منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٢٥

وهو (١) وإن كان يحتمل قاعدة اليقين ،

______________________________________________________

وليس في هذا السند من يناقش فيه سوى القاسم بن يحيى ، فانه لا توثيق له ، بل ضعفه ابن الغضائري والعلامة ، ولذا عدت الرواية من الضعاف كما في تقرير (١) بعض الأعاظم (مد ظله) مع أنه حكم بوثاقة الرّجل في كتاب رجاله ، لوقوعه في أسناد كامل الزيارات ، وأيّد وثاقته بحكم الصدوق بصحة ما رواه في زيارة الحسين عليه‌السلام عن الحسن بن راشد وفي طريقه إليه القاسم بن يحيى. وعلى هذا ينبغي عدّ هذه الرواية معتبرة لا ضعيفة.

وأما الجهة الثانية فسيأتي بيانها.

(١) أي : وقوله عليه‌السلام وان كان يحتمل ... وهذا شروع في بيان الجهة الثانية أعني دلالة الرواية على الاستصحاب. والمصنف وافق شيخنا الأعظم (قدهما) في دعوى ظهورها البدوي في قاعدة اليقين ، وفي ختام البحث استفاد كل منهما حجية الاستصحاب. ومحصل ما أفاده الماتن : أن الروايتين يحتمل فيهما كل من قاعدة اليقين والاستصحاب.

أما الأول فلأن قوله عليه‌السلام : «فأصابه شك» أو «فشك» ظاهر في اختلاف زمان حصول وصفي اليقين والشك ، حيث ان الفاء العاطفة ظاهرة في التعقيب ، ومن المعلوم أن اختلاف زمان الوصفين مع اتحاد متعلقيهما يكون في قاعدة اليقين دون الاستصحاب ، لعدم اعتبار اختلاف زمانهما فيه ، بل المعتبر فيه اختلاف زمان الموصوفين أعني المتيقن والمشكوك ، دون زمان الوصفين ، لإمكان اتحاد زمانهما فيه ، بل إمكان تقدم زمان الشك على زمان اليقين أيضا ـ كما إذا فرض أنه حصل يوم السبت الشك في عدالة زيد ، وفي يوم الأحد صار عالماً بعدالته يوم الجمعة ـ كما هو واضح. وهذا بخلاف قاعدة اليقين ، فان الشك يكون سارياً إلى اليقين ومُزيلاً له وموجباً لتبدله بالشك ، ولازمه اتحاد زماني المتيقن والمشكوك ، واختلاف زمان حصول الوصفين ، لامتناع وحدة أزمنة الوصفين

__________________

(١) مصباح الأصول ، ٣ ـ ٦٧

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

ومتعلقيهما ، كما إذا علم بعدالة زيد في يوم الجمعة واقتدى به وفي يوم السبت شك في عدالته وسرى هذا الشك إلى ذلك اليقين حتى صارت العدالة في يوم الجمعة مشكوكة بعد أن كانت معلومة ، ومقتضى البناء على اليقين وعدم نقضه لزوم ترتيب آثار اليقين على المتيقن بمعنى عدم قضاء الصلاة في المثال.

والحاصل : أن الشك في القاعدة يتعلق بالحدوث ، ولأجله سُمي بالشك الساري ، لسرايته إلى حدوث اليقين ، بخلاف الاستصحاب ، فان الشك فيه طار متعلق بالبقاء ، ولا يهدم اليقين بالحدوث ، لعدم سرايته إليه.

وأما الثاني فلوجهين ، أحدهما : أن المتعارف في التعبير عن مورد الاستصحاب هو مثل هذه العبارة الظاهرة في اختلاف زمان الوصفين ، ولعل الوجه في التعبير عن الاستصحاب بالعبارة الظاهرة في اختلاف زمان الوصفين مع عدم اعتباره فيه هو اتحاد الوصفين مع متعلقيهما من المتيقن والمشكوك اللذين هما مختلفان زماناً في الاستصحاب ، فان اليقين لمرآتيته للمتيقن وفناءه فيه فناء الحاكي في المحكي يتحد مع متعلقه ، فيسري اختلاف زماني الموصوفين إلى الوصفين بحيث يصح أن يعبر عن الاستصحاب بمثل هذه العبارة الظاهرة في اختلاف زمان الوصفين ، فيكون إسناد التأخر إلى الشك مجازاً وبالعرض بملاحظة تأخر المشكوك عن المتيقن ، كما إذا قال : «كنت على يقين من عدالة زيد فشككت الآن فيها» فانه ظاهر في إرادة اليقين بها قبل هذا اليوم ، وقد شك في عدالته اليوم.

ثانيهما : أن الذيل قرينة على إرادة الاستصحاب من الصدر ، حيث ان قوله عليه‌السلام : «فان الشك لا ينقض اليقين» هو القضية الارتكازية التي أريد بها الاستصحاب في غير واحدة من روايات الباب ، فهذا الذيل الّذي هو كالنص في الاستصحاب بملاحظة وروده في سائر الروايات يصير قرينة على إرادة الاستصحاب من الصدر.

فالنتيجة : أنه ينبغي عد هذه الرواية من الأخبار الدالة على الاستصحاب ،

٢٠٢

لظهوره (١) في اختلاف زمان الوصفين ، وإنما يكون

______________________________________________________

إلّا أن يناقش في سندها بقاسم بن يحيى.

(١) أي : لظهور قوله عليه‌السلام : «من كان على يقين فشك» في ... ، وهذا تعليل لكون المنسبق إلى الذهن ـ بدواً ـ من الرواية قاعدة اليقين ، وقد أفاده الشيخ الأعظم بقوله : «وحيث ان صريح الرواية اختلاف زمان الوصفين وظاهرها اتحاد زمان متعلقهما تعين حملها على القاعدة الأولى ...» (*) فلا يقين في زمان حدوث الشك ، ولا شك في حال حدوث اليقين ، وهذا شأن قاعدة اليقين.

