إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٤

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٤

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥١٠

٣ ـ بأن يكون خبرها ظرفا أو جارا ومجرورا مقدما عليها نحو «وفوق كل ذي علم عليم» «ولكل أجل كتاب».

٤ ـ بأن تقع بعد نفي أو استفهام أو لو لا أو إذا الفجائية نحو : ما أحد عندنا ونحو «أإله مع الله» وقول الشاعر :

لو لا اصطبار الأودى كل ذي مقة

لما استقلّت مطاياهنّ للظّعن

ونحو : خرجت فاذا أسد رابص.

٥ ـ بأن تكون عاملة نحو : إعطاء قرشا في سبيل العلم ينهض بالأمة.

٦ ـ بأن تكون مبهمة كأسماء الشرط والاستفهام وما التعجبية وكم الخبرية.

٧ ـ بأن تكون مفيدة للدعاء بخير أو شر فالأول نحو : «سلام عليكم» والثاني : «ويل للمطففين».

٨ ـ بأن تكون خلفا عن موصوف نحو : عالم خير من جاهل.

٩ ـ بأن تقع صدر جملة حالية نحو :

سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا

محياك أخفى ضوءه كلّ شارق

١٠ ـ بأن يراد بها التنويع أي التفصيل والتقسيم كقول امرئ القيس :

فأقبلت زحفا على الركبتين

فثوب نسيت وثوب أجر

٤٠١

١١ ـ بأن تعطف على معرفة أو يعطف عليها معرفة نحو : خالد ورجل يتعلمان النحو ، أو رجل وخالد يتعلمان النحو.

١٢ ـ بأن تعطف على نكرة موصوفة نحو : «قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى».

١٣ ـ بأن يراد بها حقيقة الجنس لا فرد واحد منه نحو : ثمرة خير من جرادة.

١٤ ـ بأن تقع جوابا نحو : رجل ، في جواب من قال :من عندك؟

(وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (٧٧) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (٧٩) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠) قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ

٤٠٢

أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (٨٣))

اللغة :

(سِيءَ بِهِمْ) أصله سوىء بهم من السوء فأسكنت الواو وقلبت كسرتها الى السين ويقال : سؤته فسيء كما يقال شغلته فشغل وسررته فسرّ.

(ذَرْعاً) : من أقوالهم ضاق فلان ذرعا : والذرع يوضع موضع الطاقة والأصل فيه أن البعير يذرع بيديه في سيره ذرعا على قدر سعة خطوه فإذا حمل عليه أكثر من طوقه ضاق ذرعه عن ذلك وضعف ومدّ عنقه فجعل ضيق الذرع عبارة عن ضيق الوسع والطاقة فمعنى قوله تعالى «وضاق بهم ذرعا» أي لم يجد من ذلك المكروه مخلصا ، وقال بعض علماء اللغة : معناه وضاق بهم قلبا وصدرا ولا يعرف أصله إلا أن يقال إن الذرع كناية عن الوسع ، والعرب تقول : ليس هذا في يدي ، يعنون ليس هذا في وسعي لأن الذراع من اليد ، وقال آخرون : ويقال ضاق فلان ذرعا بكذا إذا وقع في مكروه ولا يطيق الخروج منه.

٤٠٣

وفي القاموس والتاج ما ملخصه : «الذّرع مصدر ، بسط اليد ، وضقت بالأمر ذرعا : أي لم أقدر عليه وهو واسع الذرع أي مقتدر وهو خالي الذرع أي قلبه خال من الهموم والغموم».

(يُهْرَعُونَ) : أي يسوق بعضهم بعضا وفي المصباح هرع وأهرع بالبناء فيهما للمفعول إذا أعجل على الإسراع. وفي القاموس : والهرع محرك وكغراب والاهراع مشي في اضطراب وسرعة وأقبل يهرع بالضم واهرع بالبناء للمجهول فهو مهرع مرعد من غضب أو خوف وقد هرع كفرح ورجل هرع سريع البكاء.

