إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٧

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٧

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٠

وما جمع على فعال من غير ما ذكر فهو على غير القياس وذلك كراع وراعية ورعاء وقائم وقائمة وقيام وصائم وصائمة وصيام وأعجف وعجفاء وعجاف وخيّر وخيار وجيّد وجياد وجواد وجياد وأبطح وبطاح وقلوص وقلاص وأنثى وإناث ونطفة ونطاف وفصيل وفصال وسبع وسباع وضبع وضباع ونفساء ونفاس وعشراء وعشار.

هذا ولا ندري كيف ند هذا عن الزمخشري فقال في كشافه :«وأما الرعاء بالكسر فقياس كصيام وقيام».

(اسْتِحْياءٍ) : الاستحياء والحياء الحشمة والانقباض والانزواء قال في المصباح : «يقال استحيت بياء واحدة وبياء واحدة وبياءين ويتعدى بنفسه وبالحرف فيقال استحيته واستحيت منه».

(الْقَصَصَ) بفتحتين : مصدر بمعنى المقصوص وقد سمي به فيما بعد المقصوص يقال قص عليه الخبر حدثه به ومصدره قصص بفتحتين أما القصص بكسر القاف فهو جمع قصة.

الاعراب :

(وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) الواو استئنافية ولما حينية أو رابطة وتوجه فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو وتلقاء مدين ظرف مكان متعلق بتوجه وتلقاء يستعمل مصدرا واسما للقاء ومكانا له وقد ذكرنا فيما مضى أن لدينا عشرة مصادر أتت مخالفة فجاءت بكسر أولها ، وجعله شارح القاموس اسما للمصدر فقال تعليقا على القاموس «قوله والاسم التلقاء أي اسم

٣٠١

المصدر ولكن يعكر عليه قوله ولا نظير له غير التبيان إذ لم يقل أحد بأن التبيان اسم مصدر بل هو مصدر نادر» وعبارة المحكم : «التلقاء اسم مصدر لا مصدر وإلا لفتحت التاء وقيل مصدر لا نظير له غير التبيان» ومدين مضاف إليه ومنعت من الصرف للعلمية والتأنيث وجملة قال لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وعسى فعل ماض جامد من أفعال الرجاء وربي اسمها وان وما في حيزها خبرها وسواء السبيل مفعول ثان أو منصوب بنزع الخافض. (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) وجد فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو وعليه متعلقان بوجد لأن وجد بمعنى لقي وأمة مفعول به أي جماعة كثيفة ومن الناس صفة لأمة وجملة يسقون صفة ثانية أو حال ومفعول يسقون محذوف للعلم به أي مواشيهم. (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) ووجد عطف على وجد الأولى ومن دونهم متعلقان بوجد أيضا أي في مكان أسفل منهم ، وامرأتين مفعول به أول وجملة تذودان صفة لامرأتين. (قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) ما اسم استفهام مبتدأ وخطبكما خبر والجملة مقول القول ، قالتا فعل ماض والتاء تاء التأنيث الساكنة وحركت بالفتح لمناسبة ألف التثنية والألف فاعل وجملة لا نسقي مقول قولهما وحتى حرف غاية وجر ويصدر فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى والرعاء فاعل والواو حالية وأبونا مبتدأ وشيخ خبر وكبير صفة وسيأتي في باب البلاغة سر الجملة الحالية. (فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ) الفاء عاطفة على محذوف مقدر يفهم من سياق الكلام وسقى فعل ماض ولهما متعلقان به والمفعول به محذوف أي غنمهما لأجلهما ، ثم حرف عطف وتولى فعل ماض والى الظل متعلقان بتولي أي الى ظل شجرة كانت هناك. (فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) رب منادى

٣٠٢

وان واسمها ولما اللام حرف جر وما نكرة بمعنى شيء أو اسم موصول أي لأي شيء أو للذي أنزلت والجار والمجرور متعلقان بفقير وأنزلت فعل وفاعل والجملة إما صفة لما إن كانت نكرة أو صلة وإليّ متعلقان بأنزلت ومن خير حال وفقير خبر إن وعدي فقير بحرف الجر لأنه ضمن معنى سائل أو طالب وإلا فهو يتعدى بإلى.

(فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) الفاء عاطفة على محذوف يفهم من سياق الكلام أي فرجعتا الى أبيهما في زمن أقل مما كانتا تستنز فانه في السقي فسألهما عن سبب ذلك فأخبرتاه بقصة من سقى لهما فقال لإحداهما أدعية لي فجاءته ، وإحداهما فاعل وجملة تمشي حال من الفاعل وعلى استحياء حال من الفاعل المضمر في تمشي أي مستحيية خفرة وقيل واضعة كم درعها على وجهها حياء منه.

(قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) إن واسمها وجملة يدعوك خبر وليجزيك اللام للتعليل ويجزيك فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والجار والمجرور متعلقان بيدعوك والكاف مفعول به أول وأجر مفعول به ثان وما مصدرية وهي وما بعدها في تأويل مصدر مضاف لأجر أي أجر سقايتك ولنا متعلقان بسقيت.

(فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الفاء عاطفة على محذوف والتقدير فأجابها لا ليأخذ الأجر ولكن لأجل التبرك بأبيها لما سمع منهما انه شيخ كبير ، فمشت أمامه فجعلت الريح تضرب ثوبها فتكشف ساقيها أو ألزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته فقال لها : امشي خلفي ودليني على الطريق ففعلت الى أن دخل عليه فلما جاءه وقص عليه ، قص فعل ماض وعليه متعلقان بقص والقصص مفعول به وجملة قال لا محل لها ولا ناهية وتخف فعل مضارع مجزوم

٣٠٣

بلا ونجوت فعل وفاعل ومن القوم متعلقان بنجوت والظالمين صفة وإنما هدأ روعه وطمأنه لأن مدين لم تكن في سلطان فرعون.

البلاغة :

١ ـ الإيجاز :

كثر الإيجاز في هذه الآيات فقد حذف المفعول به في أربعة أماكن أحدها مفعول يسقون أي مواشيهم والثاني مفعول تذودان أي مواشيهما والثالث لا نسقي أي مواشينا والرابع فسقى لهما أي مواشيهما وعلة الحذف أن الغرض هو أن يعلم انه كان من الناس سقي ومن البنتين ذود وأنهما قالتا لا نسقي أي لا يكون منا سقي حتى يصدر الرعاء وانه كان من موسى سقي فأما كون المسقي غنما أو إبلا أو غير ذلك فذلك أمر خارج عن نطاق الغرض.

٢ ـ الكناية :

في قوله «وأبونا شيخ كبير» فقد أرادتا أن تقولا له : إننا امرأتان ضعيفتان مستورتان لا نقدر على مزاحمة الرجال ومالنا رجل يقوم بذلك وأبونا شيخ طاعن في السن قد أضعفه الكبر وأعياه فلا مندوحة لنا عن ترك السقيا وأرجائها الى أن يقضي الناس أوطارهم من الماء وبذلك طابق جوابهما سؤاله لأنه سألهما عن علة الذود فقالتا ما قالتاه وإنما ساغ لنبي الله شعيب أن يرضى لابنتيه بامتهان سقيا الماشية على ما فيها من تبذل واطراح حشمة لأن الضرورات تبيح المحظورات مع أن الأمر في حد ذاته ليس بمحظور فالدين لا يأباه

٣٠٤

والعادات متباينة ومذهب أهل البدو غير مذهب أهل الحضر خصوصا إذا كانت الحالة حالة ضرورة.

٣ ـ الإشارة :

وذلك في قوله «على استحياء» فقد أشار بلمح خاطف يشبه لمح الطرف وبلغة هي لغة النظر إلى وصف جمالها الرائع الفتان باستحياء لأن الخفر من صفات الحسان ولأن التهادي في المشي من أبرز سماتهن ، قال الأعشى :

كأن مشيتها من بيت جارتها

مر السحابة لا ريث ولا عجل

وأبدع ابن الرومي ما شاء له الإبداع إذ قال :

جرت تدافع من وشي لها حسن

تدافع الماء في وشي من الجب

وان رمق سماء امرئ القيس بقوله :