__________________

(*) وتوضيح ما أفاده الشيخ في استفادة قاعدة اليقين من الرواية هو : أن صراحتها بمقتضى «من كان» الدالة على النسبة التحققية والفاء العاطفة الدالة على ترتب حدوث الشك على حدوث اليقين زماناً ، وظهورها في وحدة المتعلق المستفاد من عدم ذكره أو من إسناد النقض المتقوم بتوارد الوصفين على أمر واحد تدلان على قاعدة اليقين. ويؤيده أن اسناد النقض يكون حقيقياً أو أقرب إلى معناه الحقيقي مما هو في الاستصحاب ، لوضوح أن المنهي عنه فيها رفع اليد عن نفس الآثار المرتبة على المتعلق في زمان اليقين به كما تقدم في مثال الاقتداء بمن تيقن يوم الجمعة بعدالته فيه ، ثم انقلب يقينه بالشك فيها.

وعليه فلا تنطبق الرواية على الاستصحاب الّذي يكون المعتبر فيه اختلاف زمان متعلقي الوصفين سواء اتحد زمان نفس الوصفين أم اختلف ، لما عرفت من صراحة الرواية في تعاقب زمان الوصفين ، وهو مما لم يعتبر في الاستصحاب هذا.

وناقش فيه شيخنا المحقق العراقي (قده) بمنع دلالة مثله على الزمان ، بل أقصى ما تقتضيه هي الدلالة على مجرد السبق الشامل للزماني والرتبي وغيرهما نظير سبق العلة على معلولها والموضوع على حكمه ، كما تشهد له صحة قولك : «كان الزمان وكانت العلة ولم يكن معها معلول» وقولك : «أدخل البلد فمن كان مطيعاً فأكرمه ومن كان عاصياً فاضرب عنقه» بلا عناية أو تجوز ، فيكون السبق في المقام رتبياً بالقياس إلى الحكم الّذي هو وجوب المضي عليه لا سبقاً زمانياً حتى يستفاد منه

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

قاعدة اليقين (١).

ولكنه غير ظاهر ، فان السبق وان كان أعم من الزماني والرتبي كما أفاده ، إلّا أن مقصود شيخنا الأعظم (قده) من السبق المدلول عليه بالفعل الماضي والفاء هو الزماني فقط ، بقرينة ترتب حدوث الشك على حدوث اليقين الّذي لا يكون إلّا زمانياً ، إذ لا معنى للترتب الذاتي والرتبي بينهما ، وليس المقصود لحاظ ترتب وجوب المضي على اليقين حتى يكون رتبياً كما في تأخر كل حكم عن موضوعه ، فانه أجنبي عمّا يدعيه الشيخ بقوله : «ان اليقين والشك لا يجتمعان حتى ينقض أحدهما الآخر ، بل لا بد إما من اختلافهما في زمان نفس الوصفين ، وإما في زمان متعلقهما» وعليه فكلام الشيخ الأعظم (قده) في تطبيق الرواية على القاعدة دون الاستصحاب سليم عن هذا الإشكال.

إلّا أن الصحيح ما أفاده في آخر كلامه من دلالة الرواية على الاستصحاب ، لورود مثل هذا التعبير في صحاح زرارة مما لا يراد منه إلّا الاستصحاب دون القاعدة.

بل الظاهر دلالة هذا المضمون على الاستصحاب حتى مع الإغماض عن وروده في سائر الأخبار ، وذلك لما أفاده المصنف في الحاشية (٢) وأوضحه شيخنا العراقي (قدهما) من ظهور «فليمض على يقينه» في بقاء وصف اليقين السابق على فعليته في ظرف الشك الّذي هو زمان وجوب المضي عليه ، كما هو الحال في جميع العناوين الاشتقاقية وغيرها المأخوذة في القضايا الطلبية كقوله : «أكرم العالم» حيث التزموا بلزوم اتصاف الذات بالوصف العنواني حين إضافة الإكرام إليها حتى بناءً على وضع المشتق للأعم ، وليس ذلك إلّا لظهور هذه القضايا في لزوم اتحاد ظرف التطبيق فيها مع ظرف النسبة الحكمية.

وعلى هذا فلا ينطبق المضمون إلّا على الاستصحاب ، وذلك لظهور الكلام في

__________________

(١) نهاية الأفكار ، ٤ ـ ٦٣

(٢) حاشية الرسائل ، ص ١٨٤ ، نهاية الأفكار ، ٤ ـ ٦٤

٢٠٤

ذلك (١) في القاعدة ، دون الاستصحاب ضرورة (٢) إمكان (*) اتحاد زمانهما ،

______________________________________________________

(١) يعني : اختلاف زمان الوصفين يكون في القاعدة.

(٢) تعليل لقوله : «وانما يكون ذلك في القاعدة ...» حيث انه يمكن حصول العلم بعدالة زيد والشك فيها في آنٍ واحد مع اختلاف زمان المتعلقين وهما كون العدالة معلومة في يوم الجمعة ومشكوكة في يوم السبت مثلاً ، فالعلم والشك يحصلان في زمان واحد مع اختلاف زمان متعلقيهما في الاستصحاب.

__________________

وجوب المضي على اليقين الموجود فعلاً ، أي لزوم ترتيب الآثار والجري العملي على طبق اليقين السابق ، وهذا غير متصور في القاعدة ، لتبدل اليقين بالشك ، ووجوب إحراز الوظيفة عند الشك ، وعدم البناء في ذلك على اليقين الزائل ، فإذا علم بعدالة زيد يوم الجمعة وشك فيها يوم السبت بحيث صارت عدالته في يوم الجمعة مشكوكة لم يجز ترتيب آثار العدالة يوم السبت ، بل يجب إحرازها في جواز ترتيبها.

ومما ذكرنا ظهر عدم إرادة الجامع بين القاعدة والاستصحاب من الرواية ، إذ المطلوب في القاعدة هو البناء على صحة الأعمال الصادرة حال اليقين وعدم وجوب تداركها في حال الشك ، لا ترتيب الآثار في ظرف الشك وتنزيل شكه منزلة اليقين كما هو المطلوب في الاستصحاب ، وحيث لا يصلح الجزاء لإرادة الجامع فلا محالة لا يراد من الشرط إلّا الاستصحاب.

(*) في تقريرات بحث سيدنا الفقيه الأعظم صاحب الوسيلة (قده) ما لفظه : «قول المصنف في المتن : ـ ضرورة إمكان اتحاد زمانهما ـ تبعاً لما في الرسائل ليس على ما ينبغي ، بل الأولى أن يقولا بدل ـ الإمكان ـ اعتبار اتحاد زمانهما كما لا يخفى» (١).

