إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٤

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٤

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥١٠

(الآية) : العلامة التي تنبىء عن مقطع الكلام من جهة مخصوصة.

(الْحَكِيمِ) : هاهنا بمعنى المحكم فعيل بمعنى مفعل قال الأعشى :

وغريبة تأتي الملوك حكيمة

قد قلتها ليقال : من ذا قالها؟

وقيل الحكيم بمعنى الحاكم ودليله قوله تعالى «ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه» وسيأتي القول في باب الفوائد عن الحكمة وشيوعها في القرآن.

(قَدَمَ صِدْقٍ) : القدم بفتحتين الشيء الذي تقدمه أمامك ليكون لك عدة حتى تقدم عليه وقال أبو عبيدة والكسائي : كل سابق خير أو شر فهو عند العرب قدم وهو مؤنث ، يقال قدم حسنة ، قال حسان ابن ثابت :

لنا القدم العليا إليك وخلفنا

لأولنا في طاعة الله تابع

وقال ذو الرمة :

لكم قدم لا ينكر الناس أنها

مع الحسب العادي طمت على البحر

وسيأتي في باب البلاغة المزيد من بحثها.

(القسط) العدل وهي بكسر القاف ومنه القسط أي النصيب ، والقسط بفتح القاف الجور ، والسين اعوجاج في الرجلين.

(الحميم) : الماء الذي أسخن بالنار أشد اسخان ، قال المرقش الأصغر :

في كل يوم لها مقطّرة

فيها كباء معد وحميم

٢٠١

الاعراب :

(الر ، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) الر تقدم إعرابها في سورة البقرة فجدد به عهدا وتلك مبتدأ وآيات الكتاب خبر والحكيم صفة للكتاب. (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) الهمزة للاستفهام الإنكاري المشوب بالتعجب وكان فعل ماض ناقص وللناس جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال لأنه تقدم على الصفة وعجبا خبر كان مقدم وأن أوحينا مصدر في محل رفع اسم كان والى رجل جار ومجرور متعلقان بأوحينا ومنهم صفة لرجل. (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) أن مفسرة وهي الواقعة بعد جملة فيها معنى القول دون حروفه أو مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وجملة أنذر الناس مقول قول محذوف هو في محل رفع خبر إن على معنى أن الشأن قولنا أنذر الناس.

(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) وبشر معطوف على أنذر والذين مفعول به وجملة آمنوا صلة وأن حرف مشبه بالفعل وهي وما في حيزها نصب بنزع الخافض أي بأن ، ولهم خبرها المقدم وقدم صدق اسمها المؤخر وعند ربهم الظرف متعلق بمحذوف صفة لقدم صدق. (قالَ الْكافِرُونَ : إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ) الجملة مستأنفة كأنه قيل : ماذا صنعوا بعد التعجب ، وقال الكافرون فعل وفاعل وإن واسمها وخبرها واللام المزحلقة ومبين صفة لساحر والجملة مقول القول (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) إن واسمها وخبرها والذي صفة لله وجملة خلق السموات والأرض صلة وفي ستة أيام متعلقان بخلق. (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) ثم حرف عطف وتراخ واستوى عطف على خلق وعلى العرش جار ومجرور متعلقان باستوى وجملة يدبر الأمر خبر ثان لإن ويجوز أن تكون حالية ويجوز

