لمحات من المعاد

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-829-7
الصفحات: ١٦٤

لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) (١) فقيل لأبي عبد الله عليه السلام :

«كيف تبدل جلودهم غيرها؟ فقال : أرأيت لو أخذت لبنة فكسرتها وصيرتها ترابا ثم ضربتها في القالب أهي التي كانت؟ إنما هي ذلك وحدث تغير (وجدت تغييراً ـ خ ل) آخر والأصل واحد» (٢).

٥ ـ حديث أبي الجارود عن الإمام أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) يقول :

«ملازماً لا يفارق ، قوله : (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) (٤).

قال : أثام ، واد من أودية جهنم من صفر مذاب قدامه حرة في جهنم ، يكون فيه من عبد غير الله ومن قتل النفس التي حرم الله وتكون فيه الزناة» (٥).

٦ ـ حديث القمّي في قوله تعالى : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ) (٦).

قال :

«يدخل في كل باب أهل ملّة ...».

وفي رواية أبي الجارود عن الإمام أبي جعفر عليه السلام في قوله : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) «فوقوفهم على الصراط ، وأمَّا : (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ) فبلغني ـ والله أعلم ـ أن الله جعلها سبع دركات :

أعلاها الجحيم ؛ يقوم أهلها على الصفا منها ، تعلي أدمغتهم فيها كغلي القدور بما

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٥٦.

(٢) بحار الأنوار : ج ٨ ، ص ٢٨٨ ، ب ٢٤ ، ح ٢٠.

(٣) سورة الفرقان ، الآية ٦٥.

(٤) سورة الفرقان ، الآية ٦٨.

(٥) بحار الأنوار : ج ٨ ، ص ٢٨٩ ، ب ٢٤ ، ح ٢٦.

(٦) سورة الحجر ، الآيتان ٤٣ ـ ٤٤.

١٤١

فيها.

والثانية : (لَظَىٰ * نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ * وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ).

والثالثة : (سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ).

والرابعة : الحطمة ، ومنها يثور شرر كالقصر ، كأنها جمالات صفر ، تدق كل من صار إليها مثل الكحل ، فلا يموت الروح ، كلما صاروا مثل الكحل عادوا.

والخامسة : الهاوية ، فيها ملأ يدعون : يا مالك! أغثنا ، فإذا أغاثهم جعل لهم آنية من صفر من نار فيه صديد ماء يسيل من جلودهم كأنه مهل ، فإذا رفعوه ليشربوا منه تساقط لحم وجوههم فيها من شدّة حرها ، وهو قول الله تعالى : (وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) (١) ، ومن هوى فيها هوى سبعين عاماً في النار ، كلما احترق جلده بدل جلداً غيره.

والسادسة : هي السعير ، فيها ثلاث مائة سرادق من نار ، في كل سرادق ثلاث مائة قصر من نار ، في كل قصر ثلاث مائة بيت من نار ، في كل بيت ثلاث مائة لون من عذاب النار فيها حيات من نار ، وعقارب من نار ، وجوامع من نار ، وسلاسل من نار ، وأغلال من نار ، وهو الذي يقول الله : (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا) (٢).

والسابعة : جهنم ، وفيها الفلق وهو جب في جهنم إذا فتح أسعر النار سعراً ، وهو أشد النار عذاباً.

وأما صعودا فجبل من صفر من نار وسط جهنم.

وأما أثاما فهو واد من صفر مذاب يجري حول الجبل فهو أشد النار عذاباً» (٣).

٧ ـ حديث منصور بن يونس ، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال :

__________________

(١) سورة الكهف ، الآية ٢٩.

(٢) سورة الانسان ، الآية ٤.

(٣) بحار الأنوار : ج ٨ ، ص ٢٨٩ ، ب ٢٤ ، ح ٢٧.

١٤٢

«إن في النار لناراً تتعوذ منها أهل النار ، ما خلقت إلا لكل متكبر جبار عنيد ولكل شيطان مريد ، ولكل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ، وكل ناصب لآل محمد.

وقال : إن أهون الناس عذاباً يوم القيامة لرجل في ضحضاح من نار ، عليه نعلان من نار ، وشراكان (١) من نار ، يعلي منها دماغه كما يعلي المرجل ، ما يرى أن في النار أحداً أشد عذاباً منه ، وما في النار أحدٌ أهون عذاباً منه» (٢).

٨ ـ حديث تفسير القمي في قوله تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ).

قال :

«الفلق جب في جهنم يتعوذ أهل النار من شدّة حرّة ، سأل الله أن يأذن له أن يتنفس فأذن له فتنفس فأحرق جهنم.

قال : وفي ذلك الجب صندوق من نار يتعوذ أهل تلك الجب من حر ذلك الصندوق ، وهو التابوت ، وفي ذلك التابوت ستة من الأولين وستة من الآخرين.

فأما الستة من الأولين ؛ فابن آدم الذي قتل أخاه ، ونمرود إبراهيم الذي ألقى إبراهيم في النار ، وفرعون موسى ، والسامري الذي اتخذ العجل ، والذي هود اليهود ، والذي نصر النصارى.

