منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٢٥

اليقين بالشك أبداً. قلت (١) : فاني قد علمت أنه قد أصابه ولم أدرِ أين هو فأغسله؟ قال : تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك. قلت (٢) : فهل عليَّ إن شككت في أنه أصابه شيء أن انظر فيه؟ قال : لا ، ولكنك انما تريد أن تذهب الشك الّذي وقع في نفسك. قلت (٣) : ان رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة؟ قال : تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته ،

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى الفرع الرابع ، وهو كيفية تطهير الثوب عند العلم الإجمالي بنجاسته ، بأن علم إجمالاً بنجاسته ولم يعلم موضعها تفصيلاً وأراد الصلاة ، وأجاب عليه‌السلام بوجوب تطهير الناحية التي علم إجمالاً بإصابة القذر لها حتى يحصل اليقين بطهارة الثوب ، فإذا علم بأن موضع النجس في طرف اليمين مثلاً لم يحصل العلم بطهارته إلّا بغسل تمام ذلك الطرف.

(٢) هذا السؤال إشارة إلى الفرع الخامس ، وهو ما إذا شك في نجاسة الثوب ، فهل يجب الفحص عنها للدخول في الصلاة أم يجوز الشروع فيها بدون الفحص؟ وأجاب عليه‌السلام بقوله : «لا ولكنك انما تريد» يعني : أن الفحص ليس شرطاً لجواز الدخول في الصلاة ، فيجوز الاعتماد على الطهارة المعلومة سابقاً ان كانت ، وإلّا فعلى قاعدة الطهارة والدخول في الصلاة ، لكن الفحص حسن لإزالة الشك الّذي وقع في نفسه ، وهذه الجملة دليل على عدم وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية.

(٣) هذا السؤال إشارة إلى الفرع السادس ، حيث سأل زرارة عن حكم رؤية النجاسة في الثوب أثناء الصلاة ، وأجابه عليه‌السلام بنقض الصلاة وإعادتها ان كان شاكاً في موضع النجاسة ، والبناء على ما أتى به وغسل الثوب وإتمام الصلاة ان لم يكن شاكاً من أول الأمر.

وفي هذا الجواب احتمالان ، أحدهما : أن يكون المراد بقوله عليه‌السلام :

١٤١

وان لم تشك ثم رأيته رطباً قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة ، لأنك لا تدري لعله شيء أوقِع عليك ، فليس ينبغي لك

______________________________________________________

«إذا شككت في موضع منه» الشك البدوي ، ومحصله : أنه إذا شككت في إصابة النجس لموضع من الثوب ورأيت النجاسة في الأثناء تعيد الصلاة. وعلى هذا فالشك في الموضع كناية عن أصل إصابة القذر للثوب. ويكون قوله عليه‌السلام : «وان لم تشك» مفهوماً له ، يعني : وأما إذا لم يكن لك شك ثم رأيته فلعله أصاب الثوب في الأثناء ويحكم بصحة ما مضى من الصلاة بمقتضى قاعدة عدم نقض اليقين بالشك وتغسل الثوب ، وتأتي بباقي العبادة مع فرض عدم تخلل المنافي.

ثانيهما : أن يكون الشك في الموضع كناية عن العلم الإجمالي بإصابة النجاسة للثوب ، لكنه يشك في موضع الإصابة وأنه في هذه الناحية أو في تلك ، والحكم بالإعادة حينئذ لأجل العلم بالنجاسة قبل الصلاة وعدم مشروعية دخوله فيها ، فتجب الإعادة سواء قلنا بشرطية الطهارة الواقعية أو الإحرازية ، أم بمانعية النجاسة المعلومة ، لفرض فقدان الشرط أو اقتران الصلاة بالمانع. ثم صرّح عليه‌السلام بمفهوم الجملة الشرطية وقال : «وان لم تشك» ومدلوله : «أنه إذا لم تعلم بالنجاسة ولم تشك في موضع من الثوب لا تعيد» وذلك للاستصحاب ، لأنه تيقن الطهارة قبل الصلاة ، وبعد رؤية النجاسة في الأثناء يشك في أصابتها الآن أو وجودها قبل الصلاة بحيث وقعت الأجزاء السابقة في النجس ، ومقتضى اليقين السابق والشك اللاحق جريان استصحاب الطهارة المتيقنة قبل الصلاة ، وعليه تطهير الثوب للأجزاء الباقية وإتمامها إذا لم يتخلل المنافي (*).

هذه هي الفروع التي تضمنتها هذه الصحيحة. وأما مورد الاستدلال بها على اعتبار الاستصحاب مطلقاً فسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

__________________

(*) لا يبعد ظهور الكلام في الاحتمال الأول ، فان قول زرارة : «ان شككت في موضع منه» وان كان ملتئماً مع كلا الاحتمالين ، أما الاحتمال الأول ، فلإمكان

١٤٢

أن تنقض اليقين بالشك».

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

إرادة الشبهة البدوية من الشك ، ويكون نكتة التقييد بالموضع لأجل أنه عند ما رأى النجاسة ـ في نفس الموضع المشكوك في إصابة النجاسة له أولا ـ يحصل له العلم غالباً بكونها هي المشكوكة. وأما الاحتمال الثاني فلإمكان إرادة الشبهة المقرونة من الشك ، حيث ان تقييد الشك بالموضع ظاهر في الفراغ عن العلم بأصل إصابة النجاسة للثوب ، وانما الشك في موضعها ، مضافاً إلى أن الشك البدوي لا يساوق بطلان الصلاة عند احتمال اصابته في الأثناء ، وتخصيصه عليه‌السلام لاحتمال الإصابة بالوقوع في الأثناء قرينة على إرادة الشبهة المقرونة من الجملة الأولى.

إلّا أن هناك قرائن تدل على إرادة الشبهة البدوية ، منها : ظهور نفس الشك فيها ، خصوصاً في جملة المفهوم «وان لم تشك» حيث لم يقيده عليه‌السلام بالموضع ومن المعلوم صلاحية هذا للقرينية على إرادة الشك البدوي من الصدر.

ومنها : ظهور الكلام في استناد البطلان إلى رؤية النجاسة والعلم بها ، ولو كانت الشبهة مقرونة لاستند النقض والبطلان إلى العلم الإجمالي لا إلى الرؤية في الأثناء.

