إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٧

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٧

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٠

سليمان الى بلقيس ملكة سبأ ، بسم الله الرحمن الرحيم السلام على من اتبع الهدى أما بعد فلا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين ثم ختمه بخاتمه ، ثم قال للهدهد : اذهب ، فالجملة مقول قول محذوف ، واذهب فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وبكتابي متعلقان باذهب وهذا نعت لكتابي أو بدل منه ، فألقه الفاء عاطفة وألقه فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به وأنهم متعلقان بألفه ثم حرف عطف وتول فعل أمر على حذف حرف العلة والفاعل مستتر تقديره أنت وعنهم متعلقان بمحذوف حال أي متجاوزا إياهم الى مكان قريب تتوارى فيه ليكون ما يقولونه بمسمع منك ، فانظر عطف على تول ، وماذا يرجعون : في هذا التعبير وجهان :

أولهما : أن تكون انظر بمعنى تأمل وتفكر فتكون ماذا اسم استفهام في محل نصب مفعول مقدم ليرجعون تقديره أي شيء يرجعون ، أو تجعل ما اسم استفهام مبتدأ وذا اسم موصول بمعنى الذي خبر ما وجملة يرجعون صلة ذا والعائد محذوف تقديره أي شيء الذي يرجعونه ، وعلى كلا التقديرين فالجملة الاستفهامية قد علق عنها العامل وهو انظر بالاستفهام فمحلها النصب على نزع الخافض أي انظر في كذا وفكر فيه.

وثانيهما : أن تكون انظر بمعنى انتظر من قوله تعالى : «انظرونا نقتبس من نوركم» فتكون ماذا كلها اسم موصول وهو أحد أوجه ماذا التي ستأتي في باب الفوائد وهي مفعول به أي انتظر الذي يرجعونه وجملة يرجعون صلة والعائد محذوف كما تقدم والمعنى ماذا يردون من الجواب أو ماذا يرجع بعضهم الى بعض من القول.

٢٠١

(قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) لا بد من تقدير كلام محذوف روعي في حذفه الإيجاز وتقديره كما قال مقاتل : «حمل الهدهد الكتاب بمنقاره وطار حتى وقف على رأس المرأة وحولها الجنود والعساكر فرفرف ساعة والناس ينظرون فرفعت المرأة رأسها فألقى الكتاب في حجرها وسيأتي مزيد من الروايات في تقدير هذا المحذوف.

وإني إن واسمها وجملة ألقى خبرها وإليّ متعلقان بألقي وكتاب نائب فاعل وكريم صفة وسيأتي سر هذا الوصف في باب البلاغة.

(إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) الجملة مستأنفة مسوقة للرد على سؤال مقدر كأنهم قالوا ممن هو؟ وما هي منطوياته؟ فقالت أنه من سليمان وان واسمها ومن سليمان خبرها وانه الواو عاطفة وان واسمها وجملة البسملة خبرها وقد تقدم اعراب البسملة في صدر هذا الكتاب. (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) أن مفسرة والمفسر كتاب لتضمنه معنى القول دون حروفه ولا ناهية وتعلوا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل وعليّ متعلقان بتعلوا ويجوز أن تكون أن مصدرية ناصبة للفعل ولا نافية وأن وما في حيزها مصدر مؤول في محل رفع بدل من كتاب أو خبر لمبتدأ محذوف أي مضمونه أن لا تعلوا أو في محل نصب بنزع الخافض أي بأن لا تعلوا ، وأتوني الواو عاطفة وائتوني فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والنون للوقاية والياء مفعول به ومسلمين حال. (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) أفتوني فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والنون للوقاية

