إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٧

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٧

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٠

٢ ـ فعل بات :

قال في القاموس : «وبات يفعل كذا يبيت ويبات بيتا وبياتا ومبيتا وبيتوتة أي يفعله ليلا وليس من النوم» ومعنى قوله : «وليس من النوم» أي وليس الفعل من النوم فإذا نام ليلا لا يصح أن يقال بات ينام ، ومنه قول الشريف الرضي :

أتبيت ريان الجفون من الكرى

وأبيت منك بليلة الملسوع

ذكر ابن هشام في مغني اللبيب عن رجل كبير من الفقهاء أنه استشكل قول الشريف الرضي الآنف الذكر وقال كيف ضم التاء من تبيت وهي للمخاطب لا للمتكلم وفتحها من أبيت وهو للمتكلم؟ فبينت للحاكي أن الفعلين مضارعان وأن التاء فيهما لام الكلمة وان الخطاب في الأول مستفاد من الهمزة والأول مرفوع لحلوله محل الاسم والثاني منصوب بأن مضمرة بعد واو المصاحبة على حد قول الحطيئة :

ألم أك جاركم ويكون بيني

وبينكم المودة والإخاء

هذا ونعود إلى بيت الشريف فنقول : هو من أرق الشعر وأجمله وفيه استعارة تبعية حيث شبه امتلاء جفون المحبوب من النوم بالري وهو امتلاء الجوف بالماء المذهب للأوار بجامع حصول الراحة في كل منهما ، واستعير اسم المشبه به للمشبه ، واشتق من الري ريان بمعنى ممتلىء الجفون ، وفيه أيضا كناية وذلك أنه كنى بليلة الملسوع عن ليلة السهر لأن السهر والأرق من لوازم ذلك ، وفيه أيضا طباق بين النوم المستفاد من الصدر صريحا والسهر المستفاد من العجز كناية ، فقد استكمل البيت ثلاثة فنون من البيان فإذا أضفت إلى ذلك خروج

٤١

الاستفهام عن معناه الأصلي إلى البث والشكوى فقد استكمل أربعة فنون يضاف إليها خامس وهو فن حسن النسق وسلاسة الأسلوب.

وهو من أبيات نذكر منها الباقة التالية :

يا صاحب القلب الصحيح أما اشتفى

ألم الجوى من قلبي المصدوع

هيهات لا تتكلفنّ لي الهوى

فضح التطبع شيمة المطبوع

كم قد نصبت لك الحبائل طامعا

فنجوت بعد تعرض لوقوع

وتركتني ظمآن أشرب غلتي

أسفا على ذاك اللمي الممنوع

كم ليلة جرّ عته في طولها

غصص الملام ومؤلم التقريع

أبكي ويبسم والدجى ما بيننا

حتى أضاء بثغره ودموعي

قمر إذا استعجلته بعتابه

لبس الغروب ولم يعد لطلوع

٤٢

لو حيث يستمع السرار وفقتما

لعجبتما من عزه وخ

ضوعي أهون علي إذا امتلأت من الكرى

أني أبيت بليلة الملسوع

وتكون بات تامة مكتفية بمرفوعها عن منصوبها إذا كانت بمعنى عرس وهو النزول آخر الليل نحو قول ابن عمر رضي الله عنه : «أما رسول الله فقد بات بمنى» أي عرس بها ، وقال امرؤ القيس بن عانس بالنون وهو غير امرؤ القيس بن حجر الكندي :

وبات وباتت له ليلة

كليلة ذي العائر الأرمد

أي وعرس ، والعائر بالعين المهملة اسم فاعل من العور وهو القذى في العين تدمع له ، وقيل الرمد والأرمد صفة له ، وقالوا بات بالقوم أي نزل بهم ليلا.

(وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (٦٧) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (٦٨) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (٦٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٠) وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً (٧١))

٤٣

اللغة :

(يَقْتُرُوا) : في المختار «وقتر على عياله أي ضيق عليهم في النفقة وبابه ضرب ودخل وقتر تقتيرا وأقتر أيضا ثلاث لغات» وقد قرئ بفتح أوله وضمه.

(قَواماً) : بفتح القاف وكسرها وقد قرئ بهما والقوام بالفتح العدل بين الشيئين لاستقامة الطرفين ، ونظير القوام من الاستقامة السواء من الاستواء ، والقوام بالكسر : ما يقام به الشيء يقال أنت قوامنا بمعنى ما تقام به الحاجة لا يزيد عنها ولا ينقص.

(أَثاماً) : الأثام كالوبال والنكال وزنا ومعنى : جزاء الإثم الذي هو الذنب نفسه ، قال :

جزى الله ابن عروة حيث أمسى

عقوقا والعقوق له أثام

وفي المختار : «أثمه الله في كذا بالقصر يأثمه بضم الثاء وكسرها أثاما عده عليه إثما فهو مأثوم ، وقال الفراء : أثمه الله يأثمه اثما وأثاما جازاه جزاء الإثم فهو مأثوم أي مجزي جزاء إثمه».

الاعراب :

(وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) والذين عطف على ما تقدم وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة أنفقوا في محل جر بإضافة الظرف إليها وجملة لم يسرفوا ولم يقتروا لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم والواو عاطفة أو حالية وكان فعل ماض ناقص واسمها ضمير مستتر أي وكان الانفاق ، وبين

٤٤

ظرف متعلق بمحذوف حال لأنه كان صفة لقواما وذلك مضاف إليه وقواما خبر كان. قال الزمخشري : «والمنصوبان أعني بين ذلك قواما جائز أن يكونا خبرين معا ، وأن يجعل بين ذلك لغوا وقواما مستقرا ، وان يكون الظرف خبرا وقواما حالا مؤكدة». (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) والذين عطف على ما تقدم أيضا وجملة لا يدعون صلة ومع الله متعلق بيدعون وإله مفعول به وآخر صفة. (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ) ولا يقتلون عطف على ولا يدعون والنفس مفعول به والتي صفة وجملة حرم الله صلة وإلا أداة حصر وبالحق متعلقان بيقتلون أو بمحذوف حال فالاستثناء من أعم الأحوال أي إلا مستحقين ، ولا يزنون معطوفة. (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً) الواو عاطفة ومن اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ ويفعل فعل الشرط وفاعله ضمير مستتر تقديره هو يعود على من وذلك مفعول به ويلق جواب الشرط وفاعله ضمير مستتر تقديره هو وأثاما مفعول به ويضاعف بدل من يلق لأنهما في معنى واحد وسيأتي في باب الفوائد بحث إبدال الفعل من الفعل لأن مضاعفة العذاب لقي الآثام ، وله متعلقان بيضاعف والعذاب نائب فاعل ويوم القيامة ظرف متعلق بيضاعف أيضا ويخلد عطف على يضاعف وفيه متعلقان بيخلد ومهانا حال من فاعل يخلد.

(إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) إلا أداة استثناء ومن استثناء من الجنس في موضع نصب وجملة تاب صلة وآمن عطف على تاب وكذلك عمل وعملا مفعول مطلق أو مفعول به وصالحا صفة. (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفاء رابطة لما في الموصول من رائحة الشرط وأولئك مبتدأ والإشارة الى الموصول وهو من ، والجمع باعتبار معناها ، وجملة يبدل خبر أولئك والله فاعل وسيئاتهم

٤٥

مفعول ، وحسنات مفعول ثان ليبدل أو نصب على نزع الخافض وكان الواو استئنافية وكان واسمها وغفورا خبرها الأول ورحيما خبرها الثاني. (وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً) الواو عاطفة أو استئنافية ومن اسم شرط جازم مبتدأ وتاب فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وعمل عطف على تاب وصالحا صفة لمفعول مطلق أو لمفعول به محذوف أي عملا صالحا ، فإنه الفاء رابطة للجواب لأنه جملة اسمية وان واسمها وجملة يتوب خبر والى الله جار ومجرور متعلقان بيتوب ومتابا مفعول مطلق لأنه مصدر ميمي.