ومحصل مراد سيدنا (قده) من اعتبار اتحاد زمانهما هو : أنه يعتبر في الاستصحاب اجتماع اليقين بالحدوث مع زمان الشك وعدم ارتفاعه في زمان

__________________

(١) منتهى الوصول ، ص ٥١

٢٠٥

إلّا (١) أن المتداول في التعبير عن مورده هو مثل هذه العبارة ، ولعله (٢)

______________________________________________________

(١) استدراك على قوله : «وان كان يحتمل» وغرضه استظهار الاستصحاب من الرواية ، وذلك لوجهين تقدم بيانهما ، وضمير «مورده» راجع إلى الاستصحاب.

(٢) أي : ولعل التعبير عن الاستصحاب ـ بالعبارة الظاهرة في قاعدة اليقين ـ انما هو بملاحظة ... ، وهذا إشارة إلى أول الوجهين المتقدم بقولنا :

__________________

الشك ، كاليقين بعدالة زيد يوم الجمعة مع الشك في بقائها يوم السبت ، فيوم السبت زمان اجتماع اليقين بعدالته يوم الجمعة مع الشك في بقائها فعلاً ، فزمان وصفي اليقين والشك وهو يوم السبت في المثال واحد ، ومن المعلوم أن بقاء اليقين بالحدوث في زمان الشك معتبر ، واعتبار اتحاد زماني الوصفين بهذا المعنى ـ ـ أي بقاء اليقين في زمان الشك ـ ضروري في الاستصحاب ، إذ مع ارتفاع اليقين وسراية الشك إلى زمان حدوثه بحيث يرتفع رأساً يكون ذلك قاعدة اليقين ، وأجنبياً عن الاستصحاب ، وعليه فما أفاده سيدنا (قده) حق بلا شبهة.

لكن الظاهر أن مراد المصنف من «إمكان اتحاد زمانهما» بقرينة قوله : «لظهوره في اختلاف زمان الوصفين» هو زمان حصول الوصفين في مقابل قاعدة اليقين ، لظهور «من كان على يقين فشك» في تقدم زمان حدوث اليقين على زمان حدوث الشك على ما هو مقتضى الفاء ، ففي قاعدة اليقين يعتبر أمران : أحدهما اختلاف زمان حدوث الوصفين ، ثانيهما اتحاد متعلقيهما ، بأن تصير العدالة المتيقنة يوم الجمعة مشكوكة يوم السبت ، بحيث يسري الشك إليها وتصير العدالة المتيقنة مشكوكة في نفس يوم الجمعة أيضا ، ومن المعلوم أن اختلاف زمان حصول الوصفين معتبر في القاعدة دون الاستصحاب ، إذ الغالب فيه اختلافهما زماناً وعدم اتحادهما فيه ، مع إمكان حصول الوصفين أيضا فيه في زمان واحد ، كما إذا حصل له في آن واحد العلم بعدالة زيد يوم الجمعة والشك في بقائها يوم السبت مثلاً ، لكن هذا الاتحاد ليس معتبراً في الاستصحاب حتى يلزم إبدال «الإمكان» في المتن والرسائل باعتبار اتحاد زمانهما ، فتأمل جداً.

٢٠٦

بملاحظة اختلاف زمان الموصوفين وسرايته (١) إلى الوصفين ، لِما بين اليقين والمتيقن من نحو من الاتحاد ، فافهم (٢). هذا مع (٣) وضوح أن قوله : «فان الشك لا ينقض ... إلخ» هي القضية المرتكزة الواردة مورد الاستصحاب في غير واحد من أخبار الباب (٤).

ومنها (٥) : خبر الصفار عن علي بن محمد القاساني ، قال : «كتبت

______________________________________________________

«أحدهما ...».

(١) أي : سراية اختلاف زمان الموصوفين إلى الوصفين ، وهذه السراية لأجل الربط الوثيق بين اليقين والمتيقن ربط الكاشف بالمنكشف والحاكي بالمحكي.

(٢) لعله إشارة إلى : أن الاتحاد المزبور وان كان يصحِّح الإسناد المجازي إلى نفس الوصفين ، لكنه لا يوجب ظهور اللفظ فيه ما لم يكن هناك قرينة عليه.

(٣) هذا هو الوجه الثاني لاستظهار الاستصحاب من الرواية ، وقد تقدم بقولنا «ثانيهما ...» قال شيخنا الأعظم في آخر كلامه : «لكن الإنصاف أن قوله عليه‌السلام : فان الشك لا ينقض اليقين ، بملاحظة ما سبق في الصحاح من قوله : لا ينقض اليقين بالشك ، ظاهره مساوقته لها ، ويبعد حمله على المعنى الّذي ذكرنا».

(٤) أو لوجهٍ آخر كما في حاشية الرسائل من كون الغالب في موارد الاستصحاب سبق حدوث اليقين على الشك ، وندرة اتحادهما زماناً ، فالتعبير بـ «كان على يقين فشك» جار مجرى التعبيرات العرفية. وعليه لا تكون الجملة ظاهرة في قاعدة اليقين ، إذ المفروض عدم اختصاص سبق اليقين ولحوق الشك بالقاعدة ، بل هو الحال في الاستصحاب أيضا ، وحينئذ فاستظهار القاعدة لا بد أن يكون لوحدة المتعلق ، لكنه أيضا لا يمنع من ظهور الرواية في الاستصحاب كما عرفت.

(الخبر الخامس : مكاتبة القاساني في صوم يوم الشك)

(٥) أي : ومن الأخبار المستدل بها على الاستصحاب خبر الصفار ، والبحث

٢٠٧

إليه وأنا بالمدينة عن اليوم الّذي يشك فيه من رمضان هل يصام أم لا؟ فكتب : اليقين لا يدخل فيه الشك ، صُم للرؤية (١) وأفطر للرؤية» (١)

______________________________________________________

هذه المكاتبة في جهتين السند والدلالة. أما الجهة الأولى فمحصلها : أن الظاهر عدم صحة السند ، حيث ان للشيخ إلى الصفار طريقين كما تقدم في صحيحة زرارة في أحدهما أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ، وهو محل الكلام ، إلّا أن طريقه الثاني صحيح ، ومحمد بن الحسن الصفار من أجلاء الطائفة وأعيان المذهب.