ومنها : أن فرض إرادة العلم الإجمالي من الشك يستلزم كونه تكراراً لجوابه عليه‌السلام عن السؤال الرابع وهو العلم الإجمالي بالنجاسة. والعلم الإجمالي هنا وان كان حاصلاً في الأثناء بخلافه هناك ، إلّا أنه غير فارق.

وكيف كان فأورد شيخنا الأعظم على الاستدلال بهذه الصحيحة بقوله : «مع أنه يوجب الفرق بين وقوع تمام الصلاة مع النجاسة فلا يعيد ، وبين وقوع بعضها معها فيعيد كما هو ظاهر قوله عليه‌السلام : فتعيد إذا شككت ...» يعني : أنه مع اشتراك صورة الظن بالإصابة وهذه الصورة في كون الشك بدوياً كيف يتجه الحكم بالإعادة هنا دون تلك الصورة؟ ومع هذا الإجمال يشكل الأخذ بظهوره الأولى.

١٤٣

وقد ظهر مما ذكرنا (١) في الصحيحة الأولى تقريب الاستدلال بقوله : «فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك» في كلا الموردين (٢) ، ولا نعيد.

______________________________________________________

(١) من أنه استدلال بالكبرى الارتكازية على المورد ، وأن الإمام عليه‌السلام بقوله في الجواب عن السؤال الثالث : «لأنك كنت على يقين ...» في مقام تعليل الحكم ـ بعدم وجوب إعادة الصلاة ـ بأمر ارتكازي ، لا بأمر تعبدي حتى يختص اعتبار الاستصحاب بمورد الرواية. وعليه فهذه الرواية دالة على اعتبار الاستصحاب مطلقاً سواء كان الشك في المقتضي أم الرافع ، وسواء كان في الشبهات الحكمية الكلية أم الموضوعية ، لدلالتها على جعل الحكم الظاهري المماثل للمستصحب أو لحكمه ، فلا حاجة إلى الإعادة.

(٢) المورد الأول هو السؤال الثالث أعني الظن بإصابة النجاسة ، والثاني هو السؤال السادس أعني رؤية النجاسة في أثناء الصلاة ، واحتمال وقوعها في الأثناء ، ولأجل اشتمال الكلام في الموردين المزبورين على اللام الّذي هو كالنص في التعليل يصير كالنص في تعليل الحكم بكبرى ارتكازية ، بخلاف التعليل

__________________

لكن يمكن أن يقال : بعدم التهافت بين الحكمين ، فانه بعد عدم شرطية خصوص الطهارة الواقعية أو مانعية النجاسة كذلك ، ودخل العلم في المانعية يتجه الفرق بين الصورتين ، إذ في السؤال الثالث لم تتنجز النجاسة أثناء الصلاة ، لأنه علم بها بعد الفراغ ، فكان حال الصلاة محرزاً للطهارة. بخلاف السؤال السادس ، فانه لأجل رؤية النجاسة في الأثناء تنجزت عليه مانعيتها ولو بوجودها البقائي ، ولهذا فصّل عليه‌السلام بين سبق العلم بالنجاسة فتبطل الصلاة ، وعدمه فيجري استصحاب عدم النجاسة وعليه التطهير والبناء من موضع قطعها.

والحاصل : أن الفارق بين الجوابين منجزية العلم بالنجاسة الحاصل في أثناء الصلاة وعدمها لحصوله بعد الصلاة ، ومع اختلاف موضوعي الحكمين وتغايرهما اختلف الحكمان.

١٤٤

نعم (١) دلالته في المورد الأول على الاستصحاب مبني على أن يكون المراد من «اليقين» في قوله عليه‌السلام : «لأنك كنت على

______________________________________________________

في الصحيحة الأولى ، لأنه لاشتماله على الفاء المحتمل كونه جزاء الشرط يخرج عن الظهور القوي في التعليل. مضافاً إلى أن التعبير بـ «ليس ينبغي» مما يختص بموارد التأنيب والعتب أظهر في إفادة التعليل بكبرى ارتكازية ، ولم يرد مثل هذا التعبير في الصحيحة الأولى.

(١) استدراك على ظهور دلالة هذه الصحيحة على حجية الاستصحاب مطلقاً بفقرتيه الثالثة والسادسة ، وإثبات قصور الجملة الثالثة عن إثبات المقصود ، وتوضيحه : أنه يحتمل أن يكون المراد باليقين في المورد الأول أعني به الظن بإصابة النجاسة للثوب هو اليقين بالطهارة الحاصل بالنظر والفحص ، لا اليقين بطهارة الثوب قبل الفحص ، بناءً على أن يكون قول الراوي : «فلم أر شيئاً» كناية عن حصول العلم له بالطهارة بسبب النّظر والفحص ، فالشك الحاصل بعد الصلاة يسري إلى اليقين المتحقق بالنظر ، وبسراية الشك إليه يندرج في قاعدة اليقين ويصير أجنبياً عن الاستصحاب.

ويحتمل أن يكون المراد باليقين هو الحاصل قبل ظن الإصابة ، فيكون قوله : «فلم أر شيئاً» كناية عن عدم العلم بالإصابة ـ لا العلم بعدم الإصابة كما هو مقتضى الاحتمال الأول ـ والمراد بالشك هو احتمال وقوع النجاسة بعد ذلك اليقين ، فإذا كان عالماً بطهارة الثوب قبل الصلاة بساعتين مثلاً ثم ظنّ بالإصابة في الساعة الثانية ، فتفحّص ولم يجد النجاسة وصلى ، وبعد الصلاة رأى القذارة في الثوب واحتمل وقوعها على الثوب قبل الصلاة فلا يوجب الظن بالإصابة زوال اليقين السابق على هذا الظن.

إذا عرفت هذين الوجهين المحتملين في «اليقين» تعرف إناطة صحة الاستدلال به على الاستصحاب بما إذا أريد باليقين اليقين بالطهارة قبل ظن الإصابة ، لا اليقين بها ـ الحاصل بالنظر ـ الزائل بالشك ، إذ لو أريد به هذا اليقين لم ينطبق على

١٤٥

يقين من طهارتك» اليقين بالطهارة قبل ظن الإصابة كما هو الظاهر (١) ، فانه لو كان المراد منه اليقين الحاصل بالنظر والفحص بعده (٢) الزائل (٣) بالرؤية بعد الصلاة كان (٤) مفاده قاعدة اليقين كما لا يخفى.