سموت إليها بعد ما نام أهلها

سمو حباب الماء حالا على حال

وعمر بن أبي ربيعة في رائيته البديعة :

فلما فقدت الصوت منهم وأطفئت

مصابيح شبت بالعشي وأنور

٣٠٥

وغاب قمير كنت أرجو غيابه

وروّح رعيان وهوّم سمر

وخفض عني الصوت أقبلت مشية

الحباب وركني خيفة القوم ازور

(قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨))

الاعراب :

(قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) قالت إحداهما فعل وفاعل وهي الكبرى التي تزوجها موسى فيما بعد ، ويا أبت تقدم إعرابه كثيرا واستأجره فعل أمر وفاعل ومفعول به (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) الجملة لا محل لها لأنها تعليل للأمر قبلها وسيأتي معنى هذا الكلام الجامع المانع في باب البلاغة ، وإن واسمها ومضاف إليه وجملة استأجرت لا محل لها لأنها صلة الموصول والقوي خبر أول

٣٠٦

والأمين خبر ثان. (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) إن واسمها وجملة أريد خبرها والجملة مقول القول وأن أنكحك في تأويل مصدر مفعول أريد وفاعل أنكحك ضمير مستتر تقديره أنا والكاف مفعول به أول وإحدى ابنتي مفعول به ثان وابنتي مضاف لإحدى وهاتين صفة لابنتي والاشارة لتمييزها من بين بقية أخواتهما فقد كان له كما يروى سبع بنات. (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) على حرف جر دخل على أن وما يليها والجار والمجرور متعلقان بمحذوف في موضع الحال إما من الفاعل أو من المفعول أي مشروطا عليّ أو عليك ذلك وتأجرني فعل مضارع من أجرته إذا كنت له أجيرا كقولك أبوته أي كنت له أبا ومفعول تأجرني الثاني محذوف أي نفسك وثماني حجج ظرف لتأجرني وحجج أعوام ، وتكلف الزمخشري وجها ما أدري كيف استقام له وهو أن يكون ثماني مفعولا ثانيا لتأجرني ، وقد احتاج الى تقدير مضاف أي رعي ثماني حجج ولا داعي لهذا التكلف ، هذا فضلا عن أن المعنى لا يستقيم معه لأن العمل هو الذي تقع به الإثابة لا الزمان فكيف يوجه الاجارة على الزمان؟ (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ) الفاء عاطفة وإن شرطية وأتممت فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وعشرا مفعول به والفاء رابطة للجواب لأنه جملة اسمية ومن عندك جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف أي فالتمام من عندك وليس في الأمر إلزام وتحتيم.

(وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) الواو عاطفة وما نافية وأريد فعل مضارع وفاعل مستتر تقديره أنا وأن وما في حيزها مفعول أريد وعليك متعلقان بأشق ، ستجدني فعل مضارع مرفوع والفاعل مستتر تقديره أنت والنون للوقاية والياء مفعول به

٣٠٧

وجملة إن شاء الله اعتراضية لا محل لها وجواب ان محذوف ومن الصالحين متعلقان بتجدني ومعنى أشق عليك أجعل الأمر صعبا ، قال الزمخشري : «فإن قلت : ما حقيقة شققت عليه وشق عليه الأمر؟قلت : حقيقته ان الأمر إذا تعاظمك فكأنه شق عليك ظنك باثنين تقول تارة أطيقه وتارة لا أطيقه» وسيأتي مزيد من ذلك في باب البلاغة.

(قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) ذلك مبتدأ وبيني وبينك خبره أي ذلك الذي عاهدتني وشارطتني عليه قائم وثابت بيننا لا نحيد عنه كلانا ، وأيما الأجلين :أي اسم شرط جازم في محل نصب مفعول مقدم لقضيت وما زائدة للإبهام وسيأتي بحث مستفيض عن أي في باب الفوائد وقيل ان «ما» نكرة بمعنى شيء والأجلين بدل منها وقضيت فعل وفاعل والفاء رابطة للجواب ولا نافية للجنس وعدوان اسمها المبني على الفتح وعلي خبر لا والله مبتدأ وعلى ما نقول متعلقان بوكيل ووكيل خبر الله.

