منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٢٥

في تقدم ذاك عليه وتأخره عنه (*) كما إذا علم بعروض

______________________________________________________

والوجود الربطي هو مفاد «كان» الناقصة الواردة على المبتدأ والخبر والموجبة للربط بينهما كقولنا «كان زيد قائما» حيث ان القيام المحمول على زيد أمر زائد على نفس وجوده ، والدال على هذا الربط هو الفعل الناقص. وفي قبال هذا الوجود الربطي العدم الربطي الّذي هو مفاد «ليس» الناقصة ، كقولنا : «زيد ليس بقائم» حيث ان مدلوله سلب ربط الاتصاف بالقيام عن زيد.

ولا يخفى أن التعبير عن الوجود بمفاد كان الناقصة بالوجود النعتيّ وعن العدم بمفاد ليس الناقصة بالعدم النعتيّ لا يخلو من مسامحة ، لأن الوجود النعتيّ إنما يطلق على وجود العرض الّذي هو موجود لنفسه في غيره بغيره ، إلّا أن وجوده المحمولي نعت للغير. وحيث إن النسب والارتباطات معان حرفية ولا استقلال لها في الوجود كما تقدم في المعاني الحرفية ـ والمفروض أن مدلول الأفعال الناقصة إما إيجاد الربط وإما سلبه ـ فالأصح التعبير عن مفاد كان الناقصة بالوجود الربطي وعن مفاد ليس الناقصة بالعدم الربطي ، فتعبيرنا عنهما بالنعتي جرى على اصطلاح بعض الأعاظم.

إذا عرفت هذا فلنشرع ببيان الأقسام الأربعة ونقول : القسم الأول هو ترتب الأثر على الوجود المحمولي ، وله صور :

الأولى : أن يكون الأثر الشرعي مترتبا على وجود أحد الحادثين بنحو خاص من التقدم أو التأخر أو التقارن دون الحادث الآخر.

أما الأول فهو : كتقدم رجوع المرتهن عن الاذن على البيع ، وتقدم العيب على العقد ، فان رجوع المرتهن عن إذنه قبل البيع يوجب بطلان البيع ، كما أن

__________________

(*) كان على المصنف والشيخ (قدهما) التعرض لصور الحادث المضاف إلى الزمان ، لجريان الصور المتصورة في الحادث المضاف إلى حادث آخر في الحادث المضاف إلى أجزاء الزمان أيضا ، من كون الأثر مترتبا على تقدمه على زمان خاص أو تأخره عنه أو تقارنهما ، ولعل عدم التعرض له إنما هو للاستغناء عنه بذكر أقسام الحادث المضاف إلى حادث آخر أو لقلة الفروع المتفرعة عليها.

٦٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

تقدم العيب على العقد يوجب الخيار ، ونحو ذلك من النّظائر ، فان أحد الحادثين وهو رجوع المرتهن وعيب المبيع في هذين المثالين لا يترتب عليه الأثر إلّا على وجوده بنحو خاص وهو التقدم على حادث آخر وهو البيع ، إذ لا أثر لرجوع المرتهن عن الاذن بعد البيع ، وكذا لا أثر لحدوث العيب في المبيع بعد البيع.

وأما الثاني أعني التأخر فهو : كملاقاة الثوب المتنجس للماء ، فان أثر هذه الملاقاة وهي الطهارة مترتب على الملاقاة بنحو خاص وهو تأخرها عن كرية الماء ، فلا أثر للملاقاة قبل حصول الكرية ، ولا مع التقارن بناء على ما يستفاد من ظاهر قوله عليه‌السلام : «إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء» حيث إنه يستفاد من رجوع الضمير إلى الكر أن الماء المفروض كونه كرّا لا ينفعل بالملاقاة ، فيعتبر في عدم تنجسه بالملاقاة سبق الكرية ، فصورة التقارن داخلة في المفهوم الدال على الانفعال ، وهذا الاستظهار مما أفاده أيضا شيخنا الأعظم (قده) في طهارته ، ونظائر هذا المثال في الفقه كثيرة.

وأما الثالث أعني التقارن فهو : كمحاذاة الرّجل والمرأة في الصلاة مع وحدة زمان شروعهما في الصلاة ، فان المانعية بناء على القول بها مترتبة على الحادثين وهما صلاتا الرّجل والمرأة مع تقارنهما شروعا وعدم حائل بينهما ، ولا فصل عشرة أذرع كذلك. وكتقارن عقدي الأختين زمانا لرجل فان بطلانهما مترتب على تقارنهما ، إذ مع اختلافهما زمانا يحكم بصحة المتقدم منهما وبطلان المتأخر.

وكتقارن عقدي المرأة وبنتها لرجل. وكتقارن عقدي الفاطميتين له بناء على حرمة الجمع بينهما وبطلان عقديهما كما نسب إلى بعض المحدثين. إلى غير ذلك من أمثلة الحادثين اللذين يترتب الأثر وهو البطلان أو غيره على تقارنهما ، فان الأثر في أمثلة النكاح المزبورة مع تقارن الحادثين وهما العقدان فيها هو البطلان ، إذ مع تقدم أحدهما على الآخر يحكم بصحة المتقدم منهما وبطلان المتأخر.

وحكم هذه الأقسام الثلاثة جريان الاستصحاب في الحادث الّذي يكون وجوده

٦٠٢

حكمين (١) أو موت متوارثين (٢) وشك في المتقدم والمتأخر منهما. فان كانا مجهولي التاريخ فتارة كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاص من (٣) التقدم أو التأخر أو التقارن (٤) ، لا للآخر (٥) ، ولا له (٦)

______________________________________________________

المحمولي موضوع الأثر ، فيستصحب عدم ذلك الوجود الخاصّ أو عدم تلك الخصوصية ، ويكون هذا الاستصحاب رافعا لموضوع الأثر كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

(١) كما إذا علم بصدور حكمين لموضوع يكون أحدهما ناسخا والآخر منسوخا ولم يعلم تاريخهما حتى يؤخذ بالمتأخر الناسخ ويترك المتقدم المنسوخ.

(٢) كموت أب وابن ، وتحقق جمعتين في أقل من فرسخ مع الجهل بتاريخ الموتين والجمعتين ، فان تقارن موت المتوارثين مانع عن التوارث ، وكذا تقارن الجمعتين في أقل من ثلاثة أميال مانع عن صحتهما ، والمانعية أثر شرعي يترتب على تقارن الحادثين.