لكن الكلام كله في القاساني ، إذ لا توثيق له حتى بنحو العموم ، بل حكي تضعيف الشيخ إياه ، ودعوى اتحاده مع علي بن محمد بن شيرة القاشاني الموثق غير ثابتة ، واعتماد ابن الوليد عليه ورواية الصفار عنه لا يشهدان بوثاقته. كما أن دعوى المحقق الآشتياني (قده) انجبار ضعف السند بعمل المشهور غير ثابتة ، فان الروايات المتكفلة لهذا المضمون كثيرة كما سيأتي ذكرها وفيها المعتبرة سنداً ، ولا يبقى معه وثوق باستناد المشهور إلى خصوص هذه المكاتبة كي ينجبر ضعفها بذلك. وعليه فالحق مع الشيخ وغيره ممن ذهب إلى عدم سلامة سندها. وأما الجهة الثانية فسيأتي الكلام فيها.

(١) الظاهر أن اللام في الموضعين للتوقيت بمعنى «عند» فالصوم للرؤية ناظر إلى حكم يوم الشك في أول رمضان ، والإفطار للرؤية ناظر إلى حكم آخر الشهر أي الشك في أنه يوم الثلاثين من رمضان أو عيد الفطر. وليس اللام بمعنى «إلى» إذ عليه ينعكس الأمر ويصير المعنى : «صُم إلى الرؤية وأفطر إلى الرؤية» فتكون الجملة الأُولى ناظرة إلى حكم يوم الشك في آخر رمضان ، ومن المعلوم مخالفته لظهور سؤال الكاتب «هل يصام» في أنه شاك في دخول شهر رمضان. كذا أفاده سيدنا الفقيه الأصفهاني (٢) ، ويشهد له كلام ابن هشام في المغني من كون التوقيت أحد معاني اللام ، فراجع (٣).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٧ ، الباب ٣ من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث : ١٣ ، ص ١٨٤

(٢) منتهى الوصول ، ص ٥٤

(٣) مغني اللبيب ، ص ٢٨١ الطبعة الحديثة

٢٠٨

حيث (١) دل على أن اليقين بشعبان لا يكون مدخولاً بالشك في بقائه

______________________________________________________

(١) هذا شروع في الجهة الثانية وهي تقريب دلالة المكاتبة على الاستصحاب ببيان : أن المراد بقوله عليه‌السلام : «اليقين لا يدخل فيه الشك» هو اليقين بشعبان ان كان يوم الشك في أول رمضان ، فان اليقين بشعبان أو بعدم دخول رمضان لا ينتقض بالشك في دخول رمضان ، بل ينتقض بالعلم بدخوله ، فالمستفاد منه الحكم ببقاء شعبان عند الشك في دخول الشهر المبارك. أو اليقين بشهر رمضان ان كان يوم الشك في آخره ، فانه يبنى على بقائه حتى يحصل العلم بدخول شوال. وعلى كل تقدير تدل المكاتبة على اعتبار الاستصحاب ، فلا يجوز الصوم بنية شهر رمضان إلّا بالعلم بدخول الشهر ، ويحرم الإفطار إلّا بالعلم بدخول شوال.

ثم ان شيخنا الأعظم جعل هذه المكاتبة أظهر الأخبار الدالة على حجية الاستصحاب لأمور ، منها : كون اللام في «اليقين» للجنس ، لعدم سبق ما يوجب احتمال العهد فيه ، كما كان في صحاح زرارة من اليقين بالوضوء أو بالطهارة من الخبث أو بعدم الإتيان بالركعة الرابعة.

ومنها : أن احتمال إرادة اليقين بالبراءة المتطرق في الصحيحة الثالثة وفي موثقة عمار مما لا مجال له هنا ، كما أن إرادة قاعدة اليقين المتقدمة في حديث الأربعمائة غير محتملة هنا ، لعدم وجود الفعل الماضي و «فاء» العاطفة الدالين على السبق واللحوق.

ومنها : أن الإمام عليه‌السلام ألقى كبرى «اليقين لا يدخل فيه الشك» وفرّع عليه وجوب الصوم للرؤية والإفطار كذلك ، وهذا التفريع ظاهر في عدم خصوصية للصوم والإفطار ، وإنما المناط كله يكون في حرمة نقض اليقين عملاً بالشك وهو كبرى الاستصحاب. ولو لم يكن مقصوده عليه‌السلام بيان حجية الاستصحاب لكان يكتفي في الإجابة عن السؤال بقوله : «صُم للرؤية وأفطر للرؤية» فعدم دخول الشك في اليقين وعدم مزاحمته له وعدم نفوذه فيه لا يدل إلّا على الاستصحاب.

وبهذا يظهر صحة ما أفاده المصنف في الصحيحة الأولى من أن اسناد النقض

٢٠٩

وزواله بدخول (١) شهر رمضان ، ويتفرع عليه (٢) عدم وجوب الصوم إلّا بدخول شهر رمضان.

وربما يقال (٣) : ان مراجعة الأخبار الواردة في يوم الشك

______________________________________________________

إلى اليقين ليس بلحاظ المتيقن ، وانما هو لثبات اليقين واستحكامه مهما كان متعلقه.

(١) متعلق بـ «زواله» وضميره وضمير «بقائه» راجعان إلى شعبان.

(٢) أي : ويتفرع على عدم دخول الشك في اليقين عدم وجوب الصوم ، قال شيخنا الأعظم (قده) : «فان تفريع تحديد كل من الصوم والإفطار على رؤية هلالي رمضان وشوال على قوله : ـ اليقين لا يدخله الشك ـ لا يستقيم إلّا بإرادة عدم جعل اليقين السابق مدخولاً بالشك أي مزاحماً به».

(٣) غرضه منع دلالة هذه المكاتبة على الاستصحاب ، ببيان : أن دلالتها على الاستصحاب مبنية على إرادة اليقين بشعبان من قوله عليه‌السلام : «اليقين لا يدخل فيه الشك» ليكون مفاده عدم نقض اليقين السابق بالشك ، لكن يمكن إرادة اليقين بدخول شهر رمضان بأن يكون المراد أن شهر رمضان يعتبر في صومه دخولاً وخروجاً اليقين. والقرينة على إرادة هذا المعنى نصوص تدل على أن فريضة الصوم لا يجوز الدخول فيها إلّا على وجه اليقين. وحيث ان نفس جملة «صُم للرؤية وأفطر للرؤية» موجودة في كثير من الأخبار التي عرفت مضمونها وسيأتي جملة منها فلا ينعقد لقضية : «اليقين لا يدخل فيه الشك» ظهور في الاستصحاب ، لاحتفاف الكلام بقوله عليه‌السلام : «صُم للرؤية وأفطر للرؤية» المفروض إرادة اعتبار اليقين في فريضة صوم رمضان بدواً وختماً منه ، وعدم جواز إدخال اليوم المشكوك كونه من رمضان في المتيقن وهو الزمان المعلوم كونه شهر الصيام.

