إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٤

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٤

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥١٠

من الآخرة. (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) الفاء الفصيحة وما نافية ومتاع مبتدأ والحياة مضاف إليه والدنيا صفة وفي الآخرة متعلقان بمحذوف حال أي محسوبا في جنب الآخرة وإلا أداة حصر وقليل خبر متاع ويجوز تعليق في الآخرة بقليل وقد سمى الشهاب «في» الداخلة على الآخرة قياسية أي بالقياس الى الآخرة ولعمري ليس ببعيد. (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) إن شرطية ولا نافية وتنفروا فعل الشرط ويعذبكم جوابه وعذابا مفعول مطلق وأليما صفة ويستبدل عطف على يعذبكم وقوما مفعول به وغيركم صفة ل «قوما». (وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ولا تضروه عطف على يستبدل والواو فاعل والهاء مفعول به وشيئا مفعول مطلق أي شيئا من الضرر والله مبتدأ وقدير خبره وعلى كل متعلقان بقدير. (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) إن شرطية ولا نافية وقد أدغمتا كما تقدم وتنصروه فعل الشرط والفاء رابطة وجملة قد نصره الله جواب الشرط وقد علله الزمخشري تعليلا حسنا إذ قال : «فإن قلت كيف يكون قد نصره الله جوابا للشرط قلت فيه وجهان أحدهما إلا تنصروه في المستقبل فسينصر من نصره حين لم يكن معه إلا رجل واحد ولا أقل من الواحد فدل بقوله قد نصره الله على أنه ينصره في المستقبل كما نصره في ذلك الوقت ، والثاني أنه أوجب له النصرة وجعله منصورا في ذلك الوقت فلن يخذل من بعده ، واتفق المفسرون على أن الجواب محذوف لأن غزوة تبوك في التاسعة ، وقوله إذ أخرجه الذين كفروا قبل ذلك بكثير وقالوا فقد نصره الله بمثابة تعليل للجواب المحذوف وهذا قريب من قول الزمخشري الأول. (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ) الظرف متعلق بنصره الله وجملة أخرجه في محل جر باضافة الظرف إليها والذين فاعل وجملة كفروا صلة

١٠١

وثاني اثنين حال من الهاء في أخرجه والتقدير إذ أخرجه الذين كفروا حال كونه منفردا عن جميع الناس إلا أبا بكر ، واثنين مضاف إليه وإذ بدل من إذ الأولى أي فيفرض زمن إخراجه ممتدا بحيث يصدق على زمن استقرارهما في الغار وزمن القول المذكور فهو بدل بعض من كل ، وهما مبتدأ وفي الغار خبر والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها.

(إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) إذ بدل أيضا وجملة لا تحزن مقول القول وجملة إن الله معنا تعليلية وإن واسمها والظرف متعلق بمحذوف خبرها. (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) الفاء عاطفة وأنزل الله سكينته فعل وفاعل ومفعول به وعليه متعلقان بأنزل وأيده عطف على أنزل وبجنود جار ومجرور متعلقان بأيده وجملة لم تروها صفة لجنود (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) الواو عاطفة أيضا وجعل فعل ماض وفاعله مستتر يعود على الله وكلمة مفعول به والذين مضاف إليه وجملة كفروا صلة والسفلى مفعول به ثان لجعل وكلمة الواو حالية وكلمة الله مبتدأ وهي ضمير فصل أو مبتدأ والعليا خبر كلمة أو خبر هي والجملة خبر كلمة. (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) الله مبتدأ وعزيز حكيم خبراه.

(انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١) لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ

١٠٢

لَكاذِبُونَ (٤٢) عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣))

اللغة :

(خِفافاً وَثِقالاً) اختلفت عبارات المفسرين فيهما ولكنها ترجع الى منبع واحد ، أي انفروا على الصفة التي يخفّ عليكم فيها الجهاد ، وعلى الصفة التي يثقل عليكم فيها الجهاد ، وهذان الوصفان من العموم والشمول بحيث تندرج تحتهما جميع الأقسام وستأتي قصة والي حمص في باب الفوائد.