وأما الستة من الآخرين فهو : الأول والثاني والثالث والرابع وصاحب الخوارج وابن ملجم» (٣).

٩ ـ حديث ميسر عن أبي جعفر ـ الباقر ـ عليه السلام قال :

«إن في جهنم لجبلاً يقال له : الصعدا ، وإن في الصعدا لوادياً يقال له : سقر ، وإن في سقر لجباً يقال له : هبهب ، كلما كشف غطاء ذلك الجب ضج أهل النار من حره ، ذلك منازل

__________________

(١) شركان : تثنيه شَرَك بفتحتين وهي حبالة الصائد.

(٢) بحار الأنوار : ج ٨ ، ص ٢٩٥ ، ب ٢٤ ، ح ٤٤.

(٣) بحار الأنوار : ج ٨ ، ص ٢٩٦ ، ب ٢٤ ، ح ٤٦.

١٤٣

الجبارين» (١).

١٠ ـ حديث تفسير الامام العسكري عليه السلام في قوله تعالى : (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (٢) :

«حجارة الكبريت أشد الأشياء حرّاً (أُعِدَّتْ) تلك النار (لِلْكَافِرِينَ) بمحمد والشاكين في نوته ، والدافعين لحق أخيه علي والجاحدين لإمامته عليه السلام» (٣).

١١ ـ حديث الدروع الواقية أنَّهُ لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ) بكى النبي صلى الله عليه وآله بكاءً شديداً ، وبكت صحابته لبكائه ، ولم يدروا ما نزل به جبرئيل عليه السلام ولم يستطع أحد من صحابته أن يكلمه.

وكان النبي صلى الله عليه وآله أذا رأى فاطمة عليها السلام فرح بها ، فانطلق بعض أصحابه إلى باب بيتها فوجد بين يديها شعيراً وهي تطحن فيه وتقول : (وَمَا عِندَ اللَّـهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ) (٤) فسلم عليها وأخبرها بخبر النبي صلى الله عليه وآله وبكائه.

فنهضت والتفت بشملة لها خلقة قد خطيت في اثني عشر مكاناً بسعف النخل ، فلما خرجت نظر سلمان الفارسي إلى الشملة وبكى وقال : واحزناه! إن بنات قيصر وكسرى لفي السندس والحرير ، وابنه محمد صلى الله عليه وآله عليها شملة صوف خلقة قد خطيت في اثني عشر مكاناً ، فلما دخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه وآله قالت :

«يا رسول الله! إن سلمان تعجب من لباسي.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٨ ، ص ٢٩٧ ، ب ٢٤ ، ح ٤٩.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٢٤.

(٣) بحار الأنوار : ج ٨ ، ص ٢٩٩ ، ب ٢٤ ، ح ٥٣.

(٤) سورة القصص ، الآية ٦٠ وسورة الشورى ، الآية ٣٦.

١٤٤

فو الذي بعثك بالحق ما لي ولعلي منذ خمس سنين إلا مسك (١) كبش نعلف عليها بالنهار بعيرنا فإذا كان الليل افترشناه.

وإن مرفقتنا لمن أدم حشوها ليف (٢).

فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا سلمان! إن ابنتي لفي الخيل السوابق.

ثم قالت : يا أبت! فديتك ما الذي أبكاك؟ فذكر لها ما نزل به جبرئيل من الآيتين المتقدمتين.

قال : فسقطت فاطمة عليها السلام على وجهها وهي تقول : الويل ثم الويل لمن دخل النار.

فسمع سلمان فقال : يا ليتني كنت كبشاً لأهلي فأكلوا لحمي ومزقوا جلدي ولم أسمع بذكر النار.

وقال أبوذر : يا ليت أمي كانت عاقراً ولم تلدني ولم أسمع بذكر النار.

وقال مقداد : يا ليتني كنت طائراً في الفقار ولم يكن علي حساب ولا عقاب ولم أسمع بذكر النار.

وقال علي عليه السلام : يا ليت السباع مزقت لحمي وليت أمي لم تلدني ولم أسمع بذكر النار.

ثم وضع علي عليه السلام يده على رأسه وجعل يبكي ويقول : وا بعد سفراه! وا قلة زاداه! في سفر القيامة يذهبون ، في النار يترددون ، وبكلاليب النار يتخطفون ، مرضى لا يعاد سقيمهم ، وجرح لا يداوى جريحهم ، وأسرى لا يفك أسرهم ، من النار يأكلون ، ومنها يشربون ، وبين أطباقها يتقلبون ، وبعد لبس القطن مقطعات النار يلبسون ، وبعد معانقة الأزواج مع الشياطين مقرنون» (٣).

١٢ ـ حديث موفق مولى أبي الحسن عليه السلام قال :

__________________

(١) المسك هو الجلد.

(٢) الاُدُم جمع الأديم ، وهو الجلد المدبوغ ، والليف قشر النخل.

(٣) بحار الأنوار : ج ٨ ، ص ٣٠٣ ، ب ٢٤ ، ح ٦٢.

