إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٤

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٤

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥١٠

الاعراب :

(فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ) الفاء استئنافية ولو لا تحضيضيّة وهذا التحضيض فيه معنى التوبيخ والنفي وقد تقدمت الاشارة الى حروف التحضيض ، وكانت قرية فعل وفاعل لأن كان هنا تامة وجملة آمنت صفة لقرية (فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) الفاء عاطفة ونفعها معطوف على الصفة عطف المسبب على السبب وإيمانها فاعل نفعها والجملة قد تقوم مقام الصفة للنكرة وإلا قوم يونس استثناء متصل واقع على المعنى لا على ظاهر اللفظ فكأنه قال : هلّا آمن أهل قرية والجميع مشتركون في العقاب وقوم يونس مستثنى من الجميع ومثل هذا الاستثناء قوله تعالى : «فلو لا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم» وقال الزجاج إلا قوم يونس استثناء منقطع وتقديره لكن قوم يونس لما آمنوا ومثله قول النابغة :

وقفت فيها أصيلا كي اسائلها

عيّت جوابا وما بالربع من أحد

إلا الأواري لأيا ما أبيّنها

والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد

ويونس مضاف اليه ممنوع من الصّرف للعلمية والعجمية (لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) لما حينية أو رابطة وآمنوا فعل وفاعل وجملة كشفنا لا محل لها وعنهم متعلقان بكشفنا وعذاب الخزي مفعول به وفي الحياة متعلقان بمحذوف حال والدنيا صفة ومتعناهم عطف على كشفنا وإلى حين متعلقان بمتعناهم (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) الواو استئنافية ولو شرطية وشاء ربك فعل وفاعل لآمن وللام واقعة في جواب لو وجملة

٣٠١

آمن لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ومن فاعل آمن وفي الأرض صلة من وكلهم توكيد لمن وجميعا نصب على الحال من «من» (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) الهمزة للاستفهام والفاء عاطفة وأنت مبتدأ والجملة بعده خبر وقد مر معنا أن الهمزة مقدمة على العاطف أو ثم جملة محذوفة ، وحتى حرف تعليل وجر ويكونوا منصوب بأن مضمرة بعد حتى ومؤمنين خبر يكونوا (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) الواو عاطفة وما نافية وكان فعل ماض ناقص ولنفس خبرها المقدم وأن المصدرية وما في حيزّها اسمها المؤخر وإلا أداة حصر وبإذن الله متعلقان بتؤمن (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) ويجعل معطوفة على مقدر كأنه قيل فيأذن لبعضهم في الايمان ويجعل ، ويجعل مضارع والرجس مفعوله وعلى الذين متعلقان بيجعل وجملة لا يعقلون صلة.

(قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (١٠١) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (١٠٢) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٣))

٣٠٢

اللغة :

(النظر) : طلب الشيء من جهة الفكر كما يطلب إدراكه بالعين والمعنى تأملوا تأمل اعتبار.

(النُّذُرُ) : جمع نذير وهو صاحب النذارة.

الاعراب :

(قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قل فعل أمر وجملة انظروا مقول القول وما ذا يحتمل أن تكون ما استفهامية مبتدأ وذا اسم موصول خبر وتكون الجملة في محل نصب لتعليق العامل وهو انظروا عنها بالاستفهام ويحتمل أن تكون ماذا بتمامها استفهاما في محل رفع مبتدأ وفي السموات خبره وعلى الأول يكون الجار والمجرور متعلقين بمحذوف هو الصلة للموصول أي ما الذي استقر في السموات والأرض. (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) هذه الجملة إما حالية من الواو في انظروا كأنه قيل انظروا والحال أن النظر لا ينفعكم ، وإما معترضة وما نافية أو استفهامية في محل نصب على أنها مفعول مطلق لتغني أي : أي غناء تغني ، والآيات فاعل والنذر عطف على الآيات وعن قوم جار ومجرور متعلقان بتغني وجملة لا يؤمنون صفة لقوم. (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ) الفاء استئنافية وهل حرف استفهام وينتظرون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل وإلا أداة حصر ومثل مفعول ينتظرون وأيام مضاف اليه والذين مضاف لأيام وجملة خلوا صلة ومن قبلهم متعلقان بخلوا أو بمحذوف حال. (قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) قل فعل

٣٠٣

أمر والفاء الفصيحة وانتظروا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل وإن واسمها ومن المنتظرين خبرها والظرف متعلق بمحذوف حال.

(ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا) ثم حرف عطف للترتيب والتراخي وننجي فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره نحن والجملة عطف على كلام محذوف تقديره نهلك الأمم ثم ننحي رسلنا على حكاية الأحوال الماضية ورسلنا مفعول به والذين عطف على رسلنا وجملة آمنوا صلة. (كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) الكاف في محل نصب صفة لمصدر محذوف أي إنجاء مثل ذلك الانجاء فهي مفعول مطلق والعامل فيه ننجي المؤمنين ولك أن تجعل الكاف في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف وقدّروه بقولهم الأمر كذلك ، وحقا نصب على المصدر أي يحق حقا ويجوز أن يعرب نصبا على الحال وإن كان لفظه لفظ المصدر وأورد جامع العلوم الضرير النحوي وجها طريفا وهو أن ينصب على البدلية من كذلك وعلينا متعلقان بحقا وننجي فعل مضارع والمؤمنين مفعول به.

البلاغة :

التشبيه التمثيلي في قوله كذلك ننجي إلخ فقد شبه نجاة من بقي من المؤمنين بنجاة من مضى في أنه واجب لهم وحق على الله. ووجه الشبه استحقاق كل منهم بالنجاة.

(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ

٣٠٤

أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٤) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩))

الاعراب :

(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) قل فعل أمر ويا أيها الناس تقدم إعرابها كثيرا وإن شرطية وكنتم فعل الشرط وهي كان واسمها وفي شك خبرها ومن ديني صفة لشك. (فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) الفاء رابطة لجواب الشرط ولا نافية وأعبد فعل مضارع فاعله أنا والذين مفعول أعبد وجملة تعبدون صلة ومن دون الله حال. (وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) الواو عاطفة ولكن حرف استدراك لا عمل لها وأعبد فعل مضارع وفاعله أنا ولفظ الجلالة مفعوله والذي صفة وجملة يتوفاكم صلة. (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)

٣٠٥

الواو عاطفة وأمرت فعل ماض مبني للمجهول والتاء نائب فاعل وأن وما في حيزها في موضع نصب بنزع الخافض أي بأن أكون والجار والمجرور متعلقان بأمرت واسم أكون مستتر تقديره أنا ومن المؤمنين خبر أكون. (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) الواو عاطفة وأن وما في حيزها عطف على ما قبلها كأنه قيل : وقيل لي وأقم ، ولكن يشكل اعراب المصدر لأن عطفه على أن أكون فيه إشكال لامتناع عطف الإنشاء على الخبر ولكن سيبويه سوغ أن توصل أن بالأمر والنهي وشبه ذلك بقولهم أنت الذي تفعل على الخطاب لأن الغرض وصلها بما تكون معه بمعنى المصدر ، والأمر والنهي دالان على المصدر دلالة غيرهما من الأفعال. وقد لخص البيضاوي ما أفاض فيه سيبويه قال : «وان أقم عطف على أن أكون غير أن صلة أن محكية بصيغة الأمر ولا ضير في ذلك لأن مناط جواز وصلها بصيغ كل الأفعال دلالتها على المصدر وذلك لا يختلف بالخبرية والطلبية ووجوب كون الصلة خبرية في الموصول الاسمي إنما هو للتوصل الى وصف المعارف بالجمل وهي لا توصف إلا بالجمل الخبرية وليس الموصول الحر في كذلك» وهو تلخيص لما قاله الزمخشري أيضا وجرى عليه أبو السعود أما غيرهما فاختار أن «أن» المصدرية وما في حيزها في محل رفع بفعل مقدر أي : وقيل لي ، ولا نرى هذا الرأي. أما السمين شهاب الدين الحلبي فقال ما نصه : «قوله وأن أقم يجوز أن يكون على إضمار فعل أي وأوحي إليّ أن أقم ثم لك في أن وجهان أحدهما أن تكون تفسيرية لتلك الجملة المقدّرة وفيه نظر لأن المفسر لا يجوز حذفه والثاني أن تكون مصدرية فتكون هي وما في حيزها في محل رفع بذلك الفعل المقدر.