(عَرَضاً) العرض ما عرض لك من منافع الدنيا ومتاعها ومن أقوالهم : الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر.

(قاصِداً) : السفر القاصد هو الوسط المقارب.

(الشُّقَّةُ) : المسافة الشاطة الشاقة.

الاعراب :

(انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) انفروا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل وخفافا وثقالا حالان وجاهدوا عطف على انفروا وبأموالكم جار ومجرور متعلقان بجاهدوا وأنفسكم عطف على بأموالكم وفي سبيل الله جار ومجرور متعلقان بجاهدوا أيضا. (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ذلكم مبتدأ أي المذكور من الأمرين وهما انفروا وجاهدوا وخير خبر ولكم

١٠٣

متعلقان بخير وإن شرطية وكنتم فعل الشرط وجملة تعلمون خبر كنتم وجواب الشرط محذوف أي فجاهدوا أو فلا تثاقلوا. (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ) لو شرطية امتناعية وكان عرضا كان واسمها مستتر تقديره الشأن أي ما دعوا إليه وعرضا خبرها ، وسفرا قاصدا عطف عليه ، لاتبعوك : اللام واقعة في جواب لو واتبعوك فعل وفاعل ومفعول به والجملة لا محل لها. (وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) الواو حالية ولكن حرف استدراك مهمل للتخفيف وبعدت عليهم الشقة فعل وفاعل وعليهم متعلقان ببعدت والجملة حالية. (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) الواو استئنافية والسين للاستقبال وبالله متعلقان بيحلفون وجملة لو استطعنا جواب القسم وجملة لخرجنا جواب لو ولك أن تجعل جملة لو استطعنا مقول قول محذوف منصوب على الحال أي قائلين فتكون لخرجنا سادّة مسد القسم والشرط جميعا ومعكم ظرف متعلق بخرجنا. (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) جملة يهلكون أنفسهم بدل من سيحلفون أو حال أي مهلكين وأنفسهم مفعول به والله مبتدأ وجملة يعلم خبر وان واسمها وخبرها سدت مسد مفعولي يعلم. (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) جملة دعائية قدم «عفا» فيها في معرض المعاتبة تليينا لقلب الرسول ورأفة به وقد أخطأ الزمخشري إذ فسره بقوله : أخطأت وبئس ما فعلت ، ولقد أحسن من قال في هذه الآية إن من لطف الله تعالى بنبيه أن بدأه بالعفو قبل العتب ولو قال له ابتداء لم أذنت لهم لتفطر قلبه. ولم : اللام حرف جر دخل على ما الاستفهامية فحذف ألفها وقد تقدم حكمها وكلتا اللامين متعلقة بالإذن لاختلافهما في المعنى ، فالأولى للتعليل والثانية للتبليغ والضمير المجرور لجمع المستأذنين وتوجيه الإنكار الى الإذن لشموله الجميع. (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) حتى حرف

١٠٤

غاية وجر أي الى أن يتبين لك من صدق في عذره ممن كذب فيه ولك متعلقان بيتبين والذين فاعل وجملة صدقوا صلة وتعلم عطف على يتبين والكاذبين مفعول به.

الفوائد :

قصة والي حمص والدمشقي :

ونروي بصدد الجهاد والدعوة الى الاستنفار القصة الرائعة التالية ونكتفي بها لأن مباحث الجهاد والاستنفار مبسوطة في المطولات : فعن صفوان بن عمر قال : كنت واليا على حمص فلقيت شيخا كبيرا قد سقط حاجباه من أهل دمشق على راحلته يريد الغزو فقلت : يا عم لقد أعذر الله إليك فرفع حاجبيه وقال : يا ابن أخي استنفرنا الله خفافا وثقالا ، إلا أن من يحبه الله يبتليه.