٢٠٢

والياء مفعول به وفي أمري متعلقان بأفتوني. (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) ما نافية وكنت قاطعة كان واسمها وخبرها وأمرا مفعول به وحتى حرف غاية وجر وتشهدون فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى وعلامة نصب حذف النون والنون الموجودة نون الوقاية وياء المتكلم المحذوفة مفعول به. (قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) جملة نحن مقول القول ونحن مبتدأ وأولو خبر وعلامة رفعه الواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وقوة مضاف اليه وأولو بأس شديد عطف على ما تقدم. (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) الواو حرف عطف والأمر مبتدأ وإليك خبر أي موكول إليك ونحن مطيعون لك ، فانظري الفاء الفصيحة لأنها أفصحت عن مقدر كأنما تصوروا أنها قد تكون راغبة في القتال أو أنهم راغبون فيه فإن أردت ذلك وعزمت على خوض الحرب فنحن أبناء بجدتها وانظري أي فكري وماذا اسم استفهام وقد تقدم اعرابها وستأتي وجوهها وهي هنا في محل نصب مفعول مقدم لتأمرين والاستفهام معلق للنظر.

البلاغة :

في هذه المحاورة التي جرت بين بلقيس وبين الملأ من قومها وفي الوصف لكتاب سليمان بعد ذكر العنوان والتسمية فنون عديدة نورد أهمها فيما يلي :

١ ـ الاشارة :

وهذا الفن سبقت إليه الاشارة في هذا الكتاب وقد فرعه قدامة

٢٠٣

من ائتلاف اللفظ مع المعنى وشرحه فقال : هو أن يكون اللفظ القليل دالا على المعنى الكثير حتى تكون دلالة اللفظ كالإشارة باليد فإنها تشير بحركة واحدة الى أشياء كثيرة ، والفرق بينه وبين الإيجاز أن الإيجاز بألفاظ المعنى الموضوعة له وألفاظ الإشارة لمحة خاطفة دالة ، فدلالة اللفظ بالإيجاز دلالة مطابقة ودلالة اللفظ في الاشارة إما دلالة تضمن أو دلالة التزام ، والدلالة هنا دلالة تضمن ، فقد وصفت كتاب سليمان بالكرم لأنه من عند ملك كريم أو لأنه مختوم ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : «كرم الكتاب ختمه» وعن ابن المقفع من كتب الى أخيه كتابا ولم يختمه فقد استخف به.

وروي أنها كانت راقدة وكانت إذا رقدت غلقت الأبواب ووضعت المفاتيح تحت رأسها فدخل الهدهد من كوة وطرح الكتاب على نحرها وهي مستلقية وقيل نقرها فانتبهت فزعة ، فلما رأت الخاتم ارتعدت وقالت لقومها ما قالت.

٢ ـ الإيجاز :

في قولهم : «قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين» إيجاز عجيب فهو أولا يدل على تعظيم المشورة وتعظيم بلقيس أمر المستشار ، وهو ثانيا يدل على تعظيمهم أمرها وطاعتها وفي قولهم «والأمر إليك» وقولهم «فانظري ماذا تأمرين» إيجاز يسكر الألباب ، قال أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني

٢٠٤

في كتابه إعجاز القرآن : «فإن الكلام قد يفسده الاختصار ويعميه التخفيف منه والإيجاز ، وهذا مما يزيده الاختصار بسطا لتمكنه ووقوعه موقعه ويتضمن الإيجاز منه تصرفا يتجاوز محله وموضعه» الى أن يقول : «وأنت لا تجد في جميع ما تلونا عليك إلا ما إذا بسط أفاد وإذا اختصر كمل في بابه وجاد وإذا سرح الحكيم في جوانبه طرف خاطره وبعث العليم في أطرافه عيون مباحثه لم يقع إلا على محاسن تتوالى وبدائع تترى».

الفوائد :

عقد ابن هشام في المغني فصلا لـ «ماذا» نلخصه فيما يلي ونعرب أمثلته :

تأتي ماذا في العربية على أوجه :

١ ـ أن تكون ما استفهامية وذا اشارة نحو ماذا التواني؟ ماذا الوقوف؟ فما اسم استفهام مبتدأ وذا خبر والتواني بدل أو عطف بيان أي : أي شيء هذا التواني؟

٢ ـ أن تكون ما استفهامية وذا موصولة كقول لبيد :

ألا تسألان المرء ماذا يحاول

أنحب فيقضي أم ضلال وباطل

فما اسم استفهام مبتدأ وذا اسم موصول خبره وجملة يحاول صلة والهمزة للاستفهام ونحب بدل من ما.