٣٠٦

وأقم فعل أمر ووجهك مفعول به وللدين متعلقان بأقم وحنيفا حال من الدين أو من الوجه. (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الواو عاطفة ولا ناهية وتكونن فعل مضارع مبني لاتصاله بنون التوكيد في محل جزم بلا واسم تكونن مستتر تقديره أنت ومن المشركين خبرها.

(وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ) الواو عاطفة ولا ناهية وتدع مضارع مجزوم بلا والفاعل أنت ومن دون الله حال وما موصول مفعول به وجملة لا ينفعك صلة وجملة ولا يضرك عطف على لا ينفعك.

(فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ) الفاء عاطفة وان شرطية وفعلت في محل جزم فعل الشرط والفاء رابطة وان واسمها واذن حرف جواب وجزاء مهمل ومن الظالمين خبر إن. (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) الواو عاطفة وان شرطية ويمسسك فعل الشرط والكاف مفعول به والله فاعل وبضر جار ومجرور متعلقان بيمسسك والفاء رابطة ولا نافية للجنس وكاشف اسمها مبني على الفتح وله متعلقان بكاشف والخبر محذوف ويجوز أن يكون له هو الخبر أي كائن له وإلا أداة حصر وهو بدل من الخبر المحذوف على ما تقدم في «لا إله إلا الله».

(وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) الواو عاطفة وان شرطية ويردك فعل الشرط مجزوم والكاف مفعول به وبخير متعلقان بيردك والفاء رابطة ولا نافية للجنس وراد اسمها ولفضله متعلقان براد والخبر محذوف ويجوز أن يكون الجار والمجرور هو الخبر كما تقدم. (يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) جملة يصيب استئنافية والفاعل هو وبه جار ومجرور متعلقان بيصيب ومن مفعول يصيب وجملة يشاء صلة ومن عباده حال ، وهو الواو استئنافية وهو مبتدأ والغفور خبر أول والرحيم خبر ثان. (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) قد جاءكم الحق فعل ومفعول به وفاعل ومن ربكم متعلقان بجاءكم.

٣٠٧

(فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) الفاء الفصيحة ومن شرطية أو موصولية مبتدأ واهتدى فعل الشرط والجملة صلة الموصول والفاء رابطة وانما كافة ومكفوفة ويهتدي فعل مضارع والفاعل هو ولنفسه متعلقان بيهتدي. (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) تقدم اعراب مماثلتها.

(وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) الواو استئنافية وما نافية حجازية وأنا اسمها وعليكم متعلقان بوكيل ووكيل خبر ما الحجازية محلا. (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ) الواو استئنافية لاستبعاد عطف الإنشاء على الخبر واتبع فعل أمر وفاعله أنت وما مفعول به وجملة يوحى صلة وإليك متعلقان بيوحى. (وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) واصبر فعل أمر معطوف على اتبع وحتى حرف غاية وجر ويحكم الله منصوب بأن مضمرة بعد حتى والله فاعله وهو الواو استئنافية وهو مبتدأ وخير الحاكمين خبره.

٣٠٨

سورة هود

مكية وآياتها ثلاث وعشرون ومائه

(الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣) إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤))

اللغة :

(أُحْكِمَتْ آياتُهُ) : نظمت نظما رصينا محكما لا يعتوره نقض ولا خلل كأنه البناء المحكم المرصف ويجوز أن يكون نقلا بالهمزة من حكم بضم الكاف أي صار حكيما وقيل معناه منعت من الفساد

٣٠٩

من قولهم أحكمت الدابة إذا وضعت فيها الحكمة لتمنعها من الجماع قال جرير :

أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم

إني أخاف عليكم أن أغضبا

وقد تقدم بحث مسهب عن الحكمة في القرآن وسيرد المزيد منها أيضا.

الاعراب :

(الر ، كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) الر تقدم القول فيها وكتاب خبر مبتدأ محذوف أي هذا كتاب وجملة أحكمت آياته صفة لكتاب وآياته نائب فاعل. (ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي وفصت فعل ماض مبني للمجهول ومن حرف جر ولدن ظرف مبني على السكون في محل جر وهما متعلقان بفصلت أو بمحذوف صفة لكتاب وهذا أولى لأنه وصف أولا بإحكام آياته وتفصيلها الدالين على علو رتبته من حيث الذات ثم وصف بهذه الصفة الدالة على علو شأنه من حيث الاضافة ، وحكيم مضاف الى لدن وخبير صفة لحكيم. (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) يجوز أن تكون أن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ولا ناهية وتعبدوا مجزوم بلا والجملة خبر أن المخففة ، ويجوز أن تكون أن حرفا مصدريا ناصبا ولا نافية والفعل بعدها منصوب بأن وأن وما في حيزها مفعول لأجله بتقدير اللام على معنى لئلا تعبدوا ويجوز أن تكون تفسيرية لأن في تفصيل الآيات معنى القول كأنه قيل : قال لا تعبدوا إلا الله أو أمركم أن لا تعبدوا إلا الله ولعل هذا أسهل من الوجهين السابقين وإن كانت