وبعبارة أخرى : ان مفاد «اليقين لا يدخل فيه الشك» هو عدم قيام الشك مقام اليقين في ترتيب آثار رمضان من الالتزام بالصوم بنية كونه من رمضان ، فيكون

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الإتيان به بهذا العنوان منوطاً باليقين بدخول الشهر ، وكذلك الكلام في منتهاه. وعليه فالرواية تكون بصدد بيان حكمٍ واقعي من أحكام صوم رمضان ، ولا مساس لها بالحكم الظاهري وهو استصحاب شعبانية يوم الشك أو استصحاب رمضانية يوم الشك في آخره.

أما الروايات التي تشرف الفقيه على القطع بلزوم إحراز رمضان فهي كثيرة وفيها المعتبرة سنداً ، ونتبرك بذكر جملة منها :

الأُولى : رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : قال : «إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية».

الثانية : رواية محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في حديث ، قال : «صوموا للرؤية ، وأفطروا للرؤية».

الثالثة : رواية سماعة أو رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «صيام شهر رمضان بالرؤية وليس بالظن».

الرابعة : رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنه قال : في كتاب علي عليه‌السلام : صُم لرؤيته وأفطر لرؤيته ، وإياك والشك والظن ، فان خفي عليكم فأتموا الشهر الأول ثلاثين».

الخامسة : رواية أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزّاز عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : «ان شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدّوا بالتظني».

وهكذا سائر روايات الباب. ولا بُعد في دعوى تواتر جملة «صم للرؤية وأفطر للرؤية» فقد تكررت في أكثر أخبار الباب البالغة ثمانية وعشرين خبراً (١).

وعليه فحاصل هذا الإشكال الإثباتي هو نفي ظهور الرواية ـ فضلاً عن أظهريتها ـ في الاستصحاب ، إذ ليس المراد استصحاب شعبانية يوم الشك أو رمضانية اليوم الثلاثين المردد بين كونه آخر رمضان وأول شوال ، بل المقصود إثبات دوران

__________________

(١) الوسائل ، ج ٧ ، الباب ٣ من أبواب أحكام شهر رمضان ، ص ١٨٢

٢١١

يشرف (١) على القطع بأن المراد باليقين (٢) هو اليقين بدخول شهر رمضان (٣) ، وأنه (٤) لا بد في وجوب الصوم والإفطار من اليقين بدخول شهر رمضان وخروجه ، وأين هذا من الاستصحاب؟ فراجع ما عقد في الوسائل من الباب (٥) تجده شاهداً عليه (٦) (*).

______________________________________________________

فريضة الصوم في رمضان مدار اليقين ، ولا ينبغي إدخال اليوم الثلاثين من شعبان ـ المشكوك كونه أول رمضان ـ في شهر الصيام ، فلا يجوز نية صوم رمضان فيه ، كما لا يجوز الإفطار في يوم يشك في أنه أول شوال ، لأن جواز الإفطار موقوف على اليقين بدخول شوال برؤية هلاله. وعلى هذا فالرواية أجنبية عن الاستصحاب.

(١) الأولى أن يقال : تشرف الفقيه على القطع.

(٢) في قوله عليه‌السلام : اليقين لا يدخل فيه الشك.

(٣) لا اليقين بشعبان الّذي هو مبنى الاستصحاب.

(٤) معطوف على «أن المراد» ومفسر له ، وضمير «أنه» للشأن.

(٥) الظاهر أن مراده هو عنوان الباب الثالث الّذي استظهره الشيخ الحُرّ العاملي (قده) من مجموع الأخبار الواردة بهذا المضمون ، فقال : «باب أن علامة شهر رمضان وغيره رؤية الهلال ، فلا يجب الصوم إلّا للرؤية أو مضي ثلاثين ، ولا يجوز الإفطار في آخره إلّا للرؤية أو مضي ثلاثين ، وأنه يجب العمل في ذلك باليقين دون الظن».

وعليه فلا وجه للإيراد على المصنف «بعدم وجود خبر بهذا المضمون». لما عرفت من أن الظاهر إرادة عنوان الباب الّذي هو فتوى المحدث العاملي. وأخبار الباب تدل عليه بوضوح كما عرفت بعضها.

(٦) أي : على أن المراد باليقين في المكاتبة هو اليقين بدخول شهر رمضان.

__________________

(*) مضافاً إلى ما في تقرير المحقق النائيني (قده) من أن المناسب لإفادة الاستصحاب هو التعبير بنقض اليقين بالشك ، لا دخوله فيه ، ومن المعلوم

٢١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

أن إرادة النقض من الدخول تحتاج إلى عناية ورعاية (١).

وأورد عليه بعدم غرابة هذا الاستعمال ، لوقوعه في ثالثة صحاح زرارة ، حيث قال عليه‌السلام : «ولا يدخل الشك في اليقين» كما وقع نظيره في كلمات العلماء أيضا في قولهم : دليله مدخول أي منقوض. واللغة تساعده ، فان دخول شيء في شيء يوجب التفكيك بين أجزائه المتصلة ، فيكون موجباً لنقضه وقطع هيئته الاتصالية (٢).

وبهذا البيان ينهدم أساس الإشكال ، ويتعين الأخذ بظهور الجملة في الاستصحاب ، لعدم الفرق في إفادة اعتباره بين التعبير بالنقض والدخول.