١٤٥

«كان مولاي أبو الحسن عليه السلام إذا أمر بشراء البقل يأمر بالإكثار منه ومن الجرجير (١) فيشترى له ، وكان يقول عليه السلام : ما أحمق بعض الناس يقولون : إنه ينبت في واد في جهنم ، والله عزّوجلّ يقول : (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (٢) فكيف تنبت البقل» (٣).

١٣ ـ جديث سيّدنا عبد العظيم بن عبدالله الحسني عن الإمام محمد بن علي الرضا عن آبائه عن أميرالمؤمنين علي عليهم السلام قال :

«دخلت أنا وفاطمة على رسول الله صلى الله عليه وآله فوجدته يبكي بكاءً شديداً.

فقلت له : فداك أبي وأمي يا رسول الله! ما الذي أبكاك؟

فقال : يا علي! ليلة أسري بي إلى السماء رأيت نساء من أمتي في عذاب شديد ، فأنكرت شأنهن فبكيت لما رأيت من شدّة عذابهن ، ـ ثم ذكر حالهن إلى أن قال :

فقالت : فاطمة حبيبي وقرة عيني أخبرني ما كان عملهن.

فقال : أما المعلقة بشعرها فإنها كانت لا تغطي شعرها من الرجال ، وأما المعلقة بلسانها فإنها كانت تؤذي زوجها ، وأما المعلقة بذدييها فإنها كانت ترضع أولاد غير زوجها بغير إذنه وأما المعلقة برجليها فإنها كانت تخرج من بيتها بغير إذن زوجها ، وأما التي كانت تأكل لحم جسدها فإنها كانت تزين بدنها للناس ، وأما التي تشد يداها إلى رجليها وتسلط عليها الحيات والعقارب فإنها كانت قذرة الوضوء والثياب وكانت لا تغسل من الجنابة والحيض ولا تتنظف وكانت تستهين بالصلاة ، وأما العمياء الصماء الخرساء فإنها كانت تلد من الزنا فتعلقه في عنق زوجها ، وأما التي كانت تقرص لحمها بالمقاريض فإنها كانت تعرض نفسها على الرجال ، وأما التي كانت تحرق وجهها وبدنها وهي تجر أمعاءها فإنها كانت قوّادة ، وأما التي كان رأسها رأس خنزير

__________________

(١) الجرجير هي البقلة المعروفة وتسمّى بالفارسيّة : تره تيزك.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٢٤.

(٣) بحار الأنوار : ج ٨ ، ص ٣٠٦ ، ب ٢٤ ، ح ٦٥.

١٤٦

وبدنها بدن الحمار فإنها كانت نمامة كذابة ، وأما التي كانت على صورة الكلب والنار تدخل في دبرها وتخرج من فيها فإنها كانت قينة نواحة حاسدة.

ثم قال عليه السلام : ويل لامرأة اغضبت زوجها ، وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها» (١).

١٤ ـ حديث مشعدة بن زياد ، عن الإمام الصادق ، عن آبائه عليهم السلام أن علياً عليه السلام قال :

«إن في جهنم رحى تطحن خمساً ، أفلا تسألوني ما طحنها؟

فقيل له : وما طحنها يا أميرالمؤمنين؟

قال : العلماء الفجرة ، والقراء الفسقة ، والجبابرة الظلمة ، والوزراء الخونة ، والعرفاء الكذبة.

وإن في النار لمدينة يقال لها : الحصينة ، فلا تسألوني ما فيها؟ فقيل : وما فيها يا أميرالمؤمنين؟ فقال : فيها أيدي الناكثين» (٢).

١٥ ـ حديث محمد بن أحمد ، عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال :

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم : يا علي! إن جبرئيل عليه السلام أخبرني أن أمتي يغدر بك من بعدي فويل ثم ويل ثم ويل لهم ـ ثلاث مرات ـ

قلت : يا رسول الله! وما ويل؟

قال : واد في جهنم أكثر أهله معادوك ، والقاتلون لذريتك ، والناكثون لبيعتك ، فطوبى ثم طوبى ثم طوبى ـ ثلاث مرات ـ لمن أحبك ووالاك.

قلت : يا رسول الله! وما طوبى؟

قال : شجرة في دارك في الجنة ، ليس دار من دور شيعتك في الجنة إلا وفيها غصن من تلك الشجرة ، تهدل عليهم بكل ما يشتهون» (٣).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٨ ، ص ٣٠٩ ، ب ٢٤ ، ح ٧٥.

(٢) بحار الأنوار : ج ٨ ، ص ٣١١ ، ب ٢٤ ، ح ٧٨.

(٣) بحار الأنوار : ج ٨ ، ص ٣١٢ ، ب ٢٤ ، ح ٨٢.

١٤٧

١٦ ـ حديث أبي عبيدة ، عن أبي جعفر ـ الباقر ـ عليه السلام قال :

«إن في جهنم لواد يقال له : غساق ، فيه ثلاثون وثلاث مائة قصر ، في كل قصر ثلاثون وثلاث مائة بيت ، في كل بيت ثلاثون وثلاث مائة عقرب ، في حمة كل عقرب ثلاثون وثلاث مائة قلة سم ، لو أن عقرباً منها نضحت سمها على أهل جهنم لوسعتهم سماً» (١).