٢٠٢

أن تكون مستأنفة لا محل لها من الاعراب. (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) ما نافية حجازية ومن زائدة وشفيع مجرور لفظا اسم ما محلا وإلا أداة حصر ومن بعد إذنه متعلقان بمحذوف خبر. (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) ذلكم مبتدأ والله بدل وربكم خبر ذلكم والفاء الفصيحة واعبدوه فعل أمر وفاعل ومفعول به والهمزة للاستفهام الانكاري المراد به الحث على التفكر والتذكر والفاء عاطفة على محذوف ولا نافية وتذكرون فعل مضارع أصله تتذكرون. (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) إليه خبر مقدم ومرجعكم مبتدأ مؤخر وجميعا نصب على الحال (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) وعد الله منصوب على المصدر لأن قوله إليه مرجعكم معناه الوعد بالرجوع وحقا منصوب على المصدرية والتقدير حق ذلك حقا. (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ان واسمها وجملة يبدأ خبرها والخلق مفعول به ثم يعيده عطف على يبدأ الخلق والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل وجود الخلق ومرجعهم إليه (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ) اللام للتعليل ويجزي مضارع منصوب بأن مضمرة والذين مفعول يجزي وجملة آمنوا صلة وعملوا الصالحات عطف على آمنوا وبالقسط جار ومجرور متعلقان بيجزي أي بسبب قسطهم وعدلهم ويجوز أن يكون حالا إما من الفاعل وإما من المفعول أي يجزيهم ملتبسا بالقسط أي عادلا أو ملتبسين به. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) والذين مبتدأ وجملة كفروا صلة ولهم خبر مقدم وشراب مبتدأ مؤخر ومن حميم صفة لشراب وعذاب عطف على شراب وجملة لهم شراب خبر الذين وأليم صفة لعذاب وبما الباء حرف جر سببية وما مصدرية وكانوا كان واسمها وجملة يكفرون خبرها أي بسبب كفرهم والجار والمجرور صفة ثانية لعذاب ويجوز أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف ، أي ذلك بسبب كفرهم.

٢٠٣

البلاغة :

١ ـ المجاز المرسل في قوله : «أن لهم قدم صدق» فقد أطلق لفظ القدم على السعي والسبق لأنهما لا يحصلان إلا بالقدم فسمى المسبب باسم السبب كما سميت النعمة يدا لأنها تعطى باليد فالعلاقة هنا السببية وقد تقدم بحثه ، ونزيد هنا ان المجاز لا يكون مطردا فلا يصح أن يقال قدم سوء ، وهذه خاصة عجيبة من خصائص المجاز يكاد الحكم فيها مرده الى الذوق.

٢ ـ المناسبة اللفظية بين حميم وأليم والمناسبة ضربان : مناسبة في المعاني ومناسبة في الألفاظ وقد مر ذكر المناسبة المعنوية في الأنعام ، أما هنا فالمناسبة لفظية وهي عبارة عن الإتيان بلفظات متزنات مقفاة وغير مقفاة فهو تام وناقص وقد وقعت الناقصة في الكلام الفصيح أكثر لأن التقفية غير لازمة فيها.

الفوائد :

١ ـ الحكمة في القرآن :

شاعت لفظة الحكمة في القرآن ووصف القرآن بالحكيم وقد مر معنا الكثير من ذلك وسيمر أكثر منه ، وسنجد لفظ الكتاب مقترنا بلفظ الحكمة معطوفة عليه. قال تعالى «وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة» ويرى الأستاذ مصطفى عبد الرزاق في أبحاثه عن الفلسفة الاسلامية «إن من الممكن أن تكون كلمة «حكمة» في اللغة العربية مرادفة لكلمة «فلسفة» اليونانية ، وتتبّع هذه الكلمة يهدينا الى أصل

٢٠٤

التفكير الممتاز عند العرب ، وقد وجدت الكلمة في الجاهلية والشواهد عليها كثيرة جدا ومعنى الحكمة في القرآن ، في أكثر الأحيان ، سنة النبي ولا خلاف في تقرير هذا المعنى ، وقال اللغويون الحكمة والحكم من مادة واحدة ، ويرى بعض المستشرقين أن الكلمة عبرية ومعناها في هذا اللسان : القضاء أي الحكم أيضا ، والحكمة في معناها العام تدل على السّداد وإتقان الرأي والفعل قال تعالى : «ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا» ، وهذا القول من الوجاهة الى حد كبير وقد سبق الامام الشافعي الى تقرير شيء من ذلك فقال : «إن المقصود بالحكمة سنة النبي صلى الله عليه وسلم».