(٣) بيان لـ «نحو خاص» وكذا قوله : «أو التأخر أو التقارن» وقوله : «كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما ... إلخ» إشارة إلى الصورة الأولى المذكورة بقولنا : «الأولى أن يكون الأثر الشرعي مترتبا على وجود أحدهما بنحو خاص ... إلخ».

(٤) قد عرفت آنفا بعض الأمثلة للتقارن وضديه ، فلاحظ.

(٥) يعني : لا يكون الأثر الشرعي للحادث الآخر بأحد أنحاء وجوده من التقدم أو التأخر أو التقارن ، وغرضه أن الحكم الشرعي مترتب على أحد الحادثين بأحد أنحاء وجوده ، وغير مترتب على الحادث الآخر أصلا.

(٦) يعني : ولا يترتب الأثر الشرعي على الحادث المذكور أوّلا بنحو آخر من أنحاء وجوده الثلاثة. هذا ما يظهر من العبارة ، لكن ليس هذا معنى صحيحا لها ، ضرورة أنه ليس للوجود نحو آخر غير الأنحاء الثلاثة وهي التقدم وأخواه ، فحق العبارة أن تكون هكذا : «ولا له بجميع أنحائه» أو «ولا له بمطلق وجوده».

٦٠٣

بنحو آخر ، فاستصحاب (١) عدمه بلا معارض (٢) ، بخلاف ما إذا كان (٣) الأثر لوجود كل منهما كذلك (٤) أو لكل (٥) أنحاء وجوده ، فانه

______________________________________________________

(١) هذا حكم الصورة الأولى وهي كون الأثر الشرعي مترتبا على أحد الحادثين بنحو خاص من التقدم وأخويه بنحو الوجود المحمولي الّذي هو مفاد كان التامة مع عدم ترتب الأثر على الحادث الآخر ، فان الاستصحاب يجري في عدم الحادث بلا معارض ، إذ لا أثر للحادث الآخر حتى يجري فيه الاستصحاب ويعارض ذلك الاستصحاب الجاري في الموضوع ذي الأثر الشرعي ، كما إذا كان أحد المتوارثين كافرا ، فان استصحاب عدم موت مسلمهما إلى زمان موت الآخر الكافر جار ، ويترتب عليه الأثر وهو إرث المسلم منه ، ولا يجري استصحاب عدم موت الكافر إلى زمان موت المسلم لعدم أثر شرعي له حتى في ظرف العلم بتأخر موته عن موت المسلم حيث ان الكافر لا يرث المسلم.

وبالجملة : فالأصل يجري في أحد طرفي المعلوم بالإجمال إن لم يترتب الأثر إلّا على أحدهما.

(٢) لما عرفت من عدم جريان الأصل في الحادث الآخر حتى يعارض ذلك الاستصحاب الجاري في الحادث الّذي يترتب عليه الأثر ، وضمير «عدمه» راجع إلى «أحدهما».

(٣) هذه هي الصورة الثانية أعني ما إذا كان النحو الخاصّ في كل من الحادثين موضوع الأثر.

(٤) أي : بنحو خاص بأن يكون لتقدم كل منهما أو تأخره أو تقارنه أثر ، ففي هذه الصورة يكون لوجود كل من مجهولي التاريخ بنحو خاص أثر شرعي في قبال ما تقدم من كون الأثر لوجود أحدهما بنحو خاص ، وضمير «منهما» راجع إلى الحادثين.

(٥) معطوف على «لوجود» وهذا إشارة إلى الصورة الثالثة وهي ما إذا كان كل من الحادثين بجميع أنحاء وجوده ذا أثر شرعي ، وضمير «وجوده» راجع إلى «كل منهما».

٦٠٤

حينئذ (١) يعارض ، فلا مجال لاستصحاب العدم في واحد ، للمعارضة (٢) باستصحاب العدم في آخر ، لتحقق (٣) أركانه في كل منهما. هذا (٤) إذا

______________________________________________________

(١) أي : حين ترتب الأثر على وجود كل من الحادثين بنحو خاص أو ترتب الأثر على كل واحد من أنحاء وجود كل منهما ، وغرضه أنه في هاتين الصورتين لا مجال لجريان استصحاب العدم في شيء من الحادثين ، لمعارضته بمثله في الآخر ، إذ المفروض ترتب الأثر الّذي هو شرط جريان الاستصحاب على كلا الحادثين ، والمانع الخارجي ـ وهو العلم بكذب أحد الاستصحابين ـ يوجب سقوطهما عن الاعتبار ، فانه لا يمكن التعبد الاستصحابي بعدم قسمة التركة إلى زمان إسلام الولد الكافر وبعدم الإسلام إلى زمان القسمة. وضمير «فانه» راجع إلى «استصحاب» ورعاية الإيجاز الّذي يهتم به المصنف (قده) تقتضي أن تكون العبارة هكذا : «فانه حينئذ يعارض ، فلا مجال له في واحد منهما مع تحقق أركانه في كل منهما».

(٢) تعليل لقوله : «فلا مجال» لكنه مستغنى عنه بقوله : «يعارض» فانه بمنزلة التعليل لـ «فلا مجال» ولذا قرنه بفاء التفريع. وقوله : «في آخر» يراد به في حادث آخر.

(٣) تعليل لفردية كل من الحادثين لدليل الاستصحاب ووجود المقتضي لجريانه في كليهما ، غاية الأمر أن المانع وهو التعارض أوجب سقوطهما عن الاعتبار.

(٤) أي : ما ذكرناه ـ من صحة جريان الاستصحاب وعدم صحته للتعارض ـ إنما هو فيما إذا كان الأثر الشرعي مترتبا على الوجود الخاصّ لأحد الحادثين أو كليهما وجودا محموليا له حالة سابقة تصحح الاستصحاب في مقابل الوجود النعتيّ الّذي ليس له حالة سابقة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

والحاصل : أن ما أفاده من قوله : «فتارة كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما» إلى قوله : «وأما ان كان مترتبا على ما إذا كان متصفا ... إلخ» يرجع إلى صور ثلاث :

إحداها : ترتب الأثر على وجود أحد الحادثين بنحو خاص من التقدم أو التأخر أو التقارن دون الحادث الآخر ، واستصحاب العدم يجري فيها بلا مانع.