الفوائد :

إبدال الفعل من الفعل :

يبدل كل من الاسم والفعل والجملة من مثله وينطبق عليه أحكام البدل فيكون بدل كل من كل أو بدلا مطابقا كقوله تعالى «ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف» فيضاعف بدل من يلق بدل كل من كل أو بدلا مطابقا ، قال الخليل لأن مضاعفة العذاب هي لقي الآثام ، وبدل البعض نحو : إن تصل تسجد لله يرحمك ، فتسجد بدل من تصل بدل بعض من كل ، وبدل الاشتمال كقوله :

إن عليّ الله أن تبايعا

تؤخذ كرها أو تجيء طائعا

لأن الأخذ كرها والمجيء طائعا من صفات المبايعة والله منصوب على نزع الخافض أي والله ، وأن تبايعا اسم إن والألف في تبايعا للإطلاق وهو من بايع أي عاهد وعلي متعلق بالخبر وتؤخذ وما عطف

٤٦

عليه بدل اشتمال من حيث المعنى ، أما ابدال الجملة فيطرد في البدل المطابق نحو قعدت جلست في دار زيد.

وفي بدل البعض من الكل كقوله تعالى : «أمدكم بما تعلمون :أمدكم بأنعام وبنين» فجملة أمدكم الثانية أخص من الأولى باعتبار متعلقيهما فتكون داخلة في الأولى لأن «ما تعلمون» تشمل الأنعام وغيرها ، وبدل الاشتمال كقوله :

أقول له ارحل لا تقيمنّ عندنا

وإلا فكن في السر والجهر مسلما

ف «لا تقيمن عندنا» بدل اشتمال من «ارحل» لما بينهما من المناسبة اللزومية وليس توكيدا له لاختلاف لفظيهما ولا بدل بعض لعدم دخوله في الأول ولا بدل كل من كل لعدم الاعتداد به كما تقدم.

وقد تبدل الجملة من المفرد بدل كل كقول الفرزدق :

إلى الله أشكو بالمدينة حاجة

وبالشام أخرى كيف يلتقيان

فقد أبدل جملة كيف يلتقيان من حاجة وأخرى وهما مفردان ، أما ابدال المفرد من الجملة فقد صرح أبو حيان في البحر بأن المفرد يبدل من الجملة كقوله تعالى «ولم يجعل له عوجا قيما» فقيما بدل من جملة لم يجعل له عوجا لأنها في معنى المفرد أي جعله مستقيما.

(وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (٧٢) وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (٧٣) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا

٤٧

هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (٧٤) أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (٧٥) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٧٦) قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (٧٧))

الاعراب :

(وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) والذين عطف على الموصولات السابقة وجملة لا يشهدون صلة ، والزور : إن كانت يشهدون بمعنى الشهادة المعلومة فيكون الزور منصوبا بنزع الخافض أي بالزور وإن كانت يشهدون بمعنى يحضرون فيكون الزور مفعولا به ، وإذا الواو عاطفة وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة مروا مجرورة بإضافة الظرف إليها ومروا فعل وفاعل وباللغو متعلقان بمروا وجملة مروا الثانية لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وكراما حال أي ربئوا بأنفسهم عن الوقوف عليه والاسهام فيه. (وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) جملة لم يخروا لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وعليها متعلقان بيخروا وسيأتي معنى هذا النفي في باب البلاغة وصما حال وعميانا حال ثانية. (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) عطف على ما تقدم وربنا منادى مضاف محذوف منه حرف النداء وهب فعل أمر فيه معنى الدعاء ولنا متعلقان

٤٨

بهب ومن أزواجنا حال وسيأتي بحث هذا التجريد في باب البلاغة وقرة أعين مفعول هب وتقدم أن قرة العين سرورها والمراد به ما يحصل به السرور وسيأتي سر تقليل الأعين في باب البلاغة ، واجعلنا فعل أمر متضمن معنى الدعاء وفاعله مستتر ومفعول أول وللمتقين حال لأنه كان في الأصل صفة لإماما وإماما مفعول به ثان وفيه أربعة أوجه :

١ ـ انه مصدر مثل قيام وصيام فلم يجمع لذلك والتقدير ذوي امام.