٢ ـ إضافة الموصوف الى الصفة وبالعكس : الأصل أن لا يضاف موصوف الى صفته كرجل فاضل ولا تضاف صفة لموصوفها كفاضل رجل وما ورد من ذلك يؤول كقوله تعالى «قدم صدق» ومسجد الجامع وصلاة الأولى وحب الحصيد وحبة الحمقاء وتأويله أن يقدر موصوف أضيف إليه المضاف المذكور والتقدير في هذه الأمثلة قدم سعي صدق ، ومسجد المكان الجامع ، وصلاة الساعة الأولى ، وحبة البقلة الحمقاء ، وإنما وصفوها بالحمق لأنها تنبت في مجاري السيول فيمر السيل بها فيقطعها فتطؤها الأقدام ، ومن أمثلة اضافة الصفة الى موصوفها قولهم جرد قطيفة بفتح الجيم وسكون الراء وفتح القاف وكسر الطاء ، وسحق عمامة بفتح السين وسكون الحاء وكسر العين وتأويله أن يقدر موصوف أيضا ويقدر إضافة الصفة الى جنسها ويجر جنسها بمن لأن الاضافة بمعنى من أي شيء جرد من نفس القطيفة وشيء سحق من جنس العمامة فشيء موصوف وجردا وسحق صفته والصفة فيهما مضافة الى جنسها معنى.

٢٠٥

٣ ـ ابن هشام وتعليق «للناس» : وأجاز ابن هشام أن يتعلق قوله «للناس» بكان في بحثه المتعلق بالتعليق بالفعل الناقص قال :«هل يتعلقان بالفعل الناقص؟ من زعم أنه لا يدل على الحدث منع من ذلك وهم المبرد فالفارسي فابن جني فالجرجاني فابن برهان ثم الشلوبين ، والصحيح أنها كلها دالة عليه إلا ليس» أي ف «كان» تدل على حدث وهو كون مطلق والمقيد له خبرها فمعنى كان زيد :حصل زيد ، وقولك قائما أفاد أن المراد حصول قيام زيد وتدل أيضا على زمن خاص وهو الزمن الماضي وأما خبرها وهو قائم فيدل على زمن مطلق فيقيد ويعين بالزمن في كان أو يكون فتحصل ان «كان» تدل على حدث مطلق يقيد بالخبر والخبر يدل على زمن مطلق يقيد بالزمن المستفاد من كان فتعاوضا وأما بقية الأفعال ك «صار» الدالة على الانتقال و «أصبح» الدالة على الدخول في الصباح إلخ فدلالتها على حدث لا يدل عليه الخبر في غاية الظهور وقد استدل على بطلان القول بأنها لا تدل على الحدث بأمور منها : أن الأصل في الفعل الدلالة على الحدث والزمان إذ الدال على الحدث وحده مصدر وعلى الزمان وحده اسم زمان ولا يخرج الفعل عن أصله إلا بدليل ، ومنها : أن الأفعال المتساوية في الزمان إنما تمتاز بالأحداث فإذا زال ما به الافتراق وبقي ما به التساوي فلا فرق بين كان زيد غنيا وصار زيد غنيا والفرق حاصل فبطل ما يوجب خلافه ، ومنها : أنه لو كان معناها الزمن لجاز أن ينعقد جملة تامة من بعضها ومن اسم معنى كما ينعقد منه ومن اسم زمان ثم قال ابن هشام :«واستدل لمثبتي ذلك التعلق بقوله تعالى : «أكان للناس عجبا أن أوحينا» فإن اللام لا تتعلق بعجبا لأنه مصدر مؤخر ولا بأوحينا

٢٠٦

لفساد المعنى ولأنه صلة لأن ، ويجوز أيضا أن تكون متعلقة بمحذوف هو حال من عجبا على حد قوله :

لمية موحشا طلل

يلوح كأنه خلل

وعبارة ابن يعيش : «فقوله للناس متعلق بكان وذلك انه لا يخلو إما أن يكون متعلقا بعجبا أو بأوحينا أو بكان فلا يجوز أن يتعلق بعجبا نفسها لأنه مصدر ومعموله من صلته فلا يتقدم عليه ولا يكون صفة لعجبا على أنه يتعلق بمحذوف لتقدمه عليه والصفة لا تتقدم على الموصوف ولا يجوز أن يتعلق بأوحينا لأنه في صلته ولا يجوز تقديمه عليه وإذا بطل تعلقه بما ذكرنا تعين أن يكون متعلقا بكان نفسها تعلق الظرف بالفعل».