البلاغة :

١ ـ الكلام الجامع المانع :

في قوله تعالى : «إن خير من استأجرت القوي الأمين» في هذه الآية فنون عديدة ولذلك أطلق عليها علماء البلاغة أنها من الكلام الجامع المانع الحكيم الذي لا يزاد عليه لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان في القائم بأمرك والمتعهد لشئونك وهما الكفاية والأمانة فقد فرغ بالك وتم أمرك وسهل مرادك ، ولأنه ذهب مذهب المثل المضروب ليذهب في مرّ العصور وقادمات الدهور ، وفيه التعميم

٣٠٨

الذي هو أجمل وأليق في مدح النساء للرجال من المدح الخاص وأبقى للتحشم والتصوّن وخصوصا بعد أن فهمت غرض أبيها وهو تزويجها منه وقد كان عمر بن الخطاب يعجب بهذا التعبير ويرمق سماءه في دعائه فيقول : «أشكو الى الله ضعف الأمين وخيانة القوي».

وهذا الإيهام من ابنة شعيب قد سلكته زليخا مع يوسف ولكن شتان ما بين الحياء المجبول والحياء المستعمل ، ليس التكحل في العينين كالكحل حيث قالت : «ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم» وهي تعني ما جزاء يوسف مما أرادني من السوء إلا أن تسجنه أو تعذبه عذابا أليما ، ولكنها أو همت زوجها الحياء والخفر وأن تنطق بالعصمة منسوبا إليها الخنا إيذانا منها بأن هذا الحياء منها الذي يمنعها أن تنطق بهذا الأمر من مراودة يوسف بطريق الأحرى والأولى ، ففي هذه الآية كما رأيت الإيجاز والمثل والتعميم والإيهام وفيها أيضا التقديم فقد قدم ما هو أولى بالتقديم وجعل اسما لـ «إن» وهو خير وورد بلفظ الفعل الماضي للدلالة على أن الأمر ليس بدعا وانه معروف مبتوت فيه قد جرب وتعورف. ومن التقديم البديع قول أبي الشغب العبسي يتحزّن على خالد بن عبد الله القسري حين أسره يوسف بن عمرو.

ألا إن خير الناس حيا وهالكا

أسير ثقيف عندهم في السلاسل

لعمري لئن عمرتم السجن خالدا

وأوطأتموه وطأة المتثاقل

٣٠٩

لقد كان نهّاضا بكل ملمة

ومعطي اللهى غمرا كثير النوافل

وخير الناس اسم تفضيل مضاف الى المعرف بأل وهو اسم إن وحيا وهالكا حالان منه وأسير ثقيف خبر إن ، وثقيف علم القبيلة والعلم أعرف من المحلى بأل فخبر إن المضاف اليه أعرف من اسمها المضاف المحلّى بأل وقد قدم الاسم للاهتمام به ، وعندهم في السلاسل حال أو خبر بعد خبر ، ولعمري قسم إن عمرتم أي أدخلتم وأسكنتم خالدا السجن وأوطأتموه أي صيرتموه يطأ الأرض برجله كوطأة المتثاقل أي الحامل لشيء ثقيل لجعل القيد في رجليه فهو كناية عن ذلك ، لقد كان نهاضا جواب القسم وجواب الشرط محذوف أي كان سريع القيام بكل نازلة ثقيلة وكان معطى اللهى بالفتح جمع لهاة كحصى وحصاة أي اللحمة في أقصى الفم لكنها هنا بمعنى الفم نفسه ويجوز أن يكون اللهى بضم اللام جمع لهوة كغرف وغرفة بمعنى العطية من أي نوع كانت.

٢ ـ الإيجاز :

وفي قوله «وما أريد أن أشق عليك» إيجاز بليغ فقد ذكرنا معنى شق عليه الأمر وانه مترجح بين اليأس والرجاء ، وفيه إيماء الى أولئك المعاسرين الذين يكلفون عمالهم أعمالا تربو على طوقهم وتتجاوز حدود قدرتهم المعهودة ، وعلى هذا درجت الشرائع في حسن المعاملة والأخذ بالأسهل والأيسر ومنه الحديث «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شريكي فكان لا يداري ولا يشاري ولا يماري».