٢ ـ انه جمع إمامة مثل قلادة وقلاد.

٣ ـ هو جمع آم من أم يؤمّ.

٤ ـ انه واحد اكتفى به عن أئمة كما قال تعالى «نخرجكم طفلا».

(أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً) الجملة حالية من المتقين أو خبر عباد الرحمن على أحد القولين وأولئك مبتدأ وجملة يجزون الغرفة خبره والغرفة مفعول به ثان ليجزون والواو نائب فاعل وهو المفعول الأول ، وبما متعلقان بيجزون وما مصدرية والباء للسببية أي بسبب صبرهم على المشاق في الطاعات والابتعاد عن الشهوات ومكابدة المجاهدات ويلقون عطف على يجزون وفيها حال وتحية مفعول به ثان ليلقون لأنه مبني للمجهول والواو نائب فاعل وسلاما عطف على تحية. (خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) خالدين حال وفيها متعلقان بخالدين وحسنت فعل ماض والفاعل مستتر يعود على الغرفة ومستقرا تمييز ومقاما عطف على مستقرا وجملة حسنت

٤٩

حال ثانية من الغرفة. (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) ما اسم استفهام في محل نصب مفعول مطلق ويعبأ فعل مضارع وبكم متعلقان بيعبأ وربي فاعل أي انه يكترث بكم ويعبأ بكم ويعلي ذكركم لأجل عبادتكم ولولا عبادتكم لم تكونوا شيئا يؤبه له ، ويجوز أن تكون ما نافية ولولا حرف امتناع لوجود ودعاؤكم مبتدأ محذوف الخبر وجوبا وجواب لولا محذوف كما قدرناه سابقا ودعاؤكم مصدر أضيف لفاعله والمفعول محذوف أي إياه. (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) الفاء الفصيحة أي إني إذا أعلمتكم أني لا أعتد بكم ولا أقيم لكم وزنا إلا لأجل عبادتكم فقد خالفتم بتكذيبكم حكمي فسوف تتحملون مسؤولية تكذيبكم. ويكون فعل مضارع ناقص واسمها هو أي التكذيب ولزاما خبرها وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل أي ملازما لكم.

البلاغة :

١ ـ النفي والإثبات :

في قوله تعالى «لم يخرّوا عليها صما وعميانا» نفي واثبات ، فقد أثبت الخرور لأنهم طالما خروا ساجدين خاشعين في هدوء الليل ووسط الدجى ولكنهم إن خروا ساجدين سلمت لهم أبصارهم وآذانهم فلم يبصروا إلا مرائي الهيبة وتعاجيب الألوهية وأنوار السنا الساطعة ، ولم يسمعوا إلا الآيات تتردد في آذانهم وتهجس في مخيلاتهم فإذا الورى آي وعبر ، وإذا الحوبة لا عين ولا أثر ، تقول ما يلقاني زيد ماشيا إنما هو نفي للمشي لا للقاء وعبارة ابن قتيبة : «المعنى لم يتغافلوا عنها كأنهم صم لم يسمعوها وعمي لم يبصروها».