تكثير السواد وحفظ المتاع :

وعن الزهري : خرج سعيد بن المسيب الى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه فقيل له : انك عليل صاحب ضرر فقال : استنفرنا الله الخفيف والثقيل فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع.

(لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ

١٠٥

لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥) وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧))

اللغة :

(وَلَأَوْضَعُوا) أي لسعوا بينكم بالنمائم وإفساد ذات البين ، وأصل الإيضاع الإسراع.

الاعراب :

(لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الجملة استئنافية مسوقة لتقرير ما يستدل منه على أن المؤمنين ليس من عادتهم أن يستأذنوك في أن يجاهدوا ويستأذنك فعل مضارع ومفعول به والذين فاعل وجملة يؤمنون صلة وبالله جار ومجرور متعلقان بيؤمنون واليوم الآخر معطوف على الله. (أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) أن وما في حيزها منصوب بنزع الخافض أي في الجهاد وهو متعلق بيستأذنك وبأموالهم جار ومجرور متعلقان بيجاهدوا وأنفسهم عطف على أموالهم والله مبتدأو عليم خبر وبالمتقين متعلقان بعليم.

١٠٦

(إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) إنما كافة ومكفوفة وما بعده تقدم إعرابه والمعنى إن الذين يستأذنون هم المترددون المتحيرون ، أما المستبصرون المؤمنون فهم مستقرون على ما عزموا عليه وما هو واجب عليهم ، وهذا من أرقى أفانين الأدب الواجبة الاحتذاء ، فانه لا يليق بالمرء أن يستأذن أخاه في أن يسدي إليه معروفا كما لا يليق بالمضيف أن يستأذن ضيفه في أن يقدم إليه ، فإن الاستئذان في هذا الموطن دليل التكلف ، وخليق بذوي المروءة وأرباب الفتوة أن لا يتثاقلوا إذا ندبوا الى أمر جدير بالمروءة قال طرفة :

إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني

عنيت فلم أكسل ولم أتبلد

وقال آخر :

إن تبتدر غاية يوما لمكرمة

تلق السوابق منا والمصلينا

وأشعارهم طافحة بذلك.

(وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) عطف على لا يؤمنون وارتابت قلوبهم فعل وفاعل أي شكت في الدين ، فهم الفاء عاطفة وهم مبتدأ وفي ريبهم جار ومجرور متعلقان بيترددون وجملة يترددون خبر.

(وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) كلام معطوف أيضا ولك أن تجعله مستأنفا ولو شرطية وأرادوا الخروج فعل وفاعل ومفعول به واللام واقعة في جواب لو وأعدوا فعل وفاعل وله متعلقان بأعدوا وعدة مفعول به. (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) الواو عاطفة على محذوف كأنه

١٠٧

قيل ما خرجوا ولكن كره الله انبعاثهم. (فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) الفاء عاطفة وثبطهم فعل وفاعل مستتر ومفعول به وقيل فعل ماض مبني للمجهول لأن القائل محتمل أن يكون عائدا الى الله ويحتمل أن يكون عائدا الى ما ركز في أنفسهم من الشقاء وسوء المصير واقعدوا فعل أمر وفاعل ومع ظرف متعلق باقعدوا والقاعدين مضاف إليه وسيرد في باب البلاغة سر قوله مع القاعدين. (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) كلام مستأنف مسوق لتقرير المفاسد المترتبة على خروجهم وخرجوا فعل وفاعل وفيكم متعلقان بخرجوا وجملة ما زادوكم لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وزادوكم فعل وفاعل ومفعول به وإلا أداة حصر وخبالا مفعول به ثان والاستثناء هنا متصل لا منقطع لأن الاستثناء المنقطع هو أن بكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه كقولك : ما زادوكم خيرا إلا خبالا والمستثنى منه غير مذكور في الآية وإذا لم يذكر وقع الاستثناء

من أعم العام الذي هو الشيء فكان استثناء متصلا لأن الخبال بعض أعمّ العام كأنه قيل ما زادوكم شيئا إلا خبالا ، والخبال الفساد والشر وذلك بتخذيل المؤمنين وإدخال الوهن في قلوبهم.

(وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) ولأوضعوا معطوف على ما زادوكم واللام واقعة في جواب لو وخلالكم منصوب على الظرفية ومتعلق بأوضعوا أي سعوا بينكم بالنمائم والإغراء ، وجملة يبغونكم حال من فاعل أوضعوا أي لأسرعوا فيما بينكم باغين فتنتكم ، والفتنة مفعول يبغونكم والكاف منصوب بنزع الخافض أي يبغون لكم الفتنة.

(وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) الواو للحال وفيكم خبر مقدم وسماعون مبتدأ مؤخر ولهم متعلقان بسماعون والمعنى وفيكم عيون لهم يتجسسون عليكم وينقلون إليهم أخباركم ويكشفون لهم خططكم ، والله مبتدأ وعليم خبر وبالظالمين متعلق بعليم.

١٠٨

البلاغة :

في الآية التميم بذكر مع القاعدين وعدم الاكتفاء بذكر اقعدوا ، لأنه لو اقتصر على الأمر لم يفد سوى القعود ، ولكنه أراد أن ينظمهم في سلك الزمنى والمرضى وأصحاب العاهات والمعتوهين والنساء والصبيان الذين من شأنهم الجثوم في البيوت بأنهم الموصوفون عند الناس بالتخلف والتقاعد والموسومون بسمة التلكؤ والجبانة. وسيرد المزيد من هذا الفن العجيب.

(لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ (٤٨) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٤٩) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (٥٠) قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١))

الاعراب :

(لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ) اللام جواب لقسم

١٠٩

محذوف وابتغوا الفتنة فعل وفاعل ومفعول به ومن قبل متعلقان بابتغوا وبنيت على الضم لقطعها عن الإضافة لفظا لا معنى أي من قبل غزوة تبوك ، وقلبوا لك الأمور : عطف على ما سبقه وتقليب الإمر تصريفه على أوجه شتى لتدبير الحيلة والمكيدة ، ويقال للرجل المتصرف في وجوه الحيل : حول وقلب. (حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ) حتى حرف غاية وجر أي واستمروا على تقليب الأمور وحوك الدسائس وتبييت المكائد ، وجاء الحق فعل وفاعل وظهر أمر الله فعل وفاعل أيضا وهم كارهون الواو للحال وهم كارهون مبتدأ وخبر والجملة نصب على الحال. (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) الواو عاطفة ومنهم خبر مقدم ومن موصول مبتدأ مؤخر وجملة يقول صلة وائذن فعل أمر ولي جار ومجرور متعلقان به والواو عاطفة ولا ناهية وتفتني مجزوم بلا والنون للوقاية والياء مفعول به. (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) ألا أداة تنبيه وفي الفتنة متعلقان بسقطوا وجمع الضمير والقائل واحد مراعاة للمعنى. (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) الواو عاطفة وان واسمها واللام المزحلقة ومحيطة خبر إن وبالكافرين متعلقان بمحيطة ، والكلام معطوف على الجملة السابقة داخل في نطاق التنبيه. (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ) إن شرطية وتصبك فعل الشرط والكاف مفعول به وحسنة فاعل وتسؤهم جواب الشرط.

(وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ) عطف على ما تقدم ومعنى أخذنا أمرنا أي تلافينا وتفادينا كل خطأ وأخذنا بأسباب الحيطة والحذر والتوقي والحزم. (وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ) ويتولوا عطف على يقولوا أي ويعرضوا عن مجلس النبي والواو للحال وهم فرحون مبتدأ وخبر والجملة الاسمية حالية من الضميرين في يقولوا ويتولوا لا من الأخير فقط لمقارنة الفرح لهما معا. (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا) جملة لن يصيبنا مقول القول وإلا أداة حصر وما فاعل وجملة كتب الله

١١٠

لنا صلة أي قل لهم ذلك للإطاحة بما بنوا عليه مسرتهم وغبطتهم من اعتقاد مزيف (هُوَ مَوْلانا) مبتدأ وخبر ، والجملة حال من الله (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) الفاء للتعليل وعلى الله جار ومجرور متعلقان بيتوكل واللام لام الأمر ويتوكل مجزوم باللام والمتوكلون فاعل.