٣١٠

الفوائد :

«أيّ» المشددة :

تأتي «أيّ» المشددة على خمسة أوجه :

١ ـ أن تكون شرطا نحو «أيما الأجلين قضيت» وقد تزاد ما بعدها للتوكيد.

٢ ـ أن تكون استفهامية : «أيكم زادته هذه إيمانا».

٣ ـ موصولة : «ثم لننزعنّ من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا».

٤ ـ أن تكون دالة على معنى الكمال فتقع صفة للنكرة نحو زيد رجل أي رجل أي كامل في صفات الرجال وحالا من المعرفة كمررت بعبد الله أي رجل ، قال أبو العتاهية وقد وردت صفة :

إن الشباب والفراغ والجده

مفسدة للمرء أي مفسده

٥ ـ أن تكون وصلة الى نداء ما فيه أل نحو يا أيها الرجل.

هذا وقد أورد صاحب المغني بيتا لأبي الطيب فيه «أي» وهو :

أي يوم سررتني بوصال

لم ترعني ثلاثة بصدود

وقال : «ليست فيه أي موصولة لأن الموصولة لا تضاف إلا إلى المعرفة ، قال أبو علي في التذكرة في قوله :

٣١١

أرأيت أي سوالف وخدود

برزت لنا بين اللوى فزرود

لا تكون أي فيه موصولة لإضافتها الى نكرة» وتابع صاحب المغني كلامه فقال : ولا شرطية لأن المعنى حينئذ إن سررتني يوما بوصالك آمنتني ثلاثة أيام من صدودك ، وهذا عكس المعنى المراد وإنما هي للاستفهام الذي يراد به النفي كقولك لمن ادعى أنه أكرمك :أي يوم أكرمتني؟ والمعنى ما سررتني يوما بوصالك إلا روعتني ثلاثة بصدودك ، والجملة الأولى مستأنفة قدم ظرفها لأن له الصدر والثانية اما في موضع جر صفة لوصال على حذف العائد أي لم ترغني بعده كما حذف في قوله تعالى : «واتقوا يوما لا تجزي نفس» الآية ، أو نصب حالا من فاعل سررتني أو مفعوله والمعنى أي يوم سررتني غير رائع لي أو غير مروع منك وهي حال مقدرة مثلها في «طبتم فادخلوها خالدين» أو لا محل لها على أن تكون معطوفة على الأولى بفاء محذوفة كما قيل في «وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا : أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله» وكذا في بقية الآية وفيه بعد ، والمحققون في الآية على أن الجمل مستأنفة بتقدير : فما قالوا له؟ فما قال لهم؟ ومن روى ثلاثة بالرفع لم يجز عنده كون الحال من فاعل سررتني لخلو ترعني من ضمير ذي الحال.

وقال أبو البقاء العكبري في شرحه لديوان المتنبي : «أي نصب وهو استفهام خرج مخرج النفي كما تقول لمن يدعي أنه أكرمك : أي يوم أكرمتني قط كما قال الهذلي :

اذهب فأي فتى في الناس أحرزه

من حتفه ظلم دعج ولا جبل

٣١٢

ولا يجوز أن تكون «أي» شرطية تتعلق الجملة بالجملة تعلق الجزاء بالشرط ، وإذا حملته على الشرط كان مناقضا للمعنى الذي أراده فكأنه يقول : إن سررتني يوما بوصالك أمنتني ثلاثة من صدودك وهذا عكس مراده.