٥٠

٢ ـ التقريع للكافرين :

وفيها أيضا تنديد وتقريع للكافرين لأنهم صم بكم عمي لا ينتفعون بما يقرءون ، ولا يعتبرون بما يشاهدون ، ولا يتجاوز آذانهم ما يسمعون

٣ ـ التنكير والتقليل :

وفي قوله تعالى «قرة أعين» نكتتان الأولى التنكير ، وإنما جنح إليه لأجل تنكير القرة ، والمضاف لا يمكن تنكيره إلا بتنكير المضاف إليه ليكون السرور غير متناه ولا محدود ، وإنما قلل الأعين أي جمع جمع القلة لأن أعين المتقين قلة بالإضافة الى غيرهم ، يدل على ذلك قوله «وقليل من عبادي الشكور» وهناك وجه آخر لعله أبلغ مما تقدم وهو أن المحكي كلام كل أحد من المتقين فكأنه قال : يقول كل واحد من المتقين اجعل لنا من ذرياتنا قرة أعين ، فإن المتقين وإن كانوا بالإضافة إلى غيرهم قليلا إلا أنهم في أنفسهم على كثرة من العدد ، والمعتبر في إطلاق جمع القلة أن يكون المجموع قليلا في نفسه لا بالنسبة والإضافة.

٥١

سورة الشّعراء

مكيّة وآياتها سبع وعشرون ومائتان

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩))

اللغة :

(باخِعٌ) : تقدم تفسير هذه الكلمة ، والبخع أن يبلغ بالذبح البخاع بالباء وهو عرق مستبطن الفقار وذلك أقصى حد للذابح ، وفي المصباح : «وبخع نفسه بخعا من باب نفع قتلها من وجد أو غيظ وبخع لي بالحق بخوعا انقاد وبذله».

٥٢

الاعراب :

(طسم ، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) طسم تقدم إعرابها والحديث عن فواتح السور ، وتلك مبتدأ وآيات الكتاب خبر والمبين صفة لكتاب.

(لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) لعل للاشفاق أي فالترجي هنا بمعنى الأمر أي ارحم نفسك وارفق بها ، والكاف اسمها وباخع خبرها ونفسك مفعول به لباخع وأن وما في حيزها مفعول لأجله أي خيفة أن لا يؤمنوا أو لامتناع إيمانهم ، ومؤمنين خبر يكونوا.

(إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) كلام مستأنف مسوق لتعليل الأمر بإشفاقه على نفسه من الاسترسال في التحسّر والغم على عدم إيمانهم ، وان شرطية ونشأ فعل الشرط وفاعله مستتر تقديره نحن ومفعول المشيئة محذوف لأنه مضمون الجواب أي إيمانهم وننزل جواب الشرط وعليهم متعلقان بننزل ومن السماء حال لأنه كان في الأصل صفة لآية والفاء حرف عطف وظلت فعل ماض ناقص معطوف على ننزل فهو مجزوم محلا ويجوز أن تكون الفاء استئنافية وظلت بمعنى المضارع أي تظل تدوم ، وإليه جنح الجلال فيكون قد فسره بالمرفوع ، وأعناقهم اسم ظلت ولها متعلقين بخاضعين وخاضعين خبر ظلت ، وسيأتي سر المخالفة في العطف وسر مجيء خاضعين خبرا عن الأعناق في باب البلاغة. (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) الواو عاطفة وما نافية ويأتيهم فعل مضارع ومفعول به ومن حرف جر زائد وذكر مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه فاعل يأتيهم ومن الرحمن صفة لذكر ومحدث صفة ثانية أي تجدد انزاله وفق مقتضيات الأحوال وإلا أداة حصر وجملة كانوا

٥٣

استثناء من أعم الأحوال فهي حالية وكان واسمها وعنه متعلقان بمعرضين ومعرضين خبر كانوا. (فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) الفاء الفصيحة كأنه قيل إذا شئت أن تعرف ماذا كان موقفهم من الذكر حين أعرضوا عنه وصدفوا عن التأمل فيه فقد كذبوا.