البلاغة :

المجاز المرسل في قوله تعالى «ألا في الفتنة سقطوا» والعلاقة الحالية أي في جهنم فأطلق الحال وأريد المحل لأن الفتنة لا يسقط فيها الإنسان لأنها معنى من المعاني وإنما يحل في مكانها فاستعمال الفتنة في مكانها مجاز أطلق فيه الحالّ وأريد المحل.

الفوائد :

روى التاريخ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تجهز الى غزوة تبوك قال للجد بن قيس : يا أبا وهب هل لك في جلاد بني الأصفر ، وهم ملوك الروم ، فقال الجد : قد علمت الأنصار أني مستهتر بالنساء فلا تفتني ببنات الأصفر يعني نساء الروم ، ولكن أعينك بمالي فاتركني.

(قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (٥٣) وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا

١١١

بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ (٥٤))

الاعراب :

(قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) هل حرف استفهام وتربصون فعل مضارع حذفت إحدى تاءيه أي تنتظرون وبنا متعلقان بتربصون وإلا أداة حصر وإحدى الحسنيين مفعول به. (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا) الواو عاطفة أو حالية ونحن مبتدأ وجملة نتربص خبر وبكم متعلقان بنتربص وأن وما في حيزها مفعول به والله فاعل وبعذاب متعلقان بيصيبكم ومن عنده صفة لعذاب أو بأيدنيا عطف على من عنده أي بعذاب بأيدينا.

(فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) الفاء الفصيحة وتربصوا فعل أمر أي إذا أردتم أن تعلموا النتائج وما يلقاه كل منا ومنكم فتربصوا وإن واسمها ومعكم ظرف متعلق بمتربصون ومتربصون خبر إنا. (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) جملة أنفقوا مقول القول والواو فاعل وطوعا وكرها مصدر ان نصبا على الحال أي طائعين أو مكرهين. (لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ) لن حرف نفي ونصب واستقبال ويتقبل بالبناء للمجهول مضارع منصوب بلن ومنكم متعلقان بيتقبل وان واسمها وجملة كنتم قوما من كان واسمها وخبرها خبر إن وفاسقين صفة قوما (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ) الواو عاطفة وما نافية ، منعهم فعل ومفعول به وأن تقبل أن وما في حيزها مفعول منع

١١٢

الثاني ومنهم متعلقان بتقبل ونفقاتهم نائب فاعل وإلا أداة حصر وأن وما في حيزها فاعل منع أي ما منعهم قبول نفقاتهم شيء من الأشياء إلا كفرهم وما عطف عليه. (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى) الواو عاطفة ولا نافية ويأتون الصلاة فعل مضارع وفاعل ومفعول به وإلا أداة حصر وهم كسالى مبتدأ وخبر والواو للحال والجملة حالية.

(وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ) عطف على ما تقدم.

البلاغة :

فن التعطف أو المشاركة :

وهو أن يعلق المتكلم لفظة من الكلام بمعنى ، ثم يردها بعينها ويعلقها بمعنى آخر ، وهما مفترقتان كل لفظة منهما في طرف من الكلام وهو في قوله تعالى : «قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده فتربصوا إنا معكم متربصون» فقد أتى التعطف من صدر الآية في قوله : «تربصون بنا» ومن عجزها في قوله : «فتربصوا إنا معكم متربصون» مع تجنيس الازدواج ووقع مع التعطف مقابلة معنوية خرج الكلام فيها مخرج إيجاز الحذف فإن مقتضى البلاغة أن يكون تقدير ترتيب اللفظ قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين : أن يصيبنا الله بعذاب من عنده أو بأيديكم ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا ، فحذف لتوخي الإيجاز تفسير الحسنيين من الجملة الأولى ، وأثبت في الجملة الثانية فرارا من تكرار اللفظ وتكثيره ، كما حذف الحسنيين من الجملة الثانية استغناء بذكرها أولا ، فحصل في الآية

١١٣

التعطف والمقابلة والإيجاز والتفسير فاكتملت فيها أربعة أضرب من البديع وهذا هو السحر الحلال ، وإن من البيان لسحرا.

(فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٥٥) وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ (٥٩) إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠))

اللغة :

(تُعْجِبْكَ) الإعجاب بالشيء أن يسرّ به سرور راض به متعجب

١١٤

من حسنة. والمعنى فلا تستحسن ولا يستهويك ما أوتوا من زينة الدنيا وبهارجها ، وفي المصباح : ويستعمل التعجب على وجهين : أحدهما ما يحمده الفاعل ومعناه الاستحسان والإخبار عن رضاه به ، والثاني ما يكرهه ومعناه الإنكار والذم له ، ففي الاستحسان يقال : أعجبني ، وفي الذم والإنكار : عجبت وزان تعبت.

(يَفْرَقُونَ) يخافون ، وفي المختار : فرق فرقا من باب تعب خاف ويتعدى بالهمزة فيقال أفرقته.

(مَغاراتٍ) جمع مغارة وهي المكان المنخفض في الأرض أو في الجبل. والغور بالفتح من كل شيء قعره ، والغور المطمئن في الأرض ، وغار الرجل غورا أتى الغور وهو المنخفض من الأرض ، وأغار بالألف مثله ، والغار والمغار والمغارة كالكهف في الجبل ، والكهف كالبيت في الجبل والجمع كهوف ، ثم انظر الى الدقة في الترتيب مما يتناهى فيه نظم الكلام الى أسمى الحدود ، ذكر أولا الأمر الأعم وهو الملجأ من أي نوع كان ثم ذكر الغيران التي يختفى فيها في أعلى الأماكن وهي الجبال ، ثم الأماكن التي يختفى فيها في الأماكن السافلة وهي التي عبر عنها بالمدخل.

(يَجْمَحُونَ) يسرعون إسراعا لا يردهم شيء ، من الفرس الجموح وهو الذي إذا حمل لم يرده اللجام ، وفي المصباح : جمح الفرس براكبه يجمح بفتحتين من باب خضع جماحا بالكسر وجموحا استعصى حتى غلبه فهو جموح بالفتح وجامح يستوي فيه المذكر والمؤنث.

(يَلْمِزُكَ) يعيبك في قسمة الصدقات ويطعن عليك وفي المصباح :«لمزه لمزا من باب ضرب عابه وقرأ بها السبعة ، ومن باب قتل لغة ، وأصله الإشارة بالعين ونحوها» فهو أخص من الغمز إذ هو الإشارة

١١٥

بالعين ونحوها سواء أكان على وجه الاستنقاص أولا ، وأما اللمز فهو خاص بكونه على وجه العيب ، وفي المصباح : غمزه غمزا من باب ضرب أشار اليه بعين أو حاجب.

الاعراب :

(فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) الفاء عاطفة وسيأتي سر استعمالها ولا ناهية وتعجبك مضارع مجزوم بلا الناهية والفاعل مستتر تقديره أنت ، والخطاب وإن كان منصرفا الى النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن المراد به جميع المؤمنين ، وأموالهم فاعل ولا أولادهم عطف عليه (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) إنما كافة ومكفوفة ويريد الله فعل مضارع وفاعل واللام للتعليل ويعذبهم منصوب بأن مضمرة وأورد اللام للتقوية والأصل يريد أن يعذبهم ، وبها متعلقان بيعذبهم وفي الحياة الدنيا حال. (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) عطف «تزهق» على «ليعذبهم» وأنفسهم فاعل والواو حالية وهم مبتدأ وكافرون خبر. (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ) الواو استئنافية ويحلفون فعل مضارع وفاعل وبالله جار ومجرور متعلقان بيحلفون وإن واسمها واللام المزحلقة ومنكم خبرها والواو للحال وما نافية حجازية وهم اسمها ومنكم خبرها والجملة حالية (وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) الواو عاطفة ولكن واسمها وقوم خبرها وجملة يفرقون صفة.

(لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ) لو شرطية ويجدون ملجأ فعل مضارع وفاعل ومفعول به أو مغارات أو مدخلا معطوفان على ملجأ. لولوا اللام واقعة في جواب لو وإليه

١١٦

متعلقان بولوا وهم الواو للحال وهم مبتدأ وجملة يحجمون خبر والجملة حالية وجملة لولوا لا محل لها. (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) الواو عاطفة ومنهم خبر مقدم ومن مبتدأ مؤخر وجملة يلمزك صلة وفي الصدقات جار ومجرور متعلقان بيلمزك. (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) الفاء عاطفة وإن شرطية وأعطوا فعل ماض مبني للمجهول في محل جزم فعل الشرط ومنها في محل نصب مفعول به ثان لأن الواو وهي نائب الفاعل مفعوله الأول وإن لم يعطوا منها عطف على الجملة الأولى وإذا فجائية وهم مبتدأ وجملة يسخطون خبر وجملة إذا هم يسخطون في محل جزم جواب الشرط لأن «إذا» تخلف الفاء (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) أن وما في حيزها فاعل لفعل محذوف أي لو ثبت رضاهم ، وما مفعول به وجملة آتاهم الله ورسوله صلة. (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ) حسبنا مبتدأ والله خبر أو بالعكس والجملة مقول القول ، سيؤتينا الله فعل مضارع ومفعول به وفاعل ومن فضله جار ومجرور متعلقان بيؤتينا ورسوله عطف على الله. (إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ) إن واسمها والى الله جار ومجرور متعلقان براغبون وراغبون خبر إنا. (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) إنما كافة ومكفوفة وهي للقصر قصرت الصدقات على الأصناف المعدودة والصدقات مبتدأ وللفقراء خبر والمساكين عطف على الفقراء والعاملين عليها عطف أيضا وأراد بهم السعاة الذين يقبضونها من جاب وقاسم وكاتب وحاشر وحاسب ، والمؤلفة قلوبهم عطف على ما تقدم أيضا ، وقلوبهم نائب فاعل. (وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) وفي الرقاب معطوف على قوله للفقراء أي ومصروفة في الرقاب ولا بد من تقدير مضاف أي وفي فك الرقاب والغارمين عطف أيضا أي الذين فدحتهم

١١٧

الديون إن استدانوا لغير معصية أو لإصلاح ذات البين وفي سبيل الله عطف أيضا أي القائمين بالجهاد وابن السبيل عطف أيضا وهو المنقطع فهو فقير حيث هو غني حيث ماله. (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) مفعول مطلق لفعل محذوف أي فرض الله ذلك فريضة ويجوز إعرابها حالا من الفقراء ومن بعدهم أي إنما الصدقات كائنة لهم حال كونها فريضة وهي فعيلة بمعنى مفروضة وإنما دخلتها التاء وحقها أن يستوي فيها المذكر والمؤنث لجريانها مجرى الأسماء كالنطيحة ، ومن الله صفة والله مبتدأ وعليم خبر أول وحكيم خبر ثان.