٦٠٥

كان الأثر المهم مترتبا على وجوده الخاصّ الّذي كان مفاد كان التامة.

وأما (١) إن كان مترتبا على ما إذا كان متصفا بالتقدم أو بأحد

______________________________________________________

ثانيتها : ترتب الأثر على وجود كل من الحادثين بنحو خاص من التقدم وأخويه.

ثالثتها : ترتب الأثر على كل من الحادثين بأنحاء وجوده. والاستصحاب في هاتين الصورتين يسقط بالتعارض. وهذه الصور الثلاث مشتركة في كون الملحوظ فيها الوجود المحمولي الّذي هو مفاد كان التامة ، بأن يكون موضوع الأثر الشرعي وجود الحادث كالإسلام مثلا يوم الجمعة ، فان الحادث الزماني لا بد وأن يقع في زمان ، فان وجد يوم الجمعة ترتب عليه الأثر وهو كونه وارثا ، وإلّا فلا يترتب عليه هذا الأثر. هذا كله في القسم الأول من الأقسام الأربعة لمجهولي التاريخ.

(١) هذا إشارة إلى القسم الثاني من الأقسام الأربعة لمجهولي التاريخ ، ومحصل ما أفاده : أنه لا يجري فيه الاستصحاب إذا كان الأثر مترتبا على اتصافهما بالتقدم أو التأخر أو التقارن ، لا على نفس تلك الصفات التي هي عبارة عن خصوصية الوجود المتصف بها الّذي هو مفاد كان التامة.

وبعبارة أخرى : قد يكون التقدم ونحوه عنوانا مشيرا للوجود كالخيط المحيط بشيء ، ويقال : ان الواقع تحت الخيط حكمه كذا ، من دون نظر إلى دخل الخيط في شيء من الحكم والموضوع ، بل النّظر فيه مقصور على الحكاية عن الموضوع. وقد يكون التقدم ونحوه نعتا للموضوع بحيث يكون لاتصاف الموضوع به دخل في الحكم ، ويدور الحكم مداره وجودا وعدما.

والأول يكون من قبيل الوجود المحمولي الّذي هو مفاد كان التامة ، والثاني من قبيل الوجود النعتيّ الّذي هو مفاد كان الناقصة.

والوجه في عدم جريان الاستصحاب في هذا القسم الثاني بجميع صوره من اعتبار التقدم والتأخر والتقارن وعدم ترتب الأثر على أحد الحادثين أو كليهما ليس لأجل تعارض الأصلين فيما إذا ترتب الأثر على كل من الحادثين ولا المثبتية ، بل لاختلال أول ركني الاستصحاب وهو اليقين السابق ، حيث إن اتصاف موت زيد

٦٠٦

ضديه (١) الّذي كان مفاد كان الناقصة (٢)

______________________________________________________

بكونه مقدّما على موت عمرو المفروض توارثهما غير متيقن سابقا حتى يستصحب ، وذلك لأن الموضوع وهو «موت زيد المتصف بكونه متقدما على موت عمرو» لم يكن متيقنا في زمان سابق حتى يتعبد ببقائه في ظرف الشك ، حيث إنه في حال حياة زيد لم يكن موت حتى يتصف بالتقدم على موت عمرو أو بالتأخر عنه ، وعدم اتصاف الموت بالتقدم ـ حال الحياة ـ إنما هو من السالبة بانتفاء الموضوع.

وأما التمسك باستصحاب العدم الأزلي كما في مثل قرشية المرأة بأن يقال : «ان موت زيد حال الحياة كما لم يكن نفسه كذلك لم يكن وصفه أعني تقدمه على موت عمرو ، وبعد حصول اليقين بموت زيد يشك في انتقاض عدم تقدمه فيستصحب كاستصحاب عدم قرشية المرأة بعد العلم بوجودها» فهو ممنوع ، للفرق بين المقام وعدم القرشية ، لأن مفروض الكلام كون موضوع الأثر الشرعي اتصاف موت زيد بعدم تقدمه على موت عمرو ، لا عدم اتصافه بالتقدم ، ومن المعلوم أن استصحاب العدم الأزلي إنما يثبت عدم الاتصاف بالتقدم ، ولا يثبت اتصاف موت زيد بعدم تقدمه على موت عمرو إلّا بناء على الأصل المثبت. هذا ما أفاده سيدنا الأعظم الفقيه الأصفهاني (قده) (١).

أقول : ما أفاده من أن استصحاب العدم الأزلي لا يثبت الاتصاف بالعدم بل يثبت عدم الاتصاف متين ، لكنه مبني على القول بأصل جريانه في العدم الأزلي كما التزم به المصنف. لكن التحقيق عدم جريانه.

(١) وهما التأخر والتقارن ، وضمير «ضديه» راجع إلى التقدم.

(٢) قد عرفت في مدخل البحث بعض الكلام في مفاد كان التامة والناقصة ، ونزيدك هنا بيانا فنقول : ان مفاد كأن الناقصة هو الوجود الرابط المتعلق بالجعل المؤلّف الّذي يعبر عنه بالجعل المتعدي لاثنين كقوله تعالى : «جعل لكم الأرض فراشا» في قبال الوجود النفسيّ ، وهو الجعل البسيط الّذي هو إفاضة نفس الشيء

__________________

(١) منتهى الوصول ، ص ١٥٩

٦٠٧

فلا (١) مورد هاهنا (٢) للاستصحاب (٣) ، لعدم (٤) اليقين السابق فيه بلا ارتياب (*)

______________________________________________________

المعبر عنه بلسان الأدباء بالجعل المتعدي لواحد كخلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور.

وقوله : «الّذي» صفة لما يستفاد من الكلام وهو الاتصاف بالتقدم أو أحد ضديه ، فان هذا الاتصاف مفاد كان الناقصة ، لأنه قيد زائد على نفس الوجود المحمولي ، فان اتصاف زيد مثلا بالعدالة صفة زائدة على أصل وجوده الّذي هو أول محمولات الماهية ، وغيره من العوارض كالعدالة والفقاهة والغنى ونحوها محمولات مترتبة ، لترتبها على المحمول الأوّلي للماهية وهو الوجود.