(عَصِيبٌ) : العصيب الشديد في الشر خاصة وأصله من الشد يقال عصبت الشيء شددته وعصبت فخذ الناقة لثدر وناقة عصوب ويوم عصيب وعصبصب كأنه التف على الناس بالشر أو يكون التف شره بعضه ببعض قال الشاعر :

فإنك إن لم ترض بكر بن وائل

يكن لك يوم بالعراق عصيب

وقال الراجز :

يوم عصيب ويعصب الأبطالا

عصب القوي السلم الطوالا

(رُكْنٍ) الركن : معتمد البناء بعد الأساس وركنا الجبل جانباه قال الراجز :

يأوي الى ركن من الأركان

في عدد طلس ومجد بان

(فَأَسْرِ) : من أسرى بمعنى سرى أي سار ليلا قال النابغة :

٤٠٤

أسرت عليه من الجوزاء سارية

تزجي الشمال عليه جامد البرد

ويروى سرت ، وقال امرؤ القيس :

سريت بهم حتى تكل مطيهم

وحتى الجياد ما يقدن بأرسان

(سِجِّيلٍ) : قال الزمخشري : «قيل هي كلمة معربة من سنككل بدليل قوله حجارة من طين وقيل هي من أسجله إذا أرسله لأنها ترسل على الظالمين وقيل مما كتب الله أن يعذب به من السجل وسجل لفلان» وقال أبو عبيدة : «هو الحجارة الشديدة» وأنشد لابن مقبل :

ورجلة يضربون البيض ضاحية

ضربا تواصى به الأبطال سجينا

وسجين وسجيل بمعنى واحد والعرب تعاقب بين النون واللام فقلبت النون هاهنا لاما» واكتفى صاحب القاموس بقوله : «السجيل الطين اليابس».

(مَنْضُودٍ) : متراكب والنضد جعل الشيء بعضه فوق بعض والمراد وصف الحجارة بالكثرة.

(مُسَوَّمَةً) : معلمة للعذاب ، والتسويم العلامة.

الاعراب :

(وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) لما ظرفية حينية أو رابطة وجاءت رسلنا لوطا فعل وفاعل ومفعول به وجملة سيء بهم لا محل لها ونائب الفاعل يعود الى لوط وبهم جار ومجرور متعلقان

٤٠٥

به وذرعا تمييز محول عن الفاعل. (وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ) وقال عطف على ضاق وهذا مبتدأ ويوم خبر وعصيب صفة والجملة مقول القول. (وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ) الواو عاطفة وجاءه قومه فعل ومفعول به وفاعل وجملة يهرعون في محل نصب على الحال واليه متعلقان بيهرعون. (وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) الواو حالية ومن قبل من حرف جر وقبل ظرف مبني على الضم لانقطاعه عن الاضافة لفظا لا معنى والجار والمجرور متعلقان بيعملون وكان واسمها وجملة يعملون السيئات خبر كانوا. (قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) هؤلاء مبتدأ وبناتي خبر وكذلك قوله هن أطهر لكم ، وجوزوا في بناتي أن يكون بدلا أو عطف بيان ، وهن ضمير فصل لا محل له وأطهر خبر هؤلاء ، ولكم متعلقان بأطهر لأنه اسم تفضيل ولا يرد اعتراض خلاصته ان اسم التفضيل يعني المشاركة ليصح التفضيل فيقتضي أن يكون الذي يطلبونه من الرجال طاهرا والجواب أن هذا جار مجرى : أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم ومعلوم أن شجرة الزقوم لا خير فيها على الإطلاق. (فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي) الفاء الفصيحة واتقوا الله فعل أمر وفاعل ومفعول به ولا تخزوني عطف على اتقوا الله ولا ناهية وتخزوني مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون والنون للوقاية والواو فاعل والياء مفعول به وفي ضيفي جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ، والضيف في الأصل مصدر ثم أطلق على الطارق ليلا إلى المضيف ولذلك يقع على المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع وقد يثنى فيقال ضيفان وقد يجمع فيقال أضياف وضيوف وضيفان. (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) الاستفهام للانكار والتوبيخ وليس فعل ماض ناقص ومنكم خبر ليس للمقدم ورجل اسمها المؤخر ورشيد صفة. (قالُوا :