ولا أدري كيف منع ابن يعيش تقديم الصفة على الموصوف وقد أجمع النحاة على أنها إذا تقدمت عليه أعربت حالا وأنشدوا البيت الآنف الذكر.

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦))

٢٠٧

اللغة :

(الضياء) : يجوز أن يكون جمع ضوء كسوط وسياط وحوض وحياض ويجوز أن يكون مصدر ضاء يضوء ضياء وضوءا مثل عاذ يعوذ عياذا وعوذا وعلى أي الوجهين فالمضاف محذوف وتقديره جعل الشمس ذات ضياء والقمر ذا نور ويكون جعل الضياء والنور لكثرة ذلك فيهما وقد تقدم في سورة البقرة الفرق الدقيق بين الضوء والنور فارجع إليه.

الاعراب :

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) هو مبتدأ والذي خبره وجملة جعل صلة وإن كان الجعل بمعنى التصيير كانت الشمس مفعولا أولا وضياء مفعولا ثانيا وان كان الجعل بمعنى الخلق كانت الشمس مفعولا به وضياء حال والقمر نورا عطف عليهما. (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) وقدره فعل وفاعل مستتر ومفعول به ومنازل أي في منازل فهو منصوب على الظرفية ويجوز أن يكون التقدير ذا منازل ، وقدّر على هذا متعدية الى مفعولين لأن معناه جعل وصيّر فيكون مفعولا ثانيا ويجوز أن يكون قدّر متعديا الى واحد بمعنى خلق وهو الهاء ومنازل حال أي متنقلا وارتأى أبو البقاء وجها طريفا لا يخلو من وجاهة وهو أن يكون الضمير منصوبا بنزع الخافض فحذف حرف الجر أي قدر له منازل ومنازل مفعول به واللام للتعليل وتعلموا منصوب بأن مضمرة وعدد مفعول به والسنين مضاف إليه والحساب معطوف على عدد ، سئل أبو عمرو عن الحساب أننصبه

٢٠٨

أم نجره فقال : ومن يدري عدد الحساب ومعنى جوابه أنه سئل هل نعطفه على عدد فنصبه أم على السنين فنجره؟ فكأنه قال : لا يمكن جره إذ يقتضي ذلك أن يعلم عدد الحساب ، ولا يقدر أحد أن يعلم عدده. (ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ما نافية وخلق الله ذلك فعل وفاعل ومفعول به وإلا أداة حصر وبالحق حال فالاستثناء المفرغ من أعم الأحوال أي ما خلق ذلك إلا ملتبسا بالحق والحكمة البالغة ولم يخلقه عبثا وجملة يفصل الآيات حال أيضا والآيات مفعول به ولقوم متعلقان بيفصل وجملة يعلمون صفة لقوم.

(إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) الجملة مستأنفة لتعليل تعاقب الليل والنهار وتفاوتهما بالزيادة والنقصان وإن حرف مشبه بالفعل وفي اختلاف خبر مقدم لإن وما اسم موصول معطوف على اختلاف ويجوز أن تكون مصدرية والمصدر معطوفا على اختلاف ، وفي السموات والأرض جار ومجرور متعلقان بخلق ولآيات اللام المزحلقة وآيات اسم إن المؤخر ولقوم متعلقان بصفة لآيات وجملة يتقون صفة لقوم.

(إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ

٢٠٩

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠))

اللغة :

(الرجاء) : له معنيان صالحان في هذه الآية فالأول الخوف ومنه قول الشاعر :

إذ لسعته النحل لم يرج لسعها

وخالفها في بيت نوب عواسل

والثاني الطمع ومنه قول الشاعر :

أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي

وقومي تميم والفلاة ورائيا

فالمعنى على الأول : لا يخافون عقابا وعلى الثاني : لا يطمعون في ثواب وقيل المراد بالرجاء هنا التوقع فيدخل تحته الخوف والطمع.