(١) جواب قوله : «وأما» وبيان لحكم القسم الثاني وهو كون الأثر مترتبا على الاتصاف بالتقدم أو أحد ضديه بمفاد كان الناقصة ، وقد أوضحناه آنفا بقولنا : «لا يجري الاستصحاب في هذا القسم الثاني بجميع صوره ... إلخ» وحاصله : أن استصحاب كون الحادث المتصف بالتقدم على حادث آخر لا يجري ، لعدم تيقنه سابقا.

(٢) أي : في صورة ترتب الأثر على اتصاف الحادثين بالتقدم أو بأحد ضديه بنحو مفاد كان الناقصة.

(٣) أي : استصحاب عدم كون الوجود متصفا بالتقدم أو أحد ضديه بنحو مفاد ليس الناقصة.

(٤) تعليل لقوله : «فلا مورد» وحاصله : أن عدم جريان الاستصحاب هنا إنما هو لاختلال ركنه الأول وهو اليقين السابق ، وذلك لأن عنوان التقدم وضديه من العناوين المنتزعة عن الذات ومن الخارج المحمول ، فهي من قبيل لوازم الماهية غير المنفكة عنها في عالم تقررها ، وليست من الإضافات الخارجية المسبوقة بالعدم حتى يجري فيها الاستصحاب ، فلا يقين بعدمها حتى يستصحب ، كذا قيل.

__________________

(*) وعليه فعدم جريان الاستصحاب فيما ترتب الأثر على مفاد كان الناقصة

٦٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الأصل في الأعدام الأزلية فواضح.

وأما بناء على جريانه فيها كما هو مختار الماتن في بحث العام والخاصّ ، حيث تمسك بأصالة عدم القرشية لإدراج الفرد المشتبه في عموم «كل امرأة ترى الحمرة إلى خمسين إلّا أن تكون امرأة من قريش» فعدم جريانه هنا لأجل عدم الحالة السابقة كما أفاده الماتن.

وقد يدعى التهافت بين المقام وما ذكره في بحث العام والخاصّ ، ضرورة أن موضوع الأثر وإن كان وجودا خاصا بخصوصية التقدم أو التقارن أو التأخر ، إلّا أن نقيض هذا الوجود ليس عدما خاصا ، بل عدم الخاصّ ، وهو متحقق بسلب الربط ولو بسلب موضوعه ، فاستصحاب عدم الرابط جار في نفسه ، فان نقيض الوجود الرابط عدم الرابط لا العدم الرابط لئلا يكون له حالة سابقة» (١).

والحاصل : أن الأصل كما يجري في نفي اتصاف هذه المرأة بالقرشية كذلك يجري في عدم اتصاف هذا الحادث بالتقدم على الحادث الآخر ، لأنه لم يتصف بالتقدم حين لم يكن موجودا فالآن كما كان. وحيث إن مختاره اعتبار الأصل في الأعدام الأزلية فلا يلزم في استصحاب عدم الاتصاف بالسبق وجود الموت في زمان مع عدم الاتصاف به ، بل يكفي عدم اتصافه به حين لم يكن موجودا. فما في المتن من اختلال ركن اليقين السابق لا يتجه مع فرض الالتزام بجريان الاستصحاب في العدم الأزلي.

لكن الظاهر أن ما تقدم منه في الإيقاظ إجراء الأصل في العدم الأزلي المحمولي ولم يقصد ترتيب أثر العدم النعتيّ عليه ، حيث قال هناك : «فلا أصل يحرز به أنها قرشية أو غيرها ، إلّا أن أصالة عدم تحقق الانتساب بينها وبين القريش تجدي في تنقيح أنها ممن لا تحيض إلّا إلى خمسين» وعليه فنقيض الوجود الخاصّ وإن كان عدم الخاصّ الصادق على السالبة بانتفاء الموضوع ، إلّا أن

__________________

(١) نهاية الدراية ، ٣ ـ ١٠٨

٦٠٩

وأخرى (١) كان الأثر لعدم أحدهما في زمان الآخر ،

______________________________________________________

(١) معطوف على قوله : «فتارة كان الأثر الشرعي ... إلخ» وغرضه بيان حكم ما لو كان الأثر الشرعي مترتبا على عدم أحد الحادثين في زمان وجود الآخر ، وهذا القسم أيضا كسابقه على نحوين :

أحدهما : أن يكون العدم نعتيا ، وهو مفاد ليس الناقصة.

ثانيهما : أن يكون العدم محموليا ، وهو مفاد ليس التامة.

أما الأول : فحكمه عدم جريان الاستصحاب فيه لإثبات اتصاف وجود الحادث بالعدم في زمان حدوث الآخر ، وذلك لعدم اليقين السابق الّذي هو أحد

__________________

موضوع الأثر حسب الفرض هو اتصاف الحادث بعدم تقدمه على الآخر ، لا عدم اتصافه به كي يثبت بأصل العدم الأزلي ، فلا تهافت ظاهرا بين كلمات المصنف في المقامين.

وأما توجيه كلام الماتن هنا بما في تقرير شيخنا المحقق العراقي وحقائق سيدنا الفقيه الأستاذ قدس‌سرهما من : أن وصف التقدم والتأخر من العناوين المنتزعة عن الذات ومن الخارج المحمول ، فهي من قبيل لوازم الماهية غير المنفكة عنها في عالم تقررها ، وليست من الإضافات الخارجية المسبوقة بالعدم حتى يجري فيها الاستصحاب فلا يقين بها حتى تستصحب (١).

فلا يخلو من خفاء ، إذ ليس في كلمات المصنف ما يشعر بأن المانع من إجراء الاستصحاب هو كون هذه الإضافات من لوازم الماهية ، مع أنها ليست من لوازمها ، بل من لوازم الوجود ، ضرورة أن مثل التقدم والتأخر إنما ينتزع من الشيء بعد وجوده الخارجي ، فإذا تحقق الحادثان خارجا ولوحظ أحدهما بالنسبة إلى الآخر أطلق عليهما المتقارنان ، أو على أحدهما المتقدم وعلى الآخر المتأخر ، ومن المعلوم أن مقولة الإضافة من المقولات التسع العرضية التي تعرض الجواهر الموجودة ، لا الماهيات حتى تكون من لوازمها.