٤٠٦

لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ) علمت معلقة عن العمل بما النافية ولنا خبر مقدم وفي بناتك حال لأنه كان في الأصل صفة لحق وتقدمت ومن حرف جر زائد وحق مبتدأ مؤخر محلا. (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ) الواو عاطفة وان واسمها واللام المزحلقة وجملة تعلم خبرها ، وما :يجوز أن تكون مصدرية وأن تكون موصولة أي تعرف الذي نريد أو تعلم إرادتنا (قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) لو شرطية وأن وما في حيزها فاعل لفعل محذوف تقديره ثبت واستقر وأما سيبويه فيرى انه مبتدأ لا خبر له وسيأتي تفصيل ذلك في باب الفوائد. وأن حرف مشبه بالفعل ولي خبرها المقدم وبكم حال من قوة إذ هو في الأصل صفة للنكرة وقوة اسم ان وجواب لو محذوف تقديره لفعلت بكم وصنعت وأو حرف عطف وآوي معطوف على المعنى وتقدير الكلام أو أني آوي ، ويجوز أن تكون الجملة معطوفة على جملة ثبت المحذوفة إذا أعربت أن وما في حيزها فاعلا لفعل محذوف ، ويجوز أن تعطف على قوة لأنه منصوب في الأصل بتقدير «ان» فلما حذفت «أن» رفع الفعل كقوله تعالى «ومن آياته يريكم» واستضعف أبو البقاء هذا الوجه. والى ركن متعلق بآوي وشديد صفة.

(قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) إن واسمها ورسل ربك خبرها ولن حرف نفي ونصب واستقبال ويصلوا مضارع منصوب بأن وإليك متعلقان بيصلوا (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) الفاء عاطفة وبأهلك حال أي مصاحبا لهم وبقطع حال من أهلك أي مصاحبين لقطع ، ولك أن تجعل الباء للتعدية فتعلقها بأسر والقطع هنا نصف الليل لأنه قطعة منه مساوية لباقيه وقد تقدم الكلام على القطع في سورة يونس ، ومن الليل صفة لقطع. (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ

٤٠٧

إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ) الواو حرف عطف ولا ناهية ويلتفت فعل مضارع مجزوم بلا ومنكم حال لأنه كان في الأصل صفة لأحد وأحد فاعل وإلا أداة استثناء وامرأتك مستثنى من قوله فأسر بأهلك وفي قراءة بالرفع بدل من أحد وسيأتي تفصيل مسهب لهذا الاستثناء والمعنى لا تسر بها وخلّفها مع قومها وقيل هي مستثنى من أحد وان واسمها والهاء ضمير الشأن والحديث ومصيبها خبر مقدم وما اسم موصول مبتدأ مؤخر وجملة أصابهم صلة والجملة خبر ان لأن ضمير الشأن يفسر بجملة مصرح بجزأيها. (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) إن واسمها والصبح خبرها والهمزة للاستفهام التقريري وليس واسمها والباء حرف جر زائد وقريب مجرور لفظا خبر ليس محلا (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) لما ظرفية حينية أو رابطة وجاء أمرنا فعل وفاعل وجملة جعلنا جواب لما ونا فاعل وعاليها مفعول جعل الاول وسافلها مفعول جعلنا الثاني. (وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ) وأمطرنا عطف على جعلنا وعليها متعلقان بأمطرنا وحجارة مفعول به ومن سجيل صفة لحجارة ومنضود صفة لسجيل ومسومة صفة ثانية لحجارة وعند ربك الظرف متعلق بمسومة. (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) ما حجازية وهي اسمها واختلف في هذا الضمير فقيل يعود على العقوبة المفهومة السياق وقيل يعود على الحجارة وهي أقرب مذكور وقيل يعود على القرى المهلكة وكل ما ذكروه جائز وسائغ. ومن الظالمين متعلقان ببعيد والباء حرف جر زائد وبعيد مجرور لفظا خبر ما محلا ولم يؤنث بعيدا إما لأنه في الأصل نعت لمكان محذوف تقديره وما هي بمكان بعيد بل قريب وإما لأن العقوبة والعقاب شيء واحد وإما لتأويل الحجارة بعذاب.