المبحث الثاني : الخلود في الجنان والنيران

ممّا لا شكّ فيه وتطابقت الأدلّة عليه أنّ أهل الجنّة مخلّدون أبداً في الجنّة ، وأنّ الكفّار والمنافقين أيضاً مخلّدون أبداً في النار.

دلّ على ذلك صريح القرآن الكريم ، ومتواتر الحديث السليم ، والاجماع الذي لم يخالف فيه أيّ عالم مستقيم.

الدليل الأوّل : القرآن الكريم :

آيات الخلود في الجنّة والنار في القرآن الحكيم كثيرة جدّاً ، وصريحة حقّاً ، وليس فيها مجال للتشكيك أبداً.

فقال عزّوجلّ :

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (٢).

وقال جلّ جلاله :

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (٣).

وقال :

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٨ ، ص ٣١٤ ، ب ٢٤ ، ح ٨٩.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٨٢.

(٣) سورة البقرة ، الآية ٣٩.

١٤٨

(كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) (١).

وقد اُحصيت آي الذكر الحكيم المصرّحة بالخلود في الجنّة والنار ، فكانت آيات الخلود في الجنّة ٣٧ آية كريمة ، وآيات الخلود في النار ٣٦ آية كريمة بالبيان المشير التالي :

أمّا آيات الخلود في الجنّة فهي في سورة البقرة ، الآيات ٢٥ و ٢٦ ، وسورة آل عمران ، الآيات ١٥ و ١٠٧ و ١٣٦ و ١٩٨ ، وسورة النساء ، الآيات ١٣ و ٥٧ و ١٢٢ ، وسورة المائدة ، الآيات ٨٥ و ١١٩ ، وسورة الأعراف ، الآية ٤٢ ، وسورة التوبة ، الآيات ٢٢ و ٧٢ و ٨٩ و ١٠٠ ، وسورة يونس ، الآية ٢٩ ، وسورة هود ، الآية ٢٣ ، وسورة إبراهيم ، الآية ٢٣ ، والكهف ، الآية ١٠ ، وسورة طه ، الآية ٧٦ ، وسورة الأنبياء ، الآية ١٠٢ ، وسورة العنكبوت ، الآية ٥٨ ، وسورة لقمان ، الآية ٩ ، وسورة الزمر ، الآية ٨٣ ، وسورة الأحقاف ، الآية ١٤ ، وسورة الفتح ، الآية ٥ ، وسورة الزخرف ، الآية ٧١ ، وسورة الحديد ، الآية ١٢ ، وسورة المجادلة ، الآية ٢٣ ، وسورة التغابن ، الآية ٩ ، وسورة الطلاق ، الآية ١١ ، وسورة البيّنة ، الآية ٨.

وأمّا الآيات المصرّحة بالخلود في النار فهي في : سورة البقرة ، الآيات ٣٩ و ٨١ و ١٦٢ و ٢١٧ و ٢٥٧ و ٢٧٥ ، وسورة آل عمران ، الآيتان ٨٨ و ١١٦ ، وسورة المائدة ، الآية ٨٠ ، وسورة النساء ، الآيات ١٤ و ٩٣ و ١٦٩ ، وسورة الأنعام ، الآية ١٢٨ ، وسورة الأعراف ، الآية ٣٦ ، وسورة التوبة ، الآيات ١٧ و ٦٣ و ٦٨ ، وسورة يونس ، الآية ٢٧ ، وسورة هود ، الآية ١٠٨ ، وسورة الرعد ، الآية ٥ ، وسورة النحل ، الآية ٢٩ ، وسورة طه ، الآية ١٠١ ، وسورة الأنبياء ، الآية ٩٩ ، وسورة المؤمنون ، الآية ١٠٣ ، وسورة الأحزاب ، الآية ٦٥ ، وسورة الزمر ، الآية ٧٢ ، وسورة فصلت ، الآية ٢٨ ، وسورة غافر ، الآية ٧٦ ،

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية ٩٧.

١٤٩

وسورة الزخرف ، الآية ٧٤ ، وسورة محمّد ، الآية ١٥ ، وسورة الجن ، الآية ٢٣ ، وسورة مجادلة ، الآية ١٧ ، وسورة الحشر ، الآية ١٧ ، وسورة ق ، الآية ٣٤ ، وسورة البيّنة ، الآية ٦ ، وسورة التغابن ، الآية ١٠.

ومع صراحة الخلود في كلا المقامين الجنّة والنار ، لا في آية واحدة بل في هذه الكثرة من الآيات في مختلف الكفار والعصاة كييف يمكن انكار الخلود أو توجيهه بما لا يقبله العقل بل يأباه الكتاب والسنّة ممّا سيأتي التعرّض إليه في دليل الاجماع.