٣١٠

الأوجه الثلاثة متساوية في الرجحان ، وإلا أداة حصر ولفظ الجلالة مفعول به وإن واسمها ونون الوقاية بينهما ولكم جار ومجرور متعلقان بنذير وبشير ومنه حال ونذير خبر إن وبشير عطف على نذير. (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) الواو عاطفة وأن معطوفة على أن الأولى عطف علة على أخرى وتجري مجراها في الاعراب وربكم مفعول استغفروا ثم حرف عطف وتوبوا عطف على أن استغفروا فهو علة ثالثة وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون «وأن استغفروا» وما بعده كلاما مبتدأ منقطعا عما قبله على لسان النبي صلى الله عليه وسلم إغراء منه على اختصاص الله بالعبادة ويدل عليه قوله : إنني لكم منه نذير وبشير. (يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) يمتعكم فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب وهو قوله إن استغفروا ربكم والكاف مفعول به ومتاعا مفعول مطلق وحسنا صفة والى أجل متعلقان بيمتعكم ومسمى صفة لأجل. (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) الواو عاطفة ويوت عطف على يمتعكم مجزوم مثله وعلامة جزمه حذف حرف العلة والفاعل هو أي الله وكل مفعول به أول وذي فضل مضاف اليه وفضله مفعول به ثان. (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) الواو عاطفة وإن شرطية وتولوا فعل مضارع أصله تتولوا مجزوم لأنه فعل الشرط والواو فاعل والفاء رابطة وان واسمها وجملة أخاف عليكم خبر إن وجملة فإني أخاف عليكم في محل جزم جواب الشرط وعذاب مفعول به ويوم مضاف اليه وكبير صفة ليوم ويوم القيامة وصف بالكبر كما وصف بالعظم والثقل. (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الى الله خبر مقدم ومرجعكم مبتدأ مؤخر وهو مبتدأ وعلى كل شيء جار ومجرور متعلقان بقدير وقدير خبر هو.

٣١١

سورة الهود

مكية وآياتها ثلاث وعشرون ومائة

بسم الله الرحمن الرحيم

(أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٥) وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨))

اللغة :

(يَثْنُونَ) : الثني : العطف تقول ثنيته عن كذا أي عطفته ومنه الاثنان لعطف أحدهما على الآخر في المعنى ومنه الثناء لعطف المناقب في المدح ومنه الاستثناء لأنه عطف عليه بالإخراج منه ، وأصل يثنون يثنيون لأنه من باب يرمي فالمصدر الثني نقلت ضمة الياء الى النون قبلها ثم حذفت لالتقاء الساكنين فوزنه يعفون لأن الياء المحذوفة هي لام الكلمة

٣١٢

وقال الزمخشري : يثنون عنه : يزورون عن الحق وينحرفون عنه لأن من أقبل على الشيء استقبله بصدره ومن ازورّ عنه وانحرف ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه.

(لِيَسْتَخْفُوا) : الاستخفاء : طلب خفاء الشيء قال استخفى وتخفّى.

(يَسْتَغْشُونَ) : يطلبون الغطاء قالت الخنساء.

أرعى النجوم وما كلفت رعيتها

وتارة أتغشّى فضل اطماري

وفي القاموس : واستغشى ثوبه تغطّى به كيلا يسمع ولا يرى.

(الدابة) : الحي الذي من شأنه أن يدب ، وقد صار في العرف مختصا بنوع من الحيوان ، وفي المصباح : دب الصغير يدّب من باب ضرب ، إذا مشى ودب الجيش دبيبا سار سيرا لينا ، وكل حيوان في الأرض دابة.