٤٠٨

الفوائد :

١ ـ عود إلى «لو» :

تقدم بحث لو في البقرة وغيرها ونزيد هنا بحث الاسم الواقع بعد لو الشرطية والمعروف أنها تختص بالفعل شرطية كانت أم مصدرية ويجوز أن يليها الاسم فيعرب فاعلا لفعل محذوف يفسره ما بعده وعلى ذلك يتخرج قول عمر بن الخطاب لأبي عبيدة وقد كان في طريقة الى الشام وبلغه في أثناء الطريق قبل الوصول إليها انه وقع بها وباء فاستشار في التوجه اليه أو الرجوع الى المدينة فاختلفوا عليه ثم أجمع أمره على الرجوع بعد أن أشار به جماعة من الصحابة فقال له أبو عبيدة ابن الجراح أفرارا من قدر الله تعالى؟ فقال له عمر بن الخطاب : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ، نعم نفرّ من قدر الله إلى قدره. فغيرك فاعل لفعل محذوف يفسره قالها والتقدير لو قالها غيرك وجواب لو محذوف أي لعذرناه.

وقال الغطمش الضبي :

أقول وقد فاضت لعيني عبرة

أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب

أخلاي لو غير الحمام أصابكم

عتبت ولكن ما على الدهر معتب

فغير فاعل بفعل محذوف يفسره أصابكم والتقدير لو أصابكم غير الحمام ـ وهو بكسر الحاء الموت ـ عتبت ، ومن ملاحظات التبريزي على هذا البيت الثاني قوله : الناس ينشدون أخلاي بياء

٤٠٩

مفتوحة وكأنهم حملوه على قصر المحدود وأجود من ذلك في حكم العربية أن ينشد أخلاء بهمزة مكسورة ويراد يا أخلائي فحذفت ياء الاضافة وتركت الهمزة كما تقول يا غلام ، ومن ذلك أيضا قولهم في المثل «لو ذات سوار لطمتني» أخذا من قول حاتم الطائي حين لطمته جارية وهو مأسور في بعض أحياء العرب فذات سوار فاعل بفعل محذوف على شريطة التفسير والتقدير لو لطمتني ذات سوار وذات السوار الحرة لأن الإماء عند العرب لا تلبس السوار وجواب لو محذوف والتقدير لهان الأمر علي ، أو يكون منصوبا بفعل محذوف أو خبرا لكان محذوفة فمثال الاول : لو زيدا رأيته أكرمته والثاني :نحو التمس ولو خاتما من حديد وقد تقدم ذلك.

ويجوز أن يلي «لو» كثيرا أن المشددة وصلتها نحو «ولو أنهم صبروا» والآية التي نحن بصددها وهي «لو أن لي قوة» واختلف في اعراب أن وما في حيزها بعد أن اتفق الجميع على أنه مرفوع الموضع فقال سيبويه وجمهور البصريين مبتدأ لا خبر له أو خبره محذوف والتقدير ولو صبرهم ثابت وذهب الكوفيون والزمخشري والمبرد والزجاج من البصريين الى انه فاعل بثبت مقدرا كما تقدم أي ولو ثبت صبرهم وسيأتي المزيد من أحكام «لو» في مواضع أخرى من هذا الكتاب.