الدليل الثاني : الحديث الشريف :

أحاديث الخلود في الجنّة والنار متظافرة متواترة ، وقد تقدّم بعضها في أدلّة السنّة المتقدّمة على الجنّة والنار ، وذكر العلّامة المجلسي جملة كثيرة منها في بابين من المجلد الثامن من البحار ، باب ذبح الموت بين الجنّة والنار ، والخلود فيهما وعلته ، وباب من يخلّد في النار ومن يخرج منها ، يكفيك من ذلك مثل :

١ ـ حديث حمران قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام :

«إنه بلغنا أنه يأتي على جهنم حين يصطفق أبوابها فقال لا والله إنه الخلود» (١).

٢ ـ حديث أبي ولّاد الحنّاط :

عن الامام الصادق عليه السلام أنه : سئل عن قوله : (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ) الآية قال :

«ينادي مناد من عند الله ـ وذلك بعد ما صار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ـ يا أهل الجنة ويا أهل النار هل ترفون الموت في صورة من الصور؟

فيقولون : لا ، فيؤتي بالموت في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ، ثم ينادون جميعاً : أشرفوا وانظروا إلى الموت.

فيشرفون ثم يأمر الله به فيذبح ، ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت أبداً ويا أهل

__________________

(١) كتاب الزهد : ص ٩٨ ، ح ٢٦٥.

١٥٠

النار خلود فلا موت أبداً وهو قوله : (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) أي : قضي على أهل الجنة بالخلود فيها وقضي على أهل النار بالخلود فيها» (١).

٣ ـ حديث أبي هاشم قال :

سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الخلود في الجنّة والنار؟

فقال عليه السلام :

«إنما خلد أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبداً.

وإنما خلد أهل الجنة في الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبداً فبالنيات خلد هؤلاء ثم تلا قوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ) قال : على نيته» (٢).

٤ ـ حديث منصور بن حازم قال :

قلت لأبي عبدالله عليه السلام : (وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)؟

قال عليه السلام :

«أعداء عليّ عليه السلام هم المخلّدون في النار أبد الآبدين ودهر الداهرين» (٣).

٥ ـ حديث أبي حمزة : عن أحدهما عليهما السلام في قوله تعالى : (بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) قال عليه السلام :

«إذا جحد إمامة أميرالمؤمنين عليه السلام فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون» (٤).

الدليل الثالث : اجماع المسلمين :

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٥٠.

(٢) علل الشرائع : ص ٥٢٣ ، ب ٢٩٩ ، ح ١.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٧٣ ، ح ١٤٥.

(٤) البحار : ج ٨ ، ص ٣٥٨ ، ب ٢٧ ، ح ٢٠.

١٥١

المستفاد من كلماتهم اجماع المسلمين على الخلود في الجنّة والنار ، وعدم الخلاف في ذلك إلّا من بعض الشاذّين.

بل إنّ مسئلة الخلود من ضروريّات الدين ، ومن البديهيّات عند الديّانين.

فالمؤمنون خالدون في الجنان ، والكفّار والمنافقون خالدون في النيران بضروري الدين واجماع المسلمين.

علماً بأن جاحدي امامة أميرالمؤمنين عليه السلام أو أحد من الأئمّة المعصومين معدودون من الكفّار ومن المخلّدين في النار.

قال الشيخ الصدوق بعد بيانه المتقدّم في الجنّة والنار بأن اعتقادنا كون الجنّة دار البقاء ، والناعر دار الانتقام والخلود للكفّار والمشركين قال ما نصّه :

«اعتقادنا في الظالمين أنّهم ملعونون والبراءة منهم واجبة ... واعتقادنا فيمن جحد امامة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب والأئمّة من بعده عليهم السلام إنّه بمنزلة من جحد نبوّة جميع الأنبياء ... واعتقادنا في البراءة انها واجبة من الأوثان الأربعة ومن الأنداد الأربعة ومن جميع أشياعهم وأتباعهم ... واعتقادنا في قتلة الأنبياء وقتلة الأئمّة أنّهم كفّار مشركون مخلّدون في أسفل دركٍ من النار» (١).

وقال العلّامة المجلسي :

«اعلم أنّ خلود أهل الجنّة في الجنّة ممّا أجمعت عليه المسلمون وكذا خلود الكفّار في النار ودوام تعذيبهم» (٢).

ثمّ أضاف بعد ذلك :

«أقول : القول بعدم خلودهم في النار نشأ من عدم تتبعهم للأخبار» (٣).

__________________

(١) شرح التجريد : ص ٢٥٠.

(٢) البحار : ج ٨ ، ص ٣٥٠.

(٣) البحار : ج ٨ ، ص ٣٦٥.

١٥٢

وقال السيّد شبّر :

«اعلم أنّه لا خلاف بين كافّة المسلمين في أنّ الكفّار الذين تمّت عليهم الحجّة مخلّدون في النار وفي العذاب» (١).

وبذلك تعرف بدليل الكتاب والسنّة والاجماع أنّ المؤمنين مخلّدون في الجنان ، وأنّ الكفّار بمن اندرج فيهم جميعاً والمنافقين مخلّدون في النيران (٢).