وقد حرف تحقيق وكذبوا فعل ماض وفاعل فسيأتيهم عطف على ما تقدم للوعيد والتهديد ويأتيهم فعل مضارع ومفعول به وأنباء فاعل وما مضاف إليه وجملة كانوا صلة والواو اسم كان وبه متعلقان بيستهزئون وجملة يستهزئون خبر كانوا. (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) الهمزة للاستفهام الانكاري والواو عاطفة على مقدر وقد تقدم مثل هذا التعبير كثيرا ولم حرف نفي وقلب وجزم ويروا فعل مضارع مجزوم بلم والواو فاعل والرؤية هنا بصرية ولذلك تعدت بإلى والى الأرض متعلقان بيروا وكم خبرية في محل نصب مفعول أنبتنا وأنبتنا فعل ماض وفاعل ومن كل زوج تمييز كم الخبرية ويجوز أن يكون حالا كما ذكر أبو البقاء وكريم صفة لزوج ، وأراد بالزوج الصنف من النبات والنوع وسيأتي مزيد بحث عنه في باب البلاغة.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) إن حرف مشبه بالفعل وفي ذلك خبرها المقدم واللام المزحلقة وآية اسم إن وما الواو حالية وما نافية وكان أكثرهم مؤمنين كان واسمها وخبرها أي سبق ذلك في علم الله ، وقال سيبويه كان زائدة وسيأتي مزيد من هذا البحث في باب الفوائد. (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) الواو استئنافية وان واسمها واللام المزحلقة وهو ضمير فصل أو مبتدأ والعزيز خبر إن أو خبر هو والجملة خبر إن والرحيم خبر ثان.

٥٤

البلاغة :

انطوت هذه الآيات على الكثير من فنون البلاغة ندرجها فيما يلي :

١ ـ المخالفة في العطف :

فقد خالف في العطف ، فعطف «فظلت» على «ننزل» ولو قيل أنزلنا لكان صحيحا ولعله كان مما يقتضيه السياق ولكنه خولف لأن في عطف الماضي على المستقبل إشعارا بتحقيقه وأنه كائن لا محالة ، لأن الفعل الماضي يدل على وجود الفعل وكونه مقطوعا ، وله في القرآن نظائر سترد في مواضعها.

٢ ـ المجاز العقلي :

المجاز العقلي في إسناد الخضوع للأعناق ، فقد يقال كيف صح مجيء خاضعين خبرا عن الأعناق والخضوع من خصائص العقلاء ، وقد كان أصل الكلام «فظلوا لها خاضعين» والسر في ذلك انه لما وصفت بالخضوع الذي هو للعقلاء قيل خاضعين كما تقدم في قوله «لي ساجدين» وهناك أقوال أخرى أوصلها علماء البيان إلى سبعة نلخصها فيما يلي :

آ ـ المراد الرؤساء كما قيل لهم وجوه وصدور.

ب ـ انه على حذف مضاف أي فظل أصحاب الأعناق ، ثم حذف وبقي الخبر على ما كان عليه قبل الحذف مراعاة للمحذوف.

ج ـ انه لما أضيف الى العقلاء اكتسب منهم هذا الحكم كما يكتسب التأنيث بالاضافة.

٥٥

د ـ ان الأعناق جمع عنق من الناس وهم الجماعة يقال جاءنا عنق من الناس أي فوج وليس المراد الجارحة المعلومة.

ه ـ إقحام الأعناق لبيان موضع الخضوع وترك الكلام على أصله.

وـ ما ذكره من أنها عوملت معاملة العقلاء لما أسند إليها ما يكون عادة من أفعال العقلاء على طريق المجاز العقلي.

ز ـ انه لما أضاف الأعناق إلى المذكر وكانت الأعناق متصلة بهم في الخلقة والتكوين أجري عليها حكمهم.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت هذه الآية فينا وفي بني أمية ، قال : ستكون لنا عليهم الدولة فتذل لنا أعناقهم بعد صعوبة ويلحقهم هو ان بعد عزة.