وهذا البيت من جملة أبيات غزلية استهل بها أبو الطيب قصيدة قالها في صباه ونورد هنا الأبيات الغزلية لنفاستها ونعرب بعض ما فيه فائدة منها :

كم قتيل كما قتلت شهيد

ببياض الطّلى وورد الخدود

وعيون المها ولا كعيون

فتكت بالمتيم المعمود

درّ درّ الصّبا أأيام تجر .... ير ذيولي بدار أثلة عودي

عمرك الله هل رأيت بدورا

طلعت في براقع وعقود

راميات بأسهم ريشها الهد .... ب تشقّ القلوب قبل الجلود

يترشّفن في فمي رشفات

هن فيه أحلى من التوحيد

كلّ خمصانة أرقّ من الخم .... ر بقلب أقسى من الجلمود ذات فرع كأنما ضرب العن .... بر فيه بماء ورد وعود حالك كالغداف مثل دجو .... جيّ أثيث جعد بلا تجعيد تحمل المسك عن غدائرها الري .... ح وتفتّر عن شتيت برود جمعت بين جسم أحمد والسق .... م وبين الجفون والتسهيد أهل ما بي من الضنى بطل صي .... د بتصفيف طرّة وبجيد

٣١٣

كل شيء من الدماء حرام

شربه ما خلا دم العنقود

فاسقنيها فدى لعينيك نفسي

من غزال وطارفي وتليدي

شيب رأسي وذلتي ونحو لي

ودموعي على هواك شهودي

أي يوم سررتني ... (البيت) إعراب بعض الكلمات :

(كم) خبرية وتمييزها مجرور بالاضافة إليها أو بمن وقد تقدم القول فيها مطولا وهي هنا في محل رفع مبتدأ خبره ببياض ، وكما قتلت نعت لمصدر محذوف ، هذا ولهم في العشق حديث طويل ، وخبره عند أرباب التصوف معقول قال الجنيد : «العشقة ألفة رحمانية وإلهام شوقي أوجبهما كرم الله على كل ذي روح لتحصل به اللذة العظمى التي لا يقدر على مثلها إلا بتلك الألفة وهي موجودة في الأنفس مقدرة مراتبها عند أربابها فما أحد إلا عاشق لأمر يستدل به على قدر طبقته من الخلق ولأجل ذلك كان أشرف المراتب في الدنيا مراتب الذين زهدوا فيها مع كونها معاينة ومالوا الى الآخرة مع كونها مغيبة عنهم» وقد وصف الله تعالى نفسه بالحب فقال : «يحبهم ويحبونه» وقد تقدم القول فيه مطولا ، وأما العشق فلم يرد في لسان الشرع ، وقال الفضيل بن عياض كلاما جميلا منه : «لو رزقني الله تعالى دعوة مجابة لدعوته تعالى أن يغفر للعشاق لأن حركاتهم اضطرارية لا اختيارية ، وما أحسن قول أبي فراس الحمداني :

وكم في الناس من حسن ولكن

عليك لشقوتي وقع اختياري

٣١٤

وقال رجل من العرب لبعض بني عذرة : ما لأحدكم يموت عشقا في هوى امرأة ألفها وليس ذلك إلا ضعف نفس أو خور تجدونه ، يا بني عذرة فقال : أما والله لو رأيتم الحواجب الزّجّ ، فوق النواظر الدعج ، تحتها المباسم الفلج ، لاتخذتموها اللات والعزى» هذا وقد استند أبو الطيب في قوله «شهيد» الى حديث يروونه هو : «إن من عشق وعف وكتم فمات مات شهيدا».

(عمرك الله) : مصدر يقال : أطال الله عمرك وعمرك بالضم والفتح وهما وإن كانا مصدرين بمعنى إلا أنه استعمل أحدهما في القسم وهو المفتوح العين فإذا أدخلت عليه لام الابتداء رفعته بالابتداء والخبر محذوف والتقدير لعمر الله قسمي فإن لم تأت باللام نصبته نصب المصادر وقلت عمر الله ما فعلت كذا وعمرك الله ما فعلت كذا فكأنك قلت بتعميرك الله أي باقرارك له بالبقاء ، ومنه قول عمر ابن أبي ربيعة :

أيها المنكح الثّريا سهيلا

عمرك الله كيف يلتقيان

يريد سألت الله أن يطيل عمرك وهو في قول أبي الطيب مصدر ومعناه : سألت الله أن يعمرك تعميرا.

(أحلى من التوحيد) قال الواحدي : «كنّ يمصصن ريقي لحبهنّ إياي فكانت الرشفات في فمي أحلى من كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله وهذا إفراط وتجاوز حد».