__________________

(١) نهاية الأفكار ، ٤ ـ ٢٠٠ ، حقائق الأصول ، ٢ ـ ٥٠٠

٦١٠

فالتحقيق (١) أنه أيضا (٢) ليس بمورد للاستصحاب فيما كان الأثر المهم مترتبا على ثبوته المتصف (٣) [على ثبوته للحادث بأن يكون الأثر

______________________________________________________

ركني الاستصحاب ، مثلا إذا كانت طهارة الثوب المتنجس الملاقي للماء مترتبة على ملاقاته متصفة بعدمها آن حدوث كرية الماء ، لعدم ترتب طهارته على مطلق الملاقاة ولو قبل كريته ، فلا يمكن إحراز هذا الوصف العدمي للملاقاة بالاستصحاب ، ضرورة أنه لا يقين بوجود الملاقاة متصفة بهذه الصفة السلبية حتى يستصحب ، إلّا بناء على السالبة بانتفاء الموضوع ، بل يجري استصحاب عدم الاتصاف المزبور ، لكونه معلوما سابقا.

(١) هذا إشارة إلى حكم النحو الأول المذكور بقولنا : «أما الأول فحكمه عدم جريان الاستصحاب فيه ... إلخ».

(٢) يعني : مثل صورة الوجود النعتيّ الّذي تقدم منه بقوله : «وأما إن كان مترتبا على ما إذا كان متصفا بالتقدم أو بأحد ضديه» وغرضه أن العدم النعتيّ كالوجود النعتيّ في عدم جريان الاستصحاب ، لاشتراكهما في عدم اليقين السابق ، لما عرفت من عدم تيقن ملاقاة الثوب المتنجس للماء متصفة بعدم كونها في آن حدوث الحادث الآخر وهو الكرية ، ومع عدم جريان الاستصحاب لإثبات اتصاف هذه الملاقاة بعدم تحققها آن حدوث الكرية لا يحكم بطهارة الثوب ، لعدم ترتبها على مطلق الملاقاة للماء ، بل على ملاقاة خاصة ، فيحكم بنجاسته لاستصحابها.

(٣) نعت لـ «ثبوته» وإشارة إلى النحو الأول وهو كون العدم نعتيا ، المذكور بقولنا : «أحدهما : أن يكون العدم نعتيا وهو مفاد ليس الناقصة».

ثم ان ظاهر هذا التعبير جعل موضوع الأثر قضية موجبة معدولة المحمول كما عرفت في مثال ترتب طهارة الثوب على ملاقاته للماء المتصفة بعدم كونها في آن حدوث الكرية ، لترتبها على ملاقاته له بعد حدوث الكرية ، ومن المعلوم أن مفاد هذا النحو من القضايا مفاد «كان» الناقصة ، إلّا أن المحمول متضمن لمعنى سلبي لوحظ لبّا نعتا للموضوع ، وحيث ان الاتصاف بالوجود والعدم منوط بتحقق

٦١١

للحادث المتصف] بالعدم في زمان حدوث (١) الآخر ، لعدم (٢) اليقين بحدوثه كذلك (٣) في زمان ، بل (٤) قضية الاستصحاب عدم حدوثه

______________________________________________________

الموضوع ، فقبل وجوده لا اتصاف بالعدم في زمان الآخر ولا بوجوده فيه ، فركن اليقين بالحدوث مختل كما أفاده في المتن وكذا في الحاشية (١) ، فراجع.

وكيف كان فالمقصود بقوله : «على ثبوته المتصف بالعدم» هو ما ذكرناه من كون موضوع الأثر سالبة بنحو العدم النعتيّ ومفاد «ليس» الناقصة ، لا السلب المحصل ، لظهور الثمرة في لحاظ النفي بين هذه القضايا في جريان الأصول وعدمه كما تقرر في مسألة اللباس المشكوك ، لكن لا يترتب على هذا النزاع ثمرة هنا ، فلاحظ وتأمل.

(١) هذا يبين المراد بقوله : «في زمان الآخر» إذ مقتضى إطلاق هذه العبارة هو اعتبار اتصاف الملاقاة في المثال المزبور بعدم كونها في زمان الكرية مطلقا ، وهذا خلاف المقصود الّذي هو ترتب الأثر أعني طهارة الثوب المتنجس على ملاقاته للكر ، لا على الملاقاة المتصفة بعدم كونها في مطلق أزمنة كرية الماء ، بداهة أن هذه الملاقاة لا تؤثر في طهارة المتنجس ، لأن مرجعها إلى اتصافها بعدم تحققها في شيء من أزمنة الكرية ، فالمراد من الاتصاف بالعدم هو ما أوضحه بقوله : «في زمان حدوث الآخر» وحاصله : اتصاف الملاقاة بعدم كونها في آن حدوث الكرية لا في جميع آناتها.

(٢) تعليل لقوله : «فالتحقيق أنه أيضا ليس بمورد للاستصحاب» وحاصله : عدم اليقين باتصافه بالعدم المزبور حتى يجري فيه الاستصحاب ، إذ لم يعلم أنه وجد متأخرا عن زمان حدوث الآخر حتى يتصف بالعدم ، أو وجد متقدما عليه أو مقارنا له حتى لا يتصف به ، وضميرا «ثبوته ، بحدوثه» راجعان إلى أحدهما.

(٣) أي : متصفا بالعدم في زمان من الأزمنة.

(٤) يعني : بل مقتضى الاستصحاب عدم حدوث الحادث متصفا بالوصف المزبور ، لأنه متيقن سابقا ، (فإذا فرضنا) العلم بعدم الحادثين وهما في المثال الكرية

__________________

(١) حاشية الرسائل ، ص ٢١٧

٦١٢

كذلك (١) كما لا يخفى. وكذا (٢) فيما كان مترتبا

______________________________________________________

والملاقاة يوم الأربعاء ، والعلم بحدوثهما يومي الخميس والجمعة مع الجهل بتقدم أحدهما على الآخر ، فيوم الجمعة ظرف العلم بوجودهما مع فرض ترتب الأثر الشرعي ـ وهو طهارة الثوب المتنجس ـ على ملاقاته للماء بوصف كونها معدومة حال حدوث الكرية ، إذ لو كانت الملاقاة قبل حدوث الكرية أو آن حدوثها ـ المندرج في مفهوم «إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء» كما تقدمت الإشارة إليه عند شرح قول المصنف : «وان لوحظ بالإضافة إلى حادث آخر علم بحدوثه أيضا ـ لم يترتب عليها الأثر وهو طهارة الثوب ، (أمكن) استصحاب عدم حدوث الملاقاة بهذا الوصف العدمي من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، حيث ان الملاقاة بوصفها العدمي كانت معدومة يوم الأربعاء ولو لأجل عدم تحقق أصل الملاقاة فيه ، ويشك يوم السبت في انتقاض هذه الملاقاة الموصوفة بالوصف العدمي ، فيستصحب عدمها مع هذا الوصف ، ومقتضاه عدم طهارة الثوب المزبور ، لأن الاستصحاب يحرز عدم تحقق المطهر وهو وجود الملاقاة حال عدم حدوث الكرية.