٢٠٥

٣ ـ أن يكون ماذا كله استفهاما على التركيب كقولك لما ذا جئت وقوله :

يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم

لا يستفقن الى الديرين تحنانا

فماذا اسم استفهام مركب مبتدأ وبال نسوتكم خبر.

٤ ـ أن يكون ماذا كله اسم جنس بمعنى شيء أو موصولا بمعنى الذي على خلاف تخريج قول الشاعر :

دعي ماذا علمت سأتقيه

ولكن بالمغيّب نبئيني

فالجمهور على أن ماذا كله مفعول دعي ثم اختلف فقيل موصول بمعنى الذي وقيل نكرة بمعنى شيء وهناك وجهان ذكرهما ابن هشام ولم نر حاجة إليهما لأنهما لا يقعان في فصيح الكلام.

(قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥) فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (٣٧))

٢٠٦

الاعراب :

(قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها) كلام مستأنف مسوق للرد على مستشاريها أي لم ترض بما أشاروا به وهو خوض الحرب بل مالت للسلام وعقد الصلح وعللت ذلك بقولها إن الملوك ... وكأنها تلمع لهم بسوء مغبة الحرب وعواقبها المخيفة وآثارها الكثيرة.

فإن واسمها وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة دخلوا في محل جر بإضافة الظرف إليها وقرية مفعول به على السعة وجملة أفسدوها جواب شرط غير جازم لا محل لها وجملة الشرط وجوابه خبر ان. (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) الواو عاطفة وجعلوا فعل وفاعل وأعزة أهلها مفعول جعلوا الأول وأذلة مفعول جعلوا الثاني وكذلك الواو عاطفة لأن ذلك من جملة كلامها وكذلك نعت لمصدر محذوف تقدمت له نظائر ، أرادت هذه عاداتهم المستمرة وديدنهم الثابت. (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) ان واسمها ومرسلة خبرها وإليهم متعلقان بمرسلة وبهدية متعلقان بمرسلة أيضا فناظرة عطف على مرسلة وبم الباء حرف جر وما الاستفهامية المحذوف ألفها في محل جر بالباء والجار والمجرور بيرجع ولا يجوز تعلقها بناظرة كما أعربها الحوفي لأن الاستفهام له الصدر ، فلا يعمل ما قبله فيه وإلا خرج عما ثبت له ، وللمفسرين كلام طويل في هذه الهدية لا يحتمل ذكرها صدر هذا الكتاب ، ويرجع المرسلون فعل وفاعل والجملة مفعول به لناظرة.

٢٠٧

(فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ : أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) الفاء عاطفة على محذوف لا بد من تقديره فأعدت الهدية مع رسول بكتاب وسيأتي مزيد بحث عنها في باب البلاغة. ولما ظرفية حينية أو رابطة متضمنة معنى الشرط وجاء سليمان فعل ماض والفاعل مستتر تقديره هو أي الرسول وسليمان مفعول به وجملة قال لا محل لها والهمزة للاستفهام

الانكاري التوبيخي وتمدونن فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون والواو فاعل والنون للوقاية والياء المحذوفة مفعول به وبمال متعلقان بتمدونن أي تعاونونني بالمال. (فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) الفاء حرف تعليل لما تقدم من إنكاره عليهم وتوبيخه إياهم وما اسم موصول مبتدأ وجملة آتاني صلة وآتاني الله فعل ماض ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر وخير خبر ما وبل حرف إضراب انتقالي لبيان السبب الذي حداهم الى إمداده بالمال وأنتم مبتدأ وبهديتكم متعلقان بتفرحون وجملة تفرحون خبر. (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) الخطاب لأمير الوفد وارجع فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وإليهم متعلقان بارجع وقيل الخطاب للهدهد محملا إياه رسالة أخرى والفاء استئنافية واللام موطئة للقسم ونأتينهم فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والفاعل مستتر تقديره نحن والهاء مفعول به والميم علامة جمع الذكور وبجنود متعلقان بنأتينهم ولا نافية للجنس وقبل اسمها المبني ولهم خبر وبها متعلقان بقبل لتضمنه معنى المصدر لأن حقيقته المقابلة والمقاومة ، يقال : مالي به قبل أي طاقة ويقال لي قبل فلان دين أي عنده ، وأتاني من قبله أي من