ويحسن التنبيه هنا على نكتة في المقام نافعة للمرام وهو بيان وجه الخلود ، يعني لِمَ يخلّد أهل الجنّة في الجنّة وأهل النار في النار مع انّ عملهم في الدنيا كان محدوداً مؤقتاً؟

والجواب :

أوّلاً : أنّ خلود أهل الجنّة لطفٌ وفضلٌ وإحسانٌ من الله تعالى ولا شك في حسنه.

وخلود أهل النار هو للكافر والمنافق ـ كما عرفت ـ للاستحقاق ممّن لم يُبقوا لأنفسهم بجحودهم مجالاً للتفضل عليهم حتّى يدخلوا الجنّة كما قال تعالى :

(بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (٣).

ثانياً : انّ خلود كلا الفريقين وأبديّتهما في الجنّة والنار بواسطة أبديّة نيّتهما في الخير والشرّ ، فيجزون بنيّتهما كما يستفاد من حديث أبي هاشم المتقدّم.

__________________

(١) حقّ اليقين : ج ٢ ، ص ١٧٨.

(٢) وبذلك يظهر فساد دعوى عدم الخلود ، أو انقلاب العذاب عذباً ، أو حسن العذاب وحسن نار جهنم بتوجيه ودعوى أن حرارة نار جهنّم توجب نضج فواكه الجنّة وما شابه ذلك من أباطيل تلاحظها في فصوص الحكم : ص ٧١٨ ، والأسفار : ج ٩ ، ص ٣٦١ ، والفتوحات المكيّة : ج ٢ ، ص ١٦١ ، كما نقله عنها أيضاً في سدّ المفر : ص ٤٨٣.

وكيف تتلائم هذه الدعاوي مع قوله تعالى : «لا يُخفّف عنهم العذاب» وقوله : «وما هم بخارجين من النار» وقوله : «كلّما خبت زنادهم سعيراً»؟!

(٣) سورة البقرة ، الآية ٨١.

١٥٣

«إنما خلد أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبداً».

ثالثاً : انّ عِظَم حجم المعصية والكفير والجحود تناسب العذاب الخالد المؤيّد الذي لا نهاية له ، فالعصيان العظيم يقتضي العذاب العظيم تناسب الجزاء مع الذنب حيث جُحد الخالق المتفضّل والمالك الحقيقي والمنعم المبتدي بالنعم ، وعُصي من لا نهاية لعظمته فيناسب أن يكون لا نهاية في عقاب معصيته.

«أنا صاحب الدواهي العظمى ، أنا الذي على سيده اجترى ، أنا الذي عصيت جبار السماء».

خصوصاً وان بعض المعاصي اعلان الحرب مع الله تعالى كقضيّة قارون الواردة في البحار : ج ١٣ ، ص ٢٥٦ الذي كان يريد هدم دين موسى الذي كان دين الله تعالى.

قال المحقّق الكراجكي في مناظراته كما في المناظرات : ج ١ ، ص ١٠٢ (انّ المعاصي تتعاظم في نفوسنا على قدر نعم المَعصىّ).

رابعاً : أنّ دوام الجزاء وخلوده نتيجة لنفس عمل الانسان ، وأثرٌ طبيعي لفعل شخص العامل خيراً أو شرّاً.

فبعض الأعمال الصالحة تتجسّم إلى نعيم دائم لعامله ككلمة لا إله إلّا الله والصلاة ، وبعض الأعمال السيّئة تتجسّم إلى عذابٍ دائم لفاعله كآكل مال اليتيم (١).

ويكون هذا العمل صالحاً أو سيّئاً بفعل نفسه وصنع نفس المكلّف ، من دون أن يكون ظلمٌ من الله جلّ جلاله ، فالدنيا مزرعة الآخرة.

__________________

(١) راجع تفصيل البحث في المقام إلى كتاب «تجسّم عمل» للأمين لمعرفة تحقيق التجسم والمصرّحين به من الأعلام ، فقد صرّح به كاشف الغطاء في الفردوس الأعلى : ص ٢٦٩ ، والشيخ الجليل التستري في فوائد المشاهد : ص ١٧١ ، والشيخ البهائي في الأربعين : ص ٢٥٥ وذكر أن به روايات الخاصة والعامة وتأتي الأحاديث التي يستفاد منها ذلك.

١٥٤

نظير الأعمال في هذه الدنيا المتعقبة لدوام النتيجة ..

ترى أن الرجل الصالح يشيّد مؤسسة رفاهيّة في يومٍ واحد يتمتّع بها طول عمره ، أو يزرع نواة تمرة وحدة يستلذ بتمره طول حياته.

وفي مقابله ترى أنّ الرجل العاصي قد ينادم شرب الخمر اسبوعاً يبتلي معه لقرحة في معدته تؤلمه طول حياته ، أو يرتكب جناية في دقيقة واحدة فيُعمى بصره وتظلم الدنيا لديه جميع أيّام عُمره ، أو يشرب قليلاً من السم فيفقد دائماً حياته ، فالدنيا مزرعة الآخرة يحصد الانسان في آخرته ما يزرعه في دنياه من خيرٍ دائم أو شرّ دائم ..