٢ ـ أقوال النحاة في «إلا امرأتك» :

والفائدة الثانية هي أقوال النحاة في استثناء امرأتك قالوا :«ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك» بالرفع في قراءة أبي عمرو وابن كثير فامرأتك بدل من أحد بدل بعض من كل والنصب عربي جيد وقد

٤١٠

قرىء به في السبع لكنه خلاف المنتخب الراجح والذي قرىء به أكثر ومن هنا جعل الزمخشري النصب على الاستثناء من أهلك ليكون من تام موجب ، والرفع على البدلية من أحد ، واعترض بأنه يستلزم التناقض بين القراءتين فإن المرأة تكون مسريا بها على قراءة الرفع وغير مسري بها على قراءة النصب وأجاب أنصار الزمخشري بأن إخراجها من جملة النهي لا يدل على أنها مسري بها بل على أنها معهم وقد روي انها تبعتهم ، وقد فنّد ابن هشام اعراب الزمخشري وقال إنه خلاف الظاهر وأسهب في الحديث عن هذا الاستثناء في الجهة الثانية من الباب الخامس.

أقول : والأظهر من هذا كله أن الاستثناء من جملة الأمر أي فأسر بأهلك والاستثناء منقطع على القراءتين ووجه الرفع انه على الابتداء وخبره الجملة بعده وعندئذ تكون قراءة النصب جيدة غير مرجوحة وتتفادى بذلك وقوع غير المرجوح في القرآن ، وقد تقدم في ابن نوح «انه ليس من أهلك» لأن المراد بالأهل المؤمنون وعلى هذا تكون امرأته من غير أهله.

البلاغة :

في قوله تعالى : «أليس الصبح بقريب» إرسال المثل أو التمثيل وهو فن يمكن تعريفه بأن يكون ما يخرجه المتكلم ساريا مسير الأمثال السائرة وقد تقدمت الاشارة إليه وسيرد المزيد منه وقد عني علماؤنا الأقدمون باستقصاء جميع أمثال الكتاب العزيز من السور على ترتيبها ، أما في الشعر العربي فقد أوردنا فيما تقدم أمثالا ضمنها شاعر الخلود أبو الطيب المتنبي أبياته فجاءت آية في الإبداع كما أوردنا قصيدة

٤١١

لابن زيدون ، ويحكى انه كان بعض مشايخ الأنبار في زمن الرشيد يؤذن ويصلي في مسجد وكان إذا حضر أوان الورد دفع مفتاح المسجد الى أهل المحلة ثم انغمس في لجة لهوه فلم يظهر وفي الدنيا وردة وكان إذا جلس الى شرابه يغني بصوت عال ويقول :

يا صاحبي اسقياني

من قهوة خندريس

خذا من الورد حظا

بالقصف غير حبيس

على وجينات ورد

يذهبن همّ النفوس

ما تنظران فهذا

زمان حث الكؤوس

فبادروا قبل فوت

«لا عطر بعد عروس»

(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٨٥) بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (٨٦) قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ

٤١٢

فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨) وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٩٤) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥))

٤١٣

اللغة :

(يَجْرِمَنَّكُمْ) : مضارع جرم وبابه ضرب كما في المختار ويتعدى لواحد أو اثنين ومعناه يكسبنكم.

(رَهْطِي) : الرهط : جماعة الرجل وقيل الرهط والراهط لما دون العشرة من الرجال ولا يقع الرهط والعصبة والنفر إلا على الرجال وقال الزمخشري : من الثلاثة الى العشرة وقيل الى التسعة ويجمع على أرهط وأرهط على أراهط. وفي القاموس والتاج : الرّهط والرّهط : قوم الرجل وقبيلته ، وعدد يجمع من الثلاثة الى العشرة وليس فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه والجمع أرهط وأرهاط وجمع الجمع أراهط وأراهيط وإذا أضيف الى الرهط عدد كان المراد به الشخص والنفس نحو : عشرون رهطا أي شخصا ويقال : ذوو رهط أي مجتمعون.