٢٠٨

عنده ، فتكون بمعنى المصدر وبمعنى الظرف. (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) ولنخرجنهم عطف على فلنأتينهم ومنها متعلقان بنخرجنهم والضمير يعود الى سبأ أي بلادهم وأذلة حال وهم الواو حالية وهم مبتدأ وصاغرون خبر والجملة حال ثانية من الهاء في لنخرجنهم.

البلاغة :

الإيجاز :

في هذه الآيات إيجاز بليغ يحسن بنا أن تتدبره لأن المدار فيه على المعاني دون الألفاظ فرب لفظ قليل ينطوي على معنى كثير وقد تقدم معنا أن الإيجاز قسمان أحدهما إيجاز بالحذف وهو ما يحذف منه المفرد وإيجاز بالقصر ، وفي هذه الآيات إيجاز بالحذف وهو قوله «بم يرجع المرسلون» ثم قوله «فلما جاء سليمان» فقد حذف هنا ما لو أظهر لظهر الكلام غثا لا يناسب ما كان عليه أولا من الطلاوة والحسن ، لأن الخاطر قد يذهب كل مذهب ، وقد يترك العنان للخيال ليجول في آفاق لا نهاية لها ليتصور الهدية التي أعدتها مما يتولى الشرح إظهاره. فقد روي أن بلقيس كانت امرأة عاقلة لبيبة قد ساست الأمور ، وسبرت أغوار الناس وكانت تعرف أن سليمان لو كان نبيا لترفع عن أخذ الهدية ولو كان ملكا لأخذها ، فأحبت أن تتأكد من هذه المسألة ، وروي أيضا أنها بعثت خمسمائة غلام عليهم ثياب الجواري وحليهن الأساور والأطواق والقرطة راكبي خيل مغشاة بالديباج ومحلاة اللجم والسروج بالذهب المرصع بالجواهر وخمسمائة جارية على رماك أي إناث الخيل في زي الغلمان وألف لبنة من ذهب وفضة وتاجا مكللا

٢٠٩

بالدر والياقوت المرتفع والمسك والعنبر وحقا فيه درة عذراء وجزعة معوجة الثقب وبعثت رجلين من أشراف قومها وهما المنذر بن عمرو وآخر ذا عقل ورأي ثم قالت للمنذر : إن نظر إليك نظر غضبان فهو ملك فلا يهولنّك أمره وان رأيته بشا لطيفا فهو نبي ، فأقبل الهدهد فأخبر سليمان بما تم فأمر سليمان الجن فضربوا لبن الذهب والفضة وفرشوه في ميدان بين يديه طوله سبعة فراسخ وجعلوا حول الميدان حائطا شرفه من الذهب والفضة وأمر بأحسن الدواب فربطوها عن يمين الميدان ويساره وأمر أولاد الجن وهم خلق كثير فاصطفوا فراسخ عن يمينه وشماله فلما دنا القوم ونظروا بهتوا ثم رد الهدية وقال للمنذر ارجع إليهم ، فقالت هو نبي وما لنا به من طاقة وتجهزت الى المسير الى سليمان لتنظر ما يأمرها به فارتحلت في اثنى عشر ألف قيل أي ملك وهو بفتح القاف سمي قيلا لأنه ينفد كل ما يقول ، الى أن قربت منه على فرسخ فشعر بها.