٣ ـ التتميم :

بقوله «أولم يروا الى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم» فقد كان يكفي أن يقال كم أنبتنا فيها من زوج كريم وما معنى الجمع بين كم وكل والجواب أن كلّا إنما دخلت للإحاطة بأزواج النبات وكم دلت على أن هذا المحاط مفرط بالكثرة ، وبذلك تنبيه على تمام القدرة وكمالها ، وهذا هو مقتضى التتميم الذي تقدمت الاشارة إليه ، وتعريفه : أن تأتي في الكلام كلمة إذا طرحت من الكلام نقص معناه في ذاته أو في صفاته ولفظه تام كما أن المقصود هنا في الآية آحاد الأزواج ويدل عليه أنه لو أسقطت «كل» فقلت : انظروا الى الأرض كم أنبت الله فيها

٥٦

من الصنف الفلاني لكنت مكنيا عن آحاد ذلك الصنف المشار اليه ، فإذا أدخلت كلّا فقد أديت بتكريره آحاد كل صنف لا آحاد صنف معين.

٤ ـ التتميم أيضا :

وتمم كذلك بوصفه الزوج بالكريم وذلك لأمرين :

آ ـ ان النبات ـ كما هو معلوم ـ نوعان نافع وضار فدل بكلمة كريم أنه يقصد النوع النافع فذكر كثرة من أنبت في الأرض من جميع أصناف النبات النافع وخلى ذكر الضار.

ب ـ أنه يقصد كلا النوعين النافع والضار ويصفهما جميعا بالكرم تنبيها على أنه ما خلق شيئا إلا لفائدة وربما خفيت عليكم أسرارها وصعب عليكم اكتناهها ولكنه تعالى عالم بما تجهلون.

(وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤) قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧))

٥٧

الاعراب :

(وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى : أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) كلام مستأنف مسوق للشروع في سرد سبع قصص هي على التوالي : قصة موسى وقصة ابراهيم وقصة نوح وقصة هود وقصة صالح وقصة لوط وقصة شعيب. والظرف متعلق بمحذوف تقديره اذكر يا محمد لقومك عساهم يتعظون بها ويعتبرون بما آل اليه مصير أولئك الأقوام الذين جنحوا الى المكابرة والتعنت ولجئوا الى اللجاج والسفسطة التي لا طائل تحتها ، وجملة نادى في محل جر بإضافة الظرف إليها وربك فاعل نادى وموسى مفعول به وأن ائت يجوز في «أن» أن تكون مفسرة وأن تكون مصدرية وهي مع مدخولها في موضع نصب بنزع الخافض وائت فعل أمر مبني على حذف حرف العلة والفاعل مستتر تقديره أنت والقوم مفعول به والظالمين صفة. (قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ) قوم فرعون بدل من القوم الظالمين أو عطف بيان ولعله أولى لأنهما عبارتان تعتقبان على مدلول واحد ، ولما كان القوم الظالمين يوهم الاشتراك أتى عطف البيان بإزالته ، والهمزة للاستفهام الانكاري ولا نافية ويتقون فعل مضارع مرفوع والواو فاعل والجملة استئنافية والمقصود منها التعجب أي تعجب من عدم تقواهم ، ولا بد من تقدير معنى التعجب لأن الاستفهام الإنكاري معناه النفي ولا نافية ودخول النفي على النفي اثبات فيئول المعنى الى أنهم اتقوا الله وذلك فاسد ، ويحتمل أن تكون الجملة حالية من الضمير الذي تحمله اسم الفاعل وهو الظالمون أي يظلمون غير متقين ، واختار بعض المعربين أن تكون ألا للعرض وآخرون اختاروا أنها للتنبيه. (قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) رب منادى مضاف حذف منه حرف النداء وإني إن واسمها وجملة أخاف خبرها وأن وما في