الاعراب :

(إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) ان واسمها وجملة لا يرجون صلة ولقاءنا مفعول به. (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها) عطف على لا يرجون لقاءنا فهو داخل في حكم الصلة ويحتمل أن تكون الواو للحال وقد مقدرة وكذلك يقال في واطمأنوا بها. (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ) والذين عطف على الذين المتقدمة فيكون قسما مباينا للذين لا يرجون وقد أخبر عن الصنفين فيما يأتي وهم مبتدأ وعن آياتنا جار ومجرور متعلقان بغافلون وغالفون خبر هم والجملة صلة

٢١٠

الموصول. (أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أولئك مبتدأ ومأواهم مبتدأ ثان والنار خبر الثاني والثاني وخبره خبر أولئك وأولئك وخبره خبر إن وبما كانوا يكسبون تقدم في إعراب بما كانوا يكفرون.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) إن واسمها وجملة آمنوا صلة وعملوا عطف على آمنوا والصالحات مفعول وجملة يهديهم ربهم خبر إن. (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) الجملة خبر ثان لإن أو حال من مفعول يهديهم أو مستأنفة وفي جنات النعيم خبر ثالث أو حال ثانية أو متعلقان بتجري. (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) دعواهم مبتدأ وفيها جار ومجرور متعلقان بدعواهم أو بمحذوف حال وسبحانك مفعول مطلق لفعل محذوف والجملة المؤلفة منه خبر دعواهم والمعنى أن دعاءهم هو هذا اللفظ فالخبر هو نفس المبتدأ واللهم منادى مفرد علم والميم المشددة عوض عن حرف النداء وتحيتهم مبتدأ وفيها متعلقان بتحيتهم أو بمحذوف حال وسلام خبر تحيتهم والمصدر يعني التحية مضاف لمفعوله والفاعل مستتر أي تحية الله لهم أو تحية الملائكة إياهم أو مضاف لفاعله أي ويحيي بعضهم بعضا. (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) الواو عاطفة وآخر مبتدأ ودعواهم مضاف إليه وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن والحمد مبتدأ ولله خبر ورب العالمين صفة أو بدل من الله وجملة الحمد لله خبر ان.

(وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١) وَإِذا

٢١١

مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢))

الاعراب :

(وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لتصوير حالة الناس وتجسيد ما انطوى عليه كيانهم من مطاوعة لنوازع النفس التي تغضب وتتبرم بسواها فتبدر منها في حالات الأزمات النفسية أدعية يتمنون فيها الموت لأولادهم وذويهم ولكن الله يتجاوز عن الاستجابة لأنه لو استجاب لكل ما يصدر عنهم لفرغ من هلاكهم ، ولو حرف شرط للامتناع ويعجل فعل مضارع والله فاعل وللناس جار ومجرور متعلقان بيعجل والشر مفعول به واستعجالهم مفعول مطلق وبالخير متعلقان بالمصدر الذي هو استعجالهم ، اللام واقعة في جواب لو وقضي فعل ماض بالبناء للمجهول وإليهم متعلقان بقضي وأجلهم نائب فاعل ، والمعنى لفرغ من أجلهم ومدتهم المضروبة وسيرد في باب البلاغة المزيد من النكت الرائعة في هذا التعبير الرشيق وهذا هو المشهور في الاعراب على أن سيبويه أعرب استعجالهم حالا وان التقدير عنده استعجالا مثل استعجالهم ثم حذف الموصوف وهو استعجال وأقيمت صفته مقامه وهي مثل فبقي ولو يعجل مثل استعجالهم ثم حذف المضاف