هذا والهدية اسم المهدى كما أن العطية اسم المعطى فتضاف الى المهدي والمهدى اليه ، تقول هذه هدية فلان تريد هي التي أهداها أو أهديت اليه والمضاف اليه في قوله «بل أنتم بهديتكم» هو المهدى اليه.

(قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا

٢١٠

آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠) قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤))

اللغة :

(عِفْرِيتٌ) : العفريت : الخبيث المنكر والنافذ في الأمر مع دهاء وذلك من الانس والجن والشياطين وجمعه عفاريت ومؤنثه عفريتة والعفرية مثله وقد قرئ به ويقال رجل عفرية وعفر وعفير إذا كان صحيحا شديدا مونق الخلق أخذ من عفر الأرض وهو التراب أي من علق به من عفره بالأرض ، ومنه ليث عفرين أي ليث ليوث معفر لفريسته ، قال الخليل ، رجل عفار بين العفارة إذا وصف بالشيطنة ،

٢١١

والعفير أيضا الظريف الكيس ، ويقال للشيطان عفريت وعفرية وفي الحديث «إن الله ليبغض العفريت النفريت» قيل هو الجموع المنوع وقال أبو عثمان النهدي دخل رجل عظيم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : متى عهدك بالحمى قال : ما أعرفها قال فبالصداع قال :ما أدري ما هو قال : أفأصبت بمالك قال لا قال : أفرزئت بولدك قال لا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان الله ليبغض العفريت النفريت وهو الذي لا يرزأ.

(الصَّرْحَ) : قال في الكشاف : الصرح : «القصر وقيل صحن الدار» وأصله من التصريح وهو الكشف ، وكذب صراح أي ظاهر مكشوف ، ولؤم صراح ، ولبن صريح أي ذهبت رغوته وخلص ، وعربي صريح من عرب صرحاء : غير هجناء ، وكأس صراح : لم تمزج ، وصرحت الخمرة : ذهب عنها الزبد ، ولقيته مصارحة : مجاهرة ، وصرح النهار : ذهب سحابه وأضاءت شمسه ، قال الطرماح في وصف ذئب :

إذا امتلّ يعدو قلت ظلّ طخاءة

ذرى الريح في أعقاب يوم مصرح

(مُمَرَّدٌ) : الممرّد : المملّس وسيأتي سر بنائه في باب الفوائد ومنه الأمرد لملاسة وجهه أي نعومته لعدم وجود الشعر به وفي القاموس :«التمريد في البناء التمليس والتسوية وبناء ممرد : مطول والمارد المرتفع والعاتي».

(قَوارِيرَ) : في المصباح : «القارورة إناء من زجاج والجمع القوارير والقارورة أيضا وعاء الرطب والتمر وهي القوصرة وتطلق

٢١٢

القارورة على المرأة لأن الولد أو المني يقر في رحمها كما يقر الشيء في الإناء أو تشبيها بآنية الزجاج لضعفها ، قال الأزهري : والعرب تكنى عن المرأة بالقارورة والقوصرة» وفي القاموس «والقارورة حدقة العين وما قر فيه الشراب أو نحوه أو يخصّ بالزجاج ، وقوارير من فضة أي من زجاج في بياض الفضة وصفاء الزجاج».

الاعراب :

(قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) فاعل قال سليمان والخطاب لكل من هو عنده من الجن والانس وغيرهما ، وأيكم مبتدأ وجملة يأتيني بعرشها خبر والظرف متعلق بيأتيني أيضا وأن وما في حيزها مصدر مؤول مضاف اليه ومسلمين حال.

(قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) قال فعل ماض وعفريت فاعل ومن الجن صفة وأنا مبتدأ وجملة آتيك به خبر والظرف متعلق بآتيك ومن مقامك متعلق بتقوم أي قبل أن تبارح مجلسك الذي تجلس فيه للقضاء من الغداة الى منتصف النهار.

(وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) الواو عاطفة وان واسمها وعليه متعلقان بقوي واللام المزحلقة وقوي خبر وأمين خبر ثان أي قوي على حمله أمين به لا أختلس منه شيئا ولا أعبث به. (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ : أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) لا بد من تقدير محذوف على طريق الإيجاز كما تقدم وهو قال سليمان أريد أن يتم ذلك في أسرع وقت. وقال فعل ماض والذي فاعل والظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم وعلم مبتدأ مؤخر ومن الكتاب صفة لعلم والجملة صلة الموصول وأنا مبتدأ وجملة آتيك به خبر والجملة مقول القول وتقدم اعراب الباقي وسيأتي معنى ارتداد الطرف في باب البلاغة. (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا

٢١٣

عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) الفاء عاطفة على محذوف يقدر بحسب المقام ويروى أن آصف بن برخيا وهو الذي عنده علم من الكتاب المنزل قال لسليمان مدّ عينيك حتى ينتهي طرفك فمد سليمان عينيه ونظر نحو اليمين ودعا آصف بالعلم الذي لديه فغار العرش في مكانه بمأرب ثم نبغ بمجلس سليمان ، ولما ظرف بمعنى حين أو رابطة ورآه فعل وفاعل مستتر ومفعول به ومستقرا حال لأن الرؤية بصرية أي ثابتا والظرف متعلق بمستقرا وجملة قال لا محل لها من الاعراب وهذا مبتدأ ومن فضل ربي خبر.

(لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) اللام للتعليل ويبلوني فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل وفاعل يبلوني يعود على ربي والياء مفعول وأ أشكر الهمزة للاستفهام وأشكر فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره أنا وجملة أأشكر بدل من الياء في يبلوني فهو بمثابة المفعول به وأم أكفر عطف على أأشكر. (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) الواو استئنافية ومن شرطية مبتدأ وشكر فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والفاء رابطة لأن الجواب جملة اسمية وان حرف مشبه بالفعل وما مصدرية وهي وما بعدها في تأويل مصدر اسم ان أي فإن ثواب شكره ، ولنفسه هو الخبر وفعل الشرط وجوابه خبر من ومن كفر فإن ربي غني كريم جملة معطوفة على الجملة السابقة مماثلة لها في الاعراب. (قالَ : نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) نكروا فعل أمر والواو فاعل ولها متعلقان ينكروا وعرشها مفعول به أي غيّروه ، وننظر فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الأمر وقرئ بالرفع على الاستئناف وجملة أتهتدي في محل نصب على المفعولية لأن الاستفهام علق ننظر عن العمل

٢١٤

وأم حرف عطف معادلة للهمزة وتكون فعل مضارع ناقص معطوف على أتهتدي واسمها مستتر تقديره هي ومن الذين خبر تكون وجملة لا يهتدون صلة الذين. (فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) الفاء عاطفة على محذوف اقتضاه الإيجاز كما تقدم ، أهكذا : الهمزة للاستفهام والهاء للتنبيه والكاف حرف جر للتشبيه وذا اسم اشارة في محل جر بالكاف والجار والمجرور خبر مقدم وعرشك مبتدأ مؤخر ، والأصل اتصال هاء التنبيه باسم الاشارة فكان مقتضاه أن يقال أكهذا عرشك؟ وهذا الفصل جائز إذا كان حرف الجر كافا ، فلو قلت أبهذا أمرت أو ألهذا فعلت؟ لم يجز فيه ذلك الفصل ، فلا يجوز أن تقول أها بذا أمرت ، وأ ها لذا فعلت؟ وسيأتي السر في الإتيان بكاف التشبيه وعدم الاكتفاء بالقول أهذا عرشك في باب البلاغة. قالت : فعل وفاعل مستتر تقديره هي يعود على بلقيس وكأنه هو وكأن واسمها والضمير هو خبرها وسيأتي السر في عدولها عن مطابقة الجواب للسؤال في باب البلاغة أيضا.

(وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) الواو عاطفة على كلام محذوف للايجاز أي لما سمعوا قولها كأنه هو قالوا أصابت في الجواب فقال سليمان : وأوتينا وهو فعل ماض مبني للمجهول ونا نائب الفاعل والعلم مفعول أوتينا الثاني ومن قبلها متعلقان بأوتينا وكنا الواو عاطفة وكان واسمها ومسلمين خبرها ، ويحتمل أن يكون وأوتينا من كلام بلقيس فالضمير في قبلها راجع للمعجزة والحالة التي دل عليها سياق الكلام والمعنى وأوتينا العلم بنبوة سليمان من قبل ظهور هذه المعجزة أو من قبل هذه الحالة والأول أرجح.

٢١٥

(وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) من جملة كلام سليمان أو من كلام الله ، وصدها فعل ماض ومفعول به وما موصول فاعل وجملة كانت صلة واسم كانت مستتر تقديره هي وجملة تعبد خبر ومن دون الله حال ويجوز أن تكون ما مصدرية أي وصدّها عبادة الشمس عن الإسلام وجملة إنها تعليل للصد عن الإسلام وعبادة غير الله ، وان واسمها وجملة كانت خبرها واسم كانت هي ومن قوم خبرها وكافرين صفة وقرئ أنها بالفتح على انه بدل من فاعل صدها أو نصب بنزع الخافض. (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) قيل فعل ماض مبني للمجهول والجملة مستأنفة وجملة ادخلي الصرح مقول القول والصرح مفعول به على السعة وستأتي قصة الصرح في باب الفوائد. (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) الفاء عاطفة على محذوف للايجاز أي فدخلته ، لما حينية أو رابطة وجملة حسبته لا محل لها والهاء مفعول به أول ولجة مفعول به ثان وكشفت عن ساقيها عطف على حسبته. (قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ) إن واسمها وصرح خبرها وممرد صفة ومن قوارير صفة ثانية أي إن الذي ظننته ماء فوقه هو صرح ممرد أي مسقف بسطح فمن أراد مجاوزته لم يحتج الى تشمير ثيابه. (قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) رب منادى مضاف محذوف منه حرف النداء وان واسمها وجملة ظلمت نفسي خبرها وأسلمت عطف على ظلمت ومع ظرف مكان متعلق بمحذوف حال أي كائنة مع سليمان وإنما قدر حالا لأن تعليقه بأسلمت يوهم اتحاد اسلاميهما في الزمان ، ولله متعلقان بأسلمت ورب العالمين بدل من الله أو صفة له.

٢١٦

البلاغة :

١ ـ الكناية في ارتداد الطرف :

في قوله : «قبل أن يرتد إليك طرفك» كناية عن الاسراع ، والطرف هو تحريك أجفانك إذا نظرت ، فوضع موضع النظر ، ولما كان الناظر موصوفا بإرسال الطرف وصف برد الطرف ووصف الطرف بالارتداد وعليه قوله :

وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا

لقبلك يوما أتعبتك المناظر

رأيت الذي لاكله أنت قادر

عليه ولا عن بعضه أنت صابر

وهذان البيتان لأعرابية نظرها أعرابي فخاطبها بشعر يسألها عن أحوالها ومحاسنها كأنه يراودها عن نفسها فأجابته بذلك وقيل هو لشاعر حماسي ، وشبه إطلاق البصر نحو المناظر الجميلة بإرسال الرائد أمام الركب يتعرف لهم مكان الخصب على طريق الاستعارة التصريحية ورائدا ترشيح للاستعارة ويوما ظرف له.

٢ ـ السر في التشبيه :

وفي قوله «كأنه هو» تشبيه مرسل عدلت إليه عن مقتضى السؤال ، ومقتضاه أن تقول : هو هو لسر دقيق جدا وذلك ان «كأنه» عبارة من قرب الشبه عنده حتى شكك نفسه في التغاير بين الأمرين فكاد يقول هو هو ،

٢١٧

وتلك حال بلقيس ولما كانت هكذا هو عبارة جازم بتغاير الامرين حاكم بوقوع الشبه بينهما لا غير فلهذا عدلت الى العبارة المذكورة في التلاوة لمطابقتها لحالها.