الاعراب :

(أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) ألا أداة استفتاح وتنبيه وإن واسمها وجملة يثنون صدورهم خبرها واللام للتعليل ويستخفوا مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام. (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) ألا تأكيد للتنبيه وحين ظرف والعامل فيه مقدر وهو يستخفون ويجوز أن يكون ظرفا ليعلم أي ألا يعلم سرهم وعلنهم حين يفعلون كذا وجملة يستغشون مضافة للظرف وثيابهم منصوب بنزع الخافض ويعلم فعل مضارع وفاعله هو الله وما مفعول به وجملة يسرون صلة وما يعلنون عطف عليه. (إِنَّهُ

٣١٣

عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) إن واسمها وخبرها وبذات الصدور متعلقان بعليم. (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) الجملة مستأنفة مسوقة لبيان كونه تعالى محيطا بجميع الكائنات عالما بكل ما هب ودب ، وما نافية ومن زائدة ودابة مبتدأ محلا مجرور بمن لفظا وإلا أداة حصر وعلى الله خبر مقدم ورزقها مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية خبر دابة. (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها) الواو حرف عطف ويعلم فعل مضارع وفاعله هو ومستقرها مفعول يعلم ومستودعها عطف على مستقرها وهما اسما مكان أي يعلم مواضع استقرارها ومساكنها ومواطن استيداعها من صلب أو رحم أو بيضة. (كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) كل مبتدأ وساغ الابتداء به لما فيه من معنى العموم أي كل واحد من الدواب وستأتي أحكام «كل» في باب الفوائد ، وفي كتاب خبر ومبين صفة. (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) الواو عاطفة وهو مبتدا والذي خبر وجملة خلق السموات والأرض صلة وفي ستة أيام متلقان بخلق. (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) كان واسمها وعلى الماء خبرها وفي الصورة تجسيد للاحاطة. (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) اللام للتعليل ويبلوكم مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل ولام التعليل الجارة ومدخولها متعلقان بخلق وأيكم مبتدأ وأحسن خبر وعملا تمييز والجملة في محل نصب معمولة ليبلوكم وعلق عنها بأي الاستفهامية ، وقد أحسن الزمخشري في تقريره إذ قال : «فإن قلت كيف جاز تعليق فعل البلوى؟ قلت لما في الاختبار من معنى العلم لأنه طريق اليه فهو ملابس له كما تقول انظر أيهم أحسن وجها واستمع أيهم أحسن صوتا لأن النظر والاستماع من طرق العلم. (وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ) الواو عاطفة واللام موطئة للقسم ولا يجوز أن تكون للابتداء لأنها دخلت على إن التي هي للجزاء ولام

٣١٤

الابتداء من خصائص الاسم أو ما يضارع الاسم وإن حرف شرط جازم وقلت فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وإن واسمها ومبعوثون خبرها ومن بعد الموت متعلقان بمبعوثون. (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) اللام جواب القسم وجواب الجزاء مستغنى عنه بجواب القسم لأنه إذا جاء في صدر الكلام غلب عليه وقد تقدم ذلك ، ويقولن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد والجملة لا محل لها لأنها جواب القسم كما تقدم وإن نافية وهذا مبتدأ وإلا أداة حصر وسحر خبر ومبين صفة وسيأتي بحث اللام وأقسامها في باب الفوائد. (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) لئن عطف على ما تقدم وقد تقدم إعراب لئن وعنهم متعلقان بأخرنا والعذاب مفعول به والى أمة متعلقان بأخرنا والمراد بالأمة الطائفة من الأزمنة وهي في الأصل للطائفة من الناس ومعدودة صفة الأمة. (لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ) اللام جواب القسم ويقولن فعل مضارع مرفوع لأنه مفصول عن نون التوكيد بفاصل وهو واو الجماعة المحذوفة لالتقاء الساكنين والأصل ليقولوننّ حذفت إحدى النونات لتوالي الأمثال وحذفت الواو لالتقاء الساكنين والضمة على اللام دليل عليها وقد تقدم تحقيق ذلك وأعدناه للتذكير وما اسم استفهام مبتدأ وجملة يحبسه خبر والاستفهام للانكار والاستهزاء والسخرية حسب اعتقادهم. (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) ألا أداة استفهام وتنبيه وهي داخلة على ليس في المعنى ويوم يأتيهم نصب على الظرف وهو معمول لخبر ليس واسمها مستتر فيها يعود على العذاب ومصروفا خبر ليس وعنهم جار ومجرور متعلقان بمصروفا وستأتي الاشارة إلى جواز تقديم خبر ليس عليها في باب الفوائد. (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) الواو عاطفة وجملة حاق عطف على جملة ليس فهو في حيز ألا وبهم متعلقان

٣١٥

بحاق وما فاعل حاق وجملة كانوا صلة والواو اسم كان وبه متعلقان بيستهزئون وجملة يستهزئون خبر كانوا.