ثم انه أشكل على الرواية (٥) بأن الإعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة

______________________________________________________

الاستصحاب بل على قاعدة اليقين ، لزواله بسَرَيان الشك إليه ، بخلاف اليقين قبل النّظر ، فانه بعد الصلاة باقٍ أيضا كسائر موارد الاستصحاب.

والمصنف استظهر من قوله : «فلم أرَ شيئاً» هذا الاحتمال ، ولعله لأجل عدم استلزام عدم الوجدان لعدم الوجود دائماً أو غالباً حتى يكون الاستلزام العادي أو الغالبي قرينة على إرادة اليقين الحاصل بسبب الفحص وعدم الظفر بالنجاسة. نعم قد يحصل اليقين بالفحص ، لكن إرادته منوطة بالقرينة. وعليه فقوله عليه‌السلام : «لأنك كنت على يقين من طهارتك» ينطبق على الاستصحاب ، فالاستدلال به من هذه الجهة تام.

(١) لعدم دلالة «فلم أر شيئاً» على حصول اليقين بعدم الإصابة حتى يكون مقصوده عليه‌السلام من قوله : «لأنك كنت على يقين» هذا اليقين الحاصل بالنظر كي ينطبق على قاعدة اليقين ، بل المراد هو اليقين بالطهارة قبل ظن الإصابة.

(٢) أي : بعد ظنِّ الإصابة ، وضمير «منه» راجع إلى «اليقين» و «الفحص» معطوف على «بالنظر».

(٣) صفة لـ «اليقين» يعني : اليقين بالرؤية الزائل بعد الصلاة.

(٤) جواب «لو كان».

(٥) أي : على الاستدلال بقوله عليه‌السلام : «تغسله ولا تعيد لأنك كنت على يقين ...» وقد حكى شيخنا الأعظم هذا الإشكال عن السيد الصدر شارح الوافية فقال : «لكن عدم نقض ذلك اليقين بذلك الشك انما يصح علة لمشروعية الدخول في العبادة المشروطة بالطهارة مع الشك فيها ، وأن الامتناع عن الدخول فيها

١٤٦

ليست نقضاً لليقين بالطهارة بالشك (١) فيها بل باليقين بارتفاعها (٢) ، فكيف يصح أن يعلل عدم الإعادة بأنها نقض اليقين بالشك (٣)؟ نعم (٤)

______________________________________________________

نقض لآثار تلك الطهارة المتيقنة ، لا لعدم وجوب الإعادة على من تيقن أنه صلى في النجاسة».

وتوضيح الإشكال : أن الإعادة ليست نقضاً لليقين بالشك حتى تحرم بالنهي عنه في قوله عليه‌السلام : «لا تنقض» بل هي نقض لليقين باليقين ، إذ المفروض حصول العلم بالنجاسة ووقوع الصلاة فيها ، فتكون الإعادة نقضاً لليقين بالطهارة باليقين بضدها ، فلا ينطبق «لا تنقض اليقين بالشك» على المقام ، بل مما ينطبق عليه «وانقضه بيقين آخر» فلا يرتبط المعلّل ـ وهو عدم وجوب الإعادة ـ بالعلّة وهي حرمة نقض اليقين بالشك ، مع وضوح كون العلة بمنزلة الكبرى للحكم المعلّل بحيث يصح تأليف قياس من العلة والمعلل ، كما في تعليل حرمة الخمر بكونه مسكراً ، لصحة أن يقال : «الخمر مسكر وكل مسكر حرام فالخمر حرام» ولا يصح تأليف قياس هنا ، فلا يقال : «الإعادة نقض اليقين بالشك وكل نقض اليقين بالشك حرام ، فالإعادة حرام» لما عرفت من عدم كون الإعادة نقضاً لليقين بالشك بل باليقين ، وعليه فلا يصلح «لا تنقض» لتعليل عدم وجوب الإعادة به.

نعم يصح أن يكون قوله عليه‌السلام : «لأنك كنت ...» علة لجواز الدخول في الصلاة ، لأن زرارة كان حال افتتاحها شاكاً في الطهارة بعد العلم بها سابقاً ، فعدم جواز الدخول في الصلاة نقض لليقين بالطهارة بالشك فيها ، فتعليل جواز الدخول في الصلاة بقوله : «لا تنقض اليقين بالشك» في محله كما لا يخفى.

(١) متعلق بـ «نقضاً» وقوله : «باليقين» أي : بل هو نقض لليقين باليقين.

(٢) هذا الضمير وضمير «فيها» راجعان إلى الطهارة.

(٣) مع أنه نقض لليقين باليقين ، وعليه يسقط الاستدلال بالرواية.

(٤) استدراك على قوله : «فكيف يصح» وغرضه إثبات صحة التعليل بلحاظ جواز الدخول في الصلاة ، وقد عرفته بقولنا : «نعم يصح أن يكون قوله عليه

١٤٧

إنما يصح أن يعلّل به (١) عدم جواز الدخول في الصلاة كما لا يخفى.

ولا يكاد يمكن التفصي عن هذا الإشكال إلّا بأن يقال (٢) : ان

______________________________________________________

السلام ... إلخ».

(١) أي : بقوله عليه‌السلام : «وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك».

(٢) لا يخفى أنه قد تفصي عن هذا الإشكال بالالتزام باجزاء الأمر الظاهري ، وسيأتي بيانه عند تعرض المصنف له ، إلّا أنه لعدم صحته اختار (قده) وجهاً آخر لإثبات حسن التعليل أفاده في حاشية الرسائل وأثبته في المتن. وقال في آخر كلامه : ان الإشكال على فرض تسليمه لا يقدح في الاستدلال بالرواية على الاستصحاب.