(١) أي : متصفا بعدم حدوثه في زمان حدوث الآخر ، وضمير «حدوثه» راجع إلى «أحدهما» هذا تمام الكلام في حكم النحو الأول وهو كون العدم نعتيا. وأما النحو الثاني فسيأتي.

(٢) هذا إشارة إلى النحو الثاني وهو ما إذا كان الأثر مترتبا على عدم أحدهما في زمان الآخر محموليا ، وهو مفاد ليس التامة ـ بمعنى عدم تقيد أحدهما بالآخر ولا دخل عنوان انتزاعي كالاجتماع والتقارن في موضوع الأثر ـ وهذا هو ضابط الموضوع المركب ، حيث يقوم كل من العرضين بمعروضه ، ولا يدل الدليل على دخل أمر انتزاعي كعنوان الاجتماع في موضوع الأثر.

وحكم هذا النحو هو : عدم جريان الاستصحاب فيه أيضا ، لكن لا لعدم اليقين السابق كما كان في الفرض المتقدم ، بل لاختلال شرط جريان الاستصحاب وهو إحراز اتصال زمان المشكوك بزمان المتيقن كما سيأتي.

٦١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا بأس لتوضيحه أوّلا بذكر مثال ثم تعقيبه ثانيا ببيان وجه عدم جريان الاستصحاب. أما المثال فهو كما إذا وقع بيع من الراهن ورجوع من المرتهن عن إذنه في البيع ولم يعلم تقدم أحدهما على الآخر ، والمفروض إناطة صحة البيع بأن لا يقع في زمان رجوع المرتهن عن إذنه في البيع ، فلا بد هنا من فرض أزمنة ثلاثة للبيع والرجوع عن الاذن ، أحدها : زمان العلم بعدمهما معا كيوم السبت.

ثانيها : زمان حدوث أحدهما كيوم الأحد.

ثالثها : زمان حدوث الآخر كيوم الاثنين ، فيوم السبت زمان العلم بعدم كل من البيع والرجوع ، ويوم الأحد زمان العلم الإجمالي بحدوث أحدهما ، ويوم الاثنين زمان العلم الإجمالي أيضا بحدوث الآخر ، ففي يوم الاثنين يعلم بوجودهما مع الجهل بتقدم أحدهما على الآخر ، إذ لم يعلم أن البيع وقع في يوم الأحد حتى يكون مقدما على الرجوع عن الاذن ويترتب عليه آثار الصحة ، لوقوعه في زمان عدم الحادث الآخر وهو الرجوع عن الاذن ، أو وقع يوم الاثنين حتى يكون باطلا ، لوقوعه بعد وجود الحادث الآخر وهو الرجوع عن الاذن الواقع يوم الأحد ، والمفروض إناطة صحة البيع بوقوعه في زمان عدم الرجوع عن الاذن ، هذا.

وأما وجه عدم جريان الاستصحاب في عدم الرجوع عن الاذن مع كونه متيقنا يوم السبت فهو على ما أفاده : فقدان شرط جريانه أعني إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، وتوضيحه منوط بالإشارة إلى أمرين :

أحدهما : أن موضوع أخبار الاستصحاب هو نقض اليقين بالشك ، ومحمولها النهي المستفاد من «لا» الدالة على الزجر عن النقض ، ومن المعلوم أن ترتب كل محمول على موضوعه يتوقف على إحراز ذلك الموضوع بوجه من الوجوه ، وإلّا فنفس الخطاب قاصر عن إثبات موضوعه ، فـ «أكرم العالم» مثلا يدل على وجوب إكرام كل من اتصف بالعلم على نحو القضية الحقيقية ، ولكنه لا يتكفل إثبات عالمية

٦١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

زيد أو غيره كما هو واضح.

وكذا في المقام ، فان أحرز من الخارج صدق النقض على رفع اليد عن اليقين السابق كان ذلك منهيا عنه ، وإن لم يحرز صدقه فلا سبيل لإثبات أن رفع اليد عنه نقض بمجرد النهي عن النقض المستفاد من المحمول ، لعدم جواز التمسك بالعامّ في الفرد المشتبه كونه من أفراده وإن قيل بجواز التمسك به في فرده الّذي يشك في كونه فردا للمخصص.

ثانيهما : أن التعبد الاستصحابي يكون بعنوان الإبقاء ، إما إبقاء للمتيقن السابق وإما إبقاء لليقين ، وهو يقابل النقض الّذي معناه رفع اليد عن المتيقن أو اليقين ، ومن المعلوم أن لازم هذا الإبقاء اتصال الموجود بالتعبد بالموجود بالحقيقة لكونه متيقنا ، ولو لا هذا الاتصال كان التعبد الاستصحابي تعبدا بالوجود لا بإبقاء ما تيقنه فلا يصدق الإبقاء على ما إذا تخلل فاصل بين المشكوك والمتيقن ، كما إذا تيقن بوجوب شيء في الساعة الأولى وتيقن بعدمه في الساعة الثانية وشك في وجوبه في الساعة الثالثة ، فانه ليس شكا في بقاء الوجوب المتيقن في الساعة الأولى ، وإنما هو شك في وجوده الحدوثي لا البقائي ، ولو فرض ترتيب آثار الوجوب عليه لم يكن جريا عمليا على الوجوب المتيقن في الساعة الأولى كما هو واضح.

وعلى هذا فان أحرز اتصال زمان المتيقن بالمشكوك صدق عنوان الإبقاء على ترتيب الأثر عليه ، كصدق النقض المنهي عنه على رفع اليد عنه. وإن أحرز انفصال المشكوك عن المتيقن لم يصدق الإبقاء والنقض قطعا كما عرفت في المثال. وإن لم يحرز اتصاله به ولا انفصاله عنه لم يمكن التمسك بـ «لا تنقض» للحكم ببقائه تعبدا ، لأنه تمسك بالدليل في الشبهة المصداقية ، لتكفل الدليل لثبوت الحكم لموضوعه المفروض وجوده لا لإيجاد الموضوع.