(ظِهْرِيًّا) : منبوذا خلف ظهوركم لا تراقبونه والظهري منسوب إلى الظهر والكسر من تغييرات النسب والقياس فتح الظاء وقد قالوا في أمس إمسيّ بكسر الهمزة وفي الدهر دهري بضم الدال وسيأتي في باب الفوائد ما يطرأ على النسب من تغيير وللظهر في لغتنا تعابير نوردها ملخصة من معاجم اللغة : يقال ساروا في طريق الظهر أي

٤١٤

طريق البر وقرأ الكتاب على ظهر قلبه أو على ظهر لسانه أي حفظا وأعطاه عن ظهر يد أي ابتداء بلا مكافأة وهو نازل بين ظهريهم وظهرانيهم وبين أظهرهم أي وسطهم وفي معظمهم ورأيته بين ظهراني الليل أي بين العشاء والفجر وقلب له ظهر المجن أي تغير عليه وعاداه وقلب الأمر ظهرا لبطن أي أنعم تدبيره وقتله ظهرا أي غيلة وهو يأكل على ظهر يدي أي إنني أنفق عليه وهذا من غريب لغتنا ونادره وما أجمل قول عمر بن أبي ربيعة :

وضربنا الحديث ظهرا لبطن

وأتينا من أمرنا ما اشتهينا

(مَكانَتِكُمْ) : المكانة إما بمعنى المكان يقال مكان ومكانة ومقام ومقامة وإما مصدر من مكن فهو مكين.

الاعراب :

(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) جرت العادة أن يستهل كل قصة من قصص هذه السورة بهذه الجملة وهذه هي القصة السادسة وقد تقدم اعراب هذه الجملة بلفظها.

(وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) الواو عاطفة ولا ناهية وتنقصوا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل والمكيال مفعول به والميزان عطف على المكيال وان واسمها وجملة أراكم خبرها وجملة إني أراكم تعليلية للنهي. (وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) الواو عاطفة وان واسمها وجملة أخاف عليكم خبرها وعذاب مفعول به ويوم مضاف إليه ومحيط صفة. (وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ)

٤١٥

أوفوا فعل أمر والواو فاعل والمكيال مفعول به والميزان عطف عليه وبالقسط حال أي عادلين. (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) الواو عاطفة ولا ناهية وتبخسوا مضارع مجزوم بلا والواو فاعل والناس مفعول به وأشياءهم مفعول به ثان أي لا تنقصوهم أموالهم ، ولا تعثوا في الأرض مفسدين عطف أيضا ومفسدين حال. (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) بقية الله مبتدأ أي رزقه الباقي بعد إيفاء الكيل والوزن ، وخير خبر ولكم متعلقان بخير وان شرطية وكنتم فعل الشرط ومؤمنين خبر كنتم والجواب محذوف أي فبقية الله خير ، وما الواو عاطفة وما نافية حجازية وأنا اسمها وعليكم متعلقان بحفيظ والباء حرف جر زائد وحفيظ مجرور لفظا منصوب محلا. (قالُوا : يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) الهمزة للاستفهام ومعناه الهزء والسخرية وصلاتك مبتدأ وجملة تأمرك خبر وأن وما في حيزها منصوب بنزع الخافض ومتعلقان بتأمرك أي تأمرك بترك ، وما موصولية أو مصدرية وعلى كل حال هي مفعول الترك وجملة يعبد لا محل لها على الحالين وآباؤنا فاعل. (أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا) أو حرف عطف وأن نفعل مصدر مؤول معطوف على ما في حالتيها فالترك مسلط عليه أي هل تأمرك بتكليف لنا ترك ما يعبد آباؤنا وترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء.