وتوضيح ما أفاده في حلّ الإشكال بقوله : «ان الشرط في الصلاة فعلاً» هو : أن الطهارة الخبثية شرط علمي للصلاة بمعنى كفاية إحرازها ـ ولو بأصل معتبر ـ في صحة الصلاة ، وليست شرطا واقعياً كالطهارة الحدثية التي تدور صحة الصلاة وفسادها مدارها وجوداً وعدماً. وعليه فالمكلف المريد للصلاة إما ملتفت إلى الطهارة الخبثية وإما غافل عنها ، فان كان غافلاً عنها وصلى ، فصلاته صحيحة ، لعدم اعتبار هذه الطهارة في حقه كما صرح به في حاشية الرسائل. وان كان ملتفتاً إلى الطهارة الخبثية فالشرط حينئذ هو إحراز الطهارة لا وجودها الواقعي ، فان أحرزها الملتفت بعلم أو علمي أو أصل عملي ولو أصالة الطهارة وصلى صحت صلاته وان انكشف وقوعها في النجس ، إذ الشرط للملتفت هو إحراز الطهارة لا نفسها ، والمفروض تحققه بأحد الوجوه المحرزة.

وعلى هذا فيصح التعليل المزبور ، ضرورة أنه بعد البناء على كون الشرط للملتفت هو إحراز الطهارة ـ لا نفسها ـ يحسن تعليل عدم وجوب الإعادة بكون الإعادة نقضاً لليقين بالشك ، حيث انه في حال الصلاة كان شاكاً في بقاء الطهارة بعد ما كان متيقناً بها قبل الدخول في العبادة ، ثم ظن إصابة النجاسة. وحيث ان هذا الظن ملحق بالشك حكماً لعدم الدليل على اعتباره فهو شاك في بقاء الطهارة ، ومن المعلوم أن الاستصحاب أوجب إحراز الطهارة في حال الصلاة ، فالإعادة

١٤٨

الشرط في الصلاة فعلاً (١) حين الالتفات إلى الطهارة هو إحرازها ولو بأصل أو قاعدة ، لا نفسها (٢) ، فتكون (٣) قضية استصحاب الطهارة حال الصلاة عدم إعادتها (٤) ولو انكشف وقوعها في النجاسة بعدها (٥) ، كما أن إعادتها بعد الكشف تكشف (٦) عن جواز النقض وعدم حجية

______________________________________________________

تكون منافية للاستصحاب المحرز للطهارة وموجبة لجعل هذا الإحراز الاستصحابي كالعدم ، ضرورة أن منشأ الإعادة حينئذ هو كون الصلاة فاقدة للشرط ، وإلّا فلا وجه لها. وخلوّ العبادة عن الشرط موقوف على عدم العبرة باليقين السابق على الصلاة ، وجواز نقضه بالشك اللاحق ، إذ مع اعتباره وعدم جواز نقضه بالشك يكون الشرط ـ أعني إحراز الطهارة ـ موجوداً ، فالصلاة واجدة للشرط ، فلا وجه للإعادة.

وبالجملة : فتعليل عدم الإعادة بحرمة نقض اليقين بالشك بناء على كون الشرط للملتفت إحراز الطهارة في غاية المتانة.

ثم انه (قده) أشكل على هذا الحل بوجهين وأجاب عنهما وسيأتي بيانها.

(١) قيد لـ «ان الشرط» وهو في قبال الشرط الاقتضائي المجعول في حق الغافل ، يعني : أن الشرط الفعلي للملتفت إلى الطهارة هو إحرازها لا الطهارة الواقعية.

(٢) يعني : لا نفس الطهارة كي تبطل الصلاة بفقدانها كما تبطل بفقدان الطهارة الحدثية.

(٣) هذا متفرع على كون الشرط في حق الملتفت إحراز الطهارة.

(٤) لفرض إحراز الطهارة باستصحابها أو بقاعدتها ان لم يكن يقين سابق بالطهارة.

(٥) قيد لقوله : «انكشف» ومتعلق به ، يعني : ولو انكشف بعد الصلاة وقوعها في النجاسة ، فالأولى أن يقال : ولو انكشف بعدها وقوعها في النجاسة.

(٦) ضرورة كشف الإعادة عن عدم حجية الاستصحاب حال الصلاة ، إذ مع

١٤٩

الاستصحاب حالها (١) كما لا يخفى ، فتأمل جيداً.

لا يقال : لا مجال حينئذ (٢) لاستصحاب الطهارة ، فانه إذا لم يكن (٣) شرطاً لم يكن

______________________________________________________

حجيته وحرمة نقض اليقين بالشك لا وجه للإعادة ، لكون الصلاة حينئذ واجدة للشرط واقعاً. وبهذا ظهر الفرق بين حل الإشكال بهذا البيان وحله بالاجزاء الآتي بيانه ، لفرض أن المحرِز للطهارة ـ على ما أفاده المصنف ـ واجد للشرط الواقعي المجعول في حق الملتفت وهو إحراز الطهارة ، فلا ربط له باجزاء الأمر الظاهري المبني على كون الشرط هو الطهارة الواقعية ، لكن مع البناء على إجزاء الطهارة الظاهرية عنها لإجزاء الأمر الظاهري.

(١) ظرف لجواز النقض ، يعني : جواز نقض اليقين بالشك حال الصلاة ، وقوله : «وعدم» عطف تفسيري لـ «جواز النقض».

(٢) أي : حين كون الشرط إحراز الطهارة لا نفسها ، وهذا أول الإشكالين اللذين أشرنا إليهما ، تقريبه : أنه ـ بناءً على عدم كون الطهارة الواقعية شرطاً ـ لا مقتضي لجريان الاستصحاب فيها ، وذلك لاعتبار كون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي ، ومن المعلوم أن الطهارة الواقعية المستصحبة ليست حكماً شرعياً كوجوب صلاة العيدين في عصر الغيبة ولا موضوعاً لحكم كالعدالة التي يترتب عليها جواز الاقتداء وقبول الشهادة. أما الأول فواضح. وأما الثاني فلفرض كون الشرط إحرازها لا وجودها الواقعي. وحيث انه لم يترتب أثر شرعي على نفس المستصحب وهو الطهارة الواقعية لم يجرِ الاستصحاب ، لأنه يجري لإثبات الواقع ظاهراً. وعليه فمقتضى القاعدة بطلان الصلاة لفقدان شرطها ، أعني إحراز الطهارة ، وعدم صحة ما تقدم من تعليل عدم الإعادة بالاستصحاب ، إذ المفروض عدم جريانه في الطهارة.