فبذور خيره تنتج له النعم المخلّدة في الجنّة.

وبذور شرّه تعقّب له العقوبات المخلّدة في النار.

فنفس الأعمال الصالحة والسيّئة تعقّب الخير والشر ، لكن لا بنحو العليّة والمعلوليّة بحيث لا تتخلّف بل بنحو الاقتضاء ، فالأعمار الشريرة بنفسها تقتضي الخلود في النار (١).

وقد يستفاد من آي الكتاب الحكيم ، وأحاديث من الهداة المعصومين انّ العذاب أثر نفس العمل بل تجسّمه.

فمن الكتاب مثل :

١ ـ قوله تعالى : (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ‌ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّـهِ) (٢).

__________________

(١) يؤيّد تجسّم وتبدّل العمل الخير بالنعيم وعمل الشر بالجحيم ، ما ذكروه في العلم الحديث ، فقد اكتشف علماء الفيزياء أخيراً أنّ القوّة في الطبيعة تتبدّل إلى المادّة كما انّ المادّة تتحوّل إلى القوّة فالأخير نظير تبدّل النفط إلى الطاقة الحراريّة ، والأوّل نظير تبدّل الطاقة الحراريّة إلى الذرّة كما فصّل بحثه كتاب (تبديل نيرو به مادّه) ، لاحظ : سدّ المفر على القائل بالقدر : ص ٢٩٢.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١١٠.

١٥٥

٢ ـ قوله تعالى : (وَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرً‌ا وَلَا يَظْلِمُ رَ‌بُّكَ أَحَدًا) (١).

٣ ـ قوله تعالى : (فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (٢).

٤ ـ قوله تعالى : (مَن كَانَ يُرِ‌يدُ حَرْ‌ثَ الْآخِرَ‌ةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْ‌ثِهِ) (٣).

٥ ـ قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (٤).

ومن الحديث مثل :

١ ـ حدريث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله :

«لمّا أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت فيها قيعاناً ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة وربما أمسكوا.

فقلت لهم : ما لكم قد أمسكتم؟

قالوا : حتى تجيئنا النفقة.

فقلت : وما نفقتكم؟

قالوا : قول المؤمن سبحان الله ، والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإذا قال بنينا وإذا سكت أمسكنا» (٥).

__________________

(١) سورة الكهف ، الآية ٤٩.

(٢) سورة القصص ، الآية ٨٤.

(٣) سورة الشورى ، الآية ٢٠.

(٤) سورة يس ، الآية ٥٤.

(٥) إرشاد القلوب : ص ٧٧.

١٥٦

٢ ـ حديث النبوي الشريف :

«الدنيا مزرعةُ الآخرة» (١).

٣ ـ حديث العلوي المبارك :

«وكما تزرع تحصد وكما قدّمت اليوم تقدّم عليه غداً ، فامهد لقدمك ، وقدّم ليومك» (٢).

٤ ـ حديث سدير الصيرفي عن الامام الصادق عليه السلام :

«إذا بعث الله المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدم أمامه ، كلما رأى المؤمن هولاً من أهوال يوم القيامة قال له المثال : لا تفزع ولا تحزن وأبشر بالسرور والكرامة من الله عزّوجلّ حتى يقف بين يدي الله عزّوجلّ فيحاسبه حساباً يسيراً ويأمر به إلى الجنة والمثال أمامه.

فيقول له المؤمن : يرحمك الله نعم الخارج خرجت معي من قبري وما زلت تبشرني بالسرور والكرامة من الله حتى رأيت ذلك ، من أنت؟

فيقول أنا السرور الذي كنت أدخلت على أخيك المؤمن في الدنيا خلقني الله عزّوجلّ منه لأبشرك» (٣).

٥ ـ حديث أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام قال :

«إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ستة صور فيهن صورة أحسنهن وجهاً ، وأبهاهن هيئة ، وأطيبهن ريحا ، وأنظفهن صورة ، فيقف صورة عن يمينه ، وأخرى عن يساره ، وأخرى بين يديه ، وأخرى خلفه ، وأخرى عند رجله وتقف التي هي أحسنهن فوق رأسه ...

فتقول أحسنهن صورة : من أنتم جزاكم الله عني خيرا؟ فتقول التي عن يمين العبد :

__________________

(١) تنبيه الخواهر عنه تجسم الأعمال : ص ٢٥٧ وعوالي اللئالي : ج ١ ، ص ٢٦٧ ، ح ٦٦.

(٢) نهج البلاغة ، الخطبة ١٤٩ ، ج ٢ ، ص ٥٦ من الطبعة المصريّة.

(٣) اصول الكافي : ج ٢ ، ص ١٩٠ ، ح ٨.

١٥٧

أنا الصلاة ، وتقول التي عن يساره : أنا الزكاة ، وتقول التي بين يديه : أنا الصيام ، وتقول التي خلفه : أنا الحج والعمرة ، وتقول التي عند رجليه : أنا بر من وصلت من إخوانك.

ثم يقلن من أنت فأنت أحسننا وجها وأطيبنا ريحا وأبهانا هيئة؟ فتقول : أنا الولاية لآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين» (١).