لكن الظاهر خلافه ، إذ فيه ـ مضافاً إلى منافاته لما أفاده مد ظله في ثالثة صحاح زرارة من حمل النهي عن إدخال الشك في اليقين على الإتيان بالركعة المشكوكة موصولة ووجوب فعلها مفصولة (٣) ، ولم يحملها على تأكيد جملة «ولا ينقض اليقين بالشك» الدال على الاستصحاب أي عدم الإتيان بالركعة الرابعة. والوجه في التهافت بين الكلامين أن الدخول ان كان مساوقاً للنقض لم يفرق بين موارد استعماله ، فاللازم حمله على الاستصحاب في كلا الموضعين ، والتفصيل لا وجه له ـ أنه لا مانع من حمل المكاتبة على ما تظافرت الأخبار عليه من بناء فريضة الصوم على اليقين وعدم الاعتداد بالتظني ، لاحتفاف فقرة «اليقين لا يدخل فيه الشك» بما يدل على إناطة الصوم والإفطار بالرؤية المفروض تكرره في كثير من الأخبار ، وليست كالقرينة المنفصلة التي لا تمنع عن الأخذ بظهور هذه المكاتبة في الاستصحاب ، فانه مع وحدة مداليلها ووضوح المراد منها كيف يستقر ظهور المكاتبة في الاستصحاب؟ هذا.

__________________

(١) أجود التقريرات ، ٢ ـ ٣٧٣

(٢) مصباح الأصول ، ٣ ـ ٦٨

(٣) المصدر ، ص ٦٤

٢١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

مع أن الاعتماد على الروايات الأخر في مقام الاستظهار من رواية أخرى أمر واقع ، وقد التزم به هذا القائل في تعميم جملة «ولا ينقض اليقين بالشك» الواردة في أولى صحاح زرارة ، وعدم اختصاصه بباب الوضوء ، وإثبات كون اللام للجنس لا للعهد بالقرينة الخارجية وهي ورود الفقرة في روايات متعددة ، فلاحظ ما أفاده هناك (١).

هذا كله بناءً على انعقاد ظهور المكاتبة في الاستصحاب ، ورفع اليد عنه بقرينة سائر الروايات. وأما بناءً على ما ذكرناه في توضيح المتن ـ من أن صدرها بمجرده وان كان دالاً بدواً على الاستصحاب ، لكن احتفافه بالذيل المتكرر في كثير من الأخبار مانع عن انعقاد ظهوره فيه كما هو الحال في كل قرينة متصلة ـ فالأمر أوضح ، إذ لا ظهور فيه في الاستصحاب حتى يبحث عن مانعية الروايات المنفصلة عنه وعدمها.

وقد ظهر مما ذكرنا ظهور صدر المكاتبة في الاستصحاب لو كانت مجردة عن الذيل ، ولذا عدّ المصنف جملة : «ولا يدخل الشك في اليقين» الواردة في الصحيحة الثالثة مؤكِّدة لنفس الصدر الدال على الاستصحاب ، لا بياناً لكيفية فعل ركعة الاحتياط ، لتعارف التعبير عن الاستصحاب بالنقض والدخول وان كان الأول أظهر في الدلالة عليه من الثاني.

وقد يورد على الماتن تارة بأن ظهور «اليقين» في الفعلي يقتضي إرادة اليقين بعدم دخول رمضان ، وهو لا ينطبق إلّا على استصحاب عدم رمضانية يوم الشك وعدم شوالية اليوم المردد بين الثلاثين من رمضان وعيد الفطر. وحمل اليقين على اعتبار العلم بشهر الصيام دخولاً وخروجاً خلاف ظهوره في الفعلية.

وأخرى بأن تعليق الصوم والإفطار على الرؤية ـ المراد بها اليقين بهلالي رمضان وشوال وعدم حسبان يوم الشك من أيام رمضان أصلاً ـ ينافي تسالمهم على وجوب

__________________

(١) مصباح الأصول ، ٣ ـ ١٨

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

صوم يوم يحتمل كونه آخر رمضان أو أول شوال ، فانه لو كان معنى الرواية بناء شهر الصيام على اليقين وعدم إدخال يوم الشك فيه كيف يتجه الحكم بوجوب صوم يوم الشك من آخره؟ وهل هو إلّا من إدخال الشك في اليقين؟ وعليه فلا بد من إرادة الاستصحاب من المكاتبة كي ينطبق على الفتوى المسلمة.

وأنت خبير بما فيها ، أما في الأول : فلأن فعلية اليقين فرع ظهور المكاتبة في الاستصحاب ، والمفروض مانعية القرينة المتصلة عن ذلك كما عرفت.

وأما في الثاني : فلأن معنى إناطة الإفطار بالرؤية وجوب الصوم إلى أن يعلم بهلال شوال ، فما لم يحرز ذلك يجب عليه الإمساك بعنوان رمضان ، وليس وجوب صوم يوم الشك مستنداً إلى استصحاب بقاء الشهر كي يلزم دخول يوم الشك في شهر الصيام ، فان منكِر حجية الاستصحاب أيضا يحكم بوجوب صومه ، وليس ذلك إلّا لاقتضاء نفس تعليق الإفطار على الرؤية لوجوب الصوم إلى قيام حجة على رؤية هلال شوال ، هذا.

لكن الإنصاف عدم قصور المكاتبة عن ظهورها في الاستصحاب كما أفاده الشيخ وغيره ، حيث ان السائل سأل عن حكم صوم اليوم الّذي يشك في كونه من شعبان أو من شهر رمضان ، واليقين الفعلي للسائل هو اليقين بالشعبانية أو عدم الرمضانية ، والشك في رمضانية اليوم وشعبانيته ، والجواب المطابق لهذا السؤال هو : أن اليقين لا يدخل فيه الشك ، يعني : أن اليقين الفعلي بالشعبانية أو عدم الرمضانية ـ لإبرامه واستحكامه ـ لا يصلح الشك لأن يدخل فيه وينقضه ويرفعه ، مع ما في الشك من الوهن وفي اليقين من الثبات. وبعد بيان هذه القاعدة الكافية في الجواب تفضّل الإمام عليه الصلاة والسلام بتطبيقها على المورد بقوله عليه‌السلام : «صُم للرؤية وأفطر للرؤية» يعني : لا ترفع اليد عن اليقين بالشعبانية إلّا برؤية هلال شهر رمضان ، وكذا لا ترفع اليد عن اليقين بالرمضانية إلّا برؤية هلال شوال ، فطبّق القاعدة على فردين منها وهما : استصحاب الشعبانية واستصحاب الرمضانية.