(٣) الضمائر البارزة والمستترة ترجع إلى الطهارة ، فالأولى أن يقال : «انها

١٥٠

موضوعاً لحكم (١) ، مع أنه ليس بحكم (٢) ، ولا (٣) محيص في الاستصحاب عن كون المستصحب حكماً أو موضوعاً لحكم.

فانه يقال (٤) : ان الطهارة وان لم تكن شرطاً

______________________________________________________

إذا لم تكن شرطاً لم تكن موضوعاً لحكم ، كما أنها ليست بحكم مع أنه يعتبر في المستصحب أن يكون حكماً أو موضوعاً ذا حكم».

(١) وهو في الصلاة الشرطية.

(٢) يعني : أن الطهارة ليست حكماً شرعياً أيضا حتى يصح جريان الاستصحاب فيها بلحاظ نفسها ، فلا وجه لاستصحابها كما عرفت.

(٣) أي : والحال أن اللازم في التعبد الاستصحابي كون المستصحب حكماً أو موضوعاً له ، لأن ما يكون في حيطة تصرف الشارع بما هو شارع حكمه ببقاء الحكم الشرعي السابق أو بقاء موضوعٍ بلحاظ حكمه ، فدليل الاستصحاب قاصر عن إثبات ما ليس حكماً أو موضوعاً له ، لخروجه عن دائرة التعبد.

(٤) هذا جواب الإشكال ، وتوجيه لجريان الاستصحاب في الطهارة بوجهين أحدهما : كون الطهارة الواقعية شرطاً اقتضائياً ، وحاصله : أن الشرط بمقتضى ظاهر الأدلة هو الطهارة الواقعية ، غاية الأمر أنه دل مثل هذه الصحيحة على أن الاستصحاب المحرز لها إذا أخطأ كان الشرط الفعلي هذا الإحراز لا نفس الطهارة ، وليس المقصود من كفاية هذا الإحراز عزل الطهارة الواقعية عن الشرطية رأساً حتى يمتنع جريان الاستصحاب فيها. والداعي إلى الالتزام بكون الطهارة الواقعية شرطاً اقتضائياً هو الجمع بين ما دلّ على اعتبار الطهارة ، لظهوره في اعتبار الطهارة الواقعية خاصة ، وبين ما دل ـ كهذه الصحيحة ـ على صحة الصلاة مع فقدانها فيما إذا جرى فيها الاستصحاب ، فان مقتضى الجمع بين هاتين الطائفتين هو حمل الطائفة الأولى على الشرطية الاقتضائية والثانية على الشرطية الفعلية.

ثانيها : أنه لا يعتبر في جريان الاستصحاب أزيد من كونه دخيلاً في الشرط

١٥١

فعلاً (١) ، إلّا أنها [أنه] غير منعزل عن الشرطية رأساً ، بل هو (٢) شرط واقعي اقتضائي كما هو قضية التوفيق بين بعض الإطلاقات (٣) ومثل هذا الخطاب (٤) هذا.

______________________________________________________

وان لم يكن المستصحب بنفسه شرطاً كاستصحاب طهارة الماء الّذي يتوضأ به وإباحة الساتر الّذي يصلي فيه ، وغير ذلك مما هو شرط للشرط ، فان شرط الصلاة هو الوضوء والساتر ، وأما طهارة الماء وإباحة الساتر فهما قيدان لشرط الصلاة.

وعليه فإذا فرض كون الشرط في المقام إحراز الطهارة تصير الطهارة قيداً للإحراز الّذي هو الشرط ، فتأمل.

(١) هذا إشارة إلى الجواب الأول المتقدم بقولنا : «أحدهما ...».

(٢) تذكير الضمير يكون باعتبار الخبر ، وأما خبر «انها» فالصواب تأنيثه بأن يقال : «منعزلة» إلّا مع تذكير الضمير كما في نسخة.

(٣) كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «لا صلاة إلّا بطهور ، ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار ، بذلك جرت السنة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأما البول فانه لا بد من غسله» (١) ، وحيث ان المراد بالطهور ما يتطهر به ـ كما ورد أن الماء أحد الطهورين ـ فمدلول الصحيحة اعتبار الطهارة من الخبث واقعاً في الصلاة مطلقاً سواء أحرزها بمحرز وتبيّن خطاؤه أم لا. ولا يخفى أن ذيل الرواية مانع عن استظهار شرطية الطهارة من الحدث من الجملة الأولى. نعم لا بأس باستفادته من أدلة أخرى كعقد المستثنى من حديث «لا تعاد».

(٤) المراد بهذا الخطاب هو ما ورد في صحيحة زرارة من قوله عليه‌السلام : «لأنك كنت على يقين من طهارتك ...» والمراد بمثله كل ما يدل على التوسعة في شرطية الطهارة من الخبث واقعاً في الصلاة وكفاية إحرازها ، وصحة الصلاة حال الجهل ، كصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الاستبصار ، ج ١ ، الباب ٣١ من كتاب الطهارة ، الحديث : ١٥ ، ص ٥٥

١٥٢

مع (١) كفاية كونها من قيود الشرط (٢) ، حيث انه كان إحرازها بخصوصها لا غيرها (٣) شرطاً.

لا يقال (٤) : سلمنا

______________________________________________________

عن الرّجل يصلي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب أيعيد صلاته؟ قال : ان كان لم يعلم فلا يعيد» (١). ودلالة «لم يعلم» على صحة الصلاة حال الجهل بالنجاسة واضحة. ولعل المصنف استند في حكمه بصحة الصلاة حال الغفلة عنها ـ كما حكيناه عن حاشية الرسائل ـ إلى إطلاق «لم يعلم» الشامل للجهل عن التفات وللغفلة أيضا وان كان استظهار الإطلاق من «لم يعلم» محل تأمل.

وقريب منه غيره. لكنه لا بد من تقييد ما دل على صحة الصلاة مع الجهل بالنجاسة بصورة الالتفات حتى يحرز الطهارة بأمارة أو أصل.

(١) هذا إشارة إلى الجواب الثاني المتقدم بقولنا : ثانيهما انه لا يعتبر ... إلخ.

(٢) بعد كفاية دخل المستصحب في الحكم الشرعي ولو بوسائط.