البلاغة :

مخالفة الحروف :

في قوله تعالى «إنما الصدقات للفقراء» الى آخر الآية فن طريف من فنون البلاغة لطيف المأخذ ، دقيق المغزى ، قلّ من يتفطن إليه فقد عدل عن اللام الى في ، في الأربعة الأخيرة وذلك لسرّ يخفى على المتأمل السطحي ، وهو أن الأصناف الأربعة الأوائل وهم الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم ملاك لما عساه يدفع إليهم فكان دخول اللام لائقا بهم ، وأما الأربعة الأواخر فلا يملكون ما يصرف نحوهم بل ولا يصرف إليهم ولكن في مصالح تتعلق بهم فالمال الذي يصرف في الرقاب إنما يتناوله السادة المكاتبون والبائعون فليس نصيبهم مصروفا الى أيديهم حتى يعبر عن ذلك باللام المشعرة بتملكهم لما يصرف نحوهم

١١٨

وإنما هم محالّ لهذا الصرف ، والمصلحة المتعلقة به ، وكذلك العاملون إنما يصرف نصيبهم لأرباب ديونهم تخليصا لذممهم لا لهم وأما سبيل الله فواضح فيه ذلك ، وأما ابن السبيل فكأنه كان مندرجا في سبيل الله وإنما أفرد بالذكر تنبيها على خصوصيته مع أنه مجرد من الحرفين جميعا وعطفه على المجرور باللام ممكن ولكنه على القريب منه أقرب ، إذا تفرر هذا تبين لك ما تميز به الأئمة الأربعة من رهافة ذوق وإصابة حدس في استنباط الأصول الفقهية من مخالفة الحروف ، ووجه آخر أشار اليه الزمخشري وذكره ابن الأثير في كتابه الممتع «المثل السائر» نلخصه فيما يلي : إنما عدل عن اللام الى «في» في الثلاثة الأخيرة للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصديق عليهم ممن سبق ذكره باللام لأن «في» للوعاء ، فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات كما يوضع الشيء في الوعاء ويجعلوا مظنة لها ، وذلك لما في فك الرقاب وفي الغرم من التخليص والانقاذ ، وتكرير «في» في قوله «وفي سبيل الله» دليل على ترجيحه على الرقاب وعلى الغارمين ، وسياق الكلام أن يقال : وفي الرقاب والغارمين وسبيل الله وابن السبيل فلما جيء ب «في» مرة ثانيه وفصل بها بين الغارمين وبين سبيل الله علم أن سبيل الله أوكد في استحقاق النفقة فيه وهذه لطائف ودقائق لا توجد إلا في هذا الكلام الشريف.

الفوائد :

وفيما يلي فصل ممتع كتبه عالم جليل من علماء الأزهر نثبته لأصالته في الصدقات والزكوات قال :

١١٩

«تدفع الزكاة لثمانية أصناف :

١ ـ الفقير : وهو الذي لا مال ولا كسب لائق يقع موقعا من كفايته بأن ينقص عن نصف ما يحتاجه كمن يحتاج الى عشرة لا يملك ولا يكسب إلا درهمين أو ثلاثة.

٢ ـ المسكين : من له مال أو كسب لا يكفيه كمن يحتاج الى عشرة دراهم وعنده سبعة.

٣ ـ العاملين عليها : الساعين في تحصيلها كالكاتب لأموال الزكاة.

٤ ـ المؤلفة قلوبهم : وهم الذين أسلموا وإسلامهم ضعيف أو كان قويا ولكن يتوقع بإعطائهم إسلام غيرهم.

٥ ـ الرقاب : وهم المكاتبون من الأرقاء لغير المزكي كتابة صحيحة.

٦ ـ الغارم : وهو الذي تداين دينا لنفسه وحل الدين ولا قدرة له على وفائه وقصد صرفه في مباح أو صرفه فيه أو تداين لإصلاح ذات البين إن حل الدين ولم يوفه من ماله ولو كان غنيا ، أو تداين لضمان إن أعسر هو والمضمون.

٧ ـ وأهل سبيل الله : وهم الغزاة المتطوعون بالجهاد وإن كانوا أغنياء إعانة على الجهاد.

٨ ـ وابن السبيل : وهو المسافر سفرا مباحا من بلد الزكاة ولو مجتاز الى وطنه أو غيره فيعطى من مال الزكاة ما يوصله الى مقصده إن احتاج.

١٢٠