٢١٢

وأقيم المضاف اليه مقامه فأعرب حالا من ذلك المصدر المقدر ، والأول أسهل كما سيأتي ويجوز أيضا أن يعرب منصوبا بنزع الخافض على إسقاط كاف التشبيه والتقدير كاستعجالهم (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) الفاء عاطفة ونذر عطف على مفهوم النفي لأن لو يعجل متضمن معنى النفي للتعجيل كأنه قيل ولا نعجل لهم الشر ولا نقضي إليهم أجلهم فنذر ، والفاعل مستتر تقديره نحن والذين مفعول به وجملة لا يرجون لقاءنا صلة وفي طغيانهم جار ومجرور متعلقان بيعمهون وجملة يعمهون حال أي مترددين في عماهم متخبطين في دجنات آثامهم. (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ) الواو للاستئناف والجملة استئنافية مسوقة لتقرير ضعف الإنسان ونهاية عجزه ، وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن وجملة مس مضاف إليها والإنسان مفعول به والضر فاعل. (دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً) جملة دعانا لا محل لها لأنها جواب إذا ولجنبه في محل نصب حال من فاعل دعانا بدليل ما عطف عليه من الحالين الآتيين أو حرف عطف وقاعدا معطوف على محل لجنبه وكذلك أو قائما ومعنى هذه الأحوال أن المضرور لا يزال لاهجا بالدعاء لا يفتر عنها في مطلق الأحوال كلها سواء أكان منبطحا عاجزا عن النهوض أو كان قاعدا متخاذلا لا يقدر على القيام أو كان قائما لا يطيق المشي. (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) الفاء عاطفة ولما حينية أو رابطة وكشفنا فعل وفاعل وعنه متعلقان بكشفنا وجملة مر لا محل لها لأنها جواب لما وكأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وجملة لم يدعنا خبرها والى ضر جار ومجرور متعلقان بيدعنا وجملة مسه صفة لضر. (كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) كذلك مفعول مطلق أي مثل ذلك التزيين وزين

٢١٣

بالبناء للمجهول وللمسرفين جار ومجرور متعلقان بزين وما موصول نائب فاعل وجملة كانوا صلة والواو اسم كان وجملة يعملون خبر كان.

البلاغة :

١ ـ التنكيت في قوله تعالى «ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير» فقد كان سياق الكلام يقضي أن يأتي بالمصدر المناسب لفعله وهو التعجيل ولكنه عدل الى الاستعجال وهو مصدر لاستعجال لنكتة تدق على الافهام وتكاد تذهل عنها الخواطر إذ لا يكاد وضع المصدر مؤكدا ومقارنا لغير فعله في الكتاب العزيز يخلو من نكتة وقصارى ما يقوله النحاة في ذلك أنه أجرى المصدر على الفعل مقدرا عدم الزيادة وإذا تسوّر القارئ الفطن بفكر مراقي البيان علم أن وراء الجنوح الى هذا المصدر بدلا عن المصدر الملائم للفعل سرا إذ وضع الاستعجال موضع التعجيل إيذانا وإشعارا بسرعة اجابته لهم واسعافه بطلبتهم حتى كأن استعجالهم بالخير تعجيل لهم ومثل ذلك قوله «والله أنبتكم من الأرض نباتا» في التنبيه على حتمية نفوذ القدرة في المقدور وسرعة إمضاء الحكم وسيأتي في حينه.

٢ ـ التقسيم أو صحة الأقسام وهو عبارة عن استيفاء المتكلم جميع أقسام المعنى الذي هو آخذ فيه بحيث لا يغادر منه شيئا وقوله :«دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما» استوفى جميع الهيئات التي يكون عليها الإنسان وقد تردد التقسيم في آل عمران فارجع اليه.

٢١٤

(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧))

اللغة

: (الْقُرُونَ) : جمع قرن بفتح القاف ، وهو أهل كل عصر ، سموا بذلك لمقارنة بعضهم لبعض ومنه قرن الكبش لمقارنته آخر بإزائه والقرن بكسر القاف هو المقام لقرينه في الشدة ويؤخذ من المعاجم أيضا أن القرن بفتح القاف هو مائة سنة وأمة بعد أمة والوقت المطلق من الزمان والقرون الخالية الأمة المتقدمة على التي بعدها.