٣ ـ التجنيس :

وهو تآلف الكلمتين في تأليف حروفهما وهو هنا في قوله «وأسلمت مع سليمان».

الفوائد :

١ ـ قصة الصرح :

هذا ونلخص ما يروى من قصة الصرح لانها قصة شعرية مجنحة الخيال فقد روي أن سليمان أمر قبل قدومها فبني له على طريقها قصر من زجاج أبيض وأجرى من تحته الماء وألقى فيه من دواب البحر السمك وغيره ووضع سريره في صدره فجلس عليه ، فلما رأت اللجة فزعت وظنت أنه قصد إغراقها وتعجبت من كون كرسيه على الماء ولم يكن لها بد من امتثال الأمر فكشفت عن ساقيها والمقصود من ذلك كله اختبار عقلها وارهاصها بالمعاجز لا ما يروى انه قيل له انها شعراء الساقين ورجلها كحافر الحمار مما لا يتلاءم ووقار النبوة وترفعها عن الصغائر.

٢ ـ هل تزوج سليمان بلقيس؟ :

قيل تزوجها بعد ذلك وأقرها على ملكها وكان يزورها في الشهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام وولدت له ، وقيل بل زوجها ذاتبع من ملوك اليمن ويقال لهم الأذواء لأن أعلامهم تصدر بكلمة (ذو) والمراد صاحب هذا الاسم.

٢١٨

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (٤٨) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٤٩) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٠) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥٢) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٣))

اللغة :

(اطَّيَّرْنا) : وتطيرنا : تشاءمنا والطائر هنا : ما تيمنت به أو نشاءمت والمقصود هنا الثاني ، كان الرجل يخرج مسافرا فيمر بطائر فيزجره فإن مر سانحا تيمن وإن مر بارحا تشاءم فلما نسبوا الخير أو الشر الى الطائر استعير لما كان سببهما من قدر الله وقسمته أو من عمل العبد ، وقد مر هذا في سورة الأعراف فجدد به عهدا.

٢١٩

(الْمَدِينَةِ) : البلد من أخذها من مدن بالمكان يمدن إذا قام فيه فهي فعلية والجمع مدائن بالهمز والميم أصلية والياء زائدة ، ومن أخذها من دان يدين فالميم زائدة والياء أصلية وهي مفعولة ويقال دنت الرجل ملكته ودنت له خضعت له وأطعت ويقال للأمة مدينة لأنها مملوكة ، قال الشاعر :

ثوت وثوى في كرمها ابن مدينة

يظل على مسحاته يتوكل

وفي معاجم اللغة : مدن بالمكان يمدن من باب نصر مدونا أقام وهو فعل ممات ومدن المدينة أتاها ومدّن المدائن بالتشديد بناها ومصرها ، وتمدّن تخلق بأخلاق أهل المدن وانتقل من الهمجية الى حالة الانس والظرف ، وتجمع المدينة على مدن بسكون الدال ومدن بضمها ومدائن ، والمدينة علم أطلق على يثرب ومدينة السلام بغداد والمدائن مدينة قرب بغداد كان فيها ايوان كسرى وسميت بالجمع لكبرها والنسبة إليها مدائني.

(رَهْطٍ) : الرهط قوم الرجل وقبيلته وعدد يجمع من الثلاثة الى العشرة وليس فيهم امرأة ، ولا واحد له من لفظه وجمعه أرهط وأرهاط وجمع الجمع أراهط وأراهيط ، وإذا أضيف الى الرهط عدد كان المراد به الشخص والنفس نحو عشرون رهطا ، أي شخصا ، ويقال نحن ذوو رهط أي مجتمعون وفي المصباح «الرهط ما دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة وسكون الهاء أفصح من فتحها وهو جمع لا واحد له من لفظه وقيل الرهط من سبعة الى عشرة وما دون السبعة الى الثلاثة نفر وقال أبو زيد : الرهط والنفر ما دون العشرة من الرجال

٢٢٠