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

بل نفس جملة «صم للرؤية» في مقام الجواب عن السؤال المزبور مع الغض عن قوله : «اليقين لا يدخل فيه الشك» تدل على الاستصحاب ، إذ عدم الاعتناء بالشك في تمامية شعبان وإناطة وجوب الصوم بالرؤية الموجبة للقطع بتماميته ليس إلّا الاستصحاب ، فلا وجه لجعلها قرينة على عدم إرادة الاستصحاب من صدر الرواية ، فيستفاد منه : أن اليقين بشعبانية الشهر لا ينقض بالشك في تماميته بل ينقض باليقين بها الحاصل برؤية هلال شهر رمضان.

والمراد بالرؤية ليس خصوص اليقين ، بل المقصود بها هو الحجة مطلقاً ذاتية كانت أم مجعولة ، فان صوم شهر رمضان كسائر الواجبات الموقتة التي لا بد في فعلها من إحراز وقتها بحجة عقلية أو شرعية ، لعدم جواز إتيانها قبل أوقاتها ، فاليقين في باب الصوم كغيره من الموقتات طريقي ، وليس جزء موضوع الصوم ولا قيده ، وإلّا لم تقم البينة مقامه ، لأن بناء المصنف على عدم قيام الأمارات مقام القطع الموضوعي وان لوحظ على وجه الكاشفية ، مع أن من المسلّم ثبوت هلال شهر رمضان بالبينة. وكذا لم يكن وجه لوجوب قضاء صوم يوم الشك لو أفطر فيه ولم يصمه بنية شعبان ، وذلك لأن الموضوع هو العلم بالرمضانية ، وهو لم يحصل للجاهل ، فلم يتوجه إليه خطاب الصوم. بل لو صام بنية الندب لم يحسب أيضا من صوم شهر رمضان ، لعدم توجه خطاب الصوم إليه ، فلو كان شهر رمضان تسعة وعشرين يوماً يُحسب في حق هذا الشخص ثمانية وعشرين يوماً.

وأما النهي عن اتباع الظن والشك في الصوم فيراد به النهي عن متابعة غير الحجة من الظن غير المعتبر والرّأي والشك كما في جملة من الروايات ، فهو تعريض بمن يعمل بالرأي ونحوه ، ولا يدل على موضوعية العلم أصلاً ، فلاحظ.

وقد ظهر مما ذكرنا : أن وجوب صوم يوم الشك في آخر شهر رمضان يستفاد من نفس المكاتبة ، فان قوله عليه‌السلام : «وأفطر للرؤية» يدل على وجوب الصوم إلى رؤية هلال شوال ، وهذا هو مقتضى الاستصحاب. وعليه فلا إشكال على

٢١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الاستدلال بالمكاتبة من ناحية الإثبات.

ولشيخنا المحقق العراقي (قده) إشكال ثبوتي ووافقه عليه بعض أجلة تلامذته كسيدنا الأستاذ (قده) في حقائقه ، ومحصله : أن استصحاب الشهر لا يثبت موضوع الحكم إلّا بالأصل المثبت ، حيث ان وجوب الصوم ان كان مترتباً على بقاء الشهر بمفاد «كان» التامة فلاستصحابه مجال. وان كان مترتباً على كون الزمان المعين ـ كهذا اليوم ـ من شهر رمضان بمفاد «كان» الناقصة ، فلا مجال لاستصحاب بقاء الشهر ، إذ لا يترتب الوجود النعتيّ على استصحاب الوجود المحمولي إلّا على القول بالأصل المثبت ، والظاهر من قوله تعالى : «فمن شهد منكم الشهر فليصمه» وغيره هو الثاني ، لظهوره في اعتبار وقوع الصوم في الشهر ، وإحرازُ رمضانية النهار الّذي يقع فيه الصوم لا يمكن باستصحاب بقاء الشهر ، لقصوره عن إثبات رمضانية هذا النهار حتى يقع الصوم في شهر رمضان (١).

أقول : هذا الإشكال الجاري في مطلق الأفعال المقيدة بالزمان ، سيأتي تفصيله في التنبيه الرابع ، وقد تخلص منه كلٌّ بوجه من الوجوه ، فمنهم من أجرى الاستصحاب في نفس الحكم المقيد كالشيخ ، ومنهم من أجراه في الفعل المقيد كالمصنف ، حيث قال : «ان الإمساك كان قبل هذا الآن في النهار ، والآن كما كان ، فيجب» ومنهم من أجراه في نفس الزمان بعد إنكار أصل التقييد وكفاية الاجتماع في الوجود كالمحقق النائيني ، ومنهم من أجراه تارة في الزمان بمفاد كان الناقصة ، وأخرى في الموضوع بنحو الاستصحاب التعليقي كالمحقق العراقي. وعليه فالإشكال المتقدم انما يقدح في الاستدلال بالمكاتبة لو لم يندفع بشيء من الوجوه المشار إليها ، وإلّا فمع اندفاعه ببعضها لا إشكال ثبوتاً في الاستدلال ، ولعل تعرض المحقق العراقي للإشكال لأجل عدم تمامية ما ذكره المصنف وغيره في استصحاب الموقتات ، وسيأتي بعض الكلام في محله إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) نهاية الأفكار ، ٤ ـ ٦٥ ، حقائق الأصول ، ٢ ـ ٤٢٦

٢١٧

ومنها (١) : قوله عليه‌السلام : «كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر» وقوله : «الماء كله طاهر حتى تعلم أنه نجس» وقوله : «كل شيء لك

______________________________________________________

(الخبر السادس والسابع والثامن : أخبار الحل والطهارة)

(١) أي : ومن الأخبار الدالة على حجية الاستصحاب قوله عليه‌السلام : «كل شيء ...» والبحث في هذه الطائفة يقع في جهات ثلاث : الأولى في متنها وسندها. الثانية في أصل دلالتها على اعتبار الاستصحاب. الثالثة في عموم حجيتها لغير بابي الحلية والطهارة من الأبواب. والجهتان الأخيرتان سيأتي الكلام فيهما عند تعرض المصنف لهما. ونقدم الجهة الأولى ، فنقول وبه نستعين :

أما الرواية الأولى فالثابت منها في المتن موافق لعبارة الصدوق في المقنع (١) لكن مقصود الماتن الاستدلال بموثقة عمار كما سيأتي تصريحه به ، ولعله اعتمد في نقلها على رسائل شيخنا الأعظم (قدهما) وإلّا فهي مروية في جوامع الأخبار عن أبي عبد الله عليه‌السلام هكذا : «كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر ، فإذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم فليس عليك» (٢) ، رواها الشيخ بإسناده إلى محمد بن أحمد ابن يحيى الأشعري عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى. وللشيخ إلى الأشعري طرق أربعة لا ريب في صحة بعضها والتعبير بالموثقة لأجل أن جمعاً من رجالها فطحيون ، لكنهم موثقون.