هذا وقد أورد ابن هشام في مغني اللبيب هذه الآية في الباب الخامس من الكتاب في الجهات التي يدخل الاعتراض على المعرب من جهتها قال «وبعض هذه الأمثلة وقع للمعربين فيه وهم بهذا السبب وسترى ذلك معينا فأحدها قوله تعالى : «أصلاتك تأمرك أن نترك

٤١٦

ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ، فإنه يتبادر الى الذهن عطف أن نفعل على أن نترك وذلك باطل لأنه لم يأمرهم أن يفعلوا في أموالهم ما يشاءون وانما هو معطوف على «ما» فهو معمول للترك ، والمعنى أن نترك ان نفعل» الى أن يقول :«وموجب هذا الوهم المذكور أن المعرب يرى أن والفعل مرتبين وبينهما حرف العطف» واختلف في «أو» فقيل هي بمعنى الواو وقيل هي على بابها للتخيير بمنزلتها في قولك جالس الحسن أو ابن سيرين.

وما اسم موصول نفعل وجملة نشاء صلة.

(إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) إما أن يكونوا قد أرادوا الهزء به الى أقصى درجة فعكسوا ليتهكموا وإما أن يكون على حقيقته وان ما يأمرهم به لا يتفق مع ما يتسم به وإن واسمها واللام المزحلقة وأنت مبتدأ والحليم الرشيد خبراه والجملة خبر إنك. (قالَ : يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) أرأيتم تقدم انها بمعنى أخبروني فينصب مفعولين وقد حذفا معا وتقدير الأول أخبروني فياء المتكلم هي المفعول الأول والثاني يقدر غالبا بجملة استفهامية أي أفأشوب رزقي بالحرام من البخس والتطفيف ، وإن شرطية وكنت كان واسمها وهي فعل الشرط وعلى بينة خبر كنت ومن ربي صفة لبينة وجواب الشرط محذوف يدل عليه المفعول الثاني المحذوف ورزقني فعل وفاعل مستتر ومفعول به ورزقا مفعول به أو مفعول مطلق وحسنا صفة. (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) ما نافية وأريد فعل مضارع وفاعله أنا وأن وما في حيزها مفعول أريد وإلى ما متعلقان بأخالفكم وجملة أنهاكم عنه صلة والمعنى ما أريد أن أسبقكم الى أهوائكم التي نهيتكم عنها ، يقال خالفه الى كذا إذا قصده وهو مول عنه. (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) ان نافية وأريد فعل

٤١٧

مضارع فاعله مستتر تقديره أنا وإلا أداة حصر والإصلاح مفعول به وما ظرفية زمانية متعلقة بأريد. (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) ما نافية وتوفيقي مبتدأ وإلا أداة حصر وبالله خبر وعليه متعلقان بتوكلت وإليه متعلقان بأنيب والجملتان حاليتان. (وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ) لا يجرمنكم لا ناهية ويجرمنكم فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة وهو في موضع جزم بلا والكاف مفعوله الأول وشقاقي فاعل وأن وما في حيزها مفعول يجرمنكم الثاني والكاف مفعول يصيبكم ومثل فاعل يصيبكم وهو في الأصل صفة لفاعل محذوف أي عذاب مثل ، وما مضاف إليه أي مثل الذي وجملة أصاب صلة وقوم نوح مفعول به. (أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) أو قوم هود عطف على قوم نوح وكذلك قوم صالح وما نافية حجازية وقوم اسمها ولوط مضاف إليه ومنكم جار ومجرور متعلقان ببعيد والباء حرف جر زائد وبعيد مجرور بالباء لفظا خبر ما محلا وأتى ببعيد مفردا وإن كان خبرا عن جمع لأحد أمور منها حذف مضاف تقديره وما إهلاك قوم لوط واما باعتبار زمان أي بزمان بعيد أو مكان أي بمكان بعيد أو لأن صيغة فعيل يستوي فيها المذكر والمؤنث مما سيرد معنا في تضاعيف هذا الكتاب الجامع. (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) واستغفروا ربكم فعل أمر وفاعل ومفعول به ثم توبوا إليه عطف على استغفروا وان واسمها وخبراها.

(قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ) ما نافية ونفقه فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره نحن وكثيرا مفعول به ومما صفة لكثيرا وجملة تقول صلة. (وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ

٤١٨

عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) وانا ان واسمها واللام المزحلقة وجملة نراك خبر ان والكاف مفعول به وفينا حال وضعيفا مفعول به ثان لأن الرؤية علمية وان روي انه كان أعمى وألثغ لأنه لو قيل انا لنراك فينا أعمى لم يكن كلاما لأن الأعمى أعمى فيهم وفي غيرهم ، ولو لا حرف امتناع لوجود ورهطك مبتدأ محذوف الخبر واللام رابطة لجواب لو لا وجملة رجمناك لا محل لها وما نافية حجازية وأنت اسمها والباء زائدة وعزيز خبرها وقد تقدمت نظائره كثيرا. (قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ) الهمزة للاستفهام الانكاري التوبيخي ورهطي مبتدأ وأعز خبر وعليكم ومن الله متعلقان بأعز. (وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا) الواو حاليا بتقدير قد أي والحال انكم اتخذتموه وراءكم واتخذ يجوز أن يتعدى لاثنين أولهما الهاء والثاني ظهريا ، ووراءكم متعلقان باتخذتموه أو حال من ظهريا ويجوز أن يتعدى لواحد فيكون الهاء مفعوله وظهريا حال والواو في اتخذتموه لاشباع ضمة الميم. (إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) ان واسمها وبما متعلقان بمحيط وجملة تعملون صلة ومحيط خبر إن (وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ) اعملوا فعل أمر وفاعل وعلى مكانتكم حال أي حال كونكم موصوفين بالمكانة العالية والقدرة البعيدة وان واسمها وخبرها. (سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) سوف حرف استقبال وتعلمون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والجملة استئناف بياني وسيأتي المزيد منه في باب البلاغة ومن اسم موصول مفعول به لتعلمون وهذا أرجح من جعلها استفهامية كما أعرابها بعضهم لتتساوق مع من الثانية وهي موصولة باتفاق وجملة يأتيه صلة والهاء مفعول يأتي وعذاب فاعل يأتي وجملة يخزيه صفة لعذاب.

(وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) ومن اسم موصول عطف

٤١٩

على من الأولى وهو مبتدأ وكاذب خبر والجملة صلة وارتقبوا عطف على المعنى وارتقبوا فعل أمر وفاعل وإن واسمها ومعكم ظرف متعلق برقيب ورقيب خبر ان. (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) تقدم إعراب نظيرها تماما. (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) الذين مفعول مقدم لأخذت وجملة ظلموا صلة الموصول والصيحة فاعل أخذت. (فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) أصبح واسمها وجاثمين خبرها وفي ديارهم متعلقان بجاثمين. (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) كأن مخففة واسمها محذوف وجملة لم يغنوا خبرها وفيها متعلقان بيغنوا وألا أداة تنبيه وبعدا مفعول مطلق لفعل محذوف ولمدين جار ومجرور متعلقان بمحذوف وقد تقدم وكما نعت لبعد وما مصدرية أي كبعد ثمود.

البلاغة :

١ ـ التكرار :

فقد وقع التكرار في هذه القصة من ثلاثة أوجه لأنه قال ولا تنقصوا المكيال والميزان وهذا عين الاول وليس فيه إلا التعبير تبخسوا الناس أشياءهم والفائدة فيه أن القول لما كانوا مصرين على ذلك العمل القبيح احتيج في المنع منه الى المبالغة في التأكيد ، والتكرير يفيد شدة الاهتمام بالشيء وقد نهوا أولا عن القبيح الذي كانوا عليه من نقص المكيال والميزان ثم ورد الأمر بالإيفاء مصرحا بلفظه ليكون أهيج عليه وأدعى الى الترغيب فيه.

٤٢٠