٦ ـ حديث الحسين بن زيد عن الامام الصادق عليه السلام عن آبائه الطاهرين عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث المناهي قال :

«من علق سوطا بين يدي سلطان جائر جعل الله ذلك السوط يوم القيامة ثعبانا من نار طوله سبعون ذراعاً ، يسلطه الله عليه في نار جهنم وبئس المصير» (٢).

٧ ـ حديث المناهي الذي جاء فيه :

«من خان جاره شبراً من الأرض جعله الله طوقاً في عنقه من تخوم الأرض السابعة حتّى يلقى الله مطوّقاً ، إلّا أن يتوب ويرجع» (٣).

٨ ـ حديث محمّد بن سالم عن الامام الباقر عليه السلام جاء فيه :

«وأنزل في مال اليتيم ، من أكله ظلماً : وذلك أن آكل مال اليتيم يجيء يوم القيامة والنار تلتهب في بطنه حتى يخرج لهب النار من فيه حتى يعرفه كل أهل الجمع أنه آكل مال اليتيم» (٤).

المبحث الثالث : أصحاب الأعراف

__________________

(١) المحاسن ، كتاب مصابيح الظلم : ص ٢٣٢ ، ح ٤٣٢.

(٢) الوسائل : ج ١٢ ، ص ١٣٠ ، ب ٤٢ ، ح ١٠.

(٣) الوسائل : ج ١١ ، ص ٣٠٩ ، ب ١ ، ح ٢.

(٤) اصول الكافي : ج ٢ ، ص ٣١ ، ح ١.

١٥٨

هُوَذا مسك الختام ، في بيان آخر مقام من مقامات الآخرة والمنزلة الأخيرة : جنّة المطيعين رزقنا الله إيّاها ، ونار العاصين أبعدنا الله منها.

ويحسن بالمناسبة الاشارة في آخر المطاف إلى أصحاب الأعراف .. الذين يعرفون كلّاً بسيماهم ، ويشفعون لأوليائهم.

والذين من عرفهم دخل الجنّة ، ومن أنكرهم دخل النار.

والذين لا يُعرف الله إلّا بسبيل معرفتهم.

أعني بهم الرسول الأكرم وعترته الطيّبين سلام الله عليهم أجمعين الذين هم أصحاب الأعراف في يوم الدين.

قال الشيخ الصدوق :

«اعتقادنا في الأعراف أنه سور بين الجنة والنار عليه رجال يعرفون كلا بسيماهم والرجال هم النبي وأوصياؤه عليهم السلام ، لا يدخل الجنّة إلا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه».

والأعراف ورد به الكتاب والسنّة.

ففي الكتاب الكريم :

قال تعالى : (وَعَلَى الْأَعْرَ‌افِ رِ‌جَالٌ يَعْرِ‌فُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ) (١).

وقال عزّ اسمه :

(وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَ‌افِ رِ‌جَالًا يَعْرِ‌فُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية ٤٦.

١٥٩

كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُ‌ونَ) (١).

وفي حديث سلمان رضوان الله عليه قال : سمت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام أكثر من عشر مرّات :

«يا علي إنك والأوصياء من بعدك أعرف بين الجنة والنار لا يدخل الجنة إلا من عرفكم وعرفتموه ولا يدخل النار إلا من أنكركم وأنكرتموه» (٢).

٢ ـ حديث تفسير الامام العسكري عليه السلام عن الامام الصادق عليه السلام أنّه قال :

«فأما في يوم القيامة فإنا وأهلنا نجزي عن شيعتنا كل جزاء ليكونن على الأعراف بين الجنة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام والطيبون من آلهم.

فنرى بعض شيعتنا في تلك العرصات فمن كان منهم مقصرا في بعض شدائدها فنبعث عليهم خيار شيعتنا كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار ونظرائهم في العصر الذي يليهم وفي كل عصر إلى يوم القيامة فينقضون عليهم كالبزاة والصقور ويتناولونهم كما يتناول البراة والصقور صيدها فيزفونهم إلى الجنة زفا» (٣).

ثمّ انه ينبغي التنبيه في باب المعاد على أن ما عُرف من الزمهرير فهو من دركات جهنّم والعقوبات المؤلمة بشدّة البرد ، فانّها مهلكة كالنار كما ذكره في سفينة البحار : ج ٣ ، ص ٤٩٥.

هذا وممّا يلزم التوجّه إليه والاعتقاد به وجود العقبات في يوم المعاد ، اسم كلّ عقبة منها اسم فرض ، أو أمر ، أو نهي ، كعقبة الولاية ، والصلاة والحج.

كلّما انتهى الانسان إلى عقبة منها وكان قد قصّر فيها ، حبس عندها وطولب بحقّ الله

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية ٤٨.

(٢) البحار : ج ٨ ، ص ٣٣٧ ، ب ٢٥ ، ح ٩.

(٣) البحار : ج ٨ ، ص ٣٣٧ ، ب ٢٥ ، ح ١٣.

١٦٠