٢١٥

(خَلائِفَ) : جمع خليفة وهو من يخلف غيره ويقوم مقامه والإمام الذي ليس فوقه إمام وهو مذكر فيقال هذا خليفة آخر وربما أنث مراعاة للفظ فيقال خليفة أخرى ويجمع على خلفاء وخلائف والعدد مع الجمع الأول مذكر فيقال ثلاثة خلفاء ومع الثاني يجوز أن يكون مذكرا ومؤنثا فيقال ثلاثة وثلاث خلائف.

(القرآن) : هناك خمسة أقوال في لفظ القرآن نلخصها بما يلي :

١ ـ ما ذهب اليه الشافعي من أنه ليس مهموزا ولا مشتقا بل وضع علما على الكلام المنزل.

٢ ـ ما نقل عن الأشعري وغيره من أنه مشتق من قرنت الشيء بالشيء إذا ضممته اليه ثم جعل علما على اللفظ المنزل وسسي بذلك لقران السور والآيات والحروف فيه بعضها ببعض.

٣ ـ ذهب الفراء الى أنه مشتق من القرائن لأن الآيات فيه يصدق بعضها بعضا وجعل علما على اللفظ المنزل لذلك وهو على هذين غير مهموز أيضا كالذي قبلهما ونونه أصلية.

٤ ـ قال الزجاج : هو وصف على وزن فعلان وهو مهموز مشتق من القرء بمعنى الجمع ومنه قرأت الماء في الحوض إذا جمعته وسمي الكلام المنزل على النبي المرسل به قرآنا لأنه جمع السور أو جمع ثمرات الكتب السابقة.

٥ ـ ما ذهب اليه اللحياني وجماعة من أنه مصدر مهموز بوزن الغفران سمي به المقروء من تسمية المفعول بالمصدر.

٢١٦

وينقل السيوطي في الإتقان عن الجاحظ أن الله سمى كتابه اسما مخالفا لما سمى العرب كلامهم ، سمى جملة قرآنا كما سمى العرب جملة كلامهم ديوانا وسمى بعضه سورة كقصيدة ، وسمى بعض السورة آية كالبيت وسمى آخر السورة الفاصلة كالقافية.

أما دائرة المعارف الاسلامية فتبدأ بحثها في ماده قرآن بذكر اختلاف المسلمين في نطق واشتقاق ومعنى كلمة قرآن فبعضهم يقول القرآن بغير همز ويذهب الى أنها كلمة وضعت كما وضعت كلمة توراة وإنجيل وهو كما ترى قول الشافعي ، ثم تمضي الدائرة في ذكر بقية الأقوال الخمسة الآنفة الذكر وتضيف إليها قولا سادسا وهو ما ذهب اليه شفالي ، ولهاوزن من أن الكلمة عبرية أو سريانية ومعناها ما يقرأ ، وتجنح دائرة المعارف مع هذين العالمين ، الى رأيهما الذي يقول بأن قرأ بمعنى تلا ليست كلمة عربية النسب ولكنها دخيلة على اللغة.

هذا وسيرد المزيد من هذا البحث الطريف في مواقع أخرى يتبين فيها أرجع الأقوال.

الاعراب :

(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الواو استئنافية واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وأهلكنا القرون فعل وفاعل ومفعول ومن قبلكم جار ومجرور متعلقان بأهلكنا ولا يجوز أن يكون حالا من القرون لأنه ظرف زمان فلا يقع حالا عن الجثة كما لا يقع خبرا لها وقد تقدم بحثه. (لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) لما حينية متعلّقة بأهلكنا أو رابطة وظلموا فعل وفاعل وجاءتهم الواو واو الحال

٢١٧

بإضمار قد وقد تقدم بحث واو الحال وقيل الواو للعطف على ظلموا ولعل الأول أولى ، وجاءتهم رسلهم فعل ومفعول به وفاعل وبالبينات متعلق بجاءتهم. (وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) عطف على ظلموا واللام في ليؤمنوا للجحود ويؤمنوا منصوب بأن مضمرة وهي مع مدخولها خبر كانوا ، وكذلك في محل نصب صفة لمصدر محذوف ونجزي القوم فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به والمجرمين صفة للقوم. (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ) ثم حرف عطف وجعلناكم عطف على أهلكنا وخلائف مفعول به ثان وفي الأرض جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لخلائف ومن بعدهم متعلقان بجعلناكم. (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) اللام للتعليل وننظر منصوب بأن مضمرة بعدها وكيف اسم استفهام في محل نصب مفعول به لتعملون أي لننظر أي عمل تعملونه ، لا لننظر لأن لها الصدارة فلا يعمل فيها ما قبلها ، ولا يبعد أن تكون في محل نصب على الحال أي على أي حالة تعملون الأعمال اللائقة بالاستخلاف.