إذا عرفت هذين الأمرين فلنعد إلى تطبيقهما على المثال المتقدم ، فنقول : إن زمان اليقين بعدم الرجوع كما مر آنفا هو يوم السبت ، فإذا

٦١٥

على نفس (١) عدمه في زمان الآخر واقعا وإن كان (٢) على يقين منه

______________________________________________________

استصحبنا يوم الاثنين ـ الّذي هو زمان اليقين بوجود الحادثين وظرف الشك في التقدم والتأخر ـ عدم الرجوع لم يحرز اتصال زمان شكه بزمان اليقين ، حيث ان زمان الشك هو يوم الاثنين ، فحينئذ إن كان حدوث الرجوع يوم الاثنين اتصل زمان الشك فيه بزمان اليقين بعدمه وهو يوم السبت. وإن كان حدوثه يوم الأحد انفصل زمان الشك ـ وهو يوم الاثنين ـ عن زمان اليقين ، لتخلل اليقين بالخلاف في يوم الأحد المتخلل بين يومي السبت والاثنين. ومع عدم إحراز الاتصال لا تحرز مصداقيته لعموم مثل «لا تنقض اليقين بالشك» فالتمسك به حينئذ في المقام تشبث به في الشبهة المصداقية ، إذ لو كان الرجوع في المثال يوم الأحد كان استصحاب عدمه يوم الاثنين من نقض اليقين باليقين لا بالشك ، والاستصحاب إنما يجري عند كون رفع اليد عن اليقين السابق نقضا له ، لا ما إذا دار الأمر بين كونه نقضا أو انتقاضا ، فانه شبهة مصداقية لدليل «لا تنقض».

(١) أي : بدون لحاظ نعتيته حتى يكون عدما محموليا كالوجود المحمولي في كونه أول محمول يحمل على الماهيات كـ «الإنسان موجود أو معدوم». وقوله : «واقعا» قيد لـ «الآخر» أي : بترتب الأثر على عدم أحد الحادثين في زمان الوجود الواقعي ـ لا التعبدي ـ للحادث الآخر.

(٢) وصلية ، يعني : لا يجري الاستصحاب في هذه الصورة وإن كان أول ركنيه وهو اليقين بعدمه موجودا. والوجه في عدم جريانه ما مر آنفا من عدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، وضمير «منه» راجع إلى «عدمه» وقوله : «وان كان على يقين منه ... إلخ» إشارة إلى ما أفاده الشيخ (قده) من جريان الاستصحاب وسقوطه بالتعارض إن كان الأثر مترتبا على عدم كل من الحادثين بالإضافة إلى الآخر ، قال بعد منع إجراء أصالة التأخر لعدم اليقين به : «وأما أصالة عدم أحدهما في زمان حدوث الآخر فهي معارضة بالمثل ، وحكمه التساقط مع ترتب الأثر على كل واحد من الأصلين».

٦١٦

في آن (١) قبل زمان اليقين (٢) بحدوث أحدهما ، لعدم (٣) إحراز اتصال زمان شكه (٤) وهو زمان حدوث

______________________________________________________

ومحصل وجهه هو : اجتماع أركان الاستصحاب من اليقين والشك في كل واحد من الحادثين مع ترتب الأثر الشرعي عليهما ، فالمقتضي لجريانه في كل منهما موجود ، إلّا أن وجود المانع من جريانه فيهما وهو التعارض أوجب سقوطهما.

وبالجملة : فمختار الشيخ جريان الاستصحاب في الحادثين وسقوطه بالتعارض ، ومختار المصنف عدم جريانه في نفسه لا لأجل المعارضة ، فعدم جريانه عند الشيخ إنما هو لوجود المانع وعند المصنف لعدم الشرط. وتظهر ثمرة هذا الخلاف فيما إذا كان الأثر لأحد الحادثين دون الآخر ، فان الاستصحاب يجري فيه ويترتب عليه لأثر بناء على مختار الشيخ ، ولا يجري فيه بناء على ما اختاره المصنف.

(١) وهو الآن الّذي يعلم بعدم وجودهما فيه كيوم السبت في المثال المزبور ، فانه يكون قبل يوم الأحد الّذي هو زمان اليقين الإجمالي بوقوع أحد الحادثين فيه ، إذ المفروض العلم الإجمالي بحدوث البيع أو رجوع المرتهن عن الاذن في يوم الأحد.

(٢) أي : اليقين الإجمالي بحدوث أحد الحادثين ، كما عرفت في مثال البيع ورجوع المرتهن.

(٣) تعليل لعدم جريان الاستصحاب في النحو الأخير وهو كون الأثر مترتبا على عدم أحد الحادثين محموليا في زمان الآخر ، وقد عرفت توضيحه بقولنا : «وأما وجه عدم جريان الاستصحاب في عدم الرجوع عن الاذن ... إلخ».

(٤) الموجود في كلمات المصنف هنا وفي الحاشية في بيان المانع عن جريان الاستصحاب في القسم الرابع هو عدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، ولكن الظاهر كما أفاده جمع من تلامذته قدس الله أسرارهم إرادة اتصال المشكوك بالمتيقن ، لا اتصال زمان نفس الوصفين ، وذلك لوجهين :

أحدهما : أن الشك واليقين من الأمور الوجدانية الحاضرة لدى النّفس عند التفاتها إليها ، فيدور أمرها بين الوجود والعدم ، ولا يعرضها الشك ، وإنما يعرض

٦١٧

الآخر (١) بزمان

______________________________________________________

وصفا اليقين والشك على الأمور الخارجية ، فهي إما متيقنة أو مظنونة أو مشكوكة. وعليه فنفس قول المصنف : «لعدم إحراز اتصال زمان شكه» شاهد على إرادة اتصال زمان المشكوك بزمان المتيقن ، لأنه يمكن فرض الشبهة الموضوعية فيه من أن المشكوك متصل بالمتيقن على تقدير ومنفصل عنه على تقدير آخر.

وأما نفس الشك واليقين فهما إما موجودان قطعا وإما معدومان كذلك ، ولا معنى لشك النّفس في أنها متيقنة أو شاكة.

ثانيهما : أن المعتبر في الاستصحاب اجتماع نفس اليقين والشك زمانا ، واختلاف المتيقن والمشكوك كذلك كالعدالة المتيقنة يوم الجمعة المشكوكة يوم السبت ، على خلاف قاعدة اليقين ، لتعدد زماني الشك واليقين فيها واتحاد زمان المتيقن والمشكوك.