الفوائد :

١ ـ (كُلٌّ) اسم موضوع لاستغراق أفراد المتعدد أو لعموم أجزاء الواحد ولا تستعمل إلا مضافة لفظا أو تقديرا وتقيد التكرار بدخول ما المصدرية الظرفيّة عليها نحو كلما أتاك أكرمه وقد تقدم في كلما عند قوله «كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا» وأنها منصوبة على الظرفية باتفاق وناصبها الفعل الذي هو جواب في المعنى والجملة بعدها لا محل لها لانها صلة موصول حرفي وتكون «كل» نعتا لنكرة أو معرفة فتدل على أنه كامل بلغ الغاية فيما تصفه به نحو هو العالم كل العالم وتكون توكيدا لمعرفة أو نكرة نحو «فسجد الملائكة كلهم» وأقمنا حولا كاملا كله ولفظة كل حكمها الافراد والتذكير ومعناها بحسب ما تضاف اليه فإن أضيف إلى مذكر وجب مراعاة معناها وجاء الضمير بعدها مفردا مذكرا «وكل شيء فعلوه في الزبر» أو مفردا مؤنثا نحو «كل نفس ذائقة الموت» أو مثنى كقول الفرزدق :

وكل رفيقي كل رحل وإن هما

تعاطى القنا قوما هما اخوان

ولابن هشام تعسف وخبط في إعراب هذا البيت نكتفي بالاشارة إليه ليرجع اليه من شاء في مغني اللبيب.

أو مجموعا مذكرا كقول لبيد :

وكل أناس سوف تدخل بينهم

دويهية تصفر منها الأنامل

أو مجموعا مؤنثا كقول الآخر :

٣١٦

وكل مصيبات الزمان وجدتها

سوى فرقة الأحباب هينة الخطب

وإن أضيفت إلى معرفة جاز مراعاة لفظها ومراعاة معناها فيقال :كل القوم حضر وكل القوم حضروا وإن قطعت عن الاضافة لفظا فقيل تجوز مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى نحو كل حضر وكل حضروا وقيل إذا كان المقدر مفردا نكرة فيجب الإفراد وان كان جمعا معرفا فيجب الجمع ، والتنوين في المنقطعة عن الإضافة لفظا عوض عن المضاف اليه والتقدير في المثال الأول كل أحد وفي الثاني كلهم وإن وقعت كل بعد النفي ثابتا لبعض الأفراد نحو ما جاء كل القوم وإن وقع النفي بعدها ثبت لكل فرد نحو كلهم لم يقوموا ولا تدخلها أل إلا إذا كانت عوضا عن المضاف اليه أو أريد لفظها كما يقال الكل لا حاطة الأفراد.

٢ ـ اللام : اللام على ثلاثة أقسام : عاملة للجر وعاملة للجزم وغير عاملة.

وأقسامها :

ا ـ اللام الجارة : تكون مكسورة مع الاسم الظاهر نحو لزيد إلا مع المستغاث المباشر ل «يا» فهي مفتوحة نحو يا لله وتكون مفتوحة مع الضمير إلا مع الياء فهي مكسورة نحو لك ولي.

واللام الجارة قسمان :

آ ـ اللام الداخلة على الاسم ولها معان كثيرة مذكورة في كتب النحو المطولة وأشهرها الاختصاص نحو «الجنة للمؤمن» والاستحقاق نحو «العزة لله» والملك نحو «لله ما في السموات وما في الأرض» والتبليغ نحو «قلت له» والتعدية نحو «ما أشد حب زيد لعمرو» والقسم نحو «لله لأفعلن هذا» أي والله والصيرورة نحو «ولد

٣١٧

الإنسان لحياة أبدية» وتأتي أيضا بمعنى الى وعلى وعند وفي وبعد ، وقد تكون زائدة نحو ضربت لزيد.