قال ابن القطاع : ذهب كثير من الناس الى أن لفظة أفعل من كذا توجب تفضيل الأول على الثاني في جميع المواضع وذلك غلط والصحيح أن أفعل يجيء في كلام العرب على خمسة أوجه :

٣١٥

أحدها : أن يكون الأول من جنس الثاني ولم يظهر لأحدهما حكم يزيد على الأول به زيادة يقوم عليها دليل من قبل التفضيل فهذا يكون حقيقة في الفضل لا مجازا وذلك كقولك زيد أفضل من عمرو وهذا السيف أصرم من هذا.

والثاني : أن يكون الأول من جنس الثاني أو قريبا منه ومحتملا للحاق به وقد سبق للثاني حكم أوجب له الزيادة بالدليل الواضح فهذا يكون على المقاربة في التشبيه لا التفضيل نحو قولك الأمير أكرم من حاتم وأشجع من عمرو ، وبيت المتنبي من هذا القبيل أي يترشفن من فمي رشفات هنّ قريب من التوحيد.

والثالث : أن يكون الأول من جنس الثاني أو قريبا منه والثاني دون الاول فهذا يكون على الإخبار المحض نحو قولك : الشمس أضوأ من القمر والأسد أجرأ من النمر.

والرابع : أن يكون الأول من غير جنس الثاني وقد سبق للثاني حكم أوجد له الزيادة واشتهر الأول من جنسه بالفضيلة فيكون هذا على سبيل التشبيه المحض والغرض أن يحصل للأول بعض ما يحصل للثاني نحو قولك : زيد أشجع من الأسد وأمض من السيف.

والخامس : أن يكون الأول من غير جنس الثاني والأول دون الثاني في الصفة جدا فيكون هذا على المبالغة المحضة نحو قامته أتمّ من الرمح ووجهه أضوأ من الشمس وجاء في الحديث : «ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر» ذهب من لا يعرف معاني الكلام أن أبا ذر أصدق العالم أجمع وليس الأمر كذلك وإنما

٣١٦

نفى عليه الصلاة والسلام أن يكون أحد أعلى منه رتبة في الصدق ولو أراد ما ذهبوا إليه لقال : أبو ذر أصدق من كل من أظلت وأقلت.

(كل خمصانة) : يجوز فيه الرفع على البدل من الضمير في يترشفن وعلى هذا يرفع أرق حملا على كل ، ويجوز نصب كل حملا على النعت لقوله بدورا أو على البدلية منها والخمصانة الضامرة والذكر خمصان.

(أهل ما بي من الضنى بطل) أهل مبتدأ خبره بطل أو خبر لمبتدأ محذوف والمعنى أنا أهل ما بي وحقيق به وأنا بطل صيد.

(ما خلا دم العنقود) : إذا قلت جاء القوم ما خلا زيدا فليس إلا النصب لأن خلا يتحتم كونها فعلا لدخول ما المصدرية عليها ، وإذا قلت جاء القوم خلا زيد كان الجر لا غير.

(فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ

٣١٧

فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢))

الاعراب :

(فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً) الفاء عاطفة على محذوف يفهم من السياق والتقدير فتم العقد بينهما على الإجارة والنكاح ومارس المهمة التي أنيطت به على أحسن وجه وأكمله فلما. ولما حينية أو رابطة وجملة قضى موسى الأجل لا محل لها وسار عطف على قضى وبأهله جار ومجرور متعلقان بسار وجملة آنس لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ومن جانب الطور متعلقان بآنس ونارا مفعول به ولك أن تجعل من جانب الطور حالا لأنه كان صفة لنارا وتقدم عليها. (قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً) لأهله متعلقان بقال وجملة امكثوا مقول القول وجملة إني تعليل للأمر بالمكث وإن واسمها وجملة آنست خبرها ونارا مفعول به.

(لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) جملة الرجاء حال أي راجيا ولعل واسمها وجملة آتيكم خبرها والكاف مفعول به ومنها حال لأنه كان صفة لخبر وبخبر متعلقان بآتيكم وأو حرف عطف وجذوة عطف على خبر وهي مثلثة الجيم : الشعلة من النار والقطعة من الحطب وجمعها جذا ، قال ابن مقبل :

باتت حواطب ليلى يلتمسن لها

جزل الجذا غير خوار ولا ذعر

٣١٨

ومن النار نعت لجذوة وجملة الرجاء حال أيضا ولعل واسمها وجملة تصطلون خبرها. (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ) الفاء عاطفة على محذوف يقتضيه السياق أي فسار نحوها فلما أتاها ، وجملة نودي لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ومن شاطىء الوادي متعلقان بنودي والأيمن صفة لشاطيء وفي البقعة حال من الشاطئ والمباركة صفة للبقعة ومن الشجرة بدل من قوله من شاطىء الوادي بدل الاشتمال لأن الشجرة كانت نابتة على الشاطئ وقد تقدم نظيره في قوله : «لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم» أي أتاه النداء من شاطىء الوادي من قبل الشجرة.

(أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) أن مفسرة لأن النداء قول والتقدير أي يا موسى ، وأجاز أبو البقاء وغيره أن تكون مخففة من الثقيلة واسمها محذوف يفسره جملة النداء أي نودي بأنه أي الشأن ، وإني إن واسمها وهي مكسورة الهمزة باتفاق القراء لأن النداء قول وأنا ضمير فصل أو مبتدأ والله خبر إن أو خبر أنا والجملة خبر إن ورب العالمين نعت لله أو بدل منه. (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) الواو عاطفة وأن مفسرة معطوفة على سابقتها وألق فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وعصاك مفعول به ، فلما الفاء عاطفة على مقدر يقتضيه السياق أي فألقاها فصارت ثعبانا ورآها فعل وفاعل مستتر ومفعول به وجملة تهتز حالية وجملة كأنها جان حال من فاعل تهتز وكأن واسمها وجان خبرها وجملة ولى لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وفاعل ولى مستتر تقديره هو ومدبرا حال والواو عاطفة وجملة لم يعقب عطف على ولى أي ولم يرجع. (يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) أقبل فعل أمر

٣١٩

وفاعله مستتر تقديره أنت ولا تخف لا ناهية وتخف فعل مضارع مجزوم بلا وإن واسمها ومن الآمنين خبرها والجملة تعليل للأمر بالإقبال والنهي عن الخوف. (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) اسلك يدك فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به وفي جيبك متعلقان باسلك من سلك الشيء في الشيء أنفذه فيه ، وتخرج فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب والفاعل مستتر تقديره هي وبيضاء حال ومن غير سوء متعلقان ببيضاء وقد تقدم تعليل ذلك في سورة طه فجدد به عهدا. (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) قال الزمخشري :«فإن قلت ما معنى قوله واضمم إليك جناحك من الرهب؟ قلت : فيه معنيان أحدهما أن موسى عليه السلام لما قلب العصا حية فزع واضطرب فاتقاها بيده كما يفعل الخائف من الشيء فقيل له : إن اتقاءك بيدك فيه غضاضة عند الأعداء فإذا ألقيتها فكما تنقلب حية فأدخل يدك تحت عضدك مكان اتقاءك بها ثم أخرجها بيضاء ليحصل الأمران : اجتناب ما هو غضاضة عليك وإظهار معجزة أخرى. والمراد بالجناح اليد لأن يدي الإنسان بمنزلة جناحي الطائر وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضد يده اليسرى فقد ضم جناحه إليه ، والثاني أن يراد بضم جناحه اليه تجلده وضبطه نفسه وتشدّده عند انقلاب العصا حية حتى لا يضطرب ولا يرهب استعاره من فعل الطائر لأنه إذا خوّف نشر جناحيه وأرخاهما وإلا فجناحاه مضمومان إليه مشمران.

ومنه ما يحكى عن عمر بن عبد العزيز أن كاتبا له كان يكتب بين يديه فانفلت منه فلتة ريح ، فخجل وانكسر فقام وضرب بقلمه الأرض فقال له عمر خذ قلمك واضمم إليك جناحك وليفرخ روعك فإني ما سمعتها من أحد أكثر مما سمعتها من نفسي».

٣٢٠