(٣) الضمائر الثلاثة ترجع إلى الطهارة ، والنتيجة : أن المصنف صحّح بهذين الجوابين جريان الاستصحاب في نفس الطهارة لأجل إحرازها ، وبه يتجه انطباق التعليل بـ «لأنك كنت على يقين من طهارتك» على المورد.

(٤) هذا ثاني الإشكالين على شرطية إحراز الطهارة ، وحاصله : أنه لو سلمنا كون شرط الصلاة للملتفت هو إحراز الطهارة ـ لأنه مقتضى التوفيق بين الأخبار ـ لا نفس الطهارة لكان اللازم أن يعلّل عدم وجوب الإعادة بالإحراز بأن يقال : «لا تجب الإعادة لأنك أحرزت الطهارة حال الصلاة» لا أن يقال : «لأنك كنت على يقين من طهارتك» الظاهر في أن زرارة كان على طهارة واقعية أحرزها تعبداً بالاستصحاب ، إذ على هذا يكون الشرط الطهارة الواقعية المحرزة بالاستصحاب ، لا إحرازها كما هو واضح.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢ ، الباب ٤٠ من أبواب النجاسات ، الحديث : ٥ ، ص ١٠٦٠

١٥٣

ذلك (١) ، لكن قضيته أن يكون علة عدم الإعادة حينئذ (٢) بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة هو إحراز الطهارة حالها (٣) باستصحابها ، لا الطهارة المحرزة بالاستصحاب (٤)

______________________________________________________

وبالجملة : فالتعليل بالصغرى أعني «لأنك كنت على يقين من طهارتك» والكبرى وهي «فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك» ينتج كون الشرط نفس الطهارة لا إحرازها ، ضرورة أن اليقين في الاستصحاب طريق محض ، فالمدار على الواقع الّذي تعلق به اليقين ، والمفروض انكشاف خلافه ، ولا يبقى مجال لإحراز الشرط بالاستصحاب.

وعلى مبنى شرطية إحراز الطهارة يكون اليقين بالطهارة موضوعاً للحكم كموضوعية اليقين بحياة الولد لوجوب التصدق إذا نذر والده أن يتصدق كل يوم بدرهم ما دام متيقناً بها ، وانتفاء الوجوب بمجرد الشك فيها ، بخلاف تعليق النذر على نفس الحياة ، لإمكان إحرازها حينئذ بالاستصحاب.

فالمتحصل : أن التعليل بثبوت نفس الطهارة كما هو ظاهر القضية يكشف عن عدم صحة جعل الشرط إحراز الطهارة ، فلا بد أن يكون الشرط الطهارة الواقعية ، لكن يعود الإشكال وهو أنه مع فرض فقدان الطهارة من الخبث كيف حكم الإمام عليه‌السلام بعدم وجوب الإعادة بقوله : «لا تعيد»؟

(١) أي : سلمنا كون مقتضى الجمع بين الأخبار اعتبار إحراز الطهارة الخبثية في الصلاة لا وجودها الواقعي ، لكن مقتضى التوفيق المذكور أن يكون ... إلخ.

(٢) أي : حين كون مقتضى التوفيق بين الأخبار شرطية الإحراز لا الطهارة المحرزة.

(٣) أي : حال الصلاة ، وقوله : «حالها ، باستصحابها» ظرفان لقوله : «إحراز الطهارة» وقوله : «الطهارة المحرزة» معطوف على «إحراز».

(٤) التي هي مفاد قوله عليه‌السلام : «لأنك كنت على يقين من طهارتك».

١٥٤

مع أن (١) قضية التعليل أن تكون العلة له (٢) هي نفسها لا إحرازها (٣) ضرورة (٤) أن نتيجة قوله : «لأنك كنت على يقين ... إلخ» أنه على الطهارة ، لا أنه مستصحِبها (٥) كما لا يخفى.

فانه يقال (٦):

______________________________________________________

(١) أي : والحال أن مقتضى التعليل وجودُ الطهارة الواقعية التي أحرزت بالاستصحاب ، إذ اليقين في الاستصحاب طريق محض إلى المتيقن.

(٢) أي : لعدم وجوب الإعادة.

(٣) هذا الضمير وضمير «نفسها» راجعان إلى الطهارة.

(٤) تعليل لقوله : «مع أن قضية التعليل ... إلخ» وحاصله : أنه بعد ما تقدم من كون اليقين في الاستصحاب آلياً لا استقلالياً يكون التعليل مشيراً إلى قياس مؤلف من صغرى وجدانية وهي «انك ممن تيقن الطهارة وشك فيها» وكبرى تعبدية وهي «كل من تيقن الطهارة وشك فيها فهو متطهر» وينتج «انك متطهر» فالعلة في الحقيقة هي وجود الطهارة الواقعية لا استصحابها.

(٥) يعني : فرق بين أن يقول عليه‌السلام : «كانت الطهارة حال الصلاة تعبداً بالاستصحاب» كما هو ظاهر الرواية ، وبين أن يقول : «كان استصحاب الطهارة في حال الصلاة» الظاهر في كون الشرط إحراز الطهارة لا وجودها.

(٦) هذا جواب الإشكال الثاني ، ومحصله : أن ما ذكره المستشكل ـ من كون المناسب لشرطية إحراز الطهارة تعليل عدم وجوب الإعادة بالإحراز لا بنفس الطهارة المستصحبة ـ وان كان صحيحاً ، لكنه مبني على كون التعليل بلحاظ حال الانكشاف ، لا بلحاظ حال الصلاة. توضيحه : أن في التعليل احتمالين ، أحدهما : أن يكون الإمام عليه‌السلام في مقام تعليل عدم وجوب الإعادة بعد الفراغ من الصلاة ، والمناسب لهذا الفرض هو التعليل بإحراز الطهارة ، يعني : «أنك كنت مع إحراز الطهارة بالاستصحاب» ولا سبيل حينئذ للتعليل بوجود الطهارة المستصحبة ، إذ المفروض أن زرارة علم

١٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بعد الصلاة بانتفاء الطهارة ووقوع الصلاة في الثوب المتنجس ، فلا يصح أن يقال بعد انكشاف الخلاف : «انك كنت على طهارة مستصحبة» وعلى هذا يتجه الإشكال المذكور في المتن بقوله : «لا يقال».