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) الواو عاطفة وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة تتلى مضاف إليها وتتلى فعل مضارع بالبناء للمجهول وعليهم متعلقان بتتلى وآياتنا نائب فاعل وبينات حال.

(قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا : ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) الجملة لا محل لها لأنها جواب إذا والذين فاعل وجملة لا يرجون صلة ولقاءنا مفعول يرجون وجملة ائت مقول القول وبقرآن متعلقان بائت وغير صفة لقرآن وهذا مضاف لغير وأو حرف عطف وبدله عطف على ائت.

(قُلْ : ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) ما نافية ويكون فعل مضارع ناقص ولي خبرها المقدم وأن وما في حيزها اسمها المؤخر ويجوز أن تكون تامة والمصدر فاعل ومن تلقاء نفسي متعلقان بأبدله

٢١٨

ونفسي مضافة لتلقاء وقد تقدم القول في التلقاء. (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) إن نافية وأتبع فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره أنا وإلا أداة حصر وما مفعول به وجملة يوحى إلي صلة. (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) إن واسمها وجملة أخاف خبرها وإن شرطية وعصيت فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والتاء فاعل ربي مفعول به وعذاب مفعول به لأخاف ويوم مضاف اليه وعظيم صفة. (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) لو شرطية وشاء الله فعل وفاعل وجملة ما تلوته عليكم جواب لو وعليكم جار ومجرور متعلقان بتلوته ، ولا الواو عاطفة ولا نافية وأدراكم فعل ماض وفاعله مستتر والكاف مفعول به وبه متعلقان بأدراكم. (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) الفاء تعليلية وقد حرف تحقيق ولبثت فعل وفاعل وفيكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال وعمرا ظرف زمان متعلق بلبثت ومن قبله متعلقان بلبثت أفلا الهمزة للاستفهام الانكاري والفاء عاطفة على مقدر ولا نافية وتعقلون معطوف على المقدر. (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) الفاء عاطفة ومن اسم استفهام للنفي مبتدأ وأظلم خبره وممن متعلقان بأظلم وجملة افترى صلة الموصول وعلى الله متعلقان بافترى وكذبا مفعول به ، وأو حرف عطف وكذب عطف على افترى وبآياته متعلقان بكذب ، والمعنى : لا أحد أظلم ممن افتري على الله الكذب ، وزيادة كذبا مع أن الافتراء لا يكون الا كذبا لبيان أن هذا مع كونه افتراء على الله هو كذب في نفسه فربما يكون الافتراء كذبا في الاسناد فقط كما إذا أسند ذنب زيد الى عمرو.

(إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) الجملة تعليل لكونه لا أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته ، وان واسمها وجملة لا يفلح خبرها والمجرمون فاعل.

٢١٩

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨) وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩) وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠))

الاعراب :

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) الواو استئنافية والجملة مستأنفة لحكاية جناية أخرى من جناياتهم ويعبدون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل ومن دون الله متعلقان بمحذوف حال من فاعل يعبدون أي متجاوزين الله لا بمعنى ترك الله بالكلية بل بمعنى عدم الاكتفاء بها وضم عبادة الأوثان إليها للشفاعة والتقرب وما موصول مفعول به وهي راجعة الى الأصنام ولكنه راعى لفظها فأفرد في قوله ما لا يضرهم ولا ينفعهم وراعى معناها في قوله هؤلاء شفعاؤنا فجمع ، وجملة لا يضرهم صلة الموصول ولا ينفعهم عطف. وقيل ما موصوفة. (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) الواو

٢٢٠