسلمين والمؤمنين.

والحمد لله رب العالمين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

٣٣
٣٤

الباب الأول

في صفة أرض الحجاز

وما اشتملت عليه

٣٥
٣٦

بسم الله الرحمن الرحيم

أحمدك اللهم يا من سمك السماء بناء ، وجعل الصعود إليها معراجا ، وجعل فيها شمسا وقمرا منيرا وسراجا وهاجا ، وأودعها بروجا وأنزل من المعصرات ماء ثجاجا ، وجعل الأرض بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاجا ، وخلق شمس الليل والنهار آيتين وجعل في الأرض أزواجا ، وأجرى فيها الأنهار فمنها العذب الفرات ، وجعل فيها بحرا أجاجا ، وقدّر فيها السير أفواجا. اللهم إني أشكرك شكرا بعدد القطر وجريان البحر ، ومثاقيل الجبال وعدد الحصى والثرى ، وما كتب به القلم وما جرى ، وعدد النجوم وورق الأشجار ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث من مضر ، الذي قال أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، وعلى آله وأصحابه وأزواجه وعلماء أمته الذين اتبعوه في الأثر. فيقول الفقير إلى الله تعالى حمود بن أحمد بن سيف البوسعيدي ، إن السياحة من سنن الأنبياء ، والسادة الأتقياء ، وفيها تضرب الأمثال والعبر ، وهي عبرة لمن اعتبر. وذكروا أنه أول من ساح في الأرض نبي الله دانيال عليه الصلاة والسلام. وذكروا أنه هو الذي حفر الدجلة وأوصلها بالفرات ، وكانت سابقا مقطوعة ، وكانت عنده الأسماء التي خرج بها آدم عليه الصلاة والسلام من

٣٧

الجنة ، ثم من بعده توارثها أولاده. وأكثر من ساح من الأنبياء عيسى عليه الصلاة والسلام. ثم من هذه الأمة المحمدية الإمام البخاري رحمه‌الله وغيره في طلب الأحاديث وجمعها.

وفي الأسفار تفريج الهمّ وتعلّم الأخبار وتذكرة لأولى الأبصار ، وقد قال بعض الأفاضل شعرا :

تنقّل فلذات الهوى في التنقّل

ورد كلّ صاف لا تقف عند منهل

ففي الأرض أجناب وفيها منازل

فلا تبك من ذكرى حبيب ومنزل

ولا تستمع قول امرىء القيس إنّه

مضل ، ومن ذا يهتدي بمضلل (١)

فعلى كل حال كانت أول سياحتي التوجّه إلى بيت الله الحرام ، ومعاهد التجليات طلبا للغفران من الملك العلام. وكان أول توجهنا من بندر زنجبار يوم ستة وعشرين من شوال سنة ١٢٨٨ بعد صلاة الصبح ، بصحبة السيد الهمام والأسد الضرغام ، برغش بن سعيد بن سلطان ابن الإمام. فكان وصولنا إلى بندر جدة ليلة أربع عشرة من شهر القعدة ، وأقمنا يومنا بجدة ، وبعد العصر ليلة خمس عشرة سرنا إلى مكة فدخلناها ليلة ست عشرة في شهر القعدة. وليلة أربع عشرة

__________________

(١) في الأصل «ومن لا يهتدي بمضلل».

٣٨

من شهر الحج توجه السيد برغش ومن معه إلى المدينة المنورة. ويوم حادي محرم حرام الساعة الثامنة من النهار سافروا من بندر جدة إلى زنجبار ، وكان وصولهم من المدينة يوم سبعة وعشرين من شهر الحج سنة ١٢٨٨. وكنت أنا قد بقيت بمكة المشرفة مجاورا لبيت الله الحرام وزمزم والمقام ، وأتطيب بمسك تراب تلك المشاعر العظام بمكة ، قال الشاعر :

بمكة لي غناء ليس يفنى

جوار الله والبيت المعظّم

ثم في اليوم التاسع من شهر ربيع الآخر وكان يوم الأحد سنة ١٢٨٩ توجهت إلى الطائف ، وكانت الساعة الثامنة من النهار. وأصبحنا يوم الاثنين في سوله وأقلنا بها ، ورحلنا في الساعة السابعة من النهار ، وأصبحنا في التبيل وأقلنا هناك ورحلنا في الساعة السابعة من النهار يوم الثلاثاء ، وأصبحنا يوم الأربعاء بالطائف ودخلنا البلد بعد طلوع الشمس بساعة. وبعد الاستراحة سرنا نزور قبور سادتنا عبد الله ابن العباس وأولاد النبي الطيب والطاهر وولد سيدنا علي بن أبي طالب محمد بن الحنفية وزبيدة بنت أبي جعفر المنصور العباسي ومن معهم في القبة.

ثم زرنا قبور الصحابة الاثنى عشر ، وهم شهداء الطائف. ثم زرنا

٣٩

سيدنا زيد بن ثابت الصحابي ومن معه. ومن بعد سرنا إلى وادي النمل ، وهو واد عظيم وعليه مزارع في جوانبه وقرى ، يشرح الخاطر وفي أوله مسجد وبعده الطائف بمقدار أربعين أو خمسين دقيقة على الحمير بجدة السير. ثم سرنا إلى جهة المثنّاة ورأينا بئر التفلة وبستان عباس ، ومع البئر مسجد. وهي بئر خالية (جافة) ، وكذلك في البستان مسجد صغير. وهذا البستان دخله النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما آذاه آل ثقيف أهل الطائف ، وأسلم عداس فيه على يديه حين جاءه بطبق من عنب من البستان.

وتفرجنا على بساتين أهل الطائف ووجدنا أفخرها شيرة ؛ بستان أمير مكة الشريف عبد الله ، والبهجة ؛ بستان الشريف عبد المطلب. وهما من جنات الدنيا. والطائف بلدة طيبة منبسطة ، (١) وفي قوة الحر باردة مثل الشتاء في غيرها ، وفي الشتاء يجمد الماء من قوة بردها.

وهي قرية عليها سور وفيها قلعة فائقة في الحسن ، وأسماء أبوابها الحزم وباب ابن عباس وباب الربع ، وفيها باب صغير من القلعة غير الثلاثة المذكورة. وأكبر مساجدها مسجد ابن عباس وفيه تقام الجمعة ، ثم من بعد مسجد الهادي أسفل البلد وفيه تقام الجمعة أيام الموسم.

__________________

(١) في الأصل وردت كلمة «شمرحة» ، ولم أعرف لها أصلا سوى أن تكون من ألفاظ اللهجة المحكية ، فيقال «مكان شرح» بكسر الأوليين أي منبسط.

٤٠