ثانيهما : أن يكون الإمام عليه‌السلام في مقام تصحيح الصلاة بلحاظ الحال التي افتتح زرارة صلاته عليها ، فيقول عليه‌السلام : «انك كنت حين افتتاح الصلاة على يقين من طهارتك ثم شككت فيها ، ولا ينبغي نقض اليقين بالشك» فهو عليه‌السلام علّل جواز افتتاح الصلاة مع الجهل بطهارة الثوب بأنه كان على طهارة أحرزها بالاستصحاب.

ويشهد لكون التعليل بهذا اللحاظ أنه لو كان بلحاظ حال الفراغ من الصلاة لم تكن الإعادة نقضاً لليقين بالشك ، بل باليقين بوقوع الصلاة في النجس. لكن يبعده أجنبية العلة عن المعلّل ، إذ السؤال إنما هو عن علة عدم وجوب الإعادة لا عن علة جواز الشروع في الصلاة.

إلّا أن يقال : ان تعليل جواز الدخول في الصلاة «بأنك كنت على يقين من طهارتك» يراد به إحراز الطهارة بالاستصحاب تعبيراً عن الإحراز بملزومه وهو الاستصحاب تنبيهاً على اعتباره. والاقتصار على عدم نقض اليقين بالشك في مقام تعليل عدم وجوب الإعادة دليل على كون لازمه وهو الإحراز علة لعدم وجوب الإعادة. والإشكال على استصحاب الطهارة مع عدم كونها شرطاً فعلاً مندفع بكفاية كونها شرطاً اقتضائياً كما أفاده وان كان لا يخلو من التأمل.

وبالجملة : فبهذا التقريب يستقيم تعليل عدم وجوب الإعادة بعدم نقض اليقين بالشك ، إذ المستفاد منه ـ وهو الإحراز ـ كما يكون علة لجواز الشروع في الصلاة كذلك يكون علة لعدم وجوب إعادتها ، إذ المفروض أن الإحراز الثابت بالاستصحاب شرط للصلاة بالنسبة إلى الجاهل حدوثاً وبقاءً ، فلا وجه للإعادة ولو مع انكشاف وقوعها في الثوب المتنجس ، وليست الطهارة الواقعية شرطاً في حق الجاهل ، وإلّا

١٥٦

نعم (١) ولكن التعليل انما هو بلحاظ حال قبل انكشاف الحال لنكتة (٢) التنبيه على حجية الاستصحاب ، وأنه (٣) كان هناك استصحاب ، مع (٤) وضوح استلزام ذلك لأن يكون المجدي بعد الانكشاف هو ذاك الاستصحاب لا الطهارة (٥) ، وإلّا (٦) لما كانت الإعادة

______________________________________________________

كان اللازم إعادة الصلاة في صورة انكشاف وقوعها في النجس كما لا يخفى.

(١) يعني : سلمنا أن مقتضى التعليل كون الشرط الطهارة الواقعية لا إحرازها ، ولكنه انما يتم ان كان التعليل بملاحظة حال الفراغ من الصلاة ، مع أنه ليس كذلك ، وانما هو بالنظر إلى حال افتتاح الصلاة ، وأن زرارة في تلك الحالة واجد للطهارة الخبثية الواقعية ببركة الاستصحاب.

(٢) تعليل لقوله : «انما هو بلحاظ» وقد عرفته بقولنا : «إلّا أن يقال : ان تعليل جواز الدخول في الصلاة ... إلخ».

(٣) معطوف على «حجية» وقوله : «هناك» أي قبل انكشاف الحال.

(٤) غرضه أن لحاظ حال الجهل بالطهارة في التعليل يكون لوجهين : أحدهما : التنبيه على اعتبار الاستصحاب ، والآخر أن المجدي في عدم وجوب الإعادة بعد انكشاف الحال هو استصحاب الطهارة ، وإلّا فلا وجه لعدم وجوب الإعادة بعد الانكشاف ، إذ لا محرِز للطهارة حينئذ سواه ، والمفروض انكشاف خلافه ، فتجب الإعادة ، لعدم كونها من نقض اليقين بالشك بل باليقين ، فكون الإعادة نقضاً لليقين بالشك لا يتصور إلّا بالنسبة إلى ما قبل الانكشاف. وقوله : «ذلك» أي التعليل.

(٥) إذ الاستناد إلى الطهارة الواقعية لا ينفي وجوب الإعادة ، بل يقتضي وجوبها ، فالمجدي لنفي وجوب الإعادة هو إحراز الطهارة الثابت بذاك الاستصحاب لا نفس الطهارة.

(٦) أي : وان لم يكن التعليل بلحاظ حال قبل الانكشاف ـ بل بلحاظ ما بعده ـ لما كانت الإعادة نقضاً لليقين بالشك بل باليقين ، لوضوح أن التعليل بنفس الطهارة

١٥٧

نقضاً (١) كما عرفت في الإشكال (٢).

ثم انه لا يكاد يصح التعليل لو قيل باقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء (٣) كما قيل ، ضرورة (٤) أن العلة

______________________________________________________

لا يقتضي عدم وجوب الإعادة بعد انكشاف الخلاف ، بل مقتضاه وجوب الإعادة لانكشاف خلوِّ الصلاة عن الشرط أعني الطهارة الخبثية ، فلا بد أن يكون التعليل بلحاظ ما قبل الانكشاف.

(١) يعني : نقضاً لليقين بالشك بل نقضاً له باليقين.

(٢) بقوله : «ثم انه أشكل على الرواية بأن الإعادة ...» هذا تمام تحقيق المصنف فيما اختاره في تطبيق التعليل على قوله : «تغسله ولا تعيد».