٥٨

حيزها مفعول أخاف وحذفت ياء المتكلم من يكذبوني لمراعاة الفواصل (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) الواو عاطفة ويضيق معطوف على خبر إن أي على أخاف فهو مرفوع مثله ويجوز عطفه على يكذبون فهو منصوب مثله وقد قرئ به والفرق بين المعنيين أن الرفع يفيد فيه ثلاث علل أو معاذير وهي : خوف التكذيب ، وضيق الصدر ، وامتناع انطلاق اللسان ، وأما الرفع فيفيد أن خوفه متعلق بهذه الثلاثة ، وصدري فاعل ولا ينطلق لساني عطف على ما قبله لحبسة في لسانه ، فأرسل الفاء الفصيحة وأرسل فعل أمر معناه الالتماس والى هارون متعلقان بأرسل وليس مراد موسى الامتناع من أداء الرسالة أو التلكؤ فيها بل أراد أن يظهر عجزه عن الاضطلاع بهذا العبء الخطير وطلب المعونة من ربه بأن يعضده بأخيه حتى يتساندا ويتضافرا على تنفيذ الأمر وتبليغ الرسالة. (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) عطف على ما تقدم ولهم خبر مقدم وعلي حال وذنب مبتدأ مؤخر وهو قتله القبطي الذي قيل إنه كان خباز فرعون ، والمعنى لهم علي تبعة ذنب وهي قود ذلك القتيل فأخاف أن يقتلوني به فحذف المضاف أو سمى تبعة الذنب ذنبا كما سمى جزاء السيئة سيئة. (قالَ : كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) كلا حرف ردع نابت عن الفعل وهو ارتدع يا موسى ولذلك عطف عليها بالفاء من قوله فاذهبا ، واذهبا فعل أمر وألف الاثنين فاعل وبآياتنا متعلقان باذهبا وجملة إنا معكم مستمعون تعليلية للأمر وإن واسمها ومستمعون خبرها والظرف متعلق بمحذوف حال أو خبر ثان أو بمستمعون نفسها ومفعول مستمعون محذوف أي ما يدور بينكما وبين فرعون وقومه ، وفي هذا الكلام مجاز سيأتي ذكره في باب البلاغة. (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) الفاء عاطفة وأتيا فرعون فعل أمر وفاعل ومفعول به فقولا عطف ، وإنا

٥٩

ان واسمها أي إن كلا منا ، ليطابق اسم ان خبرها ورسول خبرها ورب العالمين مضاف إليه وسيأتي في باب الفوائد مزيد من هذا التطابق.

(أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) الأرجح أن تكون أن هنا مصدرية لأنها مسبوقة بجملة فيها معنى القول وحروفه والمصدر المؤول في محل نصب بنزع الخافض ، وأصر الزمخشري على أنها تفسيرية بمعنى أي وجعلها غير مسبوقة بقوله فقولا بل بما تضمنه لفظ الرسول من معنى الإرسال ، تقول أرسلت إليك أن أفعل كذا لما في الإرسال من معنى القول كما في المناداة والكتابة ونحوهما ، والظرف متعلق بأرسل وبني إسرائيل مفعول به.

البلاغة :

في قوله تعالى «إنا معكم مستمعون» مجاز معناه : إنا معكم نستمع ما يجري بينكم وبينه وأنا الناصر لكما عليه ، فالاستماع قرينة للكلام المجازي لأن من سمع محاورة خصمين كان مستطيعا الحكم بينهما ومشايعة أيهما رآه أقرب الى الحق وأدنى من الصواب ، فإذا اعترض معترض بأن الله تعالى مستمع حقيقة وسامع ولا يجوز اجراء المجاز عليه تعالى قلنا إن الاستماع يقتضي الإصغاء بالأذن كما الإبصار يتطلب تقليب الحدقتين من العين ، وكل ذلك من خواص المحدثين.

الفوائد :

يجوز أن يكون الرسول بمعنى الرسالة فجازت التسوية فيه إذ وصف به بين الواحد والتثنية والجمع ، كما يفعل بالصفة بالمصادر نحو صوم وزور قال أبو ذؤيب :

٦٠