ب ـ أما اللام الداخلة على الفعل فإن الفعل بعدها ينصب بأن المصدرية مضمرة وتكون أن وما في حيزها في تأويل مصدر مجرور باللام وهذه تكون أما للتعليل نحو «جئتك لتعلمني» وإما للصيرورة نحو «فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا» وأما لتوكيد النفي وهي المسبوقة بكون منفي وتسمى لام الجحود نحو ما كان زيد ليكذب.

٢ ـ اللام الجازمة : وهي لام الأمر وتسمى لام الطلب وتكون مكسورة نحو «لينفق ذو سعة من سعته» وقد تفتح ، وإسكانها بعد الفاء والواو أكثر من تحريكها نحو «فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي» وقد تسكن بعد ثم نحو «ثم ليقض».

٣ ـ غير العاملة : وتكون مفتوحة أبدا وهي :

آ ـ لام الابتداء نحو «لزيد قائم» و «إن زيدا لقائم» وتسمى بعد إن : اللام المزحلقة.

ب ـ لام الجواب بعد لو ولو لا والقسم نحو «لو عدتم لعدنا» و «لو لا زيد لهلكنا» و «والله لزيد كريم».

ج ـ اللام الزائدة كما في قوله «أراك لشاتمي».

د ـ لام البعد اللاحقة لأسماء الاشارة وأصلها السكون كما في تلك وإنما كسرت مع ذلك لالتقاء الساكنين.

٣١٨

٣ ـ ليس واسمها وخبرها :

تختص ليس من بين أخوات كان بأمور :

١ ـ ليس فعل لا يتصرف بحال لأنها وضعت موضع الحرف في أنها لا يفهم معناها إلا مع متعلقها.

٢ ـ لا يجوز أن يتقدم خبرها عليها عند جمهور النحاة وأجازه بعضهم من قدماء البصريين والفراء وابن برهان والزمخشري من المتأخرين بقوله تعالى «ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم» وتقرير الحجة منه أن يوم يأتيهم معمول لمصروفا وقد تقدم على ليس وتقديم المعمول لا يصح إلا حيث يصح تقديم عامله فلو لا أن الخبر وهو مصروفا يجوز تقديمه على ليس لما جاز تقديم معموله عليها وأجيب بأن المعمول ظرف فيتسع فيه ما لا يتسع في غيره أو بأن يوم معمول المحذوف تقديره يعرفون يوم يأتيهم ، وليس مصروفا جملة حالية مؤكدة أو مستأنفة وقال أبو حيان «وقد تتبعت جملة من دواوين العرب فلم أظفر بتقديم خبر ليس عليها ولا بتقديم معموله إلا ما دل عليه ظاهر الآية».

٤ ـ تعقيب لابن هشام على الزمخشري في تعليقه على قوله تعالى :«ليبلوكم أيكم أحسن عملا» وقد اضطرب كلام الزمخشري ثم أورد ما نقلناه عنه وقال : «ولم أقف على تعليق النظر البصري والاستماع إلا من جهته».

وذكر الرضي أن أفعال الحواس تعلق لأنها طرق للعلم وقال عبد القادر البغدادي في شرح شواهده على الكافية : إن كتاب الرضي لم ينقل للقاهرة إلا بعد موت ابن هشام فكذلك قال ولم أقف إلخ ...

٣١٩

(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١))

الاعراب :

(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) تقدم القول في لئن وأذقنا فعل ماض في محل جزم فعل الشرط ونا فاعل والإنسان مفعول به ومنّا حال لأنه كان في الأصل صفة لرحمة وتقدمت عليها ورحمة مفعول به ثان.

(ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ) ثم حرف عطف للترتيب والتراخي ونزعناها فعل وفاعل ومفعول به ومنه جار ومجرور متعلقان بنزعناها وان واسمها واللام المزحلقة ويئوس خبر إن وكفور خبر ثان لإن.

(وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) تقدم اعراب مثيلتها وبعد ظرف متعلق بمحذوف صفة لنعماء وضراء مضاف اليه ومنع من الصرف لانتهائه بألف التأنيث الممدودة وجملة مسته صفة. (لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي) اللام جواب القسم وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم ويقولن فعل مضارع مبني على الفتح وجملة ذهب السيئات مقول القول وعني متعلقان بذهب. (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) إن واسمها واللام المزحلقة وفرح خبر أول وفخور خبر ثان لإن. (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) إلا أداة

٣٢٠