وأما الرواية الثانية فالموجود منها في المتن موافق أيضا لما في الرسائل لا لما في كتب الأخبار ، إذ المنقول فيها لفظان ، أحدهما : رواية الصدوق عن الصادق عليه‌السلام : «كل ماء طاهر إلّا ما علمت أنه قذر» (٣) وثانيهما : ما روي عنه عليه‌السلام مرسلاً ومسنداً هكذا : «الماء كله طاهر حتى تعلم [يعلم] أنه قذر» (٤). والمرسل منه هو

__________________

(١) مستدرك الوسائل ، ج ١ ، الباب ٢٤ من أبواب النجاسات ، الحديث : ٤ ، ص ١٦٤

(٢) الوسائل ، ج ٢ ، الباب ٣٧ من أبواب النجاسات ، الحديث : ٤ ، ص ١٠٥٤

(٣) الوسائل ، ج ١ ، الباب ١ من أبواب الماء المطلق ، الحديث : ٢ ، ص ١٠٠

(٤) الوسائل ، ج ١ ، الباب ١ من أبواب الماء المطلق ، الحديث : ٥ ، ص ١٠٠

٢١٨

حلال حتى تعرف أنه حرام».

______________________________________________________

رواية الحسن بن الحسين اللؤلؤي بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام. والمسند منه هو رواية الكليني عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن أبي داود المنشد عن جعفر بن محمد عن يونس عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام. ورواه الشيخ بإسناد آخر إلى حماد بن عيسى لا ابن عثمان ، ولا ثمرة عملية في البحث عن تمييزه بعد وثاقة كليهما.

إنما الكلام في محمد بن جعفر ، لاشتراكه بين جمع لم يثبت وثاقة كلهم ، ولذا قد يشكل الأمر ، ومن هنا اختلف كلام العلامة المجلسي (قده) فقال في المرآة : «مجهول بجعفر» وقال في شرحه على التهذيب : «مرسل بسنده الأول وصحيح بسنديه الأخيرين» (١) واستظهر سيدنا الأستاذ (قده) أن جعفراً هذا هو ابن سماعة (٢) ولعل مقصوده (قده) أنه جعفر بن محمد بن سماعة الّذي نصّ النجاشي على وثاقته ، ولكن الواقع في بعض أسناد هذا الحديث جعفر بن محمد ، ولا سبيل لإحراز اتحاده مع ابن سماعة ، وعليه فمع احتمال التعدد يكون جعفر بن محمد مجهولاً ، ويشكل الاعتماد عليه.

وأما الرواية الثالثة فقد استدل بها المصنف (قده) في بحث البراءة على البراءة ، ونقلها ثمة بإضافة كلمة «لك» لكن لم نظفر في الأخبار لا على ما ذكره هناك ولا على ما هنا ، ولعله نقلها بالمعنى من رواية عبد الله بن سليمان : «كل شيء هو لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه ميتة» ونحوها غيرها ، إلّا أن ظاهر بعضها الاختصاص بالشبهة الموضوعية كما نبهنا عليه هناك (٣). لكن لا يختلف الحال في الاستدلال بها على الاستصحاب ، إذ المهم استظهار ذلك من الغاية كما سيأتي. ويمكن إثبات التعميم للشبهات الحكمية بعدم الفصل كما تمسك به المصنف في كلامه

__________________

(١) ملاذ الأخيار ، ج ٢ ، ص ٢١٦ ، مرآة العقول ، ج ١٣ ، ص ٦

(٢) حقائق الأصول ، ٢ ـ ٤٢٧

(٣) لاحظ الجزء الخامس من هذا الشرح ، ص ٢٤١

٢١٩

وتقريب دلالة (١)

______________________________________________________

الآتي بالنسبة إلى حجية الاستصحاب في غير بابي الطهارة والحلية ، وحيث ان سند بعض أخبار قاعدة الحل صحيح وبعضها موثق فلا يهمنا التعرض له.

(١) هذا شروع في الجهة الثانية ، وهو دلالة هذه الطائفة من الأخبار على الاستصحاب في ما ثبت حليته وطهارته ، وقبل توضيح كلام المصنف (قده) لا بأس بالإشارة إلى محتملات الأخبار المذكورة ، وهي سبعة :

الأول : ما أفاده المصنف هنا من دلالة المغيا على طهارة كل شيء وحليته واقعاً ، ودلالة الغاية على اعتبار الاستصحاب ، وسيأتي بيانه.

الثاني : ما أفاده (قده) في حاشية الرسائل من دلالة المغيا على طهارة كل شيء وحليته واقعاً وظاهراً ، ودلالة الغاية على الاستصحاب.

الثالث : ما أفاده صاحب الفصول في الخبرين الأولين على ما نسب إليه من أن مفادهما قاعدة الطهارة والاستصحاب.

الرابع : أن مفاد بعضها خصوص الاستصحاب كما استظهره الشيخ (قده) من رواية حماد خاصة دون موثقة عمار وحديث الحل ، قال بعد بيان رواية حماد : «فالأولى حملها على إرادة الاستصحاب ، والمعنى : أن الماء المعلوم طهارته بحسب أصل الخلقة طاهر حتى تعلم ، : أي مستمر طهارته المفروضة إلى حين العلم بعروض القذارة له ...».

ولا يخفى أنه على تقدير تمامية كل واحد من هذه الوجوه يتجه الاستدلال بهذه الأخبار على الاستصحاب.

الخامس : دلالتها على خصوص الطهارة الواقعية ، وهذا هو مقتضى ما سلكه صاحب الحدائق (قده) من كون النجاسة حقيقة متقومة بالعلم.

السادس : أن مفادها الطهارة الواقعية والظاهرية.

السابع : أن يكون مدلولها طهارة الأشياء بعناوينها الأولية واقعاً ، والعلم المأخوذ غاية طريق محض ، فالغاية في الحقيقة عروض النجاسة لا العلم بها كما كان

٢٢٠