وعلى هذا فالمعتبر في الاستصحاب اجتماع الوصفين زمانا لا اتصالهما حتى يكون تخلل الفاصل بينهما قادحا في جريانه.

نعم ظاهر بعض الأخبار كقوله عليه‌السلام : «من كان على يقين فشك فليمض على يقينه» وإن كان اعتبار سبق حصول اليقين على الشك ، واتصال الشك به لمكان الفاء ، فمع عدم إحراز اتصال نفس الشك باليقين لا يجري الاستصحاب لاختلال شرطه. إلّا أن هذا التعبير ناظر إلى ما هو الغالب في الخارج من حصول اليقين بشيء ثم الشك فيه ، لا أن سبق اليقين واتصال الشك به زمانا معتبر في الاستصحاب ، لجريانه لو حصل الوصفان في زمان واحد ، لإمكانه بعد اختلاف متعلقيهما بالحدوث والبقاء.

(١) وهو يوم الاثنين في المثال المذكور ، لما مر من أن أحد الحادثين ـ وهما البيع والرجوع ـ حدث يوم الأحد ، والحادث الآخر وجد لا محالة يوم الاثنين ، فزمان حدوث الشك في تقدم أحد الحادثين على الآخر هو يوم الاثنين الّذي يكون زمان العلم بوجودهما أيضا.

٦١٨

يقينه (١) ، لاحتمال (٢) انفصاله عنه باتصال (٣) حدوثه به.

وبالجملة : كان بعد ذاك الآن (٤) (*) الّذي قبل زمان اليقين بحدوث

______________________________________________________

(١) وهو يوم السبت في المثال ، حيث إنه زمان اليقين بعدم الرجوع. وقوله : «بزمان» متعلق بـ «اتصال» يعني : لعدم إحراز اتصال زمان الشك في أحد الحادثين ـ كالرجوع في المثال ـ بزمان يقينه وهو يوم السبت ، وذلك لاحتمال حدوث الرجوع يوم الأحد المتصل بيوم السبت ، فلم يتصل حينئذ يوم الاثنين الّذي هو زمان الشك في تقدمه على البيع وتأخره عنه بزمان اليقين بعدمه أعني يوم السبت ، لتخلل يوم الأحد الّذي هو زمان حدوث الرجوع بين يومي السبت والاثنين.

(٢) تعليل لقوله : «لعدم إحراز اتصال ... إلخ» وحاصله : أن وجه عدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين هو احتمال حدوث الرجوع يوم الأحد المتصل بيوم الاثنين الّذي هو زمان الشك ، ومن المعلوم انفصال يوم الاثنين عن يوم السبت الّذي هو زمان اليقين بعدم الرجوع ، ومع هذا الاحتمال لا يحرز الاتصال المزبور الّذي هو شرط جريان الاستصحاب.

(٣) متعلق بـ «انفصاله» والباء للسببية ، يعني : لاحتمال انفصال زمان الشك عن زمان اليقين بسبب اتصال زمان حدوث الحادث المستصحب عدمه كالرجوع بزمان الشك في تقدمه وتأخره وهو يوم الاثنين ، فلم يتصل زمان شكه بزمان اليقين بعدمه وهو يوم السبت ، وضمير «حدوثه» راجع إلى «الحادث» وضمير «به» إلى «زمان شكه».

(٤) وهو يوم السبت الّذي يعلم بعدم كلا الحادثين فيه ، والأولى ذكر الضمير العائد إلى الموصول بأن يقال : «الّذي هو قبل».

__________________

(*) وان شئت قلت : ان عدمه الأزلي المعلوم قبل الساعتين وإن كان في الساعة الأولى منهما مشكوكا ، إلّا أنه حسب الفرض ليس موضوعا للحكم والأثر ، وإنما الموضوع هو عدمه الخاصّ وهو عدمه في زمان حدوث الآخر المحتمل كونه الساعة الأولى المتصلة بزمان يقينه أو الثانية المنفصلة عنه ، فلم يحرز اتصال

٦١٩

أحدهما زمانان (١) أحدهما زمان حدوثه ، والآخر (٢) زمان حدوث الآخر وثبوته الّذي (٣) يكون ظرفا للشك في أنه (٤) فيه أو قبله ، وحيث (٥) شك في أن أيّهما مقدم وأيّهما مؤخر لم يحرز (٦) اتصال زمان الشك بزمان

______________________________________________________

(١) أحدهما يوم الأحد في المثال المزبور ، وهو زمان العلم الإجمالي بحدوث أحد الحادثين ، والآخر يوم الاثنين كما سيجيء. وقوله : «زمانان» اسم «كان» وضمير «أحدهما» الأول راجع إلى الحادثين ، والثاني راجع إلى «زمانان» وضمير «حدوثه» راجع إلى «أحدهما».

(٢) يعني : والزمان الآخر وهو يوم الاثنين في المثال زمان حدوث الحادث الآخر.

(٣) صفة لـ «زمان حدوث الآخر» وهذا يبيّن زمان حدوث الآخر ، يعني : ذلك الزمان كيوم الاثنين في المثال يكون ظرفا للشك في أن الحادث الّذي يراد استصحاب عدمه هل حدث في الزمان الثاني وهو يوم الاثنين أو في الزمان الأول وهو يوم الأحد؟

(٤) يعني : في أن الحادث المستصحب عدمه حدث في الزمان الآخر وهو يوم الاثنين أو في الزمان الّذي قبله وهو يوم الأحد ، فضمير «فيه» راجع إلى «الآخر» المراد به الزمان الآخر ، وكذا ضمير «قبله» المراد به «أحدهما» يعني : أحد الزمانين.

(٥) هذا تقريب إشكال عدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، وضمير «بهما» في الموضعين راجع إلى الحادثين.

(٦) جواب «حيث» وقد عرفت تقريب عدم إحراز الاتصال المزبور مفصلا.

__________________

زمان شكه بزمان يقينه ، ولا بد منه في صدق «لا تنقض اليقين بالشك» فاستصحاب عدمه إلى الساعة الثانية لا يثبت عدمه في زمان حدوث الآخر إلّا على الأصل المثبت فيما دار الأمر بين التقدم والتأخر ، فتدبر.

٦٢٠