(٣) هذا أحد الوجوه التي وُجِّه بها التعليل المذكور في الرواية ، وقد ذكرنا أن المصنف لم يذكر من تلك الوجوه إلّا وجهين ، أحدهما : ما تقدم من كون التعليل مبنياً على شرطية الإحراز. ثانيهما : ما تعرض له هنا ، وقد عُزي هذا الوجه إلى شريف العلماء (قده) وذكره الشيخ الأعظم بقوله : «وربما يتخيل حسن التعليل لعدم الإعادة بملاحظة اقتضاء امتثال الأمر الظاهري للاجزاء ، فتكون الصحيحة من حيث تعليلها دليلاً على تلك القاعدة وكاشفة عنها» وحاصله : ابتناء التعليل على اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء ، حيث إنه على هذا المبنى تكون الطهارة الظاهرية الثابتة بالاستصحاب بمنزلة الطهارة الواقعية في ترتب صحة العمل عليها واقعاً وان انكشف خلافها وخطأ الاستصحاب.

(٤) تعليل لقوله : «لا يكاد» توضيح مناقشة المصنف في هذا الوجه هو : أن تعليل عدم وجوب الإعادة باقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء خلاف ظاهر الصحيحة لظهورها بل صراحتها في كون علته حرمة نقض اليقين بالشك ، حيث ان الإعادة تكون نقضاً له به ، لا قاعدة اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء. فلو كان المناط في التعليل إجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي وبنى المكلف على الإعادة لم يوجب

١٥٨

عليه (١) إنما هو اقتضاء ذاك الخطاب الظاهري حال الصلاة للاجزاء وعدم إعادتها ، لا لزوم (٢) النقض من الإعادة كما لا يخفى (*).

______________________________________________________

ذلك أن يقال له : «ان الإعادة نقض لليقين بالشك» لأنه من نقض اليقين باليقين ، وعليه فمسألة الإجزاء أجنبية عن المقام.

(١) أي : بناءً على اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء ، يكون ذلك مقتضياً للاجزاء وعدم الإعادة.

(٢) معطوف على «اقتضاء» يعني : أن تعليل الإعادة بكونها نقضاً لليقين بالشك أجنبي عن مسألة الاجزاء ، إذ المقتضي للاجزاء بالفرض هو الأمر الظاهري.

__________________

 (*) أورد عليه بعدم الفرق بين الالتزام بكفاية الطهارة الظاهرية أي كون الشرط إحراز الطهارة من الخبث ولو ظاهراً وبين القول باعتبار الطهارة الواقعية ، إلّا أن التعليل يكون بلحاظ إجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي حتى مع تبين الخلاف ، بل قد يقال : «بوحدة الجوابين حقيقة ، إذ لا معنى لكبرى الاجزاء هنا إلّا توسعة دائرة الشرطية ، كأجزاء الصلاة المأتي بها إلى جهة أخبرت البينة بكونها هي القبلة لاقتضاء إخبارها التوسعة في شرطية القبلة الواقعية في الصلاة» (١).

لكنه لا يخلو من غموض ، للفرق بين الوجهين بناء على ما صرّح به المصنف (قده) في بحث الاجزاء بقوله : «والتحقيق أن ما كان منه يجري في تنقيح ما هو موضوع التكليف وتحقيق متعلقه وكان بلسان تحقق ما هو شرطه أو شطره كقاعدة الطهارة أو الحلية بل واستصحابهما في وجه قوي ونحوها بالنسبة إلى كل ما اشترط بالطهارة أو الحلية يجزي».

من أن مقتضى أدلة هذه الأصول العملية هو التوسعة في دائرة الشرط الواقعي ، ويستنتج منه أن تعليله عليه‌السلام بكبرى الاستصحاب بيان لصغرى الطهارة الظاهرية وكبرى التوسعة في الشرط معاً ، فلا تقدير في الكلام ، وهذا بخلاف ابتناء

__________________

(١) مصباح الأصول ، ٣ ـ ٥٧

١٥٩

اللهم إلا أن يقال : ان التعليل به (١) انما هو بملاحظة ضميمة

______________________________________________________

(١) أي : بقوله عليه‌السلام : «لأنك كنت على يقين ... إلخ» وغرضه توجيه كلام القائل بأن التعليل بلحاظ الاجزاء بنحوٍ لا يرد عليه الإشكال المتقدم وغيره ، وتوضيحه : أن تعليل عدم الإعادة بعدم جواز نقض اليقين بالشك ان كان بلحاظ ما قبل الانكشاف وقلنا باقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء ، فلا محيص عن الالتزام بعدم وجوب الإعادة ، ضرورة أن وجوبها ولو بعد الانكشاف يكشف عن بقاء الأمر الواقعي بالمشروط بالطهارة ، وعدم سقوطه ، وهو خلاف البناء على قاعدة الاجزاء في الأوامر الظاهرية.

والعدول عن التعليل بقاعدة الاجزاء إلى عدم جواز نقض اليقين بالشك للتنبيه على ما يكون علة للأمر الظاهري في المقام من أنه الاستصحاب ، لتولّد أمر ظاهري بالصلاة من استصحاب طهارة الثوب ، ولمّا كان التعبد الاستصحابي علة لإنشاء هذا الأمر صحّ التعليل بمنشإ الأمر الظاهري أعني الاستصحاب ، وإلّا فالعلة حقيقة لعدم وجوب الإعادة هي قاعدة الاجزاء في الأوامر الظاهرية ، وهي مطويّة ، فهناك قياس كبراه تلك القاعدة بأن يقال : «الاستصحاب أمر ظاهري ، وكل أمر

__________________

المسألة على الاجزاء ، فانه لا بد من تقدير «وكل أمرٍ ظاهري مقتضٍ للاجزاء» حتى ينطبق التعليل على المورد ، لوضوح أن حكومة دليل قاعدة الطهارة واستصحابها ظاهراً على مثل «لا صلاة إلّا بطهور» الظاهر في اعتبار خصوص الطهارة من الخبث واقعاً تقتضي الاكتفاء بإحراز الطهارة ولو ظاهراً ، بحيث يكون انكشاف الخلاف من باب تبدل الموضوع ، ولذا حكموا في مسألة الصلاة إلى غير جهة القبلة الواقعية بأنها ان كانت ما بين المشرق والمغرب فهي مجزية من جهة التوسعة في القبلة للجاهل المتحرِّي ، وإلّا فعليه الإعادة. وهذا المعنى لا ربط له بالاجزاء المتقوم بكون الشرط أو الجزء وجوده الواقعي خاصة ، وانما يكتفي الشارع بالناقص لبدليته عن التام وقناعته في مقام تفريغ الذّمّة.

١٦٠